إن سيرة النبى صلى الله عليه وسلم لهى سراج يُنير لنا الطريق فى هذه الحياة وبهديه صلى الله عليه وسلم فى كل أحواله ومعاملاته وقضائه وتدبيره وسياسته نهتدى للصراط المستقيم صراط الذين أنعم الله عليهم غير المغصوب عليهم ولا الضالين ، وإن المرأ فى ظل ما يحيط به من أحداث وملابسات لينظر فى هذا الهدى وتلك السيرة فيرى الدنيا من حوله من منظورهما مثلما أن الذى يلبس النظارة يرى الدنيا بلون عدستها ، إلا أن الذى يميز النظارة الإسلامية أنها تُرى من خلالها الدنيا بألوانها الحقيقية .

وفى ظل الفتنة التى بين أهل مصرين من أمصار المسلمين وما أحاط هذه الفتنة وما تخللها من أحداث ومواقف وصياح ونعيق ونباح فإن المرأ ليلجأ إلى سيرة النبى صلى عليه وسلم ليستخرج منها ما يعينه على رؤية الأمور فى نصابها الصحيح .

روى البخارى ومسلم والنسائى والترمذى واللفظ للترمذى عن جابر بن عبد الله يقول كنا في غزاة قال سفيان يرون أنها غزوة بني المصطلق فكسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار فقال المهاجري ياللمهاجرين وقال الأنصاري ياللأنصار فسمع ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال ما بال دعوى الجاهلية قالوا رجل من المهاجرين كسع رجلا من الأنصار فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوها فإنها منتنة فسمع ذلك عبد الله بن أبي ابن سلول فقال أوقد فعلوها والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل . الحديث

ودعونا نستخلص بعض الدروس المستفادة من هذه الحادثة فى سيرة النبى صلى الله عليه وسلم ثم نطبق هذه الدروس المستفادة من هذه الحادثة على الواقع

أولا : أن بغى طائفة من المؤمنين على أخرى أمر وارد بديل حدوثه فى خير القرون .

ثانيا : أن النعرات العرقية والقبلية ونحوهما هو أمر مرفوض رفضا باتا وأنه شر محض .

ثالثا : أن وأد الفتنة الواقعة بين المسلمين مقدم على الانتصار من الطرف المُعتَدِى للمُعتَدَى عليه .

رابعا : أن الفتن ظرف ملائم لدسائس المنافقين ونفث سمومهم وترويج أفكارهم وتفريغ أحقادهم وتحقيق أغراضهم .



ولن أتوقف ههنا عند السلوك الإعلامى الموغل فى الإنحطاط الذى مورس من قبل الصبية والغلمة سفهاء الأحلام فى كثير من وسائل الإعلام والذى يسيىء فى المقام الأول للطرف الصادر منه هذا السلوك أكثر من كونه إساءة للطرف الآخر وكونى متابع للجانب المصرى فأنا أخص بالذكر هذا الجانب لاسيما قدامى لاعبى كرة القدم أو " شلة الكباتن " من ذوى أحلام العصافير ، دع أجسام البغال !

الفائدة الأولى : كما تقدم الفتن ظرف مواتى لأهل النفاق والذين فى قلوبهم مرض لتمرير مخططاتهم وتحقيق أغراضهم فى تكريس تشرذم الأمة ، والحيلولة دون رأب الصدع ، وتعميق الشقاق

رأينا كيف استغل المنافقون من القطريين الظرف وراموا تحويل وجهة الغضب الذى يختلج فى الصدور بحيث يصب فى صالح أن يحمى المصرى لمصريته والجزائرى لجزائريته وينسى الجميع أنهم أولا وأخيرا و قبل كل شىء مسلمون وأنهم أمة واحدة من دون الناس و يد على من سواهم ، ونقض مبدأ أساسى وقيمة جوهرية من مبادىء وقيم الإسلام وهو المستفاد من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : من قاتل تحت راية عمية يغضب لعصبة أو يدعو إلى عصبة أو ينصر عصبة , فقتل , فقتلته جاهلية .

ورأينا كيف أن الأنظمة الجائرة المستبدة التى لا ترقب فى مؤمن إلا ولا ذمة ولا تعبأ بشىء فى هذه الدنيا سوى بمصالحها الفئوية الضيقة ركبت الموجة لتبدو بمظهر المدافع عن حقوق وكرامة الشعوب " المتسلطة عليها " بالرغم من أنها أول من يهدر كرامة هذه الشعوب ويسلب حقوقها ويضيعها ويسومها سوء العذاب وليست جرائم النظام الجزائرى والمذابح التى ارتكبها ضد شعب الجزائر عنا ببعيد ، وعلة الشعوب الإسلامية وسبب شقائها هو تلك الأنظمة أو بتعبير أدق تلك العصابات .

الفائدة الثانية : قيمة إسلامية أخرى افتقدناها لاسيما فى غمار هذه الفتنة الحمقاء وهى عدم جواز أن يحقّر المسلم أخاه المسلم أو أن يقزمه وأن ينظر إليه نظرة استعلاء وهى المستفادة من قول النبى صلى الله عليه وسلم : المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله ولا يكذبه ولا يحقره . وقوله : سباب المسلم فسوق وقوله في الخيلاء التي يبغضها الله : الاختيال في الفخر والبغي قال شيخ الإسلام ابن تيمية : فكان في ذلك ما دل على أن الاستطالة على الناس إن كانت بغير حق فهي بغي ; إذ البغي مجاوزة الحد وإن كانت بحق فهي الفخر ، وقال :

وقال النبي صلى الله عليه وسلم { الكبر بطر الحق وغمط الناس } فالفخر يشبه غمط الناس فإن كلاهما تكبر على الناس .



وأما بطر الحق - وهو جحده ودفعه - فيشبه الاختيال الباطل فإنه تخيل أن الحق باطل بجحده ودفعه . ثم هنا وجهان : " أحدهما " أن يجعل الاختيال وبطر الحق من باب الاعتقادات وهو أن يجعل الحق باطلا والباطل حقا فيما يتعلق بتعظيم النفس وعلو قدرها فيجحد الحق الذي يخالف هواها وعلوها ويتخيل الباطل الذي يوافق هواها وعلوها ويجعل الفخر وغمط الناس من باب الإرادات فإن الفاخر يريد أن يرفع نفسه ويضع غيره وكذلك غامط الناس .



يؤيد هذا ما رواه مسلم في صحيحه عن عياض بن حمار المجاشعي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { إنه أوحي إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد } فبين أن التواضع المأمور به ضد البغي والفخر . اهـ






ورأينا كيف ارتفعت أصوات المنافقين والغوغاء والدهماء بالسباب والاهانات والتصغير لشعب مسلم بكامله والسخرية من رموزه و أمجاده من جهة واختزالها فى ثورة ضد المستعمر من جهة أخرى والزعم أنه شعب همجى فظ دموى ذو سيكولوجية مضطربة ,ولو أنهم نظروا الى تاريخ الشعب الجزائرى نظرة انصاف لعلموا ان القول بأن الشعب الجزائرى لا جذور له مغالطة كبرى فأين هذه الدعاوى من ماسينيسا Masinissa أشهر ملوك مملكة نوميديا الذى وحد الأمازيغ تحت حكم مملكة واحدة منذ اكثر من ألفى عام ؟ وما حدث فى عهده من تطور سياسى واقتصادى وادخاله نظم الرى القرطاجية وحمله كثير من قبائل الأمازيغ الرحل على الاستقرار كمزارعين . وحتى لو افترضنا جدلا انهم شعب لا تاريخ لهم فى إطار حضارى منظم فإن العرب قبل الإسلام كانوا كذلك بلا دولة وبلا حضارة , ولكن بعد الإسلام صاروا خير الأمم وأقواها شوكة وأعظمها حضارة , فشرف الإسلام لا يدانيه شرف ولا يكاد يضيف إليه شىء تاريخ يرجع إلى ألفى عام أو إلى سبعة آلاف عام , فكم من أمم دخلت الإسلام وهى إلى البداوة أقرب منها إلى المدنية فأعزها الله بالإسلام وأعز بها الإسلام , وأول هذه الأمم العرب وآخرها الترك والمغول , والأمازيغ فى ذلك لا يتميزون عن أسلافهم , فمن الأمازيغ خرج طارق بن زياد فاتح الأندلس ومنهم قامت دولة المرابطين ودولة الموحدين الذين صابروا أوروبا مائتى عام, وحموا الإسلام فى المغرب والأندلس طيلة هذه القرون , وإليهم ينتمى أناس من أعظم قادة التاريخ الإسلامى مثل يوسف بن تاشفين , وفى مواجهة الاستعمار الفرنسى سطع فى سماء التاريخ الاسلامى أسماء من وزن الأمير عبد القادر الجزائرى وأحمد باى والشيخ أبو عمامة وغيرهم .

وكذا فمنهم خرج الشيخ محمد بن يوسف السنوسى مؤسس الحركة السنوسية التى كان لها دور فى الصحوة الإسلامية فى المغرب العربى ورفعت راية الجهاد ضد ثلاث قوى استعمارية كبرى على مدى قرن من الزمان هى فرنسا وإيطاليا وبريطانيا .

وبغض النظر عن كل هذا فان الطعن فى البربر واتهامهم بالهمجية و تحقيرهم حتى فى إطار النظرة القطرية الضيقة لا يستقيم وهو إهانة " لمواطنين " مصريين , فلا أدرى كيف سيرد دعاة القطرية المقيتة العفنة ، التى هى بمنزلة حصان طروادة ، على حقيقة أن ساكنى الصحراء الغربية المصرية و واحاتها هم خليط من الأمازيغ وعرب الصحراء وغيرهم ؟ (1) أم أنهم يدعونهم للانفصال؟

إن هذه الدعوة القطرية ما هى الا دعوة عنصرية تفتيتية لنسف أى إمكانية لوحدة الأمة والتئام شملها , فهؤلاء القطريين هم منافقو العصر واصحاب دعوة سلولية جديدة تدعى الفضل على سائر الشعوب بغير معيار التفضيل الحقيقى وهو الإسلام والتقوى , وقد وجدوا فى هذه الأجواء المتوترة بيئة خصبة لكى يرتعوا وينشطوا ويؤذوننا بزحار افكارهم ويزكموا أنوفنا بضراطهم وفسائهم ويفرغوا القيح والصديد المحتقن فى داخلهم , ويطلقوا العنان لدعواتهم التى تثير النعرات وحمية الجاهلية .

ولا أنفى أن كثيرا منا كمسلمين عرضة لأن ييستجيبوا لهذه الدعوات الجاهلة المنتنة , فقد تحركت لها نفوس خير الناس على عهد رسول الله عندما حاول اليهود إزكاء نار الفتنة بين الأوس والخزرج حتى كادوا أن يتقاتلوا , وكذا حمى سعد بن عبادة للمنافق أبى بن سلول مع حسن إيمانه ، لكن أسأل كل مسلم هل تفضل ان تقتدى برسول الله صلى الله عليه وسلم فتطفىء نار هذه الفتنة أم أن تقتدى باليهود والمنافقين فتزكيها ؟

إن " السلوليين " من آل فرعون وآل كسيلة * لا خلاف بينهم , فكلا الطرفين متواطىء على أمة الاسلام وكلاهما يهدف الى بث الفرقة بين أبناء الأمة الواحدة , ولا فارق بين أن يكون هذا صبى لفرنسا أو أن يكون ذاك غلام للصهيوأمريكية .



------------ --------- ---------

(1) The inhabitants of the Western Desert, outside the oases, are of mixed Arab and Berber descent…………………………………,

The original inhabitants of the oases of the Western Desert were Berber. Many peoples have since mixed with them, including Egyptians from the Nile Valley, Arabs, Sudanese, Turks, and, particularly in the case of al-Khārijah, black Africans—for this was the point of entry into Egypt of the caravan route from Darfur, the Darb al-Arbaʿīn.

Britannica Encyclopaedia , Egypt , Ethnic composition



· كُسيلة أحد زعماء البربر وقائد تحالف صنهاجة والذى تولى كبر الممانعة البربرية للفتح الإسلامى لشمال أفريقيا .





منقول بتصرف