أعزائي
إن قدرة الإنسان الرائعة علي اختراع الكلمات قد أوقعت السذج في الكثير من المتناقضات ، فهناك من يعتقد بقوة أن الصفر والواحد لهما كينونة في العالم الواقعي وليس مجرد مفاهيم رياضية لا وجود لها إلا في النسق الرياضي الصوري ، إن بعض السذج يتعامل مع النقطة وهي أحد المعرفات في النسق الهندسي الإقليدي مثلما يتعامل مع بقعة الحبر الصغيرة علي الورقة ، بل إنني أقسم بالضياء والحلك والشروق والدلك أنني سمعت أحد أعظم الأساتذة في جامعة القاهرة وهورجل مشهور بغزارة التأليف فيما يسموه باليسار الإسلامي يقول أنه لافرق بين الصفر والنقطة وعندما حاولت أن أوضح له ولجماعة السمنار الفرق وأن خلطهم هذا نبع من طريقة الكتابة في اللغة العربية تبسموا ساخرين من غبائي وناصروا أستاذهم بكل الحجج التبريرية ، إلا أنه اعترف لي علي انفراد أنه دون ملاحظتي وسيتابعها بنفسه .
عموماً فالعدم أحد الاختراعات اللغوية النابعة من طبيعة اللغة نفسها ففكرة وجود نقيض أمر منطقي وفكرة السلب ضرورة عقلية ، لذلك فديكارت يصرح ببساطة أن الكامل موجود لأن الإنسان ناقص ، هكذا ببساطة لغوية شديدة ، بل ويعتبر هذا التضاد اللغوي استنباط عقلي ، وبنفس المنطق الواضح فطالما أننا في الوجود إذن فقد كنا من قبل في اللاوجود أو اللاشئ أو العدم أو الفراغ .... إلخ
إن العدم فكرة مجردة ابتكرها الإنسان منذ القدم ليعبر عن اختفاء الأشياء أو الموت أو التحلل ثم عندما بدأ يفكر بطريقة منطقية استخدمها ليعبر عن النقيض أو السلب وعندما دخل عالم الفضاء بدأ يستخدمها للتعبير عن الفراغ (المكان الزمان الذي لا يستطيع فيه قياس أي جسيمات أو نشاط) وهذه الفكرة نحن نحتاجها علي المستوي العقلي لبناء أنساقنا العلمية والفلسفية والرياضية .
- ففي الحساب مثلاً اخترعنا الصفر وهو فئة الفئات الفارغة ثم انفتح أمامنا المطلق العددي من كل الاتجاهات . أي أن ما يقابل فكرة العدم المجردة أفادتنا في النسق الرياضي الصوري والعدم أو السلب ممتع في العالم الصوري .
- ففي المنطق لا يمكن الاستغناء عن فكرة النقيض أو السلب المطلق (فكما أن هناك أ يجب أن يكون هناك لاأ حتي يكتمل النسق المنطقي وعلي الرغم أن لاا تعني كل العالم ما عدا أ أي أنها غير محددة إلا أنها مفيدة علي المستوي المنطقي )
وعلي مستوي علم الفلك فإننا نتعامل مع كتل كبيرة واضحة تفصلها مسافات شاسعة ولكننا نهتم بأجسام محددة وأجهزتنا تستطيع رصد أحداث معينة دون غيرها وهنا نحتاج أيضاً لنكمل النسق العلمي لفكرة الفراغ . وهكذا نحن نستخدم فكرة العدم ومشتقاتها (الفراغ واللاشئ واللا مادة ...... إلخ) بطرق منطقية لنبني أنساقنا المعرفية لأننا ببساطة كائنات محدودة وليست مطلقة .
وهذا دفع البعض للتعامل مع العدم كفكرة مجردة نستخدمها لبناء أنساقنا المعرفية كشئ له كينونة وهو أمر متناقض وعجيب ويقولون أن العلم يثبت وجود العدم (ويقصدون أن للعدم كينونة) ، ولكني أقول لهم ما هي التجارب التي تثبت كينونة العدم ؟ هل هي تجارب المادة السوداء ؟ كيف يمكن أن تثبت بطريقة تجريبية كينونة العدم ؟
هل استطاعت التجارب أن تشير إلي العدم ؟ التجارب ياسادة تتعامل مع الكون ولتغلق أنساقها العلمية المحدودة تتعامل مع العدم علي المستوي الصوري .
سأعطيكم مثال تبسيطي
كنت وأنا صغير تستفزني فكرة الفراغ أو الفضاء كما يعرضها مدرس العلوم المتدين الذي كان متوحداً مع الدكتور مصطفي محمود فكان يعبر عن الفراغ أو الفضاء بوصفه عدماً أو لاشئ علي الإطلاق فكنت أسأله أليس ما بين الأرض بغلافها الجوي والشمس فراغ أو فضاء ؟ فيقول نعم فأقول إذن الفضاء ممتلئ بأشعة الشمس ، فيسخر مني ويصفني بالغباء ، وفي اليوم الثاني كنت أسأله مبتسماً أليست هناك جاذبية بين الأرض والشمس والكواكب ؟ فيقول نعم إلا أن الجاذبية بين الكواكب (بعضها ببعض) ضعيفة بعكس الشمس لأن كتلتها أكبر ، فأقول إذن الفضاء الفارغ ممتلئ بالجاذبية ولكنه لم يسخر مني هذه المرة بل طلب مني أن أقابله في المكتب بعد الحصة ، وبعد ذلك كان عندما يزوره الموجه ينقلني إلي الفصل الذي سيزوره الموجه .
إن أبي كان يقول لي دائما لقد خلقنا الله من العدم ولم نك شيئا وأقسم لكم أعزائي بالطارقات أن هذا القول كان يدفعني للضحك أكثر من (............).
حقاً أنه أمر يثير الضحك أن يتحرك الإنسان في كل هذا الملاء ثم يؤمن بالعدم لمجرد أنه قادر علي اختراع الكلمات ، في نفس اللحظة التي تحفر فيها الحفرة يملؤها الهواء .
فإلي من يؤمنون بالعدم هل لديكم دليل عقلي علي وجود العدم ؟ وعذراً للتناقض في الكلمات ولكن إيمانكم بالعدم هو من دفعنا لهذا التناقض .
علي من يحاورني أن يدرك علي الأقل الفرق بين الصفر والنقطة والإلكترون .
أنتم لكم قلوب تتفكرون بها ونحن لنا أمخاخ نعقل بها .
لكم مني كل تقدير واحترام .
متابعة إشرافية بحذف الكلام المسيء.
Bookmarks