الرسالة الخامسة لأحد الإخوة من منتدى التوحيد.
الحمد لله الذي ضرب الذلة على أهل الباطل، فلم يرفعوا بباطلهم رأسًا، وصرف في القرآن من كل مثل، وكان الإنسان أكثر شيءٍ جدلًا، وكتب الموت على عباده، فكلهم آتيه يوم القيامة فردًا، يوم يحكم بينهم فيما كانوا فيه يختلفون، من بعدما جاءتهم آياته البينات فما رضوا بها حكمًا!
ونشهد ألا إله إلا الله، جعل التدافع بين الحق والباطل من سنن كونه، فالحق أبلج والباطل لجلج، والحق ثابتٌ والباطل متلون، والحق دائمٌ والباطل زاهق، ذاك لوضوح أدلة الحق وظهورها، وركونِ أهله إلى أصولها، ووعدِ الله تعالى أن يقذف بالحق على الباطل فيدمغه، فإذا هو زاهق!
ونشهد أن محمدًا خاتم الرسل، وآخر النبيين، وأمين أهل السماء، واللبنة التي بها تمّ البناء، وبموته انقطع الوحيّ من السماء إلى الأرض، وبشرعته ظهرت المحجة واستتب الأمر، فكان ورثته العلماء، وأتباعه الأتقياء، فمن صدّق بهذا فقد وعى مكان النبي ومكانته، ومن أنكر هذا فهو الحقيق أن يلام، وأن يستتاب للإسلام، فنسأل الله السلامة من العمى والعمه، ونحمده تعالى على الهداية ونشكره!
ونعلم أن الأصحاب هم النجوم حقًّا، وهم السابقون تصديقًا وصدقًا، ولقد عرفوا فعلّموا، واهتدوا فبيّنوا، ووعوا فبلّغوا، حتى قالوا "اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كُفيتم"، فكان سبيلهم هو سبيل التابعين بإحسان، (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرًا).
وبعد ..
فسلام الله عليك ورحمته وبركاته أيها المهندس الكريم.
أبدأ بإذن الله بالأصول وما علّقتَ به عليها، ثم أنتقل إلى كلامك عن الصفات والعرش، ثم أنتقل إلى الكلام عن المسيح الحق الموعود عيسى عليه السلام، ثم أنتقل إلى تلخيص الإلزامات والاعتراضات التي وجهتها لك ولم تتناولها برد، أو رددت عليها بما لا ينفع، وأختم بذكر الأدلة التي لم تتعرض لها بشيء!
وهكذا مازلتُ بفضل الله أتناول كلامك وما تستدل به؛ فلا أترك منه شيئًا يخالف قولي إلا رددته ورددت عليه، وها أنت تترك ما فيه الحجة على بطلان قولك بلا رد، وتنتقي من كلامي ما تظن أنك قادرٌ على الرد عليه، وقد كان جراء ذلك أنك تركتَ ما يقارب ثلاثين سؤالًا وإلزامًا واعتراضًا وجهتها إلى كلامك في ردي السابق، فلم تتعرض لها ولو بمرور الكرام!
وهذا الفارق – الذي تعرفُه – لا يعود إلا إلى فضل الحق على الباطل، فالحق يصيب الدماغ، أما الباطل فيود لو خلّي وما بين السطور، أو تُرك وضعفاء العقول، فإن واجهَ الحق واجهه مواجهة المضطر، يعمد إلى الانتقاء والتشتيت والحيدة، وغير ذلك من أمور عرفها أهل العلم في القديم والحديث، وعليه فإني أود لمن له مثل عقلك أن يعود للحق، فعندها ينصر الحق إذ الحق ينصره، أما وأنت هناك في ركب الباطل، فلن يخرج الأمر – ولابد – عن باطلٍ يخذلك ولا تستطيع إلا أن تخذله!
وربما ظننتَ أن قولك (دعنا أولًا نركز على الأصول)، أو قولك (وحتى نقضي في هذه الأصول بقضاء، فسأتوقف عن الخوض في بقية ما جاء في رسالتك)، سيجعلني أسكت عن تغاضيك عن الحجج الملزمة، ولكنك أيها المهندس الكريم تعرضتَ لما أردتَ من الفروع، وتكلمت عن "مصطلح الصفات" والعرش والكرسي واليد وكثير غير ذلك، بل إنك فوق ذلك تعرضتَ للتعليقات الجانبية؛ كتعليقي على وصفك النصوص بغابة النصوص، ولم تتوقف عن الخوض فيما جاء في بقية ما جاء في رسالتي السابقة إلا حيث اشتهيت، وتركتَ الإلزامات والحجج، وكأنها ستُنسى مع مرور الوقت، وحتى لا تُنسى فسأجمعها في نهاية هذا الرد، وهي قريبة من ثلاثين كما ذكرت!
ثم إني نظرت في قولك في هذه المرة أنك ستلون لي الكلام باللون الأصفر، مع أن الكلام يصلني دون تلوين! وجمعته إلى قولك في المرة السابقة (وعلى ملأ من الأشهاد)، مع أن الحوار بيني وبينك والوسيط بيننا وليس ثمَّ أشهاد، جمعت قوليك السابقين فعلمت أنك تنشر حوارنا في مدونتك على رؤوس الأشهاد، فأنتَ وما أردت، ولكن أرجو أن تكون أنضج عقلًا من أن تغرَّك أنظار المشاهدين، وتصرفَك الرغبة في الغلبة، وتحولَ سطوة النفس عن الانقياد للحق إذ تبين، أسأل الله لي ولك التوفيق والسداد والرشاد!
وأبدأ بما بدأتَ به، فإني لما مثلتُ حالك مع النصوص بقولك أنت (هكذا يتبين في غابة النصوص سبيل للسلوك والجمع بينها) وهذا يتنافى مع وضوح النصوص وبيانها، رددتَ بقولك (ما أقصد بغابة النصوص، إن الغابة ليست القرآن، بل الروايات الصحيحة لو اختلطت بالضعيفة في الروايات الحديثية والموقوفات في حكم المرفوع أو لزوم الوقف)، مع أن سياق كلامك كان واضحًا، والجمع بين النصوص لا يدخل فيه الضعيف، فتأمل!
الأصل الأول وتناول تعقيبك عليه!
فالأصل الأول هو في جعل الألفاظ على قسمين، قسمٌ جاء في الكتاب والسنة وكلام أهل الإجماع، فهذا نحكم له بما حكمَ فيه هؤلاء، وقسم لم يرد فيما سبق، فهذه لا يُعلق بها حكم حتى نستبين المعنى، فإن كان على مرادِ حقٍّ أثبتناه وإلا أسقطناه، ومثلت لهذه الألفاظ الحادثة بألفاظ "الجسم" و "الحيز" و "الجهة" و "الجوهر" و "العرض" و "التركيب" و "الجارحة" و "التكثر".
فكان جوابك (فهل أضيف ما يلي : ومنها الألفاظ المضافة من عندنا كإضافة لفظ " صفة الذات" دون ضبط محكم وبشكل مسرف إسرافا عند الألفاظ الشرعية المضافة للفظ الجلالة أو ضمير الجلالة . ؟؟؟؟) وألحقُ به قولك (فإذا قام خطيب وأخذ يعلمهم ما يدعيه أنه ( توحيد الصفات، وصفات الذات) ...) غمزًا في "توحيد الصفات" من طرفٍ خفيّ.
فجوابك لم تزد فيه على ذكر صفةٍ منفِّرةٍ باتفاق العقلاء، ألصقتَها بمن يقول بـ "صفة الذات"، وكأنّ كل من يقول بـ "صفة الذات" يسرف إسرافًا لا ضبط له ولا إحكام، فإن كان مقصودك هو التشنيع بالألفاظ، أو كان مقصودك التحذير من الإسراف وترك الضبط والإحكام، فكان الأولى أن يتوجه تشنيعك وتحذيرك إليك، إذ جعلتَ نص الحديث (يوم لا ظلَّ إلا ظلي)، دليلًا على أن العرش هو هو الله - تعالى الله عن قولك علوًّا كبيرًا؟ فمن ذا الذي يُسرف ويذهب به الغلو كل مذهب؟!
وإن كان مقصودك التشنيع على القائلين بـ "صفات الذات"، حتى ولو أحكموا ولم يسرفوا، فإن أهل العلم - بأي علمٍ – يعلمون أنه لا مشاحة في الاصطلاح، فكما أن تقسيم العلوم الشرعية إلى عقيدة وفقه وسيرة وتاريخ وغير ذلك تقسيم اصطلاحي لا مشاحة فيه، فكذلك تقسيم التوحيد أو الصفات باعتبارات مختلفة، اصطلاح لا ينبغي أن تقع فيه مشاحة! ولكن إذا ترتب على التقسيم الاصطلاحي حكم لم يأتِ به الشرع، فهنا يكون هذا التقسيم بدعة، والقائل به مبتدع، لأنه رتب على ما لم يأتِ به الشرع حكم، ولكن إن لم يترتب على هذا التقسيم حكم، فهنا يبقى الأصل أنه لا مشاحة فيه!
فكيف وهذا التقسيم حقيقة شرعية، بُنيت على استقراءٍ تامٍّ لنصوص الشرع، كما في استقراء النحاة كلام العرب إلى اسم وفعل وحرف، والعرب لم تنطق بهذا التقسيم، ولم يعتب على النحاة في ذلك عاتب.
فأنت تعارض الاستقراء التقسيم والاصطلاح، رغم أن هذا الاصطلاح لم يأت بحكمٍ جديد، وفي نفس الوقت ترضى بتعطيل ما جاءت به النصوص، كما فعل الرازي حين قال بحتمية التأويل بنفي الجهة، مع أن لفظ "الجهة" لم يرد في الشرع، ونفيها لم يرد من باب أولى، فهذا هو الفرق بين من يقول بصفات الذات وتوحيد الأسماء والصفات، وبين من يتشبث بألفاظ محدثة يرتب عليها أحكامًا وتأويلاتٍ ليست من الشرع!!
الأصل الثاني وتناول تعقيبك عليه!
الأصل الثاني عن أن القرآن مبين، والسنة كذلك، كلاهما يهدي للتي هي أقوم، ولذا فالواجب إجراء النصوص الواردة على ظاهرها، إذ جاءت بأوضح وأبلغ وأبين لفظ، وكمالُ علم المتكلم وفصاحته ونصحه يمنع أن يريدَ بكلامه خلافَ حقيقته، وتيسير القرآن للذكر ينافي حمله على غير ظاهره، وظاهر الكلام هو ما يسبق إلى العقل السليم منه لمن يفهم بتلك اللغة، ثم قد يكون ظهوره بمجرد الوضع، وقد يكون بسياق الكلام.
فكان تعقيبك (كلمة الظاهر يقصد بها هذه الأيام المعنى السطحي ، فلابد إذن من تحريرها)اهـ، رغم أني عرّفتُ ظاهر النص بقولي (وظاهر الكلام هو ما يسبق إلى العقل السليم منه لمن يفهم بتلك اللغة، ثم قد يكون ظهوره بمجرد الوضع، وقد يكون بسياق الكلام)اهـ، ولم تُعقّب على هذا التعريف، وانطلقتَ تبين معنى الظاهر، وكان اللائق وسبيل الحوار النافع أن تنظر في تعريفي فتتناوله بالنقد أو توافق عليه!
ثمَّ وضعتَ تعريفك للظاهر (الظاهر هو المعنى الذي ينتصر على غيره من المعاني الباطلة)، وهذا التعريف ناقص!
فهب أنّ اختلافًا وقع بين اثنين فاحتكما لنصّ من الكتاب، وكلا المحتكمين يرى نفسه على الحق، وكلاهما يرى قوله الحق الذي ينتصر على ما سواه من الباطل، فنظر كلّ منهما في نصوص الشرع، فرآها بعين نفسه، فهذا يرى أنّ تفسيره حق وذاك كذلك، فعلى معنى "ظاهر النص" الذي ذكرتَه، لا يقوم الكتاب حكمًا، إذ المحتكمون يرون أنهم على حقّ، (وكذلك زينا لكل أمة عملهم، ثم إلى ربهم مرجعهم، فينبئهم بما كانوا يعملون)، والحاصل من هذا التعريف إبطال حاكمية الكتاب والسنة!
ثمّ إن هذا التعريف فيه دَوْر، فأنت تطلب ممن يظن نفسه على الحق، أن يحتكم لظاهر النص الذي هو المعنى الحق، فلو تأملتَ ذلك – وأرجو أن تفعل- لوجدتَ هذا التعريف فيه احتكام للعقل قبل الاحتكام للنص!
فإن أضفتَ إلى ذلك إلغاء آثار الصحابة وفهمهم، إذ ينطلق المرء من فكرةٍ مسبقة يظن أن فيها تنزيهًا لله، ثم يجعل قول الصحابة بهذا القول من باب إحسان الظن، كما تقول أنت (لذلك يحسن الظن بالصحابة أنهم فهموا الكرسي أنه العلم)، فأي شيء يبقى بعد إبطال ظاهر النصوص وفهم الصحابة بهذه المزاعم؟!
ولذلك فإن من يقرّ بأن الاحتكام يكون للشرع، وأنّ القرآن الكريم مبين، وأن السنة كذلك، وأنهما يهديان للتي هي أقوم، وأن نصوص الشرع جاءت في أفصح وأبلغ وأبين لفظ، وأن كمال علم المتكلم وفصاحته ونصحه يمنع أن يريدَ بكلامه خلافَ حقيقته، وتيسير القرآن للذكر ينافي حمله على غير ظاهره، من يقر بهذا - ولا أحسب منتسبًا للإسلام يعارض هذا – يلزمه الإقرار بأن ظاهر النص هو ما يسبق إلى العقل السليم منه لمن يفهم بتلك اللغة، ثم قد يكون ظهوره بمجرد الوضع، وقد يكون بسياق الكلام.
الأصل الثالث:
قلتُ (النصوص الواردة في الصفات تمر كما جاءت ويؤمن بها وتصدق، وتصان عن تأويلٍ يفضي إلى تعطيل، وتكييفٍ يفضي إلى تمثيل، وذلك أن الكلام في الصفات فرعٌ على الكلام في الذات، يحتذي حذوه، ويتبع فيه مثاله، فإذا كان إثبات الذات إثبات وجود لا إثبات كيفية، فكذلك إثبات الصفات إثبات وجود لا إثبات كيفية).
وقلتَ (ولا خلاف).
قلتُ: فلو وافقتني على الأصل الثاني مع الأول لما حصل بيننا خلاف، ولكنك تقول بظاهر هذا الأصل الثالث وتخالف في المقصود بظاهر النصوص، فتمر النصوص بما يراه عقلك ابتداءً وتجعله هو معنى النصوص، بينما أمرر النصوص بما يقتضيه ظاهرها، لكنك تأبى إلا الاحتكام للعقل وإن سميته بغير اسمه، وأنا لا أرضى إلا بظاهر النص وهو صريح العقل، وكفى بهذا بيننا خلافًا واختلافًا!
الأصل الرابع وتعقيبك عليه!
قلتُ (الكلام من حيث قبوله للتأويل من عدمه أقسام:
الأول: ما هو نص في مراد المتكلم لا يقبل محتملا غيره، فهذا يستحيل دخول التأويل فيه، وهذا شأن عامة نصوص القرآن الصريحة في معناها، كمثل أنه سبحانه يأمر وينهى، وكل يوم هو في شأن، ويسمع ويرى، فعّال لما يريد ... فهذا القسم إن سلّط عليه التأويل عاد الشرع كله مؤولًا أو قابلًا للتأويل، وما كان في المستطاع إقامة حجةٍ على مبطل أبدًا!
الثاني: ما هو ظاهرٌ في مراد المتكلم وإن احتمل أن يريد غيره، فهذا يُنظر في وروده، فإن اطرد استعماله على وجه استحال تأويله بما يخالف ظاهره، لأن التأويل إنما يكون لموضعٍ جاء خارجًا عن نظائره، فيؤول حتى يرد إلى نظائره، وهذا هو المعقول في الأذهان وفي الفطر وعند كافة العقلاء...
الثالث: الخطاب بالمجمل الذي أُحيل بيانه على خطاب آخر، فهذا أيضًا لا يجوز تأويله إلا بالخطاب الذي يبينه، وقد يكون بيانه معه، وقد يكون بيانه منفصلًا عنه.
والمقصود أن الكلام الذي هو عرضة التأويل أن يكون له عدة معان، وليس معه ما يبين مراد المتكلم، فهذا التأويل فيه مجال واسع، وليس في كلام الله ورسوله منه شيء من الجمل المركبة)
فاعترضتَ على الصنف الثالث، وقلتَ (وكيف والقرآن مملو منه ومنه قول الرسول صلى الله عليه وسلم)، فهل فعلًا تقصد ذلك وتعتقده؟! هل تقصد أن القرآن والسنة مليئان بمجمَلات لم يأتِ بيانها في خطاب آخر معها أو منفصلًا عنها؟! هل تلتزم بهذا الكلام وتدرك موقعه من القول بهيمنة الكتاب وبيانه وهدايته!؟
أما كلامك عن سجود الشمس وأني أقول بمثل قولك فسيأتي بعد ذلك!
أصل المبتدعة وتعقيبك عليه.
قلتُ: (الفرق المبتدعة " تتأول كل ما يخالف نحلتها وأصلها، فالمعيار عندهم فيما يتأول وما لا يتأول هو المذهب الذي ذهبت إليه، ما وافقها أقروه ولم يتأولوه، وما خالفها تأولوه"، "وكلام شيوخهم وتصنيفهم عندهم نص في مرادهم لا يحتمل التأويل، وكلام الموافقين عندهم نص لا يجوز تأويله، حتى إذا جاءوا إلى كلام الله ورسوله وقفوه على التأويل"، فهم احتكموا إلى عقولهم وأئمتهم، ثم حكموا بذلك على نصوص الشرع، بينما الحق الذي لا شك فيه أن الحكم لله).
فقلتَ (ونعوذ بالله من هؤلاء) .
فما رأيك في كلام الرازي (فلو كان الإله في العرش للزم الملائكة أن يكونوا حاملين لله تعالى وذلك محال، لأنه يقتضي احتياج الله إليهم، وأن يكونوا أعظم قدرة من الله تعالى وكل ذلك كفر صريح، فعلمنا أنه لا بد فيه من التأويل)، وقوله (لما دلت الدلائل على امتناع كونه في المكان والجهة ثبت أنه لا بد من التأويل)؟! أليس هذا من القول بحتمية التأويل بناءً على أمورٍ ليست من الدين وإنما هي من الوهم؟!
ثم أنتقل إلى كلامك عن الصفات والعرش:
حديث سجود الشمس .. موافقة أم مفارقة!
تقول (قد اعترفتم بالتأويل ومفهومنا للعرش والسجود وأنهيتم الحوار بالاتفاق دون أن تدركوا)!
فقولك (خضوع حركات الشروق والغروب لتدابير الله وإذنه) ليس هو قولي (دوام سجود الشمس وخضوعها، تحت عرش الله عز وجل)، لأني أتيت بمعنى الخضوع من لفظ "سجد"، وأقول إن الشمس تحت العرش المخلوق الذي هو فوق السماوات، والذي استوى عليه الرحمن، كما في سائر كلامي، أما أنت فتجعل العرش تدابير الله، فأين الاتفاق المزعوم الذي لم أدركه؟!
مخالفتك لما سبق ووافقتَ عليه:
تقول في الكلام عن استواء الله على عرشه والكرسي ويد الله وغير ذلك من الصفات (مهما قلت أنه هو يحمل العرش وحملته فلن يفهم من كون الكرسي تحت العرش بمسافة وهو موضع القدمين سوى هيئة جلوس الله تعالى ، وأن المحصلة من الوصف في أذهانهم هي هيئة تشبه الإنسان، ولكنها هائلة جدا جدا وشفافة مع أشكال مختلفة مجهولة للأيدي والأقدام).
فبالله ما هذا الكلام؟! أليس هذا في حقيقته تشنيعًا – أو استدلالًا فالبلية في ذاك سواء - بالوهم الذي يقوم في ذهن العوام ويزول بالتعليم؟! ثمّ هب أنّ هذا وقعَ من العوام، أليس من واجب العالم أن يبين لهم لا أن يحرّف النصوص ويؤولها نفورًا من فعلهم، فيستجير من الرمضاء بالنار؟!
ألا يكفي في الرد على كلامك هذا ما سبق ووافقتَ عليه: (النصوص الواردة في الصفات تمر كما جاءت ويؤمن بها وتصدق، وتصان عن تأويلٍ يفضي إلى تعطيل، وتكييفٍ يفضي إلى تمثيل، وذلك أن الكلام في الصفات فرعٌ على الكلام في الذات، يحتذي حذوه، ويتبع فيه مثاله، فإذا كان إثبات الذات إثبات وجود لا إثبات كيفية، فكذلك إثبات الصفات إثبات وجود لا إثبات كيفية)، فما بالك تنقض ما وافقت عليه؟!
إضافة لفظ الذات!
تقول (لا يصح أن نضيف كلمة ( الذات ) من عندنا ونجعل: ترون ربكم، و: إلى ربها = ترون ذات ربكم.. و: إلى ذات ربها ناظرة...)اهـ، ولعلك تقصد قول أهل السنة (استوى على العرش بذاته)، وكذلك قولك بعدُ ((لم تضيفون هنا يد الذات؟؟؟ هنا نذكرك بأن اليد ليست منسوبة للذات إلا إذا افترضت مشابهة الخلق لله، ومن هنا يتبين الخلل في عبارتك التالية)اهـ.
يقول العلّامة بكر أبو زيد رحمه الله في بيان مسلك أهل القرون الخيرية وتابعيهم بإحسان:
(وجود الأقوال الشنيعة من المخالفين في حق الله تبارك وتعالى المُعلنةِ في مذاهبهم الباطلة: التأويل، التفويض، التعطيل ... المخالفة لما نطق به الوحيان الشريفان في أمور التوحيد والسنة، اضطرت علماء السلف الذين واجهوا هذه المذاهب والأقاويل الباطلة بالرد والإبطال، إلى البيان بألفاظ تفسيرية محدودة، هي من دلالة ألفاظ نصوص الصفات على حقائقها ومعانيها لا تخرج عنها، لأن هؤلاء المخالفين لما تجرؤوا على الله فتفوهوا بالباطل وجب على أهل الإسلام الحق الجهر بالحق، والرد على الباطل جهرة بنصوص الوحيين، لفظًا ومعنى ودلالة بتعابيرَ عن حقائقها ومعانيها الحقة لا تخرج عنها البتة، وانتشر ذلك بينهم دون أن ينكره منهم أحد، وكان منها مثلًا ألفاظ خمسة: "بذاته" "بائن من خلقه" "حقيقة" "في كل مكان بعلمه" "غير مخلوق".
فأهل السنة يثبتون استواء الله على عرشه المجيد، كما أثبته الله لنفسه، فلما نفى المخالفون استواء الله على عرشه المجيد، ولجؤوا إلى أضيق المسالك، فأوله بعضٌ بالاستيلاء، وبعضٌ بالتفويض، وبعضٌ بالحلول، رد عليهم أهل السنة بإثبات استواء الله على عرشه المجيد بذاته، وأنه سبحانه بائن من خلقه، وأنه استواء حقيقة.
فأي خروج عن مقتضى النص في هذه الألفاظ...... وهذه الألفاظ انتشرت بين المسلمين أهل السنة والجماعة ولم ينكرها منهم أحد ...
أما لفظ بذاته فقال أبو منصور السجزي المتوفي سنة 444 هـ رحمه الله تعالى "وأئمتنا كالثوري ومالك وابن عيينة وحماد بن زيد والفضيل وأحمد وإسحاق متفقون على أن الله فوق العرش بذاته، وأن علمه بكل مكان".انتهى.
وأبو إسماعيل الهروي المتوفى سنة 482 هـ رحمه الله تعالى لما صرح في كتبه بلفظ "بذاته" قال "ولم تزل أئمة السلف تصرح بذلك" انتهى.
فهذا نقلان يفيدان إطلاق هذا اللفظ لدى السلف من غير نكير) ثم ذكر الشيخ رحمه الله ورود ذلك عن ابن أبي شيبة(ت 297 هـ) والطبري (ت 310 هـ) وغيرهم كثير، وانظر كتابه (الردود : 465 فما بعدها).
بالمناسبة: هل تعترض على قول صاحبكم في تفسيركم الكبير (الرحيم صفة "الذات" التي تقدر عمل الإنسان حق قدره)؟؟ وهل تعترض على قولك بعد ذلك (الله يذكر من صفات "نفسه" كمالات)؟!
ومازلنا مع "مصطلح" الصفات:
تقول: (الأمر عندي أن الصفات أو الصفة ليست هي مساعدة الخيال الإنساني ليستوعب هيئة الذات الإلهية)اهـ.
وهذا التعريف العدميّ أمر يسير، سيما وقد وضعتَ فيه لفظة "الهيئة"، ولست أدري حقيقةً ما مقصودك من هذا الكلام؟ هل هو نفي الصفات أم ماذا؟؟ وليتك فيما نستقبل من أمرنا تكون واضحًا صريحًا!
عمومًا أثبتُ صفات الله تعالى كما أثبتها لنفسه، وبهذه الصفات نعرف ربنا عزّ وجل، ولو أنك قرأت تفسيركم الكبير، لما توجهت للكلام عن الصفات بهذا الكلام الغامض، إذ في تفسيركم يقول (إن الذات الإلهية في خفاء تام ولا تُعرف إلا بالصفات)، وهذا القائل عندكم هو (دقيق العقل ومن المقربين .. قد ملئ عقله علمًا وباطنه حلمًا).
هذا .. ما اسمه؟!
تقول (وأرى أن الصحابة فردا فردا كانوا في عداد العلماء والبحار، بصرف النظر عن حجم البحر، هل هو البحر المتوسط أم بحر الروم، والأمر عندي في وصف العباد المذكورين أو قولهم في الصفات هو ما يفقهه العالم والبحر عن الله والرسول، من عباد الله الصالحين المخلصين، الذين ينظرون مواطيء أقدامهم قبل التحدث عن شئون العلي الخبير، أما العامي والغمر الذي لم تحدد حضرتك مدى العامية والغمرة التي هم فيها غارقون)اهـ.
بالمناسبة بحر الروم هو البحر المتوسط، ثم هل كلامك هذا ردّ على قولي (فإنّ الله تعالى أنزل القرآن مُبينًا، يهدي للتي هي أقوم، ويسّره للذكر، فضرب للناس طريقًا واضحًا، ومنهجًا لائحًا، ليهلك من هلك عن بينة، ويحيى من حيّ عن بينة، وكان أولى ذلك بالوضوح، وأحقه بالظهور هو صفات الله وكماله، ومقتضيات أسمائه ونعوت جلاله، يعرفها العاميّ والعالم، ويدركها الغُمر والبحر، فما بالك جعلتها سبيلًا في (غابة!))!؟
سؤال جوابه نعم أو لا : هل تقول إن القرآن الكريم نزل بألفاظٍ يتبادر إلى ذهن العربي عند سماعها معانٍ غير صحيحة؟!
تعود إلى "معاني" العرش دون أن ترد على أسئلتي في الرد السابق:
تكرر الكلام وتقول (وفضل العرش على الكرسي هو فضل مجموع الكمالات على فضل صفة العلم وحدها.) وتكرر (ذو الصفات العظمى المتجلية بجلالها)، وتكرر (معنى لفظ العرش أولا أنه صفاته أو تجليه تعالى بصفاته)، وتكرر (وذو العرش بمعنى ذو المجد والتجلي والجلال)، ثم تتساءل (ولست أدري ما الذي يغضبك في هذا الفهم ؟؟؟ هل أغضبتك أنني ضربت صفحا عن قصة القدمين؟؟).
فيا سيدي دعك من الكلام عن الغضب وضرب الصفح، وأجب أسئلتي التي وجهتُها إلى هذه المعاني المزعومة سؤالًا سؤالًا!
وأسأل هاهنا عدة أسئلة طامعًا في تحصيل جواب مقنع:
- آلعرش هو صفة التدبير أم صفة العزة أم مجموع الصفات أم هو أنواع أم هو توجه تجليات الله أم هو فيوضات الربوبية والرحمة والملك أم هو هو الله ذاته؟!
- لم اضطررتَ نفسك إلى ذلك؟! وما يضرك إن أخذت اللفظ على ظاهره، فقلتَ إن العرش كما هو المعنى المتبادر للأذهان، وأن الله تعالى مستوٍ عليه، بائنٌ من خلقه، غنيٌّ عن العرش وحملته؟! ما يضرك وما يضرنا من هذه العقيدة الصافية التي لم ينقل خلافها عن الصحابة؟!
- إنك تنطلق من هذا الذي ذكرتَه، فتنظر في قول مجاهد (استوى : علا على العرش.)، فتقول ( فالله علا على عرش العزة)، فهل كان مجاهد رحمه الله عيّ اللسان لا يستطيع الإبانة فيقول بمثل قولك "علا على عرش العزة"؟!
- ثم تنطلق منه كذلك، فتنظر في قول ابن مسعود رضي الله عنه (والله فوق العرش لا يخفى عليه شيء من أعمالكم) ، فتقول (فهو يقصد أنه على عرش العزة يحكم الخلق ويدبر الأمر)، فهل كان ابن مسعود رضي الله عنه عيّ اللسان لا يستطيع الإبانة فيقول بمثل قولك (والله فوق عرش العزة) والفرق بين قولكما كلمة "العزة"؟؟! فلمَ لم يذكرها ابن مسعود والحاجة داعيةً إليها؟؟! لم لَم يذكرها فإن ظاهر الكلام يجعلنا نقول بمعنى العرش المتبادر للأذهان؟؟!
- هل هناك نصّ في الكتاب أو السنة أو أقوال الصحابة أو القرون الخيرية، هل هناك نصّ فيه صراحة أن العرش هو صفة التدبير أو العزة أو مجموع الصفات؟!
- إنك تميّز بين نوعين من العرش، الأول (العرش الحق وهو صفات الله وتجلياتها على الخلق) والثاني هو (العرش الظلي، الذي تتجلى فيه رحمات الرحمان)، وهذا الثاني هو (عرش الله الجلالي الذي هو ظل للعرش الكريم من صفات الله)، فما دليل هذه القسمة؟! وما أصل هذا التفريق؟؟ ما الدليل من كتاب أو سنة أو لغة الذي استندت إليه في التفريق بين العرش المذكور في ساحة العرض والعرش في سائر النصوص، من كتابٍ أو سنةٍ أو إجماع وفقك الله؟!
- ماذا عن احتمال لسان العرب لهذه المعاني؟! ولا يكتفى هاهنا بنقل كلمتين من القاموس المحيط لتقوم بذلك حجة، بل الاحتجاج باللغة في مثل هذا الموضع له أصوله التي لا ينبغي أن تكون خافيةً على مثلك وفقك الله، فهل هناك في كلام العرب وجه لحمل معنى العرش على صفة التدبير وصفة العزة ومجموع الصفات بل على الذات الإلهية؟!
وأضيف سؤالًا: قولك (والفوقية ثابتة قبل أي عرش وبعده) هل هذا يشمل العرش الذي هو "مجموع صفات الكمال" عندك، أم أن هذه "لغة البشر للتفهم"؟!
ما زدتَه في "الاستدلال" على معنى العرش!
فتقول (وتطبيقا لما سبق : فلو أردنا فهم نص مثل: ذو العرش المجيد .. فنجد الله لا يقول مطلقا أنه (ذو) شيء من الخلق، بل ذو تضاف دائما لصفات ربانية، فالله في القرآن هو ذو الطول وهو ذو الرحمة، وهي صفات لا مخلوقات، ولا يصح القول أنه تعالى هو ذو البيت أو ذو الرسل أو ذو السماوات، ولا ذو النار وإن كان ذا عقاب وانتقام بلفظ المصدر المطلق)اهـ.
أولًا : إن قولك هذا استدلالٌ بمحل النزاع على محل النزاع، فأنا أنازعك في كون العرش صفة، وأنت تقول بما أن "ذو" تضاف إلى الصفة، فإذن "ذو العرش" إضافة إلى صفة، وهذا الكلام قد يصح لو كان يستحيل في اللغة أن تضاف "ذو" إلى مخلوق، أو أن يكون العرش مخلوقًا، ولكنّ العكس هو الصحيح، وأنت نفسك تقول بـ "صحة احتمال وجود عرش مخلوق والله ربه".
ثانيًا: يقابل ذلك قولك (لفظ:رب، لم يرد مقرونا بصفة الله إلا في: رب العزة، ورب العرش.)اهـ، بينما نجد أن لفظ رب ورد مضافًا إلى المخلوق في عشرات المواضع، فعلى مذهبك وفهمك نقول إنّ "رب العرش" إضافة إلى مخلوق، وإني وإن كنت أقول إن العرش مخلوق، لكني لا أقول بهذا الاستدلال لأني أراه استدلالا لا يقول به متعلم!
ثالثًا: أنت أسأت فهم كلامي أو أسأت تطبيقه، فإن قولي في القسم الثاني من الألفاظ من حيث قبول التأويل من عدمه (ما هو ظاهرٌ في مراد المتكلم وإن احتمل أن يريد غيره، فهذا يُنظر في وروده، فإن اطرد استعماله على وجه استحال تأويله بما يخالف ظاهره، لأن التأويل إنما يكون لموضعٍ جاء خارجًا عن نظائره، فيؤول حتى يرد إلى نظائره، وهذا هو المعقول في الأذهان وفي الفطر وعند كافة العقلاء)، فالكلام هنا عن استعمال اللفظ، لا عمّا أضيف إليه اللفظ، وشتان بينهما عند العربيّ!
وهناك أوجه أخرى للرد ولكن هذا يكفيني!
قولك بعرش مخلوق !!
تقول (صحة احتمال وجود عرش مخلوق والله ربه، فيكون الله رب العرش ذا الظل يوم القيامة .. هناك عروش منها عرش ذو ظل ، وهو ظل الجمال والكمال الإلهي أو انعكاس للعرش الرباني ومرآة لأنواره، وهو كما ذكرنا من المخلوقات، هو عرش سمي بالاسم تشريفا. وهو عرش اهتز لموت عبد صالح، ويحمله ملائكة ثمانية تذكرة بحملة فيوض الله للخلق، وتحف به ملائكة مؤمنة بالله مسبحة.)اهـ.
فما يضرك أن تجعل هذا هو معنى العرش في سائر النصوص كما أفعل؟! وما يضرك أن تقول إن الله علا فوق عرشه كما تقول إنه سبحانه علا فوق سبع سماوات؟؟ وما يضرك أن تقول إن العرش فوق السماوات السبع؟!
ثم ما دليلك على التفريق بين العرش تارة وتارة، فإن وجدته "يهتز" لموت عبدٍ صالح جعلته مخلوقًا، وإن وجدته "على الماء" جعلته صفةً!؟!
الكرسي!
تقول(وسع كرسيه السماوات والأرض . أي وسعت علومه ما هو أكثر من السماوات والأرض.)اهـ.
وأسألك عن دليل ذلك من نص كتاب أو سنة أو فهم صحابيّ، وقد أوردتُ عليك الصحيح المحفوظ من قول ابن عباس رضي الله عنه أن (الكرسي موضع القدمين)، وأوردت عليك ظاهر النص (يا أبا ذر! ما السموات السبع مع الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة، وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على الحلقة!)، فهل السماوات السبع المخلوقة تُجمع والكرسي الذي هو علم الله؟!
يقول الرازي (واعلم أنّ لفظ الكرسي ورد في الآية وجاء في الأخبار الصحيحة أنه جسمٌ عظيمٌ تحت العرش وفوق السماء السابعة، ولا امتناع في القول به فوجب القول باتباعه)، ويقول عن هذا القول الذي أورده أولًا (المعتمد هو الأول ، لأن ترك الظاهر بغير دليل لا يجوز ، والله أعلم.)اهـ.
أما عن مناسبة السياق، فإنه تعالى لما أخبر عن علمه الذي لا يحيط العباد بشيءٍ منه، علم العباد عجزهم عن الوقوف على إدراك علم الله تعالى، فلا يقف خيالهم عند رسم أو حد حتى حدود السماوات والأرض، ولما علموا ذلك لم يكن في تذكيرهم بأن العلم وسع السماوات والأرض مزيد معنى، بل إن عدم إحاطتهم بشيء من علمه أبلغ في بيان عظمة العلم من تحديد العلم بأنه وسع السماوات والأرض، فأتى سبحانه بعد ذلك بذكر شيءٍ من مخلوقاته وهو الكرسي، فإذا به قد وسع السماوات والأرض، فإن كان هذا حال مخلوق من مخلوقات الله، فكيف يطمع آدميّ في الإحاطة بشيءٍ من علم الله!
وأيضًا .. موافقة أم مفارقة!
تقول (إن ما لم تنازع فيه حضرتك من المعنى كاف لحسم الأمر ويكفي لوضوح معنى النص)اهـ.
ولكن ما نازعتَ فيه حضرتك من معنى، يذهب بمعاني نصوص عديدة ويعطلها، فصفة اليد لله ثبتت بنصوص عديدة، ولولا خشية الخروج عن الموضوع الأصلي لأتيتك منها بعشرات، وصفة العلو التي تقول إننا لا نتنازع فيه، بينما أنت الذي تنازع في الاستواء على العرش، والمعاني التي استفدناها من نصوصٍ عديدة!
مسألة رفع المسيح الحق الموعود عيسى عليه السلام:
ما ذكرتَه مقابل ما استدللتُ به على رفع المسيح عليه السلام:
(فأقول كما قال العبد الصالح)
حين استدللتَ بحديث البخاري "فأقول كما قال العبد الصالح" على تماثل الوفاتين، ذكرتُ أنّ "كما" لا تدل على التماثل من كل وجه، وإنما يكون التشابه في بعض المعاني لا في كل المعاني، وأوردت عليك بعض الإلزامات، فلم ترد عليّ شيئًا من تلك الإلزامات، وقلتَ ( وترى أن التشابه يكون في شيء دون شيء، وفتحت بابا لمناد يقول: يوجد شبه ولكن من يحدد وجه الشبه بالملليمتر والميكرومتر؟؟؟).
أولًا: أريد منك سلفًا من أهل العلم يقول إنّ التشبيه في كل المعاني لا في بعض المعاني.
ثانيًا: أنت نفسك ترى أن التشابه لا يكون في كل وجه، فأنت تقول بتشابه ولادة عيسى ويحيى عليهما السلام، وتقول (كما ولدا ولادة إعجازية، والفرق بين وجود الوالد وعدمه لا ينفي تشابه الولادة)، فإن كان وجود الفرق بين وجود الوالد من عدمه لا ينفي وجود التشابه، فلماذا ترفض أن عدم تشابه الوفاتين لا ينفي وجود تشابه حال النبي صلى الله عليه وسلم والمسيح عليهما السلام مع من ارتد من قومهما بعد أن غابا عنهما؟؟
ثالثًا: تقول (الله يجمع كل الرسل ولم يستثن، ويسألهم ولم يستثن، والإجابة واحدة : لاعلم لنا ..) فهل تقول بتماثل الوفاة بين جميع الرسل؟!
رابعًا: أنني لم أفتح الباب لمنادٍ، لأنني أرى أن النصوص تبين بعضها، وأنه ليس ثم خطاب مجمل إلا وهناك خطاب آخر يبينه، بينما:
خامسًا: أنت الذي فتحت الأبواب للمنادين يا سيدي، فأنت تقول أن القرآن والسنة مليئان بخطابات مجملة لم يأتِ ما يبينها، وانظر تعليقك على الأصل الرابع في بداية ردّي هذا!
سادسًا: قالت عائشة رضي الله عنها (والله! ما أجد لي ولكم مثلًا إلا كما قال أبو يوسف "فصبرٌ جميل والله المستعان على ما تصفون")، أفتقول على وزان قولك عن "كما" في حديث الرسول، فتجعل ابتلاء عائشة رضي الله عنها بفقد الولد، أو ابتلاء يعقوب عليه السلام كابتلاء الصِّديقة، أيقول بهذا عربي؟!
سابعًا: قال الله تعالى (إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوحٍ والنبيين من بعده)، أفتقول على نسق ما ذكرت عن "كما" في حديث الرسول، فتجعل نوحًا عليه السلام قد أوحي إليه بالقرآن!؟ أيقول بهذا عالم؟!
ثامنًا: كيف ترى قول نوحٍ عليه السلام فيما جاء في القرآن (قال إن تسخروا منّا فإنا نسخر منكم كما تسخرون)، فهل سخرية نوحٍ عليه السلام من الكافرين كسخرية الكافرين منه تمامًا بتمام؟!! أيقول بهذا مؤمن؟!
تاسعًا: كيف تصيبك العظة من قول الله تعالى (يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة)، أفتقول على غرار ما ذكرت عن "كما" في حديث الرسول، فتجعل فتنة الشيطان لنا كفتنته لأبوينا تمامًا بتمام، فتكون فتنته لنا بأن نأكل من الشجرة في الجنة؟!! أيقول بهذا عاقل؟!
(قالوا لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب)
تقول (يعني أنك ترى أن عيسى عليه السلام هو الوحيد يوم يجمع الله الرسل ويسأله الله ماذا أجبت؟ فسيجيب خلاف الرسل جميعا قائلا: أعلم ما حدث فقد كذبوني ثم كفروا بي وقالوا أني دعوت لعبادتي وأمي، ولقد نزلت لهم بعد أن فاض الكيل، وفعلت معهم وفعلت وأبطلت هذه العبادة. فهل ترى ذلك؟؟؟ !!!)اهـ.
أولًا: كان عليك أن تبين كيف تفهم قوله تعالى (يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أُجبتم، قالوا لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب)، فهل تقول إن المعنى أن الرسل يقولون ذلك من هول الموقف كما قال بعض أهل العلم؟ أم تقول إنهم يقولون "لا علم لنا إلا ما علمتنا"؟ أم تقول إنهم يقولون "لا علم لنا إلا علم أنت أعلم به منا"؟ أم تقول إنه يقولون "لا علم لنا بما أحدثوا من بعدنا"؟ أم تقول إنهم يقولون "لا علم لنا بم أُجبنا مطلقًا"؟؟ فذكرك فهمك للآيات أمر ضروري قبل أن تطالب محاورك بالرد!
ثانيًا: إن النبي صلى الله عليه وسلم علم أن هناك من سيحدث بعده، فقال صلى الله عليه وسلم (سيجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول: يا رب أصحابي!، فيقول: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك)، وقال (لا تقوم الساعة حتى يبعث دجالون كذابون قريبًا من ثلاثين كلهم يزعم أنه رسول الله)، فالنبي صلى الله عليه وسلم قد علم في الدنيا أنّ هناك من سيحدث بعده، ولكنه لا يعلم تحديدًا من أحدثوا، فإن لم تستشكل ذلك، فلا إشكال أن يعلم عيسى عليه السلام بأنّ هناك من أحدث بعده في الدنيا، لكنه لا يعلم تحديدًا من أحدثوا!
ثالثًا: إن النبي صلى الله عليه وسلم علم ببعض ما سيحدث من بعده، فقال صلى الله عليه وسلم (لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء دوس على ذي الخلصة)، فإن لم تستشكل ذلك، فكذلك لا إشكال أن يعلم عيسى عليه السلام ببعض ما أحدث بعده!
وهناك أوجه أخرى للبيان تأتي بعد أن تبين فهمك للآية الكريمة.
إلزام بما لا يلزم!
تقول (نحن في أمر عيسى عليه السلام محاصرون بآيات : منها خلقناكم وفيها نعيدكم، وقوله سبحانه: وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد، وآية الكفات في المرسلات)اهـ.
ونحن لا ندعي أن عيسى عليه السلام سيخلد ولن يموت، بل ينزل آخر الزمان، ويموت، ويدفن في الأرض، وتكون الأرض له كفاتًا، فما علاقة ذلك بما نقول من رفع عيسى عليه السلام إلى السماء ونزوله آخر الزمان!؟
تقول (الله شبهه بمثل آدم في الخلق من تراب وهو بيان لأن مصيره يكون كآدم إلى تراب بعد بلوغ السن وحلول الموت)اهـ.
أما أنّ الله شبهه بآدم في الخلق فلا نزاع، وأما أن مصيره كمصير آدم يكون إلى تراب فلا نزاع، وأما أنه يموت بعد أجله فلا نزاع، وأنت الذي تنازع في رفعه عليه السلام ونزوله آخر الزمان، فما علاقة جملتك السابقة بحوارنا؟!
تقول (ولقيهما رسول الله صلى الله عليه وسلم معا في نفس السماء ليلة المعراج، ولا يعقل أنه صلى الله عليه وسلم كان يرى روح يحيى بالروح ثم يلتفت لعيسى بالجسد.)
لماذا لا يُعقل؟! أهو لا يُعقل عند من يقول إن الله بعث أجساد الأنبياء يومها تشريفًا لنبيه وما ذاك على الله بعسير، وهو قول بعض أهل العلم ولهم دليلهم؟! أم هو لا يُعقل عند من يقول إنّ عيسى حضر روحًا وجسدًا ويحيى روحًا ولهم دليلهم؟! أم هو لا يعقل لمجرد أنه لا يناسب قول من يقول إن عيسى ويحيى حضرا روحًا وليس لهم دليلهم!؟
تقول ((رسول قد خلت من قبله الرسل) في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني ماتت، وقبضت ولقيت الله)اهـ.
وهذه مقابلة لنصوص مخصوصة في عيسى عليه السلام بنص عام، فنحن نقول بتخصيص عيسى عليه السلام من ذلك الحكم وذلك جمعًا بين الأدلة، كما نقول إن قوله تعالى (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى) لا يمنع أن يكون عيسى عليه السلام وُلد من أنثى دون ذكر جمعًا بين الأدلة وإعمالًا لها كلها، وهذا ديدن أهل العلم ولا إشكال فيه.
تقول (وقد بلغنا أيضا أن من مات لا يرجع، وقال للشهيد : سبق القول مني أنهم لا يرجعون، فلماذا يكسر عالم من العلماء حدود الله ويقول: يرجعون عندما يشاء)اهـ.
وقد قلتُ لك في الرسالة السابقة (لا نقول إن عيسى عليه السلام مات أصلًا حتى تستهلك نفسك ووقتي في الكلام عن إمكانية عودة الموتى للدنيا من عدمها، فأنا لا أقول بموت المسيح عليه السلام أصلًا لتثير هذه القضية)، فما معنى تكرارك الكلام وتشنيعك بتكسير حدود الله، وأنا أعوذ بالله ذلك!
تقول (اعلم صديقي العالم أنه عندما تركهم دمر الله أورشليم تدمير رهيبا فظيعا غريبا مهيبا، سنة 70 ميلادية، بوساطة القائد الروماني تيطس، ولاأقص عليك أن أورشليم صارت معبد أوثان.. حتى انتشرت المسيحية بعد ذلك. و نحن نعلم أنه قد بقي هو عليه السلام بعدهم في شمال الهند 50 سنة يبشر بالحق ومات عن 120 سنة . فعلينا جميعا دراسة التاريخ.)اهـ.
نعم علينا دراسة التاريخ بعيدًا عن خرافات "روضة الصفا"، والاستدلال بمرهم عيسى، وبذل المجهود في محاولة إثبات تشابه بوذا والمسيح، نعم علينا دراسة التاريخ بمنهج علمي أصيل، ولكن أيها المهندس هذا خارج عن موضوعنا، فقولك بهجرة المسيح للهند ينبني على قولك بنجاته من الصلب ثم سياحته في البلاد، وكيفية نجاته من الصلب محل الخلاف بيننا، فلعلك تساهم في الحفاظ على الحوار من الحيدة والتشتيت مشكورًا!
تقول (ثم إن التوفي في القرآن بفعل توفى، ومتوفيك، منسوبا للإنسان، والفاعل هو الله، هو قبض الروح بلا مـحال، والجسد يكون على الفراش أو في الأرض بأرضها ومائها أو في أجوائها، ولاجدال. )
وهذه الدعوى التي جعلتها أصلًا لا جدال فيها ولا محال هي محل نزاع أصلًا، فهل تريد فرضها علي بقوة الصراخ أم ماذا؟! لقد أتيتك بالدليل على ما أقول به من معنى أصلي للتوفي، فما دليلك على ما تقول؟!
تقول (الله صنع مقارنة رائعة بين يحيى وعيسى عليه السلام في الولادة الإعجازية والموت، وهم ذرية بعضها من بعض، فكل منهما قد نص الله عليه بالسلام ( يوم الولادة ويوم الموت ويوم يبعث حيا) فتحتم التشابه وتأكد أن عيسى لقي الله عند أجله كما لقي يحيى الله عند أجله، كما ولدا ولادة إعجازية، والفرق بين وجود الوالد وعدمه لا ينفي تشابه الولادة)اهـ.
أولًا: إنك تقول إن الله تعالى ذكر مقارنة بين يحيى وعيسى، ثم تستنتج منها "حتمية التشابه" بين الوفاتين والولادتين، فأي استنتاج هذا وما مقدماته؟!!
ثانيًا: مَن من أهل العلم والتفسير سبقك ورأى أنّ هناك مقارنة بين يحيى وعيسى عليه السلام في الولادة والوفاة، ومن ثمّ قال بحتمية التشابه؟!
ثالثًا: هل تقيس على قولك وتقول بتماثل خاتمتي السوء بين امرأة لوط وامرأة نوح رغم أن إحداهما ماتت خسفًا والأخرى بالطوفان؟!
رابعًا: إن كنت ترى أن الولادتين متشابهتان رغم الفرق بين وجود الوالد وعدمه وهو فرق كبير، فكذلك لا بأس عليّ إن قلتُ إن الوفاتين متشابهتان رغم الفرق الزمني بينهما، هذا إن سلمت لك باستنتاجك الذي لا مقدمات له؟!
خامسًا: المشهور بين أهل العلم وفي التاريخ أن يحيى عليه السلام مات مقتولًا، والمجمع عليه بينهم أن عيسى عليه السلام لم يمت مقتولًا، فكيف تصح الدعوى بتماثل الوفاتين؟!
معنى (بل رفعه الله إليه)
تكلمتَ عن ضلال النصارى، وعن أن قتل الأنبياء ليس عارًا، وقلتَ (رددت ووضحت وقلت لكم أن (بل) تستبدل ثقافة بثقافة لا تستبدل كما تصورتم لفظا بلفظ، ولم تركزوا على قولي هذا واعتبرتموني لم أرد ... قولهم هنا : إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله، ليس تصديقا برسالته مع الاعتراف بقتله، بل هو سخرية منه لأنه قتل صلبا ويعتبر ملعونا، وبالتالي لا يعتبر رسول الله ، ولا مكرما وجيها، بل كائنا منحط المكانة... لله يقول ما معناه عندهم : بل إن الله أحبط عملكم ورفعه في الصالحين .. كلام النحاة صحيح ولكن كلامهم ينطبق أيضا على (بل) التي تنفي ما قبلها كتصور شامل، وتعاكسه مذهبا كاملا ناتجا عن الكلمة)اهـ.
يا سيدي أكرر أن هذا الكلام لا رد فيه عليّ، لأنني أقول بثقافة غير الثقافة، وتصور شامل يعاكس تصور اليهود، وأقول إن سخرية اليهود لم تتحقق، فهذا القدر المشترك بيننا لا تقوم به الحجة عليّ، ولذلك فأنت مطالب بإبطال وجه استدلالي، وإثبات استدلالك بوجهٍ لا أقول به ويلزمني، هكذا ينبغي أن يكون نقاش!
أما أن تجعل ضلال اليهود في الزعم بأن قتل النبي وصلبه سخرية منهم قابلها الله بأنه حفظه فمات ولم يقتل، فما أسهل أن يلزمك محاورك أن اليهود قتلوا بقية الأنبياء استهزاءً وسخرية وتهوينًا من شأنهم ولابد، فلمَ لم يقابل الله ذلك بأن حفظهم وأماتهم دون قتل، هذا إن سلمت بالعلة التي تبني عليها كلامك!!
وهاك ما لم ترد عليه من استدلالي أعيده عليك مختصرًا:
أولًا: تعقيب قوله تعالى ﴿وَما قتلوه وما صلبوه﴾ بقوله ﴿بل رفعه الله إليه﴾ لا معنى فيه يليق بالبلاغة القرآنية المعجزة في القول إنهم ما قتلوه بل رفع الله روحه إليه.
ثانيًا: هل رفعة المكانة ضد القتل؟!! وهل عيسى عليه السلام لم يكن رفيع المكانة قبل إرادتهم قتله؟! وهل القتل في سبيل الله ليس من رفعة المكانة؟!
وأضيف ثالثًا: ماذا لو لم يقل الله تعالى "بل رفعه الله إليه"، ألم تكن ستفهم أنهم ما قتلوه، وتفهم ما قلتَه أنت قبل ذلك، فمقتضى البلاغة أن تكون زيادة "بل رفعه الله إليه" تحمل مزيد معنى، وهو المعنى الذي أقول به ولا يتحقق إلا يقوله تعالى "بل رفعه الله إليه" أما المعنى الذي تقول به أنت، فيكفي فهمه بدون ذلك؟!
تشركني الفعل وتفردني بالعجب!
تكلمتَ عن معنى "إلى" في قوله تعالى (بل رفعه الله إليه)، فذكرت لك أنّ هذا لا ينفعك شيئًا، لأنّك لو قلتَ بأن الرفع رفع روح أو رفع مكانة فهنا تكون استعملت إلى بمعنى انتقال الروح أو المكانة، بينما حين أقول إن الرفع رفع جسد فأستعمل إلى بمعنى الانتقال ولكنه انتقال جسد، فاستعمالنا لإلى هنا واحد وليس هو محل التفرقة أصلًا! ويبقى ما أوردته عليك حين تقول برفع المكانة في قوله تعالى "وما قتلوه يقينًا * بل رفعه الله إليه".
(قل سبحان ربي هل كنتُ إلا بشرًا رسولًا)
قال الله تعالى ( وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجُرَ لنا من الأرض ينبوعًا * أو تكونَ لك جنةٌ من نخيلٍ وعنبٍ فتفجرَ الأنهارَ خلالها تفجيرًا * أو تُسقطَ السماء كما زعمتَ علينا كِسفًا أو تأتيَ بالله والملائكةِ قبيلًا * أو تكون لك بيتٌ من زخرفٍ أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تُنزلَ علينا كتابًا نقرؤه، قل سبحان ربي هل كنتُ إلا بشرًا رسولًا).
تقول إن الرد على طلب المشركين أن يرقى النبي في السماء بقوله (سبحان ربي هل كنتُ إلا بشرًا رسولًا)، تقول إنّ هذا يدل على منع القرآن صعود المسيح إلى السماء، وقد أجبتك بأن هذه المذكورات من تفجير الينابيع، وإنشاء الجنان تتفجر خلالها الأنهار، وإسقاط السماء كسفًا، وإتيان الله والملائكة، والبيت من زخرف، ليست ممنوعة في قدرة الله تعالى، وإنما المقصود أن الرسول لا يأتي بالآيات من عند نفسه!
وذلك المعنى هو مثل قوله تعالى (ويقولون لولا أنزل عليه آية من ربه، فقل إنما الغيب لله فانتظروا إني معكم من المنتظرين) فالآيات ليست برغبة الرسول ولا بطلب المعاندين ولكنها من عند الله تعالى! ولكنك تصر على أنّ الآيات تدل على منع صعود النبي في السماء دون أن تبين السبب!
فهذه المذكورات منها ما وقع بالفعل وهو الجنان من نخيل وعنب وتفجير الأنهار خلالها تفجيرًا، يقول تعالى (واضرب لهما مثلًا رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعنابٍ وحففناهما بنخلٍ وجعلنا بينهما زرعًا * كلتا الجنتين آتت أُكلها ولم تظلم منه شيئًا، وفجرنا خلالهما نهرًا) فإن وقعت هذه فأي مانع أن تقع غيرها؟!
فإن قلتَ إنّ هذه المذكورات لا تتحقق عند التحدي، كما تقول (قد يحدث هذا السقوط يوم التدمير التام للدنيا بدون وجود من يتحدى)، فيكفيني في الرد عليه وجهان، أولهما أن هذا التقييد للمنع بالتحدي لا دليل عليه من الآيات الكريمات، وثانيهما أننا لا نقول إنّ رفع عيسى عليه السلام للسماء كان تحديًا أو تعجيزًا للبرهنة على صدق الرسالة!
فلستُ أنا يا سيدي الذي أرمي بدليل الإسراء عرض الحائط، ولكنك من تمنع أشياء دون دليل، وتذكر اعتبارات للمنع لا برهان عليها، وهي فوق كل هذا لا تلزمني بشيء!
(وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته)
تقول فيها (فمن للتبعيض، وما من جيل من أهل الكتاب إلا يكون منهم قوم يؤمنون بالحق قبل موتهم بعد طول تأملهم وفهمهم وهم سيشهدون على قومهم بما يعلمون من معلومات مشتركة تكبر عليها الذين أصروا على كفرهم.)اهـ.
فليس الشأن في من للتبعيض أو ليست كذلك، ولا تقدير الكلام بهذه المطولات التي ذكرتها بأنه "ما من جيل ....".
"وإن من أهل الكتاب"، فـ "إن" هنا بمعنى ما النافية، وأنت لا تخالف في ذلك، فيكون المعنى "وما من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به"، فهذا الضمير يعود لمن؟؟ "ليؤمنن به قبل موته" فهذا الضمير يعود لمن؟؟ "ويوم القيامة يكون عليهم شهيدًا" فمن هو ذا الذي يكون شهيدًا؟!
السياق كله عن عيسى عليه السلام (بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزًا حكيمًا، وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدًا)، فالضمائر إذن تعود إلى واحد والمخالف لذلك عليه بالدليل، فيكون المعنى: وما من أهل الكتاب إلا ليؤمنن بعيسى قبل موت عيسى عليه السلام، ويوم القيامة يكون عيسى عليهم شهيدًا.
وهذا هو فهم الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه، إذ يقول كما في البخاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (والذي نفسي بيده، ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكمًا عدلًا، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الحرب، ويقبض المال حتى لا يقبله أحد، حتى تكون السجدة الواحدة خير من الدنيا وما فيها) ثم يقول أبو هريرة رضي الله عنه (واقرأوا إن شئتم "وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته، ويوم القيامة يكون عليهم شهيدًا").
قال الطبري رحمه الله (وأولى الأقوال بالصحة والصواب، قول من قال: تأويل ذلك: وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن بعيسى قبل موت عيسى)اهـ، وبالمناسبة فلم ينقل الطبري مثل قولك أنه ما من جيل من أهل الكتاب إلا يكون "فيه" من يؤمن بعيسى عليه السلام قبل موت هذا "الجيل"!
المعنى الأصلي للتوفي!! وغضبٌ غير مبرر!!
تقول (فالعجب كل العجب أولا أنكم فجأة هنا تركتم البخاري والصحابة وابن عباس، وتجاهلتم كل التجاهل معنى توفي الله لسيدنا عيسى في كتاب التفسير وهو(متوفيك : مميتك) بلا أدنى حيرة ولاالتباس، وصار لايعجبكم كل ماقاله الشيخ شلتوت وليس عليه من باس، ولاغيره من الأئمة، .... في هذا المقام تركتم الظاهر بمعنى الظاهر بطريقتكم، ذلك الذي قتلتمونا به كل حين، ودوختم الناس كل قرن، ولجأتم هنا للتوفي بمعنى أخذه كله بروحه وحاله وماله وجذوره وتربته، ولم تقولوا بأمه وبيته وكل ماهو له به صلة حميمية. وتقول لي لم ترد مع أني رددت من قبل عندما قلت في أول رسالة بوضوح: متوفيك = مميتك. حسب البخاري.......)
أولًا: ما تركنا البخاري ولا ابن عباس ولا غيرهم من الصحابة الكرام، والحمد لله ما من قولٍ أو تفسيرٍ أو عقيدةٍ أذكرها إلا وألحقتها بكلام الصحابة عليهم الرضوان، وانظر ردودي ترى ذلك واضحًا دون التباس!
ثانيًا: قولك إننا تركنا الصحابة والبخاري "فجأة" يدل على أنك ترى أننا لا نخالفهم في شيء سواه، فإن أزلتُ لك ذلك بان لك أننا خلفهم على ذات السبيل والحمد لله رب العالمين!
ثالثًا: كل من عرف صحيح البخاري ودرس فيه أدنى دراسة يعلم أن مرويات البخاري نوعان، ما يرويه متصلًا بالسند فهذا هو الصحيح على شرط البخاري، ومنها ما لا يرويه بالسند المتصل وإنما يرويه معلقًا، فهذا ليس بصحيح على شرط البخاري، وهو ما يعرف بمعلقات البخاري، وهذه المعلقات منها الصحيح والضعيف!
رابعًا: فقول ابن عباس رضي الله عنه (متوفيك مميتك) قد رواه البخاري معلقًا دون إسناد، وعليه فليس هو على شرط البخاري في الصحة، وعليه فلم نترك البخاري ولا تركنا ما صح عن ابن عباس!
خامسًا: الشيخ شلتوت غفر الله له ما سلم من الفتاوى والاعتقادات المخالفة للصواب، وأنا لا أقول بعصمته أو حتى إمامته حتى تلزمني بكلامه!
سادسًا: أنني يا سيدي ما مزقت ثيابكم في شيء مما ذكرته ولن أفعل بإذن الله إلا بالدليل، وقد أوردتَ أمورًا ليست من حوارنا أصلًا ولم يسبق طرحها، فليتك – تكرمًا والتزامًا بالحوار – تساهم في تركيز الحوار في نقاط محددة لنصل للحق بإذن الله.
سابعًا: وقولك (هنا للتوفي بمعنى أخذه كله بروحه وحاله وماله وجذوره وتربته، ولم تقولوا بأمه وبيته وكل ماهو له به صلة حميمية)اهـ، فإن كان هو مما يستجلبه الحوار من حدة ومبالغة أحيانًا على المحاور فأعذرك في ذلك و"أتفهم موقفك"، ويكفيني عندها علمك بالخطأ في هذا الكلام عن إبطاله، وإن كان كلامك هذا مما تستشكله حقيقة فتلك بلية كبرى، إن كنت ترى أن من توفي المرء أن تقبض معه ماله وتربته وأهله!!
ثامنًا: أما التطهير من الذين كفروا، فقد تحقق بالرفع إلى السماء إذ خلصه الله من الذين كفروا، ولا إشكال في ذلك!
ما وردَ في رسالتي السابقة وتركته دون رد!
1- هل يقوم في ذهن العربيّ عندما يسمع ظاهر النص، أن "عرش" الملك هو "الملك نفسه"، وأن "عرشه على الماء" تعني أنه "عمد إلى خلق الأحياء"، أهذا هو لازم الوضوح، ومقتضى التبيان، وموجب البلاغ..؟
2- هل هناك نصّ عن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيه أن العرش هو (مجموع الصفات)، أو فيه أن معنى (رب العزة كرب العرش تمامًا)، أو أن العرش نوعان، كما أبنتَ وأظهرت معتقدك وعقيدتك؟؟
3- تقول (لو صح قول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه حين قال : "العرش فوق الماء" فهو يقصد ( على ) كما في القرآن، وهي عنده استواء الله إلى الماء ليخلق الحياة) أعجز ابن مسعود عن الإفصاح عن المراد من أنه استواء الله إلى الماء ليخلق الحياة؟!
4- وقد أجبتك عن سؤالك عن تحكيم العقل على النصوص، بمثالين من كلام الرازي الذي أرودتَه واستدللت به، فلم ترد عليّ بشيء.
5- ما تريد من قولك (هي لغة البشر للتفهم)، ألسنا من البشر؟؟ فما يضرنا أن نقول بما يقول البشر، وأن نعتقد ما يتبادر إلى الذهن من ظاهر فعل وكلام البشر، والله لا يكلف نفسًا إلا وسعها؟!
6- محاولتك جعل البخاري ممن يقول بقولك في تفسير العرش بأنه العزة، بحجة أنه أورد حديثًا عن العرش، تحت باب (قوله تعالى: وهو العزيز الحكيم)، والبخاري لم يفعل ذلك، لم تعقب على هذا؟!
7- وكلامك عن "مصطلح" الصفات وأن الله قدس نفسه عن وصف الواصفين، وهذا المصطلح لم يكن له من نصيب إلا كونه "تعبير" صحابي على حد قولك، وأجبتك على ذلك من ثمانية أوجه، ولم ترد بشيء!
8- في قوله تعالى "يد الله فوق أيديهم"، فقد سألتك عن ملكٍ مبتور اليدين، يقول له شاعر "والمملكة في يديك"، ألا يكون في هذا أقذع السخرية، وأبلغ قولٍ يقال في ضياع شأن المملكة؟!
9- ثم سألتُ عن قوله تعالى "يد الله فوق أيديهم"، ألا ترى أنه لولا أن (جنس) الإنسان له يد، لما صحّ أن يكون في لغة الناس "والمملكة في يديه"، وعليه فإن قوله تعالى (يد الله فوق أيديهم) يدل على ثبوت اليد لله تعالى؟!
10- وسألتك عن "معاني" العرش عندك عدة أسئلة طامعًا أن أجد جوابًا مقنعًا، فلم أجد جوابًا أصلًا.
11- وقد رددت على ما "استدللت" به على "معاني" العرش، وما فيه من مخالفة الأصل عند العربي، والتقسيم دون وجود دليل، والاستدلال بمحل النزاع على محل النزاع، والاستدلال بالرأي الشخصي، واللجوء للتأويل دون دليل، فتركت أربعة مواضع دون تعقيب، وعقّبت على واحدة وهي المتعلقة بسجود الشمس تحت العرش!
12- وسألتك عن المعيار في رفضك رواية ابن عباس "الكرسي موضع القدمين"، وأخذك برواية أخرى ضعيفة الإسناد، فلم تبين المعيار لا من جهة الرواية، ولا حتى من جهة للدراية تُلزمني بشيء؟!
13- ألا ترى أنك جعلت قول ابن عباس "كرسيه علمه" حديثًا عن غيبٍ خالص، فيكون (في حكم المرفوع)اهـ، ولكن لما بينت ضعف الإسناد، وذكرتُ الرواية الصحيحة " الكرسي موضع القدمين"، فهلا ألزمتَ نفسك بما قلتَ من أنها حديث عن غيب خالص، فتكون في حكم المرفوع؟!
14- وأوردت لك قول ابن كثير (والمحفوظ عن ابن عباس كما رواه الحاكم في مستدركه - وقال إنه على شرط الشيخين ولم يخرجاه - من طريق سفيان الثوري عن عمار الدهني عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنه قال: ( الكرسي موضع القدمين ، والعرش لا يقدر قدره إلا الله عز وجل))اهـ فما عقبت بشيء؟!
15- ورددت على كلامك في منع العقل أن تكون نجاة المسيح عليه السلام بالرفع إلى السماء، ونجاة المصطفى صلى الله عليه وسلم بالحركة في الأرض ليلة الهجرة، فما رددت عليّ بشيء!
16- ورددت عليك استدلالك بـ "كما" لتقول بتماثل الوفاتين، فحدتَ عن جوابي إلى التغبير بقضية ليست من بحثنا في شيء، كما سبق البيان.
17- ورددت عليك منعك رفع المسيح للسماء بحجة أن الموتى لا يعودون، بأننا لا نقول بأنه مات أصلًا، فلم ترد على ذلك بشيء.
18- وذكرت لك أوجه الاستدلال بكلمة "بل" في قوله "بل رفعه الله إليه"، فلم ترد بشيء يلزمني، وتركت ما يلزمك دون رد.
19- وقلتَ إن القرآن يمنع رفع الأنبياء إلى السماء، استدلالاً بما ( في قول الله عمن طلبوا من نبي الله أن يرقى في السماء فقال يعلمه الرد عليهم: قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا؟؟؟ الإسراء)اهـ، ورددت على ذلك، ولم ترد علي كما سبق البيان.
20- ورددت على كلامك عن معنى "إلى" وأنه يلزمك أن تقول بقولي، فلم ترد كما سبق البيان.
الأدلة على أن العرش مخلوق، وبطلان ما تأولته به!
- قال تعالى (وهو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء).
- وقال (الله الذي رفع السموات بغير عمدٍ ترونها ثم استوى على العرش).
- وقال (الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به).
- وقال (ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذٍ ثمانية).
- وقال (وترى الملائكة حافين من حول العرش). الآية.
- وقال ( قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم * سيقولون لله قل أفلا تتقون).
- وفي صحيح مسلم قال صلى الله عليه وسلم لجويرية بنت الحارث رضي الله عنها ( لقد قلت بعدك أربع كلمات لو وزنت بما قلتيه لوزنتهن: سبحان الله عدد خلقه، سبحان الله زنة عرشه، سبحان الله رضى نفسه، سبحان الله مداد كلماته).
- وفي الصحيحين(اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ).
- وصحّ قوله صلى الله عليه وسلم ( يا أبا ذر! ما السموات السبع مع الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة، وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على الحلقة).
- وعند مسلم قال صلى الله عليه وسلم (كتب الله مقادير الخلائق، قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، قال: وعرشه على الماء).
الأدلة على رفع المسيح الحق الموعود عيسى عليه السلام، ونزوله آخر الزمان.
- تعقيب قوله تعالى ﴿وَما قتلوه وما صلبوه﴾ بقوله ﴿بل رفعه الله إليه﴾.
- المعنى الأصلي للتوفي المفهوم منه مباشرة أخذ الشيء وقبضه تمامًا كما في قوله تعالى ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ وقوله ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ فالتوفي والاستيفاء في اللغة بمعنى واحد كما في مختار الصحاح، وإنما الإماتة التي هي أخذ الروح نوع من أنواع التوفي الذي يعمها مع غيرها لكونه بمعنى الأخذ التام المطلق.
- ﴿وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ بعد قوله ﴿مُتَوَفِّيكَ﴾ دلالةٌ إضافيةٌ على عدم كون معنى توفيه إماتته؛ لأن تطهيره من الذين كفروا بإماتته وإبقاء الكافرين لا يكون تطهيرًا يشرفه كما في تطهيره برفعه من بينهم حيًا إلي السماء.
- قول الله تعالى (وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته، ويوم القيامة يكون عليهم شهيدًا) وقد صح عن ابن عباس قوله: قبل موت عيسى عليه السلام، وصح عن أبي هريرة وأبي مالك والحسن البصري وابن زيد، واختاره الطبري وابن كثير وغيرهما، وهذا يكون عند نزوله مرةً أخرى آخر الزمان فيؤمن به أهل الكتاب ولا يتخلف منهم واحد.
- في الصحيحين قوله صلى الله عليه وسلم (والذي نفسي بيده، ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكمًا عدلًا، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الحرب، ويقبض المال حتى لا يقبله أحد، حتى تكون السجدة الواحدة خير من الدنيا وما فيها) ثم يقول أبو هريرة رضي الله عنه (واقرأوا إن شئتم "وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته، ويوم القيامة يكون عليهم شهيدًا").
- في الصحيحين قوله صلى الله عليه وسلم (كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم).
- وفي صحيح مسلم قوله (والذي نفسي بيده ليهلَّنَّ ابن مريم بفج الروحاء حاجًّا أو معتمرًا أو ليثنينهما).
- وفي مسند أحمد بإسناد حسن قوله (أنا أولى الناس بعيسى بن مريم، وإنه نازل، فإذا رأيتموه فاعرفوه ...) وذكره وصفه.
- وفي مسند أحمد قوله (إني لأرجو إن طال بي عمرٌ، أن ألقى عيسى بن مريم، فإن عجل بي موتٌ فمن لقيه منكم فليقرئه مني السلام) وهو حديث صحيح.
تفكر في هذا فإني والله لك ناصح!
في رسالتك هذه المرة .. أنت لا تمنع صحة احتمال وجود عرش مخلوق، وترى أن هذا العرش المخلوق موجود الآن، وقد اهتز لموت عبد صالح، وترى أن هذا العرش المخلوق يأتي يوم القيامة، ويكون له ظل، ويكون له حملة من الملائكة، ألا يكفيك هذا العرش المخلوق لتفهم جميع النصوص، ولو سألتك عن مكان هذا العرش المخلوق، أيضرك شيئًا أن تعتقد أنه فوق السماوات!؟ فإن كان هذا لا يضرك، ولو سألتك أيضرك شيئًا أن تعتقد أن الله تعالى فوق العرش كما تعتقد أنه تعالى فوق السماوات السبع وهو بائن من خلقه؟! فإن كان هذا لا يضرك، ولو سألتك أيضرك شيئًا أن يكون هذا العرش عظيم الخلق حتى تكون السموات السبع والكرسي في كحلقة في فلاة؟؟ فإن كان هذا لا يضرك شيئًا، بل يكسبك الإيمان بعظمة الذي خلق هذا العرش، فما المانع من أن تقول بمثل قولي يرحمك الله؟! وما يمنعك أن توافق ما لم ينقل خلافه عن القرون الخيرية الأولى؟!
أسأل الله لي ولك التوفيق والسداد.
منتدى التوحيد.
Bookmarks