النتائج 1 إلى 8 من 8

الموضوع: قاعدة سد الذرائع في الشريعة الإسلامية

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Sep 2009
    الدولة
    أرض الله
    المشاركات
    646
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي قاعدة سد الذرائع في الشريعة الإسلامية

    قاعدة سد الذرائع في الشريعة الإسلامية
    سامي بن عبدالعزيز الماجد *
    أولاً: معنى الذريعة.
    ثانياً: شواهد العمل بـ (سدّ الذرائع) في الشريعة.
    ثالثاً: العقل الصريح يوجب العمل بأصل سد الذرائع.
    رابعاً: سد الذرائع بين التيسير والتشديد.
    خامساً: اختلاف أهل العلم في بعض صور سد الذرائع ولا يعود على أصلها بالنقض والبطلان.
    سادساً: المبالغة في سد الذرائع لا مسوغ له إطلاقاً.
    سابعاً: استثناء في إعمال قاعدة (سد الذرائع).
    ثامناً: (فتح الذرائع).
    الذريعة هي: الوسيلة أو الطريق الموصل إلى الشيء المقصود، فسدّ الذرائع هو منع الطرق والوسائل التي ظاهرها الإباحة؛ لكنها تفضي إلى الممنوع.
    دلت نصوص كثيرة من الكتاب والسنة على أنَّ هذا الأصل معمولٌ به في الشريعة، كقوله تعالى: {وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ..}، مع أنَّ سبّ الكفار في أصله مشروع، لكن إذا أفضى إلى مفسدة سبهم لله تعالى فإنه يُنهى عنه.
    وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا..}، ففي هذه الآية نهى الله عن الإقامة في أرض الكفر وترك الهجرة إلى بلد الإسلام، مع أنَّ الإقامة لا يلزم منها في ظاهرها كفر ولا نفاق ولا ما دون ذلك، ولكن لما كانت الإقامة الدائمة بين ظهراني الكفار تؤثر في سلوك المسلم واعتقاده وتعرضه للفتن ولو بعد زمن، نهى الله عنها سداً لذريعة المفسدة.
    وقوله صلى الله عليه: "ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما"، مع أنَّ الخلوة في ظاهرها لا محظور فيها، ولا يلزم منها الوقوع في الفاحشة، لكنها لما كانت ذريعة إليها غالباً حرَّمها الشرع، فتحريمها من تحريم الوسائل.
    وقوله صلى الله عليه وسلم: "مروا أولادكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع". فأمر بالتفريق بينهم في المضاجع خشية أن يفضي نومهم في مضجع واحد إلى وقوعهم في الفاحشة.
    والشواهد على أصل العمل بسد الذرائع كثيرة مستفيضة في نصوص الوحيين، ومنها قرر أهل العلم قواعد مهمة في هذا الباب، منها: "للوسائل أحكام المقاصد"، "كل ما أفضى إلى حرام فهو حرام".
    يقول ابن القيم (إعلام الموقعين 3/173): "لما كانت المقاصد لا يتوصل إليها إلا بأسباب وطرق تفضي إليها؛ كانت طرقها وأسبابها تابعة لها معتبرة بها، فوسائل المحرَّمات، والمعاصي في كراهتها، والمنع منها، بحسب إفضائها إلى غاياتها، وارتباطها بها، ووسائل الطاعات والقربات في محبتها والإذن فيها بحسب إفضائها إلى غاياتها، فوسيلة المقصود تابعة للمقصود، وكلاهما مقصود، لكنه مقصود قصد الغايات، وهي مقصودة قصد الوسائل، فإذا حرم الرب تعالى شيئاً وله طرق ووسائل تفضي إليها، فإنه يحرمها، ويمنع منها؛ تحقيقاً لتحريمه، وتثبيتاً له، ومنعاً أن يقرب حماه، ولو أباح الوسائل المفضية والذرائع المفضية إليه لكان ذلك نقضاً للتحريم، وإغراءً للنفوس به، وحكمته تعالى تأبى ذلك كل الإباء" اهـ.
    لم ينفرد علماء الشريعة بالعمل بهذا الأصل (سد الذرائع)، بل هو معمول به حتى في الأنظمة والقوانين الوضعية، وما من دولة إلا وهي تعمل بقاعدة سد الذرائع في أنظمتها وقوانينها، وإن اختلفت في درجة العمل به تضييقاً أو توسيعاً.
    أصل قاعدة سد الذرائع متفق عليه بين أهل العلم، فكل ما يفضي إلى الحرام قطعاً فهو حرام عند أهل العلم جميعاً، ولا خلاف بينهم في هذه الصورة، وكذلك ما نصَّ الشرع على تحريمه مما يفضي إلى الحرام غالباً؛ كالخلوة مثلاً، فهم متفقون على تحريمها؛ عملاً بالنص، لا إعمالاً لسد الذرائع.
    كما ذهب جمهور العلماء إلى العمل بسد الذرائع فيما يفضي إلى الحرام غالباً، وإن كان لا يُقطع بإفضائه إليه؛ استشهاداً بنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الخلوة بالمرأة الأجنبية، وبنهيه عن الدخول على المغيبات، وعن سفر المرأة بلا محرم، فهذه الصورة لا تفضي إلى الحرام والمفسدة قطعاً، وإنما تفضي إلى الحرام في الغالب، فاعتُبِر، وإن كانت أحياناً لا تقع بها فتنة ولا فاحشة.
    ثم وقع خلافهم فيما دون ذلك مما تردد فيه الأمر: هل يفضي إلى الحرام أم لا؟ أو تساوى فيه الاحتمالان؟ فمنهم من يعمل القاعدة فيه، ومنهم من لا يعملها.
    ومهما يكن؛ فهو من مورد الاجتهاد الذي تختلف فيه المدارك والأفهام، وتتباين فيه الأقوال، فلا تثريب ولا تشديد ما دام أنَّ المجتهد قد اجتهد وسعه، وأعمل فكره، وراعى المقاصد، ووازن بين المصالح والمفاسد.
    وأما الذرائع الضعيفة والتهمة البعيدة، فلا ينبغي أن تُعمل فيها القاعدة فتُسدُّ؛ لأنَّ العبرة بالغالب، وهي في الغالب لا تُفضي إلى المنكر، فمنعها ضربٌ من التضييق، وإفراطٌ في أعمال (سد الذرائع).
    قال القرافي: (كما نقله عنه الزركشي في البحر المحيط 8/90): "فإنَّ من الذرائع ما هو معتبر إجماعاً، كالمنع من حفر الآبار في طريق المسلمين.. وسب الأصنام عند من يُعلم من حاله أنه يسب الله، ومنها ما هو ملغي إجماعاً؛ كزراعة العنب؛ فإنها لا تمنع خشية الخمر، وإن كان وسيلة إلى الحرام، ومنها ما هو مختلف فيه؛ كبيوع الآجال، فنحن ـ أي المالكية ـ نعتبر الذريعة فيها ويخالفنا غيرنا، فحاصل القضية أنا قلنا بسد الذرائع أكثر من غيرنا، لا أنها خاصة ـ أي بمذهب المالكية ـ" اهـ.
    إنَّ الذريعة التي يجب أن تُسد هي الخطوة القريبة التي تفضي إلى المنكر يقيناً أو في غلبة الظن، أما الخطوات البعيدة التي بينها وبين الحرام خطوات أدنى فتحريمها بحجة سد الذرائع هي نفسها ذريعة إلى التشديد والتضييق يجب أن تُسد؛ فمثلاً: يحرم الإسلام من الاختلاط ما هو مظنة المزاحمة والخلوة؛ لكن لا يجوز بحال أن نحرِّم على الناس أن يمشوا جميعاً ـ رجالاً ونساء ـ في طريق واحد، أو نحرم عليهم مجرد الاجتماع في مكان واحد يحويهم جميعاً!
    والنبي صلى الله عليه وسلم لم ينع النساء من المرور بطريق يمر به الرجال، وإنما أمرهن بالبعد عن مزاحمتهم؛ منعاً من تماس الأجساد، فقد صحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال ـ لما خرج الرجال والنساء من مسجده جميعاً: "لا تُحقِقن الطريق، ولكن عليكن بحافة الطريق". فهو ـ كما ترى ـ تجنب للمزاحمة والاختلاط الذي يفضي إلى الفتنة، لا تجنبٌ لمشي الرجال والنساء في طريق واحد.
    لئن اختلف أهل العلم في درجة الأخذ بقاعدة (سد الذرائع) والتوسع في إعمالها، فلا يصح أن نجعله من الاختلاف الذي يعود على أصل القاعدة بالنقض والبطلان، فقد اختلفوا في بعض صور القياس وضروبه، ولم يكن ذلك الاختلاف مبطلاً لحجية القياس، ولا ناقضاً لأصله.
    إنما ذلك الاختلاف اختلافٌ في التطبيق وإعمال القاعدة وتحقيق مناطها، لا في أصل العمل بها.
    إنَّ الذي نراه هو أنَّ المبالغة في سد الذرائع بحجة الغيرة على الأعراض لا يخدم الغرض نفسه، وقد يخدمه حيناً من الدهر؛ لكنه لا يلبث أن يكون عوناً ودافعاً للناس للتساهل في تقحم بعض الذرائع التي هي ـ حقيقة ـ فتنة واقعة، أو تفضي إلى الحرام، كردة فعل منهم على ذلك التشدد.
    إنَّ تحريم الذرائع التي تفضي إلى الحرام قطعاً أو غالباً هو من قبيل تحريم الوسائل، لا من قبيل تحريم المقاصد، ولذا فما حرم من هذا القبيل فإنه يباح عند الحاجة ولو لم تكن ثمة ضرورة، ومن شواهد ذلك في كتب أهل العلم:
    1ـ قولهم: "ما كان منهياً عنه للذريعة فإنه يُفعل لأجل المصلحة الراجحة" (ينظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية 22/298، 23/214،186، وزاد المعاد 2/242، 3/488،88 إعلام الموقعين 2/142).
    2ـ قولهم: "يغتفر في الوسائل ما لا يغتفر في المقاصد". ينظر: الأشباه والنظائر للسيوطي ص293.
    ومن أمثلة ذلك ما ذكره ابن تيمية رحمه الله (مجموع الفتاوى 23/186): "ثمَّ إنَّ ما نهي عنه لسد الذريعة يباح للمصلحة الراجحة، كما يباح النظر إلى المخطوبة والسفر بها إذا خيف ضياعها، كسفرها من دار الحرب، مثل سفر أم كلثوم وكسفر عائشة لما تخلفت مع صفوان بن المعطل؛ فإنه لم ينه عنه إلا لأنه يفضي إلى المفسدة، فإذا كان مقتضياً للمصلحة الراجحة لم يكن مفضياً إلى المفسدة".
    وقال في موضع آخر (مجموع الفتاوى 23/214): "وهذا أصل لأحمد وغيره: في أنَّ ما كان من باب سد الذريعة إنما ينهى عنه إذا لم يحتج إليه، وأمَّا مع الحاجة للمصلحة التي لا تحصل إلا به وقد ينهى عنه؛ ولهذا يفرق في العقود بين الحيل وسد الذرائع: فالمحتال يقصد المحرم، فهذا ينهى عنه. وأمَّا الذريعة فصاحبها لا يقصد المحرم، لكن إذا لم يحتج إليها نهي عنها، وأما مع الحاجة فلا" اهـ.
    ويتبيَّن مما سبق: أنَّ إباحة ما حُرِّم للذريعة لأجل الحاجة منزعه من الترجيح بين المصالح والمفاسد، فما كانت مصلحته أرجح من مفسدته في حالة من الحالات، فإنه لا يسدُّ في تلك الحالة، بل يباح مراعاة للمصلحة الراجحة وإلغاء للمفسدة المرجوحة.
    وقد مثّل لذلك ابن تيمية بعض الأمثلة: كالنظر إلى المخطوبة، والسفر بالأجنبية إذا خيف ضياعها ونحو ذلك، ويلحق بذلك نظر القاضي إلى وجه المرأة، وككشف المرأة عورتها للطبيب عند الحاجة.
    ومن الأمثلة المعاصرة اليوم: "وجود دخول رجال الأمن والدفاع المدني على المغيّبات اللاتي غاب عنهن محارمهن عند الحاجة لذلك؛ كحدوث حريق أو نحو ذلك، ومن المعلوم أنَّ الدخول على المغيبات لا يجوز، لكن لما كانت المصلحة في الدخول أعظم من مفسدتها انتقل الحكم من الحرمة إلى الجواز، بل الوجوب في حالات الضرورة التي تتعرض فيها النفوس والأطراف للتلف والتهلكة.
    مصطلح "فتح الذرائع" مصطلح عبَّر به بعض العلماء، كالقرافي، حيث يقول ـ شرح تنقيح الفصول ص449 ـ: "اعلم أنَّ الذريعة كما يجب سدها، يجب فتحها، ويكره، ويندب، ويباح.."، ويقول ابن عاشور ـ مقاصد الشريعة ص369 ـ: "إنَّ الشريعة قد عمدت إلى ذرائع المصالح ففتحتها".
    والقواعد الفقهية تؤيد هذا؛ ولكن بعبارات أخرى، مثل: ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب"، و" ما لا يتم المباح إلا به فهو مباح" مجموع الفتاوى لابن تيمية 29/70.
    غير أنَّ استعمال هذا المصطلح "فتح الذرائع" ـ فيما أحسب ـ فيه إيهام حتى وإن كان مستعملاً عند بعض أهل العلم، إذ يتوهم من يسمع به أنَّ المقصود هو فتح الذرائع التي سُدَّت، لإفضائها إلى المحظور.
    ولذا وقف بعض الأحبة من هذا المصطلح موقف الرافض؛ ظناً منه أنَّ المقصود هو فتح الذرائع التي تفضي إلى الحرام، وليس بصحيح، وإنما المقصود هو فتح وسائل المباح والواجب والمندوب.
    ورفعاً لهذا اللبس والإيهام: فالأولى ترك استعمال هذا المصطلح إلى التعبير بـ"التوسط والاعتدال في إعمال قاعدة سد الذرائع" بحيث لا يُسد من الذرائع إلا ما أفضى إلى المحظور غالباً، وكانت مفسدته أرجح من مصلحته؛ لأنَّ التوسط في إعمال هذه القاعدة يجعل ذرائع المباح مفتوحة للناس استصحاباً للأصل ـ وهو أنَّ الأصل في الأشياء الإباحة ـ واستصحابا للبراءة الأصلية.
    والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، وسلم.

    * المحاضر في قسم الفقه بكلية الشريعة.
    " أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ "



  2. افتراضي

    عندي عدة أسئلة ..
    1- هل ابن تيمة هو أوّل من تكلم عن سد الذرائع ؟
    2- سد الذرائع في أمور معيّنة موضحة في الكتاب و السنة , لماذا زاد بعض العلماء من عندهم و حاولوا أن يتكلموا عن كل شيء وأي شيء , وماذا عن دائرة " المسكوت عنه " ؟
    3- سد الذرائع قائم على الإحتمالات , والإنسان ليس معصوما ً عن الخطأ , ألا يخشون على أنفسهم أن يحرّموا شيئا ً مباحا ً ولو كان في مباحا ً بشروط ؟!

    وجزاكم الله خير
    قال الله سُبحانه وتعالى { بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ } الأنبياء:18


    تغيُّب

  3. #3

    افتراضي

    هل ابن تيمة هو أوّل من تكلم عن سد الذرائع ؟
    اشتهر العمل بقاعدة سد الذرائع عن الإمام مالك ...والإمام أحمد .. وعمل بها أصحابهما .. والشافعية والحنفية كان لهم رأي مخالف لامجال لسرده بتوسعه ..

    سد الذرائع في أمور معيّنة موضحة في الكتاب و السنة , لماذا زاد بعض العلماء من عندهم و حاولوا أن يتكلموا عن كل شيء وأي شيء , وماذا عن دائرة " المسكوت عنه " ؟
    قال ابن القيم رحمه الله في بيانه لمكانة سد الذرائع من الدين : «وباب الذرائع أحد أرباع التكليف، فإنه أمر ونهي، والأمر نوعان: أحدهما مقصود لنفسه، والثاني وسيلة إلى المقصود، والنهي نوعان: أحدهما ما يكون المنهي عنه مفسدة في نفسه، والثاني ما يكون وسيلة إلى المفسدة، فصار سد الذرائع المفضية إلى الحرام أحد أرباع الدين» ... هو باب اجتهاد لما يجد في واقع الناس أختي الحبيبة لذا اعتبرها مالك وأحمد أصلاً من أصول الفقه «حكمها مالك في أكثر أبواب الفقه» ,, واعتبرها ابن القـيم «ربـع الدين» ,, وان كان لها منكرين أيضا ... لكنها من أبواب الاجتهاد الذي لاغنى عنه ..

    سد الذرائع قائم على الإحتمالات , والإنسان ليس معصوما ً عن الخطأ , ألا يخشون على أنفسهم أن يحرّموا شيئا ً مباحا ً ولو كان في مباحا ً بشروط ؟!
    أكيد ليس هناك معصوم .. ولكن الظن الراجح معتبراً في أحكام الشريعة، فلا يشترط لثبوتها اليقين.. وفضلاً عن ذلك، فإن حِكَمَ الشارع تقتضي منع الأسباب والذرائع المؤدية إلى المحظور وإن كانت مباحة مطلوبة أصلاً، فإذا أدت هذه الذرائع المباحة إلى مفاسد، نظراً لظروف خاصة أو أحوال معينة، فإنها تمنع وتصير محظورة. فالبيع مباح ولكنه في وقت صلاة الجمعة محظور، وقطع الأيدي في السرقة فرض لكنه في الغزو ممنوع لئلا يكون ذريعة لفرار المحدود إلى العدو حمية وغضباً. والنظام التشريعي قائم على رعاية المصالح وتكثيرها، ودرء المفاسد وتقليلها، وسد الطرق المؤدية إليها، ويشهد لذلك استقراء أدلة الأحكام؛ وقد ساق ابن القيم تسعة وتسعين وجهاً شاهداً لهذه القاعدة بالاعتبار وكل ذلك باستقراء الأدلة ..وفي هذا يقول ابن عبد السلام: «ومن تتبع مقاصد الشرع في جلب المصالح ودرء المفاسد حصل له من مجموع ذلك اعتقاد أو عرفان بأن هذه المصلحة لا يجوز إهمالها، وأن هذه المفسدة لا يجوز قربانها، وإن لم يكن فيها إجماع ولا نص ولا قياس خاص، فإن فهم نفس الشرع يوجب ذلك» ...
    ولا يعني ذلك اعتبار المصالح مطلقاً من دون ضابط، بل لا بد للعمل بالمصالح من شروط:
    1. فلا بد أن تكون موافقة لمقاصد الشارع محافظة على الضرورات الخمس (الدين والنفس والعقل والعرض والمال).
    2. ويشترط لها ألا تعارض دليلاً شرعياً.
    3. وألا تفوت مصلحة أعلى منها.
    4. كما يشترط للمصلحة أن تكون حقيقية ـ تجلب نفعاً وتدفع ضراً ـ لا موهومة، فلا بد لها من إطالة النظر والتأمل في جميع الأوجه قبل الحكم بالمصلحة.
    5. ويشترط لها أن تكون عامة للناس أو لأكثر الناس، لا مصلحة لفئة معينة من الناس كمصلحة السادة أو التجار على حساب غيرهم
    ولنا من سلفنا مواقف كهذه مشابهة في التطبيق كترك قتل المنافقين وترك حد السرقة عام الرمادة , فيكون مستنداً إلى دليل آخر ولا يعدّ مصادماً للدليل، وهذا ما يسميه كثير من الأصوليين بالاستحسان ..لكن حتى مع القول بمشروعية ذلك، ما ضوابطه؟
    ـ الضرورة والحاجة العامة وتأليف القلوب ومراعاة الأوليات أمور يُعلل بها كثيراً ترك ظواهر النصوص، ولهذه الأمور ما يشهد لها شرعاً، لكن ـ أيضاً ـ هذه الأمور تحتاج إلى ضبط ..فالذرائع هي الوسائل وهي مضطربة اضطراباً شديداً قد تكون واجبة, وقد تكون حراماً, وقد تكون مكروهة ومندوبة ومباحة, وتختلف أيضا مع مقاصدها, بحسب قوة المصالح والمفاسد وضعفها, وانغمار الوسيلة فيها وظهورها، فلا يمكن دعوى كلية باعتبارها ولا بإلغائها, ومن تتبع فروعها الفقهية ظهر له هذا لذا يترك الأمر الى العلماء الثقات في الأمة لاستنباط الأحكام والاتفاق عليها في هذا الباب .. وهذا مانحن عليه ان شاء الله في المسألة ... والله أعلى وأعلم ..

    تحياتي للموحدين
    أعظَم مَن عُرِف عنه إنكار الصانع هو " فِرعون " ، ومع ذلك فإن ذلك الإنكار ليس حقيقيا ، فإن الله عزّ وَجَلّ قال عن آل فرعون :(وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا)
    وبُرهان ذلك أن فِرعون لَمّا أحسّ بالغَرَق أظْهَر مكنون نفسه ومخبوء فؤاده على لسانه ، فقال الله عزّ وَجَلّ عن فرعون : (حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آَمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا الَّذِي آَمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ)

  4. افتراضي

    بارك الله فيكم.

    سد الذرائع أصل مُجمع على اعتباره, ومختلف في مواطن إعماله. ولهذا أدلة يطول سردها عن هذا المقام. وقد تعرض لهذه المسألة -أي الإجماع على اعتبار سد الذرائع إجمالاً- غير واحد من أهل العلم. قال القرافي في الفروق: "اعلم أن الذريعة هي الوسيلة إلى الشيء. وهي ثلاثة أقسام: منها ما أجمع الناس على سده, ومنها ما أجمعوا على عدم سده, ومنها ما اختلفوا فيه..." ا.هـ. المقصود منه [الفروق (266/3)], وأطال النفس في تقرير ذلك بعدها فليُراجع. وقال في "هامشه": "...فقد اعتبر الشرع سد الذرائع في الجملة وليس المذهب المالكي مختصاً بسدها كما يُحكا ذلك عنه" ا.هـ [هامش الفروق (274/3-275)]. وقال الزركشي: "وإنما قلنا إن هذه الأدلة لا تفيد في محل النزاع لأنها تدل على اعتبار الشرع سد الذرائع في الجملة وهذا أمر مجمع عليه وإنما النزاع في ذريعة خاصة" ا.هـ. [البحر المحيط. (83/6)]. وقد نسب البعض خطأً إلى الشافعي وأبي حنيفة عدم اعتبار الذرائع, وهو وهم. قال في "البحر": "وقال أبو حنيفة والشافعي لا يجوز المنع من سد الذرائع قلنا قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا" وقوله "واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر" وقوله عليه السلام "لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها وباعوها وأكلوا أثمانها" وقوله عليه السلام "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك" وقوله عليه السلام "الحلال بين والحرام بين وبينهما مشتبهات" انتهى وقال القرطبي وسد الذرائع ذهب إليه مالك وأصحابه وخالفه أكثر الناس تأصيلا وعملوا عليه في أكثر فروعهم تفصيلا ثم حرر موضع الخلاف فقال اعلم أن ما يفضي إلى الوقوع في المحظور إما أن يلزم منه الوقوع قطعا أو لا والأول ليس من هذا الباب بل من باب ما لا خلاص من الحرام إلا باجتنابه ففعله حرام من باب ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب والذي لا يلزم إما أن يفضي إلى المحظور غالبا أو ينفك عنه غالبا أو يتساوى الأمران وهو المسمى بالذرائع عندنا فالأول لا بد من مراعاته والثاني والثالث اختلف الأصحاب فيه وقريب من هذا التقرير قول القرافي في القواعد إن مالكا لم ينفرد بذلك بل كل واحد يقول بها ولا خصوصية للمالكية بها إلا من حيث زيادته فيها قال فإن من الذرائع ما هو معتبر إجماعا." ا.هـ [البحر المحيط (82/6-83)].

    والفروع المنبنية عند الشافعية على سد الذرائع عديدة وتقريرها مستفيض في كتب المذهب, فلتُراجع في مظانها.

    والمسألة تحتمل مزيد بسط وتحرير. والله تعالى أعلم.

  5. #5

    افتراضي

    سد الذرائع يجب ان يؤخذ بضوابطه
    و لكن للاسف قد اصبحت هذه القاعدة مدخلا لتحكيم العقل في شرع الله و بالتالي اتباع الهوى
    هناك دراسة اصولية حول المصلحة و سد الذرائع ربما انقلها لاحقا تبين ان هذا الباب معظمه غير صحيح
    و ليس فيه من الصحة الا القاعدتين ( ما لا يتم الواجب الا به فهو واجب )
    و قاعدة ( اي فرد من افراد المباح ادى حرام فانه يحرم )
    تحياتي

  6. افتراضي

    بارك الله فيكم أبا أيمن.

    نعم, جميع قواعد الشرع ينبغي أن تؤخذ بضوابطها وفقاً لما عمل به السلف الصالح, الأئمة الأربعة وغيرهم.

    في الانتظار للاستفادة.

    وفقكم الله

  7. افتراضي

    . كما يشترط للمصلحة أن تكون حقيقية ـ تجلب نفعاً وتدفع ضراً ـ لا موهومة، فلا بد لها من إطالة النظر والتأمل في جميع الأوجه قبل الحكم بالمصلحة.
    2. ويشترط لها ألا تعارض دليلاً شرعياً.
    قال المولى عزوجل ( ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم كذلك زينا لكل أمة عملهم ثم إلى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون ) ...
    قال تعالي يا أيها الذين امنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فان تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر

  8. افتراضي

    فإن حِكَمَ الشارع تقتضي منع الأسباب والذرائع المؤدية إلى المحظور وإن كانت مباحة مطلوبة أصلاً، فإذا أدت هذه الذرائع المباحة إلى مفاسد، نظراً لظروف خاصة أو أحوال معينة،
    - إذا ً أحكام باب سد الذرائع متغيرة حسب الزمان والمكان والعرف والحال ؟
    إنّ هذا يعني أن هذا الباب يحتاج لإعادة النظر فيه .

    - كما أن الإختلاف العلماء بين متشدد ومادون ذلك يؤدي إلى الإختلاف في النظر للأمور مما يولّد الخلاف بين علماء المسلمين , أليس هذا يعني وضع الأحكام ضمن إيطار مكاني ؟
    قال الله سُبحانه وتعالى { بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ } الأنبياء:18


    تغيُّب

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. أحكام المفقود في الشريعة الإسلامية
    بواسطة dyadak في المنتدى قسم الحوار عن الإسلام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 12-13-2009, 12:24 PM
  2. تطبيق الشريعة الإسلامية
    بواسطة ssaammeerr في المنتدى قسم الحوار عن الإسلام
    مشاركات: 12
    آخر مشاركة: 10-03-2009, 09:32 PM
  3. لماذا تحارب الشريعة الإسلامية ؟
    بواسطة وليد المسلم في المنتدى قسم الحوار عن الإسلام
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 06-14-2009, 03:08 PM

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء