[من الأدلة: الإجماع من المسلمين وممَّن عرف حال النبي (صلى الله عليه وسلم) ]
ومن أعظم البراهين على أن الحق هو ما جاء به الرسول محمد صلّى الله عليه وسلّم، في جميع الحقائق الصحيحة النافعة: الإجماعُ من جميع المسلمين ومن جميع من عرف حال النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه أعلمُ الخلق على الإطلاق بالله وبالحقائق النافعة، وأعظمُهم بياناً، وأوضحُهم عبارةً، وأفصحُهم وأنصحُهم للخلق.
وهذه الأمور إذا كمُلت ـ وقد كمُلت ـ على وجه الكمال التامِّ في محمد صلّى الله عليه وسلّم؛ بحيث لا يدانيه ولا يقاربه أحدٌ في العلم والبلاغة والنصح؛ عُلِم يقيناً ضرورياً أن جميع ما جاء به هو الحق الذي لا ريب فيه.
لا سيَّما في باب التوحيد، وبيانه العظيم في أن لله الأسماء الحسنى والصفات الكاملة العليا؛ التي تفرد بها وتوحد، ولم يشاركه فيها مشارك، وهذا وحده برهان كافٍ شافٍ لمن له أدنى عقل أو ألقى السمع وهو شهيد.
فيا عجباً! لمن يعارض ما جاء به هذا النبيُّ العظيم؛ الذي جاء بشريعة ما طَرَق العالمَ أعظمُ منها ولا أكملُ ولا أصحُّ؛ بأقوال الماديين الذين سَفُهت أحلامهم وفَسَدت عقولهم، واتضح أن جميع ما عارضوا به الأديان جهل وضلال ومكابرة صريحةٌ، وذلك معروف بالتتبع لجميع المسائل التي عارضوا فيها الرسل.
قال تعالى في حقِّهم وحق أمثالهم: {{فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ}} [غافر: 83] .
والحاصل
أن جميعَ الموجودات، وجميعَ الحوادث والمعارف والحركات، أدلةٌ وبراهين على وحدانية ربِّ الأرض والسموات:
من الذي أنشأ المخلوقاتِ من العدم؟
من الذي دبَّر الأمورَ وصرَّفها؟
من الذي خلق السمواتِ والأرض وحفظها بقدرته وأمسكها؟
من الذي خلق الآدميَّ من نطفة فإذا هو خصيم مبين؟
من الذي أمات وأحيا وأسعد وأشقى، وأهلك الأمم الطاغية بأنواع المَثُلات، ونجَّا الرسل وأتباعهم؟
إن في ذلك لعبراً وبراهينَ واضحات.
من الذي خلق الحبَّ والنوى وفجَّر الأرض بالأنهار والعيون؟ أليس ذلك من آثار من يقول للشيء: كن، فيكون؟
من الذي أعطى كلَّ شيء خلقَه اللائقَ به؛ ثم هدى كلَّ مخلوق إلى مصالحه التي لا يصلح له سواها؟
من الذي علَّم العلوم المتنوعة والفنون؟
من الذي أخرج الثمارَ الرَّطْبة من يابس الغصون؟
من الذي أحكم الأشياءَ بغاية الحكمة وكمال الانتظام وأتقنها؟
من الذي أحسن كل شيء صنعه؟ وشرع الشرائع وجعلها في غاية الهدى والصلاح وأتقنها؟
من الذي سيَّر السحابَ الموقَرَةَ بالمياه العظيمة، فأصاب بها البلاد والعباد؟ أليس ذلك الذي يعيد الخلقَ بعد موتهِم إلى يوم الحشرِ والتناد؟
يا عجباً؛ لنفوس تنكر الربُّ والبعثَ؛ ما أضلَّها وأعماها! كيف لا تعترف بهذه القضية التي هي أعظم القضايا وأوضحها وأجلاها؟!
إلـهٌ عظيم لم يزل إلهاً، ومَلِكٌ كبيرٌ مُلْكه لا يتناهى، شَمِل العالمين برحمته ورزقه فلا يترك ذرةً ولا ينساها.
يسمع أنين المُدْنِفين ، ويجيب أسئلة السائلين، ويجود بمغفرته ورحمته على التائبين.
Bookmarks