النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: حكمة الوجود..

  1. #1

    افتراضي حكمة الوجود..

    ماذا وراء هذا الوجود؟ ولماذا خلقنا؟ ومن أين جئنا؟ وإلى أين نذهب؟
    كل هذه أسئلة تراود كل إنسان من حيث هو إنسان لا من حيث كونه متحضراً، أو متعلماً أو مؤمناً أو كافراً، فلا علاقة لهذه الصفات كلها، فكل إنسان بما أنه إنسان؛ فإنه تراوده هذه الأسئلة دائماً في أي زمن عاش فيه، سواء في الأزمان السحيقة الغابرة، أم في هذا القرن، أم في قرون قادمة، أم في أي بيئة أو زمان؛ فلا بد من أن يلح هذا السؤال على الإنسان، من أين جئت؟ وما هدفي في هذه الحياة؟ وإلى أين أذهب؟ وهذه فطرة أودعها الله تبارك وتعالى في قلوب جميع العباد.
    إلا الحيوان؛ فهو المخلوق الذي لا يفكر إلا في اللحظة التي هو فيها، مهما كان ذكياً فهو يفكر في اللحظة التي هو فيها فقط، كيف يأكل العشب في هذه اللحظة، ولذلك ليس للحيوان تأريخ، لا في الحيوان كفرد، ولا في القطيع كنوع؛ لأنه لا يفكر في تأريخه، ولا يفكر في ماضيه، وأيضاً لا يفكر في مستقبله وإلى أين سيذهب؟ وما هي نهايته؟ وما هي نهاية هذا الجنس أو هذا النوع؟ فهو لا يفكر في شيءٍ من ذلك؛ وإنما يفكر في اللحظة التي هو فيها -إن سمينا عمله تفكيراً- وينتهي الأمر عند هذه الحدود.
    ولكن الإنسان ميزه الله تبارك وتعالى عن الحيوان بميزات عظيمة جداً، قال تعالى: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ [الإسراء:70] وقال أيضاً: لَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ [التين:4] أي تكريم عظيم بخصائص عضوية خلقية وتكوينية، وخصائص عقلية روحية، وكل أنواع الخصائص التي ميز الله تبارك وتعالى بها الإنسان.
    فمن ذلك أنه يفكر هذا التفكير، ويسأل نفسه هذا السؤال؛ ولكن الاهتداء إلى الجواب الصحيح ليس من شأن كل إنسان، إنما هو فضل من الله تبارك وتعالى يؤتيه من يشاء.
    من دروس الشيخ :سفر الحوالي.
    التعديل الأخير تم 12-29-2009 الساعة 07:11 AM

  2. #2

    افتراضي

    · حكمة الوجود مركوزة في الفطر:
    أما القضية ذاتها فإنها مركوزة في الفطر، يقول الله تبارك وتعالى: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى * الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى[الأعلى:1-3] ويقول على لسان نبيه موسى عليه السلام لما قال له الطاغية فرعون: قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى * قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى[طه:49-50].
    فالله تبارك وتعالى أعطى كل شيءٍ خلقه ثم هدى -خلق فسوى وقدر فهدى- فأصل الهداية قد تكفل الله تبارك وتعالى بها، وهذه نعمة كبرى وفضل من الله تبارك وتعالى؛ فلم يكلنا إلى أنفسنا، بل تكفل لنا بهذا الشيء العظيم الذي بدونه لا تكون الحياة حياةً إنسانيةً أصلاً.
    وهل معنى هذه الهداية أن كل إنسان يعرف الجواب الصحيح؟ لا. لكن معناها أن كل إنسان ميسر له أن يعرف الجواب الصحيح؛ فقد فطر الله تبارك وتعالى العباد جميعاً على الإيمان به وعلى معرفته، وعلى التوحيد كما قال جل شأنه: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ[الروم:30].
    فلا يمكن بأية حال من الأحوال أن يولد إنسان إلا وهو على هذه الفطرة، كما قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : {ما من مولود إلا وهو يولد على الفطرة -وفي رواية: على الملة - فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه } وكل الروايات تدل على أن كل مولود يولد على الإسلام وعلى التوحيد؛ تحقيقاً للعهد الذي أخذه الله تبارك وتعالى: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى[الأعراف:172].
    فكل إنسان ميسر له أن يهتدي إلى الجواب؛ وهو أن يعرف أن الله خلقه لعبادته، وأن معرفة الله هي أعز ما يسعى إليه كل مخلوق، وهي الغاية التي ليس بعدها غاية أبداً، لكن الذي حدث هو الابتلاء من الله تبارك وتعالى وهذا ما دل عليه القرآن كما قال الله تبارك وتعالى: إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً[الإنسان:3].
    فهو تبارك وتعالى مع بيانه لحكمة الوجود، ومع أنه فطر الناس على الهداية والاهتداء إليه؛ لكنه جعل مكان الابتلاء ومحل الابتلاء إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً[الإنسان:3] وهكذا يمكن أن يكون الإنسان: إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً[الإنسان:3].
    · نظرة الجاهلية الأولى للوجود:
    والجاهلية الأولى التي بعث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيها -نعني بها جاهلية قريش والعرب- ماذا كانت نظرتهم للوجود؟ لقد كانوا يقولون: ما هي إلا أرحام تدفع، وأرض تبلع، وما يهلكنا إلا الدهر.
    وقال قائلهم :
    أموت ثم بعث ثم حشر...........حديث خرافة ياأم عمرو
    فكانوا لا يتصورون أن لهذا الوجود حكمة ولا غاية؛ إنما هي أرحام تدفع، أي : "تنتج المواليد"، ثم أرض تبلع في النهاية؛ ولذلك قالوا: أَإِذَا كُنَّا عِظَاماً نَخِرَةً * قَالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ[النازعات:11-12] أي كيف -بعد أن نكون عظاماً نخرة- نعود إلى حياة جديدة؟!
    فالوجود عندهم ينتهي بهذه الحياة الدنيا فقط، والدهر -أي: مرور الأيام والليالي- هو الذي يهلك والذي يفني، ولا شيء وراء ذلك.
    فهكذا كانت غفلتهم، والعمى الذي ضربه الله تعالى على قلوبهم.
    ومع ذلك فالفطرة تلح عليهم إلحاحاً شديداً، وقد كان منهم الشعراء وهم أكثر إرهافاً وإحساساً؛ فالشعراء كانوا يتخيلون أنه لا يمكن أن يكون وراء هذا العالم إلا شيء آخر، وكذلك الخطباء وأمثالهم من أصحاب الإرهاف في الحس، يقولون: لا بد أن وراء هذا العالم عالماً آخر، ولا بد أن لهذا الوجود حكمة وغاية أكثر من مجرد أنها أرحام تدفع، وأرض تبلع، وهذا موجود في أشعارهم.
    ولما أرسل الله النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بهذا الدين العظيم؛ جاءت الهداية الكبرى من عند الله تبارك وتعالى، وقضت على ما شاء الله تعالى أن تقضي عليه من الضلال والحيرة والاضطراب الذي كان يسود الأرض أو معظمها من أجل:
    لماذا جئنا؟ ولماذا خلقنا؟
    لقد كان الناس إما أن يتدينوا على باطل، كحال اليهود والنصارى وأتباعهم، أو يتيهون ويحارون ولا يدرون بمَ يتدينون، وقصة سلمان الفارسي رضي الله عنه معروفة، فقد رفض النار التي كان يعبدها أبوه، ثم هاجر إلى العراق، فوجد راهباً هنالك وتعلم الدين عنده، وتعبد بدينه؛ ثم سلمه الراهب عند الموت إلى راهب آخر؛ ثم ذهب إلى الآخر؛ ثم إلى آخر؛ ثم بيع رقيقاً.
    ثم أتى إلى المدينة -كل ذلك وهو يبحث عن الحق- فكان يشعر أن لله ديناً، وأن هذا الدين حق، وهو غير ما يتدين به، وغير ما يسمع، وغير ما عند اليهود والنصارى والمجوس، حتى عرف الحق ووفقه الله تبارك وتعالى له، وأمثال سلمان رضي الله تعالى عنه قليل؛ فأكثر الناس يأكل ويشرب وينام ولا يفكر على الإطلاق، ولا يبالي بهذا السؤال وبالإجابة عليه.
    لقد كانت ظاهرة البحث عن الدين الحق ومعرفة سر الوجود؛ مقتصرة على أفراد قلائل؛ لأن الناس كانوا يعيشون -إلى حد ما- في طمأنينة بما يدينون به من معتقدات، وهذه نقطة مهمة في التاريخ؛ فـاليهود والنصارى، والمجوس، والبراهمة ، وكل الأديان التي كان يعتنقها الناس كان لديهم اطمئنان إلى أنها هي الدين الصحيح؛ ولهذا لا يبحثون عن الحكمة من الوجود خارج هذا الدين.
    · 2 – اوروبا وتحولها من كفر الخرافة والجهل إلى كفر الطبيعه والعلم:
    ثم تحولت القضية، وأصبحت ظاهرة عامة، وبدأ ذلك في أوروبا خاصة؛ لأن أوروبا تعرضت لما لم يتعرض له غيرها من الأمم، فقد تعرضت أوروبا لتأثير الحضارة الإسلامية وتأثير الإسلام عامة، وهذا التعرض جعلها تكتشف أن ما هي عليه من الحياة؛ إنما هي حياة لا إنسانية؛ بل همجية ووحشية؛ فأخذوا بما يسمى (النهضة الأوروبية)، فشرعوا في النهضة.
    إلا أن العداء للإسلام منعهم من أن يعتنقوا الإسلام فينعموا بعدالة الإسلام وهدايته وطمأنينته؛ واستفادوا من المسلمين في (سلوك المنهج التجريدي العلمي) واستفادوا من المسلمين في (النظر والبحث العقلي) في حين كانت الهيئة الدينية المسماة بالكنيسة تفرض عليهم كل شيء فرضاً وقسراً وقهراً وإن لم يقبله العقل؛ وهل يقبل العقل شيئاً من خرافات النصارى؟! لا يقبلها.
    ولكن العقل الأوروبي أُرغم على أن يقبلها؛ فلما استفاد من الحضارة الإسلامية بصيصاً من الحق والنور؛ رفض حضارته ودينه -وإن كان لم يدخل في دين المسلمين- فتزعزعت ثقة الإنسان الأوروبي فيما كانت الكنيسة تمليه عليه من حكمة الوجود وسبب الوجود، فقد كان الأوروبي يؤمن بأن الغاية من الوجود هو التكفير عن الخطيئة.
    وذلك أن الله تعالى خلق آدم، فأكل من الشجرة، ووقع في الخطيئة؛ فرأى أن يفتدي العالم، فأرسل ابنه الوحيد -تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً- ثم صُلِبَ؛ ليكفر عن الخطيئة، ومن أراد طريق الخلاص من هذه الحياة الدنيا والنجاة فيها، فعليه أن يقتفي نهج المسيح، ويؤمن بأنه هو المخلِّص والمنقذ، فهذا ملخص ما كانت النصرانية تقوله وإلى الآن يدينون به، وكانوا يعتقدون أن الإنسان هو سيد المخلوقات، وهذا يعطي القناعة والرضا بالوجود مع عدم السؤال عن حكمة هذا الوجود.
    فالذي حصل في أوروبا أن الناس فقدوا الثقة في هذا كلِه، قليلاً قليلاً، فكان أول ما تزحزحت في أذهانهم حكمة الوجود وغايته.
    · اكتشاف النظريات قديما وحديثا:
    لما كتشف أحدهم –هو كوبرنيك - موعة الشمسية تدور حول الشمس، وأن مركز المجموعة هو الشمس وليس الأرض.
    كانت هذه القضية خطيرة جداً عند الغربيين؛ لأنهم من خلالها فكروا وقالوا: إذاً ما دامت الأرض ليست هي مركز الكون، فيمكن أن يكون الإنسان ليس هو سيد المخلوقات ولا سيد الكون؛ لأن الأرض تابع، والإنسان يسكنها فهو تابع، وقد يكون هناك مركز آخر ومخلوقات أخرى.
    ولكن رجال الكنيسة حاربوا هذه النظرية حرباً شديدة، على أساس أن المسيح ما نزل وصلب إلا على هذه الأرض؛ فالأرض هي مركز الكون، وكل الكائنات تدور حول الأرض، أو هي مركزها الأساس؛ فلما تبين لهم أن ما تقوله الكنيسة باطل، وأن الأرض هي التي تدور حول الشمس؛ فلم يعد للأرض وللإنسان تلك القيمة.
    إذاً: لماذا جاء الإنسان؟ فلا خطيئة ولا شيء، وبدءوا يفكرون، هل هذه الخطيئة حق أو باطل؟! وهل المسيح حقاً هو ابن الله؟
    فبدءوا يفكرون ويفقدون ثقتهم في هذا الوجود.
    ثم بعد ذلك جاءت نظرية الجاذبية لمكتشفها نيوتن فقالوا: إن هذه النظرية فسرت الوجود تفسيراً آلياً -والتفسير المكنيكي كما يسمونه- فالوجود يتحرك مع بعضه البعض ويتفاعل بطريقة آلية حسب قوانين الجاذبية، وهي قوانين رياضية لا تخطئ، فازدادوا بُعداً عما كانت تقوله الكنيسة ورجال الدين والأناجيل، وأخذوا يتعلقون بهذه النظريات العلمية الجديد
    *اكتشاف النظريات الجديدة:
    بعد ذلك ظهرت في القرن التاسع عشر، نظريات أكثر زادت البُعد والشقة بين ما كان يؤمن به الإنسان من نظرته إلى هذا الوجود، وبين ما جاءت به هذه النظريات.
    ومن جملة هذه النظريات نظرية التطور العضوي – نظرية داروين - فقالوا: إن الأحياء كلها تتسلسل، تبدأ من الكائن ذو الخلية الواحدة إلى أن تصل في النهاية إلى الإنسان، تسلسلاً تدريجياً طبيعيا.
    أي: أنه وجد هكذا بدون إرادة وراءه ولا هدف أو غاية، فأصبح كل ما تقوله الكنيسة ورجال الدين لا قيمة له إزاء هذه النظرية العلمية كما يزعمون!
    إذاً لم يعد في حس الإنسان الأوروبي شيءٌ اسمه خطيئة أو صلب أو مسيح؛ إلا وهو من جملة الخرافات -وبالأخص عند المثقفين- إذاً فالإنسان تطور -كما يزعمون- وهذه هي النظرية الصحيحة.
    وما دام أن الأمر كذلك فليس هناك آدم ولا خطيئة، ولا يحتاج الأمر إلى تكفير أو أي شيء.
    فتغيرت نظرة الإنسان الأوروبي إلى الوجود تغيراً كلياً، فكفر بكل الأديان.
    والمصيبة أن الإنسان الأوروبي الذي آمن بهذه النظرية وأمثالها؛ هو الإنسان الذي يقود العالم في تلك الفترة، فقد كان الإنسان الأوروبي من الإنجليز والفرنسيين والألمان وغيرهم يستعمرون معظم الدنيا؛ فكأن هذا هو خلاصة رأي البشرية والإنسانية.
    ومن ثم نقلوه إلى معظم الدول التي احتلوها ومنها العالم الإسلامي، وأصبحوا ينادون في كل مكان بأن الإنسان ليس له غاية، وليس لوجوده حكمة، كما يقول زعيم الإلحاد في هذا العصر وهو ألدوس هكسلي صاحب النظرية الداروينية الجديدة، يقول: إن هذا التطور هو الذي جعل الإنسان سيد المخلوقات، فجاء الأمر صدفة واعتباطاً، ولو أنه حل محل الإنسان الضفدع أو الفأر، لأمكن أن يكون هو سيد المخلوقات؛ فالأمر عندهم سواء، فأفقدوا الوجود كل حكمة وكل معنى.

  3. #3

    افتراضي

    وهذا الكلام على مستوى النظريات، فما هو أثره على مستوى الحياة الفردية في الإنسان؟ لقد ترك الناس الكنائس والمواعظ، وتركوا قراءة الأناجيل، وقالوا: كل هذا خرافة، إذاً فكيف يعيشون؟ فلا يمكن للإنسان أن يعيش من دون هدف؛ فكانت فرحة الانبهار بالعلم، وما حقق من منجزات تغشى الأعين قليلاً قليلاً؛ إلا أنه وجِد شعراء وأدباء، ووجِد أناس يفكرون؛ لأن هذا سؤال فطري في كل نفس.
    فقالوا: هل من المعقول أن يكون الإنسان قد وجد هكذا وليس له هدف ولا غاية؟
    فكانت الحيرة الكبرى التي وقع فيها الإنسان الغربي عامة -الأوروبي منهم والأمريكي- هي أننا ليس لوجودنا معنى.
    إذاً: فما هو الحل؟ تعددت الإجابات.
    • أولاً:التنكر.
    فمنهم من قال: العلم لا دخل له في الفلسفة؛ فنحن في المعمل نبحث عن وجود الأشياء والظواهر العلمية، وكذلك علماء الاجتماع يبحثون عن الظواهر الاجتماعية، ولكن لا شأن للعلم بالفلسفة؛ فنحن لا نبحث لماذا جاء الكون؟ فهذا لا يهمنا. فهذا سؤال فلسفي وهم يعاندون الفطرة؛ لأنه كلما بحثوا في شيء من الكون؛ يأتيهم السؤال: لماذا جاء هذا؟ فيعاندون ويقاومون الفطرة بهذا الحل، وهو أنهم يجعلون هذا من مسئولية غيرهم، فالباحث في الأحياء أو الفلك أو الطبيعة؛ لا دخل له بغيره، وغيره هو الذي يجيب على هذا السؤال، أما هو فيجيب فقط عن خواص المادة، وكيف تتركب، وكيف تتكون، وهذا يكون في حدود علمه.
    فأصبح الإنسان يجد عالماً فيزيائياً، أو فلكياً -كبيراً- يتكلم عن دقة الكون وعن عجائب النبات، وعن عجائب خلق الله عز وجل؛ فإذا سألته وماذا وراء هذا؟ وكيف نشأ هذا؟ يقول : لا تحول الموضوع إلى فلسفة؛ فنحن نتكلم كلاماً علمياً فقط، وكأن العلم عدو للبحث عن الحقائق الأساسية.
    فحالهم هو كما قال بعض العلماء: كمثل الإنسان الذي كان في فناء بيت من البيوت، وهو يرى البيت من بعيد، يعجب به! ويقول: هذا البيت لا بد أن له صاحباً عمله وبناه وهندسه وصرَّفه ودبره، فلما أن دخل هذا البيت كلما فتح باباً قال: الآن أيقنت أن هذا البيت ليس لأحد، ولم يبنه أحد ولا هندسه أحد، فكيف وهو في الخارج يؤمن بأن هذا البيت لا بد أن له مهندساً وأن له مالكاً وله موجداً، ولما دخل ورأى النقوش والزخارف، والتخطيط العجيب الدقيق أنكر؟! فكلما ازداد في معرفة دقة البيت ونظامه وهندسته، يقول: الآن ازددت قناعة أنه ليس لهذا البيت مالك ولا مهندس؟! فهذا هو حالهم!
    فالإنسان عندما كان أُمياً ساذجاً لا يعرف من هذا الكون إلا المظاهر، يرى السحاب ويظن أنه ملتصق بالسماء، ويرى النجوم ويظن أنها عبارة عن لمبات صغيرة في الكون؛ كان يعتقد أن لهذا الكون إله، ولما تعمق في الكون ورأى المجرات والآفاق البعيدة قال: الآن أيقنت أنه ليس لهذا الكون إله كيف يكون هذا والفطرة والعقل الصحيح عكس ذلك؟! فالعقل الصحيح يقول: كلما تشاهد الدقة تزداد يقيناً بأن الذي صنع هذا أعظم مما كنت تتخيل بكثير جداً، وهكذا نسي أولئك هذا الشيء.
    • ثانيا:الاعتراف .
    النوع الآخر: اتجهوا إلى أن هذا الكون له حكمة، والوجود له غاية؛ لكنهم لما كانوا لا يؤمنون بالله الإيمان الصحيح، ولا يؤمنون بالإسلام الذي يملك الإجابة الصحيحة على كل شيء؛ أخذوا يتخبطون أو يأتون بإجابات مجملة، ومن ذلك:
    أن كثيراً من العلماء الذين أقروا على الإيمان بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، على أساس أن لهذا الكون إله، ولكن ماذا يعمل الإنسان؟ لم يجدوا الجواب، فأخذوا يقولون: عليه أن يحقق السلام، وعليه أن يبحث عن الطمأنينة، وعليه أن يفعل كذا.
    فهم لا يجدون الإجابات؛ لأنهم لا يملكون ذلك؛ فتركوها وأعرضوا عنها.
    ومن هؤلاء العلماء الذين أدهشتهم دقة الكون وعجائب الكون أحد العلماء الأمريكيين الكبار، صاحب الكتاب الذي ترجم باسم: العلم يدعو الى الايمان وهو كريس مرسون، فهذا الرجل رد على هكسلي زعيم الإلحاد، فقد كتب هكسلي كتاباً اسمه: الإنسان يقوم وحده؛ فرد عليه هذا بكتاب الإنسان لايقوم وحده، وترجم باسم العلم يدعو إلى الإيمان.
    فذكر فيه أموراً عديدة، وتفصيلات دقيقة لحكمة الأحياء؛ لكنه لم يذكر فيه شيئاً عن حكمة وجود الإنسان؛ لأن هذا لا يملكه الإنسان الغربي، وقد تكلم عن الهداية فيقول -مثلاً-: إن الطيور التي تعشعش في بيوتنا، في فصل ما من الفصول، تهاجر وتقطع آلاف الأميال فوق البحار في فصول أخرى، ثم تعود إلى نفس العش، هذا شيء يثير الانتباه '.
    ومنها أن الثعابين المائية -على نوعين: ثعبان الماء الأوروبي، وثعبان الماء الأمريكي- التي تهاجر من المحيط الأطلسي -إذا تجمد- إلى اتجاه المناطق الاستوائية الدافئة إلى مثلث برمودا، تهاجر وتموت هنالك؛ ولكنها تبيض في المناطق الاستوائية؛ والذي يحصل أن الثعابين الصغيرة المولودة -بعد أن تكبر- تعود وتهاجر إلى المناطق التي كان فيها آباؤها في أوروبا أو في أمريكا؛ بحيث أنه إذا ذهب الثلج وجاء الفصل المعتدل؛ نجد أن كل بحيرة فيها الثعابين المائية.
    إذاً هناك نوع من الهداية، لأن الثعبان يعود إلى المكان الذي كان فيه أبوه، ولا يذهب إلى بحيرة أخرى.
    وأكثر من ذلك! المسافة التي يقطعها الثعبان الأوروبي فهي -بطبيعة الحال- من شواطئ غرب أوروبا إلى برمودا، أكبر وأطول من أمريكا؛ ووجدوا -أيضاً- أن عمر الثعبان الأوروبي أطول بأشهر من الثعبان الأمريكي؛ وكأن هذا حساب للمسافة الزمنية، فكل شيء له حسابه ونظامه الذي يختص به دون غيره.
    ثم نظر إلى النمل وقال: إنه وجد أن هذا النمل أنواع، فهناك نوع من النمل يطحن الطعام، أي: أن النمل يجمع الطعام فيأتي النمل الطحان فيطحن الطعام؛ فيطحن الحب ويجمعه، وإذا انتهى الطحن، وجاء موسم الأكل من المخزون؛ يقوم النمل الآخر فيقتل النمل الطحان، لأنه لو بقي لأكل مما طحن... فلا حكمة من وجوده. إذاً: يموت، وغيرها من الأشياء العجيبة!!
    وذكر -أيضاً- نوعاً من العناكب التي تعيش في الماء، فهذه العناكب تغوص وتبني عشها في أي شيءٍ ثابتٍ في قعر البحر، ثم تصعد إلى سطح الماء؛ لتحتفظ بفقاعة من الهواء، ثم تعود فتضعها في العش، وهكذا. حتى تأتي بفقاعات ينتفخ بها العش من الهواء، ويكون فيه البيض والمواليد التي تضعها هذه العنكبوت في جو في قاع البحر بعيدٍ عن العواصف وبعيد عن الأخطار؛ وفي نفس الوقت الأكسجين موجود؛ لأن العنكبوت قد أخذت الأكسجين من الهواء الطلق، وهذا الأكسجين يكفي لأن تعيش العناكب حتى تكتمل، فإذا اكتملت تخرج وتصبح مثل الأم؛ تسبح في الماء وتبدأ تصنع أعشاشاً جديدة.
    إذاً فكل شيءٍ له حكمة وكل مخلوق له نظام، كما قال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى [طه:50] وكل شيء له نظام يمشي عليه.
    أما إذا انتهت الغاية من وجود هذا الشيء؛ فإنه ينتهي وجوده تلقائياً، وكأنه لا مبرر لبقائه.
    • الانتحار نتيجة الضلال عن حكمة الوجود:
    ومن الظواهر العجيبة التي أثارت اهتمام العلماء من هذا النوع؛ ظاهرة انتحار الحيتان، وقد تتعجبون لماذا تنتحر! فهي في أعماق المحيط فتخرج جماعات ضخمة من أعماق المحيط فتنتحر على الشواطئ، وترمي نفسها حتى تموت، ومعلوم أن أحرص شيءٍ عند الحيوانات المائية؛ أن تعيش في الماء، فإذا أخرجتها من الماء حاولت أن تتدحرج حتى ترجع إلى الماء؛ فكيف يقذف الحوت نفسه عامداً متعمداً على الشاطئ ليموت؟
    فأخذوا يفكرون!
    وكان مما قيل: إن الحيتان بدأت تشعر أن وجودها لا معنى له، ولا حكمة من وجودها، ولذلك رمت نفسها، لتموت.
    وكذلك فقد وجد آلاف من البشر ينتحرون، فلماذا ينتحرون؟! ففي السويد وبعض دول اسكندنافيا-وهي أكثر الدول رقياً وتقدماً كما يقولون- وضعوا مستشفيات خاصة للانتحار؛ فالذي يريد أن ينتحر عليه أن يسجل اسمه ويذكر أسباب الانتحار.
    فقد يكون السبب أن العشيقة طردته، أو لأنه لم يرق في العمل -أو أي سبب كان- فيكتب هذه المعلومات، ويدخلونه في غرفة خاصة، ويقتلونه بطريقة معينة. ويقولون: هذا القتل أفضل من أن يذهب إلى الشواطئ، فيعكر الصفو على المصطادين والسواح، أو أن ينتحر من مبنىً شاهق فيعكر على النزلاء.
    وهكذا فالآلاف من البشر الأوروبيين -عموماً- يشعرون بأن حياتهم ليس لها معنى، وأن وجودهم لا حكمة من ورائه، وأنهم حيارى ضائعون لا يدرون لماذا جاءوا وإلى أين يذهبون؟ كما عبر الشاعر النصراني، شاعر المهجر إيليا أبو ماضي:
    جئت لا أعلم من أين ولكني أتيت
    ولقد أبصرت قدامي طريقا فمشيت..
    إلى آخر ماقال من حيرة وضلال..........
    فهو لا يدري ولا يدري لماذا لا يدري؟
    فهو يعبر عن الحياة التي عاشها بنو دينه النصارى، والتي يعيشونها إلى اليوم في أكثر أنحاء العالم؛ فلم يجدوا حكمة لهذا الوجود، فماذا كانت النتيجة؟ إن الانتحار هو ما اختاره كثير منهم! فقد كونوا جماعات كبيرة، منها الجماعة التي انتحرت قبل عشر سنوات بشكل جماعي -وكان عددهم أكثر من ثمانمائة شخص- في الأمازون، وهم من أمريكا ولما وقعت هذه الحادثة أوصى الكونجرس بدراسة هذه الظاهرة في الولايات المتحدة.
    فكانت نتيجة الدراسة: أنه يوجد في الولايات المتحدة الأمريكية (ألفان وخمسمائة نحلة ودين وجماعة) من هذا الشكل ممن يبلغ أتباعها المليون أو أقل من ذلك، وكلهم بهذا الشكل لا يدرون لماذا جاءوا؟ وإلى أين يذهبون؟ ولا يعرفون قيمة ولا طعم الحياة.
    وقد تكونت من هذه الجماعات عصابات تذهب إلى البلاد التي تشعر بالطمأنينة في نظرهم، ويسألون عن أي البلاد أكثر انحطاطاً وتأخراً في الحياة لماذا؟ لأنهم تصوروا أن التكنولوجيا والتقدم (الطائرات، والصواريخ، والرفاهية) هي السبب في ضياعهم، أي أن الحضارة هي السبب، فقالوا: نبحث عن أحط بقاع العالم في الحضارة ثم نعيش فيها.
    ولذلك يذهبون إلى نيبال -وهي دولة داخلية في شمال الهند تعيش حياة شبه بدائية- فالأمريكان في نيبال كثيرون وشبه عراة، لكنهم يقولون: المهم أننا فارقنا نيويورك وشيكاغو ، فارقنا تلك المجتمعات المتحضرة حضارة متعقدة لكي نعيش في جو الطمأنينة، وفي جو إنساني حتى نموت.
    فهم لا يبحثون عن شيء إلا راحةً قليلةً قبل أن يأتيهم الموت، ويحقنون أنفسهم بالمخدرات! إنها حيرة متناهية! فهم لا يدرون لماذا جاءوا؟ ولماذا خلقوا؟ وإلى أين يذهبون؟
    فلا يدرون ولا يخطر على بالهم أن في إمكانهم أن يعرفوا ذلك أو يعلموه؛ لأن المجتمعات التي لفظتهم هي مجتمعات التقدم والعلم والتكنولوجيا، فما قيمة هذا العلم وهذه الحضارة المادية بغير إيمان بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؟! لم يجدوا لذلك أي قيمة، وهذا الداء قد وصل إلى بلاد المسلمين، ولو تحدثنا عنه في بلاد الغرب لطال الحديث جداً، فأنتم تقرءون في المجلات الغربية عن عدد المنتحرين، بسبب الحياة العابثة التي يعيشها الغرب.
    • 4 – أمراض الغرب تنتقل إلينا بإسم العلاج:
    كيف وصلت هذه العدوى إلى البلاد التي أُرسل إليها محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ وإلى أمةٍ تتلوا القرآن وتقرأ السنة؟ ثم لا تدري لماذا جاءت، وإلى أين تذهب.
    • \سبب انتقال هذه الأمراض:
    كثيرٌ من الشباب وصل به الأمر إلى هذا الحال؛ بل إنهم يتابعون ويلهثون وراء أولئك الضائعين الذين لا يدرون لماذا جاءوا وإلى أين يذهبون، وأكثر من ذلك أنهم ربما يعظمونهم ويجلونهم ويقدرونهم ويقتدون بهم في مناهج الحياة.
    فهؤلاء الصم البكم الذين لا يعقلون، والذين لا يسأل الواحد منهم نفسه لماذا جئت إلى هذه الحياة، وإلى أين نذهب بعد الموت.. هؤلاء يتبعهم بعض شباب المسلمين ويقولون لهم: تعالوا نظموا لنا حياتنا! ونريد أن تكون حياتنا العلمية والاجتماعية، بل كل أمورنا على ما تسيرون عليه... وهل يمكن للحيران الأعمى أو التائه الضائع الذي لا يجد حلاً لنفسه أن يعطي لغيره الحل؟!
    وسبب هذه المصيبة أن الإنسان الغربي لما نظر وتصور أن دينه هو أفضل الأديان، وأنه قد ترك دينه فقال: إذاً أنا فعلاً لديَّ هداية؛ وأصحاب الأديان الأخرى التي هي أقل من ديني يجب أن يأخذوا مني؛ لأن عندي تجربة إنسانية في بعض مناحي الحياة، وديني قد تركته؛ فمن الطبيعي أن أصحاب الديانات الأخرى يتبعوني ويأخذون ما عندي؛ لأنهم يتصورون أنه إذا كانت النصرانية ملأى بالخرافات؛ ففي الإسلام أضعاف أضعاف ذلك من الخرافات عياذاً بالله تعالى.
    فهكذا هي نظرتهم، ونحن نصدق نظرتهم حين نتبعهم، ونقتفي آثارهم، ثم نسير عليها ونكِّيف أنفسنا وفقها، هذا هو الواقع شئنا أم أبينا؛ كأننا الآن نقول للعالم الغربي: لم نتخذك قدوة إلا لأنك تملك من الحق ما لا نملك، ولأنك تركت خرافات النصرانيةونحن -أيضاً- نترك خرافات الإسلام عياذاً بالله.
    فهذا واقع الحال، وإن كان بعض المقلدين لهم يقولون: لا. نحن لا نأخذ منهم الدين! إذاً فما الذي تأخذ منهم؟ ألست تأخذ منهم منهج حياتك كلها؟! وهذا هو الدين وهم لا يملكون غير ذلك، أما دينهم فقد تركوه؛ إلا ما بقي من تعصب له ضد الإسلام.
    فإذا قورن دينهم بالإسلام، فكلهم يتعصبون لدينهم ويقولون: ديننا صحيح والإسلام باطل، وأما إذا قلت لهم: ما رأي العلم في دينكم؟ قالوا: ديننا باطل، من الجهة العلمية والعقلية؛ لكن من جهة مقارنته بالإسلام؛ فهو الحق وهو الصحيح؛ لأنه لا يُجوِّز تعدد الزوجات، ولأنه لا يحرم المرأة من الفواحش وغير ذلك؛ ويقولون: إن الإسلام هو الذي يقف حجر عثرة أمام الحضارة والرقي وأمام التقدم.
    ومن هنا نعلم لماذا حذَّرنا الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- من انتهاج طريق الذين كفروا، ومن اتخاذهم أولياء عندما قال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ [الممتحنة:1].
    فحذرنا الله من هؤلاء، ولو أنهم أرادوا أن يعطونا الهداية والحق؛ فإنهم لا يملكونه، كيف وهم يحملون علينا الحقد ولا يريدون إلا الكيد والمكر وسوء العاقبة، ولا يرقبون في مؤمن إلاً ولا ذمة؟!
    فلو أقسموا الأيمان المغلظة على أنهم يريدون مصلحة الأمة الإسلامية؛ لكانوا كاذبين، ولو فرض أن بعضهم أراد الخير؛ فإنه لا يملكه، فهو مثل إنسان جاهل زعم أنه طبيب، ولو أخلص وأراد أن يعالج أحداً لقتله؛ لا لأنه يريد أن يقتله؛ لكن لأنه ليس بطبيب.
    فهؤلاء الغربيون ليسوا بأطباء؛ بل هم قتلة متعمدون لهذا الدين، فلا يريدون أن تعود هذه الأمة إلى مجدها لحظة واحدة، وأنا أضع أسباباً حتى يُعلمَ أن الحائر الضائع الذي لا يدري لماذا جاء وإلى أين يذهب لا يمكن أن يهدي أحداً غيره.
    • أسباب ومشاهدات واضحة:
    إن الدراسات التي يقوم بها العلماء الأوروبيون عن أي دين من الأديان كثيرة:
    فهم يذهبون إلى علماء الهند -علماء البرهمية- يزورونهم ويجالسونهم ويسألونهم عن الدين، وكيف ينظرون إلى الأمور؛ فيكتبون عنهم المصادر الموثقة، ويكتبون عن بوذاوغيره بأنهم رجال مصلحون عظماء فقد فعلوا وفعلوا.
    لكن إذا أرادوا أن يكتبوا عن دين الإسلام: هل رأيتم مستشرقاً جاء إلى علماء المسلمين وأخذ يسألهم عن الإسلام؟ وهل يأخذ الحق من مصادره الصحيحة؟ وهل يستدل بتفسيرٍ صحيحٍ للقرآن ويستشهد به؟ لا. بل تجده يخبط خبطاً عجيباً جداً ويفتري أشياء لا وجود لها في القرآن، أو في السنة، أو حتى عند المسلمين.
    فمثلاً أصحاب دائرة المعارف الإسلامية، وهؤلاء هم أرقى طبقة من المستشرقين؛ فالغربُ كله يقدرهم ويجل أعمالهم العلمية، ولكن مع ذلك فلهم افتراءات عجيبة، وسأضرب أمثلة بسيطة جداً على ذلك:
    فمثلاً يقولون في قصة إبليس: في القرآن أن إبليس يبيض ثلاث بيضات، ومن كل بيضة يطلع نوع من أنواع الشياطين. ففي أي سورة وفي أي آية نجد هذا؟! ومع ذلك فهم علميون محترمون لا يتكلمون إلا من منطلق العلم والبحث العلمي -كما يزعمون- فلماذا إذا تكلموا عن الإسلام فإنهم يختلقون ما شاءوا من الأكاذيب، وإذا تكلموا عن غيره فبالاتزان والهدوء والمراجعة؟ لماذا لا يذكرون صحيح البخاري ولا يستشهدون به؟ وإنما يستشهدون بكتب ككتاب الأغاني، وألف ليلة وليلة أو بالكتب السخيفة التافهة التي لا قيمة لها علمياً؟! إنما ذلك لأن الحقد في قلوبهم. فهذا من الناحية العلمية.
    ومن الناحية الواقعية؛ فإنه إذا حدث حدثٌ في الهند أو الصين أو في أي بلد من بلدان العالم فإننا نلاحظ كيف تتعامل معه النفسية الغربية؟!
    إنهم ينظرون إليه نظرة مجردة، فيأخذون الأخبار من مصادرها، ويجرون المقابلات مع زعماء الطوائف الانفصالية أو الثوار أو غير ذلك، حتى لا يقولون عنهم إلا القول الذي أخذوه عنهم، أو يقولون: تنسب الحكومة إليهم كذا، حتى لا يكونوا مفترين.
    فإذا كان الأمر في بلاد المسلمين لفقوا التهم كما يشاءون عن المسلمين، ولا يسألون أبداً، ولا يستفسرون مِن صاحب الشأن من المسلمين: ما رأيك في كذا؟ ولماذا قلت كذا؟
    ولهذا فإن كثيراً من القضايا الإسلامية لا نعرف حقيقتها إلا إذا جاءت مجلة أو صحيفة إسلامية، وقد تكون متأخرة جداً، فتعرف أن حقيقة الموضوع كذا وكذا؛ بينما سمعنا في الإذاعات والصحف الغربية أن الأمر يختلف تماماً! والأمثلة في هذا كثيرة.
    المهم أن هؤلاء الذين لا يدرون لماذا جاءوا؟ ولماذا خلقوا؟ ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر؛ لا يمكن أن يريدوا لنا الخير؛ وبذلك لا يمكن أن يعيشوا في أنفسهم عيشة إنسانية.
    وكما قلنا: إن الحيوان هو الذي يعيش عمره لحظة بلحظة، ولا يفكر فيما مضى ولا فيما هو آتٍ، وإن أكثر هؤلاء الناس لو سألناهم؛ لوجدنا أنهم يعيشون كالحيوان، يفكر في ذلك اليوم وكيف يسهر، وكيف يلعب، وكيف يترفه (في حدود ذلك اليوم) ولا يدري لماذا أتى؟ وإلى أين أذهب؟
    فيجب أن نعلم أنها تربية عامة وليست تربية غربية.
    ولذلك فإن البيان الشيوعي الذي قامت عليه الشيوعية والعالم الشرقي ينص على أن مطالب الإنسان الرئيسية هي الغذاء والمسكن والجنس -أي: المطالب الحيوانية فقط- وكذلك العالم الغربي، ففي أي مجال ننظر وندرس سواء كان ذلك في مجال العلاقات العامة، أو مجال الدراسات الاجتماعية، أو مجال البحوث الاقتصادية، فإننا نراهم يقولون: الغاية التي تسعى إليها المجتمعات والدول والأفراد هي الرفاهية الاقتصادية، والسعي إلى تحقيق أكبر ربح مادي وأكبر نسبة من التنمية ومن التقدم والاقتصاد، فهذه غاية الشرق والغرب، إنها مطالبٌ حيوانية، ونظرة حيوانيةوليس للإيمان بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فيها أي أثر.
    التعديل الأخير تم 12-29-2009 الساعة 08:06 AM

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. حكمة اليـوم (10)
    بواسطة عبدالله الشهري في المنتدى قسم الحوار عن المذاهب الفكرية
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 10-26-2012, 05:55 PM
  2. لكل حرف حكمة؟؟؟؟
    بواسطة الاشبيلي في المنتدى قسم اللغة والشعر والأدب
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 06-02-2009, 02:28 PM
  3. titto كيف توصلت الى ان المادة واجبة الوجود وما هوتعريفك لواجب الوجود؟!
    بواسطة حمادة في المنتدى قسم الحوار عن المذاهب الفكرية
    مشاركات: 31
    آخر مشاركة: 03-26-2009, 11:48 PM
  4. عون الودود في بيان الأدلة العقلية على وجود الله واجب الوجود
    بواسطة د.ربيع أحمد في المنتدى قسم الحوار عن المذاهب الفكرية
    مشاركات: 35
    آخر مشاركة: 11-11-2008, 05:13 AM
  5. شعر حكمة
    بواسطة علي المهاجر في المنتدى قسم اللغة والشعر والأدب
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 03-25-2008, 09:34 PM

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء