إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله الا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله
" أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون" العمران (102)

"يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا " النساء1

"يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما " 70- 71 الاحزاب

اما بعد

فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم
وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار
بوب البخاري في صحيحه باب
( ما ينهي من دعوى الجاهلية )

عن جَابِرًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ
غَزَوْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ ثَابَ مَعَهُ نَاسٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ حَتَّى كَثُرُوا وَكَانَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلٌ لَعَّابٌ فَكَسَعَ أَنْصَارِيًّا فَغَضِبَ الْأَنْصَارِيُّ غَضَبًا شَدِيدًا حَتَّى تَدَاعَوْا وَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ يَا لَلْأَنْصَارِ وَقَالَ الْمُهَاجِرِيُّ يَا لَلْمُهَاجِرِينَ فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَا بَالُ دَعْوَى أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ؟؟
ثُمَّ قَالَ مَا شَأْنُهُمْ فَأُخْبِرَ بِكَسْعَةِ الْمُهَاجِرِيِّ الْأَنْصَارِيَّ قَالَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعُوهَا فَإِنَّهَا خَبِيثَةٌ. " متفق عليه
وفي رواية" دعوها فإنها منتنة
" مسلم

( ثاب ) اجتمع . ( لعاب ) يلعب بالحراب كما تصنع الحبشة وقيل مزاح واسمه جهجاه بن قيس الغفاري وكان أجير عمر بن الخطاب رضي الله عنه . ( فكسع ) من الكسع وهو ضرب العجز والمأخرة بالقدم او أي شيء آخر . ( تداعوا ) استغاثوا ونادى بعضهم بعضا .
( ما بال دعوى الجاهلية ) ما حالها بينكم وهي التناصر والتداعي بالآباء أي لا تداعوا بها بل تداعوا بالإسلام الذي يؤلف بينكم .
( ما شأنهم ) ما جرى لهم . ( دعوها ) اتركوا هذه المقالة . ( خبيثة ) قبيحة منكرة وكريهة مؤذية تثير الغضب والتقاتل على الباطل


افبدعوى الجاهلية ايها الإخوة؟


صراع وقتال وملاحم وتراشق التهم والألفاظ الموحلة ... وكل حزب بما لديهم فرحون؟

"فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون"
المؤمنون 53

هذا يشهق وذاك يزفر وثالث مصفق ورابع ينتظر الورقة الرابحة
عوير او كسير او ثلاث ما فيه خير

فينشأ الحقد والحسد والكبر والعجب والبغي والعدوان و بطر الحق وغمط الناس واستسهال الكذب والدعاوى الباطلة وتكذيب الحقائق وإنكار فضائل الغير
وهذا يقول نحن الذين بنينا وانتم الذين هدمتم
ويرد عليه بل نحن الذين اصلحنا وانتم من افسدتم
منا فلان الفلاني وانتم لا فلان لكم
الى آخر ما يزيد القلوب ظلمة ووحشة

قال النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون ولكن في التحريش بينهم" احمد وغيره واصله عند مسلم
فهاهو يسعى بين اظهرنا فى التحريش بيننا بالخصومات والشحناء والحروب والفتن ونحوها

ولقد قال الله
"منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون"
الروم 30-31


وقال السعدي" وفي هذا تحذير للمسلمين من تشتتهم وتفرقهم فرقا كل فريق يتعصب لما معه من حق وباطل، فيكونون مشابهين بذلك للمشركين في التفرق بل الدين واحد والرسول واحد والإله واحد.
وأكثر الأمور الدينية وقع فيها الإجماع بين العلماء والأئمة، والأخوة الإيمانية قد عقدها اللّه وربطها أتم ربط، فما بال ذلك كله يُلْغَى ويُبْنَى التفرق والشقاق بين المسلمين على مسائل خفية أو فروع خلافية يضلل بها بعضهم بعضا، ويتميز بها بعضهم عن بعض؟
فهل هذا إلا من أكبر نزغات الشيطان وأعظم مقاصده التي كاد بها للمسلمين؟
وهل السعي في جمع كلمتهم وإزالة ما بينهم من الشقاق المبني على ذلك الأصل الباطل، إلا من أفضل الجهاد في سبيل اللّه وأفضل الأعمال المقربة إلى اللّه؟"

هذا كلام السعدي رحمه الله " على مسائل خفيه او فروع خلافيه "! فما قوله لو رأى النزاع الدموي على كرة مطاطيّه !!


وعن أبي هريرة
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية ومن قاتل تحت راية عُميّة يغضب لعصبة أو يدعو إلى عصبة أو ينصر عصبة فقتل فقتلة جاهلية ومن خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها ولا يتحاش من مؤمنها ولا يفي لذي عهد عهده فليس مني ولست منه" مسلم
( ميتة جاهلية ) أي على صفة موتهم من حيث هم فوضى لا إمام لهم
(عمية ) هي بضم العين وكسرها لغتان مشهورتان والميم مكسورة والياء مشددة أيضا قالوا هي الأمر الأعمى لا يستبين وجهه كذا قاله أحمد بن حنبل والجمهور قال إسحاق بن رهويه هذا كتقاتل القوم للعصبية
(لعصبة ) عصبة الرجل أقاربه من جهة الأب سموا بذلك لأنهم يعصبونه ويعتصب بهم أي يحيطون به ويشتد بهم والمعنى يغضب ويقاتل ويدعو غيره كذلك لا لنصرة الدين والحق بل لمحض التعصب لقومه ولهواه كما يقاتل أهل الجاهلية فإنهم إنما كانوا يقاتلون لمحض العصبية
(فقتلة ) خبر لمبتدأ محذف أي فقتلته كقتلة أهل الجاهلية
(ولا يتحاشى ) وفي بعض النسخ يتحاشى بالياء ومعناه لا يكترث بما يفعله فيها ولا يخاف وباله وعقوبته


وقال الحكيم الخبير" ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم"
هود 118-119

هذه الاية تعني ان الخلاف واقع لا محالة لكن لا يجر ذلك الى الفرقة
واتخاذ رؤوس وشيع يغضب لغضبهم ويسخط لسخطهم

قال تعالى "ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم" ال عمران 105

فذكر الاختلاف بعد التفرق لأن الاختلاف دون التفرق سنة كونية
اما الاختلاف مع التفرق فهو سنة جاهلية


من خطورة التعصب للحزب ومشتقاته...

قال عبد الحق بن ملا حقى التركماني" فأول ذلك ان النعرة الجاهلية تدفع صاحبها على الاعتراض على الله تعالى في خلقه حتى يود لو ان الله تعالى لم يخلق الا القوم الذي هو ينتمي اليهم وكم سمعنا ممن اصيب بهذا المرض يصرخ انه ما كان لله تعالى ان يخلق هؤلاء القوم او اولئك
وربما اشتد في غيه فرمى الرب القدير بالخطأ والظلم والجهل!
تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا وهذه نزعة شيطانية خالصة
فقد كان ابليس اول المعترضين على خلق آدم وهو أبو النوع الانساني
فمن اعترض على خلق بعض ذريته عليه السلام كان متابعا للسنة الشيطانية القديمة يحمله على ذلك الكبر والعجب والغرور كما اخبر الله سبحانه عن ابليس " قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين " الاعراف 12"


فائدة جليلة...

يقول ذو الجلال والاجرام
"وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمة ربك خير مما يجمعون " الزخرف31- 32

قال ابن كثير:
" { لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم } أي هلا كان إنزال هذا القرآن على رجل عظيم كبير في أعينهم من القريتين ؟ يعنون مكة والطائف قاله ابن عباس رضي الله عنهما وعكرمة...
وقد ذكر غير واحد منهم أنهم أرادوا بذلك الوليد بن المغيرة وعروة بن مسعود الثقفي...
والظاهر أن مرادهم رجل كبير من أي البلدتين كان قال الله تبارك وتعالى رادا عليهم في هذا الإعتراض { أهم يقسمون رحمة ربك ؟ } أي ليس الأمر مردودا إليهم بل إلى الله عز وجل والله أعلم حيث يجعل رسالاته...
{ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا } قيل معناه ليسخِّر بعضهم بعضا في الأعمال لاحتياج هذا إلى هذا وهذا إلى هذا قاله السدي وغيره..."

لم يكتب الكمال لأحد بل ليستفيد الأحد من الأحد فالمشاكل الفرعية والخلافات الدنيوية والسخافات الجاهلية مقرها تحت القدم
كما قال النبي صلى الله عليه وسلم "... ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع ودماء الجاهلية موضوعة..." مسلم وغيره


شبهة...

لا زال الناس يتسمون بالشافعي و المالكي وهذا شامي وآخر عراقي بل حتى في السلف الأول هذا بدري واخر انصاري وكذا فليس في هذا أي حرج فما الذي تنقم؟

نقول هذا الكلام لا تثريب عليه البتة
بل التثريب في فمن يجعل ذلك جدارا يستند اليه وملاذا يأوي اليه ويجعل الحق الذي لا مرية فيه وراءه ظهريا بل حتى اذا كان الخطأ لازمه لا محالة منه زينه وطيبه حتى لا تفوح ريحه
فهذا الذي نمقته لابد للمسلم ان يكون نصرته للحق خاصة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ولقد دلت نصوص كثيرة على هذا من الكتاب والسنة ولسنا بصدد ذلك...
فمن قام في الحق وبالحق قمن ان يحصل له خيري الدنيا والآخرة


تقريب الصورة بحديث بليغ...

عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ
مَنْ نَصَرَ قَوْمَهُ عَلَى غَيْرِ الْحَقِّ فَهُوَ كَالْبَعِيرِ الَّذِي رُدِّيَ فَهُوَ يُنْزَعُ بِذَنَبِهِ" ابوداود
قال الالباني صحيح موقوف مرفوع


قال البرجس رحمه الله: والمعنى ان من نصر قومه على غير الحق فقد أوقع نفسه في الهلكة بتلك النصرة الباطلة حيث اراد الرفعة بنصرة قومه فوقع في حضيض بئر الإثم وهلك كالبعير فلا تنفعه تلك النصرة كما لا ينفع البعير نزعه عن البئر بذَنَبه.

قال القاري في مرقاة المفاتيح: شبه النبي صلى الله عليه وسلم القوم ببعير هالك وشبه ناصرهم بذنب هذا البعير فكما ان نزعه بذَنَبه لا يخلصه من الهلكة كذلك هذا الناصر...



قبل أن تغرق السفينة...

يقول الرب جل جلاله" يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير " الحجرات 13


هذا هو المقياس فلا فرق بين ابيض او اصفر او حتى اخضر!
ولا جماعة على جماعة ولا منطقة دون اخرى الا بالتقوى

فلا بد من التكاتف التكاتف رحمكم الله لا التآكل ولا التباغض ولا التشاحن ولا التراشق وتبادل الاتهامات ...
الكل خطاء ويسعى كل من عنده الصواب ان يصحح ما لدى الاخر برفق ولين وادب وتعاون حتى لا تغرق السفينة ويغرق من فيها!!
من جراء اناس لا ينظرون الى عواقب الكلمات والأفعال

ولقد كان الحال في ماض ليس ببعيد الهمز واللمز بين القرى هذا مدني وهذا فلاحي وهذا اذا رأى شيء اشتهر عند الآخر نعته يا... ويرد عليه انتم الذين كذا وكذا
ثم تطور الحال الى الشعوب والقبائل هذا صعيدي وهذا هندي وذاك سعودي ومصري...
بل تطور هذا الى ان بلغ رجال الدين !!
ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم ... حتى ذكروا عن بعض المذاهب انه حصل بينهم بعض الخلافات في مسألة الوضوء وفي ومسألة الإيمان
فقام اصحاب المذهب الأول فقالوا لا يصلى خلف هؤلاء لأنهم لا يرون فساد وضوء من مس كذا وكذا فصلاتهم بطالة !!!
والفريق الآخر افتى بعدم جواز الزواج من الفريق الثاني لأنهم يستثنون في الايمان – المقولة / انا مؤمن ان شاء الله-
فقالوا من قال هذا فهو في شك ومن شك كفر ومن كفر لا يحل الزواج منه !!!
فجاء من بعدهم فتواسط – يسمى مفتي الثقلين!!- فقال" بل ننزلهم منزلة اهل الكتاب"!!!
الله اكبر وقديما قالوا
" حبك للشيء يعمي ويصم"

يقول تعالى
"وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين
إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون
يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون
" الحجرات 9-11

ويقول جل جلاله
"وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا..." الحج 78
من قبل: أي الكتب السابقة التوراة والانجيل والزبور
وفي هذا: أي القرآن



وقال تعالى "وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ" ال عمران 103


وعن النعمان بن بشير قال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "المؤمنون كرجل واحد إن اشتكى رأسه تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر" مسلم


عن أبي هريرة رضي الله عنه
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تناجشوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا" بخاري وغيره


وختاما اسأل المولى ان يجمعنا في ظل طاعته واترك سؤالا كما تركه الله في كتابه ليبيت مع كل واحد منا في خلده
"أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون"
المائدة 50