النتائج 1 إلى 7 من 7

الموضوع: اشتراط إذن الإمام ووجود الراية في قتال الكفار - ردا على القاديانية -

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Mar 2006
    المشاركات
    1,636
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي حول اشتراط إذن الإمام ووجود الراية في قتال الكفار -ردا على القاديانية-

    مقدمة:
    أعجبتني هذه الفتوى لأنها معروضة عرضا علميا مؤصلا، وهذه عادة الشيخ حاكم بن عبيسان المطيري -حفظه الله- ، وفيه رد أيضا على القاديانية الذين يسقطون الجهاد تحت دعاوى إسلامية، وعلى من يقول بأن الجهاد في العراق أو فلسطين وغيرها من البلدان الإسلامية المحتلة غير جائز لعدم وجود الإمام !! ويا فرحة العدو حينما لن يجد جهاد دفع ولا مقاومة.

    بطلان اشتراط وجود الإمام والراية لمشروعية الجهاد في سبيل الله


    د. حاكم المطيري

    المدرس بقسم التفسير والحديث في كلية الشريعة بجامعة الكويت


    السؤال: فضيلة الشيخ، هناك من يقول بأنه لا جهاد إلا بوجود إمام وراية، وأن ما سوى ذلك فهو قتال فتنة، لا يعد من قتل فيه شهيداً، وأنه يحرم قتال العدو إذا احتل أرضاً للمسلمين إذا لم يكن للمسلمين به طاقة، فما رأيكم في صحة هذا الأقوال وفق أصول الشريعة وأقوال فقهائها ؟


    الجواب : الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبيه الأمين وآله وصحبه أجمعين، وبعد:

    هذا القول لا أصل له بإجماع الأئمة وسلف الأمة، بل هو قول ظاهر البطلان مصادم للنصوص القطعية والأصول الشرعية والقواعد الفقهية، ومن ذلك:

    1) أن النصوص القرآنية والأحاديث النبوية التي تأمر بالجهاد في سبيل الله ليس فيها اشتراط شيء من ذلك، بل هي عامة مطلقة والخطاب فيها لعموم أهل الإيمان والإسلام، كما في قوله _تعالى_: " وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ" (البقرة: من الآية190). وقوله _عز وجل_:" إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ" (التوبة: من الآية111).
    وكما في قوله _صلى الله عليه وسلم_: "جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم". قال ابن حزم في (المحلى 7 / 351) :" قال _تعالى_: "فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ" (النساء: من الآية84)، وهذا خطاب متوجه إلى كل مسلم، فكل أحد مأمور بالجهاد وإن لم يكن معه أحد" انتهى كلامه _رحمه الله_.



    وقال ابن قدامة في (المغني 10 / 364) : " الجهاد فرض على الكفاية.... الخطاب في ابتدائه يتناول الجميع كفرض الأعيان، ثم يختلفان أن فرض الكفاية يسقط بفعل بعض الناس له، وفرض الأعيان لا يسقط عن أحد بفعل غيره ).
    وقال العلامة عبد الرحمن بن حسن بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب : "ولا ريب أن فرض الجهاد باق إلى يوم القيامة، والمخاطب به المؤمنون، فإذا كانت هناك طائفة مجتمعة لها منعة وجب عليها أن تجاهد في سبيل الله بما تقدر عليه، لا يسقط عنها فرضه بحال ولا عن جميع الطوائف " ( الدرر السنية 7 / 98) .

    2) انعقاد إجماع الأمة على أن الجهاد فرض كفاية، والمخاطب به أصلاً الجميع حتى يقوم به من فيه كفاية وقدرة، فيسقط الوجوب حينئذ عن الباقين، ما لم يصبح فرض عين،
    قال شيخ المفسرين ابن جرير الطبري عن الجهاد في تفسيره (4/ 269 ط دار الكتب العلمية) : "هو على كل واحد حتى يقوم به من في قيامه كفاية، فيسقط فرض ذلك حينئذ عن باقي المسلمين ... وعلى هذا عامة العلماء المسلمين " انتهى.


    وقال ابن عطية في تفسيره : " الذي استقر عليه الإجماع أن الجهاد على كل أمة محمد _صلى الله عليه وسلم_ فرض كفاية، فإذا قام به من قام من المسلمين سقط عن الباقين إلا أن ينزل العدو بساحة الإسلام فهو حينئذ فرض عين "،(تفسير القرطبي 3 / 38).

    3) أن الجهاد نوعان:
    النوع الأول: جهاد الفتح، وهو طلب العدو في أرضه، فهذا النوع لا يشترط لصحته وجود الإمام، بل إذا كان الإمام قائما بالجهاد فإنه لا يسوغ الافتئات عليه والتقدم إليه، إلا عن إذن الإمام ورأيه، إذ الأمر موكول إليه، فاستئذانه واجب لا شرط صحة، فيأثم من جاهد دون إذنه، وجهاده صحيح، فإن لم يكن هناك إمام أو فقد أو قتل فإن هذا الجهاد لا يتعطل، قال ابن قدامة في (المغني 10 / 375): " فإن عدم الإمام لم يؤخر الجهاد؛ لأن مصلحته تفوت بتأخيره، وإن حصلت غنيمة قسمها أهلها على موجب أحكام الشرع "، اهـ ، فلو كان وجوده شرطاً لصحة الجهاد لوجب تعطيل الجهاد وتأخيره حتى يوجد الإمام، ولما ساغ المضي فيه بدعوى المصلحة، ولما حلت الغنيمة،


    وكذا إذا كان الإمام موجوداً، إلا أنه تعذر على أهل الجهاد استئذانه، فإن لهم أن يمضوا دون إذن الإمام مراعاة للحاجة.
    قال ابن قدامة في (المغني 10 / 390) :
    " لا يخرجون إلا بإذن الأمير؛ لأن أمر الحرب موكول إليه، إلا أن يتعذر استئذانه لمفاجأة عدوهم لهم، فلا يجب استئذانه حينئذ؛ لأن المصلحة تتعين في قتالهم والخروج إليهم لتعين الفساد في تركهم " انتهى، فلو كان وجود الإمام وإذنه شرطاً لصحة جهاد الطلب لما صح الجهاد في حال عدم وجوده، ولما صح مع وجوده دون إذنه عند الحاجة، إذ الشرط ما يلزم من عدمه العدم، وهنا لم يبطل الفقهاء جهاد الطلب في هاتين الحالتين، فدل ذلك على أن وجوده ليس شرطا لصحة هذا النوع من الجهاد، بل المراعى في الحالتين تحقق المصلحة ودفع المفسدة كما علل بذلك ابن قدامة _رحمه الله_.
    النوع الثاني: وهو جهاد الدفع عن أرض المسلمين: فالأمر فيه أوضح وأجلى إذ لا يشترط له أي شرط إطلاقاً، بل على كل أحد الدفع بما استطاع، فلا يستأذن الولد والده، ولا الزوجة زوجها، ولا الغريم غريمه، وكل هؤلاء أحق بالإذن والطاعة من الإمام، ومع ذلك سقط حقهم في هذه الحال؛ إذ الجهاد فرض عين على الجميع فلا يشترط له إذن إمام فضلاً عن وجوده.


    قال شيخ الإسلام ابن تيمية في (الفتاوى المصرية 4 / 508) : " أما قتال الدفع عن الحرمة والدين فواجب إجماعاً، فالعدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا لا شيء أوجب بعد الإيمان من دفعه، فلا يشترط له شرط، بل يدفع بحسب الإمكان " وقال أيضاً : " وإذا دخل العدو بلاد الإسلام فلا ريب أنه يجب دفعه على الأقرب فالأقرب، إذ بلاد الإسلام بمنزلة البلدة الواحدة، وأنه يجب النفير إليها بلا إذن والد ولا غريم ".
    وقال ابن حزم في (المحلى 7 / 292) : " إلا أن ينزل العدو بقوم من المسلمين ففرض على كل من يمكنه إعانتهم أن يقصدهم مغيثاً لهم ".
    وقال الجصاص في أحكامه (4 / 312) : " معلوم في اعتقاد جميع المسلمين أنه إذا خاف أهل الثغور من العدو، ولم تكن فيهم مقاومة فخافوا على بلادهم وأنفسهم وذراريهم، أن الفرض على كافة الأمة أن ينفر إليهم من يكف عاديتهم عن المسلمين، وهذا لا خلاف فيه بين الأمة ".


    وقال الخطيب الشربيني الشافعي في (الإقناع 2 / 510) : " الحال الثاني من حال الكفار أن يدخلوا بلدة لنا فيلزم أهلها الدفع بالممكن منهم، ويكون الجهاد حينئذ فرض عين".
    وهذا هو معنى كونه فرض عين، فلو كان يشترط له شروط صحة، كوجود إمام أو إذنه لما كان فرض عين في حال هجوم العدو على المسلمين، وهو ما لم يقل به أحد من علماء الأمة؛ ولذا قال الماوردي : " فرض الجهاد على الكفاية يتولاه الإمام ما لم يتعين " .

    4) أن كتب الفقهاء قد نصت في كتاب الجهاد على شروط وجوبه، وعلى من يجب ومتى يتعين، وليس فيها نص على اشتراط وجود الإمام أو وجود الراية، وقد ثبت في الحديث الصحيح " ما بال أقوام يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله، من اشترط شرطاً ليس في كتاب الله فهو باطل" ، و قد قال العلامة عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب في بيان بطلان هذا الشرط : " بأي كتاب أم بأي حجة أن الجهاد لا يجب إلا مع إمام متبع ؟ هذا من الفرية في الدين والعدول عن سبيل المؤمنين، والأدلة على بطلان هذا القول أشهر من أن تذكر، من ذلك عموم الأمر بالجهاد والترغيب فيه والوعيد في تركه " (الدرر السنية 7/ 97).


    وقال صديق حسن خان في (الروضة الندية صفحة 333) عن الجهاد : " هذه فريضة من فرائض الدين، أوجبها الله على عباده من المسلمين، من غير تقيد بزمان أو مكان أو شخص أو عدل أو جور ".
    فالجهاد ماض إلى قيام الساعة، سواء وجد إمام أو لم يوجد، وسواء وجدت هناك راية أو لم توجد.
    وقد استدل شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم كما في الزاد (3 / 309)، وعبد الرحمن بن حسن وغيرهم من الأئمة، بقصة أبي بصير _رضي الله عنه_ وجهاده المشركين بمن معه من المؤمنين، وقطعهم الطريق عليهم، حتى قال النبي _صلى الله عليه وسلم_ في شأنه:" ويل أمه مسعر حرب لو كان معه رجال"، ولم يكن أبو بصير _رضي الله عنه_ تحت ولاية النبي _صلى الله عليه وسلم_ ولا في دار الإسلام، ولم يكن إماماً، ولم تكن معه راية، بل كان يُغِيرُ على المشركين ويقاتلهم ويغنم منهم واستقل بحربهم، ومع ذلك أقره النبي _صلى الله عليه وسلم_ وأثنى عليه، قال عبد الرحمن بن حسن كما في (الدرر السنية 7 / 97) مستدلاً بهذه القصة : " فهل قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ أخطأتم في قتال قريش؛ لأنكم لستم مع إمام؟!! سبحان الله ما أعظم مضرة الجهل على أهله !!" انتهى .



    5) أن إقامة الإمام حكم واجب كوجوب إقامة الجهاد، فيجب على المجاهدين أن يقيموا إماماً منهم إن لم يكن هناك إمام عام، وليس وجود الإمام شرطاً في وجود الجهاد، بل العكس هو الصحيح، إذ إقامة الجهاد شرط لصحة إمامة الإمام، فلا إمام بلا جهاد، لا أنه لا جهاد بلا إمام، كما قال العلامة عبد الرحمن بن حسن : " كل من قام بالجهاد في سبيل الله فقد أطاع الله، وأدى ما فرضه الله، ولا يكون الإمام إماماً إلا بالجهاد، لا أنه لا يكون جهاد إلا بإمام " (الدرر السنية 7 / 97 ).
    ومعلوم أن أول واجبات الإمام حماية بيضة المسلمين وإقامة الدين، فإن كان عاجزاً عن الجهاد وحماية الأمة والملة، فقد خرج عن أن يكون إماماً، بل صار وجوده وعدمه سواء، فإن حال بين المسلمين والدفع عن أنفسهم وأرضهم وحرماتهم، كان عدمه خيراً من وجوده وبطلت إمامته شرعاً؛ إذ لم يتحقق المقصود من إقامته، وقد جاء في الصحيح : "إنما الإمام جنة يقاتل من ورائه ويتقى به"، فيجب إقامة الإمام ليكون جنة ووقاية يحمي الأمة ويحفظها، وتقاتل الأمة من ورائه، فإن صار جنة للعدو لم يكن قطعاً إماماً للمسلمين في حكم الشارع، وإن كان إماماً بحكم الأمر الواقع، قال الشوكاني في (وبل الغمام) :" ملاك أمر الإمامة وأعظم شروطها وأجل أركانها، أن يكون قادراً على تأمين السبل وإنصاف المظلومين من الظالمين، ومتمكناً من الدفع عن المسلمين إذا دهمهم أمر يخافونه، كجيش كافر أو باغ، فإذا كان السلطان بهذه المثابة فهو السلطان الذي أوجب الله طاعته وحرم مخالفته، بل هذا الأمر هو الذي شرع الله له نصب الأئمة، وجعل ذلك من أعظم مهمات الدين " (إكليل الكرامة لصديق خان 114- 115) .



    6) أن الجهاد يطلق على كل قتال بين المسلمين وعدوهم، سواء كان هذا القتال في جهاد فتح أو جهاد دفع، كما قال عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ : " كل من قام إزاء العدو وعاده واجتهد في دفعه فقد جاهد، ولا بد وكل طائفة تصادم عدو الله فلا بد أن يكون لها أئمة ترجع إلى أقوالهم وتدبيرهم، وأحق الناس بالإمامة من أقام الدين الأمثل فالأمثل، فإن تابعه الناس أدوا الواجب، وإن لم يتابعوه أثموا إثماً كبيراً بخذلانهم الإسلام، وأما القائم به كلما قلت أعوانه وأنصاره صار أعظم لأجره، كما دل على ذلك الكتاب والسنة والإجماع " (الدرر السنية 7 / 98) .
    والمقصود أن حقيقة الجهاد بذل الوسع في مناوأة أعداء الله وأعداء أوليائه، والقتال هو أشرف أنواعه، فكل من قاتل العدو طلباً أو دفعاً فهو مجاهد، وقتاله جهاد، وكل من مات في هذا القتال فهو شهيد، له أحكام الشهداء في الدنيا، سواء كان رجلاً أو امرأةً ، كبيراً أو صغيراً سنياً أو بدعياً صالحاً أو فاسقاً، كما قال الحافظ ابن حجر في (فتح الباري 3 / 309) في باب ( الصلاة على الشهيد ) : " قال الزين بن المنير : " والمراد بالشهيد قتيل المعركة - أي من المسلمين - في حرب الكفار" قال الحافظ :" ولا فرق في ذلك بين المرأة والرجل صغيراً أو كبيراً حراً أو عبداً صالحاً أو غير صالح)انتهى.


    فلا خلاف بين العلماء على أن كل مسلم يقتل في المعركة مع الكفار شهيد في أحكام الدنيا، ولذا اختلفوا في هل يصلى عليه أم لا ؟ وهل يغسل أم لا ؟ وأكثر الفقهاء على أنه لا يغسل ولا يصلى عليه، ولم يختلفوا في كونه شهيداً؛ إذ سبب خلافهم في غسله والصلاة عليه، هو اتفاقهم على كونه شهيداً له خصوصية ليست لغيره من موتى المسلمين، كما ثبت في السنة، ولا يقتضي ذلك القطع له بالجنة والشهادة له بها، إذ لا يعلم ذلك إلا الله، كما قال الحافظ في (الفتح 6 / 90) في باب (لا يقال فلان شهيد) : " أي على سبيل القطع بذلك إلا إن كان بالوحي.... وإن كان مع ذلك يعطى أحكام الشهداء في الأحكام الظاهرة، ولذلك أطبق السلف على تسمية المقتولين ببدر وأحد وغيرهما شهداء، والمراد بذلك الحكم الظاهر المبني على الظن الغالب " انتهى.
    وإنما قتال الفتنة هو القتال الذي يقع بين المسلمين لعصبية جاهلية، أو قتال على ملك وسلطان ونحو ذلك، فهذا هو قتال الفتنة الذي يحرم الدخول فيه، بل يجب فيه السعي في إصلاح ذات بينهم، فإن فاءت إحدى الطائفتين وجب قتال من لم تفيء، حتى تفيء إلى أمر الله.


    أما قتال العدو الكافر إذا دهم أرض المسلمين فليس قتاله قتال فتنة، ولم يقل هذا القول أحد من علماء سلف الأمة، بل الفتنة هي في تركه وعدم مدافعته، بل ليس بعد الشرك بالله أعظم من الصد عن قتال المشركين.
    قال ابن حزم في (المحلى 7 / 300) : " ولا إثم بعد الكفر أعظم من إثم من نهى عن جهاد الكفار، وأمر بإسلام حريم المسلمين إليهم ". كما لا شيء أوجب بعد الإيمان بالله من دفع العدو عن أرض الإسلام، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية _رحمه الله تعالى_ .

    7) أنه ثبت عن النبي _صلى الله عليه وسلم_ من طرق أنه قال:" من قاتل دون ماله فهو شهيد، ومن قاتل دون دينه فهو شهيد، ومن قاتل دون أهله فهو شهيد " ومعلوم أن هذا الحديث عام في كل أحد، بل هو في حق الأفراد بلا خلاف، وأن للمسلم أن يدفع عن ماله وعرضه ودينه ولو كان وحده، ولو كان الصائل عليه مسلم مثله فإن مات فهو شهيد.
    فمن اشترط وجود الإمام أو إذنه فقد أبطل دلالة هذه الأحاديث، بل ثبت في صحيح مسلم أن عبد الله بن عمرو _رضي الله عنه_، استدل بهذا الحديث على جواز أن يدفع المسلم عن ماله ونفسه وعرضه، حتى لو كان الصائل عليه هو الإمام نفسه، وقد استعد عبد الله بن عمرو _رضي الله عنه_ لقتال السلطان لما أراد أخذ أرضه منه واستدل بهذا الحديث.


    فإذا كان لا يشترط في مثل هذا القتال إذن إمام ولا وجود راية، فكيف بدفع العدو الكافر عن النفس والدين والأرض والمال والعرض ؟! فهو أحق بهذا الحكم بقياس الأولى بل شك.

    8) أن حديث الطائفة المنصورة الوارد في الصحيح "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم " وفي رواية " يقاتلون " المراد به المجاهدون، وقد سئل الإمام أحمد كما في (مسائل ابن هانئ 2 / 192)، عن هذه الطائفة المنصورة، فقال : "هم الذين يقاتلون الروم كل من قاتل المشركين فهو على الحق"ا.هـ.
    ومعلوم أن الطائفة بعض الأمة وليست كل الأمة، وظهورهم وجهادهم دون الأمة ودون الإمام، إذ لو كان الإمام معهم لكانت الأمة معهم تبعا للإمام، ولما كان حينئذ لهذه الطائفة خصوصية دون الأمة، فدل الحديث بدلالة الإشارة على مشروعية جهاد الطائفة من المسلمين للمشركين، ولو خذلتهم الأمة كلها، ولو لم ينصرهم الإمام، ولو كان يشترط لصحة الجهاد وجود الإمام أو إذنه لما جاز قتال هذه الطائفة المنصورة، ولما خصها الله بهذا الفضل العظيم دون سائر الأمة.



    9) أن الإجماع العملي مؤكد للإجماع القولي، إذ ما زال المسلمون في كل عصر ومصر إذا دهمهم العدو تصدوا له ودافعوه ولو من دون وجود إمام، كما حصل ذلك بعد سقوط العالم الإسلامي تحت الاستعمار الغربي وبعد أن سقطت الخلافة، فقام العلماء والمجاهدون في كل مكان يدافعون عن أرضهم وحرماتهم، كما في الجزائر وليبيا ومصر والشام والعراق والهند وغيرها من بلدان المسلمين، وقد أطبق العلماء على مشروعية جهاد من جاهد منهم ووجوب نصرته، مع أنه لم يكن هناك إمام عام للمسلمين ولا إمام خاص في تلك الأقاليم، ولم تكن القوى متكافئة، بل كانت حرب عصابات كما كان حال أبي بصير وأصحابه _رضي الله عنهم_ حتى تحررت أوطانهم وخرج الاستعمار الغربي، وكذا كان حال الجهاد الأفغاني إبان الغزو الروسي الذي أطبق العلماء على مشروعيته ووجوب نصرته، ولم يمنع من ذلك وقوف الحكومة الأفغانية آنذاك مع الروس، ولا عدم وجود قيادة موحدة للمجاهدين،
    فمن اشترط وجود إمام أو راية لصحة الجهاد، فقد أبطل جهاد كل من جاهد الاستعمار الأجنبي، من علماء المسلمين وزعمائهم وملايين الشهداء الذين قاتلوا العدو عن أرضهم ونسائهم وأطفالهم.



    10) أن الجهاد عبادة وفريضة معقولة المعنى، وليست حكما تعبدياً محضاً غير معقول معناه، فالغاية من مشروعيته حماية بيضة المسلمين، وإظهار الدين، ودفع العدو، وإرهابه قبل هجومه، أو إخراجه بعد هجومه، فكل وسيلة أو طريقة يمكن بها دفعه فهي مشروعة، سواء كانت مقاومة سلمية أو مسلحة، وسواء كانت مقاومة ظاهرة أو سرية، وسواء كانت المقاومة تحت سلطة واحدة وراية واحدة أو دونها؛إذ نصوص الفقهاء لا تشترط أي شرط خاصة في جهاد الدفع، كما نص على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية، بل على كل قادر من رجل وامرأة وكبير وصغير وغني وفقير الدفع بما استطاع، حتى ولو بالحجر كما نص عليه الفقهاء كما في حاشية البيجوري الشافعي (2 / 491) قال في جهاد الدفع: " أن يدخل الكفار بلدة من بلاد المسلمين أو ينزل قريباً منها، فالجهاد حينئذ فرض عين عليهم، فيلزم أهل ذلك البلد حتى الصبيان والنساء والعبيد والمدين ولو بلا إذن من الأولياء والأزواج، والسادة ورب المال، الدفع للكفار بما يمكن منهم ولو بضرب بأحجار ونحوها " انتهى.


    ولا يشترط كذلك تأهيل لقتال أو توافر إمكانات أو ظن تحقيق نصر.
    قال الخطيب الشربيني الشافعي في (الإقناع 2 / 510) : " الحال الثاني من حال الكفار أن يدخلوا بلدة لنا فيلزم أهلها الدفع بالممكن منهم، ويكون الجهاد حينئذ فرض عين سواء أمكن تأهيلهم لقتال أم لم يمكن، ومن هو دون مسافة القصر من البلدة التي دخلها الكفار حكمه كأهلها، وإن كان في أهلها كفاية؛ لأنه كالحاضر معهم، فيجب على كل من ذكر حتى على فقير وولد ومدين ورقيق بلا إذن، ويلزم الذين على مسافة القصر المضي إليهم عند الحاجة بقدر الكفاية دفعا لهم، فيصير فرض عين في حق من قرب وفرض كفاية في حق من بعد " انتهى.
    وقال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في (الفتاوى المصرية 4 / 509) : " وقتال الدفع مثل أن يكون العدو كثيراً ولا طاقة للمسلمين به، لكن يخافون إن انصرفوا عن عدوهم عطف العدو على من يخلفون من المسلمين، فهنا صرَّح أصحابنا بأنه يجب أن يبذلوا مهجهم ومهج من يخاف عليهم في الدفع حتى يسلموا، ونظيره أن يهجم العدو على بلاد المسلمين وتكون المقاتلة أقل من النصف، فإن انصرفوا استولوا على الحريم، فهذا وأمثاله قتال دفع لا قتال طلب لا يجوز الانصراف فيه بحال " انتهى، وهذا كله محل اتفاق بين الأئمة وعلماء الأمة، فلا يلتفت في جهاد الدفع إلى طاقة المسلمين ولا إلى إمكانياتهم، ولا إلى ترجُّح تحقق النصر، بل عليهم بذل مهجهم في الدفع عن حرماتهم، حتى مع تيقن هلاكهم.


    قال الإمام الشافعي في (الأم 4 / 178) : " ولا أرى ضيقاً على الرجل أن يحمل على الجماعة حاسراً أو يبادر الرجل، وإن كان الأغلب أنه مقتول " اهـ. وهذا في جهاد الطلب فمن باب أولى جهاد الدفع.
    هذا ولا يشترط في صحة جهاد الدفع أن يكون من أجل إعلاء كلمة الله، نعم أشرف أنواع الجهاد وأعظمه من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله ، وأوضح ما يكون ذلك في جهاد الطلب والفتح، ولا ينافي ذلك مشروعية جهاد الدفع، وأن من قتل فيه دون ماله وعرضه ونفسه شهيد أيضاً، كما ثبت في الصحيح؛ لأن جهاد الدفع مشروع للدفع عن الأرض والعرض والنفس والمال والدين، بشكل فردي أو جماعي، ويكون أيضاً بتعاون المسلمين على اختلاف طوائفهم، أو مع غير المسلمين كأهل الذمة للدفع عن وطنهم جميعاً، وكذا تسوغ الاستعانة بغير المسلمين من الشعوب والدول الأخرى لدفع العدو الكافر عن المسلمين وأرضهم وحرماتهم، وقد عاهد النبي _صلى الله عليه وسلم_ يهود في المدينة على الدفع عنها إذا دهمها عدو، كما استعان الصحابة _رضي الله عنهم_ بنصارى العرب في الشام والعراق في قتال عدوهم، وقد قاتل شيخ الإسلام ابن تيمية التتار في الشام بمن خرج معه من أهلها، مع شيوع أنواع البدع فيهم آنذاك، وخلص أسارى أهل الذمة من اليهود والنصارى من أيدي التتار حين تفاوض معهم، ولم يرض بإطلاق أسرى المسلمين فقط ، حتى أطلقوا أسرى أهل الذمة معهم.


    والمقصود أنه لا يشترط لصحة جهاد الدفع أي شرط ، لا وجود إمام، ولا وجود راية، ولا قصد إعلاء كلمة الله ، ولا فتوى عالم، ولا وحدة الصف، ولا وجود القوة، ولا ترجح النصر، وهذا لا ينافي وجوب أن يقاتل المجاهدون صفاً واحداً تحت قيادة واحدة، فإن تعذر ذلك لم يبطل الجهاد ولم يتعطل، والله _تعالى_ أعلم أحكم.
    التعديل الأخير تم 01-20-2010 الساعة 11:24 PM
    {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ}

    وكيف يعرف فرق ما بين حق الذمام وثواب الكفاية من لا يعرف طبقات الحق في مراتبه، ولا يفصل بين طبقات الباطل في منازله‏. [ الجاحظ ]

  2. #2

    افتراضي

    نقل طيب مبارك
    جزاك الله خيرا
    أعظَم مَن عُرِف عنه إنكار الصانع هو " فِرعون " ، ومع ذلك فإن ذلك الإنكار ليس حقيقيا ، فإن الله عزّ وَجَلّ قال عن آل فرعون :(وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا)
    وبُرهان ذلك أن فِرعون لَمّا أحسّ بالغَرَق أظْهَر مكنون نفسه ومخبوء فؤاده على لسانه ، فقال الله عزّ وَجَلّ عن فرعون : (حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آَمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا الَّذِي آَمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ)

  3. افتراضي

    والله قد بصرتنى تلك الفتوى بالكثير، أسأل الله أن يجازي الكاتب والناقل خيرا.

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2010
    الدولة
    مملكة البحرين
    المشاركات
    200
    المذهب أو العقيدة
    لاأدرى

    افتراضي

    5) أن إقامة الإمام حكم واجب كوجوب إقامة الجهاد، فيجب على المجاهدين أن يقيموا إماماً منهم إن لم يكن هناك إمام عام، وليس وجود الإمام شرطاً في وجود الجهاد، بل العكس هو الصحيح، إذ إقامة الجهاد شرط لصحة إمامة الإمام، فلا إمام بلا جهاد، لا أنه لا جهاد بلا إمام، كما قال العلامة عبد الرحمن بن حسن : " كل من قام بالجهاد في سبيل الله فقد أطاع الله، وأدى ما فرضه الله، ولا يكون الإمام إماماً إلا بالجهاد، لا أنه لا يكون جهاد إلا بإمام " (الدرر السنية 7 / 97 ).
    ومعلوم أن أول واجبات الإمام حماية بيضة المسلمين وإقامة الدين، فإن كان عاجزاً عن الجهاد وحماية الأمة والملة، فقد خرج عن أن يكون إماماً، بل صار وجوده وعدمه سواء، فإن حال بين المسلمين والدفع عن أنفسهم وأرضهم وحرماتهم، كان عدمه خيراً من وجوده وبطلت إمامته شرعاً؛ إذ لم يتحقق المقصود من إقامته، وقد جاء في الصحيح : "إنما الإمام جنة يقاتل من ورائه ويتقى به"، فيجب إقامة الإمام ليكون جنة ووقاية يحمي الأمة ويحفظها، وتقاتل الأمة من ورائه، فإن صار جنة للعدو لم يكن قطعاً إماماً للمسلمين في حكم الشارع، وإن كان إماماً بحكم الأمر الواقع، قال الشوكاني في (وبل الغمام) :" ملاك أمر الإمامة وأعظم شروطها وأجل أركانها، أن يكون قادراً على تأمين السبل وإنصاف المظلومين من الظالمين، ومتمكناً من الدفع عن المسلمين إذا دهمهم أمر يخافونه، كجيش كافر أو باغ، فإذا كان السلطان بهذه المثابة فهو السلطان الذي أوجب الله طاعته وحرم مخالفته، بل هذا الأمر هو الذي شرع الله له نصب الأئمة، وجعل ذلك من أعظم مهمات الدين " (إكليل الكرامة لصديق خان 114- 115) .
    هل هذا يعني أنا حكّام الدول التي تسمى دول إسلامية إن صح ذلك، لا يستحقون الحكم، أرجو الرد ممن لديه علم كافي فهذا ليس موضوعا للنقاش.
    التعديل الأخير تم 01-22-2010 الساعة 06:12 AM

  5. #5

    افتراضي

    ولا يشترط كذلك تأهيل لقتال أو توافر إمكانات أو ظن تحقيق نصر.
    وهذا كله محل اتفاق بين الأئمة وعلماء الأمة، فلا يلتفت في جهاد الدفع إلى طاقة المسلمين ولا إلى إمكانياتهم، ولا إلى ترجُّح تحقق النصر، بل عليهم بذل مهجهم في الدفع عن حرماتهم، حتى مع تيقن هلاكهم
    والمقصود أنه لا يشترط لصحة جهاد الدفع أي شرط ، لا وجود إمام، ولا وجود راية، ولا قصد إعلاء كلمة الله ، ولا فتوى عالم، ولا وحدة الصف، ولا وجود القوة، ولا ترجح النصر، وهذا لا ينافي وجوب أن يقاتل المجاهدون صفاً واحداً تحت قيادة واحدة، فإن تعذر ذلك لم يبطل الجهاد ولم يتعطل، والله _تعالى_ أعلم أحكم.
    كلام غريب .. ونحن نجلّ الأستاذ فخر الدين المناظر عن نقله فضلاً عن الإعجاب والإشادة به ولعل الأستاذ لم يتنبه لهذا الإطلاق المخل لمقاصد الشريعة وهذا ظني به جزاه الله خيراً، هذا الكلام - وليسمح لي الأستاذ الفاضل - لا سنام له ولا خطام والأغرب أن تروج مثل هذه الفتاوى كرد على القاديانية وفيها ما فيها من الفهم الخاطئ والبعد عن روح التأصيل الحقيقي وفقه المصالح والمفاسد، ويكفي القارئ اللبيب أن تقع عينه على ما وضعته في الاقتباسات للتدليل على فساد هذا المذهب إذ ينكر المفتي ما أجمع عليه المسلمون -وهو مؤيَّد بالعقل والنقل-: (القدرة) وهو الشرط المشترك في جميع العبادات والأفعال، ولم يخالف في ذلك عاقل فضلا عن عالم.

    ودونك أيها الفاضل التأصيل الحقيقي:

    الجهاد تابع للمصلحة وشرطه القدرة:

    لا شك أن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم في الجهاد واضحة، فتارة يقاتل مع القدرة، وتارة يهادن مع عدم القدرة، لذلك من القواعد الكبيرة في مسائل الجهاد هو أن الجهاد تابع للمصلحة.

    قال العلامة عبد الرحمن السعدي رحمه الله: والجهاد باليد والسلاح يتبع المصلحة، فعلى المسلمين أن يسلكوا هديه ويتشاوروا في أمرهم، ويعملوا في كل وقت ما يناسبه ويصلح له/فتح الرحيم ص .131

    وقد نص العلماء على انه لا أثم في عدم الجهاد مع عدم الاستطاعة، قال تعالى :فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ.

    قال العلامة محمد بن علي الكرجي :فمن لم يطق الجهاد بالنفس والمال، وآمن به ورآه حقا فهو من أهله، وليس عليه غيره / نكت القرآن187/4.

    فتأمل قوله (ليس عليه غيره) فهذا والله دين الإسلام الذي يعرفه الخاص والعام كما قال تعالى : لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا، وكذلك قال الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله: ومن ترك الجهاد مع قدرته عليه ذل، /الحكم الجديرة بالإذاعة ص4، فتأمل القيد والشرط الذي يذكره كل العلماء (مع قدرته عليه) وكرر ذلك ابن رجب أيضا في هدي النبي صلى الله عليه وسلم زيادة في التوضيح والتوكيد فقال: فمن ترك ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من الجهاد مع قدرته عليه واشتغل عنه بتحصيل الدنيا من وجوهها المباحة حصل له الذل» الحكم الجديرة ص 41 فتأمل قوله (من الجهاد مع قدرته عليه)، فهذا مما لا يختلف فيه المسلمون.

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - : ومن كان عاجزًا عن إقامة الدين بالسلطان والجهاد ففعل ما يقدر عليه، من النصيحة بقلبه، والدعاء للأمة، ومحبة الخير، وفعل ما يقدر عليه من الخير، لم يكلف ما يعجز عنه / السياسة الشرعية ص 235.

    فهذا كلام قوي متين جار على أصول الشريعة وقواعدها، فالمسلم لا شك أنه يؤمن بفريضة الجهاد ويحدّث نفسه به، ويتمنى أن ينصر الدين وأن يعز الإسلام وأهله، ولكن حيث يقدر، أما مع عدم القدرة فإنه لا يكلف ما عجز عنه، كما قال تعالى : ليس علَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ / التوبة : 91

    والنبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر قاعدة في الأعمال والأدوات غير المجدية في حرب العدو، فإنه - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الحذف بالحصا وقال: " إنها لا تنكأ العدو" رواه البخاري ومسلم. وهذا دليل صريح مباشر على بطلان ما يفعله أطفال الحجارة، فإن العين لا تقاوم مخرزاً.

    ومع ذكر الأصول والقواعد تزداد النفوس طمأنينة مع ذكر أقوال العملاء الكبار بخصوص الجهاد في وقتنا الحاضر الذي يعيشون ظروفه، قال والدنا العلامة محمد العثيمين - رحمه الله - نحن مأمورون بالجهاد، ولكن هل نحن مأمورون في الجهاد وإن لم يكن عندنا من الأسلحة ما عند عدونا؟ لا، لأن هذا من باب إلقاء النفس إلى التهلكة، لكن يجب أن نستعد حتى نقيم واجب الجهاد، لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ). شرح السياسة الشرعية ص (59.

    وقال العلامة العثيمين - رحمه الله - مبينًا وجه عدم قدرتنا على الجهاد في هذا العصر: لعدم القدرة، الأسلحة التي ذهب عصرها عندهم هي التي بأيدينا، وهي عند أسلحتهم بمنزلة سكاكين الموقد عند الصواريخ ما تفيد شيئًا، فكيف يمكن أن نقاتل هؤلاء ثم قال: الواجب علينا أن نفعل ما أمرنا الله به عز وجل ( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ) الأنفال : 60 ، هذا الواجب علينا أن نعد لهم ما استطعنا من قوة، وأهم قوة نعدها هي الإيمان، والتقوى وهي القوة، لأننا بالإيمان والتقوى سوف نقضي على أعدائنا وقضي أيضًا على تباطئنا وتثاقلنا، ونقضي أيضًا على محبتنا للدنيا لأننا الآن نحب الدنيا ونكره الموت / تذكير العباد بفتاوى العلماء في الجهاد، ص 34-35 ولا شك أن كل من يقدر على الجهاد ( من الحكام أو المحكومين) ثم لم يفعل، مع توفر الشروط الأخرى وانتفاء الموانع فهو من الآثمين المضيعين لحق الله وحقوق المسلمين.

    مقصود الجهاد إقامة الدين وحفظ النفوس لا إفنائها.

    مقصود الجهاد هو أن تكون كلمة الله هي العليا و أن يحفظ دين المسلمين و أن تحفظ أرواحهم فهذا الذي تبذل فيه المهج، أما أن نقتل عددا محدودا جدا من العدو يوجب غضبهم وتشفيهم وظهورهم علينا وسفك دمائنا وإتلاف أموالنا ومقدراتنا فهذا انتحار، ولا تأتي به شريعة قط، قال العز بن عبد السلام رحمه الله: أن أي قتال للكفار لا تتحقق به نكاية للعدو فانه يجب تركه، لان المخاطرة بالنفوس إنما جازت لما فيها من مصلحة إعزاز الدين، والنكاية بالمشركين، فإذا لم يحصل ذلك وجب ترك القتال لما فيه من موات النفوس، وشفاء صدور الكفار وإرغام أهل الإسلام، وبذا مفسدة محضة وليس فييها مصلحة / قواعد الاحكام ص .95 ، فهل من الرأي السديد أو من الجهاد في شيء أن نأسر رجلا واحدا من العدو ونقتل مثله ونحن ضعفاء، فيقوم العدو باحتلال مزيد من الأراضي ويقتل أضعافا كثيرة من المسلمين، ويبث الخوف والرعب ويشفي غله بأضعاف ما حصل له، ويحاصر المسلمين في مكان محدود ويقطع عنهم الماء والكهرباء، ونحن عاجزون عن دفع الضر عن أنفسنا، فضلا عن إلحاق الأذى بالعدو.

    لذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: الواجب أن يعتبر في أمور الجهاد برأي أهل الدين الصحيح الذين لهم خبرة بما عليه أهل الدنيا، دون أهل الدنيا الذين يغلب عليهم النظر في ظاهر الدين/ طريق الوصول ص .138

    قال شيخنا العلامة محمد العثيمين - رحمه الله - معلقًا على قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث خباب بن الأرت لما شكا له الصحابة أذى الكفار، فكان جواب النبي - صلى الله عليه وسلم - " ولكنكم قوم تستعجلون " رواه البخاري، قال شيخنا ابن عثيمين - رحمه الله - " فيه دليل على وجوب الصبر على أذية أعداء المسلمين، وإذا صبر الإنسان ظفر. فالواجب على الإنسان أن يقابل ما يحصل من أذية الكفار بالصبر والاحتساب وانتظار الفرج، ولا يظن الأمر ينتهي بسرعة وينتهي بسهولة. قد يبتلي الله عز وجل المؤمنين بالكفار يؤذونهم وربما يقتلونهم كما قتلوا الأنبياء... اليهود من بني إسرائيل قتلوا الأنبياء الذين هم أعظم من الدعاة وأعظم من المسلمين، فليصبر ولينتظر الفرج، ولا يمل ولا يضجر، بل يبقى راسيًا كالصخرة والعاقبة للمتقين والله مع الصابرين ... فإذا صبر وثابر وسلك الطريق توصّل إلى المقصود، ولكن دون فوضى ودون استنفار ودون إثارة ، بطريق منظمة، لأن أعداء المسلمين من المنافقين والكفار يمشون على خطى ثابتة منظمة ويحصلون مقصودهم .... أما السطحيون الذين تأخذهم العواطف حتى يثوروا ويستنفروا فإنه قد يفوتهم شيء كثير وربما حصل منهم زلة تفسد كل ما بنوا إن كانوا قد بنوا شيئًا... فالمؤمن يصبر ويتئد ويعمل بتؤده ويوطن نفسه، ويخطط تخطيطًا منظمًا يقضي به على أعداء الله من المنافقين والكفار ويفوت عليهم الفرص، لأنهم يتربصون الدوائر بأهل الخير،يريدون أن يثيروهم حتى أن حصل من بعضهم ما يحصل، نكلوا بهم وتشفوا بالمسلمين ، وقالوا: هذا الذي نريد وحصل بذلك شر كبير .

    إلى أن قال رحمه الله: فأنت أيها الإنسان لا تسكت عن الشر، ولكن اعمل بنظام وبتخطيط، وبحسن تصرف، وانتظر الفرج من الله، ولا تمل الدرب، فالدرب طويل ولا سيما إذا كنت في أول الفتنة، فإن القائمين بها سوف يحاولون ما استطاعوا أن يصلوا إلى قمة ما يريدون، فاقطع عليهم السبل، وكن أطول منهم نفسًا وأشد منهم مكرًا، فإن هؤلاء الأعداء يمكرون ويمكر الله، والله خير الماكرين( شرح رياض الصالحين 1/ 191-192 ).


    النجاة من العدو فتح

    مع الضعف وعدم القدرة لا يعيب المسلم أن يتحرى السلامة من عدوه، فهذا خالد بن الوليد رضي الله عنه لما رأى ما نزل بجيش المسلمين من القتل في غزوة مؤتة رجع بالجيش طلبا لحفظ دماء المسلمين والسلامة من العدو، قال والدنا العلامة محمد العثيمين رحمه الله :والتخلص من العدو يسمى نصرا وفتحا وغلبة ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة مؤتة حين كانت الراية مع زيد بن حارثة ثم كانت مع جعفر بن أبي طالب، ثم كانت مع عبد الله بن رواحة ، وكلهم قتلوا رضي الله عنهم، قال: ثم أخذها خالد ففتح الله على يديه ... وخالد رضي الله عنه لم ينتصر على الروم ولم يغلبهم، ولكن نجا منهم، فسمى النبي صلى الله عليه وسلم هذه النجاة فتحا /تفسير سورة الصافات ص 267 - .268

    الحل وكيف ننتصر على عدونا؟

    لا بد مع ذكر أحوالنا، ونقدنا للتصرفات غير الحكيمة، أن نذكر الحل لأوضاعنا الحالية حتى لا نكون مجرد منظرين، فظهور العدو خصوصا أرذل الأعداء اليهود إنما هو بسبب ذنوبنا، والله ذكر شرط النصر في قوله تعالى( إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ )، وذكر الله أن معية النصر للمتقين والمحسنين، قال تعالى (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ )، وقال تعالى (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ )، قال ابن القيم: الكفاية على قدر العبودية، فلذلك ينبغي علينا أن نحقق العبودية التي تجلب النصر، وهذه تكون مع صحة الاعتقاد، وملازمة السنة ومجانبة البدعة، وتحقيق الطاعة فإذا صدقت قلوبنا وارتفعت أيدينا بالدعاء كفانا الله أعداءنا، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: القلوب الصادقة والأدعية الصالحة هي العسكر الذي لا يغلب.

    فالعدو الصهيوني لا يختلف خبثًا وشرًا عن التتار، و لربما كان التتار أخبث منهم، وما أشبه الليلة بالبارحة، فقد احتل التتار بلاد المسلمين واستباحوا كل شيء من الحرمات، ووقع بالمسلمين شر عظيم لم بقع قبله في تاريخ الإسلام مثله، وكان في الناس بدع وضلالات وتعلق بالأموات، مع نقص الطاعة وركوب بعض المحرمات، وجاء الناس يستنصرون بشيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - ليستحث المسلمين على قتال التتار.

    فرأى رحمه الله انعدام القتال الشرعي للأسباب التي تحدثتُ عنها، فما أجابهم لما طلبوه في هذه المرة الأولى حتى ينصلح حالهم وتستقيم أمورهم، فلما صدقوا الله بعد ذلك، وارتفعت الموانع، واصلحوا شأنهم، قام شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - بجهاد التتار كما هو معلوم لكل أحد.

    وأفضل من يحكي هذه الموعظة من تاريخ المسلمين هو شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - حيث قال : ولهذا كان أهل المعرفة في الدين والمكاشفة لم يقاتلوا في تلك المرة لعدم القتال الشرعي، الذي أمر الله به ورسوله، ولما يحصل في ذلك من الشر والقتال، فلا يكون فيه ثواب الدنيا ولا ثواب الآخرة، لمن عرف هذا وهذا وأن كثيرًا من المقاتلين اعتقدوا أن هذا قتال شرعي اجروا على نياتهم . فلما كان بعد ذلك جعلنا نأمر الناس بإخلاص الدين لله والاستغاثة به، وأنهم لا يستغيثون بملك مقرب ولا نبي مرسل .... فلما أصلح الناس أمورهم وصدقوا بالاستغاثة بربهم نصرهم على عدوهم نصرًا عزيزًا، لم نر نظيره، ولم تهزم التتار مثل هذه الهزيمة قبل ذلك أصلاً، لما صح من تحقيق توحيده وطاعة رسوله ما لم يكن قبل ذلك، فإن الله ينصر رسله والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد / الرد على البكري 2/632 633.

    فأوضاعنا لابد أن تعالج معالجة صحيحة، وإلا فإننا مهما قاتلنا العدو وأسباب ظهور العدو علينا باقية لم نعالجها ولم نجتهد في رفعها فلن ننتصر على العدو، بل سيكون الظهور له، لأن الله له سنة لا تتغير ولا تتبدل في عباده ، قال تعالى : أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ /آل عمران : 165 .

    قال العلامة ابن القيم - رحمه الله - قوله سبحانه: وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا /النساء: 141 فالآية على عمومها وظاهرها وإنما المؤمنون يصدر منهم من المعصية والمخالفة التي تضاد الإيمان ما يصير به للكافرين عليهم سبيل، بحسب تلك المخالفة،فهم الذين تسببوا في جعل السبيل عليهم، كما تسببوا إليه يوم أحد بمعصية رسول الله ومخالفته /إغاثة اللهفان 1/195-196.

    والله نسأل أن ينصر الإسلام والمسلمين ويحفظ دمائهم من عبث المتهاونين.
    التعديل الأخير تم 01-26-2010 الساعة 12:44 PM
    ----------------------------------
    إِنْ لَمْ يَكُنْ بِكَ غَضَبٌ عَليَّ فَلا أُبَالي ..

    اللهمّ إنّي أسْألُكَ أنْ أكُونَ مِنْ أذلِّ عِبَادِكَ إلَيْك ..
    ----------------------------------

    أما لنا –في أيام الفتن هذه- في سلفنا الصالح أسوة ؟!
    http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=29139

  6. #6

    افتراضي

    تقييد الفهم والضبط لكلام شيخ الإسلام أن جهاد الدفع لا يشترط له شرط

    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وعلى اله وصحبه أجمعين ومن سار على نهجهم الى يوم الدين وبعد :-

    فما يزال كثير من أهل الأهواء يزين ما يأتي به من البدع والمحدثات بأقوال لأهل العلم الموثوق بهم لأجل تسويغ أهوائهم على عامة الناس ومن ذلك إستشهاد أهل الأهواء بكلام شيخ الإسلام ((وأما قتال الدفع فهو أشد أنواع دفع الصائل عن الحرمة والدين فواجب إجماعا فالعدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا لا شيء أوجب بعد الإيمان من دفعه فلا يشترط له شرط بل يدفع بحسب الإمكان وقد نص على ذلك العلماء أصحابنا وغيرهم)). الفتاوى الكبرى (4\608).فيما يزينوا للمخدوع بهم أن جهاد الدفع لا يشترط له شرط مطلقا فلا يشترط له قدرة ولا يشترط له نظر في الموازنة في مصالح الدفع من مفاسده بل يشترك فيه على أي وجه كان ولو أفضى ذلك الى إستباحة بيضة المسلمين أو الإلقاء بهم في متاهات الله أعلم كيف يكون المخرج منها , ولهذا أحببت أن أوضح في هذا المبحث المختصر حقيقة مراد شيخ الإسلام من المقالة السابق فأقول وبالله التوفيق :-

    إن المتتبع لكلام شيخ الإسلام رحمه الله يرى أنه إنما أراد بالنفي نفي الاشتراط المطلق لا مطلق الاشتراط وفرق بين الاشتراط المطلق ومطلق الاشتراط كما قال شيخ الإسلام رحمه الله : ((وأما اللفظ المطلق والمقيد فمثال " تحرير رقبة " , " ولم تجدوا ماءا " وذلك أن المعنى قد يدخل في مطلق اللفظ ولا يدخل في اللفظ المطلق أي يدخل في اللفظ لا بشرط الإطلاق ولا يدخل في اللفظ بشرط الإطلاق)) مجموع الفتاوى (2\164) .

    وقال أبن القيم -رحمه الله- : ((الأمر المطلق ومطلق الأمر:- الأمر المطلق والجرح المطلق والعلم المطلق والترتيب المطلق والبيع المطلق والماء المطلق غير مطلق الأمر والجرح والعلم إلى آخرها والفرق بينهما من وجوه …. :-

    الثاني :- أن الأمر المطلق فرد من أفراد مطلق الأمر ولا ينعكس
    الثالث :- أن نفي مطلق الأمر يستلزم نفي الأمر المطلق دون العكس .
    الرابع :- أن ثبوت مطلق الأمر لا يستلزم ثبوت الأمر المطلق دون العكس .
    الخامس :- أن الأمر المطلق نوع لمطلق الأمر ومطلق الأمر جنس للأمر المطلق .
    السادس :- أن الأمر المطلق مقيد بالإطلاق لفظا مجرد عن التقييد معنى ومطلق الأمر مجرد عن التقييد لفظا مستعمل في المقيد وغيره معنى .
    السابع :- أن الأمر المطلق لا يصلح للمقيد ومطلق الأمر يصلح للمطلق والمقيد .
    الثامن :- أن الأمر المطلق هو المقيد بقيد الإطلاق فهو متضمن للإطلاق والتقييد ومطلق الأمر غير مقيد وإن كان بعض أفراده مقيدا))
    بدائع الفوائد (4\821) مختصرا .

    ومن خلال العرض السابق لقول شيخ الإسلام وتلميذه أبن القيم يتضح لنا أن هنالك فرق واسع وبون شاسع بين اللفظ المطلق ومطلق اللفظ , وتبعا لذلك فأن هناك فرق -ولا ريب- بين الاشتراط المطلق ومطلق الاشتراط.

    والسؤال الذي يطرح نفسه ولا بد من الإجابة عليه هو :-

    ما هو الاشتراط المنفي في قول شيخ الإسلام أبن تيميه -رحمه الله- ((لا يشترط له شرط)) أهو الاشتراط المطلق أم مطلق الاشتراط؟

    وللإجابة على هذا السؤال فلا بد لنا من :-

    1- جمع أقواله في هذه المسألة المعينة من مضاها ، وتتبعها في مصادرها.
    2- تهذيب العبارات وفق متجانساتها ، فيحمل مطلق كلامه على مقيده ، وعامه على خاصة ، ومجمله على مفصله , ومبهمه على مفسره .
    3- استقراء الأصول الجامعة لأقواله واطلاقاته .
    4- إنزال تفريعاته على أصولها المناسبة لها ، والناشئة عنها .
    فنخرج عقب ذلك بمعرفتنا لحقيقة اختيار شيخ الإسلام في هذه المسألة .

    فنقول بعد ما سبق :-

    أن المراد بقول شيخ الإسلام :- ((وأما قتال الدفع فهو أشد أنواع دفع الصائل عن الحرمة والدين فواجب إجماعا فالعدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا لا شيء أوجب بعد الإيمان من دفعه فلا يشترط له شرط بل يدفع بحسب الإمكان وقد نص على ذلك العلماء أصحابنا وغيرهم)). الفتاوى الكبرى (4\608). هو نفي الاشتراط المطلق لمطلق الاشتراط , والأدلة على هذا كثيرة جدا من نفس كلام شيخ الإسلام وصنيعه , ومن ذلك :-

    1- إن شيخ الإسلام الذي أوجب جهاد الدفع وقال فيه :- ((لا يشترط له شرط)) هو نفسه الذي وضح أن ما أوجبه الله ورسوله مشروط بالقدرة على القيام به , كما قال -رحمه الله- :- ((فمن استقرأ ماجاء به الكتاب والسنة تبين له أن التكليف مشروط بالقدرة على العلم والعمل فمن كان عاجزا عن أحدهما سقط عنه ما يعجزه ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها)) مجموع الفتاوى (21\634) .

    وهو القائل :- ((إن ما أوجبه الله من طاعته وتقواه مشروط بالقدرة كما قال تعالى " فاتقوا الله ما استطعتم " وكما قال النبى صلى الله عليه وسلم "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما أستطعتم " [صححه الشيخ الألباني في أرواء الغليل])) مجموع الفتاوى (31\92) .

    وهو القائل :- ((وهذا يطابق الأصل الذي عليه السلف والجمهور أن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها فالوجوب مشروط بالقدرة والعقوبة لا تكون إلا على ترك مأمور أو فعل محظور بعد قيام الحجة)) مجموع الفتاوى (19\227) .

    فكيف يصح بعد هذه النقولات القول بأن شيخ الإسلام أبن تيميه لا يشترط لجهاد الدفع شرط القدرة والإمكان وهو نفسه القائل :- ((أن الأمر بقتال الطائفة الباغية مشروط بالقدرة والإمكان أن ليس قتالهم بأولى من قتال المشركين والكفار ومعلوم أن ذلك مشروط بالقدرة والإمكان فقد تكون المصلحة المشروعة أحيانا هي التآلف بالمال والمسالمة والمعاهدة كما فعله النبي غير مرة والإمام إذا اعتقد وجود القدرة ولم تكن حاصلة كان الترك في نفس الأمر أصلح)) مجموع الفتاوى (4\442) .

    2- إن شيخ الإسلام الذي أوجب جهاد الدفع وقال فيه :- ((لا يشترط له شرط)) هو نفسه الذي نص على واجب أخر وهو دفع أعظم المفسدتين بالتزام أدناهما وبين أن هذا الواجب هو من أصول الإسلام التي ينبغي مراعاتها حيث قال رحمه الله :- ((أن الواجب تحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها فإذا تعارضت كان تحصيل اعظم المصلحتين بتفويت أدناهما ودفع أعظم المفسدتين مع احتمال أدناهما هو المشروع)) مجموع الفتاوى (28\284) .

    وهو القائل :- ((كانت مفسدة ترك قتالهم اعظم على الدين من مفسدة قتالهم على هذا الوجه كان الواجب أيضا قتالهم دفعا لأعظم المفسدتينن بالتزام أدناهما فان هذا من أصول الإسلام التي ينبغي مراعاتها)) مجموع الفتاوى (28\506)
    وهو القائل :- ((ولهذا جاءت الشريعة عند تعارض المصالح والمفاسد بتحصيل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما وباحتمال أدنى المفسدتين لدفع أعلاهما فمتى لم يندفع الفساد الكبير …. إلا بما ذكر من احتمال المفسدة القليلة كان ذلك هو الواجب شرعا)) .مجموع الفتاوى (31\92).

    فكيف يصح بعد هذه النقولات عنه رحمه الله أن ينسب إليه أنه لا يرى أعتبار النظر في المصالح والمفاسد في جهاد الدفع وهو يجعل هذا النظر من أصول الإسلام , لا بل قد مدح رحمه الله من لم يقاتل التتار لما نظروا في مفاسد صورة معينة من القتال كانت قد وقعت مع التتار بقوله :- ((ولهذا كان أهل المعرفة بالدين والمكاشفة لم يقاتلوا[التتار الذين قدموا لغزو دمشق] في تلك المرة لعدم القتال الشرعي الذي أمر الله به ورسوله ولما يحصل في ذلك من الشر والفساد وانتفاء النصرة المطلوبة من القتال فلا يكون فيه ثواب الدنيا ولا ثواب الآخرة لمن عرف هذا وهذا)) الرد على البكري (2\733).

    3- إن شيخ الإسلام الذي أوجب جهاد الدفع وقال فيه :- ((لا يشترط له شرط)) هو نفسه الذي بين أن الفعل إذا رجحت مفاسده على مصالحه حكم بحرمة فعله حيث قال -رحمه الله- :- ((وينبغى أن يعلم أن الأعمال الصالحة أمر الله بها أمر ايجاب أو استحباب والأعمال الفاسدة نهى الله عنها والعمل اذا اشتمل على مصلحة ومفسدة فان الشارع حكيم فان غلبت مصلحة على مفسدته شرعه وإن غلبت مفسدته على مصلحته لم يشرعه بل نهى عنه)) مجموع الفتاوى (11\623) .

    وهو القائل :- ((ليس كل سبب نال به الإنسان حاجته يكون مشروعا بل ولا مباحا وإنما يكون مشروعا إذا غلبت مصلحته على مفسدته أما إذا غلبت مفسدته فإنه لا يكون مشروعا بل محظورا وإن حصل به بعض الفائدة)) مجموع الفتاوى (27\177) .

    وهو القائل :- ((القاعدة العامة فيما إذا تعارضت المصالح والمفاسد والحسنات والسيئات أو تزاحمت فانه يجب ترجيح الراجح منها فيما إذا ازدحمت والمصالح والمفاسد وتعارضت المصالح والمفاسد فان الأمر والنهى وان كان متضمنا لتحصيل مصلحة ودفع مفسدة فينظر في المعارض له فان كان الذي يفوت من المصالح أو يحصل من المفاسد اكثر لم يكن مأمورا به بل يكون محرما إذا كانت مفسدته اكثر من مصلحته)) مجموع الفتاوى (28\129) .

    وهو القائل :- ((والفعل إذا اشتمل كثيرا على ذلك وكانت الطباع تقتضيه ولم يكن فيه مصلحة راجحة حرمه الشارع قطعا فكيف إذا اشتمل على ذلك غالبا وهذا أصل مستمر في أصول الشريعة كما قد بسطناه في قاعدة سد الذرائع وغيرها وبينا أن كل فعل أفضى إلى المحرم كثيرا كان سببا للشر والفساد فإذا لم يكن فيه مصلحة راجحة شرعية وكانت مفسدته راجحة نهي عنه بل كل سبب يفضي إلى الفساد نهي عنه إذا لم يكن فيه مصلحة راجحة)) مجموع الفتاوى (32\228).

    وهو القائل :- ((وإذا قال القائل: إن عليا والحسين إنما تركا القتال في آخر الأمر للعجز لأنه لم يكن لهما أنصار فكان في المقاتلة قتل النفوس بلا حصول المصلحة المطلوبة .

    قيل له: وهذا بعينه هو الحكمة التي راعاها الشارع صلى الله عليه وسلم في النهي عن الخروج على الأمراء وندب إلى ترك القتال في الفتنة وإن كان الفاعلون لذلك يرون أن مقصودهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كالذين خرجوا بالحرة وبدير الجماجم على يزيد والحجاج وغيرهما لكن إذا لم يزل المنكر إلا بما هو أنكر منه صار إزالته على هذا الوجه منكرا وإذا لم يحصل المعروف إلا بمنكر مفسدته أعظم من مصلحة ذلك المعروف كان تحصيل ذلك المعروف على هذا الوجه منكرا))
    منهاج السنة النبوية (4\536) .

    فكيف يصح بعد هذا أن يقال أن شيخ الإسلام - رحمه الله- يرى وجوب قتال الدفع مطلقا من غير إشتراط شرط وإن أفضى هذا القتال الى مفاسد أعظم من مفاسد وجود العدو المحتل , لا بل قد صرح رحمه الله بأن قعود النبي (صلى الله عليه وسلم ) وأصحابه عن القتال في مكة - وهم كانوا تحت سطوة المشركين- إنما هو لعلة أن قتالهم فيها مفاسده أرجح من مصالحه , حيث قال - رحمه الله- :- ((ومن رأى أن هذا القتال مفسدته أكثر من مصلحته علم أنه قتال فتنة فلا تجب طاعة الأمام فيه إذ طاعته إنما تجب في ما لم يعلم المأمور أنه معصية بالنص فمن علم أن هذا هو قتال الفتنة الذي تركه خير من فعله لم يجب عليه أن يعدل عن نص معين خاص إلى نص عام مطلق في طاعة أولى الأمر ولا سيما وقد أمر الله تعالى عند التنازع بالرد إلى الله والرسول ويشهد لذلك أن الرسول أخبر بظلم الأمراء بعده وبغيهم ونهى عن قتالهم لأن ذلك غير مقدور إذ مفسدته أعظم من مصلحته كما نهى المسلمون في أول الإسلام عن القتال كما ذكره بقوله تعالى " أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ ";النساء(77). وكما كان النبي وأصحابه مأمورين بالصبر على أذى المشركين والمنافقين والعفو والصفح عنهم حتى يأتي الله بأمره)). مجموع الفتاوى (4\442-443).

    4- إن شيخ الإسلام الذي أوجب جهاد الدفع وقال فيه :- ((لا يشترط له شرط)) هو نفسه الذي بين أن الجهاد إنما يجب في مرحلة التمكين لا في مرحلة الاستضعاف حتى وإن كان المسلمون تحت سطوة المشركين وأستدل رحمه الله بحال النبي (صلى الله عليه وسلم) في مكة فقال رحمه الله :- ((وقال عطاء الخرساني (كان الرجل يقول ارعني سمعك ويلوي بذلك لسانه ويطعن في الدين) وذكر بعض أهل التفسير (أن هذه اللفظة كانت سبا قبيحا بلغة اليهود) فهؤلاء قد سبوه بهذا الكلام ولووا ألسنتهم به واستهزءوا به وطعنوا في الدين ومع ذلك فلم يقتلهم النبي.

    قلنا عن ذلك أجوبة:-

    إحداها : أن ذلك كان في حال ضعف الإسلام في الحال التي اخبر الله رسوله والمؤمنين إنهم يسمعون من الذين أوتوا الكتاب والمشركين أذى كثيرا وأمرهم بالصبر والتقوى ثم أن ذلك نسخ عند القوة بالأمر بقتالهم حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون والصاغر لا يفعل شيئا من الأذى في الوجه ومن فعله فليس بصاغر ثم إن من الناس من يسمي ذلك نسخا لتغير الحكم ومنهم من لا يسميه نسخا لأن الله تعالى أمرهم بالعفو والصفح إلى أن يأتي الله بأمره وقد أتى الله بأمره من عز الإسلام وإظهاره والأمر بقتالهم حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون وهذا مثل قوله تعالى " فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلا"; سورة النساء(15).

    وقال النبي صلى الله عليه وسلم " قد جعل الله لهن سبيلا " [مسلم] , فبعض الناس يسمي ذلك نسخا وبعضهم لا يسميه نسخا والخلاف لفظي ومن الناس من يقول الأمر بالصفح باق عند الحاجة إليه بضعف المسلم عن القتال بان يكون في وقت أو مكان لا يتمكن منه وذلك لا يكون منسوخا إذ المنسوخ ما ارتفع في جميع الأزمنة المستقبلة وبالجملة فلا خلاف أن النبي كان مفروضا عليه لما قوي أن يترك ما كان يعامل به أهل الكتاب والمشركين ومظهري النفاق من العفو والصفح إلى قتالهم وإقامة الحدود عليهم سمي نسخا أو لم يسم)). الصارم المسلول (2\443-444) .

    وقال رحمه الله: ((إن النبي صلى الله لما كان بمكة مستضعفا هو وأصحابه عاجزين عن الجهاد أمرهم الله بكف أيديهم والصبر على أذى المشركين فلما هاجروا إلى المدينة وصار له دار عز ومنعة أمرهم بالجهاد وبالكف عمن سالمهم وكف يده عنهم لأنه لو أمرهم إذ ذاك بإقامة الحدود على كل كافر ومنافق لنفر عن الإسلام أكثر العرب إذ رأوا أن بعض من دخل فيه يقتل وفي مثل هذه الحال نزل قوله تعالى " ولا تُطِعْ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً " ;الأحزاب(48). وهذه السورة نزلت بالمدينة بعد الخندق فأمره الله في تلك الحال أن يترك أذى الكافرين والمنافقين له فلا يكافئهم عليه لما يتولد في مكافأتهم من الفتنة ولم يزل الأمر كذلك حتى فتحت مكة ودخلت العرب في دين الله قاطبة ثم اخذ النبي في غزو الروم وانزل الله تبارك وتعالى سورة براءة وكمل شرائع الدين من الجهاد والحج والأمر بالمعروف فكان كمال الدين حين نزل قوله تعالى " الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ";المائدة(3). قبل الوفاة بأقل من ثلاثة اشهر ولما أنزل براءة أمره بنبذ العهود التي كانت للمشركين وقال فيها صلى الله عليه وسلم "يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدْ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ " ;التحريم(9). وهذه الآية ناسخة لقوله تعالى " وَلا تُطِعْ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ "الأحزاب(48). وذلك انه لم يبق حينئذ للمنافق من يعينه لو أقيم عليه الحد ولم يبق حول المدينة من الكفار من يتحدث بان محمد صلى الله عليه وسلم يقتل أصحابه فأمره الله بجهادهم والإغلاظ عليهم وقد ذكر أهل العلم أن أية الأحزاب منسوخة بهذه الآية ونحوها وقال في الأحزاب "لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلا قليلا.مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا" الأحزاب(60-61). الآية فعلم إنهم كانوا يفعلون أشياء إذ ذاك إن لم ينتهوا عنها قتلوا عليها في المستقبل لما اعز الله دينه ونصر رسوله. فحيث ما كان للمنافق ظهور يخاف من إقامة الحد عليه فتنة اكبر من بقائه عملنا بآية;الأحزاب(48). .
    كما انه حيث عجزنا عن جهاد الكفار عملنا بآية الكف عنهم والصفح وحيث ما حصل القوة والعز خوطبنا بقوله " جَاهِدْ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ " التحريم(9) )) الصارم المسلول (3\681-683).

    وقال رحمه الله:- ((فلما أتى الله بأمره الذي وعده من ظهور الدين وعز المؤمنين أمر رسوله بالبراءة إلى المعاهدين وبقتال المشركين كافة وبقتال أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون فكان ذلك عاقبة الصبر والتقوى الذين أمر الله بهما في أول الأمر وكان إذ ذاك لا يؤخذ من أحد من اليهود الذين بالمدينة ولا غيرهم جزية وصارت تلك الآيات في حق كل مؤمن مستضعف لا يمكنه نصر الله ورسوله بيده ولا بلسانه فينتصر بما يقدر عليه من القلب ونحوه وصارت أية الصغار على المعاهدين في حق كل مؤمن قوي يقدر على نصر الله ورسوله بيده أو لسانه وبهذه الآية ونحوها كان المسلمون يعملون في أخر عمر رسول الله وعلى عهده خلفائه الراشدين وكذلك هو إلى قيام الساعة لا تزال طائفة من هذه الأمة قائمين على الحق ينصرون الله ورسوله النصر التام.

    فمن كان من المؤمنين بأرض هو فيها مستضعف أو في وقت هو فيه مستضعف فليعمل بأية الصبر والصفح عمن يؤذي الله ورسوله من الذين أوتوا الكتاب والمشركين.

    وأما أهل القوة فإنما يعملون بأية قتال أئمة الكفر الذين يطعنون في الدين وبأية قتال الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون)). الصارم المسلول (2\412-414) .

    فكيف يصح بعد هذه النقولات الواضحات الصريحات عن شيخ الإسلام أن يقال بأن شيخ الإسلام أبن تيمية- رحمه الله - يرى وجوب قتال الدفع على المسلمين حتى ولو كانوا عاجزين مستضعفين وهو -رحمه الله- لم يوجب الجهاد على العاجزين المستضعفين من أهل اليمن والحجاز كما قال -رحمه الله- :- ((أن سكان اليمن في هذا الوقت ضعاف عاجزون عن الجهاد أو مضيعون له وهم مطيعون لمن ملك هذه البلاد حتى ذكروا أنهم أرسلوا بالسمع والطاعة لهؤلاء[التتار] , وملك المشركين لما جاء إلى حلب جرى بها من القتل ما جرى , وأما سكان الحجاز فأكثرهم أو كثير منهم خارجون عن الشريعة وفيهم من البدع والضلال والفجور مالا يعلمه إلا الله وأهل الإيمان والدين فيهم مستضعفون عاجزون وإنما تكون القوة والعزة في هذا الوقت لغير أهل الإسلام بهذه البلاد)) .مجموع الفتاوى (28\533) .

    5- إن شيخ الإسلام الذي أوجب جهاد الدفع وقال فيه :- ((لا يشترط له شرط)) هو نفسه الذي أوجب الهجرة من أرض أحتلها الكفار على من عجز عن إقامة دينه فيها إلى أرض يمكنه فيها إقامة دينه ولم يوجب على هؤلاء الاعيان الجهاد لعجزهم
    فقال - رحمه الله - : ((وبقيت بقايا الروافض والمنافقين في جبل لبنان وغيره وربما غلبهم النصارى عليه حتى يصير هؤلاء الرافضة والمنافقون فلاحين للنصارى وصار جبل لبنان ونحوه دولة بين النصارى والروافض ليس فيه من الفضيلة شىء ولا يشرع بل ولا يجوز المقام بين نصارى أو روافض يمنعون المسلم عن إظهار دينه ولكن صار طوائف ممن يؤثر التخلي عن الناس زهدا ونسكا يحسب أن أفضل هذا الجبل ونحوه لما فيه فيقصدونه لأجل ذلك غلطا منهم وخطأ فإن سكنى الجبال والغيران والبوادي ليس مشروعا للمسلمين إلا عند الفتنة في الأمصار التى تحوج الرجل الى ترك دينه من فعل الواجبات وترك المحرمات فيهاجر المسلم حينئذ من أرض يعجز عن إقامة دينه إلى أرض يمكنه فيها إقامة دينه فإن المهاجر من هجر ما نهى الله عنه)) مجموع الفتاوى (27\55) .

    فكيف يقال بعد هذا أن شيخ الإسلام أبن تيمية لا يرى إذا نزل الكفار بلادا للمسلمين أن لاخيار لأهلها غير القتال وهو نفسه رحمه الله أوجب على أهل ماردين - من كان عاجزا منهم عن إقامة دينه- ان يهاجر الى بلاد أخرى بعد أن أحتلها النصارى ولم يوجب على أهلها الجهاد فقال - رحمه الله - : ((دماء المسلمين وأموالهم محرمة حيث كانوا في ماردين أو غيرها وإعانة الخارجين عن شريعة دين الإسلام محرمة سواء كانوا أهل ماردين أو غيرهم والمقيم بها ان كان عاجزا عن إقامة دينه وجبت الهجرة عليه وإلا استحبت ولم تجب ومساعدتهم لعدو المسلمين بالأنفس والأموال محرمة عليهم ويجب عليهم الامتناع من ذلك بأى طريق أمكنهم من تغيب أو تعريض أو مصانعة فإذا لم يمكن إلا بالهجرة تعينت ولا يحل سبهم عموما ورميهم بالنفاق بل السب والرمى بالنفاق يقع على الصفات المذكور في الكتاب والسنة)) مجموع الفتاوى (28\240) .
    6- إن شيخ الإسلام الذي أوجب جهاد الدفع وقال فيه :- ((لا يشترط له شرط)) هو نفسه الذي يرى أنه إذا كانت مصلحة المسلمين متحصلة بالتألف بالمال والمسالمة والمعاهدة كما فعله النبي غير مرة , فأنه يصار اليها ولا يصار الى القتال , كما قال رحمه الله :- ((أن الأمر بقتال الطائفة الباغية مشروط بالقدرة والإمكان أن ليس قتالهم بأولى من قتال المشركين والكفار ومعلوم أن ذلك مشروط بالقدرة والإمكان فقد تكون المصلحة المشروعة أحيانا هي التآلف بالمال والمسالمة والمعاهدة كما فعله النبي غير مرة)) .مجموع الفتاوى (4\442) .

    بل إن الموادعة والمسالمة مع الكافر المحتل لبعض بلاد المسلمين أقرها شيخ الإسلام أبن تيمية نفسه حيث قال عن سكان بلاد الشام التي كان هو ساكنا فيها:- ((وكان عدوهم [من التتار] في اول الامر راضيا منهم بالموادعة والمسالمة شارعا في الدخول في الإسلام وكان مبتدئا في الإيمان والأمان وكانوا هم قد اعرضوا عن كثير من أحكام الإيمان)) مجموع الفتاوى (28\432) .

    لا بل أنه هو نفسه -رحمه الله- من سعى في دفع كيد التتار عن بلاد المسلمين في دمشق بلسانه فقال الذهبي كما نقله عنه أبن عبد الهادي -رحمهما الله- :- ((وأما شجاعته فيها تضرب الأمثال وببعضها يتشبه أكابر الأبطال فلقد أقامه الله في نوبة غازان والتقى أعباء الأمر بنفسه وقام وقعد وطلع وخرج واجتمع بالملك مرتين وبقطلوشاه وببولاي وكان قبجق يتعجب من إقدامه وجرأته على المغول وله حدة قوية تعتريه في البحث حتى كأنه ليث حرب)) العقود الدرية (134).

    وقال أبو حفص البزار :- ((ولما ظهر السلطان غازان على دمشق المحروسة جاءه ملك الكرج وبذل له أموالا كثيرة جزيلة على أن يمكنه من الفتك بالمسلمين من أهل دمشق ووصل الخبر الى الشيخ فقام من فوره وشجع المسلمين ورغبهم في الشهادة ووعدهم على قيامهم بالنصر والظفر والأمن وزوال الخوف فانتدب منهم رجال من وجوههم وكبرائهم وذوي الأحلام منهم فخرجوا معه الى حضرة السلطان غازان فلما رآهم السلطان قال من هؤلاء فقيل هم رؤساء دمشق فأذن لهم فحضروا بين يديه فتقدم الشيخ رضي الله عنه أولا فلما أن رآه أوقع الله له في قلبه هيبة عظيمة حتى أدناه وأجلسه وأخذ الشيخ في الكلام معه أولا في عكس رأيه عن تسليط المخذول ملك الكرج على المسلمين وضمن له أموالا واخبره بحرمه دماء المسلمين وذكره ووعظه فأجابه الى ذلك طائعا وحقنت بسببه دماء المسلمين وحميت ذراريهم وصين حريمهم وحدثني من أثق به عن الشيخ وجيه الدين ابن المنجا قدس الله روحه قال كنت حاضرا مع الشيخ حينئذ فجعل يعني الشيخ يحدث السلطان بقول الله ورسوله في العدل وغيره ويرفع صوته على السلطان في أثناء حديثه حتى جثا على ركبتيه وجعل يقرب منه في أثناء حديثه حتى لقد قرب أن تلاصق ركبته ركبة السلطان والسلطان مع ذلك مقبل عليه بكليته مصغ لما يقول شاخص إليه لا يعرض عنه وأن السلطان من شدة ما أوقع الله ما في قلبه من المحبة والهيبة سأل من يخصه من أهل حضرته من هذا الشيخ وقال ما معناه إني لم أر مثله ولا أثبت قلبا منه ولا أوقع من حديثه في قلبي ولا رأيتني أعظم انقيادا مني لاحد منه فأخبر بحاله وما هو عليه من العلم والعمل فقال الشيخ للترجمان قل لغازان أنت تزعم انك مسلم ومعك قاضي وإمام وشيخ ومؤذنون على ما بلغنا فغزوتنا وأبوك وجدك كانا كافرين وما عملا الذي عملت عاهدا فوفيا وأنت عاهدت فغدرت وقلت فما وفيت وجرت وسأله إن أحببت أن اعمر لك بلد آبائك حران وتنتقل إليه ويكون برسمك فقال لا والله لا أرغب عن مهاجر إبراهيم صلى الله عليه وسلم استبدل به غيره فخرج من بين يديه مكرما معززا قد صنع له الله بما طوى عليه نيته الصالحة من بذله نفسه في طلب حقن دماء المسلمين فبلغه ما أراده وكان ذلك أيضا سببا لتخليص غالب أسارى المسلمين من أيديهم وردهم على أهلهم وحفظ حريمهم وهذا من أعظم الشجاعة والثبات وقوة الجأش)) الأعلام العلية (69-72) .

    فهل يصح القول بعد هذا أن الكفار إذا غزوا بلادا للمسلمين فأن شيخ الإسلام لا يرى أن يندفعوا إلا بالسيف , وهو نفسه -رحمه الله- الذي قال :- ((فإن من الناس من يقول آيات المجادلة والمحاجة للكفار منسوخات بآية السيف لاعتقاده ان الامر بالقتال المشروع ينافي المجادلة المشروعة وهذا غلط فإن النسخ إنما يكون إذا كان الحكم الناسخ مناقضا للحكم المنسوخ كمناقضة الأمر باستقبال المسجد الحرام في الصلاة للأمر باستقبال بيت المقدس بالشام ومناقضة الأمر بصيام رمضان للمقيم للتخيير بين الصيام وبين إطعام كل يوم مسكينا ومناقضة نهيه عن تعدي الحدود التي فرضها للورثة للأمر بالوصية للوالدين والاقربين ومناقضة قوله لهم كفوا أيديكم عن القتال لقوله قاتلوهم كما قال تعالى " ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلاً " [سورة النساء الآية 77] فأمره لهم بالقتال ناسخ لأمره لهم بكف أيديهم عنهم فأما قوله تعالى " ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين " [سورة النحل الآية 125] وقوله " ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي انزل علينا وانزل عليكم والهنا والهكم واحد ونحن له مسلمون " [سورة العنكبوت الآية 46].

    فهذا لا يناقضه الأمر بجهاد من أمر بجهاده منهم ولكن الأمر بالقتال يناقض النهي عنه والاقتصار على المجادلة فأما مع إمكان الجمع بين الجدال المأمور به والقتال المأمور به فلا منافاة بينهما وإذا لم يتنافيا بل أمكن الجمع لم يجز الحكم بالنسخ ومعلوم أن كلا منهما ينفع حيث لا ينفع الآخر وأن استعمالهما جميعا أبلغ في إظهار الهدى ودين الحق)) الجواب الصحيح (1\218-219) .

    7- إن شيخ الإسلام الذي أوجب جهاد الدفع وقال فيه :- ((لا يشترط له شرط)) هو نفسه الذي سعى في جمع الجيوش واستنفار السلاطين وإعداد العدة, والمرابطة في الثغور , وتحضيض الناس , وإصدار الفتاوى العلمية المنضبطة في هذه المسألة , وقبل أن يمكن من ذلك ما كان رحمه الله يوجب القتال , كما قال الحافظ أبن كثير :- ((وجلس الشيخ تقي الدين ابن تيمية في ثاني صفر [سنة سبعمائة] بمجلسه في الجامع وحرض الناس على القتال وساق لهم الآيات والأحاديث الواردة في ذلك ونهى عن الإسراع في الفرار ورغب في إنفاق الأموال في الذب عن المسلمين وبلادهم وأموالهم وأن ما ينفق في أجرة الهرب إذا انفق في سبيل الله كان خيراً وأوجب جهاد التتر حتما في هذه الكرة وتابع المجالس في ذلك ……… واستهل جمادي الاولى والناس على خطة صعبة من الخوف وتأخر السلطان واقترب العدو وخرج الشيخ تقي الدين بن يتيمة رحمه الله تعالى في مستهل هذا الشهر وكان يوم السبت الى نائب الشام في المرج فثبتهم وقوى جأشهم وطيب قلوبهم ووعدهم النصر والظفر على الأعداء وتلا قوله تعالى ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغى عليه لينصرنه الله إن الله لعفو غفور وبات عند العسكر ليلة الأحد ثم عاد الى دمشق وقد سأله النائب والأمراء أن يركب على البريد الى مصر يستحث السلطان على المجيء فساق وراء السلطان وكان السلطان قد وصل الى الساحل فلم يدركه إلا وقد دخل القاهرة وتفارط الحال ولكنه استحثهم على تجهيز العساكر الى الشام إن كان لهم به حاجة وقال لهم فيما قال إن كنتم أعرضتم عن الشام وحمايته أقمنا له سلطانا يحوطه ويحميه ويستغله في زمن الأمن ولم يزل بهم حتى جردت العساكر الى الشام ثم قال لهم لو قدر أنكم لستم حكام الشام ولا ملوكه واستنصركم أهله وجب عليكم النصر فكيف وأنتم حكامه وسلاطينه وهم رعايتكم وانتم مسؤولون عنهم وقوى جأشهم وضمن لهم النصر هذه الكرة فخرجوا الى الشام فلما تواصلت العساكر الى الشام فرح الناس فرحا شديدا بعد أن كانوا قد يئسوا من أنفسهم وأهليهم وأموالهم …… ورجع الشيخ تقي الدين بن تيمية من الديار المصرية في السابع والعشرين من جمادي الأولى على البريد وأقام بقلعة مصر ثمانية أيام يحثهم على الجهاد والخروج الى العدو وقد اجتمع بالسلطان والوزير وأعيان الدولة فأجابوه الى الخروج)) البداية والنهاية (14\14-16)-مختصرا- .

    وكما سيأتيك مزيد بيان من التفصيل في الفصل التالي إن شاء الله تعالى.

    فكيف يصح بعد هذا أن يقال أن شيخ الإسلام يوجب جهاد الدفع على كل أحد قبل النظر في أستحصال وأستكمال مقومات هذا الحكم .

    8- إن شيخ الإسلام الذي أوجب جهاد الدفع وقال فيه :- ((لا يشترط له شرط)) هو نفسه الذي قال في الجهاد أن الحكم فيه يختلف بأختلاف القدرة عليه ووضح أن الأحكام فيه تختلف باختلاف الاحوال من القدرة والعجز والعلم وعدمه كما تختلف باختلاف الغنى والفقر والصحة والمرض , حيث قال - رحمه الله - : ((بل صار رسولا له أعيان وأنصار ينفذون أمره ويجاهدون من خالفه وهو ما دام في الأرض من يؤمن بالله ورسوله ويجاهد في سبيله له أعوان وأنصار ينفذون أمره ويجاهدون من خالفه فلم يستفد بالأعوان ما يحتاج أن يضمه إلى الرسالة مثل كونه إماما أو حاكما أو ولي أمر إذ كان هذا كله داخلا في رسالته ولكن بالأعوان حصل له كمال قدره أوجبت عليه من الأمر والجهاد ما لم يكن واجبا بدون القدرة والأحكام تختلف باختلاف حال القدرة والعجز والعلم وعدمه كما تختلف باختلاف الغنى والفقر والصحة والمرض والمؤمن مطيع لله في ذلك كله وهو مطيع لرسول الله في ذلك كله ومحمد رسول الله فيما أمر به ونهى عنه مطيع لله في ذلك كله))منهاج السنة النبوية(1\86) .

    وهونفسه -رحمه الله- قد ترجم ذلك فعله , فلما رأى أن المسلمين لم يأخذوا بشروط الجهاد والنصر المعتبرين لم يوجب على الامة الجهاد , ولما تغير الحال أوجب عليهم ذلك كما سيأتيك بيانه في الفصل التالي , فكيف يصح أن يقال أن شيخ الإسلام يوجب جهاد الدفع مطلقا من غير نظر في أختلاف الأحوال والأزمنة والأمكنة .

    9- - إن شيخ الإسلام الذي أوجب جهاد الدفع وقال فيه :- ((لا يشترط له شرط)) هو نفسه الذي وضح أن الحكم الذي يصدره العالم يكون تارة على جهة الإبداء والتأصيل , وتارة على جهة الإنشاء والفتوى , فما كان على جهة الإبداء والتأصيل لايمكن الفتوى بمقتضاه إلا بعد النظر بما يقترن معه من ظروف , وفي هذا يقول شيخ الإسلام :- ((الحكم نوعان:- إنشاء وإبداء .

    أ- فالإنشاء :- كالحكم فيمن نزلوا على حكمه وكالحكم في الفرائض وفى لفظ الحرام وفى موجبات العقود ونحو ذلك فهذا مثل الفتيا سواء .

    ب- والثاني الإبداء وهو الحكم بموجب البينة والإقرار والدعوى مع كذبهما في الباطن وهذا الذي دل عليه حديث أم سلمة )) .المسودة (504).

    وكلام شيخ الإسلام السابق إنما هو خارج على جهة الإبداء والتأصيل لا على جهة الإنشاء والفتوى , ولهذا تباينت مواقف شيخ الإسلام من غزو التتار لدمشق مع أنه هو نفسه القائل في جهاد الدفع أنه ((لا يشترط له شرط)) مما يدلك على أن قوله هذا إنما هو خارج على جهة التأصيل لا على جهة الفتوى , وشيخ الإسلام لما أن أفتى بوجوب الجهاد كان هو أول العاملين به - رحمه الله -كما سيأتيك بيانه.

    ولو كان قوله -رحمه الله- خارجا على جهة الفتوى ما صحت الفتوى به إلا بعد النظر في ظروف الفتوى وما يقترن بها كما قال أبن القيم -رحمه الله- :- ((من أفتى الناس بمجرد المنقول في الكتب على اختلاف عرفهم وعوائدهم وأزمنتهم واحوالهم وقرائن أحوالهم فقد ضل وأضل وكانت جنايته على الدين أعظم من جناية من طبب الناس كلهم على اختلاف بلادهم وعوائدهم وأزمنتهم وطبائعهم بما في كتاب من كتب الطب على أبدانهم بل هذا الطبيب الجاهل وهذا المفتي الجاهل اضر ما على أديان الناس وأبدانهم والله المستعان)) إعلام الموقعين (3\79) , وصدق والله رحمه الله .

    10- وأخيرا فإن القارئ لكلام شيخ الإسلام بتمامه -والذي يبتره أهل البدع من أوله وأخره مكتفين منه بهذا القدر- ليخرج بقناعة تامة بأن شيخ الإسلام إنما أراد بقوله ((لا يشترط له شرط)) هو نفي الاشتراط المطلق لا مطلق الاشتراط , ذلك أن شيخ الإسلام -رحمه الله- ذكر هذا الكلام في معرض رده على القاضي الذي أشترط وجود الزاد والراحلة في الجهاد الواجب ووضح شيخ الإسلام أن هذا لا يجب في جهاد الدفع وإليك تمام كلام شيخ الإسلام -رحمه الله- :- ((قال القاضي إذا تعين فرض الجهاد على أهل بلد وكان على مسافة يقصر فيها الصلاة فمن شرط وجوبه الزاد والراحلة كالحج وما قاله القاضي من القياس على الحج لم ينقل عن أحمد وهو ضعيف فإن وجوب الجهاد قد يكون لدفع ضرر العدو فيكون أوجب من الهجرة ثم الهجرة لا تعتبر فيها الراحلة فبعض الجهاد أولى وثبت في الصحيح من حديث عبادة بن الصامت عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال [على المرء المسلم السمع والطاعة في عسره ويسره ومنشط ومكره وأثره عليه] [مسلم] فأوجب الطاعة التي عمادها الاستنفار في العسر واليسر وهنا نص في وجوبه مع الإعسار بخلاف الحج هذا كله في قتال الطلب وأما قتال الدفع فهو أشد أنواع دفع الصائل عن الحرمة والدين فواجب إجماعا فالعدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا لا شيء أوجب بعد الإيمان من دفعه فلا يشترط له شرط بل يدفع بحسب الإمكان وقد نص على ذلك العلماء أصحابنا وغيرهم فيجب التفريق بين دفع الصائل الظالم الكافر وبين طلبه في بلاده , والجهاد منه ما هو باليد ومنه ما هو بالقلب والدعوة والحجة واللسان والرأي والتدبير والصناعة فيجب بغاية ما يمكنه)) الفتاوى الكبرى (4\608) .

    هذا هو كلام شيخ الإسلام بتمامه , وهو واضح في الرد على من أشترط الزاد والراحلة في القيام بالجهاد الواجب , فهل يفهم من قوله - رحمه الله - : ((والجهاد منه ما هو باليد ومنه ما هو بالقلب والدعوة والحجة واللسان والرأي والتدبير والصناعة فيجب بغاية ما يمكنه)) , عقب قوله - رحمه الله - : ((فلا يشترط له شرط بل يدفع بحسب الإمكان)) أن جهاد الدفع لا يكون إلا باليد , اللهم لا إلا عند أهل الجهل أو أصحاب المقاصد السيئة .

    وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى اله وصحبه وسلم .

    كتبه : أبو عمر الشامي / أحمد عبد العزيز العنزي .
    المصدر : شبكة المنهاج / منتدى الألباني .
    ----------------------------------
    إِنْ لَمْ يَكُنْ بِكَ غَضَبٌ عَليَّ فَلا أُبَالي ..

    اللهمّ إنّي أسْألُكَ أنْ أكُونَ مِنْ أذلِّ عِبَادِكَ إلَيْك ..
    ----------------------------------

    أما لنا –في أيام الفتن هذه- في سلفنا الصالح أسوة ؟!
    http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=29139

  7. #7

    افتراضي

    ولينظر إلى هذا الكتاب فهو عظيم النفع ..

    مختصر جهاد المسلمين بين فهم الغلاة وتخذيل المرجفين.
    http://www.saaid.net/book/open.php?cat=84&book=5787
    ----------------------------------
    إِنْ لَمْ يَكُنْ بِكَ غَضَبٌ عَليَّ فَلا أُبَالي ..

    اللهمّ إنّي أسْألُكَ أنْ أكُونَ مِنْ أذلِّ عِبَادِكَ إلَيْك ..
    ----------------------------------

    أما لنا –في أيام الفتن هذه- في سلفنا الصالح أسوة ؟!
    http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=29139

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. الطريق إلى الراحة النفسية
    بواسطة زيد الجزائري الجزائر في المنتدى قسم الحوار عن المذاهب الفكرية
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 02-08-2014, 06:12 PM
  2. مقتل الإمام علي وعام الجماعة ((و قتال الخوارج))
    بواسطة Digital في المنتدى قسم الحوار العام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 08-05-2011, 05:04 PM
  3. فلنصحح النية ونرفع الراية
    بواسطة عبد الله بن أدم في المنتدى قسم الحوار عن الإسلام
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 11-23-2010, 11:43 PM
  4. نبي القاديانية متنبي القاديانية ميرزا غلام أحمد
    بواسطة عبد الغفور في المنتدى قسم الحوار عن القاديانية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 12-19-2009, 02:06 PM
  5. الجرائم الصهيونية فى لبنان وغزة : قتال أم اغتيال ؟
    بواسطة سيف الكلمة في المنتدى قسم الحوار العام
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 08-01-2006, 05:00 PM

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء