السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وصل الثلاثة إلى الحديقة، نزل الولد في هدوء غريب ثم انطلق دون أن يلتفت إلى يد والدته التي مدت إليه لتصطحبه كما اعتادت.
استمر في خطواته إلى أن وصل إلى قفص القرد، وقف يراقب حركاته وسكناته وهو هادئ ترتسم على وجهه علامة رجل يفكر.
التفتت إلى زوجها الذي كان هو الآخر يحدق في ابنه وقالت وهي تبتسم: تشتركان في نفس الملامح حين تسرحان في تفكير عميق، قالت ذلك وهي تشير إلى طفلها.
التفت إليها زوجها دون أن ينطق ببنت شفة ثمعاد إلى التحديق في ابنه الذي كان متجردا كليا من المحيط حوله.
فجأة بدأالابن ينظر إلى يديه و إلى يدي القرد كرر التنقل بينهما عدة مرات، كان ينظر في استغراب شديد، بدأ القرد يفرك جلده فارتسمت على وجهالابن علامات تقزز فتحرك بعيدا عنه إلى قفص الذئب ومنه إلى قفص الزرافة وهو يحدق في الأطراف والرأس ويقارن ويعود بين الفينة والأخرى إلى قفص القرد.
تركه الوالدان في جولاته واختارا لنفسيهما مكانا في مقهى الحديقة المطل عليها حيث يستطيعان الجلوس والمراقبة في نفس الوقت. استمر صمت زوجها طويلا، كان يحتسي القهوة وهو يراقب ابنه، لم ترد مقاطعة صمته رغم أنها كانت تتمنى معرفة ما يجول بخاطره.
وبعد مدة وضع فنجانه على الطاولة، نظر إليها وقال: هل أخبرتيه عن نظرية التطور؟؟
فقالت في هدوء: هل تجهل أنها تدرس في المدرسة؟؟
رد عليها: سألتك أنت وما يحدث في المدرسة أعلمه جيدا.
قطبت جبينهافي حزم وقالت: ما قصة هذا الأسلوب في الحديث؟؟ حسنا لقد طلب مني مزيدا من الشرح لأنه لم يستوعب الدرس جيدا وفصلت المبهم هذا كل ما فعلت. أتمنى أنني أجبت سيادتك.
وأشاحت ببصرها بعيدا.
بينما قال في صوت يكاد يكون حزينا: أتعلمين عزيزتي لا زلت أذكر اليوم الأول الذي التقيتك فيه كانت حفلة تكريمية على شرفك. كنت أراقب حركاتك وكيف كنت ترفضين شرب الخمر، كان هذا الرفض المستمر هو ما جعلني أقترب منكوأعرضه عليك بدوري. قلت لك نخب النجاح فاعتذرت في أدب أنك لا تشربين الخمر أبديت إستغرابي لكنك قلت : هل من داعي لهذا التعجب؟؟ فقلت لك : هل هذا تحرر من قيود الأديان إلى قيود شخصية ولكن جوابك كان حكيما وكان أشد ما أعجبني فيك لا زلت أذكره حرفيا قلت لي: أنا ملحدة ذات أصل مسلم عربي وعندنا شرب الخمر حرام وكوني أقول عن الأديان أنها مجرد اختراع إنساني فهذا يعني أن فيها ما هو صالح وما هو مجرد هلوسات. نظرت إلى أضرار الخمر وحال المخمورين فعفت نفسي أن تشربه وأبت كرامتي أن تتذوقه. كل النظريات القديمة تخضع للتمحيص فيؤخذ الصالح منها ويترك الطالح والأولى بنا نحن الملاحدة أن نأخذ من الأديان( بإعتبارها نظريات إخترعها الإنسان) الصالح. أضيفك سيدي أنني لم ألحد لأسبح في محرمات الأديان وأنعم بها وأغيظ المتدينين وكأنني ذلك الثور الهائج الذي يرى النور لأول مرة فيخرج ليدهس كل ما يجد, ولكني ألحدت لأنني اقتنعت بالفكر وقد تمتعت بالحكمة والذكاء الكافيين لأختاره عن إقتناع وليس عن إحساس بالضغط*.
أحببت جوابك هذا علمت أنك صاحبة عقل جميل تقربت إليك أكثر ولم يكن حبك للإلحاد ما شدني إليك ولكن أسلوبك في إختيار الإلحاد هو ما جعلني أرى صدق قلبك يتلألأ في عينيك.
كانت في خلال الحديث تنظر إليه مستغربة هذه الإعترافات، إبتسمت وقالت: بعض إعترافات الأزواج تكون ذات وقع جميل على القلوب ولكن إن أختيرت في توقيتها المناسب.
إبتسم هو الآخر وقال لها: أعلم أنك تستغربين مني سرد هذه الذكرى بعد هذا السؤال القاسي ولكن وددت لو انتهجت هذا الأسلوب في حياتك مع إبنك، لقد وعدتي أنك ستخبرينه كل الحقائق كما هي دون زيف ولا تفاسير دينية فبركها الإنسان القديم، لكنك لم تحترمي ذلك فيما فعلت مع الإبن حين شرحت له التطور فعتمت الحقيقة بتقديم نظرية بليدة كهذه على أنها حقيقة علمية بينما هي لا تمت للعلم بصلة.
وللحديث بقية إن شاء الله تعالى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*: إليك ( الملاحدة العرب) أعني واسمعي يا جارة
Bookmarks