صفحة 2 من 4 الأولىالأولى 1234 الأخيرةالأخيرة
النتائج 16 إلى 30 من 52

الموضوع: هناك، بين اللذات وهادمها... شارع فاصل

  1. #16

    افتراضي

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    أخيرا نطق ابنها بأول اسم وقال في تعثر: بابا.
    نزلت دمعة من عينيها وهي تسمعها ضمته بقوة وقبلته، أحست أن العالم كله يصفق لها لأن ابنها نطق بهذه الكلمة لم تكثرت إن كان لم ينادها هي ولكن المهم عندها هو أنه تكلم. فرحة لا تعادلها فرحة أن نطق فلذة كبدها.
    قالت في نفسها: آه كم هي جميلة هذه اللغة التي تتشكل من رموز وعبارات تعطي لأفكارنا وجودا واقعيا، لم يفكر الفلاسفة وهم يكتبون عنها ويسبحون في طياتها بهذه الفرحة التي تغمر نفس الأم عند أول كلمة يتلفظها إبنها.
    تتبخر كل التعاريف الفلسفية من الذهن وتحل محلها فرحة عارمة وكأن كلمة "بابا" جاءت لتنسف كل العلوم التي اهتمت باللغة من مخيلتي.
    آه يا ولدي وكأني بسماعي لهذه الكلمة قد حققت حلمي بأن أتجاوز الزمن لأعود إلى اليوم الذي استطاع فيه الإنسان اختراع هذه الخاصية التي شكلت حدا فاصلا بينه وبين كل مخلوق تطور عنه.
    وكأنني أشهد تلك الإبتسامة في عينيه وهو يحرك شفتيه لأول مرة ويتلفظ بأولى كلماته. رغم أنها مجرد تفاسير شخصية خاض فيها علماء الفلسفة إلا أنني أحس أنها أقرب إلى التصديق وأنا أسمع هذه الكلمة من فم ابني.
    يالعار الأديان يحرمون الإنسان كل إنتصاراته وينسبونها إلى إلههم ليضفون عليه طابع القوة والحكمة والغلبة.
    كم عانا ابني ورمى الحروف مبعثرة قبل أن يلفظ كلمة صحيحة أخيرا ليحاكي ما تسمعه أذناه. فكم من الجهد تكبله الإنسان الأول ليحاكي أصوات الطبيعة ويصنع كلمة من غير محاكاة؟؟ وفي الأخير يأتي من ينسبها إلى وهم لا يوجد إلا في خيالات المتدينين.
    كم يتنكر هذا الإنسان لمجهود جده الأول. ينسى أن طاقاته غير محدوده لقد وصل إلى القمر بعلمه وبحثه وكده ولا زالت المسيرة ماضية. أتساءل إن بقي بعد مئات السنين متدينين هل سينسبون هم الآخرون وصول الإنسان إلى القمر إلى إله؟؟
    مجرد هراء هذا الذي يتناقله هؤلاء المتدينون.
    وأعادت النظر في عيني ابنها وهي تحتضنه بين ذراعيها وقالت له: قل بابا
    فرددها في تعثره الأول: بابا
    تمنت لو أنه يستمر بسرعة في تلفظ الأسماء بسرعة.
    وتمتمت: وأخيرا سأنتقل معك أيها الغالي في حلقة التواصل من مرحلة الإشارات البطيئة إلى مرحلة الضخ السريع للمعلومات. أخيرا سنبدأ مشوارنا في التأسيس لمدرسة الإلحاد الجديدة التي لا تهزمها الأديان أبدا.
    ابتداء من اليوم أستطيع أن أقول بدأت رحلة الغوص في أعماقك لأضع كل فكرة في مكانها الصحيح دون أن تخضع لإرهابات وآمال الأديان الواهية.
    سنبحر في عالم لا يوجد فيه غيب ولا يوجد فيه عاقل غيرنا.
    عالم كل قواعده مدركة بالحواس وقابلة للأخذ والرد.
    وللحديث بقية إن شاء الله تعالى
    ************************************************** *************************
    على هامش القصة:
    رجاء اقرأ هذا الدعاء: اللهم يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك

  2. #17

    افتراضي

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    ومرت الأيام تجري والطفل يرتقي في تقليده لكلمات أمه ويحفظ بعض الأغنيات ويرددها بتعثر وتقطع، فتسقط في صدر الأم سقوط الجواهر النفيسة في صندوق فقيرة.
    تضمه وتبتسم له وتكرر بنفس تقطعاته، وكأنها بذلك تعود إلى الطفولة حيث أصبحت العودة مستحيلة.
    كانت مأخوذة بعالمه الجميل. تجري معه طول اليوم وتقفز وتغني.
    تمنت أن لا تنقضي تلك اللحظات.
    لكنه آن الأوان ليهجرها لساعات كل يوم.
    وقفت أمام باب المدرسة تودعه، تقدم خطوتين والتف ليراها تلوح له بيديها فعاد سريعا إليها وقال لها لا أريد أن أذهب وبدأ في البكاء. رفعته إليها وضمته وهي تمسح على رأسه وتسكته لكن دمعها خانها فبكت هي الأخرى. أحست وكأنه يؤخذ منها عنوة.
    قالت لها المدرسة وهي تبتسم: هذا حال الأطفال في اليوم الأول، لكن الأمهات من النادر أن يتصرفن مثلك.
    مسحت دمعها وردت : يعز علي أن أرى دمعه.
    وقبلته فأخذته المدرسة بسرعة وهو يصرخ، انقطع الصوت بعد أن أغلقت الباب وراءه.
    كانت خائفة عليه مما سيحمل لها من أفكار عليها أن تخضعها لمصفاة الإلحاد لتحذف كل أثر للدين منها.
    ومرت الأيام بسرعة واعتادت أن تسأله عند كل رجوع, ماذا درست؟؟ ماذا قال لك زملاؤك؟؟ فتصحح له في كل مرة.
    في إحدى المرات كان جالسا يتفرج في موسوعة الحيوانات (كتابه المفضل) بينما كانت هي منهمكة بالكتابة، ظل مدة طويلة لا يحرك ساكنا, قامت إلى مكتبه الصغير فلم يلتفت إليها وظل يحدق في الصورة التي أمامه، نظرت إلى الصورة كانت لطائر اللقلاق الأبيض وهو يطير ,احتلت الصورة كل الصفحة بشكل بدى معها منظر الطائر جميلا جدا
    اقتربت منه وقالت: يبدو جميلا هذا الطائر أليس كذلك؟؟
    فرفع عينيه إليها وقال: هل هذا هو الذي حملني إليك؟؟
    استغربت وقالت له: كيف حملك إلي؟؟
    قال لها: أجل, لقد أخبرني صديقي أن أمه تقول, بأن هناك طيورا بيضاء تحملنا من جزيرة بعيدة إلى البيوت فنصبح أبناءكم هكذا نخلق.
    ابتسمت له في محاولة منها لإخفاء امتعاضها من هذه القصة السخيفة التي يرد بها النصارى على أطفالهم حين يسألونهم كيف ولدوا.
    ثم قالت له: لا ليس هكذا خلقت أبدا.
    ثم أردفت وهي تمسك بيده : تعال معي سأريك كيف خلقت.
    فتحت جهاز الحاسوب وبدأت تشرح له بالتفاصيل الدقيقة لم تتوانى في فتح أي موقع أو صورة، أسهبت في الشرح والطفل مأخوذ بما تقول، من عادته أن يمطرها بوابل من الأسئلة في خلال شرحها لكن هذه المرة ظل جامدا ساكتا، لم يتحدث، ينظر إلى الصور وإليها في ذهول غريب.
    لم تسأله كما عادتها هل فهم أم تعيد، بل استرسلت في شرحها.
    إلى أن قال لها في لحظة مفاجئة: توقفي لا أريد أن أرى أو أسمع المزيد.
    فالتفتت إليه وقالت في استغراب: لماذا؟؟
    فرد بعفوية: أنت تكذبين فالطائر هو من يحملنا إليكم وهذا الذي أرى لا يمكن.
    تمنت لو تستطيع الرد عليه كما كانت تفعل أمها: ستفهم حين تكبر، لكن لم يعد هناك مجال لهذه الجملة فقد حرقتها بأسلوبها في التربية الذي يقوم على طرح كل شيء كما هو دون أخذ السن بعين الإعتبار.
    ظل الطفل طول اليوم لا يحدثها ويتهرب منها، يسألها كل مرة متى سيحضر والده.
    وأخيرا جاء الأب جرى إليه بسرعة وتعلق به وبدأ يحكي له عن الطائر وعما قالت له والدته، نظر إليها زوجها وقال لها: أما كان عليك الإبقاء على فكرة الطائر إلى حين.
    قالت له: كنت فضلت أن أقول له أن إله المسلمين يضعنا في بطون الأمهات ويخرجنا منها كما قالت لي أمي على أن أسمح لهذه الفكرة الغبية عن الطائر أن تعشش في رأس إبني.
    رد عليها بغضب: هل التربية الجنسية تكون لطفل لا زال لا يدرك معاني الأحاسيس الإنسانية لأن جلها لا زالت في حالة سكون؟؟ هل أضرت بك فكرة أن تعرفي أننا ولدنا غير ما قالت لك أمك قبلا؟؟
    فردت في غضب هي الأخرى: لقد إضطررت إلى إعادة بلورة كل ما في ذهني على حسب الفهم الجديد بعد أن كانت قاعدته تفسير أمي. لقد اختصرت عليه الطريق حتى لا يكون عرضة لأي انتهاك لا فكري ولا غيره.
    فتمتم وهو يغادر إلى غرفته: أفضل أن أخسر الإلحاد على أن أخسر إبني.
    فقالت وهي ترفع صوتها: شكرا على هذا الإستسلام عند نقطة البداية
    تبعه إبنه وظل متعلقا به طيلة ذلك اليوم، حتى أنه لم يشأ النوم إلا معه.
    مرت الأيام، وعاد إلى الإلتصاق بأمه,بعد أن كاد يتخذها عدوة, وفي مرة سألته: ما رأيك في الطائر الأبيض؟؟
    فصدمها قائلا: إنه من يحملنا إلى أمهاتنا.
    فقالت له: لماذا لا تزال مصرا على هذه القصة الكاذبة؟؟
    فأجاب بتلقائية: لأنها جميلة.
    أيقنت أنه استهجن الحقيقة ولكنه على الأقل يعلمها ولم تلق بالا إذا ما كان مصدقا أم لا لما قالت له.
    وللحديث بقية إن شاء الله تعالى

  3. افتراضي

    بارك الله فيكِ

  4. #19

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أحمد فتحي الموحد مشاهدة المشاركة
    بارك الله فيكِ

    وفيكم بارك أخي الكريم وجزاك الله خيرا

  5. #20

    افتراضي

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    أحب الساعات إلى قلبها حين ترقد إلى جانبه في فراشه لتروي له عن بعض القصص التي تذكرها عن طفولتها بعد أن تقوم بإزالة الآثار الدينية منها.
    نامت إلى جانبه في ليلة وقالت له: حبيبي سنروي اليوم قصة الجدة المريضة وحفيدتها التي تحمل الطعام إليها في خوف من الذئب الذي يطاردها.
    نظر إليها مدة ثم قال: ما معنى جدة؟؟
    فقالت له: هي أمي أنا أو أم أبوك فهما بالنسبة لنا أما وكلاهما تكون جدتك
    فقال لها: وأين جدتي أنا؟؟
    أحست غصة في حلقها وأتبعتها بسرعة: لقد ماتت.
    فقال لها: وأين هي الآن؟؟
    فأجابته: ميتة لقد دفناها تحت التراب.
    فصمت لحظة طويلة، فلم ترد أن تقض عليه صمته وكأنها تستغل هذه الفرصة لتفكر في ما سترد به إن سألها ما تتوقعه.
    وكان ما توقعت، رفع عينيه المثقلتين بالنوم وقال لها: كيف يموت الناس؟؟
    فنظرت في عينيه وقالت له: ألا تريد أن تنام على قصة جميلة؟؟
    رد عليها: هل الموت شيء قبيح؟؟
    أحست وكأنها وقعت في مصيدة، فكرت في داخلها:
    << صعب هو الموت يا عزيزي، إنه يعني نهاية كل شيء، إنه يكسر كل الأفكار والأحلام، يعني نقطة لا سطر بعدها.آه كم يكدر هذا الموت علينا من فرحة.
    بقدر ما يبدو الموت محفزا في دين أمي بقدر ما يبدو في إلحادي ظلاما مخيفا وعدما ينتظر الإنقضاض عليك في أية لحظة. >>
    وضع راحته على جبينها وقال لها: ألا تعرفين الموت أنت أيضا يا أمي؟؟
    فقالت له: ومن الآخر لا يعرف الموت؟
    قال لها: المدرسة سألتها ماذا يعني الموت فبكت ولم تجبني.
    فقبلته وقالت له: بالعكس يا ماما فأمك تعرف أجوبة كل الأسئلة التي في ذهنك.
    إذا سألتك"أين كنت قبل أن تولد؟؟" أكيد لا أنت ولا أحد غيرنا يعرف. كذلك الموت إنه نهاية لا نعرف ماذا بعدها.
    فقال لها: لكنك في المرة السابقة حين تفرجنا في الحاسوب شرحت لي أن الإنسان كان مقسما بين الأب والأم التقيا وأعطيا إنسانا جديدا.
    فكيف سيعود هذا الجسم الكبير صغيرا جدا من جديد وينقسم مجددا بين الأب والأم؟؟ حتى في قصة الطائر الأبيض فإنه لن يستطيع حملنا ونحن كبار ليعيدنا إلى الجزيرة.
    أحستها فرصة لتبطل حكاية الطائر من رأسه. فقالت في سرعة: أرأيت ألم أقل لك إن حكاية الطائر مجرد كذب؟؟
    فرد عليها: ولكن حتى حكايتك لم أفهم منها معنى الموت؟؟
    فقالت له: اسمع عزيزي حين يقف الإنسان عن الحركة ويصبح جامدا لا يتحرك كالطاولة؛ نعرف أنه مات ولم يعد فيه روح.فنحمله في صندوق إلى حفرة كبيرة ونضعه فيها حتى لا يأكل لحمه الوحوش.
    فرد عليها: وإن عاد للحركة كيف سيخرج وهو في ذلك الصندوق؟؟
    فقالت له : لا لن يعود إلى الحركة أبدا.
    فألح قائلا: من قال لك ذلك ؟؟
    فأتبعت وهي في غاية الإنزعاج من هذا الموضوع الذي تكره الخوض فيه: عزيزي, الإنسان حين يموت يبدأ جسمه في الذوبان كالثلج وينتهي شيئا فشيئا حتى لا يبقى منه شيء. فلا يعود موجودا أبدا ولا يرجع يوما إلينا.
    فرد عليها: هل سأموت أنا أيضا؟؟
    فضمته وقد أحست الرعب في عينيه: عزيزي لا تفكر في الموت الآن فأنت لا زلت صغيرا ولا زالت أمامك الحياة لتعيش فيها وتنموا ويصبح جسدك كبيرا وقويا. فكر في اليوم كيف كان جميلا ورائعا.فكر في الغد ما هي اللعبة التي ستلعبها مع صديقك.
    وقبل أن يسألها مجددا أتبعت بسرعة: ألا تريد سماع قصة الجدة والحفيدة إنها جميلة جدا؟
    فرد عليها: أجل.
    استمرت تزيد في القصة وتؤلف من عندها حتى ينام, وكلها توجس من أن ينبش موضوع الموت من جديد خاصة وأنه كان يسهو بعيدا عنها خلال سرد القصة.
    بعد أن أغلقت باب غرفته وجدت زوجها يقف خلفها، ارتعدت من وقفته وقالت له: ما بك؟؟
    فرد عليها: هل من مشكل مع الولد؟؟
    فقالت له: ذبحني بأسئلته، كان يسألني عن الموت.
    فرد عليها: والأكيد أنك بدل طمأنته زدت الطين بلة.
    نظرت إليه في سخرية وقالت له وهي تخطوا بعيدا عنه: يمكنك تأجيل هذا المزاح إلى الصباح فلست في مزاج للرد عليك الآن.
    ..........في منتصف الليل.
    استيقضت على صراخ إبنها، فقامت هي وزوجها في نفس الوقت وذهبا يجريان إلى غرفته.
    بمجرد أن فتحا الباب وجداه يجلس في فراشه ويضع يديه على عينيه وهو يصرخ.
    ضمه والده وقال له: ما بك حبيبي؟؟
    فقال له: أخاف من الموت. إنه يريد أن يأخذني .
    نظر إليها بسرعة وقال: شكرا على دروسك الوردية.
    أشاحت بوجهها بعيدا عنه بينما حمله هو إلى غرفته وهو يقول له: لا يا عزيزي لا تخف فالموت لا يستطيع أن يدخل البيت إلا بعد أن أسمح له أنا.
    فقال له: صحيح يا بابا.
    فرد عليه: أجل وماذا تعتقد؟؟ إنه لا يدخل البيوت حتى يطلب الإذن من صاحبها.
    فضمه الولد وهو يقول: ولكنك لن تسمح له بالدخول.
    فرد عليه: لا طبعا وهل أسمح للموت أن يأخذ مني ولدي الجميل.
    ظل ساعتين يغني له لينام. ثم نام بجانبه.
    بينما ظلت الأم ساهرة طيلة تلك الليلة تفكر في نفسها وقد وقعت في حيرة من أمرها: هل يرفض عقل الإنسان الحقيقة ابتداء, أم أنها عاجزة عن إختيار الوسيلة الجيدة لإيصال هذه الحقيقة إلى فكر إبنها.
    أينجح المتدينون -بخرافاتهم- في صنع نفسية قوية لأطفالهم وتخسر هي-بقول الحقيقة الواقعية- إبنها شيئا فشيئا ؟؟
    وللحديث بقية إن شاء الله تعالى

  6. #21

    افتراضي

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    جلس الثلاثة إلى مائدة الإفطار في صمت رهيب، حتى الطفل كان صامتا يتنقل بنظراته بين والديه.
    فجأة كسر الصمت قائلا: أمي متى يأخذ الموت الناس؟؟
    رفعت بصرها عن فنجان القهوة ونظرت في عيني زوجها وكأنها تقول له تفضل اشرح أنت، لمس الوالد يد إبنه وقال له: لماذا تفكر في الموت يا عزيزي؟؟ إنه بعيد عنك الآن، انسه.
    تصنعت ابتسامة وقالت بدورها: لو كان الناس يخافون من الموت هل تعتقد كان يستطيع أحد أن يسوق السيارة لتدهسه أخرى؟؟ هل كان هناك من سيركب طائرة وهي معرضة للسقوط؟؟ هل كان الناس سيسبحون في البحر وهو كبير ومخيف؟؟ لم يكن ليتحرك أحد من مكانه حتى لا يتعرض لحادث ويموت.
    إن الموت يا عزيزي لا يفكر فيه إلا الخائفين، الموت ضعيف جدا ولا يستطيع أن يهزم الأجسام القوية التي تتغذى جيدا.
    حاولت تحفيزه وإلغاء الفكرة من رأسه، لكن الفطرة تأبى إلا أن تتعلق بقوة تحميها من مخاوفها.
    التفت إلى والده وقال له: لكن حتى لو أتى فأبي لن يسمح له أن يأخذني.
    اغرورقت عيناها بالدموع وهي ترى في عينيه إحساس الأمان الذي افتقدته منذ غادرت بلدها وحضن والدتها الدافىء.
    تمتمت في داخلها:<<كم هو رائع هذا الإحساس، أن تشعر أن هناك قوة أكبر منك تحيط بك وتلفك بالأمان. رغم أنه إحساس كاذب إلا أنه جميل .
    لم يعد إنسان من الموت ليصف لنا هل هو مؤلم، لكن إحساسنا تجاه الموت ممتزج دائما بالخوف من الألم، ربما هذا الخوف من المجهول هو ما جعل الإنسان الأول يفكر في صنع قوة خارقة يرتجي عندها، وبما أن هذا الإنسان كان لا يزال غير متطور عاطفيا فإنه إضطر لمواجهة هذا الإحساس بتبني فكرة الإله.>>
    لم تشعر بزوجها وهو يخرج ووجدت ابنها جالسا وهو يقول لها: ماما ألن أذهب إلى المدرسة اليوم؟؟
    ابتسمت وقامت من مقعدها وهي تقول بأعلى صوتها وكأنها تنفس عن حزن داخلي: هيا بنا إلى المدرسة.
    .....
    حضر زوجها للغداء كما العادة، جلس إلى الطاولة ولم ينطق ببنت شفة إلى أن أنهى طعامه. ثم نظر إليها مطولا وقال لها: ألا تلاحظين يا عزيزتي أن الطفل غير قادر على إستيعاب الأفكار الإلحادية التي تغرسين في رأسه؟؟
    فردت في استغراب: أي إلحاد؟؟ لا أفعل سوى نقل الملموس له في شفافية تامة.
    فقال لها: لكنك تنسين أن عدم إكتمال نضجه العاطفي والمعرفي يقف سدا منيعا بينه وبين تقبل هذه الحقيقة كما نراها نحن الملاحدة. ألا تعرفين أننا تخطينا فكرة الخوف من الموت فقط لأننا دفناها تحت رغبتنا في تحقيق كل أحلامنا. نحن لم نلغ الفكرة أبدا من أذهاننا ولا زلنا عند كل خبر وفاة أحد نتذكرها فتسري في عروقنا رعشة مخيفة.إننا نتعامل معها كمن يدفن النار بالهشيم الذي لا يلبث أن يزيد إشتعالا كلما نحى بنا العمر نحو تلك النهاية. لقد إحتجنا إلى قدر كبير من التعقل حتى نخفي -وفقط نخفي- فكرة الموت من حياتنا. فهل تعتقدين أن الطفل لديه هذا الكم من التعقل ليتعامل معه كما نحن؟؟
    نظرت إليه طويلا، حركت كرسيها قليلا، ثم قالت: هذا بالضبط ما أحاول تعليمه أريده أن يعرف الأشياء على حقيقتها فلا يحتاج إلى إيهام نفسه بأوهام يكتشف فيما بعد أنها مجرد نسج خيال أحدهم إضطر إلى إستهلاكه هو كوسيلة لتجنب الخوف. قريبا سيبدأ في التفاعل معنا بسرعة وسيصبح أكثر مرونة في تقبل الواقع.
    نظر إليها يائسا وقال وهو يهم بالوقوف: أخشى عليك أن تندمي لأنك تعاملت مع إبنك على أنه فأر تجربة.
    ردت في عصبية: اعلم أن إتهاماتك الجاهزة بدأت تزعجني فعلا.
    خرج من الغرفة وتركها فريسة إحساس بالإرهاق، من جهة, ابنها الذي يحمل لها في كل يوم أفكارا من زملائه كلها بحاجة إلى إعادة بلورة على الميزان الإلحادي ومن جهة, زوجها المستعد لأن يخسر الإلحاد عند أبسط ردة فعل من إبنه.
    وللحديث بقية إن شاء الله تعالى

  7. #22

    افتراضي

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    مرت الأيام والأشهر والإبن متذبذب بين مستهجن أفكار أمه وبين تائه باحث عن أجوبة أحسن عند زملائه ومدرسته
    كان يقضي معظم وقته داخل البيت بالمطالعة في موسوعة الحيوانات، ذلك الكتاب الذي لا يفارقه في جميع تنقلاته.
    قالت له في مرة:هل تريد أن ترى هذه الحيوانات حية؟؟
    كانت بالنسبة له تحقيق لأغلى أمنية، ظل طيلة اليوم ينتظر والده ليذهبوا جميعا إلى حديقة الحيوانات الموجودة في مدينته.
    وحل في الحديقة أخيرا.
    طارت دهشته الممتزجة بقليل من الخوف سريعا وبدأ بالجري بين الأقفاص يرمي الأكل لهذه ويقلد صراخ هذه. كان في قمة السعادة وهو يعانق بعينيه عالمه الجميل بعد أن تحول من مجرد صور على كتاب إلى حياة تدب.
    كاد يضيع بين الناس من كثر تنقله بين الأقفاص.
    قال لأمه: أتمنى لو استطعت أن أسكن هنا فوق شجرة لأكون دائما قريبا من هذه الحيوانات الجميلة.
    ابتسمت له وهي ترى فرحة طفلها تتحول إلى بريق دافىء في عينيه. تنهدت من أعماقها والتفتت إلى زوجها الواقف بجانبها وقالت: منذ متى فقدت عيوننا هذا البريق من الفرحة؟؟
    فقال لها ضاحكا: يوم خطوتنا الأولى في الإلحاد.
    فردت وهي مغضبة:ما بالك تتهجم على هذا المعتقد الذي أنقذنا من أوهام لم تفعل شيئا سوى حقننا بالأحقاد والأحزان والتوجس والخوف من ماذا ؟؟ من وهم.
    فأجابها: دعينا نستمتع بهذه اللحظات ولا نكدرها بحواراتنا الفارغة.
    لم تشأ التعليق على كلمة "فارغة" حتى لا يتحول الموقف إلى خصام
    التفتت إلى طفلها الذي قادته قدماه إلى قفص الشمبانزي. تعلقت عيناه به بشدة وهو يراقب حركاته وطريقة أكله للفستق وطريقة جلوسه.ظل يحدق فيه مدة طويلة قبل أن يلتفت لأمه التي كانت تراقبه مراقبة كيميائي لنتيجة تفاعل مخبري ويقول: انظري حركات هذا القرد، تكاد تكون كالإنسان.
    فابتسمت وقالت له: بل هو إنسان عجز أن يكمل نموه.
    لم يلق لجملتها بالا إذ لم تكن الظرفية للسرد ولكن كانت للمشاهدة الصامتة.
    علمت أنه تفادى جملتها عمدا.
    دار تساؤل في خاطرها: ترى كيف سيتعامل مع نظرية التطور؟؟ إنها كل الموجود للرد على أسئلته.
    وأخيرا عادوا إلى البيت بعد أن اقتلع منهم الإبن وعدا بالعودة قريبا
    ......
    في مرة عاد من المدرسة وبعد أن ظل طيلة طريق العودة صامتا قال لأمه: هل صحيح أن أول إنسان كان قردا؟؟
    فقالت في نفسها: من حسن حظك أنك تدرس حيث لم يقولوا لك أن أصله إنسان كان في السماء. ثم ردت عليه قائلة: ما رأيك أنت؟؟
    ظل صامتا مدة من الزمن وقال لها: لا أدري لأنني لم أفهم الدرس الذي كانت تشرح المدرسة جيدا .
    فربتت على كتفه وقالت له: حسنا حبيبي في البيت سأشرح لك ذلك بالتفاصيل.
    وللحديث بقية إن شاء الله تعالى لنلتقي بتلقين التطور للفطرة

  8. #23

    افتراضي


    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    جلست قريبة منه، جمعت كما كل مرة أمامها كل الوثائق التي كانت تحتفظ بها لهذه المناسبة. علمت أن هذا الدرس سيأتي وقته سريعا لذلك خططت له ودرست الأسئلة المتوقعة فيه بكل دقة.
    فتحت الكتب على مكتبها وبدأت بالقول: أتذكر عزيزي حين كنا في حديقة الحيوانات، ماذا قلت لك؟؟
    فقال لها بدون تفكير: لا.
    فابتسمت له: لقد قلت لك إن القرد هو إنسان لم يكتمل نموه.
    فقال لها: لا أتذكر ولكن ماذا يعني هذا؟؟
    فبدأت في السرد: عزيزتي إعلم أنه في يوم من الأيام في الزمن الغابر لم يكن أحد يعيش على هذه الأرض. ثم تجمعت بعض العناصر الأساسية لتكون الخلية ( سبق وشرحت له مجهريا كيف هي الخلية وماذا تعني..) التي قامت بالإنقسام, كلما تكون جزء منها انقسم إلى إثنين وهكذا بدأت تتشعب وتتجمع في كل مرة لتعطي كائنا على حسب الظروف التي تجمعت فيها هذه الخلايا.
    فقال لها: ولماذا لم تفترق بعد الإنقسام الأول أو الثاني؟؟
    فردت مبتسمة: ألم نتعلم أن بعض الأسئلة تزول مباشرة إذا أحسنا الإنصات إلى الأخير. ولكن ربما تكون هناك التي تفرقت فماتت
    فقال لها: لقد قلت للمدرسة "أن من أحسن سمعا أحسن إجابة" فكتبتها في ورقة وعلقتها حتى نعمل بها كلنا وقبلتني على ذلك.
    فابتسمت وضمته إليها وهي تقول: أنت ولد ذكي يا حبيبي.
    ثم أتبعت كلامها: الآن لدينا بعض الكائنات تكونت وبدأت تطور نفسها على حسب الحاجة. فنتيجة وجود الأشعة وتفاعل هذا الكائن معها جاءت العين و كان لصدور الأصوات من الصواعق والبرق وغيره سببا لظهور الأذن وكلما طور هذا الكائن عضوا إلا وجعل له وظيفة تناسب إحتياجاته .
    ونشأت بعد ذلك كائنات غريبة وبدأت تتزاوج بين القوي منها فقط فيموت الضعيف والمشوه ويبقى الأقوى منها الذي ينقل صفات القوة إلى إبنه وهذا الأخير يقوم بتطويرها وهكذا إلى أن ظهرت كل هذه الكائنات والحيوانات.
    فقال لها مقاطعا: هل أطرح سؤالا؟
    فأجابته باسمة: تفضل حبيبي.
    فقال: وتلك الخلية الأولى هي نفسها التي تكون أجسامنا؟؟
    فقالت مجيبة: لا طبعا فالخلية الأولى كانت غير متطورة ولكن التي نملك حاليا متطورة جدا. ثم منعا لمزيد من الأسئلة تابعت دون أية فاصلة.

    وبدأت الكائنات تنفصل عن بعضها البعض وتنتشر في الأرض فتطور نفسها وتنوعها بعيدا عن تلك التي جاءت عنها.
    إلى أن وصلت في التطور إلى القرد. فهو الحيوان الأكثر تطورا في إتجاه الإنسان. ومن هنا أكمل القرد تطوره ليعطي إنسانا فيما بعد. أو ربما أن الإنسان والقرد لهما نفس الجد وهما أخوين وليسا أب وإبن. فالعلم في هذا لا زال لم يثبت شيئا*
    وصمتت قليلا لتستشعر وقوع شرحها على عقل إبنها.
    ظل هو الآخر صامتا يفكر ثم قال لها: هل هذا يعني أننا كنا قرودا في زمن ما؟؟ولماذا اخترنا التحول إلى قرود وبقي القرود كما هم؟؟

    فردت وهي تحافظ على إبتسامتها العريضة: لا ليس بالضرورة أن القرد كان إنسان ولكن إفتراضات العلماء تقول أنهم ينتمون لنفس الجد.
    فقاطعها بعفوية: وكيف هو هذا الجد؟؟
    فقالت له: لا نعرف المهم قد انفصل عنه الإنسان والقرد. أو ربما القرد ومنه الإنسان
    فقال لها: ولماذا لم يتحول القرد؟؟
    فقالت له: لقد قلت لك ليس بالضرورة أن يكون القرد هو جد الإنسان فقد يكون أخا له فحسب.
    كانت أجوبتها الركيكة مدعاة لسيل من الأسئلة في دماغ الطفل.
    سأل وسأل وسأل وكانت كل الأجوبة مبهمة بالنسبة لعقله. كان يفكر في هل يعقل أن يكون أصله من ذلك القرد القذر, الذي يفرك جلده بطريقة تثير إشمئزازه؟؟
    ثم سألها: أمي لماذا لم نطور جناحين كالطائر؟؟
    فردت عليه: ولكن لدينا الطائرة فما حاجتنا إلى الأجنحة.
    فأصر: أمي الطيران جميل فلماذا لم تكن لنا أجنحة؟؟
    فردت قائلة: حبيبي الإنسان أوقف التطور بأن طور لنفسه عقلا فانتقل إلى مرحلة فهم الواقع والإبتكار فيه إعتمادا على وسائل وآلات.
    فقال لها: وليس للحيوانات عقل؟؟
    فردت: طبعا الإنسان هو الوحيد العاقل.

    استمرت تشرح وتسهب لتقنع فطرة نقية بأن أصلها حيوان.
    فقال لها في لحظة : أمي, أين هو ذلك الإنسان الذي نصفه حيوان؟؟
    وكانت الصدمة في كيف تشرح الحلقة المفقودة؟؟
    فردت عليه: حبيبي هذا هو مازال العلم يحاول إكتشافه*. فلازالت الحفريات مستمرة للتنقيب عن هيكل عظمي لهذا النصف إنسان وكل ما نملك هو هيكل عظمي لقردة تكاد تكون في مظهرها كإنسان لكنها أقرب إلى القرد منا.
    بينه وبين نفسه تدور أسئلة وحكاية أمه لم تلقى في صدره ترحيبا البتة
    ثم التفت إليها قائلا: أمي هل أنت متأكدة من هذه القصة؟؟

    فطمأنته: حبيبي ألم تشرحها لكم المدرسة؟؟ تأكد أنني متأكدة منها كتأكدي أنك إبني.
    فقال لها في الأخير: أمي هل يمكن أن نعود إلى حديقة الحيوانات غدا؟؟
    فقالت له : ولم؟؟
    فرد عليها: لأنك وعدتيني هل نسيتي؟؟
    فضحكت وضمته إليها وهي تقول: حسنا لا عليك عزيزي غدا نذهب.
    وللحديث بقية إن شاء الله تعالى
    __________________________________________________ ____________________________

    * على أساس أنه أثبت شيئا من التطور الذي يفتتح الحديث فيه بنفترض ويخرج منه بمسلمة دون إستدلال منطقي أو تجريبي يذكر


    التعديل الأخير تم 08-09-2010 الساعة 01:46 AM

  9. #24
    تاريخ التسجيل
    Sep 2004
    الدولة
    مِن كل بلاد الإسلام أنـا.. وهُـم مِنـّي !
    المشاركات
    1,508
    المذهب أو العقيدة
    مسلم
    مقالات المدونة
    2

    افتراضي

    ما شاء الله تبارك الله أختى الكريمة زينب، أسلوب شيق وقلم رشيق، يعجبني الخيال الخصب في بعض المواضع، ودقة الوصف لانفعالات النفس البشرية في مواضع أخرى.
    وما توفيقكِ إلا بالله، فواصلي بارك الله فيك.

    ((أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ))

    --- *** ---
    العلم بالحق والإيمان يصحبه ** أساس دينك فابن الدين مكتملا
    لا تبن إلا إذا أسست راسخة ** من القواعد واستكملتها عملا
    لا يرفع السقف ما لم يبن حامله ** ولا بناء لمن لم يرس ما حملا

    --- *** ---



    فضلاً : المراسلة على الخاص مع الأخوات فقط.

  10. #25

    افتراضي

    اللهم آمين
    أسعدني مرورك أيتها الغالية وجزاك الله خيرا.
    نسأل الله العون والسداد

  11. افتراضي

    ماشاء الله تبارك الرحمن اختي زينب
    ربنا يزيدك يارب
    شدتني جدا القصة وعشت معاها وكاني ارى ما يحدث واسمعه
    سبحان الله
    جزاكي الله خيرا
    انتظر باقي القصة ان شاء الله علي شوق
    (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَن يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً (الكهف : 57 ))

  12. #27

    افتراضي

    جزاك الله خير الجزاء فى الدنيا والآخرة أختى الفاضلة

  13. #28

    افتراضي

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    وصل الثلاثة إلى الحديقة، نزل الولد في هدوء غريب ثم انطلق دون أن يلتفت إلى يد والدته التي مدت إليه لتصطحبه كما اعتادت.
    استمر في خطواته إلى أن وصل إلى قفص القرد، وقف يراقب حركاته وسكناته وهو هادئ ترتسم على وجهه علامة رجل يفكر.
    التفتت إلى زوجها الذي كان هو الآخر يحدق في ابنه وقالت وهي تبتسم: تشتركان في نفس الملامح حين تسرحان في تفكير عميق، قالت ذلك وهي تشير إلى طفلها.
    التفت إليها زوجها دون أن ينطق ببنت شفة ثمعاد إلى التحديق في ابنه الذي كان متجردا كليا من المحيط حوله.
    فجأة بدأالابن ينظر إلى يديه و إلى يدي القرد كرر التنقل بينهما عدة مرات، كان ينظر في استغراب شديد، بدأ القرد يفرك جلده فارتسمت على وجهالابن علامات تقزز فتحرك بعيدا عنه إلى قفص الذئب ومنه إلى قفص الزرافة وهو يحدق في الأطراف والرأس ويقارن ويعود بين الفينة والأخرى إلى قفص القرد.
    تركه الوالدان في جولاته واختارا لنفسيهما مكانا في مقهى الحديقة المطل عليها حيث يستطيعان الجلوس والمراقبة في نفس الوقت. استمر صمت زوجها طويلا، كان يحتسي القهوة وهو يراقب ابنه، لم ترد مقاطعة صمته رغم أنها كانت تتمنى معرفة ما يجول بخاطره.
    وبعد مدة وضع فنجانه على الطاولة، نظر إليها وقال: هل أخبرتيه عن نظرية التطور؟؟
    فقالت في هدوء: هل تجهل أنها تدرس في المدرسة؟؟
    رد عليها: سألتك أنت وما يحدث في المدرسة أعلمه جيدا.
    قطبت جبينهافي حزم وقالت: ما قصة هذا الأسلوب في الحديث؟؟ حسنا لقد طلب مني مزيدا من الشرح لأنه لم يستوعب الدرس جيدا وفصلت المبهم هذا كل ما فعلت. أتمنى أنني أجبت سيادتك.
    وأشاحت ببصرها بعيدا.
    بينما قال في صوت يكاد يكون حزينا: أتعلمين عزيزتي لا زلت أذكر اليوم الأول الذي التقيتك فيه كانت حفلة تكريمية على شرفك. كنت أراقب حركاتك وكيف كنت ترفضين شرب الخمر، كان هذا الرفض المستمر هو ما جعلني أقترب منكوأعرضه عليك بدوري. قلت لك نخب النجاح فاعتذرت في أدب أنك لا تشربين الخمر أبديت إستغرابي لكنك قلت : هل من داعي لهذا التعجب؟؟ فقلت لك : هل هذا تحرر من قيود الأديان إلى قيود شخصية ولكن جوابك كان حكيما وكان أشد ما أعجبني فيك لا زلت أذكره حرفيا قلت لي: أنا ملحدة ذات أصل مسلم عربي وعندنا شرب الخمر حرام وكوني أقول عن الأديان أنها مجرد اختراع إنساني فهذا يعني أن فيها ما هو صالح وما هو مجرد هلوسات. نظرت إلى أضرار الخمر وحال المخمورين فعفت نفسي أن تشربه وأبت كرامتي أن تتذوقه. كل النظريات القديمة تخضع للتمحيص فيؤخذ الصالح منها ويترك الطالح والأولى بنا نحن الملاحدة أن نأخذ من الأديان( بإعتبارها نظريات إخترعها الإنسان) الصالح. أضيفك سيدي أنني لم ألحد لأسبح في محرمات الأديان وأنعم بها وأغيظ المتدينين وكأنني ذلك الثور الهائج الذي يرى النور لأول مرة فيخرج ليدهس كل ما يجد, ولكني ألحدت لأنني اقتنعت بالفكر وقد تمتعت بالحكمة والذكاء الكافيين لأختاره عن إقتناع وليس عن إحساس بالضغط*.
    أحببت جوابك هذا علمت أنك صاحبة عقل جميل تقربت إليك أكثر ولم يكن حبك للإلحاد ما شدني إليك ولكن أسلوبك في إختيار الإلحاد هو ما جعلني أرى صدق قلبك يتلألأ في عينيك.
    كانت في خلال الحديث تنظر إليه مستغربة هذه الإعترافات، إبتسمت وقالت: بعض إعترافات الأزواج تكون ذات وقع جميل على القلوب ولكن إن أختيرت في توقيتها المناسب.
    إبتسم هو الآخر وقال لها: أعلم أنك تستغربين مني سرد هذه الذكرى بعد هذا السؤال القاسي ولكن وددت لو انتهجت هذا الأسلوب في حياتك مع إبنك، لقد وعدتي أنك ستخبرينه كل الحقائق كما هي دون زيف ولا تفاسير دينية فبركها الإنسان القديم، لكنك لم تحترمي ذلك فيما فعلت مع الإبن حين شرحت له التطور فعتمت الحقيقة بتقديم نظرية بليدة كهذه على أنها حقيقة علمية بينما هي لا تمت للعلم بصلة.
    وللحديث بقية إن شاء الله تعالى
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    *: إليك ( الملاحدة العرب) أعني واسمعي يا جارة

  14. #29

    افتراضي

    الأخت جويرية وشوكة جزاكما الله كل خير وبارك الله متابعتكما.

  15. #30

    افتراضي

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    أزاح الكرسي قليلا إلى الوراء واستطرد في الحديث وهو يشير بسبابته إلى الحديقة أسفل، قال: انظري عزيزتي وقارني بين ما يوجد هناك داخل تلك الأقفاص حبيسا و بين هؤلاء الناس الذين يتجولون خارج الأقفاص. بين هذا الذي في الداخل ووذاك الذي في الخارج هناك علامات استفهام كثيرة يتخبط فيها العلم، لكن الذي لا يقبل أية علامة استفهام هو أن تكون نظرية رجل غبي كداروين هي الحقيقة الدامغة كما يسعى البعض إلى تصويرها.
    إن مجرد النظر الساذج البسيط للناس يجعلك تقول في قرارة نفسك كم أحتاج من مقدار الغباء لأتخيل مجرد تخيل أننا كنا في يوم قردا
    لم أكن أحسب أن كل ذلك الذكاء والحكمة التي امتلكت قد يعميانك عن تبصر سخف هذه النظرية.
    دققي النظر جيدا في هذه الحياة من حولنا في هذه العين التي تبصر وتلك الأذن التي تسمع. استمعي إلى مشاعرك اركني إلى نفسك لحظة وإستخلصي نفسك لقراءة ما يوجد داخلك تجردي من العناد والمكابرة كوني طالبة للحق. وقولي لي هل تصدقين أن بينك وبين القرد علاقة أبوة؟؟
    هل تريدين من إبنك أن يلتهم سذاجة رجل غبي ويقدسها وهي لا تعدو أن تكون هواجس أسخف من هلوسات الأديان.
    لا ليس بهذه الطريقة تخلصين لإبنك؟؟ وليس بهذا الشكل توصلين الحقيقة أنت تزيفينها الآن.
    كون العلم عاجز عن تفسير مسألة معينة فيجب أن لا يكون عيبا نستره بالخرافات الجاهلة من أحد إلتقط بعض مصطلحات العلم ليخرف علينا ونهضم نحن تخريفه حتى نملأ الفراغ؟
    -كانت تتابعه بصمت ينم عن تفكير عميق من صاحبته. وكان بدوره يتابع دون انقطاع-
    لطالما كنت في مختبري أجري تجربة على كائن حي ولطالما وقفت مندهشا أمام روعة الميزان الذي صمم داخل كل جهاز من أجهزته ليضمن له كل تلك الوظائف التي يقوم بها.لا يوجد ميزان بشري واحد يضاهيه في الدقة وهذا شيء يجب أن نعترف به بكل مصداقية
    لربما تغرك فكرة أن الصوت الناقد للنظرية ضئيل عالميا ولربما يكاد ينعدم ولكن هذا إن كان دليلا على شيء فهو دليل على أن تحرر العلم من إضطهاد الكنيسة لم يكن لنيل الحرية ولكن لينتقل لمضطهد آخر.
    كل ما يجري في المختبرات يحتاج إلى مباركة رجال السياسة ليرى النور وإلا سيظل حبيسا حتى إشعار آخر.
    عزيزتي إنه التحرر من رجال الدين إلى رجال السياسة. والتعتيم حول هذه النظرية السخيفة أكبر دليل على ذلك.
    تذكرين قصة الملك الذي يحب ارتداء أغرب الملابس حتى ضحك عليه أحدهم فخرج على حاشيته عاريا ولم يجرأ أحد على قول ذلك إلا صبي صغير.
    هذا ما أرادوا الوصول إليه، لم يعد البسطاء يستطيعون تكذيب النظرية بعد أن قال كل العلماء بصدقها. ولكن للأسف لا يحجب ضوء الشمس بغربال.
    والمصيبة أن كل الإكتشافات تحرف لصالح هذا السخف فأية حرية تلك التي يزعمون أن العلم نعم بها بعد التحرر من سيطرة الكنيسة.
    لطالما تساءلت لم الإنتصار لهذه النظرية؟؟
    كان علي المتابعة بعمق لكل ما يجري في السياسة والعالم حتى أخلص إلا أنه ليست النظرية في حد ذاتها ما يهم ولكن هناك أشياء وراء الكواليس تمرر إلى العقول التي خُدرت تخديرا كليا حين صدقت بالنظرية.
    ابتسمت للحظة وقالت: لم أكن أعرف أنني تزوجت شارلك هولمز؟
    ابتسم هو الآخر وقال لها: هل أبدو رجلا في خيال كاتب مهووس بحل الألغاز؟؟
    ردت عليه بعد أن أحست أن الظرف لا يسمح بالمزاح: يمكنك المتابعة فيبدوا أنني لم أكن أعرفك ولتوي بدأت.
    وللحديث بقية إن شاء الله تعالى

صفحة 2 من 4 الأولىالأولى 1234 الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. قضية الخلود ..وهادم اللذات
    بواسطة أبو القـاسم في المنتدى قسم الحوار عن المذاهب الفكرية
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 09-05-2012, 06:09 PM
  2. قصص من السلف الصالح؟؟؟ ارجو الدخول للعبرة سارع بالنشر منقول
    بواسطة ابو مريم ومعاذ في المنتدى قسم الحوار العام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 01-18-2011, 08:27 PM
  3. افضل وثيقه تأمين في العالم ...مجانيه ... سارع بالحصول عليها
    بواسطة سويلم في المنتدى قسم الحوار العام
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 12-18-2005, 09:33 AM

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء