صفحة 2 من 3 الأولىالأولى 123 الأخيرةالأخيرة
النتائج 16 إلى 30 من 43

الموضوع: مناظرة أحد الإخوة المسلمين لأحد رؤوس القاديانية.

  1. #16
    تاريخ التسجيل
    Jan 2005
    المشاركات
    982
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    رسالة م. فتحي عبد السلام القادياني السادسة.



    بسم الله الرحمن الرحيم
    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم . بسم الله الرحمن الرحيم " أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله" اللهم صل علي محمد وعلي آل محمد كما صليت علي إبراهيم وعلي آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد .اللهم بارك علي محمد وعلي آل محمد كما باركت علي إبراهيم وعلآ أل إبراهيم في العالميإ انك حميد مجيد "
    ...من كرامات الصادقين: فإن تمهيد القرآن يُحرّك الروح إلى عبادة الرحمن، ويحرّك العباد إلى أن ينتجعوا حضرتَه بإمحاض النيّة وإخلاص الجَنان، ويَظهَر عليهم أنه عينُ كل رحمة وينبوعُ جميع أنواع الحنان، ومخصوص باسم الرب والرحمن والرحيم والديّان، فالذين يطّلعون على هذه الصفات فلا يزايلون أهلَها ولو سقطوا في فلوات الممات، بل يسعون إليه ويوطنون لديه بصدق القلب وصحّة النيّات، ويتراكضون إليه خيلَهم ويسعون كالمشوق، ويضطرم فيهم هوى المعشوق، فلا يناقش أهواءٌ أخرى عند غلبة هوى رب العالمين. فثبت أن في تمهيد هذا الدعاء تحريكا عظيما للعابدين، فإن العبد إذا تدبّرَ في صفات جعَلها الله مقدّمة لدعاء الفاتحة، وعلِم أنها مشتملة على صفات كماله ونُعوت جلاله باستيفاء الإحاطة، ومحرّكة لأنواع الشوق والمحبة، وعلِم أن ربّه مبدأٌ لجميع الفيوض، ومنبع لجميع الخيرات، ودافعٌ لجميع الآفات، ومالكٌ لكل أنواع المجازاة، منه يبدأ الخَلق وإليه يرجع كل المخلوقات، وهو منـزه عن العيوب والنقائص والسيئات، ومستجمِع لسائر صفات الكمال وأنواع الحسنات، فلا شك أنه يحسَبه مُنجِحَ جميعِ الحاجات، ومُنجِيًا من سائر الموبقات، فيكابد في ابتغاء مرضاته كلَّ المصائب، ولو قُتل بالسمّ الصائب، ولا يُعجِزه الكروبُ، ولا يدري ما اللغوب، ويجذبه المحبوب، ويعلم أنه هو المطلوب، وييسِّر له استقراءَ المسالك لتطلُّب مرضاة المالك، فيجاهد في سبله ولو صار كالهالك، ولا يخشى هولَ بلاء، وينبري لكل ابتلاء، ولا يبقى له من دون حُبِّه الأذكار، ولا تستهويه الأفكار، وينـزل من مطيّة الأهواء، ليمتطي أفراس الرضاء، ويَضْفِر أَزِمّةَ الابتغاء، ليقطع المسافة النائية لحضرة الكبرياء، ويظلّ أبدًا له مُدانِيًا، ولا يجعل له ثانيا من الأحبّاء، ولا يَعتوِرُ قلبه بين الشركاء، ويقول يا ربّ تسلَّمْ قلبي، وتكفيني لجذبي وجلبي، ولن يُصبِيني حسن الآخرين.


    قلت أيها العالم لي : أما وأنت هناك في ركب الباطل، فلن يخرج الأمر – ولابد – عن باطلٍ يخذلك ولا تستطيع إلا أن تخذله! وفزعا من الباطل فقد توجهتُ لرب عظيم أن يهديني للحق وقد استجاب وهداني وهاهي ما أراها هداياته، وهو مجيب الدعاء، وتلك ما أحسبها آياته، فاستقبلها باستقبال حسن ولاتكونن من المكفرين، أو من المفتين بحل الحرام من دماء المسلمين. وقد سمعت أنك دكتور في جامعة أم القرى، تلك التي تمنى حبيبي أن يجعل كحل عينه هذا الثرى، وأرجو أن أنال من جامعتك بهذا الرد (دكتوراه) في البحث الإسلامي، فياهل ترى.

    ما ذكرتموه من الأصل الأول وتناول تعقيبي عليه!
    موضوع العرش هو الله :
    كررت حضرتك الإمساك بالحرف علي، حين كنت أقول بالتعبير بقولي : هو هو أي أن تعبير : في ظله، في ظل عرشه، لاظل إلا ظله يبين أن تجليات رحمة الله هي ظل العرش، وهو ظل ليس من حر الشمس وحدها بل من كل نوع من البؤس، والجنة هي دائما في ظل العرش رغم انتهاء يوم الحساب، وبداية عهود الخلود. وهي الكلمة المعبر عنها بأنها ظل الله يوم لاظل إلا ظله، أي انعكاس صفات رحمة الله التي تسمى ظل الله، فلاتمسك لي على الحرف ذريعة للوم، ولاتستكثر من ذلك. ولا تدع علي أنني ألمز الصفات، ولا تبحث لي عن تهم، ولا تتحدث عن الاستتابات فهذا ليس من شيم العلماء الأجلاء.
    رد على موضوع القائلين بصفات الذات بإحكام بلا إسراف:
    لااعتراض على التقسيم والتنظيم والتعليم، ولكن بشرط ألا تستقرأ نصوص الشرع بما يؤدي لخطأ عقيدي مثل حشد نصوص متشابهة مع الجوارح المخلوقة وترتيبها مع شرح هيئات فلكية عن الكرسي والأقدام مما يخرج الموضوع عن كونه استقراء ليكون عنفا يضطر عقل المتعلم إلى أضيق الطريق وأشده عوجا.
    هم يسرفون عندما يرتبون صفات الذات كما يرونها مجتمعة، ويعلمونها في فصل دراسي، مما يرغم فكر الطالب على تشرب فكرة رسم ملامح الذات الإلهية، وتصور أن هذا هو معرفة وصف الذات، ولكن بطريقة فخمة شفافة هائلة الحجم..
    كل شيء هالك إلا وجهه ، أي إلا هو، وأخذ النصوص بحرفية سطحية ينتج عنه أن كل شيء هالك حتى ذات الله إلا وجهه، والله جعل الحجر الأسود بمثابة يمينه في الأرض، وأثبت الله كماله ووجوده بكل ماجاء في وحيه، ولكن القائلين بالقدمين من المدرسين لمناهج : صفات الذات، لم يحكموا، لأن نقد المتن مهم، ومحال أن يكون للذات قدمان، وإلا بررنا لمن يقول : يمشي بهما ويهرول بهما، جريا على طريقة القاضي أبي يعلي بأن لله عينين (يرى بهما)، والباء للاستعانة، كما لايخفى، وحاشا لله أن يستعين بشيء ليرى.. ومن العجيب أن كثيرا منهم يلجأون لتأويل حديث الهرولة ولايؤلون آية الأعين.. ولذلك يجب عليهم نقد نص : أن الكرسي موضع للقدمين، والله تعالى متقدس سبحانه عن ( المواضع) أوأن يكون له جوارح تشعر بالتبعيض، ومن ذلك قولهم بالقدمين ولهما موضع، وقولهم بالكرسي الحسي الذي هو موضع لقدمي الله تعالى الله وحاشاه، وقولهم أن الكرسي الحسي ذو حجم محدود وهو مشمول داخل فضاء العرش العظيم، وبالتالي فهو داخل الكون المخلوق، وكون القدمين متموضعتين على الكرسي فهو تصور يدفع فهوم السامعين من المتخرجين في مدرسة الدعاة إلى ركن ضيق، ويتصورون إن شيئا من ذات الله صار داخل الوجود، وقولهم بالساق، يجعل هؤلاء السامعين يتصورون رغم أنوفهم امتدادا من القدمين للساق، ثم بقية الذات خاج الكون على العرش.. رغم وجود روايات عديدة عن الصحابة الكرام رضي الله عنهم أن الساق هي الشدة والهول، ورغم إطباق القواميس على أن الكشف عن ساق هو مفاجآت الله بالشدة والهول الذي ادخره الله للضالين، وعدم إحكامهم جاء كما يقول ابن الجوزي رحمه الله في دفع شبه التشبيه: ثم لم يذكر الرسول صلى الله عليه وسلم الأحاديث جملة، وإنما كان يذكر الكلمة في الأحيان، فقد غلط من ألفها أبوابا على ترتيب صورة غلطا قبيحا، ثم هي مجموعها يسيرة والصحيح منها يسير، ثم هو عربي وله التجوز .أهـ

    الأصل الثاني وتناول تعقيبي!

    لقد بينت لكم الظاهر والسياق من آية الكرسي بما يدعم صحة رواية ابن عباس رضي الله عنهما، وبما يجزم أن الكرسي هو صفة العلم الرباني، والذي سميت أعظم آية في القرآن باسمه، لأن أسماء العلم وأسماء الرحمة هي الأغلب نسبة أوذكرا في كلام الله، وصفات العلم هي الأكثر ذكرا من صفات الرحمة.
    وسؤالك عن من يختلف مع أخيه في حكم وفي تصوره عن ظاهر النص وسياقه، فالجواب هو: فليجلس معه وليحاوره ويبين له من النصوص المجموعة مالم يجمع أخوه، ومن دلائل القرآن على التنزيه مالم يدرك أخوه، ومن روائع ترابط السياق مما ركز هو عليه ولم يستجمع لبحثه أخوه، وإن يريدا إصلاحا هما الاثنان، وفق الله بينهما وأراهما، فإن لله تعالى في هذا الأمر القضاء والهداية. وليس في هذا إبطال لشيء من التحاكم للكتاب والسنن.
    إننا لم نلغ شيئا من آثار الصحابة، إلا ماظهر شذوذه واعتلاله، وآثار الصحابة فيها الصحيح والموضوع، ويجب نقدها عندما تتعارض مع الثوابت الإسلامية، كما هو الحال في رواية أبي هريرة أن كل مولود يمسه الشيطان وهو يولد إلا عيسى بن مريم، ثم لاينبغي فهم آثار الصحابة الصحيحة أيضا بطريقة حرفية ونقول بعدها ( هو هكذا) ونحن نعلم أنهم عرب يتكلمون بمجاز العرب ويروي عنهم الراوون بالمعنى كثيرا بما يتعارض مع اللائق بالله.
    وخوفك على ماسيبقى بعد هذا لامبرر له، وسيبقى الكثير بعد هذا بحمد الله ولقد بقي كل شيء وأتم الله النعمة وعلم الإنسان مالم يكن يعلم.
    الأصل الثالث:
    قلت لك فيه :لاخلاف، وتصر أنت على وجود الخلاف هنا، وأحاول بكل الجهد العثور على نقاط اتفاق وهي كثيرة، لكنك تجاهد في تبيان الاختلاف، وأقول لك أن صريح العقل فعلا هو ظاهر النص، ويلزمنا الحوار ليشرح كل منا للآخر وجه الالتباس عن أخيه ليتبين سر التباعد، وليظهر الظاهر الفعلي، لاالظاهر كلاما.
    الأصل الرابع وتعقيبي عليه!
    في البند الثالث أنت قد قلت فيه جملتين:
    جملة 1 ـ الثالث: الخطاب بالمجمل الذي أُحيل بيانه على خطاب آخر، فهذا أيضًا لا يجوز تأويله إلا بالخطاب الذي يبينه، وقد يكون بيانه معه، وقد يكون بيانه منفصلًا عنه.
    جملة 2 ـ والمقصود أن الكلام الذي هو عرضة التأويل أن يكون له عدة معان، وليس معه ما يبين مراد المتكلم، فهذا التأويل فيه مجال واسع، وليس في كلام الله ورسوله منه شيء من الجمل المركبة.
    ربما لم أفهم جملة 2، مالمقصود وما المجال الواسع، وقد فهمت الجملة الأخيرة: وليس في كلام الله... الخ، أنها تتكلم عن الجملة 1، من خطاب مجمل يحال إلى خطاب آخر، وعندي أن القرآن يكثر من سؤاله أفلا تعقلون، ويحيل للسان العربي أنه تنزل به كلام الله، ويحيل إلى مبدأ تنزيهه عما يصفون، لبداهة استحالة لصوق مالايليق به تعالى، فعذرا لو لم أسألك توضيحا للعبارة وعذرا للخطأ لو كنت أخطأت فهمها.
    أصل المبتدعة وتعقيبي عليه.

    تسألني عن كلام الرازي (فلو كان الإله في العرش للزم الملائكة أن يكونوا حاملين لله تعالى وذلك محال، لأنه يقتضي احتياج الله إليهم، وأن يكونوا أعظم قدرة من الله تعالى وكل ذلك كفر صريح، فعلمنا أنه لا بد فيه من التأويل)، وقوله (لما دلت الدلائل على امتناع كونه في المكان والجهة ثبت أنه لا بد من التأويل)؟! وتقول: أليس هذا من القول بحتمية التأويل بناءً على أمورٍ ليست من الدين وإنما هي من الوهم؟! والجواب أن الرازي في هذا المقام عندما رأى أحدا يجعل الوهم من الدين فيقول أن تأويل النص ليس هكذا، فإنه في النهاية يقصد أنه لايفهم هكذا، وما التأويل سوى حسن الفهم، ولم يرتكب خطأ فيما أرى.
    الصفات والعرش:
    حديث سجود الشمس .. موافقة أم مفارقة!
    لم لم تقل حضرتك بظاهر النص حسب مفهوم الظاهر المتداول ؟؟ ولم لم تقل أن جسم الشمس المحسوس يذهب متحركا منتقلا قاطعا المسافات، صاعدا يعرج في الكون كي يسجد تحت سرير العرش المحسوس، تنتظر الإذن. (وتقول هو هكذا الأمر يجب أن يفهم)، بل قلتم : بدوام الخضوع تحت العرش. فأولتم حركة منصوصا عليها ذهابا وإيابا بأنها تعبير عن شأن دائم من الطاعة، وأرى هذا اتفاقا معي قاطعا لاشك فيه.
    رأيك في مخالفتي لما سبق ووافقتك عليه:
    الجواب عليكم أنكم لم تلتزموا بإمرار النصوص كما جاءت بل قلتم أن الناس أحدثوا إنكارات فأحدثنا إثباتات الصفات، ولكن كما ترون فقد تبين أن في الإثباتات أخطاء، وأرى أن الوهم الذي يقوم في ذهن العوام إنما جاء من قبل تبسيط الأمر لهم، وكسل المدرسين وضعف تحصيلهم، وإيثارهم مع الناس تطمينهم على كسلهم تجاه القرآن وأنهم مع أنهم أغمار جديرون بفهم الأشياء العليا في القرآن كأسرار استواء الله على العرش، فهذا أدعى للراحة من مشقات الفهم، والمجاهدة في الله لنيل الهدى، ويتخرج الدعاة الآن بالجملة من طريقة خطأ في ترتيب تدريس نصوص تتعلق بالصفات، مع إضافة صفات للذات ليست صفات، ويزول الوهم بإعادة طرق التعليم، ومن واجب العالم أن يبين لهم لا أن يحرّف النصوص كما قلت، وأن يعلمهم التأويل الحق كما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لصحبه، وهو التفسير الصحيح نظرا لكل عوامله من تقوى وجمع للنصوص، وصحة استنباط موازين الفهم المحكمة، ولسان عربي له طبيعة بليغة، وكون محيط بنا أحال القرآن إليه لنعقل.

    إضافة لفظ الذات!
    يجب تنزيه الذات عما لايليق، وتضاف كلمة الذات لما يليق بالذات، فحرفا( أل) في الحمد لله تبين الشمول والسمو والكمال، كما أن أل في قوله تعالى : ذلك الكتاب، تشير إلى كماله الجامع وعظمته الذاتية. والحمد لله بكل معاني أاـ يتنافى مع أقدام توضع على كرسي، كرسي هو جزء حدود في فضاء كوني شاسع يضمه العرش ، قدم توضع في نيران لتحد من شراهتها.
    وسؤال لحضرتك : لم لم تعلق عند تطبيقي للأصول على موضوع وضع القدم في جهنم، والنسب الحجمية التي سيعلق عليها أعداء الإسلام ويظهرون فيها للسذج من قومهم أننا مجسمة، ويرفض الكثير تفسير ابن الجوزي للنص أنهم مقدموا الكافرين، من أعاظم أهل النار الذين يتأخرون في دخول جهنم بعد إتمامهم الزج بأقوامهم في النار، وتتغيظ النار عليهم حتى يضعهم الله فيها فتكتفي، وهذا مثال من وجوب استعمال كلمات اللسان بضوابط، فلايقال يضع الله تعالى وتقدس قدم ذاته في النار فينزوي بعضها على بعض، لتنزه الذات عن الأقدام.
    هل كلمة الذات تضاف بلا ضابط؟؟ هل قال أحد من الصحابة أننا سننظر لذات الله تعالى؟؟؟ أليس في النصوص أن الله لو كشف الحجب لاحترق الوجود؟؟؟
    ومازلنا مع "مصطلح" الصفات:
    لاأنفي صفة ولكن لاأرى أبدا لذات الله أقداما وساقا وحقوا، وتساق النصوص وتترك هكذا للعامي والغمر دون تأويل ينزه الله، وأرى ياأخي العالم أن الله قريب من كل شيء خلقه تعالى بنفس الدرجة، فليس الله قريبا من السماء السابعة أكثر من قربه من الأرض، كيف؟؟ لاأدري، ولكن كل من وكل ما خلقه الله فهو على نفس درجة القرب منه القريب، ولاأقول هم على نفس المسافة، فلااعتبار لكلمة المسافة في مفهوم قرب الله من خلقه.
    كما أن الله في السماء، اللائقة به، لأن أل هنا = هي الأليق به، وبصرف النظر عن خلق السماء، وهو فوق خلقه حتى دون خلقهم.
    ولقد قال الله تعالى عن إدريس : ورفعناه مكانا عليا، ورغم ذلك اللفظ : (مكانا) يتفق الجميع أنه رفعه بروحه ودرجته. والله بلا شك يقصد: أنه (رفعه إليه) فلماذا عيسى عليه السلام ليس كذلك؟؟ .
    إذن فالنصوص تفهم برحابة أفق، ولانفي عندي للصفات فلنسترح من هذه التهمة للأبد، ولكننا نسعى لإصلاح الكلام في الصفات، وتعليم الناس أن الله لم يقصد أبدا بقوله: بل رفعه الله إليه أنه يشد جسد نبي بالجسم من الأرض ناحية فوق، حيث يشير الأصبع، ليكون حيا هناك وأقرب جسما إلى ذاته سبحانه فتقل المسافة بينه وبين الله.
    تحت عنوانكم : هذا .. ما اسمه؟!
    ردا هنا على: سؤال جوابه نعم أو لا : هل تقول إن القرآن الكريم نزل بألفاظٍ يتبادر إلى ذهن العربي عند سماعها معانٍ غير صحيحة؟!
    فأقول: لا.
    بل الــــ (عربي ) الحقيقي يتبادر لذهنه المعنى الصحيح.
    ثم استميحكم فرصة إيضاح أن العربي ليس هنا كلمة مبسطة، بل متسعة المعاني، فالعربي الصحيح يتبادر لذهنه عرش العزة فور سماعه سؤالا: من رب العرش العظيم؟؟؟
    ثم إن شيمة تحديد الطلب بنعم ولا ليست من شيم أريحية البحث، بل هي وسائل وكلاء النيابات الذين يبحثون في استجوابهم عن توريط وعن تهمة.
    تحت عنوان قولك : تعود إلى "معاني" العرش دون أن ترد على أسئلتي في الرد السابق: سألتم وأجيب:
    - آلعرش هو صفة التدبير أم صفة العزة أم مجموع الصفات أم هو أنواع أم هو توجه تجليات الله أم هو فيوضات الربوبية والرحمة والملك أم هو هو الله ذاته؟!
    الجواب، هناك عرش مخلوق هو انعكاس العرش الذي استوى الله عليه؟ والعرش الذي استوى الله عليه هو اسم لصفات الله التنزيهية التي ينفرد بها الله جل جلاله، وهي الواردة في سورة الإخلاص، وهو بلا شك عرش العز الأعز، وتنكشف هذه الصفات التنزيهية من خلال الصفات الأربع الواردة في سورة الفاتحة تتجلى على الخلق فيكون، وتقوم مقام القوائم للعرش الرباني، التي يحمل فيوضها الملائكة لمن دونهم، كحمل الناس للأمانة لاحمل سرير مادي، ونحن لاندرك عظمة الصفات الواردة في الإخلاص إلا بفضل الصفات المتجلية الواردة في الفاتحة حين نتأمل تفاصيل الخلق والرحمانيات المنبثة فيه وفي تاريخ الرسل والصالحين وسطوة المالكية .. وهم الآن أربعة رؤساء ملائكة، وينضم لهم أربعة آخرون لمزيد الفيض يوم القيامة. فيكون الحملة ثمانية.
    -سؤالكم : لم اضطررتَ نفسك إلى ذلك؟! وما يضرك إن أخذت اللفظ على ظاهره، فقلتَ إن العرش كما هو المعنى المتبادر للأذهان، وأن الله تعالى مستوٍ عليه، بائنٌ من خلقه، غنيٌّ عن العرش وحملته؟! ما يضرك وما يضرنا من هذه العقيدة الصافية التي لم ينقل خلافها عن الصحابة؟
    الجواب: قولك السابق صحيح ولم أنكره. غير أن المتبادر للأذهان يختلف، وذلك حسب فراغ الوعي لله، وصحة التركيز في فقه كلام معنون عنه أنه هو كلام الله، وصحة اللسان وصحة الفطرة وصحة العلاقة مع الله.

    -سؤالكم إنك تنطلق من هذا الذي ذكرتَه، فتنظر في قول مجاهد (استوى : علا على العرش.)، فتقول ( فالله علا على عرش العزة)، فهل كان مجاهد رحمه الله عيّ اللسان لا يستطيع الإبانة فيقول بمثل قولك "علا على عرش العزة"
    - ثم تنطلق منه كذلك، فتنظر في قول ابن مسعود رضي الله عنه (والله فوق العرش لا يخفى عليه شيء من أعمالكم) ، فتقول (فهو يقصد أنه على عرش العزة يحكم الخلق ويدبر الأمر)، فهل كان ابن مسعود رضي الله عنه عيّ اللسان لا يستطيع الإبانة فيقول بمثل قولك (والله فوق عرش العزة) والفرق بين قولكما كلمة "العزة"؟؟! فلمَ لم يذكرها ابن مسعود والحاجة داعيةً إليها؟؟! لم لَم يذكرها فإن ظاهر الكلام يجعلنا نقول بمعنى العرش المتبادر للأذهان؟؟!
    الجواب على النقطتين: الله فوق العرش المخلوق وعليه وفوق كل مخلوق لايخفى عليه عملنا، والله مستو على عرش العزلايخفى عليه شيء، وكلام ابن مسعود يؤول لكلامي، والألفاظ تتشابه، ولو كان ابن مسعود معنا الآن ورأى الحوار فسيقف بجانبي بشكل أكثر من وقوفه بجانبك. والله على ما أقول شهيد، وهو ربي يعرف سري وعلني وهو يفصل بين المختلفين يوم العرض.
    لقد قال الله تعالى وتقدس ماقال، ورغم ذلك يحدث الفهم الخطأ، والرسول صلى الله عليه وسلم قال ماقال ورغم ذلك أضيف لقوله أو فهم خطأ، وروي عنه الصحابة فروى الناس عنهم بالمعاني التي رويت بدورها بالمعاني. وليس ابن مسعود وغيره استثناء.

    -سؤالكم : هل هناك نصّ في الكتاب أو السنة أو أقوال الصحابة أو القرون الخيرية، هل هناك نصّ فيه صراحة أن العرش هو صفة التدبير أو العزة أو مجموع الصفات؟!
    الجواب : العرش بمعنى العز هو عرش يمكن الاستدلال بالفطرة على معناه، والسماع من الوحي يفصله.. والوحي بمعنى السرير يقتصر الإيمان به على السماع من الوحي. ولقد تحدث الله في القرآن عن عرش يمكن الاستدلال عليه، الصحابة جاءوا من الشعب العربي، والله قال لهم في سورة المؤمنون مستفهما عن فهمهم الفطري: قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم؟؟ سيقولون لله . فهل أجابو بسرعة عن عرش عرف من السماع؟؟
    الربوبية واضحة للمخلوق، ولكن رب العرش مشتركة المعنى، فلو كان المسئول عنه عرشا سماعيا (السرير) لما أمكنهم القطع بالإجابة، فثبت قطعا من الآية أن المقصود عرش هو صفة، الله ربها، وتليق بالله في الفطرة، ويجيب عنه البشر بسرعة: لله، مساوين له بربوبية الخلق.
    لايمكن للصحابة فهم العرش الذي تسجد تحته الشمس غير عرش عزته وسلطانه تعالى.
    ولايمكن للصحابة نسبة حقو للرحمان تعالى تتعلق به الرحم إلا أن يكون تعلقا بالرحمانية ، وحضرتك لم تبين لي فهمك لهذا النص، فهل تنسب للذات حقوا ؟؟؟ والحقو معقد الإزار.
    - سؤالكم: إنك تميّز بين نوعين من العرش، الأول (العرش الحق وهو صفات الله وتجلياتها على الخلق) والثاني هو (العرش الظلي، الذي تتجلى فيه رحمات الرحمان)، وهذا الثاني هو (عرش الله الجلالي الذي هو ظل للعرش الكريم من صفات الله)، فما دليل هذه القسمة؟! وما أصل هذا التفريق؟؟ ما الدليل من كتاب أو سنة أو لغة الذي استندت إليه في التفريق بين العرش المذكور في ساحة العرض والعرش في سائر النصوص، من كتابٍ أو سنةٍ أو إجماع وفقك الله؟!
    الجواب : ذكرت لكم استخدام ذو مع الصفة، وبينت أن الرواية الأليق بالكرسي هي العلم، ومن ثم تكون النسب المذكورة بين الكرسي والعرش نسبة تقرب عظمة صفات، وبينت من الكتاب أن( أل ) تضاف للشأن الأعلى، والأليق باستواء الذات هو العرش الأعلى وهو عرش العز. وتبقى لله ربوبية العز وربوبية العرش الذي هو سقف الجنة. الثابت وجوده من النصوص أيضا.

    سؤالكم - ماذا عن احتمال لسان العرب لهذه المعاني؟! ولا يكتفى هاهنا بنقل كلمتين من القاموس المحيط لتقوم بذلك حجة، بل الاحتجاج باللغة في مثل هذا الموضع له أصوله التي لا ينبغي أن تكون خافيةً على مثلك وفقك الله، فهل هناك في كلام العرب وجه لحمل معنى العرش على صفة التدبير وصفة العزة ومجموع الصفات بل على الذات الإلهية؟!
    الجواب : العرش السرير والعز، عندما تقترن الكلمة بالله يقضي لسان العرب أن العرش لابد وأنه عرش العز، ودليل ذلك أن الله عندما يسأل : قل من رب السموات السبع ورب العرش؟؟؟ يسأل من لاثروة له غير لسانه وعقله، فيجيب: لله . فإذا جاء السمع بعرش مخلوق صارت إليه العقيدة وخدمتها اللغة أن الله ربه. ورب العزة أيضا.

    وأضيف سؤالا : قولك (والفوقية ثابتة قبل أي عرش وبعده) هل هذا يشمل العرش الذي هو "مجموع صفات الكمال" عندك، أم أن هذه "لغة البشر للتفهم"؟!
    الجواب : الفوقية هنا هي فوقية الله على المخلوقات من عرش وغيره.
    ما زدتَه في "الاستدلال" على معنى العرش
    موضوع دلالة : ذو العرش !

    ترد علي أيها العالم بأن هذا الكلام قد يصح لو كان 1 ـ يستحيل في اللغة أن تضاف "ذو" إلى مخلوق، 2 ـ أو أن يكون العرش مخلوقًا، ولكنّ العكس هو الصحيح، وأنت نفسك تقول بـ "صحة احتمال وجود عرش مخلوق والله ربه".
    والجواب أن ذو تضاف لمخلوق عند الكلام عن المخلوق، وهي تضاف مرة لصفات المخلوق ذاته، ومرة لممتلكاته. فهي إضافة حتمية هنا للمخلوق، فكل ماعدا الله فهو مخلوق، وكل متعلقات المخلوق مخلوقة، فالمخلوق سيكون لامحالة ذا (مخلوق)، الرجل ذو مال وذو أنفة وذو فضل وذو مشاغل.. ولكن اطرد استعمال ذو في القرآن عن الله خاصة لصفاته، أو لممتلكاته من الكمالات، لالممتلكاته المخلوقة.

    والردعلى ماورد بنقطتك هنا ( ثانيا) : أن الله لما كان قد استوى على عرش العز والكمال، وكان له عرش خلقه وهو سقف للجنة وهو ربه، وهو فوق كل ماخلق سبحانه، بأعلى معاني الفوقية، وكان الله قد استعمل رب العرش للمخلوق وللصفة، فأراد برحمته فصل معنى العرش الصفة عن العرش المخلوق باستعمال لفظ : ذو..
    وقلت:
    ثالثًا: أنت أسأت فهم كلامي أو أسأت تطبيقه، فإن قولي في القسم الثاني من الألفاظ من حيث قبول التأويل من عدمه (ما هو ظاهرٌ في مراد المتكلم وإن احتمل أن يريد غيره، فهذا يُنظر في وروده، فإن اطرد استعماله على وجه استحال تأويله بما يخالف ظاهره، لأن التأويل إنما يكون لموضعٍ جاء خارجًا عن نظائره، فيؤول حتى يرد إلى نظائره، وهذا هو المعقول في الأذهان وفي الفطر وعند كافة العقلاء)، فالكلام هنا عن استعمال اللفظ، لا عمّا أضيف إليه اللفظ، وشتان بينهما عند العربيّ!
    والجواب
    أن معنى كلمة العرش كصفة تحددت من استعماله مع كلمة ذو. كلمة العرش لاتأتي في صحراء، بل في جمل.. فتبين لنا استعمالها على أنها صفة للرحمان، واطرد استعمال كلمة العرش مع ذو دائما كصفة فيصار إليه، والكلمات تتنزل في كلام الله أجزاء من جمل.. مقدمات السور بالحروف المقطعة لها وضع خاص، واطراد استعمال الألفاظ هو اطراد معانيها في علاقتها بما حولها من الكلمات.
    عنوانكم : قولك بعرش مخلوق !!
    تقول (صحة احتمال وجود عرش مخلوق والله ربه، فيكون الله رب العرش ذا الظل يوم القيامة .. هناك عروش منها عرش ذو ظل ، وهو ظل الجمال والكمال الإلهي أو انعكاس للعرش الرباني ومرآة لأنواره، وهو كما ذكرنا من المخلوقات، هو عرش سمي بالاسم تشريفا. وهو عرش اهتز لموت عبد صالح، ويحمله ملائكة ثمانية تذكرة بحملة فيوض الله للخلق، وتحف به ملائكة مؤمنة بالله مسبحة.)اهـ.
    فما يضرك أن تجعل هذا هو معنى العرش في سائر النصوص كما أفعل؟! وما يضرك أن تقول إن الله علا فوق عرشه كما تقول إنه سبحانه علا فوق سبع سماوات؟؟ وما يضرك أن تقول إن العرش فوق السماوات السبع؟!

    ثم ما دليلك على التفريق بين العرش تارة وتارة، فإن وجدته "يهتز" لموت عبدٍ صالح جعلته مخلوقًا، وإن وجدته "على الماء" جعلته صفةً!؟!
    الجواب السياق يوضح عن أي عرش يتحدث النص. كما يوضح السياق عن أي رحمة في الآية، أهي رحمة صفة الله، مثل ( وربك الغفور ذو الرحمة) أم رحمة مخلوقة.
    والله استوى على العرش اللائق بذاته، وهو عرش الصفات المذكورة في سورة قل هو الله أحد، وهو رب عرش العزة والتجليات، وهو كذلك رب كل المخلوقات ومنها نفس العرش الذي يظلل الجنة.. وكما أن الله على صراط مستقيم، والله هو الهادي للصراط المستقيم، وهو صفات الحق والفعل الجميل الصالح الطيب، ولكن هناك صراط ظلي يضرب بين ظهراني جهنم، والمرور عليه هو مرآة لصراط الناس السلوكي. وقد يكتب كاتب كتابا يسميه الصراط المستقيم. وكما هناك بيت معمور في السماء كذلك هناك بيت معمور ظلي وضع للناس ببكة، ليكون الناس حوله مقلدين للملائكة الطائفين بالبيت المعمور.
    والله فوق كل خلق من حيث المبدأ.

    اعتراضكم بعنوان : الكرسي وطلبكم أدلة!
    من الكتاب فقد سقت سياق آية الكرسي، واستشهدت من السنة وفهم الصحابيّ برواية كرسيه علمه ورواية أبي ذر، واستحالة صحة وجود قدمين لله، تساقان في إطار ساق وحقو وجارحة يد وقبضة وجارحة عين، وبينت لكم المحاذير وضرر الإسلام من هذه التصورات، ووفقت لك النصوص مع حديثه صلى الله عليه وسلم: (يا أبا ذر! ما السموات السبع مع الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة، وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على الحلقة!)، والسماوات السبع المخلوقة هما يراد منها علمها، وحذف المعلوم جائزكما لو قلت: زيد، بعد: من عندكما، والنسبة هي نسبة علمهما مع الكرسي الذي هو علم الله؟! والله واسع وتفهم السعة حسب السياق، فهو يسع كل شيء علما أو رحمة أو حكمة أو هو الواسع غنى.
    لو كان الكرسي جرما فلكيا لقال الله : وسع كرسيه السماوات والأرض ولايؤوده حفظهم، باعتبار الكرسي محتاجا للحفظ، إلا أن الله تعالى ذكرهما للحفظ، وهوان علم السماوات والأرض بالنسبة لعلم الرحمان هو سبب معقول ليسر حفظهما، فعسر السيطرة يأتي أولا من غياب المعلومات، وشرحكم البديل لآية الكرسي العظيمة شرح بالغ الضعف لايحيي نفسا.

    موضوع نجاة عيسى وموته العادي بعد ذلك
    قلنا في الأصل الثاني : أن القرآن مبين، والسنة كذلك، كلاهما يهدي للتي هي أقوم، ولذا فالواجب إجراء النصوص الواردة على ظاهرها، إذ جاءت بأوضح وأبلغ وأبين لفظ، وكمالُ علم المتكلم وفصاحته ونصحه يمنع أن يريدَ بكلامه خلافَ حقيقته، وتيسير القرآن للذكر ينافي حمله على غير ظاهره، وظاهر الكلام هو ما يسبق إلى العقل السليم منه لمن يفهم بتلك اللغة، ثم قد يكون ظهوره بمجرد الوضع، وقد يكون بسياق الكلام.
    فلنطبق هذا الكلام على سورتين هما: الأنبياء والمؤمنون. لعلنا نفهم منهما مصير عيسى عليه السلام مرتبطا مع مصير أمه عليها السلام، من واقع ظاهر الكلام الحقيقي الذي يسبق منه أويتبادر إلى العقل السليم السليم، بالوضع أو بالسياق.
    المؤمنون:
    نوح عليه السلام دعا إلى الله وكذبوه وهددوه وأنجاه الله وهلك الكافرون، ولم ينجه الله بحركة فرار، بل مكنه الله في الأرض ليعبد الله. فالله أنزل السورة ليقول للمؤمنين أن لكم النصر والعز، ومن بعده الرسل تترى على نفس المنوال، ثم قص الله قصة موسى وهارون على نفس النسق، فكذبوهما فكانوا من المهلكين، وبعدها آتى الله موسى الكتاب لعلهم يهتدون، حينئذ يكون السياق الرائع والدور نفسه قد جاء إلى عيسى عليه السلام وأمه. لماذا وأمه؟؟ لأنها شريكة في القضية منغمسة في تفاصيلها وقد عانت كل محنها، ولايناسب روعة السياق أن يترك بيان مآل أمرها، فامرأة مثل هذه في دعوة كهذه لابد من التركيز وتوضيح مصيرها بكل عز وقوة، والمحذوف البليغ هو: ودعا عيسى إلى الله وكذبوه واتهموا أمه، ثم بدأ المكر كما حدث مع موسى، وبالعقل السليم: فمن يبدأ المكر بعيسى فسوف يثني بمريم، إذن لابد لهما من مصير متحد للنجاة وأن يمكر الله لهما معا، ونجى الله الاثنين، حسب السياق المحتوم للسورة، وأما من أرادوا بهما شرا فلاشك أنهم كانوا من المهلكين بنوع من أشد ألوان الهلاك. وفي هذا السياق فلا معنى لقوله تعالى : وجعلنا ابن مريم وأمه آية وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين، يرجح معنى أن الله تعالى قد صنع معهما أعجوبة ونجى رسوله وأمه معا بطريقته العجيبة، وذهبا يعبدان الله ويدعوان إلى الله، تحت ظل قول الله : يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا.. فقوله: إلى ربوة ذات قرار ومعين، ولاإيواء في لغة القرآن إلا بعد شدة وبلاء، يؤكد أن كشمير كانت إذن فعلا مهجره، كما هو دأب السياق في السورة. والمكان لابد أن يكون أرضا لبني إسرائيل أيضا، لأنه رسولهم جميعا ولافكاك له من دعوتهم.
    وفي هذه السورة بدأ الله بذكر عيسى عليه السلام ( وجعلنا ابن مريم وأمه آية) ونلاحظ الجمال في النهاية بعد قول الله : يأيها الرسل كلوا .. أنه قال : وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون، فتقطعوا أمرهم بينهم.
    نفس السياق في الأنبياء.
    الأنبياء
    ما أجمل كلام الله وهو يتقدم من توكيد بشرى العز والنصر لرسوله صلى الله عليه وسلم، ويشفع بيان الأمر بالتقدم رويدا من أول قصة إبراهيم، حيث يوضح الله تعالى أنه رب مواجهة ويعرف كيف يسل حبيبه من يد العدو سل الشعرة من العجين، ويدعهم محسورين خاسرين، حيث نجا (من النار) بعد القبض عليه، صلى الله عليه وسلم ثم هاجر وبورك له ودعا؟ ولوط عليه السلام أيضا كان له النجاة والهجرة ليذهب ليعبد في أرض الله، ونوح
    صلى الله عليه وسلم كذلك دعا الله ونجاه ونصره (من القوم) وكانوا في سنة الإنقاذ من المحنة أمة واحدة . وفي محنة الحكم وتمرد الناس وصعوبة السيطرة أنقذ الله داود وسليمان عليهما السلام بالعلم والحكمة والفهم الخاص، وفي محنة المرض نجا أيوب بالدعاء، ووهبه الله نعمة يستأنف فيها الحياة والدعوة، ثم كان الله مع إسماعيل واليسع وذىالكفل. وفي محنة السقوط في فك الحوت نجى الله يونس لما سبح التهليل ودعا، ونجا (من الغم) إلى حيث يدعو ويعبد الله، وزكريا في محنة العقم وانقطاع الوارث لعلمه، ووهبه الله نجاة من المحنة، على الجميع السلام، وهنا جاء الدور على مريم وعيسى عليه السلام، فهل الظاهر والسياق سوى أنهما وقعا في المحنة، واستغرقا في الدعاء رغبا ورهبا، هو وأمه معه، وبدأ الله تعالى هنا بذكرها أولا ( والتي أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا وجعلناها وابنها آية للعالمين) ففيم كانت الآية في هذا السياق غير النجاة من محنة التآمر ونيات القتل المبيتة لهما الواحد بعد الآخر، والنجاة كانت إلى حيث السعة والعبادة . وانظر كيف ختم الله القصتين بنفس التاج الرائع : ففي الأنبياء بعد ذلك قال الله الجميل الكامل: إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون، وتقطعوا أمرهم بينهم. رنين تتجاوب به السورتان لتبينا أنهما يتحدثان عن آية نجاة مريم وابنها معا إلى حيث يعبدان، وتلاحظ أن كثيرا علماء المسلمين لايكاد يعنيهم مصير مريم في شيء، ولايتتبعون مصيرها، مع أن كل تدبر سيستبعد أن يتركها اليهود آمنة، فلم لم يبحثوا الأمر وكيف نجت؟؟؟ ولوحتى في نطاق تصورهم بعد صعود ابنها في هدوء، ولابد لها من قصة كبيرة، والقرآن في السورتين بحمد الله يغطي هذه الفجوة التاريخية.
    إن من الصعب على العقل المسلم الآن أن يتجاهل سورة الإسراء وسبي بني إسرائيل بأسباطهم الاثني عشر، وتقطيعهم أمما، أو أن يتجاهل الكرة لما عادوا قبيلتين فقط، وفيهما بعث المسيح أولا عليه السلام، أو أن يتجاهل أن عشر قبائل ظلت تعيش بعيدا ولها حق قرآني في أن عيسى كان رسولا إلى بني إسرائيل، أي جميعا، ترجيحا لمبدأ جدية التعبير القرآني. فكيف نغض الطرف عن كل هذا ولانربطه بسورتي المؤمنون والأنبياء، ونسخر ممن يذكرنا الله والتاريخ ونلوح له بالاستتابة؟؟؟!!! أستغفر الله وأتوب إليه.







    وهكذا نحسم مسألة نفي رفع جسد المسيح عيسى عليه السلام بردي على ما ذكرتَه مقابل ما ذكرته لك عن رفع المسيح عليه السلام:

    تحت عنوانكم : فأقول كما قال العبد الصالح

    سألت عدة أسئلة ممهدا : حين استدللتَ بحديث البخاري "فأقول كما قال العبد الصالح" على تماثل الوفاتين، ذكرتُ أنّ "كما" لا تدل على التماثل من كل وجه، وإنما يكون التشابه في بعض المعاني لا في كل المعاني، وأوردت عليك بعض الإلزامات، فلم ترد عليّ شيئًا من تلك الإلزامات، وقلتَ ( وترى أن التشابه يكون في شيء دون شيء، وفتحت بابا لمناد يقول: يوجد شبه ولكن من يحدد وجه الشبه بالملليمتر والميكرومتر؟؟؟)
    فقلت َ أولا: أريد منك سلفًا من أهل العلم يقول إنّ التشبيه في كل المعاني لا في بعض المعاني.
    والجواب : التشبيه يكون في بعض ملامح الحالتين فعلا، وإلا لما عقدت المشابهة، وإدراك وجه الشبه من الهدايات الربانية، هداك الله وهداني لوجه الشبه، ولكن اعذرني فقد تبادر إلى ذهني أيضا تشابه الوفاتين من تشابه الموقفين، ومن حرصي على التوحيد وتصوري أن الله لابد أن يعطي المسلمين برهانا مساعدا على موت سيدنا عيسى، وأؤكد، موت سيدناعيسى عليه السلام بالذات، حماية لهم من عقابيل موجات التنصير.
    س ثانيًا: أنت نفسك ترى أن التشابه لا يكون في كل وجه، فأنت تقول بتشابه ولادة عيسى ويحيى عليهما السلام، وتقول (كما ولدا ولادة إعجازية، والفرق بين وجود الوالد وعدمه لا ينفي تشابه الولادة) ، فإن كان وجود الفرق بين وجود الوالد من عدمه لا ينفي وجود التشابه، فلماذا ترفض أن عدم تشابه الوفاتين لا ينفي وجود تشابه حال النبي صلى الله عليه وسلم والمسيح عليهما السلام مع من ارتد من قومهما بعد أن غابا عنهما؟؟
    الجواب هل تتصورني أبحث عن أي تشابه غير مافي الآية؟؟ الموقفان هما: كنت شهيدا على الناس مادمت فيهم، ثم حدثت وفاتي، ثم انحرفوا، ثم كنت أنت الشهيد عليهم وعلى كل شيء. وأنت تريد أن تفسر الوفاة في الآية والحديث بمعنى الغياب المشترك، وتجعل الآية : لما غبت، والحديث: لما توفيت.. ودون ذلك مفاوز تنقطع فيها أعناق الإبل، إن القول بتشابه الوفاتين هنا هو أقوى أوجه الشبه، لأن جواب الرسولين الكريمين وضح بجلاء ساطع أن الانحراف حدث ولم يكونا أحياء، فالغياب كان في الآية والحديث بالوفاة، والوفاة هي قبض الروح أو الموت، ولاأخفي تألمي من تبعات القول بحياة عيسى عليه السلام، ونزوله التابع لهذا، يذبح الناس ولايقبل الجزية، واقتناعي بما سيجره ذلك على الإسلام من كوارث مستقبلية، فتصورت أن التشابه موجود بين عموم موت يحيى وعموم موت عيسى خاصة حين عرفت أنهما معا في السماء لهما نفس الحياة.
    س ثالثًا: تقول (الله يجمع كل الرسل ولم يستثن، ويسألهم ولم يستثن، والإجابة واحدة : لاعلم لنا ..) فهل تقول بتماثل الوفاة بين جميع الرسل!
    الجواب لم أطرق الآية من باب تماثل الوفاة بل من جهة اتفاقهم على: لاعلم لنا.. وأرى أن الله يسألهم عن ماتم بشأن دعوتهم بعدهم، (ماذا أجبتم) وأقول بتماثل جوابهم عن علمهم بجواب قومهم بعدهم، وأنهم كصادقين يوم ينفع الصادقين صدقهم، لامذهولين ولايحزنهم الفزع الأكبر، قالوا أنهم لم يعلموا ماذا كان سير الأمور بالنسبة لدعوتهم.
    س رابعًا: أنني لم أفتح الباب لمنادٍ، لأنني أرى أن النصوص تبين بعضها، وأنه ليس ثم خطاب مجمل إلا وهناك خطاب آخر يبينه، بينما:
    خامسًا: أنت الذي فتحت الأبواب للمنادين يا سيدي، فأنت تقول أن القرآن والسنة مليئان بخطابات مجملة لم يأتِ ما يبينها، وانظر تعليقك على الأصل الرابع في بداية ردّي هذا!
    الجواب سبق ياسيدي بيان ماقلت وبينته في مظنته هناك فارجع إليه تجده.
    سادسًا: قالت عائشة رضي الله عنها (والله! ما أجد لي ولكم مثلا إلا كما قال أبو يوسف "فصبرٌ جميل والله المستعان على ما تصفون")، أفتقول على وزان قولك عن "كما" في حديث الرسول، فتجعل ابتلاء عائشة رضي الله عنها بفقد الولد، أو ابتلاء يعقوب عليه السلام كابتلاء الصِّديقة، أيقول بهذا عربي؟!
    الجواب لو صنعنا جدولا لكل حالتي تشابه لنرى وجه الشبه لوجدنا التشابه بين بلاءين كانا لعائشة رضي الله عنها ويعقوب عليه السلام: الخبر فظيع، ويخص شيئا خاصا وحاسما، وناقل الخبر منا، والقيام بالتحقيق والتحقق عسير، ولاحل إلا اللجوء إلى الله للتصرف في الموقف، وإلى هنا فأرجو أن أستبقي هويتي العربية.
    سابعًا: قال الله تعالى (إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوحٍ والنبيين من بعده)، أفتقول على نسق ما ذكرت عن "كما" في حديث الرسول، فتجعل نوحًا عليه السلام قد أوحي إليه بالقرآن!؟ أيقول بهذا عالم؟!
    الجواب لكن بعض العلماء ياسيدي قد يقول وله دليله إن وحيك ووحي نوح متشابهان في أنهما من الله ويحملان وصية الله بالخير والتوحيد وعناصر الإيمان، وفيهما أن أقيموا الدين ولاتتفرقوا فيه، ورحمة للناس وصادقان ومقدسان ونوران ودليلان على اجتبائكما ومن أطاعهما دخل الجنة.
    ثامنًا: كيف ترى قول نوحٍ عليه السلام فيما جاء في القرآن (قال إن تسخروا منّا فإنا نسخر منكم كما تسخرون)، فهل سخرية نوحٍ عليه السلام من الكافرين كسخرية الكافرين منه تمامًا بتمام؟!! أيقول بهذا مؤمن؟!
    متشابهان تماما فقط في الثقة التي تعم كلا منهما بموقفه، مع اختلاف سبب الثقة.


    قالوا لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب


    قولكم:
    تقول (يعني أنك ترى أن عيسى عليه السلام هو الوحيد يوم يجمع الله الرسل ويسأله الله ماذا أجبت؟ فسيجيب خلاف الرسل جميعا قائلا: أعلم ما حدث فقد كذبوني ثم كفروا بي وقالوا أني دعوت لعبادتي وأمي، ولقد نزلت لهم بعد أن فاض الكيل، وفعلت معهم وفعلت وأبطلت هذه العبادة. فهل ترى ذلك؟؟؟ !!!)اهـ.

    أولًا: كان عليك أن تبين كيف تفهم قوله تعالى (يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أُجبتم، قالوا لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب)، فهل تقول إن المعنى أن الرسل يقولون ذلك من هول الموقف كما قال بعض أهل العلم؟ أم تقول إنهم يقولون "لا علم لنا إلا ما علمتنا"؟ أم تقول إنهم يقولون "لا علم لنا إلا علم أنت أعلم به منا"؟ أم تقول إنه يقولون "لا علم لنا بما أحدثوا من بعدنا"؟ أم تقول إنهم يقولون "لا علم لنا بم أُجبنا مطلقًا"؟؟ فذكرك فهمك للآيات أمر ضروري قبل أن تطالب محاورك بالرد!

    ثانيًا: إن النبي صلى الله عليه وسلم علم أن هناك من سيحدث بعده، فقال صلى الله عليه وسلم (سيجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول: يا رب أصحابي!، فيقول: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك)، وقال (لا تقوم الساعة حتى يبعث دجالون كذابون قريبًا من ثلاثين كلهم يزعم أنه رسول الله)، فالنبي صلى الله عليه وسلم قد علم في الدنيا أنّ هناك من سيحدث بعده، ولكنه لا يعلم تحديدًا من أحدثوا، فإن لم تستشكل ذلك، فلا إشكال أن يعلم عيسى عليه السلام بأنّ هناك من أحدث بعده في الدنيا، لكنه لا يعلم تحديدًا من أحدثوا!

    ثالثًا: إن النبي صلى الله عليه وسلم علم ببعض ما سيحدث من بعده، فقال صلى الله عليه وسلم (لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء دوس على ذي الخلصة)، فإن لم تستشكل ذلك، فكذلك لا إشكال أن يعلم عيسى عليه السلام ببعض ما أحدث بعده!

    وهناك أوجه أخرى للبيان تأتي بعد أن تبين فهمك للآية الكريمة.
    الجواب فهمي للآية الكريمة أن لكل نبي دعوة لها من بعده استمرارية، وأن الله لايسألهم عن صدقه في النبوءات في وحيهم، بل يسألهم عن معلوماتهم عن ماتم في الأرض بشأن دعوتهم بعدهم، أي إيمان وكفر ومذاهب أقوامهم (ماذا أجبتم) وأقول بتماثل جوابهم عن علمهم بأخار جواب قومهم بعدهم، وأنهم كصادقين يوم ينفع الصادقين صدقهم، لامذهولين ولايحزنهم الفزع الأكبر، قالوا أنهم لم يعلموا ماذا كان سير الأمور بالنسبة لدعوتهم، وعيسى منهم.

    إلزام بما لا يلزم!

    تحتج على قولي : ( نحن في أمر عيسى عليه السلام محاصرون بآيات : منها خلقناكم وفيها نعيدكم، وقوله سبحانه: وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد، وآية الكفات في المرسلات)اهـ.

    قائلا : ونحن لا ندعي أن عيسى عليه السلام سيخلد ولن يموت، بل ينزل آخر الزمان، ويموت، ويدفن في الأرض، وتكون الأرض له كفاتًا، فما علاقة ذلك بما نقول من رفع عيسى عليه السلام إلى السماء ونزوله آخر الزمان!؟
    الجواب أنك جعلت الأرض كفاتا لعيسى ميتا فقط وليست كفاتا له حيا هو بالذات ، وجعلت أرض الله ضيقة عليه هو بالذات ليعبد الله.


    تقول (الله شبهه بمثل آدم في الخلق من تراب وهو بيان لأن مصيره يكون كآدم إلى تراب بعد بلوغ السن وحلول الموت)اهـ.

    أما أنّ الله شبهه بآدم في الخلق فلا نزاع، وأما أن مصيره كمصير آدم يكون إلى تراب فلا نزاع، وأما أنه يموت بعد أجله فلا نزاع، وأنت الذي تنازع في رفعه عليه السلام ونزوله آخر الزمان، فما علاقة جملتك السابقة بحوارنا؟!
    الجواب:
    العلاقة هي تصوري أن آدم كانت الأرض كفاتا له حيا وميتا، وقد خلا بعد أن أدى مهمته، والمفترض في من هو مثله كمثل آدم نفس الشيء عموما في أن يكون قد خلا.



    تقول: ولقيهما رسول الله صلى الله عليه وسلم معا في نفس السماء ليلة المعراج، ولا يعقل أنه صلى الله عليه وسلم كان يرى روح يحيى بالروح ثم يلتفت لعيسى بالجسد.

    لماذا لا يُعقل؟! أهو لا يُعقل عند من يقول إن الله بعث أجساد الأنبياء يومها تشريفًا لنبيه وما ذاك على الله بعسير، وهو قول بعض أهل العلم ولهم دليلهم؟! أم هو لا يُعقل عند من يقول إنّ عيسى حضر روحًا وجسدًا ويحيى روحًا ولهم دليلهم؟! أم هو لا يعقل لمجرد أنه لا يناسب قول من يقول إن عيسى ويحيى حضرا روحًا وليس لهم دليلهم!؟
    الجواب بل الصواب الوحيد هو ماقلت أنه ليس له دليل في نظرك، الجسد لايرى الروح ونحن لانرى الروح وهي تغادر الجسد، ولكن بالكشف الروحي نرى ذلك، إلا إذا تماديت في سرد الاستثناءات لعيسى عليه السلام بناء على استثناء الولادة، وهي استثناءات لو أحصيت لتبين من كثرتها وعدم ضرورتها: بطلانها جميعا. ويلزمك لو كان عيسى حيا هناك بالجسد 1 ـ أن يحضر لرسول الله
    صلى الله عليه وسلم محمد، وأن ينصره طبقا للميثاق الذي أخذه الله عليه لو جاءه مصدق لمامعه وهو حي أن يؤمن به وينصره.. فلا تستثنه، وأيضا 2 ـ أن ينطبق عليه قول الله تعالى بسورة مريم: وأوصاني بالصلاة والزكاة مادمت حيا. فلابد مادام حيا حتما أن يزكي، ولابد للزكاة من مصرف محتاج، وعليه فلابد أن يخلق الله له الفقراء هناك ليتصدق عليهم وهو محال فما أدى للمحال فمحال وهو حياته هناك.

    تقول ( رسول قد خلت من قبله الرسل) في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني ماتت، وقبضت ولقيت الله اهـ.

    وهذه مقابلة لنصوص مخصوصة في عيسى عليه السلام بنص عام، فنحن نقول بتخصيص عيسى عليه السلام من ذلك الحكم وذلك جمعًا بين الأدلة، كما نقول إن قوله تعالى (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى) لا يمنع أن يكون عيسى عليه السلام وُلد من أنثى دون ذكر جمعًا بين الأدلة وإعمالا لها كلها، وهذا ديدن أهل العلم ولا إشكال فيه.
    الجواب أولا ليس معنى الآية أن الله خلقكم أيها الناس واحدا واحدا من ذكر وأنثى، بل المعنى أنكم جميعا لآدم وزوجه. فولادة عيسى إذن لاتخرجه استثناء من الآية. فالله يخاطب الجميع من حيث الأصل العام وعيسى منهم.
    ثانيا : وبعد البيان السابق لايبقى لك شيء تجمعه، فليس بين عيسى ورسول الله صلى الله عليه وسلم رسول، وأول من ينطبق عليه الموت الماضي المنقضي من الرسل من قبله صلى الله عليه وسلم هو عيسى عليه السلام . أتريد أن تبطل تطبيق الآية عند أول حركة منها لتنطبق؟

    تقول : ثم إن التوفي في القرآن بفعل توفى، ومتوفيك، منسوبا للإنسان، والفاعل هو الله، هو قبض الروح بلا مـحال، والجسد يكون على الفراش أو في الأرض بأرضها ومائها أو في أجوائها، ولاجدا ل.

    وهذه الدعوى التي جعلتها أصلا لا جدال فيها ولا محال هي محل نزاع أصلا، فهل تريد فرضها علي بقوة الصراخ أم ماذا؟! لقد أتيتك بالدليل على ما أقول به من معنى أصلي للتوفي، فما دليلك على ما تقول؟!
    ـ من الناحية اللغوية : إن التوفي اللغوي الذي زعمته لعيسى عليه السلام هو خطأ ياسيدي حين احتججت بأنه مستمد من قوله سبحانه : فوفاه حسابه، وقوله تعالى : يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب، وأن منها فعل توفاه. تصورا أن التوفي والاستيفاء بمعنى واحد. فاعلم أن التوفي أو فعل توفي إما من مصدر توفى توفية مثل تولى تولية (من التفعيل) وهو الذي بمعنى الاستيفاء، وإما من توفى توفــّــيا مثل تولى توليا ( من التفعل)، وهو الإماتة .. فيختلف معناه حسب مصدره، فلهذا الفعل إذن شكلان متجانسان لهما مصدران بمعنيين مختلفين، مثل تولى وله معنى تولى تولية أي صار واليا حاكما ومعنى تولى توليا أي هرب وأعرض. فأولهما توفى توفية على وزن تولى تولية وهو المعنى الذي اخترته أنت، ولكن فعلنا في القرآن هو توفى توفيا مثل تولى توليا. وفعل توفى توفيا بمعنى الموت هو الذي جاء في القرآن عن وفاة البشر، ويستحيل وجود سياق واحد يقول أن الله توفى أحدا توفيا من البشر في القرآن ولم يكن قد قبض روحه.
    2 ـ نحن بصدد الاستخدام القرآني لفعل محدد وهو توفي الله للبشر وبالاستقراء وجدنا كل المواضع في القرآن الكريم تنص على قبض الروح والجسد في الأرض.



    تقول الله صنع مقارنة رائعة بين يحيى وعيسى عليه السلام في الولادة الإعجازية والموت، وهم ذرية بعضها من بعض، فكل منهما قد نص الله عليه بالسلام ( يوم الولادة ويوم الموت ويوم يبعث حيا) فتحتم التشابه وتأكد أن عيسى لقي الله عند أجله كما لقي يحيى الله عند أجله، كما ولدا ولادة إعجازية، والفرق بين وجود الوالد وعدمه لا ينفي تشابه الولادة)اهـ.

    أولا: إنك تقول إن الله تعالى ذكر مقارنة بين يحيى وعيسى، ثم تستنتج منها "حتمية التشابه" بين الوفاتين والولادتين، فأي استنتاج هذا وما مقدماته؟!!
    الجواب مقدماته أن آية السلام على كل منهما واحدة، وأن أن لو كان عيسى نبي بني إسرائيل قد رفع وسينزل بجسمه شخصيا لصنع هذا فرقا في آية السلام الخاصة بكل منهما، ولقال الله تعالى عن أحوال بدن عيسى عليه السلام المتوالية: والسلام علي يوم ولدت ويوم أرفع ويوم أنزل ويوم أموت ويوم أبعث حيا، لأن حادثة الرفع الجسدي والنزول الجسدي خطيرة كل الخطورة تساوي كل حدث مما يسلم الله عليه من أجله. ولاختلفت أيام السلام بين يحيى وعيسى عليهما السلام. ويؤكد هذا أن السماء التي هما فيها هي نفس السماء. مما يشير للتساوي بينهما عند الله.
    ثانيًا: مَن من أهل العلم والتفسير سبقك ورأى أنّ هناك مقارنة بين يحيى وعيسى عليه السلام في الولادة والوفاة، ومن ثمّ قال بحتمية التشابه؟!
    الجواب : أصلا هناك من قال أن عيسى قد مات، وأنت لاتعبأ بقوله، وبموت عيسى فقد اقتربت المسافات، وزادت أوجه الشبه بين الحالتين مما لايحوجنا لعالم سبق في المقارنة، وأحس أنه لايفيدني سبق أحد من أهل العلم لي بشيء من التفاسير معك، فأنت تنهال عليهم بالتقريع فورا وتأخذ فتحقق معهم وتتندر عليهم، لذلك فلن أذكر أحدا الآن.
    ثالثًا: هل تقيس على قولك وتقول بتماثل خاتمتي السوء بين امرأة لوط وامرأة نوح رغم أن إحداهما ماتت خسفًا والأخرى بالطوفان؟!
    الجواب تنهال بالأسئلة كأنه عقاب، رغم أننا انتهينا من موضوع وجه الشبه، فهل تحاول بكل هذه الأمثلة أن تجعلني أعتبر التدبر ذنبا، وأحرم أتتبع وجه شبه في القرآن حتى أموت؟؟
    رابعًا: إن كنت ترى أن الولادتين متشابهتان رغم الفرق بين وجود الوالد وعدمه وهو فرق كبير، فكذلك لا بأس عليّ إن قلتُ إن الوفاتين متشابهتان رغم الفرق الزمني بينهما، هذا إن سلمت لك باستنتاجك الذي لا مقدمات له؟!
    الجواب: حسنا، إذا كنت لاتسلم باستنتاجي ( وقد ذكرت من مقدماته مايجب أن يغير موقفكم الآن ) وترى إذن أن الولادتين ليستا متشابهتين جدا، وترى الوفاتين إذن لن تتشابها، ويبقى التشابه فقط في البعث حيا فأنت تنزع القدرة على الدلالة من تقابل النصين: أن السلام عليهما في أيام معينة. وتبقى الآيات مفرغة من المضامين العظمى.
    خامسًا: المشهور بين أهل العلم وفي التاريخ أن يحيى عليه السلام مات مقتولا، والمجمع عليه بينهم أن عيسى عليه السلام لم يمت مقتولا فكيف تصح الدعوى بتماثل الوفاتين؟
    الجواب: أن الله لحكمة عميقة تتجاوز طريقة الموت قد عمم لفظ الموت بينهما عندما سوى بين ألفاظ السلام عليهما، فسوى بين الوفاتين بلفظ الموت، وجعل عقم زوج زكريا مقدمة للولادة المعجزة؛ ليدل بذلك على تقابل الحالتين، فلماذا نتجه نحن لتحطيم هذا التقابل؟؟؟ هل من أجل القول باستثناءات لافائدة منها للإسلام غير أنها تشدد عزم المنصرين، ليثبثوا حقهم في إطراء ابن مريم عليه السلام؟؟ وفضله على نبينا، وتمسكا بحياة نبي أقسم بالله العظيم أنه لقي الله وقبضت روحه؟؟؟
    معنى بل رفعه الله إليه

    لاتمسك لي بلفظ السخرية اليهودية بل ركز على الجوهر وهو ليس السخرية ولا ضلال اليهود في الزعم، ولا الاستهزاء ولا التهوين من شأنهم.

    قولك : وهاك ما لم ترد عليه من استدلالي أعيده عليك مختصرًا:
    أولًا: تعقيب قوله تعالى ﴿وَما قتلوه وما صلبوه﴾ بقوله ﴿بل رفعه الله إليه﴾ لا معنى فيه يليق بالبلاغة القرآنية المعجزة في القول إنهم ما قتلوه بل رفع الله روحه إليه.
    الجواب : الموضوع موضوع نص: أن المعلق ملعون، عند اليهود، و: ملعون من علق على خشبة، عند النصارى، وكلاهما يقر بميتة معينة، لها هيئة صلدة لا تنازل عنها، وهي الموت على الخشبة، أي القتل صلبا، وكل يبتغي غرضا مختلفا، ليتحقق لليهود أن يصنعوا دعاية ضده، أنه حاز صفة اللعنة النافية للرسالة؟ ويتحقق للنصارى سند لنظرية الفداء حيث صلب وحمل اللعنة ونزل الجحيم لأجل خطاياهم. فالله ينفي حدوث اللعنة بتعبيرين: أنه لم يتم قتله على الخشبة فلم يصلب إذ لم يسل منه صديد الموتى، والثاني يثبت أنه قربه في الصالحين، فينفي أي لعنة حملها، فينفي عقيدة الفداء، ويثير الحسرة في قلب المتكلمين على مريم وولدها.

    ثانيًا: هل رفعة المكانة ضد القتل؟!! وهل عيسى عليه السلام لم يكن رفيع المكانة قبل إرادتهم قتله؟! وهل القتل في سبيل الله ليس من رفعة المكانة؟!
    الجواب قل رفعة المكانة أمام الناس، أو رفعة الذكر، وقل القتل على هيئة الصلب، أقل لك نعم، رفعة المكانة تشريفا في عيون الخلق ضد السماح بقتله بهيئة معينة مشروطة تظهره في صورة الملعون بمبرر من العهد القديم.. وهو عليه السلام كان رفيع المكانة ولكن الله أراده وجيها في الدنيا قبل الآخرة، حين يعرف حواريوه أنه نجا، وبعد فترة يقولون للناس ماحدث، وهم الذين كانوا تابعين حقيقييين للسيد المسيح. والقتل في سبيل الله من رفعة المكانة، لكن في حق نبي يريد الله له وجاهة وذكرا يسمحان بيسر الدعوة لدينه، فإن صورة معينة للقتل تضرع سيدنا عيسى ألا تحدث له وألا يتشفى فيه عدوه، وطمأنه الله.

    وأضيف ثالثًا: ماذا لو لم يقل الله تعالى "بل رفعه الله إليه"، ألم تكن ستفهم أنهم ما قتلوه، وتفهم ما قلتَه أنت قبل ذلك، فمقتضى البلاغة أن تكون زيادة "بل رفعه الله إليه" تحمل مزيد معنى، وهو المعنى الذي أقول به ولا يتحقق إلا بقوله تعالى "بل رفعه الله إليه" أما المعنى الذي تقول به أنت، فيكفي فهمه بدون ذلك؟!
    الجواب : بل رفعه الله إليه هي التي نبهتنا لعمق البحث عن كنه سر العملية كلها، وحلت لغز كلمة قتلوه وصلبوه وماوراءهما من عقائد عميقة الغور، ولو لم يقل الله : بل رفعه الله إليه لما عرفنا كيف نحاج أهل الكتاب. ولو اقتصر الله ولم يقل: بل رفعه، لعلمنا مجرد معلومة مبتورة : أنه لم يقتل، ولكن سيستغلق علينا نحن المسلمين فهم سر الفرق بين قتل وقتل، وسر الإصرار على هيئة الصلب، واللعنة المتفق عليها بين الدينين مع اختلاف تسخيرها للغرض.

    تشركني الفعل وتفردني بالعجب!
    تكلمتَ عن معنى "إلى" في قوله تعالى (بل رفعه الله إليه)، فذكرت لك أنّ هذا لا ينفعك شيئًا، لأنّك لو قلتَ بأن الرفع رفع روح أو رفع مكانة فهنا تكون استعملت إلى بمعنى انتقال الروح أو المكانة، بينما حين أقول إن الرفع رفع جسد فأستعمل إلى بمعنى الانتقال ولكنه انتقال جسد، فاستعمالنا لإلى هنا واحد وليس هو محل التفرقة أصلًا! ويبقى ما أوردته عليك حين تقول برفع المكانة في قوله تعالى "وما قتلوه يقينًا * بل رفعه الله إليه".
    الجواب إن جذور المشكلة كلها تكمن في حسن فهم إلى، وأن إلى، منقطعة الصلة بقطع المسافة، وبالتالي منقطعة الصلة برفع الجسم، نحو الله، نحو الذات، نحو العرش، فلو صححنا مفهوم العرش والفوقية والقرب من الله وأن الرسل يرفعهم الله للسماء البرزخية مقربين منه، ويتم ذلك فور الموت دون قطع أدنى مسافة، لأنه عالم غيبي، وقربهم ورفعتهم أي حائزي درجات رضوان عليا، لا أن المسافة بينهم وبين الله قد قصرت، لتم تفسير الرفع إليه بمعنى : جاعلك وجيها رغم أنف من أرادوا تصويرك لعينا.

    قل سبحان ربي هل كنتُ إلا بشرًا رسولا؟؟

    قال الله تعالى ( وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجُرَ لنا من الأرض ينبوعًا * أو تكونَ لك جنةٌ من نخيلٍ وعنبٍ فتفجرَ الأنهارَ خلالها تفجيرًا * أو تُسقطَ السماء كما زعمتَ علينا كِسفًا أو تأتيَ بالله والملائكةِ قبيلًا * أو تكون لك بيتٌ من زخرفٍ أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تُنزلَ علينا كتابًا نقرؤه، قل سبحان ربي هل كنتُ إلا بشرًا رسولًا؟ ثم قلتم كلاما كثيرا.
    والجواب على كل ماقلتموه دفعة واحدة : قلت لكم وأوضح : إن القضية ليست قدرة الله على انفجار ينابيع وقد تفجرت من قبل، أو حديقة من نخيل وعنب وهي موجودة من قبل، ولكن هيئة من عدة عناصر: لن نؤمن لك حتى... أي لن نؤمن لك نبيا حتى يفعل الله هذا معك ثم تقول : صدقوا إذن، فنصدق أنك منه. والله بقوله سبحان ربي، أي تعالى أن يجيبكم لاقتراحات مع رسول، لن ولم تتم حتى ينتهي زمن الرسل البشر. لم ولن يفجر الله منى الأرض ينبوعا لرسول ليؤمن الناس به، ولم يحدث ولن يأتي الله والملائكة قبيلا من أجلكم مطلقا، ولو تقرحت جفونكم من البكاء أوالدعاء، والطلب والإلحاح، ولن نسقط السماء كسفا عليكم ثم تعطون فرصة للعبادة بعد، ولن يرقى نبي في السماء كما طلبتم . وعيسى بالطبع سوف ينزل بصفة التحدي، حسب التصور الشائع، والدليل معه في عين من ينكره: أنا الذي نزلت من السماء. وبالتالي فالبداهة هي: وأنا الذي صعدت. فالآيات تبين قرار الله البات بحرمان الأرض من هذه الصور المتخيلة طالما هناك تكليف دنيوي. وعلى رأس الممنوعين منها سيدنا عيسى عليه السلام، فالأرض كفاها ماحدث بشأنه من إطراء ولن يزيد الله من وتيرة الإطراء بفعل من عنده أبدا.


    وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته

    تقول فيها (فمن للتبعيض، وما من جيل من أهل الكتاب إلا يكون منهم قوم يؤمنون بالحق قبل موتهم بعد طول تأملهم وفهمهم وهم سيشهدون على قومهم بما يعلمون من معلومات مشتركة تكبر عليها الذين أصروا على كفرهم.)اهـ.
    فليس الشأن في من للتبعيض أو ليست كذلك، ولا تقدير الكلام بهذه المطولات التي ذكرتها بأنه "ما من جيل ....".
    "وإن من أهل الكتاب"، فـ "إن" هنا بمعنى ما النافية، وأنت لا تخالف في ذلك، فيكون المعنى "وما من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به"، فهذا الضمير يعود لمن؟؟ "ليؤمنن به قبل موته" فهذا الضمير يعود لمن؟؟ "ويوم القيامة يكون عليهم شهيدًا" فمن هو ذا الذي يكون شهيدًا؟!
    السياق كله عن عيسى عليه السلام (بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزًا حكيمًا، وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدًا)، فالضمائر إذن تعود إلى واحد والمخالف لذلك عليه بالدليل، فيكون المعنى: وما من أهل الكتاب إلا ليؤمنن بعيسى قبل موت عيسى عليه السلام، ويوم القيامة يكون عيسى عليهم شهيدًا.

    وهذا هو فهم الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه، إذ يقول كما في البخاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (والذي نفسي بيده، ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكمًا عدلًا، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الحرب، ويقبض المال حتى لا يقبله أحد، حتى تكون السجدة الواحدة خير من الدنيا وما فيها) ثم يقول أبو هريرة رضي الله عنه (واقرأوا إن شئتم "وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته، ويوم القيامة يكون عليهم شهيدًا.

    قال الطبري رحمه الله (وأولى الأقوال بالصحة والصواب، قول من قال: تأويل ذلك: وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن بعيسى قبل موت عيسى)اهـ، وبالمناسبة فلم ينقل الطبري مثل قولك أنه ما من جيل من أهل الكتاب إلا يكون "فيه" من يؤمن بعيسى عليه السلام قبل موت هذا "الجيل"!
    الجواب الذي يثبت ماقلت ويوضحه كالشمس:
    1 ـ هناك قراءة نصها: قبل موتهم. وهي رد على أبي هريرة رضي الله عنه وأي رواية مشابهة تروى في أجواء تتنازعها الإسرائيليات ، فاسترحنا من الاعتراض على رجوع الضمير، وعلمنا أنه يرجع لأهل الكتاب وبقي علم من هم الذين سيطبقون جميعا على الإيمان به أي بالحق في أمره ؟؟؟ .
    2 ـ أهل الكتاب تعني جمهورهم برمته، أو الذين كفروا منهم أو الذين هم أهل الكتاب حقا والراسخون في العلم منهم وعبر عنهم القرآن في النساء بأنهم (والمؤمنون) أي عاجلا أو آجلا ، بصيغة اسم الفاعل الدال على الأزمان الثلاثة.
    أ ـ أما جمهورهم فليس من الراجح إطباقهم على الإيمان به عندما ينزل، لأن الله يقول: وأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة، فلابد من كافرين به سيبقون ليوم القيامة، وبالتالي فأين قول الله : وإن من أهل الكتاب إلا ... بأسلوب الحصر؟؟
    ب ـ وغير معقول أن يجتمع على الإيمان كل كافري أهل الكتاب الذين يكتمون الحق وهم يعلمون ويعرفونه كما يعرفون أبناءهم، ولايبقى منهم أحد إلا وآمن إيمانا.
    جـ ـ بقي احتمال وحيد وهو أنه مامن أحد من الذين هم أهل الكتاب حقا، وهم القسس الذين يسلمون كل حين، وهم الراسخون في العلم منهم، إلا سيؤمن، وهم المعبرعنهم القرآن في النساء في آية : لكن الراسخون في العلم منهم، وفي آية ليسوا سواء، من أهل الكتاب أمة قائمة ، في آل عمران، وآية الأعراف: ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون. وغير ماسبق من الآيات.
    وحسب قولهم عن وضع الجزية وإصرار عيسى عليه السلام على إسلام النصارى، فكانت الآية ستكون: إلا ليسلمن، لأن الإيمان لايأتي بالإكراه والقهر، ولكن من قوله تعالى: ليؤمنن، ومن أسلوب الحصر علمنا أن إطباق هؤلاء على الإيمان يفتح لنا طريق التفسير الحق.
    يخلص لنا المعنى أن في كل جيل منهم من أهل الكتاب بالحق من سيؤمن بالقرآن وصحة خبره قبل الموت وهم شهود الله على قومهم.
    تحت عنوانكم المعنى الأصلي للتوفي!! وغضبٌ غير مبرر!!
    لقد رفضت ياسيدي تفسير ابن عباس واعتماد البخاري له، واعتبار عدد من علماء المسلمين لنفس الفهم، وذكرت هنا أنك تستمد من الصحابة، وهنا ليس لك أدنى أدنى سند من أحد من الصحابة على تفسيرك واستثنائك، بل هو من وهم الاستنتاجات من مقابلات رفع إليه، ووهم الرفع للسماء، ومقابلات النزول ووهم النزول من السماء. ووهم بقاء النبوة في بني إسرائيل بعد إذ حرمهم الله منها وإلى الأبد. وفكر الأمم غير الإسلامية المتسرب لأمة الإسلام.
    والتطهير من الذين كفروا، مثل قوله تعالى ونجيناه من القرية التي كانت تعمل الخبائث. والاستنجاء والتطهير بمعنى. فقد تحقق بالهجرة من فلسطين، إذ خلصه الله من الذين كفروا، ولا إشكال في ذلك!

    عنوانكم : ما وردَ في رسالتي السابقة وتركته دون رد!
    هاهي الردود:
    1- هل يقوم في ذهن العربيّ عندما يسمع ظاهر النص، أن "عرش" الملك هو "الملك نفسه"، وأن "عرشه على الماء" تعني أنه "عمد إلى خلق الأحياء"، أهذا هو لازم الوضوح، ومقتضى التبيان، وموجب البلاغ..؟
    الجواب : دعك من تكرار موضوع أن العرش هو الملك نفسه، واعلم أن العربي لو سئل بالفطرة من رب العرش ؟ فسيقول: الله. ويعني من رب تجليات العز، ثم يتعلم أن عرشه كان على الماء فيفهم أن تدبير الله وتجلي صفاته في الفاتحة تجلت على الماء بعد فرش الكون لقدوم الحياة.
    2- هل هناك نصّ عن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيه أن العرش هو (مجموع الصفات)، أو فيه أن معنى (رب العزة كرب العرش تمامًا)، أو أن العرش نوعان، كما أبنتَ وأظهرت معتقدك وعقيدتك؟؟
    الجواب : كانوا على كتاب الله المستفيض شرحا للموضوع، وفهمت من القرآن والحديث كما يبينان، وسبق بيان أنهم لايمكن تخيلهم يفهمون غير ذلك، لأن ثقافتهم هي القرآن والسنة، ولم أتعد شرح ماجاء فيهما.
    3- تقول (لو صح قول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه حين قال : "العرش فوق الماء" فهو يقصد ( على ) كما في القرآن، وهي عنده استواء الله إلى الماء ليخلق الحياة) أعجز ابن مسعود عن الإفصاح عن المراد من أنه استواء الله إلى الماء ليخلق الحياة؟!
    الجواب: سبقت الإجابة في قائمة الأسئلة السابقة.

    4- وقد أجبتك عن سؤالك عن تحكيم العقل على النصوص، بمثالين من كلام الرازي الذي أرودتَه واستدللت به، فلم ترد عليّ بشيء.
    سبقت الإجابة.
    5- ما تريد من قولك (هي لغة البشر للتفهم)، ألسنا من البشر؟؟ فما يضرنا أن نقول بما يقول البشر، وأن نعتقد ما يتبادر إلى الذهن من ظاهر فعل وكلام البشر، والله لا يكلف نفسًا إلا وسعها؟!
    الجواب بمعنى أن الاستواء والعرش والصفات الربانية أمور عالية من الغيب، ويستعمل الله إمكانيات اللسان في سبيل التقريب، لتستطيع الأذهان الاقتراب من جمالها.

    6- محاولتك جعل البخاري ممن يقول بقولك في تفسير العرش بأنه العزة، بحجة أنه أورد حديثًا عن العرش، تحت باب (قوله تعالى: وهو العزيز الحكيم) ، والبخاري لم يفعل ذلك، لم تعقب على هذا؟!
    الجواب حدث عندي خلط في الكتب ، وكلامك صحيح ، وآسف على هذا الخطأ.

    7- وكلامك عن "مصطلح" الصفات وأن الله قدس نفسه عن وصف الواصفين، وهذا المصطلح لم يكن له من نصيب إلا كونه "تعبير" صحابي على حد قولك، وأجبتك على ذلك من ثمانية أوجه، ولم ترد بشيء!
    الجواب عن الثمانية مرتبة دفعة: لقد تحدثت معك كثيرا عن الصفات، ولكن هنا مقصودي أنه يجب الحذر لوجود تعبير متكرر محذر في القرآن، واعترفت به حضرتك في السؤال الثالث، يفيد أنه سبحانه عما يصفون، وهو وإن لم نفهمه بإطلاق فهو تعبير يسترعي الانتباه، حتى لانسرف في موضوع الوصف، كما حدث مع القول على الله في هذا الصدد مما سبق وأوضحناه. مثل تركيب الكلام متواليا عن قدم وساق وحقو، ووجه به عينان يرى بهما، وهناك من تكلم عن نزول الذات كحركة انتقال مع خلو العرش، ثم العودة بعد ثلث الليل. ولكن لو كنت أنفي الوصف الحق فكيف أناقشك أن العرش داخل في الصفات؟؟؟ لذلك لامانع أن نخلص لله في الاقتراب من موضوع الصفات وأن لاندع العامي والغمر مقياسا لنا لنرضي كسله وإلا انصرف عنا فحزنا.
    وقول الرسول صلى الله عليه وسلم مقرا وجهة نظر الصحابي عن قوله عن صفة الرحمان في الإخلاص، يدل على أن الوصف عندما ينسب إلى الله فعلى هذا المستوى من الرقي، وهي جماع الصفات التنزيهية، وليس بمستوى القيام (بوصف الله من قمة الوجه إلى إخمص القدمين)
    وهكذا أكون قد رضيت صفة الرحمان بطرق الصحابة لابطرق جنحت عن الصواب بعدهم.
    وضمنت فيما سبق إجابة تدرجاتك الثمانية.

    8- في قوله تعالى "يد الله فوق أيديهم"، فقد سألتك عن ملكٍ مبتور اليدين، يقول له شاعر "والمملكة في يديك"، ألا يكون في هذا أقذع السخرية، وأبلغ قولٍ يقال في ضياع شأن المملكة؟!
    الجواب لو كان الملك يذهب مذهب السطحيين، ويفهم حرفيا بدون تدبر، ومن حوله مثله في عدم علمهم بروائع البيان، وجاء حظ الشاعر البائس في هذا الجو، فسيعتبر قوله في نظرهم سخرية. لكن سيتغير هذا الحال لو تغير ذاك. ثم إنك تتكلم عن ملك مقطوع اليدين لكن لازالت له في ذاته القدمان والساقان وسائر الأعضاء، ولكن لو كان ملكا من نوع ذو صفات رائعة لكن مختلفة عن شعبه، ويخاطب شعبه عن نفسه بما هو داخل في نطاق تجربتهم وفهمهم فلن يرى الشاعر ساخرا.. وتعالى الله عن تكامل صورته المطابقة للبشر.
    9- ثم سألتُ عن قوله تعالى "يد الله فوق أيديهم"، ألا ترى أنه لولا أن جنس الإنسان له يد، لما صحّ أن يكون في لغة الناس "والمملكة في يديه"، وعليه فإن قوله تعالى (يد الله فوق أيديهم) يدل على ثبوت اليد لله تعالى؟!
    الجواب اليد ثابتة لله تعالى ولكن لم أناقشك في هذا، بل في تفسيرها كما فسرها ابن كثير، وفي الفهم الشائع المتبادر، أنها يد جارحة يستعين الله بها على صنع الأشياء، فالله لو أراد شيئا قال له كن فيكون.
    10- وسألتك عن "معاني" العرش عندك عدة أسئلة طامعًا أن أجد جوابًا مقنعًا، فلم أجد جوابًا أصلًا.
    سؤال مكرر، وقد أجبت عليها جميعا بحمد رب العرش.

    11- وقد رددت على ما "استدللت" به على "معاني" العرش، وما فيه من مخالفة الأصل عند العربي، والتقسيم دون وجود دليل، والاستدلال بمحل النزاع على محل النزاع، والاستدلال بالرأي الشخصي، واللجوء للتأويل دون دليل، فتركت أربعة مواضع دون تعقيب، وعقّبت على واحدة وهي المتعلقة بسجود الشمس تحت العرش!
    وقد سبق تغطية الموضوع كاملا بحمد رحمان رحيم.
    12- وسألتك عن المعيار في رفضك رواية ابن عباس "الكرسي موضع القدمين"، وأخذك برواية أخرى ضعيفة الإسناد، فلم تبين المعيار لا من جهة الرواية، ولا حتى من جهة للدراية تُلزمني بشيء؟!
    الجواب حدثتك عن ضرورة رفض كل رواية فيها أن لله قدمين، وأن لهما موضعا تم تحديده، وهو موضع ثابت داخل الكون، وفراغ الكون تحت العرش قادر على استيعابهما، فلزمنا متنا رفض الرواية بسبب التشبيه الواضح، وبالتالي يبقى لنا من الروايات صحة رواية كرسيه علمه، ويعضد الاختيار أن توهم النسبة الحجمية بين الكرسي والعرش تم حلها باعتبارهما صفتين، ويتحد النص: كرسيه علمه مع حديث أبي ذر الذي سقته أنت، من أن النسبة بين العرش والكرسي كحلقة في فلاة، أنها تقرب لنا فهم نسبة بين صفات.

    13- ألا ترى أنك جعلت قول ابن عباس "كرسيه علمه" حديثًا عن غيبٍ خالص، فيكون (في حكم المرفوع)اهـ، ولكن لما بينت ضعف الإسناد، وذكرتُ الرواية الصحيحة " الكرسي موضع القدمين"، فهلا ألزمتَ نفسك بما قلتَ من أنها حديث عن غيب خالص، فتكون في حكم المرفوع؟!
    الجواب كل حديث يهين الذات الإلهية وينسب إليها ماليس يليق فهو مردود، ومن ذلك أن لله قدمين ذاتيتين، بل وتتموضعان في موضع مهما اتسع فهو محدود محدود.
    14- وأوردت لك قول ابن كثير (والمحفوظ عن ابن عباس كما رواه الحاكم في مستدركه - وقال إنه على شرط الشيخين ولم يخرجاه - من طريق سفيان الثوري عن عمار الدهني عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنه قال: ( الكرسي موضع القدمين ، والعرش لا يقدر قدره إلا الله عز وجل))اهـ فما عقبت بشيء؟!
    الجواب: القدم السابقة في الأمر، وقال في القاموس المحيط: حتى يضع رب العزة فيها قدمه، أي الذين قدمهم من الأشرار، فهم قدم الله للنار، كما أن الأخيار قدمه للجنة. أو يأتيها أمر يكفها عن طلب المزيد.انتهى من القاموس. وأرد عليك باقتراح شخصي عن موضوع القدمين لعله خطأ ولعله صواب: لافائدة للإسلام من إثبات قدمين للذات الإلهية تتموضعان في مكان محدد، والأفضل لك أن تبحث عن علاقة عبقرية بين القدمين وبين العلم، مثل أن فلانا له قدم في العلم، أي سبق سابق فيه. فيكون العلم علمان سابقان، فقدم هو قدم سبق علم عوالم الدنيا، وقدم هوسبق علم عوالم الآخرة. وهكذا يكون الكرسي موضعا للعلمين السابقين، حيث أن علم الله هو المحيط بالأمرين.
    15- ورددت على كلامك في منع العقل أن تكون نجاة المسيح عليه السلام بالرفع إلى السماء، ونجاة المصطفى صلى الله عليه وسلم بالحركة في الأرض ليلة الهجرة، فما رددت عليّ بشيء!
    الجواب: تكلمت عن العقل الشرعي، وهذا العقل يحكم أن الله لما حدد سنة وقال ( فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا) ، وقال في الإسراء : ولاتجد لسنتنا تحويلا، وقرر الهجرة متسعا، ويقدر على نفاذ سننه بمجرد الإبعاد عن المكان، ويعلم سبحانه أن عدوه ضيق العطن محدود الملك والسلطة، وقد سبقت سنته في المرسلين نجاة، فالعقل يقول: لن يغير الله طرقه أبدا.
    رددت وأعيد : ربما عقلي المحب للرسول الأكرم، (وفداه أبي وأمي ودمي وتكفيري، والتلويحات باستتابتي) هو السبب في إصراري على القول:
    ولو أن إنسانا يطير إلى السما لكان رسول الله أولى وأجدر
    واذهب للانترنت وانظر كيف يتكالب علينا المنصرون: أين كرامات ومعجزات وميزات رسولكم؟؟ ويأخذ الأصدقاء يحصون كراماته ومعجزاته، ألم يكن لنا طول الأعناق قائلين واصفين موكبه المهيب وهو يرفع بجسده إلى السماء عندما وافته المنية فيصعد ناعما بالصحة بلا مرض ويعبد الله لايذوق الموت إلا عند القيامة.
    16- ورددت عليك استدلالك بـ "كما" لتقول بتماثل الوفاتين، فحدتَ عن جوابي إلى التغبير بقضية ليست من بحثنا في شيء، كما سبق البيان.

    17- ورددت عليك منعك رفع المسيح للسماء بحجة أن الموتى لا يعودون، بأننا لا نقول بأنه مات أصلًا، فلم ترد على ذلك بشيء.
    الجواب : طيب، آسف، وتكررت ملاحظتكم، ولنؤجل إذن حتى توافق على موته.
    18- وذكرت لك أوجه الاستدلال بكلمة "بل" في قوله "بل رفعه الله إليه"، فلم ترد بشيء يلزمني، وتركت ما يلزمك دون رد.
    19- وقلتَ إن القرآن يمنع رفع الأنبياء إلى السماء، استدلالاً بما ( في قول الله عمن طلبوا من نبي الله أن يرقى في السماء فقال يعلمه الرد عليهم: قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا؟؟؟ الإسراء)اهـ، ورددت على ذلك، ولم ترد علي كما سبق البيان.
    الجواب : تم الرد على هذا بحمد الله .
    20- ورددت على كلامك عن معنى "إلى" وأنه يلزمك أن تقول بقولي، فلم ترد كما سبق البيان.
    الجواب : لو جمعت لك من القرآن المقرونات بحرف (إلى) ولاتدل على تقريب المسافة بين الذوات ولا انتقالات مكانية لجمعت لك كما هائلا ولكنك تستطيعه بيسر.

    وهكذا نكون قد وضحنا كل شيء بشأن النصوص التالية:


    - قال تعالى (وهو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء)
    - وقال (الله الذي رفع السموات بغير عمدٍ ترونها ثم استوى على العرش.
    ـ وقال (الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به.
    - وقال (ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذٍ ثمانية.
    - وقال (وترى الملائكة حافين من حول العرش). الآية.
    - وقال ( قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم * سيقولون لله قل أفلا تتقون؟.
    - وفي صحيح مسلم قال صلى الله عليه وسلم لجويرية بنت الحارث رضي الله عنها ( لقد قلت بعدك أربع كلمات لو وزنت بما قلتيه لوزنتهن: سبحان الله عدد خلقه، سبحان الله زنة عرشه، سبحان الله رضى نفسه، سبحان الله مداد كلماته.
    - وفي الصحيحين(اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ.
    - وصحّ قوله صلى الله عليه وسلم ( يا أبا ذر! ما السموات السبع مع الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة، وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على الحلقة.
    - وعند مسلم قال صلى الله عليه وسلم (كتب الله مقادير الخلائق، قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، قال: وعرشه على الماء.
    ونفينا سوء الفهم في شأن المسيح عيسى عليه السلام، ونزوله آخر الزمان.

    ووضحنا الإشكالات المطروحة علينا وهي:
    - تعقيب قوله تعالى ﴿وَما قتلوه وما صلبوه﴾ بقوله ﴿بل رفعه الله إليه﴾.
    - الرد ببيان اختلاف توفى توفيا عن توفية ردا على التوفي المفهوم منه أخذ الشيء وقبضه تمامًا كما في قوله تعالى ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ وقوله ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ فالتوفي والاستيفاء في اللغة بمعنى واحد كما في مختار الصحاح، لو كان التوفي توفية.
    - وبينا كيف أهلك الله عدو عيسى ونجاه بالهجرة وأرسل محمدا ينفي عنه الوصمة أنه دعا لعبادته أو أنه لعن : ردا على شبهة فهم : ﴿وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ بعد قوله ﴿مُتَوَفِّيكَ﴾ وزعم ( أنها دلالةٌ إضافيةٌ على عدم كون معنى توفيه إماتته؛ بظن أن تطهيره من الذين كفروا بإماتته وإبقاء الكافرين لا يكون تطهيرًا يشرفه كما في تطهيره برفعه .
    وشرحنا قول الله تعالى:
    - (وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته، ويوم القيامة يكون عليهم شهيدًا) ورددنا على ماروي عن ابن عباس قوله: قبل موت عيسى عليه السلام، وعن أبي هريرة وأبي مالك والحسن البصري وابن زيد، وما اختاره الطبري وابن كثير وغيرهما.
    فيلزم إعادة فهم أحاديث:
    - في الصحيحين قوله صلى الله عليه وسلم (والذي نفسي بيده، ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكمًا عدلًا، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الحرب، ويقبض المال حتى لا يقبله أحد، حتى تكون السجدة الواحدة خير من الدنيا وما فيها) ثم يقول أبو هريرة رضي الله عنه (واقرأوا إن شئتم "وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته، ويوم القيامة يكون عليهم شهيدًا").
    - في الصحيحين قوله صلى الله عليه وسلم (كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم).
    - وفي صحيح مسلم قوله (والذي نفسي بيده ليهلَّنَّ ابن مريم بفج الروحاء حاجًّا أو معتمرًا أو ليثنينهما).
    - وفي مسند أحمد بإسناد حسن قوله (أنا أولى الناس بعيسى بن مريم، وإنه نازل، فإذا رأيتموه فاعرفوه ...) وذكره وصفه.
    - وفي مسند أحمد قوله (إني لأرجو إن طال بي عمرٌ، أن ألقى عيسى بن مريم، فإن عجل بي موتٌ فمن لقيه منكم فليقرئه مني السلام) وهو حديث صحيح.
    فلو كان حيا بالجسد لما حال بينهما شيء أن يلتقيا، بل لوجب نزول عيسى ليتبع وينصر رسول الله .

    -
    صياغة المختار من قولك : تفكر في هذا فإني والله لك ناصح!
    لامانع من وجود عرش مخلوق، وهذا العرش المخلوق موجود الآن، وقد اهتز لموت عبد صالح، وأن هذا العرش المخلوق يأتي يوم القيامة، ويكون له ظل، ويكون له حملة من الملائكة، ولا يكفي هذا العرش المخلوق لفهم جميع النصوص، ولو سألت عن مكان هذا العرش المخلوق، أيضر أن نفهم أنه فوق السماوات!؟ لا يضر.. ولو سألت أيضر أن أعتقد أن الله تعالى فوق العرش كما أعتقد أنه تعالى فوق السماوات السبع وهو بائن من خلقه؟ لا يضر.. ولو سألت أيضر أن يكون هذا العرش عظيم الخلق حتى تكون السموات السبع والكرسي فيه كحلقة في فلاة؟؟ نعم، هو عظيم الخلق، وهو سقف الجنة، والعلاقة مع كرسي موضع قدمين يضر من ناحية، لأن الكرسي قصة أخرى وهو علمه، ونسبة الحجم تدخلنا في نص القدمين، وهذا يضر، ويقلل الإيمان بعظمة ذي العرش.

  2. #17
    تاريخ التسجيل
    Jan 2005
    المشاركات
    982
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    ملحق بالرسالة السادسة من م. فتحي عبد السلام القادياني:


    بسم الله الرحمن الرحيم
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
    تبادر المعنى للعارف بالعربية.
    فعل واحد وعدة مصادر.
    هناك مقام مشروط يتبادر فيه للذهن العربي العارف أن فعل توفى هو الاستيفاء بحيث لايدع شيئا.
    والعارف بالعربية فعلا فعلا، يتبادر لذهنه معنى فعل: توفي، حسب شروط أو سياق أو موضوع الكلام.. فلو كان سياق الكلام هو الإعلان الصباحي في القرى: توفى الله تعالى، فلانا بن فلان، فهو الموت، ولو كان الكلام عن: توفي مخلوق مخلوقا، فقد يكون استيفاء حق أو وديعة، فلم يبق شيء.
    ويميز كل معنى عن الآخر مصدر يخصه.
    فعل توفى مشترك بين عدة مصادر، لها عدة معان، أولها مصدر التوفي لقبض الروح والإماتة، وثانيها مصدر التوفية لقبض واستيفاء تمام الحقوق أواستيفاء ماحان وقته. وقد نغلط ونستخدم كلا من اللفظين محل الآخر، ومنشأ الغلط عند من ظن أن التوفي هو التوفية كون الناس قد غفلوا عن مراجعة القواميس المطولة، ودرجوا على استعمال مصدر (التوفي) للأمرين، لقربه من مبنى الفعل، وغفلةً عن لفظ التوفية. ولو أردنا الدقة في التعبير، فلنعلم أن التوفي مصدر أصلي، والتوفية مصدر أفعال مطاوعة.
    مصدر توفي الله للناس وهو قبض الروح، والجسد بالتالي في الأرض، هذا معنى، ومصدر توفية الحق لصاحبه أو توفية الملائكة للناس معنى آخر. وليس بسليم لغويا قولنا: وفيته فتوفي صاحب الشيء أو مستحقه ماهو حقه، توفيا، ولم يدع منه شيئا. بل الصحيح : توفية.
    مفهوم أخذ الشيء وقبضه تمامًا كما في قوله تعالى ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ [النور :39] وقوله ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [الزمر :10] هو نوع خاص وليس الأصل، وقد ذكره تاج العروس ص 220 مادة وفي، بقوله مميزا له عن غيره: أوفى (فلانا حقه) إذا (أعطاه وافيا ، كوفـّـاه) توفية، نقله الجوهري. ... ، (فاستوفاه ووفاه) أي لم يدع منه شيئا، فهما مطاوعان لأوفاه ووفّـاه ووافاه.
    مامعنى مطاوعة؟؟
    في المطاوعة يوجد طرفان في الحادثة، طرف بادئ وطرف متقبل. وفعل المطاوعة عبارة عن فعل استجابة لفعل مؤثر سبقه، وفاعل المطاوعة يكون منفعلا تابعا لفعل المؤثر. مثل : وليته فتولى تولية، الطرف السابق المؤثر ولّى، والطرف المقابل المطاوع تولى وتسلم منه. ومثل: قطعته فانقطع انقطاعا، وربيته فتربى تربية، وزكيته فتزكى تزكية.. ومنه: وفيته فتوفى توفية، أي: وفيته حقه فتوفاه توفية.
    وهكذا يتبين لنا أن توفى توفيا هو الإماتة التي هي أخذ الروح، هي النوع الأصلي من أنواع التوفي. وقوله في تاج العروس : ومن المجاز : أدركته الوفاة، أي الموت والمنية .. تفسيره : هنا كلمتان، المجاز في الأولى،وهو معنى الإدراك، لافي الثانية.
    وفي التاج: وتوفي فلان إذا مات. بضم التاء والواو على المبني للمجهول. أي قبض الله روحه.
    إذن فعل توفى المبني للمعلوم، عندما ينصب على الناس، فمعناه = أمات. ومتوفيك = مميتك. ولو قام فاعل وصدق عليه أنه توفى فلانا فلن يكون بحسب اللغة إلا أنه أماته.
    والله هو وحده المميت.
    خاصة ونحن نعلم أن كل مخلوق يقوم بإماتة فلان فهو يقتله، وإماتته من طرف غير الله قتل، لاوفاة، (إلا إذا كان يفعل فعل الإماتة مأمورا من الله في الموعد المحدد، وهو مالايعطيه الله إلا للملائكة).
    وبهذا يكون معنى قوله عز وجل ﴿يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ ﴾ [آل عمران :55] أني عاصمك من القتل ومستوف مدة أجلك في الدنيا وقابض روحك بعد استيفاء عمرك المقضي منذ الأزل.
    نكمل من التاج، تاج العروس: وتوفاه الله عز وجل إذا قبض نفسه، وفي الصحاح: روحه. وقال غيره: توفّي الميت : استيفاء مدته التي وفيت له وعدد أيامه وشهوره وأعوامه في الدنيا.
    ولو أردنا أن نرى علاقة جامعة بين المصدرين ورأينا أن استيفاء المدة التي وفيت له هو عملية تلقائية لاتحتاج فاعلا سابقا بل الله يستوفي ماقدمه هو تعالى بنفسه، مما قضى من الأجل، فيمكن ذلك ويكون قبض الروح هو التوفي و التوفية التي وفاها الله أي المدة التي أتمها الله للشخص ووفاها القدر للقدر، فيتوفى الله ماقدمه له قدره تعالى، من المدة المذكورة في الأنعام: ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده، ويكون فعل توفى هنا خاصا بروح ومدد لاعلاقة له مطلقا بأجساد تؤخذ ( إليه )
    بهذا يظهر سيدي الفاضل أن ما تزعمه حضرتك من فهمٍ أو تفسيرٍ لا يمكن أن يقبله العقل على أنه مفهومٌ من النص القرآني إنما هي تأويلاتٌ تُرتكب لإخضاع القرآن إلى أغراضٍ مخصوصةٍ وإمالته إلى أهواءٍ معينةٍ .
    المهم عندي هو توفي الله للناس لاأي توف آخر.
    اللسان :
    ...
    وأَوْفَى الرجلَ حقَّه ووَفَّاه إِياه بمعنى: أَكْمَلَه له وأَعطاه وافياً. وفي التنزيل العزيز: ووَجدَ اللهَ عندَه فوفَّاه حسابَه. وتَوَفَّاه هو منه واسْتَوْفاه: لم يَدَعْ منه شيئاً. ويقال أَوْفَيْته حَقَّه ووَفَّيته أَجْره. ووفَّى الكيلَ وأَوفاه: أَتَمَّه.
    ....
    والوَفاةُ: المَنِيَّةُ. والوفاةُ: الموت. وتُوُفِّيَ فلان وتَوَفَّاه
    الله إذا قَبَضَ نَفْسَه، وفي الصحاح: إذا قَبَضَ رُوحَه، وقال غيره:
    تَوَفِّي الميتِ اسْتِيفاء مُدَّتِه التي وُفِيتْ له وعَدَد أَيامِه وشُهوره
    وأَعْوامه في الدنيا. وتَوَفَّيْتُ المالَ منه واسْتوْفَيته إذا أَخذته
    كله. وتَوَفَّيْتُ عَدَد القومِ إذا عَدَدْتهم كُلَّهم؛ وأَنشد أَبو
    عبيدة لمنظور الوَبْرِي:
    إنَّ بني الأَدْرَدِ لَيْسُوا مِنْ أَحَدْ،
    ولا تَوَفَّاهُمْ قُرَيشٌ في العددْ
    أَي لا تجعلهم قريش تَمام عددهم ولا تَسْتَوفي بهم عدَدَهم؛ ومن ذلك
    قوله عز وجل: الله يَتَوفَّى الأَنْفُسَ حينَ مَوْتِها؛ أَي يَسْتَوفي مُدَد
    آجالهم في الدنيا، وقيل: يَسْتَوْفي تَمام عدَدِهم إِلى يوم القيامة،
    وأَمّا تَوَفِّي النائم فهو اسْتِيفاء وقْت عَقْله وتمييزه إِلى أَن نامَ.
    وقال الزجاج في قوله: قل يَتَوَفَّاكم مَلَكُ الموت، قال: هو من تَوْفِية
    العدد، تأْويله أَن يَقْبِضَ أَرْواحَكم أَجمعين فلا ينقُص واحد منكم،
    كما تقول: قد اسْتَوْفَيْتُ من فلان وتَوَفَّيت منه ما لي عليه؛ تأْويله
    أَن لم يَبْقَ عليه شيء. وقوله عز وجل: حتى إذا جاءتهم رُسُلُنا
    يَتَوَفَّوْنَهم؛ قال الزجاج: فيه، والله أَعلم، وجهان: يكون حتى إذا جاءتهم ملائكةُ الموت يَتَوَفَّوْنَهم سَأَلُوهم عند المُعايَنة فيعترفون عند موتهم أَنهم كانوا كافرين، لأَنهم قالوا لهم أَين ما كنتم تدعُون من دون الله؟ قالوا: ضَلُّوا عنا أَي بطلوا وذهبوا، ويجوز أَن يكون، والله أَعلم، حتى إذا جاءتهم ملائكة العذابِ يتوفونهم، فيكون يتوفونهم في هذا الموضع على ضربين: أَحدهما يَتَوَفَّوْنَهم عذاباً وهذا كما تقول: قد قَتَلْتُ فلاناً بالعذاب وإن لم يمت، ودليل هذا القول قوله تعالى: ويأْتِيه الموتُ من كلِّ مَكانٍ وما هو بمَيِّت؛ قال: ويجوز أَن يكون يَتَوَفَّوْنَ عِدَّتهم، وهو أَضعف الوجهين، والله أعلم، وقد وافاه حِمامُه؛ وقوله أَنشده ابن جني:
    ليتَ القِيامةَ ، يَوْمَ تُوفي مُصْعَبٌ،
    قامتْ على مُضَرٍ وحُقَّ قِيامُها
    أَرادَ: وُوفيَ، فأَبدل الواو تاء كقولهم تالله وتَوْلجٌ وتَوْراةٌ، فيمن جعلها فَوْعَلة.
    التهذيب: وأَما المُوافاة التي يكتبها كُتَّابُ دَواوين الخَراج في
    حِساباتِهم فهي مأْخوذة من قولك أَوْفَيْتُه حَقَّه ووَفَّيْتُه حَقَّه
    ووافَيْته حَقَّه،كل ذلك بمعنى: أَتْمَمْتُ له حَقَّه، قال: وقد جاء فاعَلْتُ
    بمعنى أَفْعلْت وفَعَّلت في حروف بمعنى واحد. يقال: جاريةٌ مُناعَمةٌ
    ومُنَعَّمةٌ، وضاعَفْتُ الشيء وأَضْعَفْتُه وضَعَّفْتُه بمعنى، وتَعاهَدْتُ
    الشيء وتعَهَّدْته وباعَدْته وبَعَّدته وأَبْعَدْتُه، وقارَبْتُ الصبي
    وقَرَّبْتُه، وهو يُعاطِيني الشيء ويُعطِيني.
    م. فتحى عبدالسلام
    05/06/2010

  3. #18
    تاريخ التسجيل
    Jan 2005
    المشاركات
    982
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    الرسالة السادسة من أحد الإخوة في منتدى التوحيد.


    الحمد لله الذي ضربَ على الباطل وحشة، حتى نفر منه أهلُه، وما أنِسوا به لحظة، الحمد لله الذي جعل للحق بهاءً وحسنًا، ونوّر لمتبعِه بصدقٍ دربه، حتى اشتاق إليه من فقده، الحمد لله الذي سنّ التدافع، وجعل في النفوس عن الشر وازع، ووضع فيها لحب الخير دافع، فلا يأتي مبطِلٌ معذورًا، يومَ يُقال "ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورًا" ..!

    ونشهد ألا إله إلا الله وحده، أقام برهان تفرده بالإلهية، وأثبت لنفسه الكمال، ونقض دعوى الشركية، ووسم معتنقها بالضلال، ونفى عن المبطلين الحكمة، وأثبت للموحدين المنة، فهم يلتمسون الحقّ من وحيه، ويقفون بالعقل عند حده، وذاك من قول ربي "قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمْ مَنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ" ..!

    ونشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، رضي بحكمه المسلمون، واطمأن إلى سنته المؤمنون، وخالف عن أمره المفتونون، عبدُ الله ورسوله، تورمت قدماه قيامًا لمولاه، وشُجَّ وجهه وهو يدعو إلى الله، وكان أسوةَ الصبرِ لمن أوذي في الله، عبدُ الله ورسوله، قال لأمته "ما بقي من شيءٍ يقرب من الجنة ويباعد من النار إلا وقد بُيِّن لكم"، فأيكم يزعم أنه أشد منه تنزيهًا لله .. أيكم .. ؟!

    ونعلم أنّ الأصحاب أمنةٌ للأُمّة، كما النجوم أمنةٌ للسماء، ذاك خبر خليل الرحمن عنهم، فالفائز من استنّ ما انتهجوا، ومات على مثل ما اعتقدوا، والخاسر من قابلهم بعقله، والحيّ لا تُؤمن عليه الفتنة، فاللهَ أسأل أن يقبضنا على ما قُبض عليه أبو بكرٍ وعمر وعثمان وعليّ، إنه ولي ذلك والقادر عليه!

    وبعدُ ..
    فسلام الله عليك ورحمته وبركاته أيها المهندس الكريم..

    إني – إذ أراك – تمشي على أرضٍ حجارتُها رضراض، وتختار طريقًا وعرًا يفضي إلى جرفٍ هار، وتحتار في غابة النصوص وطريق السلوك، فإنّ خيانةَ الأمانة أن أهادنك باتفاقٍ مزعوم، أو أخدعك بادعاءِ تقاربٍ مقبول، أو أوهمك بأنك من أهل الإنابة لا الاستتابة، فلا تعِب عليّ ذلك فإنه الميثاق، وقد عاهدتُ نفسي على عملٍ بميثاق ربي، فأذكّرَ بالصراط المستقيم، وسبيل المؤمنين، ليهلك من هلك عن بينة، ويحيى من حيّ عن بينة!

    ولقد ظهر لي جليًّا في ردك السابق أنك لا تعرف المعتقد الذي تنفيه، وتبذل وقتك وتستهلك قلمك في الرد عليه، وأنك سمعتَ عنّا، ولم تسمع منّا، وأقمتَ في الذهن وجودًا لأقوامٍ لا أعرفهم، فضلًا عن أنتسب لمذهبهم، ولو رأيتُهم لنابذتهم بالعداوة، ولرميتهم بالشقاوة، أقوامٍ يعملون على خديعة العوام، ويخذلون الإسلام، ولا يهتمون بنقد المتن، ولا يلتزمون وحدةَ نهج، فحنانيك! وهداديك! حتى تعرف ما لم تُحط بعلمه، ثم تنظر فيه وفي حسن قوله، فتسير في درب العارفين، لا تكذيب الظالمين، وتتبع حكمَ المنصفين، لا افتراء الجاهلين!

    وهذا لا يثير من العجب شيئًا، فإنّ من عرفَ نهجنا عرف أنه نهجُ الصحابة، ومن نظر في أقوالنا رأى أنها أقوالُ الصحابة، ومن تأمل ذلك عرف أنّ الانقياد لله لا يكون إلا هكذا، وأنّ تحكيم الشرع لا يكون إلا من ذاك السبيل، وأن قطْعَ دابر بدعة الضلالة لا يقوم إلا بهذا النهج، ولذا فأنا أعلم أن من له مثل عقلك، سيبادر بالإنابة إلى هذا إن عرفه، اللهم إلا أن تصيبك بما اكتسبت غشاوة، فتعرض عن الحق بعدما تبين!

    هذه ثمرات منهجك وأصوله!


    وقبلُ .. فإنّ المرء ينتحل مذهبًا باطلًا، يرسم له وصفًا، ويضرب له حدودًا، فيكون اللسان في نظمه ذليقًا، والقول فيه أنيقًا، يجعل آلته العقل الصحيح، ووسيلته التأويل الحسن، وسلفه الصحابة الكرام، وغايته التنزيه والتقديس، كلٌّ يدعي هذه الدعوى، ولذا كان الوقوف على الأثر من تمام التصور، وشرط صحة الحكم .. حينئذٍ تنقلب آلتهم ميل النفس، ووسيلتهم تحريف النص، وسلفهم متفلسفة ماتوا حيرى، وغايتهم اصطناع إلهٍ يوافق الهوى ... شعروا بذلك أم لم يشعروا!

    ولذلك أيها المهندس الكريم، تجدني أقف عند كلماتك وأقوالك، بوصفها بنات مذهبك وثمراته، عسى أن يلتفت ذهنك عن دعاوى عامةٍ أنيقة، إلى تطبيقاتٍ منحرفةٍ تُظهر الحقيقة، ولذا فلا أقف أمام دعوى لا خلاف فيها، كمثل قولك (يجب تنزيه الذات عما لا يليق)، بل أقف أمام كيفية تطبيقك لهذا الكلام، عسى أن تعود على نفسك بالسؤال والفكر، وتقلب وجوه النظر في الأمر، فربما منّتك نفسك بالأماني، أنك ستعتذر أمام الله بدعاوى التنزيه، وتُنسيك أنك مسؤول عن ثمرة فعلك، والأمر جد واضحٌ يدركه البحر والغمر، ولكنها أشياء رانت على القلوب، حتى صار الحق الذي تواتر به النقل وقبله العقل محلًا للنقاش والبحث!

    فخبرني أيها المهندس الفاضل .. أيُّ فضلٍ تجده في مذهبٍ لا يقوم لك، إلا بالتشكيك في كل ثوابت الإسلام، وانتهاج نهج النصارى في الطعن في الكتاب والسنة، وعلمَ الله أني نظرتُ في قولك فهالني ما رأيتُ، وعدتُ على نفسي قائلًا لعلها قارعةٌ تجعلك تفيق، فيكون في ذلك الشر بارقة خيرٍ صرفه الله إليك، والمقصود قولك: (لقد قال الله تعالى وتقدس ما قال، ورغم ذلك يحدث الفهم الخطأ، والرسول صلى الله عليه وسلم قال ما قال ورغم ذلك أضيف لقوله أو فهم خطأ، وروي عنه الصحابة فروى الناس عنهم بالمعاني التي رويت بدورها بالمعاني. وليس ابن مسعود وغيره استثناء)اهـ ... هكذا؟!

    أهكذا ما استطعت تفصيًا من سؤالي إياك عن آثار الصحابة، إلا أن تقول هذه المقالة الشنيعة، فيكون كتاب الله – بعد أن قال الله ما قال – عرضةٌ للفهم الخطأ، وتكون سنة رسول الله – بعد أن بيّن ما بيّن – عرضةٌ للإضافة والفهم الخطأ، وتكون آثار الأصحاب – بعد أن جاهدوا ما جاهدوا – قد زيد فيها وانتقص، فليت شعري أين إيمانك بوعد ربنا بحفظ الذكر!؟ وهل ضاعت كلّ آثار الصحابة رأسًا، وانتقصت سنة الحبيب صلى الله عليه وسلم جميعًا، حتى لم يبقَ لك أثرٌ واحدٌ أو حديثٌ واحدٌ يذكر مثل الذي تذكر صراحةً؟! أضاع الذكر وتُركتَ وحدك حائرًا في غابة النصوص حتى جُعلتَ قوّامًا بالحفظ عندما خرجتَ لنا بأن العرش مجموع الصفات وغير ذلك من قولٍ لم ينقل عن الصحابة أثارةٌ من مثله!!؟

    أيها الكريم .. لست في حاجةٍ للتشبه بوكلاء النيابة لأستخرج السقطات، ولو كنتُ أبحث عن سقطات، لما راجعتك في تعليقك على الأصل الرابع ولبادرتُ بالإنكار، وأنت تعلم فِعلَ المتناظرين – إن كانت نيتهم الغلبة – في فرصةٍ كهذه، وإنّ قضيتي أبسط من ذلك وأوضح، فلست أسعى إلا لقضايا في غاية الوضوح، وهي عند التأمل لا يمكن أن تكون إلا محل اتفاق، ومنها أن عقولنا – أنا وأنت – غير معصومة من الزلل، وقد يتبين لك أن الصواب في خلاف ما كنا عليه، وأنّنا نخطئ المرة بعد المرة، فإنّ عقلك الذي أخطأ في الاستدلال بـ "كما قال العبد الصالح"، وأخطأ في نفي شأن المسيح بحجة أن ذاك من تنزيه الرسول أن يكون المسيح خيرًا منه مع أنه ليس بلازم، وأخطأ في البيان حين قلتَ إن العرش هو الله، وأخطأ في فهم محاوره كما في تعليقك على الأصل الرابع في الرد السابق، وأخطأ في النقل كما أخطأت في نسبة حديثٍ للبخاري على وجهٍ ليس عنده، هذا العقل الذي وقع في هذه الأخطاء التي اعتذرتَ عنها - شيمةَ النبلاء أحييك عليها – هذا العقل – عقلك أو عقلي – لا يمكن أن يُترك له بحالٍ تأصيل العقائد، أو أن يُوكَّل بتوضيح القواعد، فإنّ هذا يتنافى وحفظ الذكر!

    فإن جمعتَ الفقرتين السابقتين، تبين لك أنّك تقول إن القرآن عرضةٌ للخطأ في الفهم، والسنة عرضةٌ لذلك وللزيادة والنقص، وآثار الصحابة كذلك هي الأخرى، وعقولنا عرضةٌ للخطأ في تصور التنزيه، وفي الاستدلال، وفي النقل، وفي فهم النص، وفي البيان .. فكيف تقوم حجةٌ على مبطلٍ من خلال قولك هذا؟!

    إن كنت ترشدني إلى الانترنت لأرى شبهات النصارى، فإن قولك هذا يفتح الباب لكل ضالٍّ من نصراني أو يهودي أو بوذي أو بهائي أو لاهوري أو من عرفتَ من الضالين، فإنك إن استدللت عليه بالكتاب أجابك إن القرآن عرضةٌ للفهم الخطأ، وإن أجبته بالسنة أجابك بقولك إنها عرضةٌ للفهم الخطأ والزيادة والنقص، وإن أجبته بآثار الصحابة أجابك بقولك إنها لا تفترق عن السنة في شيء، وإن أجبته بعقلك أجابك بما يعرفه الجميع أنّ عقلك عرضة للخطأ في التصور والفهم والاستدلال والنقل والبيان، فكيف تدعو أهل الضلال إلى اتباع حقٍّ ثابتٍ وهذه ثمرة ما اعتقدت؟!

    وأقف عند قولك (وآثار الصحابة فيها الصحيح والموضوع، ويجب نقدها عندما تتعارض مع الثوابت الإسلامية)، فمن أين تأتي بالثوابت الإسلامية، أمِن كتابٍ يحتمل الفهم الخطأ، أم من سنةٍ تحتمل ذلك والزيادة والنقصان ورواية بالمعنى، أم من أقوال صحابةٍ "يروي عنهم الراوون بالمعنى كثيرا بما يتعارض مع اللائق بالله" كما قلتَ، أم هو شيءٌ غير ذلك تستمد منه الثوابت الإسلامية؟؟ فانظر في جواب هذا السؤال!

    ثم إن منهجك يقوم على تأويل كل شيء، فالقرآن الكريم يؤول، والسنة النبوية تؤول، وآثار الصحابة تؤول، (وكلام ابن مسعود يؤول لكلامي) -تقصد نفسك- اهـ، فإن كان الأمر هكذا، وإن كان التأويل يبلغ من التعسف ما يجعل "عرشه على الماء" تكون "عمد إلى خلق الأحياء"، فمن هذين المقدمتين ينتج أنّ كل الكلام يمكن تأويله، فلا تقوم الحجة على مبطلٍ بسماع كلام الله، ولا بمعرفة أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا بآثار الصحابة عليهم الرضوان، فإنه يستطيع أن يؤول كل الكلام ليصير موافقًا لهواه!

    يا سيدي .. إنك إن التزمت بهذا المنهج فعلًا، لم تستطع أن تقيم حقيقةً قط، ولم تقدر على أن ترد على مذهبٍ باطلٍ قط، وانقلبت كل نصوص الشرع غير محكمة، وصارت أوضح الواضحات من المشتبهات، وأي لفظٍ يُقيم معنى بعد أن تتوارد وتتواتر النصوص برؤية المؤمنين ربهم في الجنة، عيانًا لا يضامون في رؤيته، كما يرون القمر ليلة البدر، ويسأل الأصحاب أنرى ربنا؟ ويجابون بإثبات ذلك، ثم ينقلب كل ذلك بفعل التأويل وهمًا لا حقيقة وراءه، فأي نصّ تقوم منه حقيقة غير قابلة للتأويل بعد ذلك؟! فلا عجب إذن أن تنقلب نصوص ختم النبوة برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا نبي بعده، في عقول أقوامٍ وهمًا لا حقيقة وراءه، ولا عجب أن يأتي يومٌ تنقلب فيه نصوص توحيد الله وهمًا يُتأول، ونصوص إثبات العلم لله من قبيل الخيال .. ذلك من خلال المعتقد الذي تتبناه!

    لتفرض أنّ الله يخبرك أن له صفة اليد، فكيف يخبرك سبحانه بهذا؟! أبكتابٍ تقول إنه عرضة للفهم الخطأ؟ أم سنة تقول إنها عرضة لنقص وزيادة؟ أم بآثار صحابةٍ كذب عليهم النقلة؟! أم بنصوص واضحة ستعمل فيها بالتأويل؟! أم يطمع كل امرئٍ أن يُؤتى صحفًا منشَّرة؟! ألا تذوب رعبًا أن الله أخبرك بصفة اليد وقال (خلقت بيدي)، فأبيت إلا أن تنفي ذلك، وتزعم أنّ هذا ليس بمراد الله، ومن أظلم ممن افترى على الله كذبًا، ما جواب هذا السؤال: لتفرض أن الله يخبرك بصفة اليد التي تليق بكماله وجلاله، فكيف يخبرك بها وما اللفظ الذي لو جاءك لأثبتَّ هذه الصفة؟!

    إنّ قولك (لقد قال الله تعالى وتقدس ما قال، ورغم ذلك يحدث الفهم الخطأ ....إلخ) كفيلٌ بأن يبين لك بطلان ما أنت عليه، وأخشى ما أخشاه أن تصرفك نفسك عن التأمل في بطلان هذا القول والذي يفضي إلى بطلان مذهبك، أن تصرفك نفسك عنه إلى محاولة البحث عن تخريجٍ مناسبٍ لهذا الكلام يُرضي محاورك! لذا أرجو أن تصرف الأولوية في نظرك إلى هذه الجملة من قولك وما تستلزمه من بطلان معتقدك! فهذا معتقد لا للإسلام نصر .. ولا للضالين كسر!

    (وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ)


    لقد طرحتُ تعريفًا لظاهر النص كما تواضع عليه أهل العلم، ولم تعلّق عليه في ردك الثالث، ووضعتَ تعريفًا تقول فيه إن "الظاهر هو المعنى الذي ينتصر على غيره من المعاني الباطلة"اهـ، وهذا التعريف ناقص، وقد ذكرتُ لك في الرد الرابع أنّه كان ينبغي أن تبين لي قولك في التعريف الذي ذكرتُه إن كنتَ انتبهت إليه، وقد ذكرتَ بعد ذلك أنّك ستطبق هذا التعريف الذي ذكرتُه في سورة المؤمنون والأنبياء، ولكن ما ورد في بقية كلامك يدلني على أنّك لم تتفق معي على معنى الظاهر بعدُ، فها أنت ترى أن الظاهر نوعان ظاهر فعلي وظاهر كلامًا!! فتقول (وليظهر الظاهر الفعلي، لا الظاهر كلاما)اهـ، ويتضح من كلامك أن هناك مفهومًا للظاهر متداولًا لا توافق عليه فتقول (لم لم تقل حضرتك بظاهر النص حسب مفهوم الظاهر المتداول؟) .. وهذه النقطة في غاية الأهمية في حوارنا هذا!

    ولما سألتك كيف يحتكم اثنان إلى الكتاب والسنة، وأنت تقول لهم في النص الذي يحتكمون إليه، إنه ينبغي أن يرجعوا إلى المعنى الحق الذي ينتصر على الباطل، وحيث إنّ كل منهم يرى نفسه على الحق، فقصرك تعريف الظاهر على أنه المعنى الحق تعريف ناقص، والاقتصار عليه يؤدي إلى إلغاء حاكمية الكتاب والسنة، ولا يغني ما ذكرته عن الجمع والتنزيه والسياق شيئًا من هذه العاقبة السيئة .. عاقبة إلغاء الحاكمية!

    وحوارنا هذا مثالٌ لاثنين كلّ منهما يرى أنه على الحق، وأنه ينزه الله تعالى، وأن قوله هو القول الذي يجمع بين النصوص، وأن السياق يوافق رأيه، ويغلب على ظني أننا نريد إصلاحًا والله أعلم، وقد رضينا بالاحتكام للكتاب والسنة، فإن طبقنا تعريفك لظاهر اللفظ، وجدت نفسك ترى أنك استطعت السلوك في غابة النصوص، وأنّ كلامك عن السياق يحيى النفوس بخلاف كلامي، وأنك تنزه الله حق التنزيه، ووجدتني أقول إني أجمع بين النصوص بسهولة ويسر، وأن كلامي عن السياق يوافق ما صح عن الصحابة، وأني أنزه الله تعالى حق التنزيه .. وطبيعة الحكم بين اثنين أن يكون قاضيًا على أحدهما بالصواب والآخر بالخطأ إن كانا ضدين .. لا أن يداهن المتحاكمين حتى يصيبهم العجز عن الوصول إلى حُكمٍ عند الاحتكام!

    أضف إلى هذا أن ما سبق من قولك إن الله قال ما قال وكلامه عرضة للفهم الخطأ وكذلك السنة وآثار الصحابة، وقد تصيب الزيادة والنقصان السنةَ والآثار، فهذا يعني إلغاء حاكمية الكتاب والسنة تمامًا، لأنّك حين تفقد الثقة بالحكم، بعد أن جعلته حكمًا غامضًا يظهر حكمه بشق الأنفس، تكون أجهزت على ما تبقى من حاكمية للكتاب والسنة!

    ثم إنّ أحدًا من أهل العلم لم يستعمل الظاهر بهذا المعنى الذي تقوله، لا من أهل اللغة ولا من أهل التفسير، لا من أهل السنة ولا من غيرهم، وكم مرةٍ تجدهم يقولون "والظاهر غير مراد!"، ونعلم أنهم لا يقصدون أنّ "القول الحق غير مراد"، ويقولون "الظاهر لا يصار إلى خلافه إلا عند الضرورة أو ورود القرينة أو الدليل....."، ونعلم أنهم لا يقصدون أنّ القرينة تصرفنا من المعنى الحق إلى المعنى الباطل، والذين يصرون على التأويل الباطل كثيرًا ما يقولون "والنص متروك الظاهر" ونعلم أنهم لا يقصدون ترك المعنى الحق، ولذا فتعريف ظاهر اللفظ على أنه "ما يسبق إلى العقل السليم منه لمن يفهم بتلك اللغة"، هو التعريف الصواب أهل السنة ومن خالفهم.

    ولنأخذ الرازي كمثال .. فهو ليس بمجروح عندك وإن كان مجروحًا عندي .. فتراه يقول في موضع من تفسيره: (قالوا إنما تركنا الظاهر وعرفنا كون هذا الأمر للإباحة بالإجماع)، فترك الظاهر قام بالإجماع، ولا يعقل أنه يقصد أن الإجماع قام على ترك المعنى الحق، وانظر كلامه في تفسير معنى الكرسي (واختلف المفسرون على أربعة أقوال، الأول : أنه جسمٌ عظيمٌ يسع السموات والأرض ... المعتمد هو الأول ، لأن ترك الظاهر بغير دليل لا يجوز ، والله أعلم.)اهـ، فهو يقرر أن كون الكرسي جسمًا عظيمًا هو الظاهر، ويقرر أن ترك الظاهر لا يجوز إلا بدليل، ونعلم أنّه لا يقصد أن الدليل يؤدي إلى ترك المعنى الحق! وعلى ذلك يتضح بالمقال والمثال أن تعريفك لظاهر النص تعريف ناقص، ويؤدي إلى إبطال حاكمية الكتاب والسنة، وهو تعريف لم تسبق إليه!

    وحين أقول إنّ الاحتكام يكون لظاهر النص، فإنّي أرد الناس إلى حَكمٍ واضحٍ ظاهر متفق على قوله، يعطيك الحكم بأوضح وأبين لفظ، من غير لجلجةٍ ولا بلبلة، ولا ثرثرةٍ ولا بربرة، وحين ننصرف عن ظاهر اللفظ، فيكون ذلك بأدق الضوابط، كما سبق بيان شروط ذلك، ويكون من هذه الشروط ورود الدليل والبيان من الكتاب والسنة كذلك .. وهذه النقطة كما ترى محوريةٌ في هذا الحوار .. وهي كفيلة لو تأملتها أن تدلك أي النجدين أحق بالاتباع .. أهو الذي يجعل من الشرع قاضيًا مترددًا عي اللسان يطلق حكمًا لم يُحفظ عن الفهم الخطأ وهو إلى الألغاز والأحاجي أقرب، أم الذي يجعل من الشرع حكمًا واضحًا مبينًا حُفِظ حكمه عن الفهم الخطأ وهو كالشمس ظهورًا وجلاءً؟!

    إنّك لو وافقتني على أنّ ظاهر اللفظ هو (ما يسبق إلى العقل السليم منه لمن يفهم بتلك اللغة)، وأقررت كما أقرّ أهل العلم وحتى الذين قالوا بالتأويل الفاسد، أنّ النصوص التي فيها ذكر العرش، يسبق إلى الذهن منها المعنى الذي أذكرُه لا الذي تذكره، ثم جمعته إلى موافقتك على أن القرآن الكريم لم ينزل بألفاظٍ يتبادر إلى ذهن العربي عند سماعها معانٍ غير صحيحة، لعلمتَ أنّك يلزمك القول بالمعاني التي أثبتها من هذه النصوص لا التي تثبتها، سيما وقد فقدتَ أيّ نصٍّ فيه أنّ العرش هو الفيوضات أو التجليات أو أن عرشه على الماء تعني توجه التجليات لخلق الأحياء!

    هذه ثمرات منهجك وأصوله!


    قد علمتُ أنّ الله يقول (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ)، فوجدتك – خضوعًا لمذهبك – تقول: (ويستعمل الله إمكانيات اللسان في سبيل التقريب)، فالله يقول إنّ اللسان مبينٌ، وأنت تقول إنه للتقريب، الله يقول إنه يبين الحق، وأنت تقول إنّه يقرب الأذهان لجمال الحق، لتصير المسافة بين الأذهان والحق خالية، يعمل فيها من يريد بالتأويل والتحريف، الله يقول إنه يهدي للحق، وأنت تقول إنه أنزل ما يقربك من الحق لا ما يقف بك عليه!

    ولا عجب، فأنت محوجٌ لهذا القول، أما أهل السنة فيقولون إن الله أنزل الكتاب مبينًا، من اتبعه فقد أنجح وأفلح، فإن قال الله إنّه "سميعٌ" و"يسمع"، أثبت أهل الحق صفة السمع، وقالوا إنّ سمع الله ليس كسمع خلقه، فإن تكييف الصفة يختلف باختلاف الذات التي تنسب إليها، وعليه فإن تفويض العلم بالكيفية من لوازم اللسان المبين، أما غير أهل الحق فيرون قوله "وكان عرشه على الماء"، فيقولون إنّ اللسان هنا غير مبين، وإنما هو للتقريب، والمقصود – البعيد بل إن شئت فهو الغامض بل هو الشبهة التي لا حقيقة فيها – أنه توجه التجليات لخلق الحياة!

    هذه ثمرات منهجك وأصوله!


    وقد عدمتَ في منهجك أي سلفٍ من الصحابة الكرام، وقد سألتك عن أثرٍ واحدٍ لواحدٍ من الصحابة يقول إنّ عرش الملك هو عزه أو تجلياته أو فيوضه أو غير ذلك مما ذكرتَ، بل عدمتَ أي أثرٍ عن واحدٍ من القرون الخيرية الأولى، فهل هذا المنهج هو منهج الصحابة، فلمَ لم يبلغوه؟! ولم يشتهر عنهم وينتشر؟! أين مقتضى الوعد بحفظ الذكر وظهور الدين؟!

    وقد سألتك عن العربي أيقوم في ذهنه أن "عرشه على الماء" تعني أنه "عمد إلى خلق الأحياء"، فأجبتَ أنه لن يفهم ذلك أول الأمر وقلتَ: (ثم يتعلم أن عرشه كان على الماء فيفهم أن تدبير الله وتجلي صفاته في الفاتحة تجلت على الماء بعد فرش الكون لقدوم الحياة.)اهـ، فأينَ النصوص التي يعلم فيها النبيُّ صلى الله عليه وسلم أو الصحابةُ عليهم الرضوان العربيَّ الذي يدخل الإسلام أن عرشه على الماء تعني أنه عمد إلى خلق الأحياء، أم تراهم وقعوا فيما استنكرته من أن (تساق النصوص وتترك هكذا للعامي والغمر دون تأويل ينزه الله)؟! أم تراهم فهموا أن المتبادر إلى ذهن العامي والغمر – الخلي عن تجربة المذاهب الأخرى – هو الصواب من أنّ عرشه على الماء تعني أن عرشه على الماء ولا تعني أنه عمد إلى خلق الأحياء؟! فهذا سؤالٌ لازمٌ يبطل قولك وليس لك عليه جواب: إن كان العربي لا يعرف هذا المعنى "عمد إلى خلق الأحياء" إلا بالتعليم، وإن كان سوق النصوص للعامي دون بيان التأويل الصحيح أمرًا مستنكرًا، فأين الأحاديث أو الآثار التي فيها ذكر هذا المعنى إن كان حقًّا ما تقول؟!

    ولذلك فأنت مضطر إلى المصادرات في حق الصحابة، فأنت تصادر وتقول عن الصحابة: (لا يمكن تخيلهم يفهمون غير ذلك)، بينما المنقول عنهم خلاف ذلك، وتصادر وتقول عن ابن مسعود: (ولو كان ابن مسعود معنا الآن ورأى الحوار فسيقف بجانبي بشكل أكثر من وقوفه بجانبك)، وابن مسعود رضي الله عنه هو الذي قال: "اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم"، فهل قائل هذا الكلام يوافق على مذهبٍ لازمه الزعم بأن السنة وآثار الصحابة عرضة للخطأ في الفهم أو الزيادة والنقصان؟!

    هذه ثمرات منهجك وأصوله!


    وكالعادة يقوم مذهبك على كلماتٍ لم تُعرف عن أحدٍ من السلف، كلماتٍ اتفقنا قبلُ أننا لا نطلق فيها حكمًا بنفيٍ ولا إثباتٍ حتى نستبين المعنى المخبوء في ظلها، فها أنت بعد الاتفاق تنقض، فبعد نفي الجهة و التكثر تقول (والله تعالى متقدس سبحانه عن (المواضع) أو أن يكون له جوارح تشعر بالتبعيض)اهـ.، وحيث إنّه هذه الألفاظ لم ترد في الكتاب والسنة، فإنّ إطلاقك النفي فيها غير مسلم، فإن كان المقصود بنفي هذه الكلمات نفي تمثيل الله بخلقه فنحن نقره ونقول إنّ اللفظ الوارد في الكتاب والسنة هو الأحق بالاستعمال، وإن كان المقصود بنفي هذه الكلمات نفي صفات الله تعالى فنحن لا نقر هذا النفي ونثبت صفات الله تعالى ونكتفي بما ورد في الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة!

    وكذلك يقوم منهجك على التمثيل بادي الرأي، وبعد وقوعك في التمثيل تلجأ للقطب الآخر، فتقع في التأويل والتعطيل، ومن ذلك فهمك والتزامك للنسب الحجمية بين القدم وجهنم – ولا أدري ما داعي سؤالك عن عدم تعليقي على كلامٍ لا يوافق كلانا عليه! - والتزامك في فهم النص بالنسب الحجمية بين القدم والكرسي، وعلاقة القدم بالساق بارتفاع العرش! فأنت تفهم النصوص بتمثيلٍ بل بغلوٍّ في التمثيل، ثم ترتد نافرًا إلى الطرف الآخر، فتلغي معاني القدم والكرسي والعرش، إلى معانٍ أخرى غير مقصودة، وقد كان يكفيك من ذلك أن تمر النص كما جاء، وتعلم أن اختلاف الذوات يقابله اختلاف الصفات، فإن سألك سائل "كيف؟!" قلتَ "لا أدري!"، كمثل قولك: (الله قريب من كل شيء خلقه تعالى بنفس الدرجة، فليس الله قريبا من السماء السابعة أكثر من قربه من الأرض، كيف؟؟ لا أدري)اهـ.

    أما قولك (الله قريب من كل شيء خلقه تعالى بنفس الدرجة)، فإن كنت تقصد قربه تعالى بعلمه من جميع خلقه فمسلّم، وإن كنتَ تقصد قربه تعالى من بعض خلقه في بعض الأحوال بكيفيةٍ لا نعلمها ولا يلزم منها خلو العرش منه فمسلّم، وإن كنت تقصد أن الله قريبٌ بذاته من جميع الخلق في كل الأوقات والأحوال فغير مسلم إذ ليس في كتاب الله ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم قربه تعالى من جميع مخلوقاته في كل حال!

    ولقد رأيت قولك بـ (استحالة صحة وجود قدمين لله)اهـ وقولك (لتنزه الذات عن الأقدام)اهـ، فقام في خاطري عدة أسئلة: هل إثبات قدمين لله من المستحيل عقلًا؟! أليست المسألة توقيفية لا علم لنا بها إلا من جهة النص؟! هل ترفض إثبات قدمين لله حتى لو أثبتهم الله لذاته؟! – وأطمع في جوابٍ صريحٍ لهذا السؤال السابق - فإن قام النص الصحيح الصريح أثبتنا ما يثبته دون تمثيل أو تعطيل فنمر النصوص كما جاءت، وإن كنت ترى في إثبات القدم تمثيلًا، فإن الجهمي يرى في إثبات العلم تمثيلًا، والملحد يرى في إثبات الذات تمثيلًا، فجوابك على الجهمي والملحد في إثبات الذات والعلم هو جوابي عليك في إثبات القدم .. وأختم هذه الفقرة بسؤال: أيمتنع أن يكون له قدم تناسب ذاته تستحق من صفات الكمال ما تستحق الذات؟!

    وقد اتفقتَ على صواب التقسيم والتعليم والتنظيم والاستقراء، بما يدل على أنك لن تجد غضاضة في تقسم التوحيد أو تقسيم الصفات في حد ذاته، وهذه خطوة في سبيل الاتفاق بإذن الله، ولكنك مازلت تشنع بأن تعداد الصفات قد يُنشئ في ذهن العامي وهمًا بذات عملاقة شفافة لها كذا وكذا، في حين أن مذهبك لا يخلو من هذه الشناعة المدعاة، فيمكنني الرد عليك بأنك حين تثبت الذات، يقوم في ذهن العامي تصور ذات عملاقة شفافة، فإن نفيت عنها العين، قام في ذهن العامي ذات عملاقة شفافة بلا عين، فإن نفيت اليد والوجه قام في ذهن العامي ذات عملاقة شفافة بلا وجه ولا يد، وهكذا .. فإن أجبت بأن هذا يُتقى بتعليم أنه ليس كمثله شيء، أجبتك بأن ما تخشاه من إثبات الصفات يتقى بمثل ذلك، وإن أجبتَ بأن اختلاف الذوات يستلزم اختلاف الصفات، أجبتك بأنّ هذا ديدني، وإن أجبتَ بأن هذا يُجتنب بحسن التدريس، أجبتك بمثل ذلك .. إذن! فلا معنى لما تطرحه هنا من وهمٍ يقوم في ذهن العامي، لأمور: أنّ هذا الوهم يلزمك إن ألزمتني به! وأنّ طريقتك في نفيه هي طريقة محاورك! وأخيرًا أنه ليس من وسم الباحث أن ينفر من الحق لوهمٍ يزول بالتعليم!

    تنبيه لطيف: كثيرًا ما يقع المنخرطون في مناظرة الملاحدة والنصارى وغيرهم من الضالين، كثيرًا ما تصيبهم آفة من هذه الحوارات وهم لا يشعرون، فإنهم ينظرون في كل نصّ أو حدثٍ أو تشريع، فيزنونه بميزان هذه المناظرات، فيقولون في أنفسهم "هل هناك فائدة من هذا النص أو الحدث أو التشريع تغري النصارى بالإسلام؟!؟"، فيكون هذا لهم معيارًا وهم لا يشعرون، وهذا المعيار وإن كان الداعي له نية خير، إلا أن هذا لا يعني أنه معيارٌ صحيح، وكم من مريدٍ للخير لم يدركه، وقولك (لا فائدة للإسلام من إثبات قدمين للذات) مثالٌ على هذا، فانتبه لذلك يا هداك الله .. إنني لو سألتك (ما الفائدة من تحديد الظهر بأربع ركعاتٍ للإسلام!؟) .. أو (ما فائدة القول بسبع سماواتٍ للإسلام؟!) .. لما استطعتَ جوابًا إلا أن تقول إنّ هذا تكليفٌ من رب العالمين، فيكون منّا متبعٌ محسنٌ وتاركٌ مفرط .. فهذا هو رد ما ادعيت من أنه لا فائدة للإسلام من إثبات قدمين ووجه ويد .. فمن صدق بهذه الصفات على وجهٍ يليق بالله عز وجل بلا تمثيلٍ ولا تحريف، كما أثبت العلم والقدرة والرحمة فقد أفلح وأنجح، ومن رفضها وقدّم عقله وأبى إلا التعطيل فقد خاب وخسر .. نسأل الله النظر إلى وجهه الكريم! وأن يثبت قلوبنا على هذا الدين!

    إن أمر الاعتقاد قد بيّن وتم، ولسنا في حاجة للبحث عن علاقة عبقرية بين القدم والعلم، فقد كفانا الصحابة عليهم الرضوان ذلك، ولا يفوتني في الحديث عن منهجك، أن أذكّر بأنك تستدل بلسان العرب بطريقةٍ لم يعرفها العلماء، فكلما أردتَ الاستدلال بشيءٍ من لسان العرب، وجدتك تنقل من القاموس المحيط كلمتين، وقد نبهتك إلى هذا قبلُ فقلتُ (ولا يكتفى هاهنا بنقل كلمتين من القاموس المحيط لتقوم بذلك حجة)، فقد طفق المختلفون في هذا الأمر يستدلون بموارد الألفاظ في الكتاب والسنة وآثار الصحابة واستعمال العرب الذين نزل القرآن عليهم، ولم أرَ قبلُ ما تفعله من نقلٍ لكلمتين من القاموس المحيط، الذي وُضِع بعد الهجرة بقرونٍ عديدة، وكأنّ هذا يُنهي النزاع ويوجب الاتفاق!

    هذا عن منهجك ولوازمه وما اضطرك إليه، أدعك تتأمل فيه، وأنتقل إلى بيان مذهبي الذي لا تعرفه أنت، فأنت تقول (أنكم لم تلتزموا بإمرار النصوص كما جاءت)اهـ، وتقول (قلتم أن الناس أحدثوا إنكارات فأحدثنا إثباتات الصفات، ولكن كما ترون فقد تبين أن في الإثباتات أخطاء)اهـ، وتقول (ومن العجيب أن كثيرا منهم يلجأون لتأويل حديث الهرولة ولا يؤلون آية الأعين)اهـ، وتقول (لم يحكموا، لأن نقد المتن مهم) ... إلى غير ذلك من أقوالٍ تدل قطعًا على أنك لا تعرف ما عندنا من الحق كما أسلفتُ الذكر .. فإليك تفصيل الأمر، وأعلم أن في هذا استطرادًا، ولكني أطمئن إلى كونك محاورًا منصفًا لن يستغل هذا الاستطراد في تشتيت الموضوع، سيما وأنا ما استطردتُ إلا حرصًا على بيان الحق، "وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها"!

    حاشية: لا أدري لماذا تحاول تحريف كلامي فتجعلني أقول إن الغمر "جدير بفهم الأشياء العليا في القرآن"، بينما قولي إن العقيدة جاءت بأوضح وأبين وأفصح لفظ حتى يعلمها العامي والعالم، ويدركها البحر والغمر، فإن كنت تنوي تكرار ذلك ونحلي ما لا أقول، فأنت وما أردت، لكني أبرأت ذمتي إلى الله، فأعدتُ المراد طردًا لاحتمالِ أنك أُتيت من قِبل سوء الفهم لا قصد التشنيع على المحاور!

    مذهب أهل السنة والجماعة الذي لا تعرفُه!


    إنّ المرء حين يرى شناعة التهمة بما يجاوز المعقول يعلم أن الرامي بها لا يعلم عن مخالفه شيئًا، ومن ذلك أن ليس في معتقدي الذي ترفضه أنّ كل ما يُضاف إلى الله تعالى يكون صفة ذات، فهذا ليس من العقل في شيءٍ فضلًا عن أن يكون من الإحكام، وإنما عندنا القاعدة الثابتة أن ما أضيف إلى الله مما هو غير بائنٍ عنه فهو صفةٌ له غير مخلوقة، وكلُّ شيءٍ أضيف إلى الله بائنٌ عنه فهو مخـلوق، فليس كل ما أضيف إلى الله يستلزم أن يكون صفةً له، وهكذا نقف أمام "ناقة الله" و "بيت الله" و "رسول الله" و "يوم لا ظل إلى ظلي"، ونقول إنّ هذه المضافات مخلوقة، والإضافة إضافة خلقٍ وتشريف أو غير ذلك من المقاصد!

    ولا أراك إلا متوهمًا أننا نثبت لله صفات ذاتٍ حادثة، وإلا فما معنى قولك (وحاشا لله أن يستعين بشيء ليرى)اهـ؟! يا سيدي إننا نقول بصفاتٍ تليق بجلاله عزّ وجل، صفاتِ من ليس كمثله شيء، فليست عينه محدثة لتزعم زعمك وتفهم مثل فهمك، بل هي كصفة القدرة، فإن كان الله يخلق الكون بقدرته وعلمه، من غير أن يكون في ذلك عجز مستنكر، فإنه تعالى يرى بعينه من غير توهم عجزٍ مستنكر، وإلا لفهمنا أن قولك (أزال الله مابيننا من اختلاف بفضله) على أن الله يستعين بفضله!!

    أنت تهاجم مذهبًا يقول إن كل شيءٍ هالكٌ "حتى ذات الله" إلا وجهه!! بناءً على سطحية شديدة في فهم النصوص، أنت تهاجم مذهبًا "يحدث إثباتات لأن الناس أحدثوا إنكارات"، بينما مذهبي مذهب أهل السنة والجماعة أهل الحديث والأثر، فيه أن صفات الله تعالى وأسماءه توقيفية، ويعوذون بالله من القول على الله بغير علم، أو الافتراء على الله أن هذا معنى كلامه دون أين يكون هذا هو المعنى، أو أن يصرفوا كلامه عن ظاهره المتبادر إلى الأذهان من غير دليل إلا تحكيم العقل وضلالات الفلاسفة!

    إنّ التأويل عندنا يطلق على عدة معانٍ، بينما تحصره أنتَ في معنى واحدٍ فتقول (وما التأويل سوى حسن الفهم)اهـ، وقد تكرر ذلك منك غير مرة، بينما الثابت أنّ التأويل له أكثر من معنى كما ذكرتُ:

    الأول: يقصد بها العاقبة، كما في قوله تعالى (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) وقوله تعالى: (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا).
    الثاني: وقوع حقيقة الأمر المخبر به، كما في قوله تعالى: (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ).
    الثالث: تأويل الرؤى يسمى تأويلًا بالاعتبارين السابقين، كما في قوله تعالى (وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ)، وقوله تعالى (وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا).
    الرابع: التفسير والبيان، كما في قوله صلى الله عليه وسلم (اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل)، وهذا ما يقصده السلف الصالح، كما يقول الطبري في غير موضع من تفسيره (القول في تأويل قوله جل ثناؤه ...).

    فهذه المعاني ليست هي المقصودة حين ننفي التأويل، أما أن يكون التأويل ما اصطلح عليه المتكلمون من صرف اللفظ عن ظاهره، فهذا الذي ننفيه إن عدم الدليل من الشرع، لما فيه من تعطيل نصوص الكتاب والسنة، وعليه فإن حصرك التأويل في معنى واحدٍ ليس مقبولًا نقلًا ولا لغةً ولا واقعًا، ونحن لا ننفي التأويل الذي هو حسن الفهم، بل ننفي التأويل الذي هو صرف اللفظ عن ظاهره دون داعٍ إلا النفور من أمورٍ متوهمة كنفي التكثر وما شابه!

    ونحن نقول بصرف اللفظ عن معنى إلى معنى آخر يقتضيه السياق، إذ إن ما دلّ عليه السياق من ظاهر الخطاب، ولهذا شروط وإليك هذه الشروط:
    الأول: أن يكون اللفظ مستعملًا بالمعنى المصروف إليه في اللغة، لأنّ الشرع نزل باللسان العربي، ولو تخلّف هذا الشرط لجاز لكل ضالٍّ أن يفسر كل لفظٍ بما يشاء من معنى ولو كان لا أصل له في اللغة!
    الثاني : أن يكون هناك دليلٌ قاطعٌ - سالمًا عن المعارض - يوجب صرف اللفظ إلى المعنى المصروف إليه، وإن انعدم هذا الدليل القاطع وجب حمل اللفظ على المعنى الحقيقي الذي يغلب استعماله فيه.
    الثالث : "أن الرسول صلى الله عليه وسلم إذا تكلم بكلامٍ وأراد به خلاف ظاهره وضد حقيقته فلا بد أن يبين للأمة أنه لم يرد حقيقته وأنه أراد مجازه سواءً عيّنه أو لم يعينه لا سيما في الخطاب العلمي الذي أريد منهم فيه الاعتقاد والعلم.. لأنه إذا تكلم بالكلام الذي يفهم منه معنى وأعاده مراتٍ كثيرة، وخاطب به الخلق كلهم وفيهم الذكي والبليد والفقيه وغير الفقيه، وقد أوجب عليهم أن يتدبروا ذلك الخطاب ويعقلوه ويتفكروا فيه ويعتقدوا موجبه، ثم أوجب ألّا يعتقدوا بهذا الخطاب شيئًا من ظاهره، لأن هناك دليلًا خفيًّا يستنبطه أفراد الناس يدل على أنه لم يرد ظاهره كان هذا تدليسًا وتلبيسًا، وكان نقيض البيان وضد الهدى وهو بالألغاز والأحاجي أشبه منه بالهدى والبيان، فكيف إذا كانت دلالة ذلك الخطاب على ظاهره أقوى بدرجاتٍ كثيرةٍ من دلالة ذلك الدليل الخفي على أن الظاهر غير مراد، أم كيف إذا كان ذلك الخفي شبهة ليس لها حقيقة؟"!

    مثال ذلك: قال صلى الله عليه وسلم (إن الله عز وجل يقول يوم القيامة: يا ابن آدم مرضت فلم تعدني!)، فيسوغ في اللغة أن يكون المراد "مرض عبدي"(1)، وقام الدليل القاطع أنّ الله تعالى منزه عن المرض، لأنه المرض نقصٌ من كل وجه، وهو سبحانه (لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ) ولا يمسه لغوب، ولم يقف لهذا الدليل القاطع معارض(2)، وقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله في تمام الحديث: (قال : يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين ؟ قال : أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده ؟ أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده ؟)(3) .. هكذا عقيدة مؤصلةً ثابتة لا تختلف ولا تتخلف .. عقيدة تقوم على أن النصوص أتت بالوضوح والبيان لا تلبيس وتدليس وأحاجي وألغاز!

    على النقيض من ذلك، انظر صفة اليد الثابتة لله تعالى، وفساد تأويلها بالقدرة أو النعمة أو غير ذلك مما بين فساده أهل العلم:
    تخلف الشرط الأول: فإن كان في لغة العرب استعمال اليد بمعنى القدرة و النعمة، لكن ليس من لغة العرب أن تستعمل اليد بصيغة التثنية بعد فعلٍ مضافٍ إلى فاعلٍ ومتعدٍّ إلى اليد بالباء، هكذا على هذه الصفة لم تستعمل اليد أبدًا بمعنى القدرة أو النعمة، كقوله تعالى (لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ)، ولم تستعمل بهذه الصفة بمعنى "خلقت أنا"، لأنّ هذا المعنى تضاف فيه اليد إلى الفعل، كقوله تعالى (بما قدمت يداك) أي ما قدمتَ.
    تخلف الشرط الثاني: لا يوجد موجب لصرف اليد عن الحقيقة.
    وقولك (وفي الفهم الشائع المتبادر، أنها يد جارحة يستعين الله بها على صنع الأشياء)اهـ، فأنت بذلك تنكر إنكاراتٍ بناء على توهماتٍ على وزان تعبيرك!
    إذ لا يمتنع في العقل أن يكون له سبحانه "يد" تناسب ذاته تستحق من صفات الكمال ما تستحق الذات، كما له علم وقدرة وذات ووجود يليقان بكماله، ولا يقول أحد إن المعنى الشائع المتبادر علمٌ يسبقه جهلٌ ويذهب به نسيان، أو قدرةٌ يسبقها عجز وبها يستعان، أو ذاتٌ كالذوات، أو وجودٌ كوجود سائر المخلوقات، وكذلك لا يقول أحدٌ إنها يد جارحة يستعان بها، بل له سبحانه الأسماء الحسنى والصفات العلى.
    تخلف الشرط الثالث: لم يرد في كتاب الله ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولا عن أحدٍ من الأصحاب رضي الله عنهم أن المراد باليد خلاف ظاهرها أو أن الظاهر غير مراد.
    وما يستدل به بعضٌ من قوله تعالى "ليس كمثله شيء"، فهذه الآية تنفي التمثيل، ونحن نثبت يدًا ليست كأيدي المخلوقين، كما أثبتَّ وأثبتنا علمًا ليس كعلم المخلوقين، وذاتًا ليست كذوات المخلوقين.
    فكيف يكون الكتاب والسنة مليئين بآيات فيها ذكر اليد، التي يُفهم منها اليد بالمعنى الحقيقي لا اليد بمعنى القدرة أو النعمة، ثم لا يبين الله ولا رسوله ولا أحد من الصحابة أن المراد الظاهر غير مراد، ألا يكون ذلك من التلبيس والتدليس وخلاف البيان والهدى ونقيض حفظ الذكر وظهور الدين؟!

    فهذا بيانٌ واضح في صفة اليد، أعطِه حقّه من التأمل، لتعلم أنّ هذا المنهج الذي ترفضه هو المنهج الوحيد الذي يجمع بين التنزيه وتحكيم النص، في وضوحٍ وظهور، وإن كان قوله تعالى (يد الله فوق أيديهم) يظهر منه المراد، إلا أن الاستدلال فيه يطول، والأخذ والرد في نقض ما أجبتَ به – مما ليس فيه مقنع - على سؤالي عن سخرية الشاعر من الملك مبتور اليدين بقوله "والمملكة في يديك"، وعن كون ثبوت اليد لجنس الإنسان هو الذي سوّغ التعبير بقوله "والمملكة في يديك"، فقد رأيت أن الحكمة أن أنتقل إلى استدلال أخصر وأقصر وأبين وأوضح!

    أما السؤال عن كيفية فهم قوله (خلقت بيدي) .. أهو يعني المماسة؟! فنقول: الله أعلم لا ندري عن الكيفية، كالسؤال عن كيفية فهم قوله (تعلقت بحقو الرحمن) .. أهو يعني المماسة؟! فنقول: الله أعلم لا ندري عن الكيفية، وإثبات اليد لله لا يلزم منه نقص، لأننا نثبت له ما يليق بكماله سبحانه، وإثبات الحقو لله لا يلزم منه نقص، لأننا نثبت له ما يليق بكماله سبحانه، ولا ننكر صفةً جاء بها النص بناءً على وهم المتوهمين وشناعة المشنعين، ونعلم أنّ النصوص التي وردت فيها "اليد" أغزر وأكثر وأوضح من تلك التي ورد فيها "الحقو"، لكنّ هذا لا يمنعنا من أن نمر النصوص كما جاءت دون تكييف يفضي أو ينتج من تمثيل، أو تأويل يفضي إلى تعطيل!

    أما الأثر (الحجر الأسود يمين الله في الأرض يصافح بها عباده) و(الحجر الأسود يمين الله في الأرض فمن صافحه أو قبله فكأنما صافح الله وقبل يمينه)، فما ورد منه مرفوعًا فقد قال فيه ابن العربي (حديثٌ باطلٌ فلا يُلتفت إليه)، وقال فيه ابن تيمية (روي عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسنادٍ لا يثبت)، وفي إسناده إسحاق بن بشر كذّبه ابن أبي شيبة وأبو زرعة، وأما ما ورد عن ابن عباس موقوفًا، فإنّه ضعيف جدًّا كما قال الألباني رحمه الله، وفي إسناده إبراهيم بن يزيد الخوزي وهو متروكٌ كما قال أحمد والنسائي، وعلى احتمال صحته وهو ليس بصحيح، فإليك مسلك أهل السنة في هذه النصوص، وهو المسلك الذي لا يختلف ولا يتخلف، يقول ابن تيمية رحمه الله: (ومن تدبر اللفظ المنقول تبين له أنه لا إشكال فيه إلا على من لم يتدبره، فإنه قال {يمين الله في الأرض} فقيده بقوله {في الأرض}، ولم يطلق فيقول يمين الله، وحكم اللفظ المقيد يخالف حكم اللفظ المطلق، ثم قال {فمن صافحه وقبله فكأنما صافح الله وقبل يمينه} ومعلوم أن المشبه غير المشبه به، وهذا صريحٌ في أن المصافح لم يصافح يمين الله أصلًا، ولكن شبه بمن يصافح الله، فأول الحديث وآخره يبين أن الحجر ليس من صفات الله كما هو معلومٌ عند كل عاقل) اهـ، وهكذا حتى مع الضعيف نلتزم بما ذكرنا من أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم بيّن أنه لا يقصد الحقيقة، وبالمناسبة فإن ما ذكرتَه عن أبي يعلى ليس هو ما أخذه عليه أهل العلم، وإنما كان استدلاله بالأحاديث الضعيفة والموضوعة في إثبات الصفات هو أساس الإنكار عليه، ولذا قال ابن تيمية رحمه الله في درء التعارض (ولهذا – أي لاستدلاله بالموضوع والضعيف - وغيره تكلم رزق الله التميمي وغيره من أصحاب أحمد في تصنيف القاضي أبي يعلى لهذا الكتاب بكلامٍ غليظ، وشنع عليه أعداؤه بأشياء هو منها بريء، كما ذكر هو ذلك في آخر الكتاب .. مع أن هؤلاء وإن كانوا نقلوا عنه ما هو كذبٌ عليه ، ففي كلامه ما هو مردودٌ نقلًا وتوجيهًا)، وقال عنه الذهبي في السير (ولم تكن له يدٌ طولى في معرفة الحديث، فربما احتج بالواهي)اهـ، فأولى بك ثم أولى أن تتحقق من صحة الحديث قبل أن تعمل في تأويله أو تمن عليّ بضرب الصفح عنه، فالتفسير فرع التصحيح!

    وكذلك الحديث الذي تمن عليّ أنك ضربتَ الصفح عنه، وهو (إن كرسيه وسع السماوات و الأرض، و إنه يقعد عليه، ما يفضل منه مقدار أربع أصابع - ثم قال بأصابعه فجمعها - و إن له أطيطًا كأطيط الرحل الجديد إذا ركب من ثقله)، وكذلك (إن عرشه لعلى سماواته و أرضه هكذا مثل القبة، و إنه ليئط به أطيط الرحل بالراكب)، فإنّ الأول ضعيفٌ فيه من لا يُعرف، والثاني فيه مدلسٌ لم يصرح بالسماع، ولذا حكم عليهما الألباني رحمه الله بالنكارة، فلم يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثٌ في أطيط الكرسي أو العرش، ولم يصح عن أحدٍ من الصحابة رضوان الله عليهم أنه يئط "به"، أو أنه أطّ من "ثقله"، ولذا فقولك (وآثار الصحابة فيها الصحيح والموضوع)اهـ، وما نقلتَه من قول ابن الجوزي (ثم هي مجموعها يسيرة والصحيح منها يسير)اهـ، لا يلزمني إلا إن وجدتني أستدل بحديثٍ ضعيفٍ أو أثرٍ موضوع، وأنا أشترط على نفسي في كل ما أكتب ألا أستدل بحديثٍ ولا أثرٍ إلا إن ثبتت صحته، فكيف حين أكتب عن أسماء الله تعالى وصفاته؟!!

    إن تغيير الدعاوى في كل ردٍّ ليس من مصلحة الحوار في شيء، فأنت عندما قلتَ إنّ كلامي عن حديث سجود الشمس كمثل كلامك، كنتَ تحتج بأني أقول بمثل قولك في معنى العرش من حيث لا أدري، فقلتَ (وقد اعترفتم بالتأويل ومفهومنا للعرش – كما ترى أيها المهندس- والسجود وأنهيتم الحوار بالاتفاق دون أن تدركوا)اهـ، وقلتَ (وتدعي في قلب المقالة لاحقا أن العرش ليس له أي معنى من المعاني التي ذكرتها لكم بينما أنت توافقني عليها –كما ترى أيها المهندس الكريم - هنا)اهـ، فكنتَ تزعم أني أوافقك على معنى العرش، وقد رددتُ عليك، وبدلًا من أن تقر – إقرار النبلاء – أنك أخطأت، حوّرت الدعوى إلى دعوى جديدة فقلتَ: (فأولتم حركة منصوصا عليها ذهابا وإيابا بأنها تعبير عن شأن دائم من الطاعة، وأرى هذا اتفاقا معي قاطعا لاشك فيه)اهـ، وقلتَ (لم لم تقل أن جسم الشمس المحسوس يذهب متحركا منتقلا قاطعا المسافات، صاعدا يعرج في الكون كي يسجد تحت سرير العرش المحسوس، تنتظر الإذن. (وتقول هو هكذا الأمر يجب أن يفهم)، بل قلتم : بدوام الخضوع تحت العرش.)اهـ.، وحيث إنك غيرتَ الدعوى فهاك الجواب:

    إنني في هذا الحديث أتمسك بشدة بظاهر اللفظ، وعندما يثير الشبهاتِ نصرانيٌّ على معنى هذا الحديث، فإن جوابي عليه يكون بإلزامه بلفظ الحديث، فلا أدري كيف رأيتني لا أتمسك بظاهر النص هنا، بينما أنا أرفض أي لفظٍ يضيفه بعضٌ مثل "صاعدًا يعرج في الكون"، مثلما أضفتَ أنت من عندك ما ليس من لفظ الحديث، وإنما مما تسرب إلى فهمك أو مما سمعته من أهل الشبهات، فالأمر واضح – جدًّا – أني أقول إن الشمس ذاك الجسم المحسوس، تذهب وهي في ذهاب دائم – ضرورة الحس – وتسجد سجودًا يناسب ذاتها، فاختلاف الذوات يلزم منه اختلاف كيفية الأفعال، وهذا السجود يكون تحت العرش المخلوق، وهي دائمًا تحت العرش – ضرورة الحس والنقل – وتستأذن فهي دائمًا تسير بإذن من ربها، وهذا التزام بظاهر النص كما لا يخفى، وهذا ما ذكرتُه بدايةً (إن الشمس ساجدة سجود خضوع تحت عرش الله تعالى، وكل المخلوقات تحت العرش، وسجود الشمس ليس كسجود الإنسان، كما أن تسبيح الطير ليس كتسبيح البشر، ونقول بما يلزم ذلك من دوام سجود الشمس وخضوعها، تحت عرش الله عز وجل)اهـ، أما ما أضفتَه أنت من "صعود وعروج في الكون" فليس في النص حتى ألتزم به .. فأين هنا ما ادعيته من عدم التزامي بظاهر النص؟! وأين ما يحوجنا لتأويل العرش هنا لنجعله بمعنى التدبير؟!

    إننا – أيها المهندس – أهل إنصاف، فنعلم أن الصفة الوحيدة التي اختلف الصحابة في ورودها في القرآن هي صفة الساق، نعلم أن قوله تعالى: (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ)، هو الموضع الوحيد الذي اختلف فيه الصحابة رضي الله عنهم، وسبب الخلاف أنّ ظاهر القرآن ليس فيه أنّ هذه صفة الله تعالى، فقد وردت نكرةً غير معرفةٍ ولا مضافة، وهذا اللفظ بمجرده لا يدل على أنها ساق الله، ومن الإنصاف كذلك أن تقف عند الحديث الصحيح (يكشف ربنا عن ساقه فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة)، والحديث الصحيح (إذا جمع الله العباد بصعيدٍ واحدٍ نادى منادٍ: يلحق كل قوم بما كانوا يعبدون، فيلحق كل قومٍ بما كانوا يعبدون، ويبقى الناس على حالهم، فيأتيهم فيقول: ما بال الناس ذهبوا وأنتم ههنا؟ فيقولون: ننتظر إلهنا، فيقول: هل تعرفونه؟ فيقولون: إذا تعرف إلينا عرفناه، فيكشف لهم عن ساقه فيقعون سجودًا، وذلك قول الله تعالى: "يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون" ويبقى كل منافقٍ فلا يستطيع أن يسجد ثم يقودهم إلى الجنة)، فنثبت لله تعالى الصفة من الأحاديث الصحيحة، من غير تمثيل ولا تعطيل، ولا يقول عارفٌ بالعربية أنّ الكشف عن الساق لا يأتي إلا بمعنى الشدة والهول، وملكة سبأ لما قيل فيها "وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا " لم يخالف ذلك اللغة، والكشف عن الساق في اللغة هو معنى الحقيقة التي اشتق منها المعنى المجازي كما ذُكر في القواميس، فليست القواميس مطبقةٌ على نفى الساق، ولسنا ننفي وجود الخلاف بين الصحابة في هذه الآية دون غيرها، إلا أن اختلافهم في تفسير الآية لا يعني اختلافهم في فهم الأحاديث، ولا نملك – كمسلمين – إلا إمرار الأحاديث الصحيحة كما جاءت، فنثبت صفة الساق على الوجه الذي يليق بكماله سبحانه.

    إننا أهل إنصاف نرحب بالنظر الذي يعتمد على الدليل، لا التحريف الذي لا يقوم إلا على المصادرات العقلية، قال صاحب كتاب "القواعد المثلى .. في صفات الله وأسمائه الحسنى"، عند شرح حديث "من تقرّب مني شبرًا تقربت منه ذراعًا ...الحديث "، قال (فأي مانعٍ يمنع من القول بأنه يقرب من عبده كيف شاء مع علوه؟ وأي مانعٍ يمنع من إتيانه كيف يشاء بدون تكييفٍ ولا تمثيل؟ وهل هذا إلا من كماله أن يكون فعالًا لما يريد على الوجه الذي به يليق؟ وذهب بعض الناس إلى قوله تعالى في هذا الحديث القدسي "أتيته هرولة" يراد به سرعة قبول الله تعالى، وإقباله على عبده المتقرب إليه المتوجه إلى قلبه وجوارحه، وأن مجازاة الله للعامل له أكمل من عمل العامل، وعلل ما ذهب إليه بأن الله تعالى قال "ومن أتاني يمشي" ومن المعلوم أن المتقرب إلى الله عز وجل الطالب للوصول إليه لا يتقرب ويطلب الوصول إلى الله تعالى بالمشي فقط، بل تارة يكون بالمشي كالسير إلى المساجد ومشاعر الحج والجهاد في سبيل الله ونحوها، وتارةً بالركوع والسجود ونحوهما، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، بل قد يكون التقرب إلى الله تعالى وطلب الوصول إليه والعبد مضطجع على جنبه، كما قال الله تعالى "الذين يذكرون الله قيامًا وقعودًا وعلى جنوبهم" .. فإذا كان كذلك صار المراد بالحديث بيان مجازاة الله تعالى العبد على عمله، وأن من صدق في الإقبال على ربه، وإن كان بطيئًا جازاه الله تعالى بأكمل من عمله وأفضل، وصار هذا هو ظاهر اللفظ بالقرينة الشرعية المفهومة من سياقه، وإذا كان هذا ظاهر اللفظ بالقرينة الشرعية لم يكن تفسيره به خروجًا به عن ظاهره، ولا تأويلًا كتأويل أهل التعطيل، فلا يكون حجة لهم على أهل السنة ولله الحمد .. وما ذهب إليه هذا القائل له حظ من النظر، لكن القول الأول أظهر وأسلم وأليق بمذهب السلف)اهـ، وفي هذا جواب ما ورد في رسالتك السابقة.

    تقول: (هل كلمة الذات تضاف بلا ضابط؟؟ هل قال أحد من الصحابة أننا سننظر لذات الله تعالى؟؟؟ أليس في النصوص أن الله لو كشف الحجب لاحترق الوجود؟؟؟)اهـ.
    أولًا: إن رؤية الله تعالى ممكنةٌ عقلًا في الدنيا والآخرة، ودليل ذلك الإمكان العقلي أنّ موسى عليه السلام وهو كليم الله قال (رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ)، وكليم الله عليه السلام كان يعلم المستحيل العقلي، إلا أن يرى راءٍ أن عقله أرجح من عقله عليه السلام!

    ثانيًا: رؤية الله تعالى ممنوعةٌ في الدنيا كما ثبت في الشرع، والدليل قوله تعالى لموسى عليه السلام (لَنْ تَرَانِي)، وقوله صلى الله عليه وسلم (وإنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا)، وقوله صلى الله عليه وسلم (حجابه النور ولو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه)، أما في الآخرة فقد قال صلى الله عليه وسلم (فيرفع الحجاب فينظرون إلى وجه الله).

    ثالثًا: رؤية المؤمنين ربهم في الآخرة ثابتة بالكتاب والسنة ولم ينقل خلاف القول بها عن الصحابة رضي الله عنهم.
    أما الكتاب فقوله تعالى (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ)، وقوله (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ)، قال صلى الله عليه وسلم (إذا دخل أهل الجنة الجنة، يقول الله تعالى: تريدون شيئا أزيدكم؟ فيقولون: ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة؟ وتنجنا من النار!؟ قال: فيرفع الحجاب فينظرون إلى وجه الله فما أعطوا شيئًا أحب إليهم من النظر إلى ربهم، ثم تلا (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ).
    أما السنّة فقد بلغت حد التواتر كما قال ابن كثير رحمه الله: (وقد ثبتت رؤية المؤمنين لله عز وجل في الدار الآخرة في الأحاديث الصحاح، من طرق متواترة عند أئمة الحديث، لا يمكن دفعها ولا منعها)، ومن ذلك (إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا)، وقوله (إنكم سترون ربكم عيانًا)، ولما سأله الأصحاب (يا رسول الله أنرى ربنا؟!) لم يقل لهم إن المقصود رؤية نعمته، بل قال لهم (تضامون في رؤية الشمس في الظهيرة في غير سحاب؟! قلنا: لا، قال: فتضارون في رؤية القمر ليلة البدر في غير سحاب؟! قالوا: لا، قال إنكم لا تضارون في رؤيته إلا كما تضارون في رؤيتهما).

    رابعًا: قوله تعالى "لا تدركه الأبصار"، "فالإدراك أخص من مطلق الرؤية، لأن الإدراك المقصود به الإحاطة، والعرب تقول: رأيت الشيء وما أدركته، فمعنى "لا تدركه الأبصار" لا تحيط به ... وقد اتفق العقلاء على أنّ نفي الأخص لا يستلزم نفي الأعم، فانتفاء الإدراك لا يلزم منه انتفاء مطلق الرؤية".

    خامسًا: قد وقف أقوامٌ أمام غابة النصوص، بفكرة مسبقة أنّه لابد من نفي الرؤية في الآخرة، فأخذوا يقولون إن المقصود يرون نعمة ربهم، فاستعمل أهل السنة ما هو من دلالة نصوص الوحيين ومعانيها الحقة لا تخرج عنها البتة، فقالوا يرون ربهم عيانًا، وإضافة لفظ الذات قد ورد في قولهم: استوى على العرش بذاته، وقد تقدم القول فيه من كلام الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله في الرد السابق.

    سادسًا: أنت – مرةً أخرى – تخاطب قومًا يضيفون كلمة الذات بلا ضابط، بينما بينتُ في الرد السابق، أن لفظ الذات يضاف في مقابلة الأقوال الباطلة من المخالفين، بألفاظ من دلالة ومعاني النصوص لا تخرج عنها البتة، وانتشر ذلك بين أهل القرون الخيرية كما سبق البيان في الرد السابق، فإن كان اعتراضك على مجرد إضافة لفظ الذات فقد بينت في الرد السابق أنك وصاحب تفسيركم الكبير يستعمله، وأنا – وأنت - نستعمل "بائن من خلقه" رغم عدم ورودها، وإن كان المقصود الاعتراض على إضافة لفظ الذات دون ضابط، فقد سبق أننا لا نضيف إلا في أضيق الحدود وفي وجود أدق الضوابط، والأولى أن يتوجه اعتراضك إلى من يلغي مدلول النصوص إلى المعاني التي لا دليل عليها من كتاب أو سنة أو إجماع أو لغة!

    وبهذا يظهر أن قولك (الجواب عليكم أنكم لم تلتزموا بإمرار النصوص كما جاءت) ليس بجوابٍ أصلًا، وأن الأمر على ما سبق، من أننا – إجماعًا - لا نقول في أسماء الله وصفاته بنص ضعيف، وأن النص الصحيح يمر على ظاهره، دون تأويل يفضي إلى تعطيل، أو تكييف يفضي إلى تمثيل، وأن صرف اللفظ إلى معنى آخر يحتمله، لا يكون إلا بشروطٍ نجزم بها أنّ المعنى الآخر هو المراد، ولا نكتفي بمجرد احتمال اللفظ لهذا المعنى لنصرف اللفظ إليه من غير دليل إلا التحكم وتحكيم العقل على النص!

    خلاصة الأمر بالنسبة للأصول الخمسة الواردة في الردود السابقة.


    بالنسبة للأصل الأول عن الألفاظ من حيث ورودها في الكتاب والسنة والإجماع من عدمه، فقد تبين أن ما أخذته علينا من ألفاظ كتوحيد الصفات وصفات الذات، ليست في ذاتها من البدعة في شيء، ووافقتَ على أنّ ذلك من التنظيم والاستقراء الذي لا اعتراض عليه، ولكنّك رغم ذلك تكرر نفي ألفاظٍ لم ترد في الكتاب ولا السنة ولا كلام أهل الإجماع، ومن خلال هذا النفي للكلمات المحتملة تنفي الصفات، مثل التبعيض والجوارح وغير ذلك من ألفاظ لم ترد.

    الأصل الثاني المتعلق بأن بيان المتكلم وفصاحته ونصحه تمنع أن يريد بكلام خلاف حقيقته، وحمله على غير ظاهره وظاهر الكلام هو ما يسبق إلى العقل السليم منه لمن يفهم بتلك اللغة، وموقفك من تعريف "ظاهر اللفظ" مضطرب، وتعريفك الذي ذكرتَه صراحةً ليس لك فيه سلف ولا عند أهل التأويل الفاسد، وعاقبة الاقتصار عليه إلغاء حاكمية الكتاب والسنة وتحكيم العقول.

    الأصل الثالث عن أنّ النصوص تمر كما جاءت، وأنّ الكلام في الصفات كالكلام في الذات، فقد اتهمتنا بأنّ لا نمر النصوص كما جاءت ورددت عليك، وبينت لك ما لم تعلمه من معتقدنا ومذهبنا، ولكنك أنت الذي ترفض أن تمر النصوص كما جاءت، وإن وافقت على هذا الأصل بالكلام، وتذكر تشنيعاتٍ عديدة يكون الرد عليها أنه ليس كمثله شيء وأن الكلام في الصفات كالكلام في الذات.

    الأصل الرابع وما في البند الثالث أن الخطاب المجمل قد أحيل بيانه على خطاب آخر، وهذا لا يجوز تأويله إلا بهذا الخطاب الذي يبينه، وليس في كلام الله خطاب مجمل لم يبيّن، وليس في الكتاب والسنة إحالة إلى مبدأ يختلف الناس في تطبيقه، وهذا هو الذي تمهلت في التعقيب على تعليقك عليه، وتوقعت أنك لا تقصد ذلك، وقد كان، وأنتظر تعقيبك عليه من خلال الأسئلة في آخر الرد.

    والأصل الخامس وهو أصل المبتدعة في تقديم العقل على النص، وسألتك فيه على فعل الرازي، وقوله بحتمية التأويل بناءً على وهمٍ أن حملة العرش يستلزم من فعلهم احتياج الله لهم، مع أنّ هذا ليس بلازم، كما أنّ نزول الملائكة بالوحي لا يعني احتياج الله لهم، بل الله هو الذي يحمل العرش وحملته، ويحفظ الوحي وحملته، فاستحسنت كلام الرازي، وهو نفى الجهة ونفيها لم يرد في النص، وادعى أن حمل الملائكة يلزم منه الاحتياج وليس بلازم، وبناء على هذين الأمرين اللذين وصل إليهما بعقله لا غير، قال بحتمية التأويل، فكيف يكون تقديم العقل على النص إن لم يكن هكذا؟!

    أما الكلام على "مصطلح الصفات" فلم يكن كلامك واضحًا إلا في هذا الرد الرابع، والخلاصة أنّ الله منزه عن وصف الكافرين، وأن المؤمنين يصفون الله عز وجل بما وصف به نفسه، من غير إفراط ولا تفريط، وقد كنتَ قبلَ ذلك تذكر كلماتٍ ليس فيها من الوضوح شيء، فلا تلمني إن فهمت أنك تحاول اللمز في الصفات، وقد بقي الاتفاق على منهج إثبات الصفات لله عز وجل، ونحن في الطريق لذلك بإذن الله تعالى.

    العرش والأسئلة المتوجهة إليك والتي أجبتَ فيها بما نجزم به ببطلان مذهبك!


    سألتك عن نصّ عن الصحابة يقولون فيه بمثل ما تقول، من أنّ العرش هو مجموع الصفات، أو أن العرش نوعان، أو أنّ "رب العزة كرب العرش"، فما جئتَ بنصٍّ واحد يقول فيه أي واحد من الصحابة ولو في أثر ضعيف يقولون فيه بمثل قولك في معنى العرش، وسألتك عن قول ابن مسعود رضي الله عنه (والله فوق العرش)اهـ، ولمَ لم يقل ابن مسعود "فوق عرش العز" والحاجة داعية لهذا البيان، وابن مسعود رضي الله عنه لم يكن عي اللسان، فكان جوابك (وكلام ابن مسعود يؤول لكلامي، والألفاظ تتشابه)اهـ، وهذا ليس فيه جوابًا لسؤالي عن السبب في عدم ذكر ابن مسعود للفظ "العز"، فإجابتك حيدة عن جواب السؤال لجواب سؤالٍ لم أطرحه أصلًا!

    ذكرتَ في معاني العرش غير المخلوق أنه صفة التدبير(1) وصفة العزة(2) ومجموع الصفات (3)، وتوجه تجليات الله(4)، وفيوضات الربوبية والرحمة والملك (5)، وسألتك عن كيفية الجمع بين هذه المعاني المضطربة التي لا يمكن الجمع بينها، فإنّ "عرشه على الماء" لا يمكن أن تؤولها إلا من خلال التأويل الرابع، بينما "يحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية" لا يمكن أن تؤولها إلا من خلال المعنى الخامس، في حين أن "استوى على العرش" تؤولها من خلال المعاني الثلاثة الأولى، فما كان ردك على هذا إلا أن أضفتَ معنى لا يحل الإشكال الوارد عليك في شيء، فقلتَ (اسم لصفات الله التنزيهية)اهـ، وهكذا ففوق كونك لا تجد دليلًا يصرح بهذه المعاني، فأنت لا تستقر على معنى واحد للعرش غير المخلوق، بينما لو أنك قلتَ بقولي وفهمت مثل فهمي لأعملت جميع النصوص بمعنى واحدٍ من غير تناقض ولا اضطراب!

    وسألتك عن احتمال لسان العرب لحمل العرش على معنى مجموع الصفات التنزيهية، فأجبتني بكلمتين من القاموس المحيط، وقد سبق ذكر قيمة هذا الأسلوب في هذا المقام من البحث، وسألتك عن نصٍّ في الكتاب أو السنة أو أقوال الصحابة أو القرون الخيرية فيه صراحةً أن العرش هو صفة التدبير أو العزة أو مجموع الصفات، فلم تأتني بشيءٍ، وادعيت أن العرب كانوا يعرفون بفطرتهم الجاهلية أن العرش بمعنى الصفات، وسيأتي رد استدلالك بفهم عرب الجاهلية وبيان أنه حجة عليك لا لك!

    تنبيه: تأخذ عليّ أني أمسك عليك بالحرف في قولك (عرشه هو هو وهو صفاته وهو تجلي صفاته)، فجعلت الله هو العرش، رغم أن هذا هو حرفك الذي لم تعتذر عنه، ولم تقل إنه سبق قلم أو سوء بيان، فكيف لا آخذك به حتى تعود عن هذه السقطة وهي مصيبة المصائب!

    تلك حجة عليك لا لك!
    (قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ).


    تزعم أنّ هذه الآيات الكريمة حجة لك، بينما هي حجة على بطلان قولك، فأنت تزعم أنّ العرب لم يكونوا يعرفون العرش المخلوق الذي أؤمن به، وبالتالي فهم عرفوا العرش العظيم من خلال فهمهم الفطري، وعليه فقد فهموا أن العرش بمعنى العز، والرد على ذلك من وجوه:

    أولًا: كنت أقول إن العرش المخلوق أمر يسير المأخذ في فهمه، يدركه العوام بسهولة إن بين لهم، فكنت تستنكر عليّ ذلك وتقول إن العوام ليسوا بجديرين بفهم الأشياء العليا بالقرآن، وهاأنت تقول إن العرش على المعنى الذي تدعيه، والذي جعلته من الأسرار العليا في القرآن، يدركه جماعة من المشركين، قال الله فيهم في سياق هذه الآيات الكريمات: (بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الْأَوَّلُونَ) (قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ) (قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ) (قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ) (وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ) (سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ) (فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)، فمن أجل أن تجعل العرش صفة العز جعلتَ المعنى الذي تجعله من أسرار القرآن العليا، مما يدركه الظالمون الكاذبون المشركون بالفطرة! فليت شعري كيف جعلتَ مشركًا كاذبًا ظالمًا يفهم بفطرته من "أسرار القرآن العليا" ما تنفي فهمه عن مسلمٍ عاميٍّ ما اجتالته الشياطين عن فطرة الإسلام!؟!

    ثانيًا: لقد نسيتَ أنّ الله قال في هذه الآية (السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ)، فمن أين عرف المشركون أنّ السماوات سبع؟! والإيمان بكون السماوات سبعًا مما لا يُعرف إلا بطريق الوحي، وعليه فيلزمك القول إنّ العرب كان فيهم بقية من آثار الأنبياء، فكانوا يؤمنون بسبع سماوات، وعندها يلزمك أن تقر أنهم كانوا يؤمنون بالعرش المخلوق كذلك.

    ثالثًا: غاية ما عندك أن يكون عدم علم بمعرفة المشركين للعرش المخلوق، وقد أجمع العقلاء أن عدم العلم لا يعني علمًا بالعدم، وفي هذه القضية هناك احتمال أن يكون العرب عرفوا العرش العظيم من أهل الكتاب أو من بقايا الحنيفية، وبوجود هذا الاحتمال يلزمك أن تثبت أنّ العرب لم يكونوا يعرفون العرش المخلوق .. وهذا مطلبٌ دونه خرط القتاد!

    رابعًا: نحن لا نكتفي بما سبق، فلا نكتفي باحتمال معرفة العرب للعرش المخلوق، وعجزك عن إقامة البرهان على خلاف ذلك، بل نقول إنه قد جاءنا الدليل على أن العرب عرفت العرش المخلوق، قال ابن الجوزي في زاد المسير (قال الخليل بن أحمد: العرش السرير، وكل سريرٍ لملك يسمى عرشًا، وقلما يجمع العرش إلا في اضطرار، واعلم أن ذكر العرش مشهورٌ عند العرب في الجاهلية والإسلام، قال أمية بن أبي الصلت:
    مجدوا الله فهو للمجد أهل *** ربنا في السماء أمسى كبيرًا.
    بالبناء الأعلى الذي سبق النا *** س وسوى فوق السماء سريرًا...)اهـ، فهذا دليل على أن العرب عرفت العرش بمعنى السرير قبل الإسلام.

    خامسًا: في قوله تعالى (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ)، والذي أعتقده جزمًا أن العرب كانوا يعرفون معنى الرحمن وليس المقام مقام بيان معنى الآية الكريمة، ولكن هنا إقامة للحجة من كتبك، أقول إن صاحب تفسيركم الكبير يقول أن المشركين (بسبب حرمانهم من علوم السماء كانوا لا يعرفون ما يتضمنه لفظ الرحمن من مفهوم دقيق يقدمه الإسلام)اهـ، وقياسًا على هذا فأنت مطالب بإثبات أن المشركين كانوا يعرفون عرش الله بمعنى عزه، ذلك المعنى الذي جعلته من "الأسرار العليا في القرآن"، فهل عندك من برهان فتخرجه لنا، نرى به أن عرب الجاهلية عرفوا العرش بمعنى العز؟!

    استدلالك على أن العرش صفة (!) بقوله تعالى "ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ".


    قلتُ لك قبل ذلك في ردّي على هذه النقطة (وهناك أوجه أخرى للرد ولكن هذا يكفيني!)، وكنت أحسب أن الأمر واضح جدًّا، تكفي فيه بعض الوجوه، وإنه لكذلك، فهاك بعضًا آخر من وجوه الرد، وليست كلها، والحمد لله الذي أقام على ظهور الحق وهوان الباطل براهين عديدة، وأحسب أنّه لم يبق لك من نصّ تتعلق به في هذا الفهم الباطل لمعنى العرش سوى هذه الشبهة، فإن زالت وجب عليك اتباع الحق بعدما تبين!

    خلاصة استدلالك أنك استقرأت نصوص الشرع جميعها، وخرجت بهذه القاعدة (اطرد استعمال ذو في القرآن عن الله خاصة لصفاته، أو لممتلكاته من الكمالات، لا لممتلكاته المخلوقة)اهـ، وبمجرد النظر يتضح أن الأمر ليس من استقراء النصوص في شيء، وإنما هو قاعدة وضعتها ابتداءً ثم أخذت تقول في النصوص بما لم تسبق إليه، لتصح لك قاعدتك!

    أولًا: ائتني بواحدٍ قبلك من أهل العلم في القرون العشرة التالية للهجرة استقرأ هذه القاعدة، واستدل بها على ما ذهبت إليه، لأني لا أعتقد أن الأمة كانت على ضلالة وفي غفلة في هذه المسألة قرونًا عددًا حتى أتيتَ بهذه القاعدة التي ما عرفوها.

    ثانيًا: قال تعالى (سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ * لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ * مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ * تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ).

    وقد أجمع أهل التفسير وأهل اللغة أن "المعارج" تعود إلى مخلوق، وإن اختلفوا في المقصود منها، وأنتَ نقلتَ قبل ذلك قول الرازي " فأما وصف الله بأنه ذو المعارج فقد ذكرنا الوجوه فيه"، فهل عرفتَ هذه الوجوه وعرفتَ أنها كلها تعود إلى مخلوق! إنّ الرازي قد ذكر ثلاثة معانٍ ويضيف من عنده واحدًا، فذكر أن المعارج هي السماوات أو النعم أو الدرجات في الجنة أو الملائكة، ولا يقول عاقل أنّ السماوات أو النعم أو الدرجات في الجنة أو الملائكة صفة من صفات الله، وقال ابن الجوزي في معنى المعارج (فيه قولان، أحدهما أنها السموات ... والثاني أن المعارج الفواضل والنعم)، ولا يقول عاقل إن السماوات أو النعم صفة من صفات الله، أضف إلى هذا أنّ قواميس اللغة جميعًا ليس فيها ذكر لمعنى للمعارج إلا وهو عائد إلى مخلوق، ولذلك فما قمتَ باختراعه من معنى بقولك إن المعارج هي (إتمام النعمة) هو مما لم يذكره أحد من أهل التفسير ولا اللغة فضلًا عن أن يكون قد ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم أو الصحابة الكرام.

    قال ابن عاشور رحمه الله: ("المعارج" جمع مِعْرَج - بكسر الميم وفتح الراء - وهو ما يعرج به، أي يصعد من سلم ومدرج ....فهي معارج جعلها الله للملائكة فقرب بها من منازل التشريف، فالله معرج إليه بإذنه لا عارج، وبذلك الجعل وصف الله بأنه صاحبها أي جاعلها، ونظيره قوله تعالى "ذو العرش") اهـ.

    هكذا إذن .. فاشتقاق الكلمة ووزنها، ومبناها ومعناها، وإجماع أهل اللغة وإجماع المفسرين، كلها على الضد مما أنت عليها من أن "المعارج" صفة من صفات الله تعالى، بل المعارج مخلوقة، والله صاحبها أي جاعلها، وتكون "ذو" في هذه الآية الكريمة أضيفت إلى مخلوق لا صفة من صفات الله تعالى، وهذا مثل قوله تعالى "ذو العرش المجيد"، وهذا وحده كفيل بإثبات أن القاعدة – التي لم تسبق إليها – مبنية على استقراء ناقص لنصوص الشرع!

    فأنت هنا مطالب بإخباري بسلفك في هذه القاعدة، وسلفك في تفسير معنى المعارج بأنه "إتمام النعمة"، وسلفك في اعتبار "المعارج" صفة، ثم أنت مطالب ببيان صواب قولك في مقابل أقوال أهل اللغة والعلم السابقة، ثم أنت مطالب ببيان الرد على سؤال: كيف يكون قولك صوابًا ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة رضي الله عنهم؟؟ بل نقل عنهم خلاف ذلك!

    ودونك سبيلٌ آخر، يسيرٌ واسعٌ ومستقيم، وهو أن تستعيذ بالله من القول عليه بغير علم، وادعاء أنّ هذا معنى كلامه ليًّا لأعناق النصوص، فتقر أنّ المعارج مخلوقة، وأن القاعدة التي استقرأت غير صحيحة!

    وهناك أوجه أخرى للرد ولكنّ هذا يكفيني ويكفي كل منصف.

    الكرسي!


    كلّ ما أوردته في اعتراضك على أن الكرسي هو موضع القدمين، كلّ ما أورته يعود إلى شيءٍ واحد فقط، وهو التمثيل أو (بسبب التشبيه الواضح) كما قلتَ، فأنت تتصور علاقة حجمية بين الكرسي والعرش وأن ما بين الكرسي والعرش من داخل الكون، وأن وضع الله تعالى قدمه في النار لا يمكن تصوره إلا على سبيل "التشبيه الواضح" .. ومن خلال هذا السبب الوحيد رفضت الرواية الصحيحة، وأثبت الرواية ضعيفة الإسناد، وزعمت أن ذلك فيه تنزيه لله تعالى..!

    أولًا: إنني لو وافقتك على أن الكرسي هو العلم، وسألتك عن "كيف علم الله؟" فإنك لابد قائل "لا أدري!"، ولذلك فأنا أقف عند ظاهر النص، مستدلًا بالصحيح المحفوظ عن ابن عباس رضي الله عنه، فإن جئت تسألني "كيف الكرسي موضع القدمين؟!" فإني لابد قائل "لا أدري!"، فهذا هو الفرق بيننا، أنك تؤول النص بغير دليل صحيح، وفي النهاية تقول "لا أدري!"، بينما أنا أثبت المعنى الذي وصفه الرازي بأنه الظاهر، وأقول "لا أدري!" ... فأي فرقٍ بين تفويض الكيفية في الحالين حتى تخوض في الكيفية في الحالة الثانية وتشنع بها وتتوقف عن الخوض في الكيفية في الحالة الأولى؟!

    ثانيًا: ما هو جوابك على من جاءك ليقول: كيف يكون العرش من أول ما خُلِق والخشب لم يكن قد خلق بعد؟؟ وكيف يكون العرش من خشب بينما الخشب خلق بعد وجود العرش؟! وكيف تم أخذ مقاس العرش رغم أن الوحدات المترية وأجزاؤها ومضاعفتها لم تخلق بعد؟! وكيف علا الله فوق السماوات؟! وكيف يكون الله قريبًا من خلقه في بعض الأحوال!؟ إلى غير ذلك من أسئلة هي أقرب إلى الجهالة منها إلى التعلم! فإنّ جوابك على هذه الأسئلة هو جوابي على كلامك عن الكرسي والقوائم وغير ذلك من قياسٍ على عروش ملوك الدنيا!

    ثالثًا: إنّ عرش الله تعالى ليس كعرش ملوك الدنيا، فعروش ملوك الدنيا زائلة وعرش الله ليس يزول، وعروش ملوك الدنيا تكون في رقعة صغيرة من ملكهم، وكرسي الله تعالى وسع السماوات والأرض، وعروش ملوك الدنيا يعملها لهم الحرفيون من مادةٍ ليس لملوك الدنيا حيلة في خلقهم ولا خلقها، وعرش الله تعالى خُلق بقوله "كن" فكان، وعليه فقيام تصورٍ في ذهن البشر عن الكرسي والعرش الواردين في النصوص، لا يكون إلا من باب القياس على أجسام ملوك الدنيا وهيئة جلوسهم وكراسيهم وعروشهم، وهذا التصور فاسد والقياس الذي قام عليه من أفسد ما يكون، فتأويلك النصوص ورفضها بناء على النسب الحجمية وغير ذلك، هو تأويل النصوص بناءً على تصورٍ فاسدٍ لا قرينةٍ صحيحة، فبقي الأمر على الأصل وهو حمل النص على الظاهر.

    رابعًا: إنّ الله تعالى فوق العرش وفوق الكرسي، ولا نقول إن قدميه سبحانه "في" الكرسي، بل نقول إنه تعالى فوق الكرسي، فتصورك غير أنه قائمٌ على قياسٍ فاسدٍ كما في "ثالثًا"، فهو كذلك قائمٌ على فهمٍ خطأٍ للنصوص الواردة، كمثل قول ابن عباس رضي الله عنه (الكرسي موضع القدمين).

    خامسًا: أعجب ردٍّ قرأته لك وأغربه، هو ردك على قول ابن كثير في أن "موضع القدمين" هو النص المحفوظ عن ابن عباس، وقول الحاكم إنه على شرط الشيخين، كان ردك بإيراد كلام عن معنى "يضع قدمه في النار" من القاموس المحيط، وهذه من أغرب حيدة لك في الجواب!

    سادسًا: كنتَ تجعل ما روي عن ابن عباس (كرسيه علمه) في حكم المرفوع لأنه حديث عن غيب خالص، وقد تبين أن الإسناد ضعيف، وأن الرواية المحفوظة الصحيحة هي (الكرسي موضع القدمين)، فما يمنعك أن تقول إنها في حكم المرفوع بخلاف تصور النسب الحجمية الذي سبق بيان فساده؟!

    سابعًا: الحديث: (يا أبا ذر! ما السموات السبع مع الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة، وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على الحلقة!)، قدّرتَ محذوفًا بغير دليل فقلت المقصود "علم السماوات السبع"، وهذه زيادة على كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير دليل، وزعمك أنّ هذا "حذف لمعلوم" فدعوى فارغةٌ عن أي دليل، وحوارنا هذا خير قرينةٍ على ذلك، فأنت تزعمه معلومًا وتقدر محذوفًا وأنا أراه غير معلومٍ ولا سائغ حذفه، وأمر النص كما جاء، ولا أنصرف عن ظاهر النص بغير دليل، ومن تقوّل عليه صلى الله عليه وسلم متعمدًا فليتبوأ مقعده مما قد علمتَ، وعليه فإنّ الصواب هو الأخذ بالظاهر الذي لم تقدم في صرف المعنى عنه سوى تصورٍ فاسد!

    ثامنًا: نفيك أن يكون لله تعالى (جوارح تشعر بالتبعيض)، فهاهنا لفظان لم يردا في الكتاب ولا السنة وهما (الجوارح) و (التبعيض)، ولو أنك تعمل بما اتفقنا عليه لتوقفتَ عن استعمال هذه الألفاظ المحدثة ونفيها بإطلاق من دون تبيين المعنى، والذي يعنيني أنّي أثبت لله تعالى اليد والوجه والقدم التي جاء بها ظاهر النصوص، ولم ينقل عن الصحابة رضي الله عنهم تأويلها، وأثبتها على وجه يليق بجلال الله تعالى وكماله، دون تمثيل أو تعطيل، وهذه الطريقة – وهي طريقة السلف الصالح – ليس فيها مخالفة لشيء من النصوص، بل هي إعمال لجميع النصوص وأخذٌ بها، ولا يلزمني الخوض في ألفاظ لم ترد في الشرع، وردي عليها كردك على الجهمي حين ينفي العلم والقدرة من خلال تنزيه الله عن "الحوادث"، فهذه منه كتلك منك! استعمال ألفاظٍ محدثةٍ ومعارضة الشرع بها!

    تاسعًا: نفيك وضع الله تعالى قدمه في النار، فنحن لا نعرف كيف شكل جهنم، ولا كيف قدم الله تعالى، ولا كيف يضع قدمه على النار، وعليه فنفيك هذا بناءً على تصورك له، هو نفي لما لم تحط بعلمه ولما يأتك تأويله، ويكفينا أن نقول "لا نعلم الكيفية"، وإن كنت تقول في قربه تعالى من خلقه في بعض الأحوال، وإن سئلت عن الكيفية قلتَ "لا أدري"، فكذلك ينبغي أن تتعامل مع هذا النص عن هذا الغيب، فتمره كما جاء وتقول " لا أدري عن الكيفية"، وليس في النص أن جهنم تتموضع فيها قدمه تعالى وتحتويها حتى تذهب للتأويل، فالله تعالى فوق جهنم ووضعه قدمه عليها أو فيها – والحرفان واردان في الأحاديث – لا يلزم منه هذا التصور الفاسد، وما نقلته عن ابن الجوزي من أنه وضع مقدمي الكافرين، فيخالف النص لأنّ النص فيه أنّ ذلك يكون بعد أن يدخل أهل النار النار، والحديث (يُلقى في النار أهلها، وتقول هل من مزيد؟! حتى يأتيها الله تعالى فيضع قدمه عليها فتقول: قط قط).

    عاشرًا: حتى لو سلمت لك جدلًا بأن المقصود بالكرسي هنا العلم، فهذا لا يعني أن الكرسي الوارد في قوله صلى الله عليه وسلم (ما السموات السبع مع الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة، وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على الحلقة!)، والذي اقترن فيه الكرسي جمعًا مع السماوات السبع المخلوقة، لا يعني هذا التسليم الجدلي في الكرسي الوارد في القرآن أنه العلم، أن الكرسي الوارد في الحديث الصحيح وفي الأثر الثابت عن ابن عباس ليس بموجود! وعليه فما تفر منه من خلال حمل الكرسي في الآية على العلم لا يفك عنك ما يلزمك من أخذٍ بظاهر الحديث والأثر!

    حادي عشر: بينت لك السياق، وأن ورود قوله تعالى "وسع كرسيه السماوات والأرض" بعد "ولا يحيطون بشيءٍ من علمه"، يدل على أنّ الحديث عن معنى إضافيٍّ على العلم، فانتقل إلى حديثٍ عن كرسيٍّ ليس ككراسي ملوك الدنيا، يكون في رقعةٍ صغيرةٍ من ملكهم، ودرايتهم بمملكتهم لا تتخطى نطاق حواسهم وهم على الكراسي، إلا أن يستعينوا بغيرهم من الوزراء والشرط والعيون، أما كرسيه تعالى فقد وسع ملكوت السماوات والأرض، وبالتالي فهو سبحانه محيطٌ بهذه المملكة، لا يؤوده حفظها، فقال تعالى (ولا يؤوده حفظهما)، فالحديث للمخلوقات عما يعاينونه من ملكوت السماء والأرض، ولم يقل "حفظهم" لا شمولًا للكرسي ولا للسماوات التي وردت جمعًا، لأنّ المقصود إرشاد بني آدم إلى ما يرونه من السماء والأرض، وكيف سار أمرهما بمقتضى الحفظ، فيدلهم ذلك على الحفيظ، وهذا المعنى من العود إلى السماوات والأرض وإن وردت السماوات جمعًا بالمثنى، تجده في قوله تعالى (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ)، وقوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا)، كما قال ابن عاشور رحمه الله (وأسند فعل "زالتا" إلى "السماوات والأرض" على تأويل السماوات بسماء واحدة)، فعلى هذا يكون في قوله تعالى (يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا) إثبات كمال العلم، وكمال الملك، وكمال القيومية والحفظ، وتأويلك لا يتطرق إلى كمال الملك الذي هو من مدلول ظاهر النص بإثبات الكرسي المخلوق، فإن أضفت إلى ذلك الرواية الصحيحة عن ابن عباس رضي الله عنه، الذي دعا له النبي صلى الله عليه وسلم أن يفقهه في الدين ويعلمه التأويل، ظهر لك أن الحق في أن الكرسي المقصود مخلوق.

    المسيح الحق الموعود عيسى عليه السلام ونزوله آخر الزمان!


    أصدقك القول – ضميمة نفسي وإمحاضًا للنصح – أنّي كنت أتوقع أن تنطلي أقوال الميرزا ومن خلفه على ضعفاء العقل، مثل قولهم إنّ المسيح ليس في السماء لأنه لا يؤدي الزكاة! ونفيهم رفع المسيح إلى السماء لأنّ في الأرض سعة! أو تفسير الربوة على أنها كشمير! وكنتُ أتوقع ألّا تظهر هذه "الاستدلالات!" في حوارنا، ولكن آل الأمر إلى ما قد علمت، وصرتَ محوجًا إلى النقل عن كل منخنقةٍ وموقوذةٍ في مقابل الأدلة الصريحة الواضحة!

    ولو أنك تصورتَ نفسك على الحقيقة، لوجدت نفسك تأخذ ببعض النصوص، فتؤولها وتقول فيها بما لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، بل بما قالوا خلافه، ثم تتوجه إلى نصوص عودة المسيح عليه الزمان، فتؤولها بحجة أنّ النصوص الأولى تعارضها!!! بينما الواجب أن تأخذ كل النصوص وتجمع بينها فتخرج بعقيدة واحدة، هي عقيدة أهل السنة والجماعة التي ترفضها!!

    حتى لا نفقد بوصلة الحوار!


    يُفترض أن نتساءل من حين لآخر عن الغاية من إقحام هذه المسألة أو تلك في الموضوع الأصلي، فما هي الغاية من استشهادك بـــ (1- مسألة العرش)؟ غايتك هي تأويل (2- صفة العلو) لتبرر به تأويلك (3- لرفع المسيح) الذي ترى أنه ينفي (4-عودة المسيح)، والحقيقة أن التسليم الجدلي بـ(1) لا يفيد (2)، والتسليم بـ(2) لا يفيد (3) والتسليم بــ(3) لا يفيد (4).

    لأن إدخالك للعرش في صفات الله لا يعفيك من أي نص صريح يثبت أن الله فوق سبع سماوات، إلا إذا جعلتَ السماوات هي الأخرى صفات إلهية حالها كحال العرش، والاسترسال في تأويل المزيد من النصوص المتعلقة بصفة العلو أو أية صفة تشير إلى علاقة الله بالمخلوق لا يبرر الازدواجية التي تُبطل منطق التنزيه لديك من أساسه: فلا يوجد أي سبب نقلي أو عقلي يجعلك تميز بين الأبعاد الكونية، فتقبل علاقة الله بظرف الزمان وترفض علاقة الله بظرف المكان، رغم أن أبعاد "الزمكان" من المنظور الفيزيائي هي ضمن نفس النسيج الكوني، ولا أتوقع أي جواب على هذه الازدواجية غير المبررة لأنه لا يوجد جواب!

    إما أن تقبل العلاقة الحقيقية بين الله وكل الأبعاد المخلوقة – في إطار ظاهر النصوص – دون تمييز ودون أن تستنتج من تلك العلاقة خضوع الله لأي حيز مكاني أو زماني.. أو تنكر جملة وتفصيلًا علاقة الله الظرفية بكل تلك الأبعاد، فتنكر أن الله كلم موسى ((قبل)) و((بعد)) حدثٍ معين، وتنكر أن الله يدبر أمر الكون ((الآن)) ويراك ويسمعك ((الآن)) على وجه الحقيقة بحجة أن (الآن/وقبل/وبعد) لها إسقاطات فيزيائية حقيقية وليست "إسقاطات معنوية"! ومع ذلك فإن التسليم جدلاً بتأويلك لعلو الله لا ينفي بأي حال رفع جسد المسيح! وأيضاً التسليم جدلاً بتأويلك لرفع المسيح لا ينفي عودته، والأدلة على ذلك ستأتي تباعًا إن شاء الله.

    لماذا تأويلك لصفة علو الله لا ينفي رفع جسد المسيح؟

    لأنك في الأصل أفرغتَ كلمة {إِلَيّ} من معناها الظاهر ليصبح قوله تعالى {رَافِعُكَ إِلَيّ} يفيد فقط {رَافِعُكَ} دون الإشارة إلى الفوقية! فما علاقة الآية في هذه الحالة بعلو الله؟ لا يوجد أي منطق يجعل فهمك لصفات الله ينفي مثلا رفع الله للطير في العنان أو رفع جسد أي مخلوقٍ آخر إلى ما شاء! أما إن كنت تناقش فهم مخالفيك لظاهر النص، بذلك تسقط في ازدواجيةٍ أخرى لأنك إن اعتبرت رفع جسد المسيح {إِلَى} الله يفيد تشابه (علو جسد العبد) بــ(علو ذات الله فوق سبع سماوات)، عليك وبنفس المنطق اعتبار رفع مقام المسيح {إِلَى} الله يفيد تشابه (علو مقام العبودية) بــ(علو مقام الألوهية)! فأنت أيها الفاضل بين خيارين لا ثالثة لهما: (1) إن أوّلت كلمة {إِلَيّ} تهدم كل ربط بين علو ذات الله وبين رفع جسد المسيح، (2) وإن لم تؤولها تسقط في الازدواجية السابقة.

    أما أهل السنة فلا حاجة لهم إلى ذلك التأويل لأنهم لم يستنتجوا تشابه علو ذات المسيح بعلو ذات الله فوق السماء ولا تشابه علو مقام المسيح بعلو مقام الألوهية.

    لماذا تأويلك لرفع المسيح لا ينفي عودته؟

    حتى إن سلمتُ لك جدلاً - أقول جدلاً- بالرفع المعنوي للمسيح فهذا لا يمنحك أية حجة تجعلك تنكر الأحاديث الصريحة التي تثبت عودته، ولا يستقيم ربطك بين (نفي رفع الجسد) وبين (نفي العودة) إلا إذا اشترطتَ أن الله لا يحفظ أجساد عبيده إلا في السماء، أما إن آمنت أن الله حفظ مثلاً أجساد وأرواح أهل الكهف لمئات السنين قبل إعادتهم إلى الحياة الواعية دون رفعهم، بذلك يصبح تأويلك لرفع المسيح لا يقدم ولا يؤخر في مسألة عودته، ويكون عندها إعمال النصوص جميعًا بالقول بعودة المسيح بعد موته، إذاً يفترض أن نناقش المحاور الرئيسية الثلاثة (1-صفة علو الله) و (2-رفع المسيح) و (3-عودة المسيح) دون أن نتوهم أن تأويلك لعلو الله ينفي رفع جسد المسيح ودون أن نتوهم أن تأويل الرفع ينفي العودة.

    إرشاد ذوي الحجى، إلى أن البلا، ليس من "إلى"!


    أوشك أن أضع في ذلك رسالةً مفردة .. لا أدري ماذا أقول أكثر من ذلك حتى تفهم أن فهم "إلى" ليس هو مكمن (جذور المشكلة كلها) كما تقول، وأنت – فيما يبدو - في طريقك لمزيد من الاستقراءات والقواعد المخترعات، فتقول (لو جمعت لك من القرآن المقرونات بحرف "إلى" ولا تدل على تقريب المسافة بين الذوات ولا انتقالات مكانية لجمعت لك كما هائلا)، وأرجو ألّا تنسى قولك ("إلى" لا ترمي لمعنى الحركة دائما بل تعني الاقتراب الروحي)، فأنت تقر أنّ الغالب أنّ "إلى" تأتي لمعنى الحركة، حتى لا تأتي ساعة تصل بالاستقراء إلى أن "إلى" لا علاقة لها بالقرب الحركي!

    وحتى تفهم أنّ "إلى" ليست هي مكمن المشكلة، وبالتالي تضع يدك على المشكلة، وبالتالي تكون أهلًا لحلها قبل أن تزعم أنك قد أتيت بحلها، فاعلم أنّ الرازي استعمل إلى على الوجه الذي تستعمله أنت، وقوعًا في التأويل الباطل، فقال (المراد إلى محل كرامتي ، وجعل ذلك رفعاً إليه للتفخيم والتعظيم ومثله قوله {إِنّى ذَاهِبٌ إلى رَبّى})اهـ، وهذا هو نفس قولك في "إلى" أليس كذلك؟! ورغم ذلك فإنّ الرازي يقول في مسألة رفع المسيح والتوفي بمثل قولي، ويقول إن المسيح عليه السلام بروحه وجسده قد رفع إلى السماء، فهل هذا واضح؟!! المشكلة ليست في "إلى" أصلًا!! وليس كل من يفهم "إلى" بمثل فهمك ينفي رفع المسيح إلى السماء، فهل هذا واضح؟!؟ هل هذا واضح؟!


    إبطال تعلقك بفهم اليهود والنصارى للصلب!
    كيف نفى الله اللعنة التي لا وجود لها إلا في عقول أهل الكتاب؟!


    تقول إنّ الصلب يتعلق به اليهود بغية (أن يصنعوا دعاية ضده)، ويتعلق بها النصارى بصفتها (سند لنظرية الفداء حيث صلب وحمل اللعنة)، وبالتالي ترى أن قوله تعالى (بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ) ردٌّ عليهم بأنه لم يصلب ولم يقتل، زاعمًا أن في هذا "إبطال تصورهم بنفي القتل على الخشبة بعد أن تفاجؤوا بنجاة جسده" بعد أن " تترامى الأخبار أنك –أي المسيح عيسى عليه السلام - ناج"، وتقول أن ذلك "يثير الحسرة في قلب المتكلمين على مريم وولدها"، هذا هو قولك ومتعلَّق فهمك!

    والجواب: أنّ هذا يصح لو أن اليهود والنصارى علموا بأنّه لم يصلب، و "تفاجؤوا بنجاة الجسد" كما تقول، وهذا القول لا يصح أبدًا إذ هو مناقضٌ لصريح القرآن علاوةً على مناقضته للواقع ولما هو مسطر في التلمود، فاليهود لم يكتشفوا نجاة المسيح من الصلب، فضلًا عن أن تحصل لهم بها مفاجأة، ولم يعتقدوا قط بما تقول، بل اعتقدوا بما أخبرنا الله عنهم {وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ}، ولم يتوقفوا إلى يومنا هذا عن {قَوْلِهِمْ عَلَىٰ مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا}، ولو آمنوا حقًّا بنجاة المسيح لما نسب الله إليهم ظنًّا لا علاقة لهم به ولما كان هناك داعٍ من نفي الله لذلك الظن بقوله {ومَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ}، والأمر لا يختلف كثيرا عند النصارى فعقيدتهم أسست على حمل المصلوب اللعنة، وكل تلك العقائد لم تتبخر بل ما زالت قائمة، فكيف نفى الله تلك اللعنة؟! إن قيل إن ذلك "التطهير المعنوي من اللعنة" لم يكن الهدف منه تغيير ما في عقول الناس من أوهام وعقائد باطلة، فهو كذلك عديم القيمة عند الله لأنه سبحانه لا يلعن من يُقتل في سبيله!

    فتأويلك هذا يصح لو كان الله تعالى أخبرنا أنّ اليهود والنصارى يعتقدون أن المسيح نجا ولم يصلب، أو لو كان اليهود والنصارى الآن يعتقدون أنّه ناج بعد أن ترامت الأخبار بذلك، فتصيبهم حسرة في قلوبهم، وحيث إن اليهود والنصارى مازالوا – كما كانوا – يعتقدون بأن المسيح قد صلب، فقولك ليس بشيء أصلًا، وهذا شديد الظهور في بطلان قولك!

    وقولك "حين يعرف حواريوه أنه نجا، وبعد فترة يقولون للناس ما حدث، وهم الذين كانوا تابعين حقيقيين للسيد المسيح"اهـ، فهذا ليس بشيء كذلك، لأنّ الخبر لم ينتشر بالنجاة، والذي انتشر وانتقل وآلت إليه العقائد الفاسدة هو قول اليهود والنصارى بأن المسيح قد صلب، والقرآن يرد على من (شبه لهم قتل وصلب المسيح) وليس على من (تبينت لهم نجاته)، فكلامك هذا لا علاقة له بالآية التي لا ترد على من (تبيّنت لهم نجاته) بل على من (شبه لهم قتله وصلبه)، واستمروا في اتبعاهم للظن قبل وبعد نزول القرآن ويُستثنى من ذلك من أسلم منهم بالطبع، والطائفة التي {شُبِّهَ لَهُمْ} قتل المسيح هي نفس الطائفة التي قالت{إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ} وهي نفس الطائفة التي وصفها الله بالجهل وباتباع الظن {وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْه مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا * بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ } .. إذاً ذكر الرفع هنا هو رد على من شبه لهم قتله وصلبه كما يخبرنا القرآن، وليس ردًّا على من تبيّنت لهم نجاته كما تقول.

    هل نفى الله القتل فقط؟

    الله نفى قتل اليهود للمسيح {وَمَا قَتَلُوهُ} ونفى أيضا أمرًا آخر غير القتل {وَمَا صَلَبُوهُ}، إذًا عليك أن تقر أن الله نفى أكثر من حدث، وإلا أصبح المعنى (وما قتلوه وما قتلوه) وهذا مجرد تكرارٍ لا معنى له ولا يليق ببلاغة القرآن! إذاً { وَمَا قَتَلُوهُ } بأي حال سواء كانت وسيلة الإعدام هي الصليب أو السيف أو أي أداة أخرى، {وَمَا صَلَبُوهُ} هو نفي يضيف خبرًا آخر غير نفي القتل، فما هو ذلك الخبر غير نفي التعليق من أساسه؟ وإليك أيها الفاضل مقارنة بين كلامك وكلام الله:
    * القرآن يقول: لم يقتلوه .. بل رفعه الله إليه، وأنت تقول: لم يقتلوه .. بل رفع الله اللعنة من عقول أهل الكتاب!!! وهذا قول مخالف للقرآن وللواقع كما سبق ذكره!
    * القرآن يخبرنا: أنهم لم يقتلوا المسيح ولم يصلبوه، لكن شبه لهم (موته وصلبه على حد سواء)، وأنت تقول: أنهم لم يقتلوه ولم يقتلوه، لكن تبين لهم (انه نجا)... فتأمل!

    ويبقى السؤال: كيف طهر الله المسيح من الذين كفروا؟ ومتى رفع الله "عقيدة اللعنة" من عقول اليهود والنصارى؟ السؤال الأهم: كيف مكر الله بمن تبينت لهم نجاته وتحسروا ثم توقفوا عن لعنه؟ هذه قصة لها علاقة "بآية!" لا وجود لها في القرآن تقول "ومكروا فهداهم الله"، أين هذا المعنى من قوله تعالى {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}.

    "فأقول كما قال العبد الصالح"


    اتفقنا –ولله الحمد- أنّ التشابه المستفاد من لفظ "كما" لا يكون من كل وجه، وأنّ التشابه يكون في بعض الوجوه، وترى أن قوله تعالى (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ)، لا يعني تشابه المُوحى به، رغم أنّ اللفظ واحد "أوحينا إلى"، فبالمثل لا يلزم من قول النبي صلى الله عليه وسلم (كما قال العبد الصالح)، أن تكون طريقة الوفاة واحدة، رغم أن اللفظ واحد "توفيتني"، وبالتالي فالحديث خارج عن محل النزاع، ولا دخل لمدلوله بما اختلفنا فيه من طريقة الوفاة!

    والمسيح عليه السلام يقول (وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي)، ويقول (وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا)، ولا شكّ أن قوله (مَا دُمْتُ فِيهِمْ) بدلًا من قوله (مادمت حيّا) في مقابل الوفاة له دلالة، فهذا كلام الله تعالى أبلغ الكلام وأحسنه، فالوفاة المذكورة في قوله "توفيتني" جاءت في مقابل "الديمومة فيهم" لا "الديمومة حيّا" كما جاء في الوصية بالصلاة والزكاة، وعليه فظاهر الآية أن التوفي المذكور توفي انتقال ورفع للروح والجسد يقابل الديمومة فيهم لا توفي إماتة يقابل الديمومة حيًّا.

    " يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ"


    سألتك ثلاثة أسئلة يظهر بها الحق، فأجبتَ "أولًا" وتركتَ "ثانيًا" و "ثالثًا"، وأنا أعزم عليك أن تتبرأ لله الآن من كل هوى للنفس وكل عزةٍ بالإثم، وأن تقف مع نفسك وقفة صدق، عندما تجد ثلاثة أسئلةٍ متوجهةً لقولك فتنتقي واحدًا تجيبه وتترك اثنين، أليس هذا هو فعل أهل الباطل وما يضطرهم إليه الباطل؟!

    تقول إن قول الأنبياء "لَا عِلْمَ لَنَا"، هو نفي الرسل لعلمهم بجواب قومهم "بعدهم"، هذا هو التفسير الذي اخترتَه وهو الراجح عند بعض المفسرين، ولكنك من خلال هذا التفسير تنفي أن يعود المسيح آخر الزمان، لأنّ هذا يعني أنّه سيعرف عن بعض ما أجاب به قومه وما أحدثوه، وقد سألتك في هذا سؤالين فما أجبتهما وتركتهما عمدًا، وأنتَ مازلت مطالبًا بجوابهما، فهما مما يبطل قولك..

    ثانيًا: إن النبي صلى الله عليه وسلم علم أن هناك من سيحدث بعده، فقال صلى الله عليه وسلم (سيجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول: يا رب أصحابي!، فيقول: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك)، وقال (لا تقوم الساعة حتى يبعث دجالون كذابون قريبًا من ثلاثين كلهم يزعم أنه رسول الله)، فالنبي صلى الله عليه وسلم قد علم في الدنيا أنّ هناك من سيحدث بعده، ولكنه لا يعلم تحديدًا من أحدثوا، فإن لم تستشكل ذلك، فلا إشكال أن يعلم عيسى عليه السلام بأنّ هناك من أحدث بعده في الدنيا، لكنه لا يعلم تحديدًا من أحدثوا!

    وثالثا: إن النبي صلى الله عليه وسلم علم ببعض ما سيحدث من بعده، فقال صلى الله عليه وسلم (لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء دوس على ذي الخلصة)، فإن لم تستشكل ذلك، فكذلك لا إشكال أن يعلم عيسى عليه السلام ببعض ما أحدث بعده!


    إلزام بما لا يلزم!


    * * * تقول إنني (جعلت الأرض كفاتا لعيسى ميتا فقط وليست كفاتا له حيا هو بالذات، وجعلت أرض الله ضيقة عليه هو بالذات ليعبد الله)اهـ، وهذا ليس بصحيح لأنّنا لا نقول إنّ الله رفع المسيح إلى السماء لأن الأرض ضاقت عنه، بل رفعه الله تشريفًا وتطهيرًا، ولا نتألى على الله تعالى أن ينصر رسله جميعًا بنفس الطريقة! وعليه فكلامك لا يلزمني!

    * * * تعلم بصفتك مهندسًا أنه لا يجوز تقييم أي حلٍّ دون المعرفة الكافية للهدف المراد تحقيقه، وعليه فقولك "الشيء الذي قد يجد ليجعل الرفع للسماء منطقيا نوعا هو أن سيدنا عيسى لا مجال أمامه للنجاة في أي بقعة من الأرض"اهـ، ففي شرطك هذا خلل منطقي مزدوج: لأنه حتى إن كانت الهجرة إلى الضفة المقابلة من الوادي، فسيبقى نفس السؤال عن قدرة الله حفظ العبد في الضفة الأولى، ولو التزمت بشرطك السابق لأنكرت هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم بحجة أن الله قادرٌ على حفظه في مكة، ولأنكرت هجرة موسى بحجة أن الله قادرٌ على حفظه في مصر، أما تساؤلك عن قدرة اليهود التحكم في كل الأرض سبقه افتراضٌ منك أن نجاة الجسد هي الغاية الوحيدة، وهذا بالطبع غير صحيح! فكما أن الخروج الذي أنقذ موسى هو جزء من رحلة عاد بعدها إلى مصر برسالة من الله، كذلك الرفع الذي أنقذ جسد المسيح هو جزء من رحلة لها غايات أخرى، الفرق الوحيد هو أن هجرة المسيح لم تكن إلى مكان بل هي هجرة إلى زمن سيعود فيه ليكسر الصليب ويقتل الخنزير وليتبرأ من الذين عبدوه في غيابه.

    * * * أما مقارنتك بين سهولة نقل الجسد من أرض إلى أرض وبين "صعوبة" رفع الجسد إلى السماء هو طعن صريح في قدرة الله، ولا أدري كيف افترضت أن الله يحتاج "لألف مليون كلمة" ليرفع المسيح؟!! ثم تستنتج بعد ذلك أنه من الأهون على الله أن يبيد اليهود بكلمةٍ واحدة!! وهذه مسألة شنيعة يغني بطلانها عن إبطالها!

    * * * تشبيه المسيح بآدم عليهما السلام، تقدّم أنّ قولنا لا ينافي هذا، وردّك ليس فيه شيءٌ لا أقول به، وليس فيه سؤالٌ واضح، وهذا سأعتبره اقتناعًا!

    * * * قلتُ لك ألا مانع من أن يقابل النبي صلى الله عليه وسلم عيسى عليه السلام في السماء ليلة المعراج، ويكون المسيح بجسده في السماء، فقلتَ (الجسد لا يرى الروح)، تقصد أنّ المسيح جسدًا وروحًا لا يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم روحًا، ودون خوضٍ في إثبات أن معراج النبي صلى الله عليه وسلم كان بالجسد، أقول إن قولك (الجسد لا يرى الروح) هو قاعدة من اختراعك لا أكثر، ولا يعني أنك لا ترى الروح وهي تخرج أنّ كل جسدٍ لا يرى أية روح، كما أنّ عدم رؤيتك للملائكة لا يعني أنّ كل جسدٍ لا يرى أي ملك ولو كان صاحب الجسد نبيًّا، وليس في عرف الناس كافة أن تلزم محاورك بقاعدة من اختراعك لا دليل عليها من كتابٍ ولا سنةٍ ولا أثرٍ ولا قياسٍ سليم!

    * * * أما قولك (ويلزمك لو كان عيسى حيا هناك بالجسد أن يحضر لرسول الله صلى الله عليه وسلم محمد، وأن ينصره طبقا للميثاق الذي أخذه الله عليه لو جاءه مصدق لما معه وهو حي أن يؤمن به وينصره.. فلا تستثنه) فما كنتُ أتوقع أن يأتي يومٌ أرد على حجة كهذه!! فعيسى عليه السلام يؤمن بالنبي صلى الله عليه وسلم وعندما ينزل آخر الزمن ينصره، أما أن تتصور أنّ عيسى مطالب بالنزول من السماء – وكأنّه صعد بقدرته! – وحيث إنه لم ينزل فبالتالي فهو ليس في السماء!! فهذا من المنطق المنكوس والقياس المعكوس! والله المستعان!

    * * * وفي شبهٍ بالسابق تقول (ويلزمك لو كان عيسى حيا هناك بالجسد .. أن ينطبق عليه قول الله تعالى بسورة مريم: وأوصاني بالصلاة والزكاة مادمت حيا. فلابد مادام حيا حتما أن يزكي، ولابد للزكاة من مصرف محتاج، وعليه فلابد أن يخلق الله له الفقراء هناك ليتصدق عليهم وهو محال فما أدى للمحال فمحال وهو حياته هناك)اهـ، والجواب: إذًا عليك أن تنكر طفولة المسيح لأنه لم يكن يزكي بنفسه! وتنكر وجود المسيح على الأرض في أيام فقره، وتنكر وجود كل فقيرٍ مؤمنٍ على وجه الأرض بحجة أن الآية التالية لم تذكر شروط الزكاة {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }! وتنكر وجود الخلافة الإسلامية بأسرها حين لم يجد عمر بن عبد العزيز فقيرًا مستحقًا للزكاة، بحجة أن الله لم يخلق حينها فقراء ليتصدق الناس عليهم! وتشترط أن يخلق الله فقراء لكل بحارةٍ مسلمٍ وجد نفسه في جزيرةٍ نائية وإلا فهو غير موجود في هذه الجزيرة!! القرآن موجه للعقلاء يا سيدي ومعلوم أن للزكاة شروطًا كالقدرة ووجود المحتاج، فانظر هل تنطبق تلك الشروط على كل مسلمٍ على وجه الأرض، قبل أن تنظر إلى من هم في السماء.

    * * * وخشيتك من إثبات ما جاء في النصوص، خشية أن (يتكالب علينا المنصرون)، أو أن (تشدد عزم المنصرين)، فليس من حقك ولا حقي أن ننفي شيئًا ثبت بالدليل مخافة تشنيع المضلين، وربما خرج علينا من ينفي ولادة المسيح من غير والد، بزعم أنّ هذا لم يتحقق لنبينا وهذا يشدد عزم ويساعد على تكالب المنصرين، والرد على هؤلاء المبطلين أنهم عاجزين عن بيان وجه التفضيل! إن كانت العودة إلى الحياة الدنيا هي المعيار لكان أهل الكهف الذين توفاهم الله في منامهم وحفظ أجسادهم أفضل من الأنبياء، وإن كانت مغادرة الأرض ثم العودة إليها هي المعيار لكان لرواد الفضاء أفضلية، وإن كان في طول المكوث في السماء أو في الأرض أية ميزة لكان الشيطان من أفضل الخلق، والنصارى مدحورون بما في كتبهم وعقائدهم، ومن عجبٍٍ أن تخشى تكالبهم وهم الذين يعتقدون بصلب المسيح، فهل يستدلون علينا بعقيدتنا التي تنفي عقيدتهم، أليس هذا منهم من الخبل الذي لا يلتفت إليه فضلًا عن أن تنفى مدلولات النصوص لأجله؟!

    * * * (وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آَيَةً وَآَوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ)، تقول في هذه الآية الكريمة إن المعنى هو أن الله "نجى رسوله وأمه معا" وأنه "لا إيواء في لغة القرآن إلا بعد شدة وبلاء" وأن "ربوة ذات قرار ومعين" هي بطبيعة الحال كشمير! والرد على هذه الدعوى بسيط واضح لكل ذي عينين وعقل:

    أولًا :الشدة التي مرت بها مريم (وابنها) هي عين الابتلاء المتعلق (بآية الولادة العذرية) المذكورة في نفس الجملة {وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً} فما علاقة ذلك بزمن الصلب؟ أما الربوة التي آوت إليها مريم عليها السلام هو ذاك المكان القصي {فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا} حيث جعل الله تحتها جداول ومياه {جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا} ونخيل وثمار لا تحتاج إلى كثير عناء لقطفها {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا} تلك {رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ} أقامت فيها ما شاء الله لها أن تقيم قبل أن تعود إلى قومها، أما بعد حادثة الصلب فلم يذهب المسيح إلى أية ربوة ليقيم فيها، لأن الله قال له {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ} ولم يقل له "لن أتوفاك الآن بل سأرسلك إلى كشمير ثم أتوفاك بعد بسنين"!!!

    ثانيًا: يقول ابن كثير رحمه الله في تفسير قوله تعالى (وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ) بقوله (قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا)، قال: (فهذا والله أعلم هو الأظهر؛ لأنه المذكور في الآية الأخرى، والقرآن يفسر بعضه بعضًا، وهو أولى ما يفسر به، ثم الأحاديث الصحيحة، ثم الآثار.)اهـ. بينما أنت جئت بقولٍ لا دليل عليه من كتاب ولا سنة ولا آثار صحابة، ولا ذكره – فضلًا عن أن يرجحه – الطبري ولا ابن كثير ولا الرازي ولا ابن الجوزي ولا البغوي ولا الألوسي ولا أحدٍ من المفسرين في القرون العشرة التالية للهجرة!! فهل كانت الأمة على ضلالة في هذا الشأن؟! وهل الشطحات التي جمعها الميرزا في كتاب "المسيح الناصري في الهند" كانت من الحق الذي خفي عن الأمة طول هذه المدة؟!

    ثالثًا: (وَرَسُولًا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ) تقول إنه لا فكاك للمسيح من الذهاب إلى كل أرضٍ فيها يهود بحجة أنه رسول إلى بني إسرائيل كافة، أقول إنه بمنطقك هذا عليك أن تشترط ذهاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى كل أرضٍ يسكنها الإنس والجن لأنه رسول للعالمين كافة، وتشترط أن يبقى المسيح على قيد الحياة ما دام اليهود على وجه الأرض، بحجة أنه رسول إلى كل أجيال {بَنِي إِسْرَائِيلَ} وليس إلى جيل بعينه، تأمل الآية التي تليها مباشرة، يقول المسيح {وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ} فهل هذا النسخ يخص من قابلهم المسيح فقط أم يخص بني إسرائيل في كل مكان وزمان إلى أن تأتي شريعة ناسخة؟!

    رابعًا: أما استدلالك بسورة الأنبياء فما زدت عن الدعوى، فقلتَ بما أنّ الله يؤيد رسله بالعز والنصر، "إذن" فعيسى عليه السلام نجا في الأرض!! ولا أدري صراحةً أين تذهب بعد ذلك، فأنت – كأنك لا تعرف – تصر على إيراد أية آية فيها – وأحيانًا ليس فيها - ذكر للمسيح عليه السلام، لتقول بما أن ... – وضع هنا أي شيء - .... إذن المسيح لم يرفع إلى السماء! إنّ نصر الله لرسله يكون في الدنيا وفي الآخرة، ومن كان على الحق فهو منصورٌ ولو كان وحده، ولا يعني موت الرسل توقف الله عن نصرتهم، ولا يقول مؤمن أنّ الرسل الذين قتلهم بنو إسرائيل غير منصورين، أو أنّ الذين قال فيهم الرسول صلى الله عليه وسلم (والنبي ومعه الرجل والرجلان والنبي ليس معه أحد...)، فزعمك أنّ نصر الله للمسيح عليه السلام لا يكون إلا بسياحته في الأرض يدعو إلى الله، هو من التحكم المحض، والتألي على الله أن ينصر رسله بصورة معينة، ومخالفة النصوص الواردة بأن الرسول منصورٌ ولو قُتل أو كان وحده يوم القيامة أو رفع إلى السماء أو هاجر في الأرض، فوق مخالفة النصوص القاضية بنزول المسيح عليه السلام!

    * * * وقولك (ولقد قال الله تعالى عن إدريس : ورفعناه مكانا عليا، ورغم ذلك اللفظ : (مكانا) يتفق الجميع أنه رفعه بروحه ودرجته.)اهـ، أما زعمك اتفاق الجميع فهذه مجازفة غريبة، والاختلاف في الأمر أشهر من أن يعرف به، قال الرازي في القول الثاني الوارد في تفسيرها (المراد به الرفعة في المكان إلى موضعٍ عالٍ وهذا أولى، لأن الرفعة المقرونة بالمكان تكون رفعة في المكان لا في الدرجة ثم اختلفوا....)اهـ، وقال الطبري (يعني به إلى مكان ذي علوّ وارتفاع، وقال بعضهم: رفع إلى السماء السادسة، وقال آخرون: الرابعة)اهـ، وذكره ابن كثير، وقال البغوي (واختلفوا في أنه حيٌّ في السماء أم ميت؟ فقال قومٌ: هو ميت، وقال قومٌ: هو حي)اهـ، والأمر أشهر من أن يذكر به، فضلًا أن يُنفى بادعاء اتفاق الجميع!!!(1) وفوق ذلك فالأدلة في عيسى عليه السلام ورفع إلى السماء ونزوله آخر الزمان أكثر وأغزر وأوفر من أن تُعارض بادعاء اتفاق الجميع في فهم نص في مسألة عدم رفع إدريس عليه السلام(2)، فكيف إنّ كان هذا الاتفاق لم يقم إلا في الخيال!؟

    * * * تستدل بالآية الكريمة (قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ) وهذه مقابلة لنصوص مخصوصة في عيسى عليه السلام بنص عام، فنحن نقول بتخصيص عيسى عليه السلام من ذلك الحكم وذلك جمعًا بين الأدلة، كما نقول إن قوله تعالى (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى) – والآية فيها قولان والاستدلال كما هو عليك - لا يمنع أنّ يكون آدم خُلق من غير ذكر وأنثى، وحواء خلقت من ضلع ذكر دون أنثى، جمعًا بين الأدلة وإعمالًا لها كلها، وهذا ديدن أهل العلم ولا إشكال فيه (1)، والمقصود من الآية أن مجموع الرسل قد خلا وذهب، وليس الأمر بانتقال لأول حركةٍ لا تنطبق!! (2)، وكلمة "خلت" على الراجح تعني مضت، كما قال تعالى "وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ المثلات" وقال تعالى "وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ"، وقال تعالى " سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ"، ونحن نقول إن الرسل كلهم مضوا عن قومهم، ونثبت عودة المسيح بالأدلة الصحيحة(3)، فالحاصل أنك تستدل بعموم في مقابل خصوص.

    * * * قال تعالى (قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا)، وبناءً على الآية الكريمة تنفي تحقق رفع الأنبياء إلى السماء في (هيئة من عدة عناصر: لن نؤمن لك حتى... أي لن نؤمن لك نبيا حتى يفعل الله هذا معك ثم تقول : صدقوا إذن، فنصدق أنك منه. والله بقوله سبحان ربي، أي تعالى أن يجيبكم لاقتراحات مع رسول، لن ولم تتم حتى ينتهي زمن الرسل البشر.)اهـ، وأنا سأوافقك على هذا جدلًا، وأقول إنّ ما نعتقده من رفع المسيح عليه السلام لم يتحقق بهذه الهيئة، فرفعه عليه السلام للسماء لم يكن بعد أن قال له بنو إسرائيل "لن نؤمن لك حتى .."، ولم يقل المسيح عليه السلام "صدقوا إذن"، وقولك إنه سيقول من الكلام في غيب بغير دليل، والله لم يرفعه إلى السماء إجابة لاقتراحات مع رسول، فهذه الهيئة التي تضعها وتمنعها ليست هي ما نقوله في رفع المسيح عليه السلام في أي عنصر من عناصرها(1)، على أنّ الأمر كما سبق، أنّ الآية تنفي تحقق هذه الآيات بناء على اقتراحات المعاندين أو رغبة الرسول، فالآيات من عند الله، وهذا لا يمنع تحقق هذه الأمور مع الرسل إن أراد الله ذلك(2)، وتكفيني (1) في الرد عليك من باب التسليم الجدلي، ولا يبق لك بعد ذلك إلا التحكم المحض، إن أصررت على النفي بناء على الآية بعد أن بينت أنها لا تلزمني وإن وافقتك على فهمك المغلوط لها!

    * * * أما ما زعمتَه من تشابه بين حياة ووفاة وبعث عيسى عليه السلام مع يحيى عليه السلام:
    أولًا: قولك (لو كان عيسى نبي بني إسرائيل قد رفع وسينزل بجسمه شخصيا لصنع هذا فرقا في آية السلام الخاصة بكل منهما)اهـ، فهذه القاعدة من اختراعك كذلك، لم يسبقك إلى القول بها واستنتاج ما استنتجته أحدٌ من المفسرين، ولا معنى لادعاء أنك لن تذكر لي سلفًا من المفسرين لأني أتندر بالمفسرين وأنا أعرف أني لم أفعل!
    ثانيًا: سألتك (هل تقول بتماثل خاتمتي السوء بين امرأة لوط وامرأة نوح رغم أن إحداهما ماتت خسفًا والأخرى بالطوفان؟) فلم ترد عليّ بشيء.
    ثالثًا: أنت لا تزيد على زعم التشابه بينه المسيح ويحيى عليه السلام، ولا تزيد على ادعاء أن التشابه ينفي رفع المسيح إلى السماء!! فبالنسبة للولادة(1) أنت تقر أنّ هناك فرقًا بينهما فالمسيح من غير والدٍ أصلًا ويحيى عليه السلام من نسل زكريا عليه السلام، وبالنسبة للوفاة(2) أنت تعلم أن المسيح لم يُقتل إجماعًا ويحيى عليه السلام قُتِل على المشهور، بل تقر أنك (تتجاوز طريقة الموت)، فإن لم يكن هناك تماثل بين الوفاتين ولا الولادتين من كل وجه، فما معنى الاستدلال والقول بحتمية تشابه أنت نفسك لا تثبته!
    رابعًا: لنفرض جدلًا أن الوفاتين متماثلتان، فهذا لا يلزم منه أنّ المسيح يموت في نفس يوم وفاة يحيى، فالفارق الزمني بين الوفاتين لا ينفي التماثل الذي تسعى لإثباته، ولا فرق إذن بين أن تكون وفاة المسيح بعد يحيى بسنةٍ أو بمائة ألف سنة أو أكثر، وعليه فحتى لو وافقت على ما تدعيه من تماثل الوفاتين، فهذا لا ينفي رفع المسيح إلى السماء!
    خامسًا: أما قولك (ويبقى التشابه فقط في البعث حيا فأنت تنزع القدرة على الدلالة من تقابل النصين: أن السلام عليهما في أيام معينة، وتبقى الآيات مفرغة من المضامين العظمى)اهـ، فهذا قد يصح أن توجهه إليّ لو أنني أقرك على أن الآيتين ذكرتا للمماثلة – تلك التي تدعيها ولا تطبقها – أصلًا، وأنا لا أوافقك على حتمية التشابه حتى تلزمني بهذا، بل إنك لو تأملت قليلًا لوجدتَ هذا الكلام يتوجه إليك!

    المعنى الأصلي للتوفي:


    قلتُ لك قبل ذلك أنّ التوفي في "توفي الله الناس" ليس هو المعنى الأصلي للكلمة، وأنّ السر في تصورك هذا هو المعنى الشائع بين الناس لا العودة إلى القواميس المطولة! وبالفعل تثبت كلامي باستدلالك بـ " الإعلان الصباحي في القرى"، والرد على ما أوردته من وجوه:

    أولًا: قولك (توفى توفــّــيا مثل تولى توليا ( من التفعل)، وهو الإماتة)، فأنت لا تقول إنّ "متوفيك" تعني "مميتك"، بل حقيقة قولك هي أنّ المسيح ساح في الأرض ولم يحدث له توفي – أي إماتة - عندما قال له الله "إني متوفيك" .. فهل تلتزم أنّ الله عندما قال للمسيح "إني متوفيك" أنّه أماته وقتها؟؟

    ثانيًا: ولكنك سرعان ما تغير فهمك لمعنى "متوفيك" فتجعله (معنى قوله عز وجل "يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ" أني عاصمك من القتل ومستوف مدة أجلك في الدنيا وقابض روحك بعد استيفاء عمرك المقضي منذ الأزل)اهـ، فبعد أن كانت "مميتك"، جعلتها قابض روحك بعد استيفاء أجلك، وهذا المعنى لا يناسب السياق بالمرة، إذ يكون المسيح في مواجهة اليهود، فيأتيه أنّ الله قابض روحه بعد استيفاء أجله، وهذا ليس فيه أي بث للطمأنينة في نفس عيسى، ولا نفي لقتل اليهود له، فربما كان أجله بقتل اليهود له، وبالتالي يموت مقتولًا، وبالتالي ترتفع مكانته بالشهادة، وبالتالي يباعد بينه وبين الذين كفروا، فعلى فهمك لـ "متوفيك" على أنها "قابضك بعد تمام أجلك" تكون الآية خلية من أي بُشرى للمسيح، وأي نقض لزعم اليهود أنهم قتلوه، فهل تلتزم أنّ الله خاطب عيسى عليه السلام في هذه اللحظة بما يعني أنّه قد يُقتل الآن!؟

    ثالثا: مما تبين في "أولًا" أن تفسير التوفي بالإماتة مما لا تقول أنت به، لأنك تعتقد أن الله لم يُمته وإنما تركه يسيح في الأرض، وكذلك هو مما لا يحتمله السياق، أن يكون الله بشره بالموت عوضًا عن القتل، وتبين من "ثانيًا" أنّ تفسيرها على "مميتك بعد تمام أجلك" مما يحتمل إمكانية قتل اليهود له ولا ينفيها، كما أنه مخاطبة لعيسى عليه السلام بما يعرفه من أنه لا يموت قبل انقضاء أجله وليس في ذلك بشرى له، تبين أنّ المعنى الوحيد الذي يناسب السياق والذي يوافق المعنى الأصلي للتوفي هو أنّ الله قال له "متوفيك"، والكاف تعود إلى المسيح روحًا وجسدًا!

    فأنت لا تستطيع حسمَ مسألة نفي رفع جسد المسيح في ظل كل التناقضات السابقة في موقفك! الذي يحسم الأمر حقيقة هو توقيت التوفي: فالله قال للمسيح واليهود يطلبونه: {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ} ولم يقل له (لن أتوفاك الآن) ولم يقل له (إني متوفيك لا محالة في المستقبل) فالمسيح يعلم أنه لن يخلد!

    رابعًا: ما روي عن ابن عباس من تفسير التوفي هنا بالإماتة فغير صحيح، فهو من رواية علي بن أبي طلحة عنه، وعلي لم يسمع منه ولم يره، وإنما روى عنه بواسطة، والبخاري رحمه الله إنما أورده معلقًا ولا يراه على شرطه كما سبق التذكرة بما لا يجهله عارفٌ بالبخاري أدنى معرفة.

    خامسًا: نحن هنا نستدل على معنى التوفي بما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من أحاديث صحيحة كثيرة، أن المسيح عيسى عليه السلام ينزل آخر الزمان، وعجيب أن تترك ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من الأحاديث الصحيحة، ثم تزعم أنّي لا أستند في فهمي لأحدٍ من الصحابة!!

    سادسًا: وقولك (وفعل توفى توفيا بمعنى الموت هو الذي جاء في القرآن عن وفاة البشر)، فالرد عليه من قوله تعالى (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا)، فهذه وفاة للبشر جاءت في النوم.

    سابعًا: قولك (وقوله في تاج العروس : ومن المجاز : أدركته الوفاة، أي الموت والمنية .. تفسيره : هنا كلمتان، المجاز في الأولى،وهو معنى الإدراك، لا في الثانية)، وهذا عجب من العجب في فهم ما تقرأ، فهل تظن أنّ الزبيدي أورد في كلامه عن الوفاة استعمالًا مجازيًّا لـ "أدركته" لينبه عليه؟!!

    ثامنًا: قال الزمخشري في أساس البلاغة (ومن المجاز: أوفى على المائة إذا زاد عليها، ووافيت العام: حججت، وتوفّي فلان، وتوفّاه الله تعالى، وأدركته الوفاة)اهـ، فهذه لا حيلة لك فيها كما فعلتَ في كلام صاحب التاج، فالوفاة بمعنى قبض الروح فقط ليست هي الأصل في معنى التوفي، ولا يمكن أن تقول إن المجاز هو في "أدركته" لأنها ليست مشتركة في كل الجمل التي وصفها بالمجاز .. وهذا واضح!

    تاسعًا: متى توفى الله المسيح؟! المسيح عليه السلام سمع كلام الله كما هو ولم يسمع حينها تفسيركم الذي يقول إن الله سيسري به ليلا إلى بقية بني إسرائيل ثم يتوفاه بعد سنين! حتى تستقيم هذه القصة عليكم تغيير كلام الله واستبدال قوله {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ} بـــ(لن أتوفاك/أو أميتك الآن) وإلا لن يكون هناك أي ربطٍ معقولٍ بين الخبر وسياق الأحداث، فإن قيل إن المعنى هو (إني متوفيك/ أو مميتك لا محالة) فهذا خبر لن يضيف أي جديدٍ لأنه عليه السلام يعلم أنه لن يخلد في الأرض، الشاهد هنا والذي يبطل تفسيركم من أساسه هو توقيت ذلك التوفي الذي أوقف حياة المسيح على الأرض عندما كان اليهود يطلبونه، فتوقفت شهادته على الناس إلى حين.

    عاشرًا: ماذا لو سلمتُ لك جدلا بتفسيرك للتوفي؟!
    المعنى المباشر لـ{مُتَوَفِّيكَ} يفيد قبض الروح والجسد لأن الضمير لا يعود فقط إلى النفس بل إلى المسيح كإنسان كامل! وحتى إن سلمتُ لك جدلاً أن القصد هو توفي النفس دون الجسد فهذا لا يعني الموت بالضرورة لأن الله يتوفى الأنفس عند نومها مصداقًا لقوله تعالى {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} هذه الحقيقة القرآنية تبطل قولك أن "بتحقق: متوفيك، تمتنع عودته للأرض مرة ثانية"!، فالله يتوفى نفس من قضى عليه الموت كما يتوفى نفس النائم، أما الذي يُحدث الفرق بين النوم والموت هو مآل النفس بعد التوفي { فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَىٰ إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى}، وهذا دليل قاطع أن توفي النفس في حد ذاته لا يعني الإماتة بل يعني قبضها فقط، لتتوقف شهادة العبد على الناس إلى أن يرسلها الله مرة أخرى في الدنيا أو يوم البعث، وهذا هو المعنى الذين يفهم من التشابه في "كما قال العبد الصالح"، فهو الشبه المذكور في الآية الكريمة السابق ذكرها.

    حادي عشر: متى رفع الله مكانة المسيح؟
    المسيح يعلم وهو في المهد أن الله رفع مكانته وجعله مباركًا حيثما كان ومن المقربين ووجيهًا في الدنيا والآخرة، ولذلك حتى يستقيم تفسيركم عليكم تغيير كلام الله مرة أخرى واستبدال قوله {وَرَافِعُكَ} بــ(ورفعتُ مكانتك من قبل)، وبالجمع بين مسألة الرفع والوفاة يتضح أن تفسيركم لن يستقيم إلا إذا استبدلتم قوله تعالى {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} بــــ(لن أتوفاك الآن وقد رفعتُ مكانتك من قبل) فتأمل! الرفع لا يكون إلا إلى جهة العلو، فإذا ثبت أن الرفع كان بالجسد فلن يكون إلا إلى السماء الحقيقة لا المعنوية، أما رفع المكانة أو حتى رفع اللعنة (التي لم تُرفع في الواقع من عقول اليهود) فلا يقبله السياق لأنه لا يُثبت قتل الصدّيق ولا ينفي قتل الشهيد، ولا يرد على أهل الكتاب بأي حال إلا إذا اعتبرتَ أن مقولة (ما قتلوه * بل لم يلعنه اليهود) ردًّا منطقيًّا!!

    ثاني عشر: الحقيقة اللغوية للتوفي كما سبق هي أخذ الشيء كاملًا غير ناقص، والحقيقة العرفية خصصت التوفي بقبض الروح دون الجسد، ويشترك في هذه الحقيقة العرفية الموت والنوم، والأصوليون لهم في ذلك مذاهب ثلاثةٌ فيما دار بين حقيقةٍ لغويةٍ وحقيقةٍ عرفية، فالمذهب الأول هو تقديم الحقيقة اللغوية وهي التوفي الذي يعني القبض تمامًا روحًا وجسدًا، وهذا هو قولنا لا إشكال فيه، والمذهب الثاني هو تقديم الحقيقة العرفية، فإن النوم والموت مشتركان في الحقيقة العرفية للفظ "التوفي"، ونحن لا نمنع حمله على النوم وهو داخل في الحقيقة العرفية، كما أنّ ورود الدليل الصارف عن إرادة الحقيقة العرفية، يوجب تقديم الحقيقة اللغوية باتفاق، وقد وردت الأحاديث الصحيحة بنزول عيسى عليه السلام آخر الزمان، أما المذهب الثالث وهو مذهب السبكي ومن وافقه أنّ اللفظ يوصف بالإجمال لاحتمال العرفية واحتمال اللغوية، وعلى هذا القول فالمقرر في الأصول أنّ المجمل لا يُحمل على أحد معانيه إلا بدليلٍ منفصل، وقد دل الكتاب والأحاديث الصحيحة وآثار الصحابة أنّ المسيح لم يمت وأنه حيّ وأنه ينزل آخر الزمان ... فهكذا بأي قول من أقوال الأصوليين أخذت فاللازم أنّ "متوفيك" لا تعني موت المسيح عليه السلام ولا تنفي رفعه إلى السماء ولا نزوله آخر الزمان كما ثبت بالأحاديث الصحيحة.

    (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا)


    بدايةً حتى تعلم موقع قدميك، ينبغي أن تعلم أن من فسّر الآية بموت عيسى عليه السلام، هم ابن عباس فيما صح عنه وأورده الطبري، وأبو هريرة رضي الله عنه فيما رواه البخاري، والإقدام على تخطئة علمين من أعلام الصحابة، أو إنكار الروايات التي حكم لها أهل العلم بالحديث رواية ودراية بالصحة، هذا وذاك مما ينبغي أن تتثبت كثيرًا كثيرًا قبل الإقدام عليه، ولكنك تقحمت ما لا تحسن، وخالفت الأثبات الثقات!

    إنّ من أظهر القواعد عند المفسرين، والتي لم تعرفها، أنّ (تعدد القراءات في الآية يعدد معانيها)، أو (تنوع القراءات بمنزلة تعدد الآيات)، ولذا فقوله تعالى (وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) لا يعارض القراءة الأخرى (وَأَرْجُلِكُمْ)، وهذا كثيرٌ كثيرٌ يدركه من له أدنى دراسةٌ منهجيةٌ للتفسير، ولذا فقولك (هناك قراءة نصها: قبل موتهم)، ثم استنتاجك (فاسترحنا من الاعتراض على رجوع الضمير، وعلمنا أنه يرجع لأهل الكتاب)اهـ!، ظنًّا أن القراءة الثانية تُلغي الأولى وتعفيك من تفسيرها، أو أنّه يجب حمل الأولى عليها، فهذا يدلني على أنك انشغلت بالكتابة وفاتك الكثير الكثير من طلب العلم مع الأسف الشديد!

    إنّ الآية الأولى (قبل موته) محمولة على عود الضمائر إلى واحد وهو المسيح عليه السلام، وهذا هو التفسير الذي ورد بالإسناد الصحيح عن ابن عباس وأبي هريرة وأبي مالك والحسن البصري وقتادة وابن زيد، وهذا التفسير لا ينافي القراءة الأخرى قراءة أبي، بل يشملها، فكل أهل الكتاب حين يموتون يعلمون حقيقة ما كانوا عليه فيؤمنون بعيسى عليه السلام، وإن كان إيمانًا لا ينفعهم، وذلك بالتأكيد قبل موت عيسى عليه السلام آخر الزمان، ثم يأتي عيسى عليه السلام فيؤمن به الجميع بعد أن يقتل الدجال، كما صح عن الحسن البصري في قوله تعالى "قبل موته" (قبل موت عيسى، والله إنه لحيٌّ عند الله، ولكن إذا نزل آمنوا به أجمعون)، وصح عن ابن زيد قوله (إذا نزل عيسى ابن مريم فقتل الدجال لم يبق يهودي في الأرض إلى آمن به، قال: فذلك حين لا ينفعهم إيمانهم)، وهكذا تكون العداوة قد أغريت بينهم إلى يوم القيامة، قال تعالى (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آَيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آَمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا) ولا شك أنّ الإيمان الوارد ليس هو الذي (لا يأتي بالإكراه والقهر)، بل هو إيمان بعد أن تقهرهم آيات الله يوم القيامة فيؤمنون، ولا ينفعهم إيمانهم كما قال تعالى، فاحتجاجك بأنه لو كان الإيمان لا ينفع لكان لفظ الآية "ليسلمن له" بدلًا من "ليؤمنن" له هو احتجاج بما لا دليل عليه بل الدليل على خلافه، والحقيقة أن العلاقة بين لفظي "الإسلام" و"الإيمان" حين الاجتماع والافتراق مما يبدأ بدراسته في العقيدة، وقد غاب عنك ذلك!

    المقصود أن السياق كله عن عيسى عليه السلام (بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزًا حكيمًا، وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدًا)، فالضمائر إذن تعود إلى واحدٍ والمخالف لذلك عليه بالدليل، فيكون المعنى: وما من أهل الكتاب إلا ليؤمنن بعيسى قبل موت عيسى عليه السلام، ويوم القيامة يكون عيسى عليهم شهيدًا.

    نزول المسيح عليه السلام آخر الزمان .. هل يحق لنا البحث عن مسيح آخر؟


    المسيح هو الوحيد الذي ولد من أم دون أب، ولو كان المُبشَّر به هو مسيحٌ آخر غير (ابن مريم) لنُسب إلى والده عملًا بقوله تعالى {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ}، والنبي صلى الله عليه وسلم أحرص الناس على اتباع القرآن الكريم، ولا يلجأ إلى تشبيه ومجاز واستعارة تحوّل مئات الأحاديث الصريحة إلى طلاسم لم يتمكن من حلها أحد من الصحابة ولا التابعين ولا القرون التي تلتهم بما في ذلك الميرزا غلام أحمد في أول حياته، عندما قال الصحابة للمصطفى "نشهد أنك بلغت" هل يدخل في ذلك إبلاغهم بحقيقة المسيح المُبشر به أم لا؟ هل علموا بالتفسير الجديد الذي يقول أن ابن مريم ليس هو ابن مريم، وأن عيسى ليس هو عيسى؟ بالطبع لا!

    الآيات والأحاديث التي تحدد عقيدة المسلم هي نصوص محكمة، ولا يوجد مجاز ولا تشبيه ولا طلاسم في نصوص تفصل بين الجنة والنار، وتفصل بين التكذيب والإيمان بشخصٍ تؤمن أنت أنه من ضمن الأنبياء الذين لا ينبغي للمسلم التفريق بينهم وإلا خرج من الملة وأؤمن أنا أنه مخادعٌ كذاب، فإن احتكمنا لدين الله الذي أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم كان الحكم واضحًا بينًا في قضية على هذه الدرجة من الأهمية.

    وتفسيرك -باسم المجاز والتشبيه- ليمين النص بيساره، يعطيني الحق أن أفسر يسار كلامك نفسه بيمينه، لأعيد النص إلى أصله وإلى معناه الظاهر، وإن كان تأويل غيرك لكلامك الصريح يغضبك، فما بالك بغضب الله على من يؤول محكم كلامه؟

  4. #19
    تاريخ التسجيل
    Jan 2005
    المشاركات
    982
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    مختصر الرسالة السادسة من أحد الإخوة في منتدى التوحيد .. أفردناه في مشاركة مستقلة لكبر حجم الرد عن أن تضمه مشاركة واحدة.

    اختصـــار ما ورد في الموضوع مما يثبت أنّ الحق في قولي ويثبت بطلان قولك ويلزمك جوابه!


    هذا هو مختصر هذا الرد تركيزًا على النقاط الرئيسة في حوارنا، وهي أولًا منهجية إثبات الصفات، وهذا لابد من الاتفاق عليه قبل الخوض في إثبات صفات معينة، وثانيًا معنى العرش والكرسي، وثالثًا رفع المسيح عليه السلام، ورابعًا نزول المسيح الحق الموعود عيسى عليه السلام آخر الزمان.

    وأنت مطالبٌ بالجواب على هذه الأمور، وقد رقمتها لك تسهيلًا وتيسيرًا للمتابعة، ولا أفهم بأي منطق ترى أن الأسئلة التي أوجهها إليك عقاب!! أليس الحوار بيننا يقوم على الأخذ والرد والسؤال والجواب حتى يظهر الحق ويستبين!؟ أما مطالبتي إياك بالإجابة على بعض الأسئلة بنعم أو لا، فهذا ليس بمستنكر ولا من خصائص وكلاء النيابة، فإن كل سؤال صحيح بـ "هل" تكون إجابته بـ "نعم" أو "لا" أو تفصيله إلى عدة أسئلة جوابها بين النفي والإثبات كذلك، وعندما أصرح بهذا الأمر المفهوم أصلًا من تركيب السؤال، فإن ذلك يكون لأهمية السؤال وأهمية الإجابة الواضحة، ولك أن تسهب وتفصل كما تشاء بعد أن تعطيني الإجابة الواضحة، ولا تقلق من شيء فإني أقرأ ردودك بعناية، ولن أستغني بالإجابة المختصرة عن قراءة التفصيل.

    وهاك ما أريد منك التأمل فيه، فإن ظهر لك منه بطلان مذهبك فأنت حقيقٌ أن تكون رجّاعًا للحق إذ تبين كما أرجو، وإن كان لك رد فعليك بالرد على كل النقاط، لأن كل نقطة في حد ذاتها كفيلةٌ بإبطال قولك.


    بطلان مذهبك ببطلان لوازمه!


    مذهبك يقوم على أنّه (قال الله تعالى وتقدس ما قال، ورغم ذلك يحدث الفهم الخطأ، والرسول صلى الله عليه وسلم قال ما قال ورغم ذلك أضيف لقوله أو فهم خطأ، وروي عنه الصحابة فروى الناس عنهم بالمعاني التي رويت بدورها بالمعاني. وليس ابن مسعود وغيره استثناء)اهـ، وهذا ينفي وعد ربنا بحفظ الذكر وظهور الدين، وعدم غياب الحق في الأمة، وعدم اجتماع الأمة على ضلالة، وهذا وحده كافٍ في بيان بطلان مذهبك(1)، وإن تزعزعت الثقة بالكتاب والسنة وآثار الصحابة لم يبق لنا إلا العقل، والعقل عرضةٌ للخطأ في تصور التنزيه والاستدلال والنقل وفهم النص والبيان، وبالتالي تكون معرفة الحق عرضة للضياع، وهذا وحده كافٍ في بيان بطلان مذهبك(2)، ثم إنّ قولك هذا يفتح الباب لكل ضال ليزعم أن الدين غير محفوظ، وهذا كفيل بإبطال منهجك (3)، ثم إن منهجك يقوم على تأويل كل شيء، فالقرآن الكريم يؤول، والسنة النبوية تؤول، وآثار الصحابة تؤول، وبالتالي يكون كل كلام قابل للتأويل حتى كلامك نفسه، وبالتالي لا تقوم حجة على مبطل لا من قراءة ولا مناظرة ولا غير ذلك(4)، ولا تقوم حقيقة واضحة من أي نص، فكل النصوص إذن قابلة للتأويل دون ضابط، وما لا يوافق تحكم بضعفه أو وضعه أو إسرائيليته دون ضابط(5)، ومذهبك هذا يضطرك إلى القول أن الله أنزل القرآن بلسان التقريب، لتصير المسافة بين الأذهان والحق خالية، يعمل فيها من يريد بالتأويل والتحريف، بينما المعلوم من الدين بالضرورة أنّ القرآن نزل بلسان عربي مبين، وهذا وحده كافٍ لإبطال قولك(6)، وأنت تسير في منهجك ولو كانت ثمرته قولًا لم ينقل في حديث ولا أثر ولو موضوع، ومنهج ثمرته أن تأتي بقولٍ لا تنتسب فيه إلى القرون الخيرية منهجٌ باطل(7)، ومنهجك يضطرك إلى المصادرات في حق الصحابة، بينما لو كان منهج الحق لكنت استغنيت عن المصادرات بتوافر الآثار والنقولات كمثل ما أفعل، ومنهج يحوجك إلى المصادرة بدلًا من الدليل منهج باطل (8)، ويقوم مذهبك على نفي ألفاظ مجملة لم ترد في الكتاب ولا السنة، وهذا فعل باطل(9)، ومنهجك يقوم على التمثيل والقياس على البشر وتصور النسب الحجمية، ونفرةً من ذلك تذهب إلى الطرف المقابل فتحرّف النص، ولو أنك تركت التمثيل أولًا وقلتَ "ليس كمثله شيء" فإن سئلت عن الكيفية قلتَ "لا أدري" لكُفيت، لكنك تمثّل أولًا ثم تؤول وتعطّل ثانيًا وفي النهاية تقول "لا أدري!" (10)، ومنهجك يقوم على المصادرة باستحالة وجود صفات كاليد والوجه والقدم لله تعالى، رغم أن إثبات هذه الصفات على وجهٍ يليق بكماله سبحانه، كما نثبت له علمًا وقدرة تليق بكماله سبحانه، ليس مما يمتنع في العقل ولم يأتِ النص باستحالته(11)، وتعريفك لظاهر اللفظ –وهو التعريف الذي ما تبناه حتى أهل التأويل الفاسد- وممارستك للتأويل تفضي إلى جعل الشرع قاضيًا مترددًا عي اللسان يطلق حكمًا لم يُحفظ عن الفهم الخطأ وهو إلى الألغاز والأحاجي أقرب لا حكمًا واضحًا مبينًا حُفِظ حكمه عن الفهم الخطأ وهو كالشمس ظهورًا وجلاءً، وهذا وحده كافٍ في إبطال منهجك(12) ثم يكفي في إبطال منهجك الازدواجية التي تُبطل منطق التنزيه لديك من أساسه: فلا يوجد أي سبب نقلي أو عقلي يجعلك تميز بين الأبعاد الكونية، فتقبل علاقة الله بظرف الزمان وترفض علاقة الله بظرف المكان، رغم أن أبعاد "الزمكان" من المنظور الفيزيائي هي ضمن نفس النسيج الكوني، ولا أتوقع أي جواب على هذه الازدواجية غير المبررة لأنه لا يوجد جواب(13)، وتفسيرك -باسم المجاز والتشبيه- ليمين النص بيساره، يعطيني الحق أن أفسر يسار كلامك نفسه بيمينه، لأعيد النص إلى أصله وإلى معناه الظاهر، وإن كان تأويل غيرك لكلامك الصريح يغضبك، فما بالك بغضب الله على من يؤول محكم كلامه؟(14).

    وهذه أسئلة بخصوص أصول منهجك أريد جوابها جوابًا مختصرًا واضحًا محددًا لو سمحت:

    ما تعريفك لظاهر اللفظ بعد ما سبق طرحه؟(15) ما هي الشروط التي تلتزمها حتى تقول بمعنى غير ظاهر اللفظ؟ (16) ما هو الفيصل في التفرقة بين الصفات الواردة في النصوص، فتكون إحداها مقصودة الظاهر لأنها تليق بالذات كصفة العلم مثلًا، وتكون الأخرى غير مقصودة الظاهر فتؤول كصفة اليد مثلًا، ما هو الفيصل في التفرقة بين هذه وهذه، هل هو العقل أم التصور أم النص أم ماذا؟! (17) وتوضيحًا للسؤال السابق لما له من أهمية أقول: إن الله تعالى ليس كمثله شيء، وهو السميع البصير، بناءً على هذا: هل يمتنع أن نثبت لله صفة الرحمة بما يقتضيه ظاهر اللفظ بما يناسب ذاته سبحانه من صفات الكمال؟؟ ( نعم – لا ) وهل يمتنع أن نثبت لله صفة اليد بما يقتضيه ظاهر اللفظ بما يناسب ذاته سبحانه من صفات الكمال؟؟ ( نعم – لا )، وفي حال اختلاف الإجابة بين السؤالين أتمنى أن تبين الفيصل في التفرقة بين الحالين.(18) ولتفرض أن الله يخبرك بصفة اليد – على المعنى الظاهر للفظ اليد – التي تليق بكماله وجلاله، فكيف يخبرك بها وما اللفظ الذي لو جاءك لأثبتَّ هذه الصفة؟!(19) و هل تقول باستحالة إثبات القدم لله حتى لو أثبتها الله لذاته؟ (نعم – لا ) (20)

    ما رأيك في قاضٍ يتكلم بكلامٍ عرضة للخطأ في الفهم، ولا يحفظ كلامه عن تمييز ما زيد فيه وانتقص في كل الأوقات، ويعطي الناس الحكم من خلال كلامه، بأن ينظروا فيه فيستخرج كل منهم المعنى الحق بنفسه، ويستخرج الحكم من كلامه في أكثر القضايا أهميةً بعد طول جدال وبشق الأنفس، ألو كان هذا القاضي من البشر، أكان يخرج رأيك فيه عن التسفيه والتحقير؟!(21)

    من أين تستمد الثوابت الإسلامية، أمِن كتابٍ يحتمل الفهم الخطأ، أم من سنةٍ تحتمل ذلك والزيادة والنقصان ورواية بالمعنى، أم من أقوال صحابةٍ "يروي عنهم الراوون بالمعنى كثيرا بما يتعارض مع اللائق بالله" كما قلتَ، أم من عقلٍ هو عرضة للخطأ، أم هو شيءٌ غير ذلك تستمد منه الثوابت الإسلامية؟؟ (22)

    بطلان تأويلك للعرش بأنّه صفة!


    هذا قول تعجز تمامًا عن أن تأتي بحديث واحد ولو ضعيف، أو أثرٍ واحدٍ ولو ضعيف، فيه ذكر هذه المعاني التي تقول بها صراحةً، وهذا وحده كافٍ في إبطال قولك، لأن غياب نقل هذه المعاني يتنافى وحفظ الذكر وتمام البلاغ والبيان (1)، وهو قول لم يخطر ببال الصحابة أصلًا، ولذا لم يقله أحد منهم، وقد كان يكفيهم إضافة كلمة "العز" على قولهم (والله فوق العرش)، وحيث إنهم ما فعلوا، فقد دلنا هذا على أنّ هذا ليس من الدين، إذ لو كان كذلك لبلغوه (2)، كما أنك ذكرتَ في هذا العرش غير المخلوق خمس معانٍ، وهي معاني مضطربة لا يمكن الجمع بينها، وهذا وحده كافٍ في بيان إبطال قولك (3)، كما أنّ تقسيمك العرش الوارد في النصوص إلى مخلوق وغير مخلوق، هو تقسيم فيما لا دخل للعقل فيه من غير دليل، وهذا قولٌ على الله بغير علم، وهذا وحده كافٍ في إبطال قولك (4)، ولسان العرب واستعمال العرب لكلمة "العرش" على الطريقة التي ورد بها في النصوص، لا يمكن أن يكون من خلال هذا المعنى للعرش غير المخلوق، وأنت لم تأتني بشاهد من كلام العرب، وهذا وحده كافٍ لإبطال قولك (5)، والعرش الذي سئل عنه مشركو العرب، يدلنا على عرشٍ عرفوه، ونعلم أنهم عرفوا العرش بالمعنى المخلوق كما سبق البيان، ولم تثبت أنت أنهم عرفوا عرش الله على أنه صفة، وهذا وحده كافٍ في إبطال قولك(6)، وأنت تقول إن "عرشه على الماء" مما لا يعرفه العربي إلا بالتعلم، وتقول إنّ سوق النصوص دون تأويل أمر مستنكر، وحيث إنه لم ينقل لنا في حديثٍ ولا أثر أنّ "عرشه على الماء" تعني أنه "عمد إلى خلق الأحياء"، فدل ذلك على أنّ هذا المعنى غير صحيح بالمرة، إذ لو كان كذلك لنقل إلينا، وذلك من وعد ربنا بحفظ الدين، وهذا وحده كافٍ في إبطال قولك (7)، وأنت في سبيل هذا القول، اضطررتَ إذ فقدتَ أي نص صريحٍ من الكتاب أو السنة أو آثار الصحابة، اضطررتَ أن تقول إن الكتاب عرضةً للفهم الخطأ، والسنة عرضة لذلك وللزيادة والنقصان، وآثار الصحابة عرضة لذلك ولأن يروي عنهم الرواة ما لا يليق بذات الله، وهذا القول ينافي وعد ربنا بحفظ الدين، واضطرارك لهذا القول كافٍ في إبطال قولك (8)، وفي سبيل هذا القول جعلت القرآن نزل بلسانٍ التقريب من الحق، بينما الحق الذي لا شك فيه أنّ الشرع نزل بلسان مبين يقف بالمسلم على الحق، واضطرارك لمخالفة هذا كافٍ في إبطال قولك (9)، وهذا القول يضطرك إلى المصادرة في حق الصحابة رضي الله عنهم، فتؤول كلامهم لكلامك، وتدعي أنهم لا يمكن تخيلهم يقولون بخلاف قولك، بينما لم ينقل عنهم شيءٌ من هذا، واضطرارك إلى هذه المصادرات كافٍ في إبطال قولك (10)، ثم إنّ دافعك إلى تأويل العرش وصرفه إلى معنى خلاف المعنى الظاهر، هو التمثيل الذي قام في ذهنك ابتداءً، بينما هذا التمثيل ليس بلازم لأن الله ليس كمثله شيء، وحيث إن دافعك للتأويل باطل فإنّ هذا وحده كافٍ في إبطال قولك (11)، ثمّ إنك لو سلّمتَ بمعنى "ظاهر اللفظ" المتفق عليه، أنّه ما يسبق إلى العقل لمن يفهم بتلك اللغة، وأقررتَ أنّ - كأهل العلم وحتى الذين قالوا بالتأويل الفاسد- أنّ النصوص التي فيها ذكر العرش، يسبق إلى الذهن منها المعنى الذي أذكرُه لا الذي تذكره، ثم جمعته إلى ذلك موافقتك على أن القرآن الكريم لم ينزل بألفاظٍ يتبادر إلى ذهن العربي عند سماعها معانٍ غير صحيحة، لعلمتَ أنّك يلزمك القول بالمعاني التي أثبتها من هذه النصوص لا التي تثبتها(12)، ثم إنني حتى لو سلمت لك "باستدلالك" بالنقل من القاموس المحيط، وأنّ "العرش" تعني "العز"، فإنّ هذا لا يسوغ لك أن تدخل في المعنى ما ليس منه، فتقلب "العز" إلى "الصفات التنزيهية"، فهذا معنى للعرش لم يُعرف في كلام العرب ولم ينقله صاحب القاموس المحيط، وانعدام المعنى الذي تدعيه في اللغة كفيل بإبطال قولك، وبالتالي فما تدعيه من أنّ الكرسي في العرش، تعني العلم في مجموع الصفات، لا برهان لك عليه من اللغة، إلا إن كنت ستجعل "العلم" في "العز" كحلقة في فلاة .. وهذا الوجه وحده كفيل بإبطال قولك(13).

    القول بأن العرش مخلوق!


    هذا هو المعنى الظاهر المتبادر للأذهان، وكان يعرفه العرب في الجاهلية بهذا المعنى، ولم ينقل عن الصحابة ولا الرسول صلى الله عليه وسلم خلاف هذا المعنى صراحة، وحيث إنه لم ينقل خلاف هذا المعنى الظاهر، فإن القول بغيره من الطعن في حفظ الذكر، وأنت توافق على صحة احتمال وجود عرش مخلوق، بل اتفقتَ أن وجوده ثابت من النصوص، وهو عظيم الخلق والله ربه، وهو موجود الآن، وقد اهتز لموت عبد صالح، وتحف به ملائكة مؤمنة بالله مسبحة، ويأتي يوم القيامة وتحمله ملائكة ثمانية، ويكون له ظل، وهو سقف الجنة، وهذا العرش فوق السماوات، وهو تعالى فوق العرش بائن من خلقه، أنت توافق على هذا كله، لكنك تقول إنّ هذا العرش لا يكفي لفهم جميع النصوص، تقصد حديث إن الكرسي في العرش كحلقة في فلاة والنسبة الحجمية، وهذا الكلام يقوم على تمثيل عرش الله وكرسيه بعروش ملوك الدنيا وكراسيهم، وقد تقدم أنّ هذا التمثيل فاسد أصلًا لأنه تشبيه لله تعالى بخلقه، بينما نحن نثبت العرش والكرسي على وجه يليق بجلاله سبحانه، وأنه ليس كمثله شيء، وعليه فقولك إنّ العرش المخلوق لا يكفي لفهم جميع النصوص ليس بصحيح، والعرش المخلوق يكفي لفهم جميع النصوص عند من يفهم قوله تعالى "ليس كمثله شيء"، فما يمنعك من هذه العقيدة الخالصة التي لم ينقل خلافها عن الصحابة؟!(14)

    بطلان فهمك لمعنى توفي المسيح ورفعه!


    (بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ)، فأنت تزعم أنّ "بل" ترد على اللعنة التي يستفيد منها اليهود والنصارى كلّ بحسبه، إذ انتشرت الأخبار من الحواريين أنّه لم يقتل، وهذا القول لا يصح أبدًا إذ هو مناقضٌ لصريح القرآن علاوةً على مناقضته للواقع ولما هو مسطر في التلمود، لأنّ اليهود والنصارى علموا أنّه لم يصلب، وما "تفاجؤوا بنجاة الجسد" كما تقول، فاليهود لم يكتشفوا نجاة المسيح من الصلب، فضلًا عن أن تحصل لهم بها مفاجأة، ولم يعتقدوا قط بما تقول، بل اعتقدوا بما أخبرنا الله عنهم من أنّ المسيح قُتل وصلب(1)، و إن قيل إن ذلك "التطهير المعنوي من اللعنة" لم يكن الهدف منه تغيير ما في عقول الناس من أوهام وعقائد باطلة، فهو كذلك عديم القيمة عند الله لأنه سبحانه لا يلعن من يُقتل في سبيله!(2) وبذلك يتضح أنّك ألغيت عملَ "بل" في الآية الكريمة، والصحيح أنّها ترد عليهم اعتقادهم الباطل، بأنّ الحقيقة أنّ المسيح لم يُقتل ولم يصلب وإنما رُفع،(3) وليس من مقتضى البلاغة أن يرد على اعتقادهم بقتله أنّكم لم تقتلوه وإنما قبضت روحه، لأن القتل لا يتنافى وقبض الروح،(4) كما أنه ليس المعقول أن يرد على اعتقادهم بقتله أنكم لم تقتلوه وإنما رفعت مكانته، لأنّ القتل لا يتنافى ورفع المكانة(5) وليس من المعقول أن يرد على اعتقادهم بقتله أنكم لم تقتلوه وإنما رفعت عقيدة اللعنة، لأنّ العقيدة الباطلة مازالت موجودة،(6) ثم إنّ فهمك للآية لا يزيد على كونهم ما قتلوه، وهذا متحقق بما سبقها في النص، فلا يكون لقوله تعالى "بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ" مزيد معنى، ولما سألتك عن هذا قلتَ أنّ فائدة هذه الجملة أنها "نبهتنا لعمق البحث عن كنه سر العملية كلها"، وهذا ليس بجواب أصلًا لأننا مطالبون بعمق البحث في كل ما يرد في الشرع، ويلزمك جواب السؤال عن المعنى الجديد الذي أضافه قوله تعالى "بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ" بعد أن جردته من أي معنى إلا أنّه لم يقتل وهذا متحقق فيما سبق من الآيات،(7)كما أنّ رفع العقيدة الباطلة لا يكون بمجاراتها وتفاديها وإنما يكون بإبطال أنّ المصلوب ملعون أو حامل للخلاص حتى لو كان المصلوب بشرًا يصلب في سبيل الله(8)، وأنت لو جئت لترد على عقيدة اليهود "المصلوب ملعون" فلن تخبرهم أن المسيح لم يصلب، وإنما ستبين لهم خطأ هذا الإطلاق، وهذا وجه واضح للغاية يبطل قولك(9)، ثم كيف مكر الله بمن تبينت لهم نجاته وتحسروا ثم وتوقفوا عن لعنه؟ هذه قصة لها علاقة "بآية!" لا وجود لها في القرآن تقول "ومكروا فهداهم الله"(10).

    أما استدلالك بقول الأنبياء (لَا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) على نفي نزول المسيح آخر الزمان، لأنّ هذا يعني أنه سيعلم ببعض ما أحدث بعده، فإنّ الأحاديث واردة بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد علم في الدنيا أنّ هناك من سيحدث بعده، ولكنه لا يعلم تحديدًا من أحدثوا، فإن لم تستشكل ذلك، فلا إشكال أن يعلم عيسى عليه السلام بأنّ هناك من أحدث بعده في الدنيا، لكنه لا يعلم تحديدًا من أحدثوا! (11) وأنّ النبي صلى الله عليه وسلم علم ببعض ما سيحدث من بعده، فإن لم تستشكل ذلك، فكذلك لا إشكال أن يعلم عيسى عليه السلام ببعض ما أحدث بعده!(12).

    أما معنى التوفي في الآية، فأنت تختار معنى الإماتة، رغم أنّه بأي مذهبٍ للأصوليين أخذت في حقيقة اللفظ اللغوية والعرفية لم يترجح معنى الإماتة، فهل أنت تتبع مذهبًا لم يقل به أحدٌ من أهل الأصول(13)؟! وأنت نفسك لا تلتزم أنّ الله عندما قال للمسيح "إني متوفيك" أنّه أماته وقتها، بل تقول إنّه ذهب إلى كشمير(14)، فإنّ قلتَ إن معنى التوفي "قبض الروح بعد تمام الأجل" فهذا المعنى لا يناسب السياق بالمرة، إذ يكون المسيح في مواجهة اليهود، فيأتيه أنّ الله قابض روحه بعد استيفاء أجله، وهذا ليس فيه أي بث للطمأنينة في نفس عيسى، ولا نفي لقتل اليهود له، فربما كان أجله بقتل اليهود له، وبالتالي يموت مقتولًا، وبالتالي ترتفع مكانته بالشهادة، وبالتالي يباعد بينه وبين الذين كفروا، فعلى فهمك لـ "متوفيك" على أنها " قابضك بعد تمام أجلك" تكون الآية خلية من أي بشرى للمسيح، وأي نقض لزعم اليهود أنهم قتلوه، وهذا كافٍ في إبطال قولك(15)، وبالتالي لم يبق لك إلى القول بأنّ معنى التوفي هو حقيقته اللغوية والتي دلت عليها الأحاديث الصحيحة التي وردت بنزول عيسى ابن مريم عليه السلام آخر الزمان (16)، وحتى لو سلمت لك جدلًا – أقول جدلًا - بأنّ المقصود بالوفاة هو قبض الروح، فهذا يحمل على النوم، وهذا لا ينفي الرفع إلى السماء ولا النزول آخر الزمان، وفي هذا إعمال لكافة النصوص،(17)، فإن أصررتَ بعد ذلك على أن الوفاة هي الموت فهذا من التحكم المحض الذي لا دليل عليه من كتاب ولا سنة ولا لغة ولا أصول ولا قولٍ صح عن صحابي بل كل هذه قائمة على خلافه كما سبق البيان (18)، ثم إنّ المسيح يعلم وهو في المهد أن الله رفع مكانته وجعله مباركا حيثما كان ومن المقربين ووجيها في الدنيا والآخرة، ولذلك حتى يستقيم تفسيركم عليكم تغيير كلام الله مرة أخرى واستبدال قوله {وَرَافِعُكَ} بــ(ورفعتُ مكانتك من قبل)(19)، وبالجمع بين مسألة الرفع والوفاة يتضح أن تفسيركم لن يستقيم إلا إذا استبدلتم قوله تعالى {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} بــــ(لن أتوفاك الآن وقد رفعتُ مكانتك من قبل) فتأمل!

    وقوله تعالى (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ) تعود فيه الضمائر إلى واحد، والذي يدعي خلاف ذلك عليه بالدليل (20)، وهذا هو ما صح عن ابن عباس وأبي هريرة وأبي مالك والحسن البصري وقتادة وابن زيد رضي الله عن الجميع، ومن أقدم على تخطئة هؤلاء الأعلام أو تخطئة أهل العلم الذين صححوا الروايات فعليه بالدليل على أنّ قولهم لا تحتمله الآية من أي وجه، وهذا مطلبٌ دونه خرط القتاد(21)، أما قراءة أبي رضي الله عنه (قبل موتهم) فيعلم من له أدنى معرفة بالتفسير أنها لا تلغي القراءة الأولى ولا تعني وجوب حملها عليها، سيما والتفسير الذي صحّ عن ابن عباس وأبي هريرة يشمل المعنى الوارد في القراءة الأخرى(22).

    المسيح الذي ينزل آخر الزمان، والذي ورد في الأحاديث لا يكون إلا عيسى ابن مريم، لأنَه هو الوحيد الذي ولد من أم دون أب، ولو كان المُبشَّر به هو مسيحٌ آخر غير (ابن مريم) لنُسب إلى والده عملًا بقوله تعالى {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ}، والنبي صلى الله عليه وسلم أحرص الناس على اتباع القرآن الكريم(23)، وعندما قال الصحابة للمصطفى "نشهد أنك بلغت" هل يدخل في ذلك إبلاغهم بحقيقة المسيح المُبشر به أم لا؟ هل علموا بالتفسير الجديد الذي يقول أن ابن مريم ليس هو ابن مريم، وأن عيسى ليس هو عيسى؟ (24) كيف فهم الصحابة قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه (والذي نفسي بيده، ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكمًا عدلًا، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الحرب..) الحديث؟؟(25)، وكيف فهم الصحابة – ولا أقول كيف تفهم أنت – قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه (كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم)؟؟ (26)

    هل يمكن أن يكون هناك عقيدة من الأهمية بمكان، بحيث يكون الموافق لها مؤمنًا وتاركها كافرًا، والمختلفان فيها يكفر أحدهما الآخر أو يفسقه أو يبدعه، هل يمكن أن تكون عقيدةٌ بهذه الأهمية في دين الإسلام، ولا تُبيّن في القرآن الكريم، ولا يذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا تنقل عن الصحابة رضي الله عنهم، ولا يصلنا فيها أي أثرٍ أو حديثٍ ولو ضعيف، هل يمكن هذا؟؟ (نعم – لا) وهل يتنافى هذا وحفظ الذكر وتمام البلاغ وظهور الدين؟! (نعم – لا) (27)

    وأخيرًا .. إني وإن كنتُ لا أملك موعدتك بدكتوراة في "أم القرى"، ذلك أني لست من "أم القرى" كما ظننت، فإني أدعو لك بالمثوبة أن تكونَ خير آخذ، تستمعُ القول فتتبعَ أحسنه، فيُتمّ الله عليك نعمته، ويطيل عمرك ويبارك فيه، حتى تمحو الباطلَ الذي قد نصرتَ، وتصير رأسًا في الحق كما كنتَ في غيره، دعوةً صادقةً من قلب نصوح!

    منتدى التوحيد

  5. #20
    تاريخ التسجيل
    Jan 2005
    المشاركات
    982
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    بقيت الرسالة الأخيرة التي تهرب فيها القادياني وأعلن ترك الحوار، وتهرب من الجواب على الإلزامات العديدة الواردة في الرد السابق، ننقل لكم تمام الحوار بإذن الله بعد مهلة ليقرأ الأعضاء الكرام ما مضى.

  6. #21
    تاريخ التسجيل
    Jan 2005
    المشاركات
    982
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    رسالة م. فتحي عبد السلام القادياني السابعة والأخيرة كما ذكر!


    رسالة أخيرة لمن سب واعتدى من المنتدى
    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله رب العالمين
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    الشرط
    كان الشرط بيني وبين من جاءني بالمنتدى للحوار ألا يأتيني بمن يكفر أو يسب، والآن جنحوا للتكفير والتطبع على السباب قد غلب. وصدر الشتم لولي الله ذي العرش بالخداع والكذب، وتركوا الإحالة للخطأ والصواب، وتركوا اللياقة والآداب، ومعناه الواضح البين، لكل ذي عينين، أننا أفلسنا في الحوار فبقي أن نضرب الكرسي في (الكلوب)، لنغضبك لعلك أيضا تسب، وننقض الاتفاق، لنعطيك ذريعة الإغلاق، فرسائلك تجعلنا ننصب، وتنهكنا ونحن نكتب، فكلما تقدم الحوار أعطاك الله إيجابا، وزادنا سلبا وحرنا كيف نرجع جوابا، وصارت رسائلك اليقين والتجديد، وضرب النحاس بالحديد، وصرنا لانعدو معك سوى السعي في التشكيكات وطرح الاحتمالات. لذلك أنهي الحوار معهم بالضربة القاضية، التي لن تقوم بعدها بإذن الله لمن سب قائمة لأنه سيثوي في هاوية، أو يتوب مولودا ولادة ثانية.
    الظاهر ونقاء العقيدة
    بسبب نضوب معين تعليم البلاغة في بلاد المسلمين، وضمور تنمية حس الجمال في فهومهم، فقد تم تقزيم الوعي الإسلامي عن إدراك جماليات حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكسلا عقليا روحيا وتحت شعار التفسير الظاهر ترك كثير من العلماء جماهير المسلمين تعتقد في حرفية نصوص الدجال، وحديثا يغذون فيهم نفس الفهم بعد أن جاء الهدى وارتاح البال، غافلين عن التناقض فيما ينشرون من كتب تملأ الأرصفة، وتدع الناس حيارى من هذه التصورات وتلك الفلسفة، والحق أنه لجلالة قدر الأمر فقد عبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن واقعة الدجال بكلمات مخوفة مهيبة، وشدد فيها بألفاظ مرعبة، وهي استعارات لطيفة البلاغة، يتكفل الله ببيانها عند وقت الحاجة فيكشف سر الصياغة، ولايريد الله من كلماته أنه تعالى سيغير سننه، فيعطي المعجزة للكذاب اللعين، ولايعني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الدجال اتصف بصفات الله، أو أنه يملك جنة الله وناره تعالى معكوستان حاشا لله، أو أنه يحيي الموتى، ويتصرف في السماوات بالمطر والنبات، بل هي همم متكاملة من دعاة الإلحاد والتنصير مستعينة بالحيل العلمية الفيزيائية الكيماوية الطبية. ويدلك على ذلك رؤيا تميم الداري التي رأى رسول الله مثلها، فهي تنبئ عن خطر قادم متربص، رمزه الدير، لو ضعف سد الإسلام فسيؤذن له بالخروج الكبير، وهو إذن خروج ليس من طاعة وحي الله القدير، ولامن سماحه ورضوانه، بل هو من باب إرخاء الله اللجام لخطر متنام، يلجمه الله كرامة لعباده بعد الشكران، أو يرسله ويخليه ومايريد عقوبة للعصيان. فلما جاء الدجال وبدأ بتنصير ينمو في ظل الاحتلال، في بلاد الهند حيث الفقر والجهل وغلبة الدين وقهر الرجال، أرسل الله من يفضحه ويعريه، ويرد عليه ويخزيه، وينشر على العالمين ردودا؟ ترد على من يصد عن الإسلام صدودا، ويقول له إن عيسى بشر جرى عليه ماجرى على البشر، ومات وقبر، وهاهو عنوان قبره لما تدبر واعتبر.
    لقد سجل الإسلام بهذه الضربة نصره المؤزر، كانت ضربة قاصمة للظهر لم يقم منها الدجال ولن يقوم، ومن يومها وموجات التنصير تلملم أشلاء الصليب المحطوم، ليعاد نثرها إلى اليوم.

    التفسير بالظاهر والقتل الحرام
    بسبب ميول سياسية وتحت اسم الظاهر والفهم بالظاهر والتفسير بالظاهر مع اعتبار الإسناد وحده كافيا للصحة والقبول، وبترجيحات التوثيق الظنية، وإهمال تاريخي لنقد المتن تعرضت مفاهيم الإسلام لكوارث، وكان الله من رحمته يرسل من يجدد جوانب منها وكانوا يتعرضون للتكفير أو القتل.
    في الإسلام لاإكراه في الدين من قريب أو بعيد، والله هو الذي يملك وحده وحده أن يعرض الناس لعذاب وبلاء يدفعهم للتعرف عليه والاعتذار إليه.
    وباسم تفاسير معينة تم إلغاء مبدأ الحرية الدينية من الإسلام، تمهيدا لقتل المشركين حتى ولو سالمونا، لاختلاف دينهم عن المسلمين، وحرفت أحاديث عن القتال، وتم تحليل سفك الدم الحرام.
    لقد نسبوا للرسول صلى الله عليه وسلم ثم للصحابة الكرام، رضوان الله عليهم، تصورهم هم عن حل سفك الدم، وتم التغاضي عن الوضع الدفاعي الخالص لجهاد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتم ابتداع استحلال لدماء الإنسان البريء بناء على تحريف تفسير نصوص قرآنية، أو وضع نصوص حديثية، بحيث نقتل باسم الله من يخالفنا في العقيدة، وصارت توضع الصياغات لعقائد الإسلام بعد مرور القرون، كوسيلة تستخدم لسفك الدم بغير الحق، لتكفير الناس ثم قتلهم، تحت ستار : (( أن عصمة الدم والمال ليست حقا مستحقا إلا للمسلم، وأن المشرك الكافر يحل دمه وماله لكفره أو شركه لاغير، وأنه حتى كلمة لاإله إلا الله ليست شيئا يعصم، واستخرجت صور للتدليل توهم بجواز قتل المشرك لشركه، فمشركوا العرب كانوا يقولونها بل ومشركوا قوم نوح وغيرهم، ولكنها وحدها لم تغنهم، فطروء الشرك على كلمة التوحيد يلغي حق حاملها في حرمة الدم، وأن تداخلها مع الشرك قد أزال العصمة عنهم، ولم يكن هناك سبب لحل دمهم إلا الشرك، وهذا مافعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما كان قولهم بأن الله هو رب السماوات السبع ورب العش العظيم بنافع لهم ليعصم دمهم، ونفس المبدأ المطبق على المشرك لشركه طبقه أبو بكر على المرتدين، الذين وإن صلوا وصاموا فقد طرأ عليهم شرك بمنع الزكاة، أحل دمهم)). راجع بعناية كتاب : مختصر سيرة الرسول وكتاب : كشف الشبهات، لنفس المؤلف.
    وتم إهمال الجرم الأساسي الوحيد الذي به حل قتال المشركين والمرتدين، فالأولون حاولوا الهجوم وإبادة دولة الإسلام الوليدة، والمرتدون قتلوا المسلمين قتلا، وحاولوا تدمير الدولة الوليدة، ومن ثم تقديمها لقمة سائغة للفرس أو الروم ومن خلال أحلاف وخيانات.
    وأضيفت بدعة اسمها المعلوم من الدين بالضرورة، تبيحة التكفير والقتل. وغدت كلمة الشهادة واستقبال االقبلة وأكل ذبيحة المسلمين لا تعطي عصمة لأحد ممن يملك أن يقتل من هؤلاء.
    وموضوع حياة عيسى في السماء يعتبر جزءا من منظومة خطيرة ظاهرها حياة عيسى وباطنها تحليل القتل الحرام، باعتباره يضع الجزية، بينما نسخة الرواية المعتمدة الصحيحة: يضع الحرب، ومقصود النبي صلى الله عليه وسلم هو وضع الحرب التي تسمى زورا باسم الجهاد وليست منه، ووضع الجزية فسرها عدد من العلماء بأنه يخير الكافرين بين القتل أو الإسلام، وشاع هذا التفسير وروجه السكوت، وشجع الشباب على قبوله إشباعه للحقد المكبوت، وكان هذا بذرة للقول أن الإسلام سينتشر بالسيف مستقبلا، وإذن يقول عدو الإسلام فقد انتشر السيف فيما مضى، ومادام السيف في المستقبل شرعيا، فقد كان في الماضي شرعيا، وهكذا فعل رسولهم، وهكذا هو قرآنهم. )
    ومهما اخترع الالتواء من تفاسير حديثة، وتبرير لوضع الجزية زعموا أنه ناتج طبيعي من إقبال أهل الكتاب على الإسلام، فهو ذر الرماد في العيون وخداع وخيال جامح وأمان غير مضمون، فالتفسير الأول شاع في الشوارع، وهذا البيان الخديج الجديد يقال في الأزقة.
    ويدعون الانتساب لعقيدة الصحابة، فإذا جاء وقت كلام الصحابة ينفي هذا الظلم انهالوا على كلامهم تضعيفا لهوى في نفوسهم. وما كان الصحابة هكذا يكادون يقتلون أنفسهم ويدمرون أمتهم تدميرا، من أجل البحث عن أدلة تثبت الاحتفاظ بسيدنا عيسى حيا بجسده في السماء حتى يتحقق له فعل النزول.
    مساكين يقرأون القرآن بجمود وهمود مميت للروح، وأولئك هم من لانزول عنهم إلا من السماء الفلكية، وبالتالي لارفع إلا إليها هي نفسها.
    إن كل آية في القرآن بحر مواج، وكان الصحابة غواصين مهرة، وهو كتاب عامر مليء بدقائق هدايات، وكان الصحابة يحيون منه في جنات، وعقائدهم منه بحار من روائع التصورات، لامجرد كلمات، ومنها أن النزول عندهم هو مافي القرآن، والنزول القرآني فيه خلق وإيجاد ولايشترط النزول المادي من السماوات.
    فالله أنزل اللباس ومعناه علم الإنسان صنعه وخاماته ومعالجتها، والله أنزل الأنعام، وليس معناه أنه أسقطها من السماء إلى أن هبطت على الأرض بجسمها، بل هو خلقها للناس من أديمها، والله ينزل خير الأرض من نبات وغيره، من خلال قوانين البخر والسحاب ثم البذر وحلول المواسم والنمو، وجعل الله تعليم استخلاص الحديد تنزيلا، ولا يصعب عليهم أن يدركوا نزول عيسى من نفس النوع.
    بدليل أنه لم يخطر على بال سيدنا عمر رضي الله عنه أن هناك عيسى صلى الله عليه وسلم نازلا من سماء فوق رءوسنا عندما أذهله خبر موت النبي. وانظر لعمر بن الخطاب رضي الله عنه لما بلغه موت نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، واعقل أنه رضي الله عنه لم يغب عنه المرض النبوي وعلاقته بالموت، ولم ينسب للنبي صلى الله عليه وسلم في ذهوله عودة ونزولا كنزول عيسى عليه اسلام (بالتصور المزعوم)، ولم تخطر بباله السماء من قريب أو بعيد، بل نسب إليه مافي خلفيته الذهنية وهو مثل موسى، رحلة أرضية لو جازت، وعودة على سطح الأرض لو أتيحت، حتى قام صديق الإسلام أبو بكر رضي الله عنه وذكرهم أنه مثل كل الرسل، مات ولقي الله صلى الله عليه وسلم. وكلاهما من القصة كان يعني مايقول، ولم يكن لهم أي فكرة عن عيسى سوى موته، إذ لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد علم شيئا من ذلك، وكانوا يفهمون موته كما جادل رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد نجران بأن عيسى قد أتى عليه الفناء والله يستحيل في حقه الفناء.
    الآن ينسب الزور للصحابة من وراء حجاب، وتصاغ عقائدهم في صورة مغرضة لتنسج من أقوالهم منظومة تؤدي من بعيد لبعيد أن عيسى حي في السماء وينزل بشخصه من السماء، حتى أنهم يتمسكون بالمعراج والإسراء الجسدي خدمة لصعود البشر بالجسد للسماء خدمة لصعود جسد عيسى خدمة لنزوله الحرفي، خدمة لقيامه حرفيا بقتل كل من هو غير مسلم.
    الدليل الأعظم على عدم نزول كهذا أن هذا الجيل سيموت وبعده الجيل التالي، وتتوالى الأجيال موتا ولايحدث النزول المرتقب، وتتقدم الأحمدية بينما تتقطع قلوب من يرجو وهما كهذا تباعا، ويغضبون على الله إذ لم يفعله، وهكذا سيظل سيدنا عيسى على هذا الحال لاينزل حتى تقوم الساعة وهو غير نازل هذا النزول.
    تصورات فلكية تخدم
    يتم مسخ معاني الإسلام لخدمة منظومة لاتمت لله بصلة وهي منظومة حياة عيسى في السماء، تلك التي تحولت اليوم لأفعى تبتغي التهام ديننا.
    والأمثلة عديدة على تلفيق الأمور.
    فالسماء الفلكية عندهم الآن هي الطريق الوحيد لحياة عيسى وتفسر معنى الرفع إليه. ولذلك يغذون عقيدة توحي من طرف جلي أو خفي ( ليتنصلوا عند اللزوم) أن الله يسكن الفضاء في مكان عال عال ناحية النجوم. مع أن كل ساكن في الكون عندما يشير بأصابعه لفوق فهو يشير للساكن الآخر في نفس فضاء النجوم. لو فرضنا شيوع السكن في المجرة، فكل منا نحن سكان مجرتنا يشير لبقية زملائه السكان عند رفع الأصابع.
    كل مخلوقات الله الساكنة تشير كل منها إلى بعضها في الكون المحيط بنا لو رفعت أصابعها لفوق وهي على سطح أجرامها.
    فهم يخافون أن تتحرر العقول من ضيق النظرة الفلكية التي كانت تسود القرون الوسطى، ولازالوا يغذون شبابا تجدهم على الانترنت المسكينة، يقيسون العرش والكرسي، ويذكرون أبعادا مهينة، بقياسات هزيلة مؤسفة بناء على روايات موضوعة مجحفة.
    لننظر لهذا المقطع الذي يؤكد قولي من الرسالة الأولى في الردود عليّ:
    ((. ولما كان الكلام في ذات الله وصفاته وأفعاله مداره على الوحي المعصوم ، كان أسعد الناس وأصوبهم هو من تلقى ذلك مباشرة من مشكاة الوحي الأمين ومما فهمه الصحابة الذين عاينوا الوحي وتابعيهم الذين تتلمذوا على أيديهم ولم تتلوث فهومهم بآراء المتهوكين وتشكيكات المتكلمين وتكلفات المتنطعين .

    فإن كان الأمر كذلك – وهو بالفعل كذلك – فإني بعون الله وحوله وقوته أورد أقوال الصحابة والتابعين وعلماء المسلمين في فوقية الله تبارك وتعالى ثم فلننظر هل يجوز التأويل بوجه على هذه الروايات والآثار والنصوص أم لا ، والله المستعان .
    وما هذا إلا تعقيبًا على كلام سيادتكم الذي أوردتموه في خطابكم ونصه :
    ( لقد تعجبت أنك في بداية ردك اعترفت أن السماء هي السمو مثل العلاء الذي هو العلو .. ثم أوردت نصوصا من القرآن نعترف بها جميعا كمسلمين، لكننا نختلف معا في فهمها، واعتبرت إيرادك لقوله تعالى: يخافون ربهم من فوقهم، كافيا في إثبات أنه تعالى في مستوى فلكي فوق السماء الفلكية، والملائكة تحت هذا المستوى من الفضاء.. وواضح أنك تضيف من خيالك وتصورك فكرة أن الوجود طبقات، ومركز الطبقات الأرض، وفي أعلى الطبقات هناك الله. والله تعالى وتقدس عن أن يدركه التصور. ثم أكدت صلب المشكلة وهي أنك تعتبر أن الله فوق السماء الفلكية، ويرفع الرسل إليه بمعنى أنه تعالى يرفعهم إليه، بمعنى أنه يشدهم في خط مستقيم نحو السماء الفلكية..) أهـ .من كلامي.
    ( فهذا الكلام مع ما فيه من الاستنكار هو ما نطق به الوحي وأهل العلم بالوحي وهم الصحابة الكرام، العالمين ثم تابعيهم النوابغ الفاهمين ثم من يلونهم ومن يلونهم، بما فيهم الأئمة الأربعة وشيوخهم وتلاميذهم ، والكلام في ذات الله وصفاته ، بل والغيبيات عمومًا ، لا نتركه لما يستسيغه العقل وما لا يستسيغه ؛ لأن العقل لا يحيط علمًا بالله ، وغيبياته عمومًا ، لهذا لا يصح تحكيمه ونصبه حاكمًا يقبل ويرفض ويرفع ويضع ؛ لأن العقل لا يقدر يحكم على ما لا علم له به .. أرأيت إن أخبرتَ رجلاً لم ير النار في حياته من قبل أن هذه النار تكون في حجم قبضة اليد ثم تكبر وتعظم حتى تأكل مدينة كاملة ببيوتها وقصورها ومنشأتها ومكاتبها ومحلاتها وشوارعها فلا يبقى من هذه المدينة شيء ولا من هذه النار شيء ، أهذا الرجل يصدقك ؟ أم تراه يسخر ويستنكر ويعد كلامك من هذيان المجانين ؟!
    فالعقل لا يحكم في الغيبيات إطلاقًَا ، لهذا أرسل الله الرسل وأنزل معهم الكتب والهدى ، ولو كان الأمر راجعًا إلى العقل وإعماله في الغيبيات لما أرسل الله الرسل واكتفى بعقول البشر .

    فإن كان الأمر كذلك فانظر معي قول ابن عباس رضي الله عنهما لعائشة رضي الله عنها وهي تموت : (( كنت أحب نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن يحب إلا طيبًا ، وأنزل الله براءتك من فوق سبع سماوات )) أخرجه الدارمي بسند حسن .
    وكذلك قوله في تفسير قوله تعالى { ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ } : لم يستطع أن يقول من فوقهم ، علم أن الله من فوقهم .
    فهذا كلام يفيد أن الله جل وعلا فوق هذا العالم المخلوق ، وأنه من فوقه . ولا يصح في هذا المقام أن تقول إن الفوقية هنا هي فوقية رتبة أو مكانة لأن السياق لا يفيد ذلك ، والكلام ظاهره واضح وبيّن ولا داعي لتأويله لأنه لا توجد قرينة تخدم التأويل ، بل القرائن في الكلام تقطع بكون معنى الفوقية الظاهر هو المقصود كاستخدام الفعل (أنزل) مع كلمة (فوق) في الرواية الأولى ، والإشارة المكانية الواضحة في قوله تعالى ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ } فهذه كلها مقصودٌ بها المكان الحقيقي لا المنزلة أو المرتبة أو المكانة ، لهذا كان قوله (من فوقهم) يفيد نفس المعنى .
    فضلاً عن هذا فإن استعمال حرف الجر (من) مع الظرف (فوق) ينفي أي معنى باطني للفوقية كالمكانة أو المنزلة أو المرتبة لأن هذا الحرف لا يكون إلا في سياق الفوقية الحقيقية غير المجازية . فهذه كلها قرائن تقطع بعدم جواز التأويل بحق هذه النصوص ، وهذا هو قول عبد الله بن عباس حبر الأمة الذي دعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يفقهه في الدين ويعلمه التأويل .)) اهــ.
    انتقاء معان ورفض أخرى عن الكرسي والعرش والساق
    يمكن لهم الاعتراف بعرش عزة الله مع قولهم بالعرش المخلوق الذي هو سقف الجنة، ولكنهم في نفس السياق يخافون أن يقروا بالحق وأن كرسي الله هو علمه، حتى لايجرهم ذلك للتخلي عن صفة القدمين، ومن خجلهم اليوم يتخلصون من روايات الأطيط، وربما من أحاديث الأوعال، وينسبونها للضعف والتخليط، مع أنها ظلت مكتوبة في كتبهم وتربي عليها الأجيال، مثل كتاب فتح المجيد، وربما لازال، ولازال تلاميذهم على الانترنت يتكلمون عن الأوعال من الحمال، ويخافون أن يقروا أن عرش الله هو أيضا عز وحدانيته وكماله، كي يظل الله في نظر الناس يسكن الطبقة العليا من فراغ الوجود، وليكون المعراج إليه هو قطع مسافات، وليكون رفعه عليه السلام إليه هو سكناه قريبا من مسكن الله، ولتسلم منظومة
    لو كان للكرسي معنيان، معنى محسوس للمقاعد، ومعنى سام هو العلم، فلماذا ضنوا على الله بمعنى العلم؟؟ ، ولو روي عن صحابي أنه المعنى الأسمى للكرسي (العلم) ، فينجذبون للمعنى الأدنى ويجعلونه لله، ويهملون قول الصحابي رضي عنه الله، ويشغلون عليه من آلات التضعيف مايناسب المقام.
    وإذا قالت اللغة وقال بعض الصحابة أن كشف الساق في الآية هو الشدة، وهو أليق بكلام الله، والشدة يوم القيامة والهول هو من الله، فلامانع أن تكون ساقه هي الهول الخاص المختزن عنده، فلايعجبهم إلا نسبة ساق إلى الله، ولايخجلون أنها حتى واحدة، وقالوا: ولكن لكشف الساق معان أخرى، مثل كشف الملكة عن ساقيها، واختاروا لله هذا المعنى وموهوا عليك بقولهم: من غير كيف ولاتشبيه. فيؤثرون هذا المعنى لله لأنه ورد، ( تأمل : لأنه ورد ) مع أنه عن مخلوق قد ورد.
    إذا كان للعرش معنيان، معنى محسوس هو السرير، ومعنى سام هو العز ، ضنوا بعرش العز على الله، وقالوا ليس لله عرش العز بل لله السرير المحسوس وحده، وينكرون سعة اللسان العربي.ويقولون من أين جئت أن لله عرش عز؟؟؟
    يدعون عقيدة الصحابة، ولايدرون ما الصحابة، الصحابة كانوا هم القرآن، ولولا ذلك مانصرهم الله على العالمين من أهل العدوان، والصحابة كانوا رجال أعمال لاأقوال.. إن الصحابة لم يؤلفوا الكتب ولو ألفوا لكتبوا في تأييد ما أقول العجب.
    عندما جاء ولي الصحابة
    وقد يسأل القارئ عن سر ماغضبوا، وسبوا رغم أنني لم أشاغلهم بالكلام عنه؟؟ لقد غضبوا على الله أن رضي عن الهندي وقبل قربانه وتولاه، وهداه وصافاه ووافاه، وانتشرت أنواره وسجدت لله مآذن جماعته وشدت بالتكبير، بينما نامت الفرق الأخرى وصحت في الزمن الأخير، فانطلقوا لايلوون على شيء، يعلمون تعليم سفك الدم الحرام، ومصير أمة الإسلام يدعوهم في أخراهم؟ وهو يرون طالبان تطل بقرنيها، وتنتحر كل يوم في أسواقهم، وتقتل المصلين في مساجدهم، برهانا على خطل في تعليمهم وزيف في هداهم، ويدمر الله كل يوم مدنهم وقراهم، فلا يستنتجون مايجب من أن هذا غضب عليهم.
    الحالمون مخربوا بلادهم
    إن طالبان ماهم إلا مجموعة من الحالمين برضا الله عن تفسير سفك الدم الحرام، وخراب أفغانستان نتيجة واضحة، وزحف الخراب رويدا إلى باكستان، هي ثمرة الفهم ( بالظاهر) والعزم على حكم العالم بهذا الظاهر، رغم أنف الحق والعقل والدين الظاهر. ونتيجة الأخذ (الحرفي الظاهر) بقولهم: ننتظر عيسى لنشر دين الإسلام، ومن أنفه يشتد زفير نفسه، بالفهم الحرفي للكلام، ويقتل الكفرة حتى حد الأفق عند مد البصر إلى الأمام، وبوضع الجزية وبرعب الناس ينتشر الإسلام، فتوضع الجزية بأعجوبة. ومن أحلامهم ينشرون في مواقعهم صورة كنائس روما ترفرف عليها أعلامهم، قائلين : الدور عليك ياروما، ولو تأملت في الأعلام لوجدت السيف ممسوحا من الصورة تحت شهادة التوحيد، جبنا منهم أن يتخذ الإيطاليون من الصورة سندا للتنديد. فما لهذا التناقض من معنى ولا مبنى، سوى أنهم جحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا، وأن المهدي صدق لما سما بالنصوص سموا، وهاهم أمام العالم قد كذبوا المهدي في قوله عن فهم الأحاديث وتأويلها بفتح القلوب سلما؟، لكن لما رسموا الأعلام تراجعوا وخنعوا واعترفوا بصدقه رغما.
    سلهم عن رضاهم عن الله
    سلهم هل هم راضون عن الله المنان، أن وهب الهندي الهوية العربية المستندة لإتقان اللسان، وأنه علم العبد الهندي العربية لما طلب، وأنزل وسجل في قلبه قاموس لسان العرب، وألف الكتب تلو الكتب، حتى زادت عن عشرين كتابا من روائع الأدب:
    كتاب وحيد ربما كان فلتة وعشرون بل زادت تدل وتفحم
    سلهم هل رضوا عن الله أن وهبه تفسيرا للفاتحة في كرامات الصادقين سل ألسنة المكفرين؟؟ ، وسلهم هل هم راضون عن الله أن أعانه بألطافه، ليحكم بين السنة والشيعة في كتابه سر الخلافة، ويستدل على صحة خلافة أبي بكر بالأنيق المعجب الذي يصعب نقضه وتقرير خلافه ؟؟؟؟
    سلهم أن يقسموا بالله هل هم راضون عن الله أنه نصر عبده غلام أحمد في مناظرة ضد عبد الله آتهم، العالم المتنصر وكان من المسلمين، الذي صار يسب النبي وينصر عباد الله المساكين، مناظرة منشورة ولمدة خمسة عشر يوما مشهورة، وهل هم راضون عن الله لو تبين لهم أن الطاعون قد حل حقا في البنجاب وانتشر، وأن التطعيم فعلا لم يكن له جدوى إلا ماندر، وأن الله قد حفظ جماعة الهندي الصالح لما دعاه الله ألا يتناول التطعيم كي تكون لصدقه آية، وأنه ولي محمد صلى الله عليه وسلم مهما بلغ العدو في النكاية، وتحولت الجماعة من مئات إلى مئات ألوف بسبب هذه الحادثة؟
    يقولون ليس هذا هو المهدي بل هو مخادع كذاب، وماهو إلا غضبهم على الله أن حقق كل مواعيد الكتاب، وفي غضبهم وانفلات تحكمهم في أنفسهم لم يبالوا حتى بأساتذتهم، ولم يراعوا إماما ولاشيخا، فاستهانوا بكل تفسير في الإسلام، يقر بموت عيسى عليه السلام، سواء لصحابي أو لتابعيّ، أولعالم أو وليّ. عدوانا وظلما بعدما أنار النور الفضائيات في الفضاء ، واستوت الشمس في كبد السماء، فسلهم هل رضوا عن الله لما كتب ابن القيم عن فناء النار؟؟؟ وهل احترموا ابن القيم وهو القائل في زاد المعاد في الكلام عن مبعثه صلى الله عليه وسلم ماهو واضح قاطع عنده أن مايقال عن أن عيسى عليه السلام رفع إلى السماء وهو ابن ثلاث وثلاثين فهو مما لايوجد له دليل يعول عليه أو يرجع إليه، ومايجرؤ على كلمة مثل هذه إلا من حقق الأمرفحصا ، ولم يجد نصا. لالم يحترموه.
    ( راجع سيرة النبي في زاد المعاد ، ولعلهم لم يطبعوا طبعة جديدة أو نسخة للتحميل منزوع منها هذا النص كما اشتهر عن بعضهم هذه الأيام) ولم يعبأوا برشيد رضا وهو يقرر موته في تفسير المنار، ، ولا بتفسير المفسر الإسلامي سيد قطب وهو يقرر موت عيسى عليه السلام في تفسير سورة مريم، ولا بالشيخ محمد الغزالي وهو يقرر موت عيسى عليه السلام في التفسير الموضوعي للقرآن الكريم، ولايحترمون رأي الشيخ شلتوت شيخ الأزهر وهو يفتي فتواه العتيدة معلنا وفاة سيدنا عيسى موتا بلا شك في كتابه: الفتاوى. ولا يحترمون مؤرخا مثل المحترم أحمد شلبي وهو يؤرخ الأمر ويوثقه.
    إصرار مستميت حتى لو مات عيسى.
    ويعلنون عن خبيئتهم بأنهم لن يستسلموا للحق، ولو انسحبوا من خط الدفاع الأول وهزموا هنالك وانقلبوا عن قضية الوفاة موتا صاغرين، فيتوعدوننا بخط الدفاع الثاني أنه مات وسيعود مصرين. وسيشككون في عدم عودة الموتى للحياة، وسيقولون بعودتهم ولو كانوا رسلا وأفضل من الشهداء، وليحاجن في تركهم وخروجهم من دار النعيم، وعودتهم لدار الهم المقيم، وزواجهم وإنجابهم ياللعجب، ومعاناة دخول بيت الأدب، ومعاناة روائحه الناتجة من بقايا من يغشاه، بعد دخول الجنة ووداع دورة المياه.
    حاشا لله والله حاشاه.
    قطار جارف من الهرب والرفض، ولاتوقفهم خشية الله المدعاة من البعض، يتوعدون بتكرار التشكيك الحثيث، في خط الدفاع الثاني، كما شككوا في الحديث، وفي معاني أحسن الحديث المثاني. وكما شككوا بالريب في كل حالة وحجة سقتها لهم وتهدي لليقين.
    لم يتركوا شيئا لم يشككوا فيه
    مامن سؤال في ردك الأخير لايوجد من قبل جوابه، ولامن حجة سقتها رددت عليها.. لقد جعل الله من الولادة الإعجازية لكل من يحيى وعيسى مقدمة للتفهيم، والشيخ محمد الغزالي ينص في التفسير الموضوعي على التشابه بين حالتي يحيى وعيسى، ويقرر موت عيسى آخذا برأي الفقهاء الظاهريين، وهكذا يتم التشابه المتين، لكن المعاندين الذين يسبون مهدي الله شككوا في تشابه المصير بالموت وقبض الروح إلى عليين، سواء حالة آدم أو يحيى أو رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاهدوا لتعمية الوضوح، وعبثوا حتى بمفهوم (الخلو) ليكون (المضي) وبمفهوم قول الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم (توفيتني) في نص حديث البخاري ليكون ( فلما مت) وفي نص قول عيسى في المائدة : (فلما توفيتني) ليكون: ( فلما توفيتني = فلما أخذتني كلي جسدا وروحا) وكما رفضوا كل تشابه ومقارنة من قبل، وارتكبوا كل متناقض، يهددون أنهم سيرتكبون الأعجب والأغرب ويقولون أن الله توفاه ميتا ورفعه للسماء ليحيا بعد وينزل، ، أو نام وتوسد السماء وسيوقظه من بعد لينزل.
    أضفوا الحسية الجامدة على الرفع ( إلى السماء) كأنها غنيمة تنقذهم من المهدي ومن هداه، ورغم أنه فيما تعلق بسيدنا عيسى فليس في كلام الله ولا رسوله رفع إلى السماء، ولافي كلام رسوله نزول من السماء، فهم يستميتون في إضافة الكلمتين، فما تلك الغيرة المبيرة؟ وما تلك الحمي الشريرة، التي أصابتهم بالرفض عرضا وطولا، كما يرفض جسم عضوا منقولا؟؟ وصاروا غيارى على الاستثناءات لتبرير حياة كتلك لسيدنا عيسى عليه السلام ولو مات بسببها الإسلام.
    ولا أسوق لهم من تشبيه حالات في القرآن تهدي لموته مثل الرسل إلا قالوا إلا الموت مثلهم، ولا سقت الحديث إلا قالوا: إلا عيسى فلم يتوف وفاة خير الأنام، ولم يخل خلو الرسل الكرام.
    وكلما استثنوا عيسى خلعوه من ربقة البشرية، ليقربوه (غافلين) من دعاوي المنصرين التي تضفي على بشر مجد الألوهية، كما يستثنون الدجال من تحريم المعجزة على كذابين، تحت شعار: الفتنة، وما هم بمنصفين .
    ويقولون بالمعجزة تلو المعجزة لسيدنا عيسى فيما يدعون، وفي كل هذه المعجزات لايرون تكريما وتفضيلا ولايحزنون، ولكن المنصرين يساعدون قولهم بكثرة المعجزات، ثم يقلبون المنضدة عليهم بأنها التفضيلات.
    تخجلهم الإجابة الصريحة عن : هل ترى أن العرش تحت الله؟؟ هل تقول أن السماء السابعة على مسافة أقرب قليلا من ذات الله وأن الأرض على مسافة أبعد قليلا من ذات الله ؟؟؟ هل تنكر أن الله مستو على عرش العز والمجد؟ هل تنكر أن الله كان ذا العرش من قديم من دون وجود الجنة أو السماوات؟؟ هل تحقر من شأن لسان العرب والقاموس المحيط عندما ينصان أن كشف الساق هو شدة الأمر وهوله ؟؟ هل لايملأ عينك أن يليق بالله قول القاموس المحيط ( العرش: عرش الله تعالى، ولايحد.... والعز، وقوام الأمر؟؟ ) ويملأ عينك فقط : سرير الملك؟؟؟

    هل تحتاجون لمهدي؟؟؟
    وهل أنتم في حاجة لمهدي حقا؟؟؟ لابد أن تبدوا استعدادا للتنازل عن التعنت. هل أعددتم لاستقبال المهدي أن تقولوا له كلما ذكر لكم سماء من المواد وسماء هي السمو وأرضا، قلتم لا للسمو نحن في السماء المادية؟؟؟ وكلما وافقكم في أمر احتقرتم موافقته ولم تنجه موافقة ما من التكفير والتفسيق والتبديع والسخريات. تريدون الاستسلام التام أو الموت الزؤام؟؟ احتكرتم الفهم والعقائد والتقعيد، ووظفتم عن أيمانها وعن الشمائل القعيد خلف القعيد، وكلما كشف لكم مهدي الله من كلام الله قاعدة: قلتم لا فإن هناك استثناء.. وكلما أتاكم بقول صحابي قلتم معلق، أو مرجوح؟؟ وكلما فسر لكم آية بما وهبه الله من نعمته تكبرتم في غرور مقيت قائلين: اذكر لك سلفا في هذا القول وإلا فأنت مبتدع، ولاتقل ألهمني ربي فإن الوحي والإلهام قد انقطع، وهانحن بالمرصاد لمن يقول معنى جميلا. ولن يرى منا إلا مكرا وبيلا، ماتت الروح فلم تعد تتلقى من الحي القيوم إلا أن تأتيها قارعة القيامة. ولو جاءكم بسلف في فهم وأسقط في أيديكم بدعتموهم ووهنتم أمرهم وحقرتم شأنهم؟؟ وتتبعتم ماكان سقوطا لهم في أعينكم لتسقطوهم من عيون الناس، وكلما جاءكم باللسان العربي كبكرة خيط مرتبة من مصنعها، سحبتم خيوط البكرة وعقدتموها ونقضتم نظامها ليلتاث الناس في حيرتهم؟؟ كيف تنتظرون المهدي وأنتم لاتتحملون أحدا يرشدكم لأي شيء نسيتموه؟؟؟ هل أعددتم له سبابا وتتيهون فخرا أنكم ترونه مخادعا كذابا. فبئس ما أعددتم لمهديكم من أسلحة الدمار الشامل، التي تصيب صانعها وتنفجر في مدافعها، ولا تضر مصبها بل تدمر منابعها. ووالله لو نزل لكم عيسى عليه السلام حسب تصوراتكم هذه، وأنتم هكذا بحالتكم العقلية هذه، لنفض اليدين منكم وسأل الله أن يستبدلكم، ولرفع يديه لربه شاكيا: يصرون يارب على الناسخ والمنسوخ ولاحدود له عندهم، ولو مسست منه آية قام أصحاب نسخ الآيات الآحاد يقولون: لست أنت المرجو إذ نفيت هذا النسخ وما أنت صادق ولو كنت من السماء، بل أنت فتنة والله يمتحننا بك ليرى ثباتنا على الناسخ والمنيسوخ الذي أقره الصحابة وخير القرون فمن أنت حتى تنفيه يامسكين..؟؟ وأين سلفك في نفي نسخ هذه الآية؟؟ ولو مسست نسخ آيات معدودات قام لي المدعون لنسخ العشرات بنفس الكلمات، ولو أنكرت نسخ العشرات من المدعى أنها من المنسوخات قام لي أصحاب نسخ المئات يقولون لو كنت مهتديا وعيسي الحقيقي لرأيت مارآه أهل الهدى ممن سلفك. ولو قلت لهم الغضب ليس صفة الله الذاتية وتعالى الله عن الساق وقدمين، اتهموني بالبدعة والمين.. ولو خطـّــأت ناسخ البخاري وكرمت نبي الله محمدا (المعصوم) حقا، عن أن ينال منه شخص وهمي يقال أنه (الأعصم) فيسحره لينال من ذاكرته، قام لي أولياء الناسخ وقالوا: سحر النبي وهو هكذا يعجبنا، وعليك إما أن توافقنا أو تفارقنا.
    يسبون مهدي الله ومهدي أمة محمد صلى الله عليه وسلم عندما يلمس تصوراتهم ليصلح منها، فهم أعلم بكل شيء وكل هدى، اكتملت عندهم أقوال الصحابة، وهدايات أسد الغابة، ولامهدي في لب الأمر ، فماهي إلا سنوات قلائل لن تقبل فيها التوبة، فهي عندهم أقرب إلى العبثية منها إلى الجدية، ويبقون هم المسيطرين، يقتلون المذكرين وأولياء الله الصالحين.
    القرآن ومسه المطهرين والحديث الصحيح
    في آية الكرسي وهي أعظم آية في كتاب الله، الآية الأعظم لايليق بها إلا أن تذكر الأعظم، فكيف ساغ عندكم أن تترك الآية سياقها عن ذكر الله الواسع العظمة إلى ذكر فضاء كرسي محدود؟؟ وحسب فهمكم للكرسي، فهوأدنى سعة بمالايقاس بالعرش؟؟؟ ففكروا كيف لم تذكرالآية (وسع عرشه) فهذه مناسبتها وهي تصف عظمة الله، مندمجة وتدمج الروح في جلال أسماء حسنى، تقوم الآية بتشييد احترامها في القلب؟؟ كيف لأعظم آية أن تؤجل ذكر سعة العرش لمقام آخر وهي في أعظم مقام لبيان العظمة؟؟؟ هل تنسبون الضعف إلى الروح القرآنية في تألقها وهي تشحن الروح المؤمنة بعظمة ربها؟؟ عجبا.
    كلمات الرسول صلى الله عليه وسلم دواء، ونزل القرآن ماء للروح يحي به مواتها، تتفاعل معه ذراتها، فتخرج ثمرات من الفهم الجميل الذي يضرب في الأعماق جذرا، ويتطاير جماله في الفضاء خضرة وزهرا، عندما يسيطر الفهم الحسي الجامد للوجود على أمة فتجدها تتأخر موغلة نحو صفوف الأمم الخلفية.
    طالما نفهم توهما من حديث: ( وزنة عرشه ) أن الوزن مخلوق وبالتالي فما له وزن فهو مخلوق، وبالتالي لاعرش إلا العرش المخلوق، فسنظل تقسو قلوبنا عن الرقة لتسابيح رسول الله محمد صلى الله عيه وسلم. لتوضيح هذا فانظر مثلا كلمة الثقل. في في قوله تعالى( إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا) ، على القارئ أن تئن روحه تحت ثقل الجمال والحكمة وغزارة الكرم في علومه وأفضاله، وأن ينتج الثقل خضوعا وطواعية، والثقل هنا ثقل المجد والعلو والحسن والحكمة والعظمة والكرم. ثقل يسحق معارضة النفس الأمارة ويدفها لأن تسلم لله أمرها. وكذلك يجري أمر قوله صلى الله عليه وسلم مسبحا ربه زنة عرشه. يقصد عظمة شأن أسمائه وجليل صفاته، المعبر عنها بالوزن.. فينتج الاندماج في سياق الفهم الحسي المادي أثره في تحجيم التسبيح والقراءة عندما يتجه العقل والروح إلى تحديد محامد عظمة الله تعالى، ويركزون الفهم على ربط الحمد بكثرة أطنان وزن عرش محسوس هوسرير بقوائم
    إنها تسبيحة نبوية رائعة تذيب جمد الروح وتتكفل بنهضة أمة صدقت الله في اتخاذها تسبيحة حياة مثل: سبحان الله عدد خلقه ورضاء نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته، والحمد لله مثل ذلك، والله أكبر ولاإله إلا الله. لايهتم الكثير سوى بترديد الكلمات، أو يستسلمون للفكر في العدد والوزن الهائل والمدادى المادي، فلاتنتج التسبيحة أثرها المأمول في إنهاض الروح عندما يسيطر على الروح الجانب المادي من المداد والوزن والتعداد، بل الروح تحيا من الاسترسال مع مفهوم المالانهاية الكامن في امتداد المداد إلى حيث لاحيث، الامتداد المضاد للمادة، الامتداد الذي ماله من نفاد. وفي مفهوم عظمة الشأن وما يوجبه قولنا (وزنة عرشه)
    علاقة قسوة القلب بتأخير نهضتنا
    الحق أقول أن الحوار قد بين لنا من أين نؤتى ولماذا تتأخر نهضتنا الجماعية. ولماذا يتغنى كثير من المسلمين بمجيء المهدي أو نزول عيسى، وبأي منطق للنزول دون أن يكونوا مستعدين لنزولهما، ولا استعداد إلا بتواضع جم، وتقبل للتعليم والاستمرار في طلب العلم، ذلك لأنهما سيعمدان لو حضرا إلى إزالة رين كثيف من مترسبات القسوة، القسوة بكل المعاني، قسوة تخص المشاعر عن الرحمة بالضعف، وقسوة تخص استقبال الجمال، قسوة عن الاندهاش من الآية وجمال الكلمات، وقسوة في طواعية العقل عن التطامن لنور الله يوم يلوح في الدليل، فلا يستفرغ روحه في اللف والدوران بحثا عن ظل قاتم، وزيغانا عن حسم حازم.



    تفسير للفاتحة وهو في كتاب كرامات الصادقين، ليس فيه شيء من كتب المتقدمين، يشرح بنعمة الله طرفا من نور معنى الاستواء على العرش، وهو موضوع ترتعد له الفرائص ، وليس لأهل الظاهر في الكلام عنه سوى القص واللصق،
    فتعالوا نقرأ ماعلمه الله ليعلم أمة الإسلام:
    ثم اعلم أن لله تعالى صفات ذاتية ناشئة من اقتضاء ذاته، وعليها مدار العالمين كلها، وهي أربعة: (1) ربوبية (2) ورحمانية (3) ورحيمية (4) ومالكية، كما أشار الله تعالى إليها في هذه السورة وقال: (1) رَبِّ العالمينَ (2) الرَّحْمَنِ (3) الرَّحِيمِ (4) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ. فهذه الصفات الذاتية سابقة على كل شيء ومحيطة بكل شيء، ومنها وجودُ الأشياء واستعدادها، وقابليتها ووصولها إلى كمالاتها. وأما صفة الغضب فليست ذاتية لله تعالى، بل هي ناشئة من عدم قابلية بعض الأعيان للكمال المطلق، وكذلك صفة الإضلال لا يبدو إلا بعد زيغ الضالين.
    وأما حصر الصفات المذكورة في الأربع فنظرًا على العالم الذي يوجد فيه آثارها. ألا ترى أن العالم كله يشهد على وجود هذه الصفات بلسان الحال، وقد تجلت هذه الصفات بنحوٍ لا يشك فيها بصيرٌ إلا من كان من قوم عمين. وهذه الصفات أربعٌ إلى انقراض النشأة الدنيوية، ثم تتجلى من تحتها أربع أخرى التي من شأنها أنها لا تظهر إلا في العالم الآخر، وأوّلُ مَطالِعِها عرشُ الرب الكريم الذي لم يتدنس بوجودِ غير الله تعالى وصار مظهرًا تامًّا لأنوار رب العالمين، وقوائمه أربعٌ: ربوبية ورحمانية ورحيمية ومالكية يوم الدين. ولا جامِعَ لهذه الأربع على وجه الظلّيّة إلا عرشُ الله تعالى وقلبُ الإنسان الكامل، وهذه الصفات أمهات لصفات الله كلها، ووقعت كقوائم العرش الذي استوى الله عليه، وفي لفظ الاستواء إشارة إلى هذا الانعكاس على الوجه الأتم الأكمل من الله الذي هو أحسن الخالقين. وتنتهي كل قائمة من العرش إلى مَلَكٍ هو حاملُها، ومدبّرُ أمرها، وموردُ تجلياتها، وقاسِمُها على أهل السماء والأرضين. فهذا معنى قول الله تعالى: وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانيةٌ ، فإن الملائكة يحملون صفاتٍ فيها حقيقة عرشية. والسر في ذلك أن العرش ليس شيئا من أشياء الدنيا، بل هو برزخ بين الدنيا والآخرة، ومبدأٌ قديم للتجليات الربانية والرحمانية والرحيمية والمالكية لإظهار التفضلات وتكميل الجزاء والدين. وهو داخلٌ في صفات الله تعالى، فإنه كان ذا العرش من قديم، ولم يكن معه شيء، فكُنْ من المتدبرين.
    وحقيقة العرش واستواء الله عليه سِرٌّ عظيم من أسرار الله تعالى وحكمةٌ بالغة ومعنى روحاني، وسُمِّيَ عرشًا لتفهيم عقول هذا العالم ولتقريب الأمر إلى استعداداتهم، وهو واسطة في وصول الفيض الإلهي والتجلي الرحماني من حضرة الحق إلى الملائكة، ومن الملائكة إلى الرسل. ولا يقدَح في وحدته تعالى تكثُّرُ قوابلِ الفيض، بل التكثر ههنا يوجب البركات لبني آدم، ويعِينهم على القوة الروحانية، وينصرهم في المجاهدات والرياضات الموجبة لظهور المناسبات التي بينهم وبين ما يصلون إليه من النفوس كنفس العرش والعقول المجردة إلى أن يصلون إلى المبدأ الأول وعلّة العلل. ثم إذا أعان السالكَ الجذباتُ الإلهية والنسيمُ الرحمانية، فيقطع كثيرا من حجبه، وينجيه من بُعد المقصد وكثرة عقباته وآفاته، وينوِّره بالنور الإلهي ويُدخله في الواصلين. فيكمل له الوصول والشهود مع رؤيته عجائباتِ المنازل والمقامات. ولا شعورَ لأهل العقل بهذه المعارف والنكات، ولا مَدخَل للعقل فيه، والاطلاعُ بأمثال هذه المعاني إنما هو من مشكاة النبوة والولاية، وما شمّت العقل رائحته، وما كان لعاقل أن يضع القدم في هذا الموضع إلا بجذبة من جذبات رب العالمين.
    وإذا انفكّت الأرواح الطيبة الكاملة من الأبدان، ويتطهرون على وجه الكمال من الأوساخ والأدران، يُعرَضون على الله تحت العرش بواسطة الملائكة، فيأخذون بطور جديد حظًّا من ربوبيته يغاير ربوبيةً سابقة، وحظًّا من رحمانية مغايرَ رحمانيةٍ أولى، وحظًّا من رحيمية ومالكية مغايرَ ما كان في الدنيا. فهنالك تكون ثماني صفات تحملها ثمانية من ملائكة الله بإذن أحسن الخالقين. فإن لكل صفة مَلَك مُوَكَّلٌ قد خُلق لتوزيع تلك الصفة على وجه التدبير ووضعها في محلها، وإليه إشارة في قوله تعالى: فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا، فتدبَّرْ ولا تكُنْ من الغافلين.
    وزيادة الملائكة الحاملين في الآخرة لزيادة تجلياتٍ ربانية ورحمانية ورحيمية ومالكية عند زيادة القوابل، فإن النفوس المطمئنة بعد انقطاعها ورجوعها إلى العالم الثاني والرب الكريم تترقى في استعداداتها، فتتموج الربوبية والرحمانية والرحيمية والمالكية بحسب قابلياتهم واستعداداتهم كما تشهد عليه كشوف العارفين. وإن كنت من الذين أُعطيَ لهم حظٌّ من القرآن، فتجد فيه كثيرا من مثل هذا البيان، فانظرْ بالنظر الدقيق لتجد شهادة هذا التحقيق، من كتاب الله رب العالمين.
    ثم اعلم أن في آية: اِهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ إشارة عظيمة إلى تزكية النفوس من دقائق الشرك واستئصال أسبابها، ولأجل ذلك رغّب الله في الآية في تحصيل كمالات الأنبياء واستفتاح أبوابها، فإن أكثر الشرك قد جاء في الدنيا من باب إطراء الأنبياء والأولياء، وإن الذين حسبوا نبيهم وحيدا فريدا، ووحده لا شريك له كذات حضرة الكبرياء، فكان مآل أمرهم أنهم اتخذوه إلهًا بعد مدة، وهكذا فسدت قلوب النصارى من الإطراء والاعتداء. فالله يشير في هذه الآية إلى هذه المَفسدة والغواية، ويومئ إلى أن المنعَمين من المرسَلين والنبيين والمحدَّثين إنما يُبعَثون ليصطبغ الناس بصبغ تلك الكرام، لا أن يعبدوهم ويتخذوهم آلهة كالأصنام، فالغرض من إرسال تلك النفوس المهذَّبة ذوي الصفات المطهرة، أن يكون كلُّ متّبع قريعَ تلك الصِفاتِ، لا قارِعَ الجبهةِ على هذه الصَّفاة. فأومأ الله في هذه الآية لأولي الفهم والدراية إلى أن كمالات النبيين ليست ككمالات رب العالمين، وأن الله أحدٌ صمدٌ وحيدٌ لا شريك له في ذاته ولا في صفاته، وأما الأنبياء فليسوا كذلك، بل جعل الله لهم وارثين من المتّبعين الصادقين، فأُمّتُهم وُرثاؤهم.. يجدون ما وجد أنبياؤهم إن كانوا لهم متبعين. وإلى هذا أشار في قوله : قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُوني يُحْبِـبْكُمُ اللهُ، فانظرْ كيف جعَل الأُمّةَ أحبّاءَ الله بشرط اتّباعهم واقتدائهم بسيد المحبوبين.
    وتدل آية اِهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ أن تُراث السابقين من المرسَلين والصدّيقين حقٌّ واجبٌ غيرُ مجذوذ ومفروضٌ للاحقين من المؤمنين الصالحين إلى يوم الدين. وهم يرثون الأنبياء ويجدون ما وجدوا من إنعامات الله. وهذا هو الحق فلا تكن من الممترين.
    وأما سِرُّ ذلك التوارث ولِمِّيّة المورِث والوارث، فتنكشف من تلك الآية التي تُعلّم التوحيد، وتُعظّم الرب الوحيد، فإن الله المعين وأرحم الراحمين، إذا علّم دقائق التوحيد وبالَغَ في التلقين، وقال: إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ، فأراد عند هذا التعليم والتفهيم أن يقطع عروقَ الشرك كلها فضلاً من لدنه ورحمةً منه على أُمّة خاتم النبيين، لينجّي هذه الأُمّةَ من آفات وَرَدَت على المتقدمين. فعلَّمنا دعاءً مَبَرَّةً وعطاءً وجعَلَنا منه من المستخلصين. فنحن ندعو بتعليمه، ونطلب منه بتفهيمه، فرحين برِفْده، مفصِحين بحمده، قائلين: اِهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّين. ونحن نسأل الله لنا في هذا الدعاء كلَّ ما أُعطيَ للأنبياء من النعماء، ونسأله أن نثبت كالأنبياء على الصراط، ونتجافى عن الاشتطاط، وندخل معهم في مربَع حظيرة القدس، متطهرين من كل أنواع الرجس، ومبادرين إلى ذَرَى ربِّ العالمين. فلا يخفى أن الله جعلنا في هذا الدعاء كأظلال الأنبياء، وأورثَنا وأعطانا المعلوم والمكتوم، والمعكوم والمختوم، ومِن كل الآلاء والنعماء، فاحتملْنا منها وِقْرَنا، ورجعْنا بما يسدّ فقرنا، وسالت أوديةٌ بقدرها، فأُحْلِلْنا محلَّ الفائزين. وهذا هو سِرّ إرسال الأنبياء وبعثِ المرسلين والأصفياء، لنُصبَّغ بصبغ الكرام، وننتظم في سلك الالتئام، ونرث الأولين من المقرَّبين المنعَمين.
    ومع ذلك قد جرت سُنّة الله أنه إذا أعطى عبدًا كمالاً، وطفق الجُهّال يعبدونه ضلالاً، ويُشركونه بالرب الكريم عزةً وجلالاً، بل يحسبونه ربًّا فعّالاً، فيخلق اللهُ مِثْلَه، ويُسمّيه بتسميته، ويضع كمالاته في فطرته، وكذلك يجعل لغيرته ليُبطل ما خطر في قلوب المشركين. يفعل ما يشاء ولا يُسأل عما يفعل وهم من المسؤولين. يجعل من يشاء كالدَّرّ السائغ للاغتذاء، أو كالدُّرّة البيضاء في اللمعان والصفاء، ويسوق إليه شربًا من التسنيم، ويضمّخه بالطِّيب العميم، حتى يُسفِر عن مَرْأى وسيم، وأَرَج نسيم للناظرين.
    فالحاصل أنه تعالى أشار في هذا الدعاء لطُلاب الرشاد إلى رحمته العامّة والوداد، فكأنه قال إنني رحيم.. وسعتْ رحمتي كل شيء.. أجعل بعضَ العباد وارثًا لبعض من التفضل والعطاء، لأسُدّ باب الشرك الذي يَشيع من تخصيص الكمالات ببعض أفراد من الأصفياء. فهذا هو سِرُّ هذا الدعاء، كأنه يُبشّر الناس بفيض عامٍ، وعطاءٍ شاملٍ لأنامٍ، ويقول إني فيّاض وربّ العالمين، ولستُ كبخيل وضنين. فاذكروا بيتَ فيضي وما ثَمَّ، فإن فيضي قد عمَّ وتمَّ، وإن صراطي صراط قد سُوِّيَ ومُدَّ، لكل من نهض وأعتدَ واستعدّ، وطلب كالمجاهدين. وهذه نكتة عظيمة في آية: اِهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ، وهي إزالة الشرك وسدُّ أبوابه، فالسلام على قوم استُخلِصوا من هذا الشرك وعلى مَن لديهم، وعلى كل مَن تبِعهم من الطالبين الصادقين.

  7. #22
    تاريخ التسجيل
    Jan 2005
    المشاركات
    982
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    الرسالة السابعة لأحد الإخوة من منتدى التوحيد.


    الحمد لله ذي الأفضال والنعم، جعلَ المسلمين آخر الأمم، وكتب عاقبةَ المبطلين الندم، وأظهر الحقَّ فأبرأ أهلُه الذِّمم، الحمد لله الذي أيّد رسله بالآيات الباهرة، ونصرهم في الدنيا وفي الآخرة، ينصرهم بما يشاء كيف يشاء، ولا يمنعُ ذلك إلا بفتنةٍ مشّاء!

    ونشهد ألّا إله إلا الله وحده، حفظ الذكر وصدق وعده، وكتب نصرَه لنبيّه وعبدِه، واستغنى المؤمنون برفدِه، فظهر الحق على حدِّه، وخنس الباطل في بُعدِه، وباللقاء لا بقاء له من بَعدِه، فتبين للناظر محلُ رشدِه، وعرفَ الحقَّ من ضدِّه، فالحمد لله على نعمةِ حمدِه!

    ونشهد أنّ محمدًا عبد الله ورسولُه، بُعث بالحق فاستبانت أصولُه، وأعلنَ الباطلُ بمقدمه أفولَه، وحمل سنته من كل خلفٍ عدولُه، أئمتهم صحابةٌ عاصروا نزوله، سمعوا من الدليل منقولَه، ووعوا من التعليم معقولَه، فاللهم صلّ وسلم على عبد الله ورسولِه!

    ونعلم أنّ الصحابة – بعد الأنبياء – خير من سجد، ونزّه الرب وإياه وحده عبد، كانوا للمبطلين على الرصد، ونفوا عن الشريعة قول من كسد، وخرجوا في نشرها من بلدٍ إلى بلد، مستغنين بالإيمان عن مجالسة الأهل والولد، ولذا اصطفاهم للصحبة الحكيم الأحد!

    (وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا * وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا)

    وبعدُ ..

    فسلام الله ورحمته وبركاته على من اتبع الهدى!

    فيُقال أخلى الشاعر إذا نبا عن الحسن شعرُه، ويقال أفلس التاجر إذا بقي له من المال صفرُه، ويقال انقطع المحاور إذا ذكر قولًا وأعجزه نصرُه، ويقال زهق الباطل عندما يأتي بالحق نفرُه، وما أرى هذه المعاني الأربعةَ إلا اجتمعت فيك أيها المهندس!

    ولو أنّ عاقلًا وقف على حوارنا هذا لعلم أنّه حوارٌ بين ضدين، فأنت تقول إنني على ضلالة، وأنا أقول إنك كذلك، ولذا قام بيننا هذا الحوار ليفتح الله بيننا بحكمه، لا يقول عاقلٌ يتابع الحوار فضلًا عن مشاركٍ فيه أنك تراني محقًّا أو أني أراك كذلك، ولا يقول أحدٌ إنني أعدُّ القاديانية سائغةً مقبولة، ولا يقول أحدٌ إنك ترى تركي اتباع الميرزا سائغًا مقبولًا، ولهذا وعلى هذا تحاورنا نبتغي حكم الله ورسوله في هذه المسألة، فعندما أقول (وتفصل بين التكذيب والإيمان بشخصٍ تؤمن أنت أنه من ضمن الأنبياء الذين لا ينبغي للمسلم التفريق بينهم وإلا خرج من الملة وأؤمن أنا أنه مخادعٌ كذاب، فإن احتكمنا لدين الله الذي أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم كان الحكم واضحًا بينًا في قضية على هذه الدرجة من الأهمية)اهـ، فمن الواضح أني أقرر ما سبق من أنك ترى الميرزا نبيًّا وأراه كاذبًا، ولذا فنحن نتحاور ليحكم بيننا كتاب الله وسنة رسوله، وهذا شيءٌ بدهيٌّ من الأوليات التي بُني عليها الحوار أصلًا، فأن تجعل تصريحي بما بُني عليه الحوار عذرًا في إنهاء الحوار، فهذا عذر واهٍ لا يقع فيه الأذكياء، ويفهم المتابع للحوار أنك تتهرب لتنهي الحوار!

    وأما القول إنك جئتنا بضربةٍ قاضية، فأنت تعلم أنّ ردي السابق عليك، كان ردًّا فاصلًا أتيتك فيه بالتفصيل في كل ما سألتَ عنه وطرحتَه حتى الأحاديث الضعيفة التي ذكرتَها، وكان أمامك بعد هذا الرد أحد ثلاث: أن تتبع الحق بعدما تبين - أو أن ترد عليّ بما لا يقف أمام الحق - أو أن تترك الحوار رأسًا، وكنت أنتظر ردة فعلك وتوجهك في مفترق الطرق هذا، وقد اخترتَ الأخيرتين! ولكن لابد من تبرير ذلك، فلا يليق أن تترك الحوار هكذا، فاخترتَ أن تجعل ذريعة التهرب من الحوار أنني سببتك أو شتمتك، مع أن الله تعالى نهاك عن الظلم والبغي، وأمرك بالعدل معي وإن كنت لي شانئًا، والقارئ متوسط الفهم يعرف حقيقة ما جرى، ولو أنك تركت الحوار دون الاعتذار بأني سببتك لكان خيرًا لك، لأن الاعتذار بما لم يحدث غير مقبولٍ عند العقلاء!

    ومازلت أناديك بالفاضل والكريم، وقلت لك (فإني أود لمن له مثل عقلك أن يعود للحق)، وقلت لك حين اعتذرتَ عن أخطائك (شيمة النبلاء أحييك عليها)، فإن ظهرت حدة في ثنايا الرد فهذا سائغ في المناظرات، ويعرفه كل من جرب شيئًا من المناظرة، وقد قلتُ لك ردّا على فقرةٍ خاطبتني فيها بألفاظ (فالعجب كل العجب .. تركتم البخاري والصحابة وابن عباس .. تجاهلتم كل التجاهل .. ذلك الذي قتلتمونا به كل حين .. دوختم الناس كل قرن)اهـ، قلتُ لك في الرد على هذه الفقرة (فإن كان هو مما يستجلبه الحوار من حدة ومبالغة أحيانًا تشنيعًا على المحاور فأعذرك في ذلك)اهـ، ولعلك تتيقن الآن – وقد كنتَ عالمًا – أن الحدة في الرد أحيانًا وقعت مني ومنك، وأنني كنت أعذرك وأتفهم موقفك صراحة، وقد كنت أنت قبل ذلك تعذرني كذلك، لكن بعد هذا الرد الأخير المفصل الذي دككتُ فيه كلَّ شبهةٍ لك، لم تجد إلا أن تترك الحوار، وأعوزتك الحجة لحفظ ماء الوجه، فقلتَ إني شتمتك وسببتك، والله تعالى ينهاك عن بطر الحق وغمط الناس! وقال صلى الله عليه وسلم (الكبر بطر الحق وغمط الناس).

    وإلى القارئ مثالًا ليعرف كيف أنك كنتَ تتهرب قبل هذا التهرب الأخير! استدل المهندس بالآية الكريمة (يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ)، فأجبته بأنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم علِم بعض ما أُحدث بعده وأخبرنا به، وعلم ببعض من يُحدث بعده وأخبرنا به، وسألته عن ذلك في الرد الخامس لي، فما أجاب، فأعدتُ ذلك في الرد السادس، وقلتُ له (سألتك ثلاثة أسئلة يظهر بها الحق، فأجبتَ "أولًا" وتركتَ "ثانيًا" و "ثالثًا")، وأعدتُ عليه الأسئلة مرةً أخرى، فما رد علي بأي جواب!! رغم أنه قال إنه سيأتينا بالضربة القاضية!! هذا مثالٌ وسيأتي في ثنايا الرد الكثير الكثير! فالإنصافَ الإنصافَ!

    وهذا مثالٌ آخر إذ قلتُ (المسيح الذي ينزل آخر الزمان، والذي ورد في الأحاديث لا يكون إلا عيسى بن مريم، لأنَه هو الوحيد الذي ولد من أم دون أب، ولو كان المُبشَّر به هو مسيحٌ آخر غير (ابن مريم) لنُسب إلى والده عملًا بقوله تعالى {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ}، والنبي صلى الله عليه وسلم أحرص الناس على اتباع القرآن الكريم)اهـ، ولكن المهندس لم يرد أيها القارئ الكريم، ورغم أنه زعم أنه سيأتي بضربةٍ قاضية، لكنه لم يرد على عشرات الأسئلة التي وجهتها إليه، والتي سأجمعها لك في آخر الرد!

    ويعاملني المهندس بالإسقاط، ويرميني بدائه وينسل، فأنت – أيها المهندس - تعلم من الذي أنهكته الكتابة، ومن الذي اقتبس مقدمة رده السابق، أرأيت إلى إنسانٍ منهكٍ حدّ أنّه يعجز عن كتابةِ مقدمةٍ لرسالته فيقتبس المقدمة؟!! وتعلم من الذي أرسل رسالةً يظن أنها ضربة قاضية، فكان ثلثها اقتباسًا لا علاقة له بالحوار فضلًا عن "الضرب القاضي" أو تصليح "الكلوب" على حد قولك!

    والقارئ ضعيف الفهم يعرف أنّ الرد على حججٍ من مثل (المسيح عليه السلام ليس في السماء لأنه لا يؤدي الزكاة!) لا تحتاج مجهودًا، بل ربما وجدها القارئ متوسط الفهم جديرةً بالإهمال لشدة تهافتها، لكن ماذا أفعل وأنا أحاور من تظن به "الجماعة" أنه من أقدرهم على المناظرة عن مذهبهم؟! وما عليّ غير أن أبين له أن هذا الاحتجاج لا يرقى لدرجة الشبهة فضلًا عن الدليل المعارض لأحاديث نزول المسيح آخر الزمان؟! فأنت – بالفعل – من أقدر من يناظر عن مذهب الجماعة منهم، ولكن المسألة ليست مسألة ذكاء، المسألة كما قلتُ لك قبل ذلك (أما وأنت هناك في ركب الباطل، فلن يخرج الأمر – ولابد – عن باطلٍ يخذلك ولا تستطيع إلا أن تخذله!)، وقد قرأتَ هذه الجملةَ قبل ذلك وعقّبت عليها وما عددتَها سبًّا، لكن لما جاءك الرد المفصل جعلتني متطبعًا على السب، واتهامي بالتطبع على السباب من السباب، والسباب يحسنه كل أحد، والتهرب يحسنه كل أحد، وأنا صاحب قضية حقٍّ ثابتةٍ أدافع عنها ولا يثنيني السباب واتهامي بالعناد والغرور المقيت، لا يثنيني ذلك عن بيان الحق الذي معي، ولذا فأنت بالخيار أن تستمر في التهرب وتلتزم بما جعلته الرسالة الأخيرة ولا تتبعها بملحقاتٍ تدل على التردد وتفكير اللحظة، أو تعود للحوار كما كان! وبعد أن بينتُ أنك منقطعٌ عن الحوار، وأن ما فعلته تهرب، وهذا واضحٌ لكل ذي عينين! أشرع في تبيان خلاصة هذا الحوار للقارئ الذي ينسب نفسه لما يسمى "الجماعة الأحمدية"!


    أما بعد!



    فلينظر كل قارئٍ بتجردٍ وإخلاص، وهو يعلم أنّ الله مطلعٌ على قلبه، وليحكم في هذا الحوار، أي القولين ظهر، وأي القولين ذكر الحجج تلو الحجج، ولير كيف أنّ المهندس ترك الجواب على أسئلتي على منهجه في الصفات، فلم يجب منها شيئًا، وترك ما أوردتُه عليه في معنى العرش، ولم يجب عليّ بشيء، وتركَ ما وجهته له بخصوص معنى التوفي وأحاديث نزول المسيح عيسى بن مريم عليه السلام، وما أجاب على شيءٍ مما قلتُه!

    تعلم أيها القارئ القادياني أنّ الشيعة الإمامية لما قالوا باثني عشر إمامًا، وقالوا بعصمة هؤلاء الأئمة ووجوب اتباعهم، وقالوا ببطلان خلافة الصديق والفاروق والحيي عليهم الرضوان، قابلهم الناس بسؤالٍ وجيه، وهو أنّ هذه القضية الكبرى لو كانت حقًّا لوردت في الكتاب والسنة، وليس شيءٌ من هذا في كتاب الله عز وجل ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فماذا فعل الرافضة في مقابل هذه الحجة القاصمة؟؟! بعضهم قال بوقوع التحريف في كتاب الله من قبل الصحابة، ولتسويغ هذا القول قالوا إن الصحابة ارتدوا، ورد الشيعةُ السنةَ الواردة في دواوين أهل السنة ووضع لهم الكليني كتاب الكافي، واستعملوا الغلو والإسراف – تحت مسمى التأويل - في تفسير كتاب الله تعالى، حتى جعل بعضهم البقرة التي أُمر بنو إسرائيل بذبحها إشارةً إلى عائشة الصديقة بنت الصديق رضي الله عنها .. هذا هو حال أهل الباطل دومًا عندما لا تسعفهم الحجة من الكتاب والسنة يفرون إلى الطعن في حفظ الذكر ولي أعناق النصوص!

    وقد سألتُ هذا السؤال، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ترك شيئًا من الخير إلا بينه لنا، وهو الناصح الأمين صلى الله عليه وسلم، فكيف لا يبين لنا أن الميرزا سيأتي وعلينا اتباعه؟! ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح (خير التابعين رجلٌ من قرنٍ يُقال له أويس)؟! فإن كان قد ذكرَ خير التابعين من أمته، أفتُراه صلى الله عليه وسلم يترك بيان أن الميرزا سيأتي وأن علينا اتباعه!؟ ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر الدين (ما بقي من شيءٍ يقرب من الجنة ويباعد من النار إلا وقد بُيِّن لكم) .. فأين البيان في وصف الميرزا وصفته؟؟! لقد وجهتُ مثل هذا الإلزام للمهندس فتحي في قضية معنى العرش ... فكيف أجاب أيها القاديانيون؟!

    قال المهندس القادياني (لقد قال الله تعالى وتقدس ما قال، ورغم ذلك يحدث الفهم الخطأ، والرسول صلى الله عليه وسلم قال ما قال ورغم ذلك أضيف لقوله أو فهم خطأ، وروي عنه الصحابة فروى الناس عنهم بالمعاني التي رويت بدورها بالمعاني. وليس ابن مسعود وغيره استثناء) اهـ.

    هذا هو الذي بُنيت عليه عقيدتكم أيها القاديانيون، التشكيك في حفظ الذكر، فتفكروا في هذا بهدوء وتجرد، أسأل عن دليلٍ ينصر قولكم، أسأل عن سلفٍ واحدٍ من الصحابة قال بمثل قولكم ولو في حديثٍ ضعيف أو موضوع، وعندما لا تجدون - كمثل الرافضة تمامًا - تضطرون لما اضطر إليه الرافضة، أن تطعنوا في حفظ الذكر، فالقرآن – عندكم - عرضةٌ للفهم الخطأ والسنة كذلك وعرضة للزيادة والنقصان وآثار الصحابة كما السنة، ومقصود المهندس من هذا الكلام أنّ السنة والآثار ضاعت كلُّها فلم يبق أثرٌ ولو ضعيفٌ يُقال فيه أنّ العرش هو العز أو مجموع الصفات!! وأن قرون التابعين التي شهد لها الرسول صلى الله عليه وسلم بالخيرية قد حرفوا وضيعوا، أو جاء من بعدهم فحرفوا وضيعوا ولم ينقلوا لنا شيئًا، فما الفرق بين هذا القول وما يفعله الروافض؟!! ألا تتفكر في هذا أيها القادياني؟!! لماذا تراني أثبت كلامي بالسنة وآثار الصحابة رضي الله عنهم بينما المهندس عاجزٌ عن إيراد حديثٍ أو أثرٍ واحدٍ ولو كان ضعيفًا أو موضوعًا!!!

    يقول المهندس القادياني (إن الصحابة لم يؤلفوا الكتب ولو ألفوا لكتبوا في تأييد ما أقول العجب)اهـ، والجميع يعلم أنّ الصحابة لم يؤلفوا الكتب، ولكن نعلم أنهم علّموا التابعين، والتابعون علّموا تابعيهم، فأين ذهب هذا التعليم؟!! أم يؤمن القادياني بنظرية المؤامرة التي يؤمن بها الرافضي فيجعل الأمة اجتمعت على تضييع الحق ناسيًا أن الله وعد بحفظ الذكر؟!

    لقد سألتُ في ردي الخامس سؤالًا صريحًا واضحًا فقلتُ: ((هل يمكن أن يكون هناك عقيدة من الأهمية بمكان، بحيث يكون الموافق لها مؤمنًا وتاركها كافرًا، والمختلفان فيها يكفر أحدهما الآخر أو يفسقه أو يبدعه، هل يمكن أن تكون عقيدةٌ بهذه الأهمية في دين الإسلام، ولا تُبيّن في القرآن الكريم، ولا يذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا تنقل عن الصحابة رضي الله عنهم، ولا يصلنا فيها أي أثرٍ أو حديثٍ ولو ضعيف، هل يمكن هذا؟؟ (نعم – لا) وهل يتنافى هذا وحفظ الذكر وتمام البلاغ وظهور الدين؟! (نعم – لا)))اهـ.

    ولكن المهندس فتحي لم يرد عليّ، رغم أنّه ذكر أنه سيأتي "بالضربة القاضية"! وهذا هو الذي تعلمه المهندس، أن يواجه الناصحين بالضربة القاضية – زعم – بينما يقابل المنصِّرين بتأويل النصوص خوفًا منهم! ولنترك المهندس فتحي فقد اختار التهرب من الحوار، وشُغل بقراءة الكتب التي على الأرصفة كما قال، فإني أسألك أنت هذا السؤال أيها القارئ القادياني: ((هل يمكن أن يكون هناك عقيدة من الأهمية بمكان، بحيث يكون الموافق لها مؤمنًا وتاركها كافرًا، والمختلفان فيها يكفر أحدهما الآخر أو يفسقه أو يبدعه، هل يمكن أن تكون عقيدةٌ بهذه الأهمية في دين الإسلام، ولا تُبيّن في القرآن الكريم، ولا يذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا تنقل عن الصحابة رضي الله عنهم، ولا يصلنا فيها أي أثرٍ أو حديثٍ ولو ضعيف، هل يمكن هذا؟)) .. أجب هذا السؤال أيها القادياني ثم اسأل نفسك: لماذا لا يوجد في شيءٍ من الآثار أن عرش الله هو مجموع الصفات؟ أو أنّ المسيح عيسى عليه السلام لن ينزل آخر الزمان؟؟ لماذا لا يوجد ذكر للميرزا رغم أن الأحاديث بينت لنا كل خيرٍ حتى أن خير التابعين هو أويس القرني؟؟ أترى رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مقصرًا في البلاغ؟!؟ أترى أنّ الله لم يحفظ الذكر؟!؟ أم أن مذهبكم كمذهب الرافضة يكفي في بيان بطلانه أنّه مبنيٌّ على ما لم يأتِ في الكتاب والسنة، ويكفي في بيان بطلانه أنكم مضطرين للقول بمثل ما قال به المهندس، أن القرآن والسنة وآثار الصحابة كلها عرضةٌ للفهم الخطأ والأخيران قد زيد فيهما وانتقص!!

    هل ترضيكم عقيدتكم وعقيدة المهندس؟؟ هل يرضيكم هذا الكلام؟؟ إلى متى ستظلون على عقيدتكم هذه؟؟! ألا تفيقون قبل سكرة الموت؟؟!

    * يقول المهندس (لقد قال الله تعالى وتقدس ما قال، ورغم ذلك يحدث الفهم الخطأ، والرسول صلى الله عليه وسلم قال ما قال ورغم ذلك أضيف لقوله أو فهم خطأ، وروي عنه الصحابة فروى الناس عنهم بالمعاني التي رويت بدورها بالمعاني. وليس ابن مسعود وغيره استثناء)اهـ، وكأن الله لم يعدنا بحفظ الذكر!
    * يقول المهندس (هكذا يتبين في غابة النصوص سبيل للسلوك والجمع بينها)، فهل نصوص الشرع غابة؟؟ ألم يتركنا الرسول صلى الله عليه وسلم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها؟!
    * يقول المهندس (ما الحاجة لألف مليون كلمة والأمر يتم قضاؤه بكلمة واحدة)، فهل رفع عيسى عليه السلام إلى السماء عسير على الله عز وجل؟؟ هل رفع عيسى عليه السلام يحتاج إلى ألف مليون كلمة؟! أعوذ بالله من هذا الكلام!
    * يقول المهندس (ويستعمل الله إمكانيات اللسان في سبيل التقريب)، مع أن الله يقول " لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ"، لا لسان التقريب! وقد ذكرتُ له ذلك فما ردّ عليه ولا رد على شيءٍ مما سبق!
    * يقول المهندس (الظاهر هو المعنى الذي ينتصر على غيره من المعاني الباطلة)، وهذا تعريفٌ لم يسبقه إليه أحدٌ من أهل اللغة ولا من أهل السنة ولا من غيرهم، وهو تعريفٌ ناقصٌ يفضي الاقتصار عليه إلى إلغاء حاكمية الكتاب والسنة كما بينتُ قبل ذلك، ولم يرد عليّ المهندس بشيء!
    * يقول المهندس عن الصحابة (لا يمكن تخيلهم يفهمون غير ذلك) فهل دين الله مبنيٌّ على التخيلات؟! أمِن أجل التخيلات نترك الأحاديث الثابتة والآثار الصحيحة ؟!
    * يقول المهندس (تعالى الله عن التكثر ... ومفهوم التكثر مما يتنزه ذات الله عنه) فهل قصّر الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه في البلاغ فلم يذكروا شيئًا عن التكثر ولا مفهوم التكثر ولا تنزه الله عنه .. هذه البدع المحدثات هي التي تجعل المهندس يلجأ للتأويل ولي أعناق النصوص!
    * وقد كان المهندس يقول (عرشه هو هو وهو صفاته وهو تجلي صفاته) أي أن العرش هو الله تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا، ولكنه اعتذر من طرف خفيّ عن ذلك فيما يبدو!
    * يقول المهندس (ويلزمك لو كان عيسى حيا هناك بالجسد .. أن ينطبق عليه قول الله تعالى بسورة مريم: وأوصاني بالصلاة والزكاة مادمت حيا. فلابد مادام حيا حتما أن يزكي، ولابد للزكاة من مصرف محتاج، وعليه فلابد أن يخلق الله له الفقراء هناك ليتصدق عليهم وهو محال فما أدى للمحال فمحال وهو حياته هناك) فالمسيح ليس في السماء لأنه لا يؤدي الزكاة!! هذه هي استدلالاتكم .. ولا تعليق!
    * يقول المهندس في " وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آَيَةً وَآَوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ " (هي بطبيعة الحال كشمير)! ... هذه هي استدلالاتكم .. ويكفي ما سبق من تعليق، لم يعقب عليه المهندس في ضربته القاضية!

    يكفينا ما سبق خطابًا لكل قاديانيٍّ منصف .. وأتوجه بعد ذلك إلى ما أورده المهندس في "ضربته القاضية!" ثم ألخص في نهاية الرد الأسئلة التي تركها المهندس وتهرب من جوابها..


    ثم أما بعد!



    فلقد نظرتُ في ضربتك القاضية، فإذا هي قاضيةٌ عليك، وربما بذل الضعيفُ مهجة نفسه في جوابٍ ضعيفٍ، فظنّ أن جوابه قويًّا لما بذله فيه من مجهود، ونسي أنّ الضعيف لا يأتي إلا بواهٍ ضعيف!

    قد أبى المهندس من نبل خلقه، وطيب نفسه، وأصالة معدنه، إلا أن يشمت في البلدان الإسلامية التي يدمرها الأمريكان في أفغانستان وباكستان، شماتةً تدل على حبه للمسلمين! شماتةً تدل على براءته من الكافرين! شماتةً فيمن يشهدون ألا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، يفرح المهندس بإبادة مدن المسلمين على أيدي الأمريكان، ويرى ذلك غضبًا من الله على المسلمين، ويزعم المهندس أن القاديانية تؤمن بجهاد الدفع، مع أنّ الصائل قد صال على المسلمين في أفغانستان، وقتل الرجال وذبح الأطفال واغتصب النساء، فلا يرى المهندس ذلك صائلًا يجب دفعه، بل يبارك ذلك ويفرح في مصاب المسلمين، هي – إذن - نحلةٌ محدثةٌ تحرف الكتاب والسنة، وتطعن في حفظ الذكر، وتبطل الجهاد، وتشمت في المسلمين!

    وإنّ من فنون التهريج وضروب الكوميديا، أن يأتي الرجل إلى قولٍ هو هزلٌ من كل وجه، فينطق به وكأنّه حقٌّ لا هزل فيه، ومن ذلك مثلًا أن تكون في نقاشٍ حول نزول المسيح عيسى عليه السلام، فيقول لك المحاور "إن المسيح لن ينزل لأنّه لن ينزل"، فهذا على قواعد الاستدلال من الهزل الذي لا حق فيه، فإنّ أتى المحاور وجعل ذلك دليلًا فهو يخبط ويخلط، فإن جعل ذلك من أعظم الأدلة فهو واهمٌ متخبط، فإن جعله الدليل الأعظم فهذا من التفنن في التهريج الذي لا يلحق .. قال المهندس فتحي (الدليل الأعظم على عدم نزول كهذا أن هذا الجيل سيموت وبعده الجيل التالي، وتتوالى الأجيال موتا ولا يحدث النزول المرتقب)!! .. فعيسى عليه السلام لن ينزل لأنه لن ينزل، ذلك هو الدليل الأعظم .. وبعد أن تأخذ حظك من الضحك أيها القارئ الكريم، تعال إلى بقية ما ذكره المهندس!

    قد كان المهندس يرى أنّ هناك فرقًا بين بحر الروم والبحر المتوسط، رغم أنّهما في عرف الناس وفي التاريخ واحد، ولما نبهته لذلك ابتلعها وسكت، وهل يملك إلا سكوتًا؟! والآن يضرب بسهمٍ في الطب، فيقول في رفضنا لما جاء به أنّه (كما يرفض جسم عضوا منقولا؟؟)، ونقل الأعضاء لجسمٍ لا يصح إلا أن يكون العضو الأصلي سقيمًا غاية السقم، وبعد عملية النقل تتعاهد المريض بمثبطات المناعة حتى لا يحدث الرفض، ونقل الأعضاء في وجود عضوٍ سليمٍ جريمةٌ في عرف الأطباء، وحيث إننا نقول إن جسم الإسلام صحيحٌ ليس فيه سقم، كاملٌ ليس فيه نقص، تامٌّ ليس بخداج، فإنّ محاولة نقل ألفاظ الفلاسفة، وتأويلات الباطنية، إلى ديننا هو جرمٌ حرام، وهكذا فإنّ المهندس – كعادته – يطرح تشبيهًا يوضح الفكرة التي نقول بها لا التي يقول بها، وبعد أن تأخذ حظك من ذلك أيها القارئ فتعال إلى بقية ما ذكره المهندس!

    ما زال المهندس يتكلم عن معاني العرش والكرسي، رغم أننا بينا له أن كلامه مناقض لما عليه السلف وأهل اللغة، متناقض في نفسه، ونجمع لك مقالته جميعها حتى تقف على التناقض (عرش الله هو أيضا عز وحدانيته وكماله ... وينكرون سعة اللسان العربي .. العرش صفة شمول التدبير وإحكام توصيل الفيض .. عرشه هو عزه .. العرش هو مجموع الصفات والكمالات .. العرش المذكور في ساحة العرض هو مرآة جلالية لعرش صفة التجلي ... عرشه كان على الماء تعني تجليات الله متوجهة لخلق الحياة .. وحملة العرش يحملون فيوض الربوبية العامة والرحمانية للأحياء والرحيمية للمؤمنين والمالكية للجزاء .. عرشه هو هو وهو صفاته وهو تجلي صفاته .. العرش هو مجموع الصفات التنزيهية) هذه هي خلاصة معاني العرش عند المهندس!! فهل في لسان العرب ما يحتمل هذه التحريفات كلها؟!

    إن المعنى الوحيد الذي استطاع المهندس أن يأتي به، هو أن ينقل (قول القاموس المحيط "العرش: عرش الله تعالى، ولايحد.... والعز، وقوام الأمر؟؟" )اهـ، فحتى لو سلمت له بهذا المعنى، فهذا لا يعطيه الحق أن يجعل العرش مجموع الصفات، وحيث لم يجز له أن يجعل العرش مجموع الصفات، إلا أن يفتري على لغة العرب وعلى القاموس المحيط كذلك، فإنه لن يستطيع فهم كون الكرسي في العرش كحلقةٍ في فلاة، على أن العلم في مجموع الصفات كحلقةٍ في فلاة، محاولًا الخروج من دلالة الحديث على أن الكرسي والعرش مخلوقان كالسماوات السبع، ولكن المهندس ينظر في القاموس المحيط ويجد كلمة "العز" فيعتبر ذلك خطًّا أخضر يخوله بجعل العرش أيّ شيءٍ يريد من كذا وكذا وكذا و ... إلخ! وسوف يأتي في نهاية الرد ما أوردناه على المهندس من إلزاماتٍ ولم يرد عليها بشيء!

    ويذكرني فعل المهندس في لجوئه إلى القاموس المحيط، يحسب نفسه بذلك باحثًا في لسان العرب!! بغلامٍ نظر في "المعجم الوجيز" فرأى أنه يجعل معنى "الرحمن على العرش استوى" أي "استولى"، فظن هذا الغلام أنّه بذلك قد فضّ النزاع، وأتى بما لم تقف عليه الأوائل، وأنه قضى على ما سطره الأوائل في شأن "استوى بشرٌ على العراق"، والمساجلات التي دارت في ذلك، فقد وجد بغيتَه في كلمتين من "المعجم الوجيز"، وهو بذلك قد اكتشف لسان العرب، والمهندس ينظر في القاموس المحيط الذي كتبه صاحبُه بعد الهجرة بقرونٍ عديدة، فينقل منه كلمتين، فيظن أنّه بذلك قد أقام الحجة من لسان العرب!! وفوق ذلك فهو لا يكتفي بالكلمتين الواردتين في القاموس المحيط، بل يتجاوزهما إلى معانٍ لم ترد في شيءٍ عند العرب، فيحرف الكلم إلى معانٍ لم تعرفها العرب، حتى يجعل "عرشه على الماء" تعني أنّه عمد إلى خلق الأحياء!!!

    إنّه لا يعرف مذهبنا ولا يعرف مذهبه أصلًا! فهو يقول (ولو قلت لهم الغضب ليس صفة الله الذاتية .. اتهموني بالبدعة والمين)، وهل نحن نقول إن الغضب صفة ذاتية؟! يقول في "كرامات الصادقين" فيما نقله المهندس نفسه (وأما صفة الغضب فليست ذاتية لله تعالى، بل هي ناشئة من عدم قابلية بعض الأعيان للكمال المطلق)، فهو يجعل الغضب ليس صفة ذات، ولكنها صفة فعل، فالغضب يكون على من لم يقبلوا الكمال المطلق، ونحن نقول إن الغضب "صفة فعلية خبرية"، فالمهندس بعد أن كان ينزه الله عن وصف الواصفين بإطلاق، وبينتُ له خطأ ذلك وألزمته بما في كتب جماعته فأقر به، وهاهو يعود فيبين أنه لا يعرف مذهبَه نفسه فضلًا عن أن يعرف مذهبنا .. وعليه فلا تعجب إن كان المهندس لم يقرأ كلام الميرزا أن الطاعون دخل بيته وأصاب زوجته الكبرى وأخرجها من بيته، فهذه ديدنه لم يخرج عنه!

    ويقول (ولو قلت لهم .. تعالى الله عن الساق وقدمين، اتهموني بالبدعة والمين)، وقد سألتُه عدة أسئلة بخصوص هذه الجملة فقلتُ: "هل إثبات قدمين لله من المستحيل عقلًا؟! أليست المسألة توقيفية لا علم لنا بها إلا من جهة النص؟! هل ترفض إثبات قدمين لله حتى لو أثبتهم الله لذاته؟!" " أيمتنع أن يكون له قدم تناسب ذاته تستحق من صفات الكمال ما تستحق الذات؟!" " و هل تقول باستحالة إثبات القدم لله حتى لو أثبتها الله لذاته؟ (نعم – لا )" فما أجاب المهندس على أي سؤالٍ من هذه الأسئلة في رسالته الأخيرة التي زعم أنها الضربة القاضية!؟ فعلام يدل ذلك أيها القارئ المنصف!؟

    ونحن دائمًا ما ننصح المبتدئين الذين ليس لهم قدمٌ راسخةٌ في العلم الشرعي، ألّا يتصدروا لمجادلة الضالين لأنّ التزبب قبل التحصرم عاقبته الانفلات والزلل، ونحن نرى ثمرةَ مخالفةِ هذه النصيحة في المهندس، فهاهو يقرأ في كلام المنصرين، وآلته من العلم الشرعي ضعيفة – للتفصيل انظر الردود السابقة! – فيقع في الزلل والانفلات، فخوفًا من المنصرين يحرف كلام الله وينفي الحقائق الثابتة!

    فانظر إليه يقول (لا فائدة منها للإسلام غير أنها تشدد عزم المنصرين)، ويقول (ولكن المنصرين يساعدون قولهم بكثرة المعجزات)، ويقول (ليقربوه غافلين من دعاوي المنصرين)، بل هو يتخيل مجرد تخيل أنّ النصراني، فيقول (وإذن يقول عدو الإسلام ...)، ومادام سيقول فيلجأ خوفًا وفرَقًا للتحريف، وإنْ سألته لماذا لم تنفِ ولادة المسيح عليه السلام من غير والدٍ، والأمر كما قال الشيخ الغزالي عفا الله عنا وعنه (ولادة عيسى على هذا النحو كانت هي السبب في وجود عقيدةٍ أخرى، فقد قال بعض الناس: صحيحٌ أنه ليس له أبٌ من البشر، وإنما أبوه هو الله نفسه سبحانه وتعالى!)، فلماذا تصر على نفي نزول المسيح عليه السلام آخر الزمان كما ثبت في الكتاب والسنة، ولا تنفي ولادته الإعجازية وهذا ليس بعصيٍّ على مهاراتك في التأويل والتحريف؟!! فهذه الولادة الإعجازية بزعمك وعلى منهجك معجزةٌ تشدد عزم المنصرين وتساعد قولهم، لم يرد ولم يجب، أهي الأهواء والميول الفاسدة والكيل بمكيالين أم هو الباطل يتناقض في ذاته أم هو الضعيف يتصدر للمناظرة فيقع في هذه الأخطاء الفاحشة أم هو كل ذلك!؟

    والعجيب أن المهندس يريد تأويل رفع المسيح بجسده وروحه، رغم أنّ النصارى يخالفوننا في ذلك ويعتقدون بصلبه وموته، ولا يحاول أن يؤول الولادة الإعجازية رغم أن النصارى لا يخالفون في ذلك، فتأمل هذا التناقض الغريب، يخاف من المنصرين فيؤول ما يخالفون فيه، ولا يؤول ما يوافقون عليه .. هكذا تفعل الأهواء بأصحابها!

    عمومًا .. نحن نقول إن كنتم تخافون من المنصرين، ولا تقدرون عليهم إلا بتحريف النصوص، ونفي المعاني التي وردت في الكتاب والسنة، فدعُوهم لأهل السنة والجماعة، أهل الحديث والأثر، فإنهم يثبتون ما جاء في الكتاب والسنة دون تأويلٍ وليٍّ لأعناق النصوص، وفي نفس الوقت يفحمون النصارى، وينسفون أصولهم ومعتقداتهم، وما رفع نصرانيٌّ معنا رأسًا، ولا أظهر قولًا، ولا أعجز خصمًا، وما ناظرونا إلا دُحضوا، ومن أنصف منهم أسلم، وقد كنا كذلك قبل أن يأتي الميرزا، وسنظل كذلك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فحجة الله قائمةٌ على مر العصور، ولم نكن في انتظار الميرزا ليبطل النصرانية فهي باطلةٌ من قبله يا عقلاء!

    ويجعل المهندس الدجالَ هو هجمة التنصير، ويجعل الميرزا هو المسيح الذي قتل هذا الدجال، فيقول (أرسل الله من يفضحه ويعريه، ويرد عليه ويخزيه، وينشر على العالمين ردودا؟ ترد على من يصد عن الإسلام صدودا)اهـ، فهل كان التنصير قبل نزول الميرزا غير مفضوحٍ ولا عارٍ؟! هل رُفع عن أهل الباطل الخزي حتى جاء الميرزا؟! هل ضعف المسلمون عن الرد على المنصِّرين حتى جاء الميرزا؟! هل عجز الإسلام عن الصد عن نفسه حتى جاء الميرزا؟!! أليس هناك من عقلٍ يزع المهندس عن هذا الفهم الباطل الذي مؤداه أن الإسلام كان مهزومًا وأن التنصير كان منصورًا قرونًا عديدة حتى جاء الميرزا؟! أليس هناك من دينٍ يردع المهندس فيفهم أن طائفة الحق لا تزول من الأرض أبدًا؟! ألا قرأ المهندس كتاب الله تعالى ليعلم أنّ الكفار أصابهم اليأس، وقد بقي أهل الحق لا يخشونهم ولا يحرفون النصوص خوفًا من اشتداد عزمهم، ألا قرأتم قول الله تعالى بقلوب ملؤها الشكر والحمد (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)؟!

    ولا أدري هل تسعف المهندس مهارتُه في ليّ أعناق النصوص، ليفسر الدجال بأنه هجمة التنصير!! وقد صح في الأحاديث (إن الدجال أعور العين الشمال عليها ظفرةٌ غليظةٌ، مكتوبٌ بين عينيه: كافر) فهل التنصير أعور العين الشمال؟! ربما!! وفي الحديث (إن المسيح الدجال رجلٌ قصيرٌ أفحج جعد مطموس العين ليست بناتئةٍ ولا جحراء)، فهل التنصير أو التغريب رجل قصيرٌ في رجله اعوجاج!! ربما!! وفي الحديث (إنه شاب قطط عينه طافئة كأني أشبهه بعبد العزى بن قطن) فهل التنصير أو التغريب شاب يشبه عبد العزى بن قطن؟!! ربما!! وفي الحديث (لا يدخل الدجال مكة ولا المدينة)، فهل التنصير لم يدخل مكة ولا المدينة من وسائل الإعلام!؟! ففتنة المسيح الدجال من أشد الفتن كما جاء في الأحاديث، وقد حذر منها جميع الأنبياء، ومن أنكر ذلك فليس معه شيء إلا التحكم المحض، ورد الأحاديث الصحيحة من غير دليل.

    وكما كانت ولادة المسيح من غير والد ولادة إعجازية، فتنة لمن جعلوه إلهًا، فكذلك ما يأتي به الدجال، فتنة حذرنا منها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحذر منها جميع الأنبياء، فعندما يأتينا يزداد المؤمنون تصديقًا بخبر الرسول الكريم، كما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذا الشاب ( فيتوجه قِبله – أي قبل الدجال - رجلٌ من المؤمنين، ممتليءٌ شبابًا، هو يومئذٍ خير الناس أو من خيرهم، فتلقاه المسالح - مسالح الدجال - فيقولون له: أين تعمد؟ فيقول: أعمد إلى هذا الذي خرج، قال: فيقولون له: أو ما تؤمن بربنا؟ فيقول: ما بربنا خفاء، فيقولون: اقتلوه، فيقول بعضهم لبعض: أليس قد نهاكم ربكم أن تقتلوا أحدًا دونه؟، فينطلقون به إلى الدجال فإذا رآه المؤمن قال: يا أيها الناس أشهد أن هذا الدجال الذي حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثه، قال: فيأمر الدجال به فيشبح، فيقول: خذوه وشبحوه! فيوسع ظهره وبطنه ضربًا، قال: فيقول: أو ما تؤمن بي؟ قال: فيقول: أنت المسيح الكذاب، فيقول الدجال: أرأيتم إن قتلت هذا ثم أحييته أتشكون في الأمر؟ فيقولون: لا، قال: فيؤمر به فيؤشر المئشار من مفرقه حتى يفرق بين رجليه فيقتله، قال: ثم يمشي الدجال بين القطعتين ثم يقول له: قم، فيستوي قائمًا قال : ثم يدعوه فيقبل ويتهلل وجهه ويضحك، ثم يقول له: أتؤمن بي؟ فيقول: والله ما ازددت فيك إلا بصيرة، قال: ثم يقول: يا أيها الناس إنه لا يفعل بعدي بأحدٍ من الناس، قال: فيأخذه الدجال ليذبحه فيجعل ما بين رقبته إلى ترقوته نحاسا فلا يستطيع إليه سبيلًا، قال: فيأخذ بيديه ورجليه فيقذف به فيحسب الناس أنما قذفه إلى النار وإنما ألقي في الجنة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا أعظم الناس شهادة عند رب العالمين)، فهذه هي الحالة الوحيدة التي يفعل فيها الدجال ذلك، وهي كما ترى فيها بيان عجزه، أمام هذا الشاب المؤمن الذي تحداه، وأخبره أنه يعرف صفته، نعوذ بالله تعالى من فتنة القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال!

    ويحاول المهندس التمويه فيقول (جادل رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد نجران بأن عيسى قد أتى عليه الفناء)، وأنا أتحدى المهندس تحديًا مفتوحًا أن يأتي بنصٍّ صحيحٍ صريحٍ فيه أن المسيح عيسى عليه السلام قد مات، وقد قال تعالى (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ)، وصح عن ابن عباس وأبي هريرة رضي الله عنهما أن "موته" أي موت عيسى عليه السلام، وأنّ هذا يكون في نزوله آخر الزمان، هذا هو الفهم الذي صح عن الصحابة عليهم الرضوان، وقد أتى المهندس في الرد على هذا بما لا يقع فيه من درسَ أصول التفسير أدنى دراسةٍ منهجية، فبينتُ له ذلك في الرد الخامس، وكالعادة لم يرد المهندس في "ضربته القاضية" بشيء!!

    وفي محاولة أخرى للتمويه يقول المهندس (حتى أنهم يتمسكون بالمعراج والإسراء الجسدي، خدمة لصعود البشر بالجسد للسماء خدمة لصعود جسد عيسى خدمة لنزوله الحرفي)اهـ، فهب أننا قلنا إن المعراج كان بالروح، رغم أن المشركين لم يكونوا ليعترضوا على معراجٍ بالروح، لكن لنسلم لك جدلًا أن المعراج كان بالروح، فإن معراج النبي صلى الله عليه وسلم بالروح، لا يمنع رفع المسيح عليه السلام ونزوله آخر الزمان، وأنت لم تقدم دليلًا على منع رفع المسيح ونزوله آخر الزمان إلا الأوهام التي لا تثبت أمام الدليل!

    ويقول المهندس في فهم الصحابة لمعنى النزول (النزول القرآني فيه خلق وإيجاد و لا يشترط النزول المادي من السماوات .... ولا يصعب عليهم أن يدركوا نزول عيسى من نفس النوع)اهـ، والمهندس في موقفٍ لا يُحسد عليه في الحقيقة، فملكاته في ليّ أعناق النصوص لا تسعفه في شيء، ولعله يفكر في مغبة هذا الحوار الذي كُسرت فيه القاديانية كسرًا لا التئام بعده، فيندم على اشتراكه فيه ابتداءً، فحتى لو قلتَ إن نزول عيسى عليه السلام يكون بخلقه وإيجاده، فماذا ستفعل في كون الأحاديث تذكر "عيسى بن مريم" عليه السلام؟؟ كيف ستجعل "عيسى بن مريم" تساوي "الميرزا"!!!؟ ومهما فعلتَ فأنت لن تستطيع أن تثبت شيئًا من عقيدتك، ولم تستطع ذلك إلا ما وافقتَ فيه عقيدة أهل السنة والجماعة أهل الحديث والأثر، فيثبت من جهتنا لا من جهتك، وقد قلتُ لك قبل ذلك (، فما هي الغاية من استشهادك بـــ (1- مسألة العرش)؟ غايتك هي تأويل (2- صفة العلو) لتبرر به تأويلك (3- لرفع المسيح) الذي ترى أنه ينفي (4-عودة المسيح)، والحقيقة أن التسليم الجدلي بـ(1) لا يفيد (2)، والتسليم بـ(2) لا يفيد (3) والتسليم بــ(3) لا يفيد (4)).

    وعلى وزن أن عيسى ليس في السماء لأنه لا يؤدي الزكاة، يقول المهندس (بدليل أنه لم يخطر على بال سيدنا عمر رضي الله عنه أن هناك عيسى صلى الله عليه وسلم نازلا من سماء فوق رءوسنا عندما أذهله خبر موت النبي ... بل نسب إليه ما في خلفيته الذهنية وهو مثل موسى، رحلة أرضية لو جازت، وعودة على سطح الأرض لو أتيحت)اهـ بنصه، فمادام عمر رضي الله عنه، في اللحظة التي أذهله فيها الخبر لم يذكر رفع المسيح عليه السلام إلى السماء، فإذن المسيح لم يرفع ولن ينزل آخر الزمان!! يا له من استدلالٍ منطقيّ قوي! وعليه نقول إنّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يهاجر من مكة إلى المدينة، ولا أُسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، لأنه لو كان كذلك لما لجأ عمر رضي الله عنه إلى "رحلة" موسى وترك "رحلة" الرسول صلى الله عليه وسلم!! إنه بالفعل موقفٌ لا تُحسد عليه!

    قال المهندس في رده الخامس (ورغم إطباق القواميس على أن الكشف عن ساق هو مفاجآت الله بالشدة والهول الذي ادخره الله للضالين)اهـ، وهذا الذي زعمه من إطباق القواميس، يكفي في نقضه أنّ نبين استعمال لفظ الكشف عن الساق بمعناه الحقيقي عند العرب، فمجرد ورود هذا الاستعمال يكفي لنقض ما زعمه المهندس من إطباق القواميس، فكان ردي عليه (وملكة سبأ لما قيل فيها "وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا " لم يخالف ذلك اللغة، والكشف عن الساق في اللغة هو معنى الحقيقة التي اشتق منها المعنى المجازي كما ذُكر في القواميس، فليست القواميس مطبقةٌ على نفى الساق)اهـ، فهل ترى أيها القارئ المنصف أني في هذا قد أسأت أو أخطأت؟! فانظر إلى المهندس كيف عقّب على ذلك بقوله (هل تحقر من شأن لسان العرب والقاموس المحيط عندما ينصان أن كشف الساق هو شدة الأمر وهوله ؟؟)، فهل هذا المهندس يفهم ما يَكتُب وما نردُّ به عليه أم هو لا يسعى إلا إلى دغدغة عواطف القارئ ضعيف الفهم!؟!

    ويقول (وقالوا: ولكن لكشف الساق معان أخرى، مثل كشف الملكة عن ساقيها، واختاروا لله هذا المعنى وموهوا عليك بقولهم: من غير كيف ولاتشبيه. فيؤثرون هذا المعنى لله لأنه ورد، (تأمل : لأنه ورد ) مع أنه عن مخلوق قد ورد)اهـ، فهل نحن أثبتنا الساق لمجرد أنّ المعنى ورد، أما ذكرنا ورود المعنى في مقابل ادعاء المهندس أنّ القواميس مطبقة!؟ وأما الدليل في إثبات الساق فهو الأحاديث الصحيحة (يكشف ربنا عن ساقه فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة)، والحديث الصحيح (فيكشف لهم عن ساقه فيقعون سجودًا)، والله تعالى لن يكشف للمؤمنين عن الهول!! فنحن نثبت لله تعالى صفة الساق من غير تكييف – ولم أقل من غير كيف، وبينهما فرق لا يعرفه المهندس- ولا تمثيل ولا تعطيل!

    ويقول المهندس (وعبثوا حتى بمفهوم (الخلو) ليكون (المضي))اهـ، وقد رددتُ عليه قبل ذلك بقولي ( تستدل بالآية الكريمة (قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ) وهذه مقابلة لنصوص مخصوصة في عيسى عليه السلام بنص عام، فنحن نقول بتخصيص عيسى عليه السلام من ذلك الحكم وذلك جمعًا بين الأدلة، كما نقول إن قوله تعالى (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى) – والآية فيها قولان والاستدلال كما هو عليك - لا يمنع أنّ يكون آدم خُلق من غير ذكر وأنثى، وحواء خلقت من ضلع ذكر دون أنثى، جمعًا بين الأدلة وإعمالًا لها كلها، وهذا ديدن أهل العلم ولا إشكال فيه (1)، والمقصود من الآية أن مجموع الرسل قد خلا وذهب، وليس الأمر بانتقال لأول حركةٍ لا تنطبق!! (2)، وكلمة "خلت" على الراجح تعني مضت، كما قال تعالى "وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ المثلات" وقال تعالى "وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ"، وقال تعالى " سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ"، ونحن نقول إن الرسل كلهم مضوا عن قومهم، ونثبت عودة المسيح بالأدلة الصحيحة(3)، فالحاصل أنك تستدل بعموم في مقابل خصوص.)اهـ، فما ردّ عليّ شيئًا في ضربته القاضية!! واكتفى بالسب ووصفي بالعبث، والسب لا يعجز عنه أحد، بل يتقنه الذين يدمنون كتب الأرصفة!

    يعجب المهندس من أننا نفسر قول عيسى عليه السلام "توفيتني" بالأخذ روحًا وجسدًا، فيقول (فلما توفيتني = فلما أخذتني كلي جسدا وروحا)اهـ، وقد رددتُ عليه بمذهب أهل الأصول جميعًا، وأنّ جميع المذاهب في الحقيقة اللغوية والعرفية لمعنى التوفي لا يلزم منها نفي رفع المسيح ولا القول بموته ولا منع نزوله آخر الزمان، فقلتُ فيما لم يرد عليه المهندس في "ضربته القاضية!" (الحقيقة اللغوية للتوفي كما سبق هي أخذ الشيء كاملًا غير ناقص، والحقيقة العرفية خصصت التوفي بقبض الروح دون الجسد، ويشترك في هذه الحقيقة العرفية الموت والنوم، والأصوليون لهم في ذلك مذاهب ثلاثةٌ فيما دار بين حقيقةٍ لغويةٍ وحقيقةٍ عرفية، فالمذهب الأول هو تقديم الحقيقة اللغوية وهي التوفي الذي يعني القبض تمامًا روحًا وجسدًا، وهذا هو قولنا لا إشكال فيه، والمذهب الثاني هو تقديم الحقيقة العرفية، فإن النوم والموت مشتركان في الحقيقة العرفية للفظ "التوفي"، ونحن لا نمنع حمله على النوم وهو داخل في الحقيقة العرفية، كما أنّ ورود الدليل الصارف عن إرادة الحقيقة العرفية، يوجب تقديم الحقيقة اللغوية باتفاق، وقد وردت الأحاديث الصحيحة بنزول عيسى عليه السلام آخر الزمان، أما المذهب الثالث وهو مذهب السبكي ومن وافقه أنّ اللفظ يوصف بالإجمال لاحتمال العرفية واحتمال اللغوية، وعلى هذا القول فالمقرر في الأصول أنّ المجمل لا يُحمل على أحد معانيه إلا بدليلٍ منفصل، وقد دل الكتاب والأحاديث الصحيحة وآثار الصحابة أنّ المسيح لم يمت وأنه حيّ وأنه ينزل آخر الزمان ... فهكذا بأي قول من أقوال الأصوليين أخذت فاللازم أنّ "متوفيك" لا تعني موت المسيح عليه السلام ولا تنفي رفعه إلى السماء ولا نزوله آخر الزمان كما ثبت بالأحاديث الصحيحة.) اهـ بنصه الذي لم يرد عليه المهندس!

    ويقول المهندس (فالسماء الفلكية عندهم الآن هي الطريق الوحيد لحياة عيسى وتفسر معنى الرفع إليه)اهـ، وقد سبق الرد على هذا في الرسالة السابقة بقولي (تعلم بصفتك مهندسًا أنه لا يجوز تقييم أي حلٍّ دون المعرفة الكافية للهدف المراد تحقيقه، وعليه فقولك "الشيء الذي قد يجد ليجعل الرفع للسماء منطقيا نوعا هو أن سيدنا عيسى لا مجال أمامه للنجاة في أي بقعة من الأرض"اهـ، ففي شرطك هذا خلل منطقي مزدوج: لأنه حتى إن كانت الهجرة إلى الضفة المقابلة من الوادي، فسيبقى نفس السؤال عن قدرة الله حفظ العبد في الضفة الأولى، ولو التزمت بشرطك السابق لأنكرت هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم بحجة أن الله قادرٌ على حفظه في مكة، ولأنكرت هجرة موسى بحجة أن الله قادرٌ على حفظه في مصر، أما تساؤلك عن قدرة اليهود التحكم في كل الأرض سبقه افتراضٌ منك أن نجاة الجسد هي الغاية الوحيدة، وهذا بالطبع غير صحيح! فكما أن الخروج الذي أنقذ موسى هو جزء من رحلة عاد بعدها إلى مصر برسالة من الله، كذلك الرفع الذي أنقذ جسد المسيح هو جزء من رحلة لها غايات أخرى، الفرق الوحيد هو أن هجرة المسيح لم تكن إلى مكان بل هي هجرة إلى زمن سيعود فيه ليكسر الصليب ويقتل الخنزير وليتبرأ من الذين عبدوه في غيابه)اهـ.

    يقول صلى الله عليه وسلم (سبحان الله عدد خلقه ورضاء نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته)، يقول المهندس (يستسلمون للفكر في العدد والوزن الهائل والمدادى المادي)اهـ، فالرسول يقول "عدد" والمهندس يرفض الاستسلام للفكر في "العدد"، والرسول يقول "زنة" والمهندس يرفض الفكر في "الزنة"، يرفض أن يتفكر المؤمن في عددٍ تحار فيه الفهوم، وزنةٍ تعجز عن تصورها العقول، وكلماتٍ لا تنفد، ورضا هو غاية المنى والمطلب، فيخشع المؤمن لله ويخضع، المهندس يرفض الاستسلام للفكر في العدد والزنة، وكأن الرسول صلى الله عليه وسلم تكلم بما ظاهره فيه تلبيس على الناس فقال "عدد" و "زنة"!!


    ذكرتُ أن الكرسي المخلوق الذي يسع السماوات والأرض، الذي تتوه في تصوره عقول البشر، فكيف لو كان هذا الكرسي المخلوق في العرش المخلوق كحلقة في فلاة؟! فلا تحيط العقول بسعة وكمال وتمام ملك الله، كما لم تحط بشيءٍ من علمه، فنحن نثبت لله من خلال آية الكرسي تمام الملك والعلم والقيومية، ولذا فلا معنى لتمويه المهندس بسؤال (فلماذا ضنوا على الله بمعنى العلم؟) لأننا نثبت لله تعالى صفة العلم، ونفسر الكرسي الوارد في آية الكرسي بما ثبت في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي الأثر الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنه، ثم يأتي المهندس ليقول (كيف لأعظم آية أن تؤجل ذكر سعة العرش لمقام آخر وهي في أعظم مقام لبيان العظمة؟؟؟) أيتوجه هذا السؤال لي أم لك!!؟ عجبًا!! إنّ الذي يجعل العرش هو مجموع الصفات التنزيهية هو الذي يطالب بجواب هذا السؤال لا نحن، لماذا لم تأتِ أعظم آية في القرآن على ذلك العرش الذي جعلتموه مجموع الصفات التنزيهية!!؟

    أليس من البلوى بأنّك جاهلٌ *** وأنك لا تدري بأنك لا تدري؟!


    يحسب المهندس أننا نعتمد (تضعيفا لهوى في نفوسهم)، ويقول (ويشغلون عليه من آلات التضعيف مايناسب المقام)، أو أننا (من خجلهم اليوم يتخلصون من روايات الأطيط)، ويقول (وكلما أتاكم بقول صحابي قلتم معلق، أو مرجوح)اهـ، وكأننا كنّا نقول بصحة هذه الأحاديث حتى إذا جاء الميرزا قلنا بضعفها!! وأنا أعذر المهندس حقيقةً لأنّه مشغول بكتب الأرصفة، ووقته لا يسمح بقراءة كتب الجرح والتعديل، أو أقوال علماء الحديث منذ القدم! ولعلي أسديه جميلًا أن أبين له شيئًا عن ذلك في هذه الرسالة، حتى لا نأخذه من القراءة في كتب الأرصفة وكلام غلمان الانترنت المتحدثين عن المقاسات التي احتج هو بها!

    عندما يقول الألباني رحمه الله في حديث الأوعال، أن في إسناده (عبد الله بن عميرة لم تثبت عدالته ، فقال الذهبي في "كتاب العلو" عقب الحديث: "تفرد به سماك بن حرب عن عبد الله ، و عبد الله فيه جهالة"، وقال في ترجمة ابن عميرة من "الميزان": "فيه جهالة ، قال البخاري : لا يعرف له سماع من أحنف بن قيس"، و البخاري بقوله هذا كأنه يشير إلى جهالته ، و كذلك مسلم ، فقال في "الوحدان": " تفرد سماك بالرواية عنه"، وصرح بذلك إبراهيم الحربي فقال: "لا أعرفه") اهـ مختصرًا، فهل الذهبي والبخاري ومسلم وإبراهيم الحربي قالوا في ابن عميرة ذلك أم أن كتبهم قد حرّفها الشريرون لما علموا أن مهندسًا سيتكلم في ثبوت الحديث من عدمه!؟! وكيف يمكن إقناع إنسانٍ عنده خللٌ في قبول طرق الإقناع نفسها، سواءً في الرواية أو في الدراية؟! والخلاف بين أهل العلم على طريقة المحدثين في صحة الحديث مشهور، فمنهم من صححه ومنهم من ضعفه .. فمن أراد النقاش على طريقة أهل العلم لا بالهوى فمرحبا!

    قلتُ في حديثي الأطيط أنهما ضعيفان، فأحدهما فيه (عبد الله بن خليفة)، والثاني فيه (ابن إسحاق)، أما الأول فقال فيه ابن حجر في لسان الميزان "لا يكاد يعرف"، أما تدليس ابن إسحاق فهو أشهر من أن يذكر به، بل هو مثال المدلسين الذي يعرفه المبتدئون في دراسة علم المصطلح، فهل نحن حرّفنا كتب الجرح والتعديل كلها لنضعف الحديثين؟! أو كان ابن حجر رحمه الله يعلم أني سأحاورك فجعل "ابن خليفة" "لا يكاد يعرف"؟!! الحقيقة أنني إذ أذكر كلام أهل العلم في تصحيح أو تضعيف الأحاديث، فإني أبين سبب الضعف ولا أسوق الحكم خاليًا عن البيان، لكن الآفة أن المهندس لا يعرف شيئًا من مصطلح الحديث، ولا يعرف معنى التدليس، ولا معنى أنّ المدلس لا تقبل روايته إذا عنعن، ولا الفرق بين مجهول العين ومجهول الحال، فيظن أننا نضعف بالهوى، ويرحم الله من قال:
    وما الداء إلا أن تعلّم جاهلاً *** ويزعم جهلاً أنه منك أعلمُ!

    هذا .. ما اسمه؟؟
    هذا اسمه كذب وتدليس وتمويه على ابن القيم والزبيدي والغزالي وسيد قطب وشلتوت ورشيد رضا وأحمد شلبي رحمهم الله!


    أقدم المهندس قبل ذلك على نسبة حديثٍ عن العرش وضعه البخاري في باب "وهو العزيز الحكيم"، وقد بينتُ له أن هذا غير صحيحٍ فاعتذر مشكورًا عن هذا الخطأ، وهاهو الآن يقول إن ابن القيم رحمه الله ينفي رفع المسيح إلى السماء وهو ابن ثلاثة وثلاثين في زاد المعاد، ليوهم القارئ أنّ ابن القيم رحمه الله يقول بنفي رفع المسيح إلى السماء!! ثم يقول متظرِّفًا (راجع سيرة النبي في زاد المعاد ، ولعلهم لم يطبعوا طبعة جديدة أو نسخة للتحميل منزوع منها هذا النص)اهـ، بينما ابن القيم يتكلم عن السن لا الرفع، فهاهو نص كلام ابن القيم رحمه الله في فصل عن "مبعثه صلى الله عليه وسلم وأول ما نزل عليه" يقول (بعثه الله على رأس أربعين وهي سن الكمال، قيل: ولها تُبعث الرسل، وأما ما يذكر عن المسيح أنّه رُفع إلى السماء وله ثلاث وثلاثون سنة، فهذا لا يعرف له أثر متصل يجب المصير إليه) "زاد المعاد : 1/ 37 – طبعة دار أبي بكر الصديق" اهـ، فابن القيم رحمه الله يتكلم عن السن وأنّ الأربعين هي سن الكمال، وهل يظن أحدٌ عرف شيئًا عن ابن القيم أنّه يقول بمثل قول المهندس؟!!

    يقول ابن القيم رحمه الله (المعطلة الذين قالوا ما فوق العرش إلا العدم، وليس فوق العرش ربٌّ يعبد، ولا إلهٌ يصلى له ويسجد، ولا ترتفع الأيدي إليه، ولا رُفع المسيح إليه، ولا تعرج الملائكة والروح إليه، ولا أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم إليه) إلى قوله في وصفه تعالى أنه (ليس في مخلوقاته شيءٌ من ذاته، ولا في ذاته شيءٌ من مخلوقاته، بل هو بائنٌ من خلقه، مستوٍ على عرشه، عالٍ على كل شيء، وفوق كل شيء) "مدارج السالكين: 1/ 141 – طبعة دار المنار".

    قال ابن القيم رحمه الله: (ولم يزل أمر اليهود بعد تكذيبهم بالمسيح، وكفرهم به في سفالٍ ونقص، إلى أن قطّعهم الله تعالى في الأرض أممًا، ومزّقهم كل ممزق، وسلبهم عزهم وملكهم، فلم يقم لهم بعد ذلك ملكٌ إلى أن بعث الله محمدًا صلى الله عليه وسلم فكفروا به وكذبوه، فأتم عليهم غضبه ودمرهم غاية التدمير، وألزمهم ذلًّا وصغارًا لا يرفع عنهم، إلى أن ينزل أخوه المسيح من السماء، فيستأصل شأفتهم، ويطهر الأرض منهم، ومن عباد الصليب) "إغاثة اللهفان في مصائد الشيطان: 721 – طبعة دار ابن رجب".

    ولا تعجب أيها القارئ من عدم فهم المهندس لكلام ابن القيم أنه عن السن لا الرفع إلى السماء، فليست تلك بأعجب شيءٍ منه في فهم ما يقرأ، فإن المهندس حين قرأ قول صاحب تاج العروس (ومن المجاز : أدركته الوفاة)، فهم أن المقصود أن المجاز في "أدركته"، وكأنّ الزبيدي أورد في كلامه عن الوفاة استعمالًا مجازيًّا لـ "أدركته" لينبه عليه، ولما جئته بكلام الزمخشري في أساس البلاغة (ومن المجاز: أوفى على المائة إذا زاد عليها، ووافيت العام: حججت، وتوفّي فلان، وتوفّاه الله تعالى، وأدركته الوفاة)اهـ، لم يرد عليّ، ورغم أنه - كما ترى - لم يرد على شيء، فإنه يرى في رسالته الأخيرة ضربةً قاضية!

    وبعد أن يغلط المهندس على البخاري وابن القيم والزبيدي، هاهو يغلط على سيد قطب رحمه الله فيقول (ولا بتفسير المفسر الإسلامي سيد قطب وهو يقرر موت عيسى عليه السلام في تفسير سورة مريم)اهـ، والذي قاله سيد قطب هو (النص صريحٌ هنا في موت عيسى وبعثه، وهو لا يحتمل تأويلاً في هذه الحقيقة ولا جدالاً)اهـ، ونحن – كما ذكرتُ مرارًا – نقول إن عيسى عليه السلام يموت بعد أن ينزل آخر الزمان، وسيد قطب يتوقف في مسألة رفع المسيح إلى السماء، ويعتبرها من المتشابهات، وهو مخطئٌ في هذا لأن الأحاديث الصحيحة قاضيةٌ في المسألة، وسيد قطب نفسه يقول في تفسيره (ولا يدلي القرآن بتفصيل في هذا الرفع أكان بالجسد والروح في حالة الحياة؟ أم كان بالروح بعد الوفاة؟)، فهو كما ترى متوقف في المسألة، بينما المهندس لا يفهم ما يقرأ، فهل المهندس بحاجة إلى من يشرح له ما يقرأ في كل مرة؟!

    يصر المهندس إصرارًا عجيبًا على التشابه بين ولادة ووفاة عيسى ويحيى عليهما السلام، رغم أنه يقر أن وفاة الثاني كانت قتلًا والأول لم يُقتل، وقد وجهتُ له عدة أسئلة في هذا الفهم العجيب، لم يجب عنها المهندس في "ضربته القاضية!"، وكان من هذه الأسئلة سؤالٌ عن سلفٍ للمهندس في ادعاء التشابه هذا، فقال المهندس (والشيخ محمد الغزالي ينص في التفسير الموضوعي على التشابه بين حالتي يحيى وعيسى، ويقرر موت عيسى آخذا برأي الفقهاء الظاهريين، وهكذا يتم التشابه المتين)اهـ، وهذا كذبٌ على الشيخ محمد الغزالي رحمه الله، وتدليس على القارئ والمتابع للحوار!

    يقول المهندس (والشيخ محمد الغزالي ينص في التفسير الموضوعي على التشابه بين حالتي يحيى وعيسى)اهـ، والشيخ الغزالي لم يقل بالتشابه بين "حالتي" يحيى وعيسى كما يزعم المهندس، بل يقول الشيخ في تفسير سورة مريم (وقد تحدثت عن ولادة عيسى بن مريم، وكشفت عن الإعجاز الإلهي في تكوين هذا النبي الكريم، لكنها جعلت هذا الإعجاز بين يدي قصة زكريا وابنه يحيى، لأن ولادة يحيى كانت هي الأخرى معجزة، فقد كان الوالد شيخًا وهن عظمة، وكانت الوالدة عجوزًا عقيمًا، ومن بالولد، إنه جل شأنه الذي فعل ذلك، فليس يعجزه أن يجعل البكر تنجب دون أن يمسها أحد) اهـ، فكما ترى أيها القارئ المنصف أنّ المهندس كذب على الشيخ الغزالي، فالشيخ لم يذكر تشابهًا في الولادة ولا في الوفاة فضلًا عن تشابه بين الحالين!!

    ويقول المهندس (والشيخ محمد الغزالي .... يقرر موت عيسى آخذا برأي الفقهاء الظاهريين)اهـ، بينما تمام كلام الشيخ الغزالي في تفسير سورة آل عمران (ومع أنّ كثيرًا من الناس يرون أن عيسى قد رُفع حيًّا، إلا أني أميل إلى رأي الفقهاء الظاهريين، أنه مات كغيره من الناس الذين تدركهم منيتهم، وإن كان موته الطبيعي لا يمنع أن يعود مرةً أخرى إلى دنيا الناس - كما يقول ابن حزم – لينضم إلى المسلمين في تقرير وحدانية الله، ويدعم صفوفهم وهم يقاتلون أعداء الله، مثله في ذلك مثل صاحب القرية الذي قال "أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عامٍ ثم بعثه" أو مثل أصحاب الكهف الذين رقدوا قرونًا ثم عادوا إلى الحياة، والخطب سهل والخلاف قريب)اهـ، فكما ترى أيها القارئ المنصف أنّ المهندس دلس في نقل كلام الشيخ الغزالي، ليوهم أنّ الغزالي يقول بمثل قوله، مع أنّ الغزالي يقول إنّ المسيح مات ولكنه سيعود بعد موته في آخر الزمان، بينما أقول أنا إن المسيح ما مات وسيعود آخر الزمان ويموت، فالخلاف بين قولي وقول الغزالي رحمه الله هو الذي وصفه الغزالي بأنه خلافٌ قريب، أما ما يخترعه المهندس من أنّ عيسى مات ولن يعود، وأنّ الميرزا هو المسيح والمهدي فهذا خلافٌ بعيدٌ بعيدٌ لم يقل به أحد من العلماء المسلمين!

    ثم اعجب أيها القارئ من استماتة المهندس في جعل معنى التوفي هو الإماتة، بينما حين يأتيه لفظ الإماتة صريحًا في قوله تعالى عن صاحب القرية الذي "أماته الله مائة عامٍ ثم بعثه"، فيجعل الإماتة هنا موت الكشف!!! فعند المهندس أنّ "التوفي" لابد أن تعني "الإماتة" التي يسمعها في "إعلانات القرى الصباحية!"، ولكن "الإماتة" لا تعني "الإماتة" التي يسمعها في "إعلانات القرى الصباحية"!

    ويقول المهندس (ولا يحترمون مؤرخا مثل المحترم أحمد شلبي وهو يؤرخ الأمر ويوثقه)اهـ، ورغم أن الدكتور له منكراتٌ كثيرةٌ نبه عليها أهل العلم، إلا أن هذا الكلام من المهندس تمويهٌ على القارئ ليظن أن الدكتور أحمد شلبي قد أتى بشيءٍ جديدٍ لم نرد عليه، ثم هو تدليسٌ على الدكتور أحمد شلبي ليوهم القارئ أنّه يقول بمثل قول المهندس!

    يقول الدكتور أحمد شلبي (وعلى كل حالٍ، فقد اختفى السيد المسيح عقب نجاته، واختفت معه أخباره، على أن هناك قولًا يرى أن المسيح هاجر إلى بلاد الهند، ومات هناك في لاهور، وهو قول ينقصه التأكيد والوثائق) "مقارنة الأديان 2/56" فمن ذا الذي لا يحترم المؤرخ المحترم وهو يؤرخ الأمر ويوثقه!؟

    ويقول الدكتور في قولٍ شبيه بقول الغزالي السابق (ومن الممكن أن يحيي الله عيسى ويرسله على شريعة محمد قبل قيام القيامة، وليس ذلك بمستبعدٍ قط على الله) "مقارنة الأديان 2/60" فمن ذا الذي لا يحترم المؤرخ المحترم وهو يؤرخ الأمر ويوثقه؟!!

    يقول المهندس وكأنّه يحتذي قول الشيخ شلتوت (ولا يحترمون رأي الشيخ شلتوت شيخ الأزهر وهو يفتي فتواه العتيدة معلنا وفاة سيدنا عيسى موتا بلا شك في كتابه: الفتاوى)اهـ، فهل المهندس يتبع الشيخ شلتوت في كل فتاويه!؟ أم ترى المهندس يحترم الشيخ شلتوت أصلًا؟!

    يقول الشيخ شلتوت رحمه الله وغفر له (وبإخبار القرآن والكتب السماوية هكذا بوجود الجن، كان إنكارهم تكذيبًا لإخبار الله سبحانه، وبذلك يكون من لم يؤمن بهم غير مؤمنٍ بالقرآن، ولا برسالات السماء، وتكون محاولة تأويل هذه العبارات الواضحة تحريفًا للكلم عن مواضعه) "الفتاوى: 23"، أما قوله في رفع المسيح عليه السلام فإنه يراها مسألةً خلافية، ويجعل القول برفعه إلى السماء روحًا وجسدًا هو قول الجمهور، ثم يختار هو القول الثاني، ويذكر في أسباب ترجيحه أشياء قد سبق الرد عليها في الحوار، فمن ذا الذي لا يحترم الشيخ شلتوت أيها المهندس؟!؟ أتكون أنت وأنت تخالف الشيخ في مسألةٍ يرى هو منكرها والمخالف فيها كافرًا غير مؤمنٍ بالقرآن محرفًا للكلم عن مواضعه، أتكون أنت على هذا تحترم الشيخ؟!! بينما أكون أنا وأنا أخالفه في مسألةٍ يقرر الشيخ أنها خلافية وأن الجمهور على قولي ثم يختار الشيخ خلاف قول الجمهور بناءً على أمورٍ قد أجبتها في الحوار، أأكون أنا الذي لا أحترم الشيخ بينما أنت - عجبًا – الذي تحترمه؟!!

    يقول الشيخ جاد الحق علي جاد الحق شيخ الأزهر الأسبق رحمه الله في فتاوى الأزهر (تقبَّل جمهور أهل العلم منذ حدّث رواة هذا الحديث به وبأمثاله من الصحابة رضوان الله عليهم، ومنذ أن دونت السنة الشريفة، تقبلوا الأحاديث الشريفة الدالة على نزول عيسى عليه السلام وعودته إلى الأرض قبولًا حسنًا وآمنوا بها وعدوا نزوله من أشراط الساعة وعلاماتها الكبرى.)اهـ.

    يقول المهندس (ولم يعبأوا برشيد رضا وهو يقرر موته في تفسير المنار)اهـ، وكأنّ الشيخ رشيد رضا رحمه الله قرر موته بناءً على أدلةٍ لم أرد عليها في الحوار، ثمّ كأنّ الشيخ لا يقول في تفسيره (التوفي في اللغة أخذ الشيء وافيًا تامًّا ومن ثمّ استعمل بمعنى الإماتة) "ج3: 260"، ثم كأنّ الشيخ رشيد يوافق المهندس على أنّ الميرزا هو المسيح والمهدي، ثم كأنّ الشيخ لا يقول (للعلماء هاهنا طريقتان إحداهما وهي المشهورة أنّه رفع حيًّا بجسمه وروحه، وأنه سينزل آخر الزمان فيحكم بين الناس بشريعتنا ثم يتوفاه الله ... والطريقة الثانية أنّ الآية على ظاهرها وأن التوفي على معناه الظاهر المتبادر وهو الإماتة العادية ...)"ج3: 261"، ثم يختار الشيخ الطريقة الثانية، ويرد الأحاديث الثابتة، أفيكون أخذي بالطريقة المشهورة عند العلماء، والمعنى الأصلي للتوفي، بالطريقة التي تُعمل الأحاديث الصحيحة الثابتة، ورفضي لفعل الشيخ رحمه الله لمخالفته الدليل ومجانبته الصواب مما يُستنكر!!؟ إنّ الحقّ أحق أن يتبع .. وإنّ التدليس والتمويه على القارئ لأمرٌ مقيت!

    هل نحن في انتظار عيسى عليه السلام لنشر الإسلام؟!!


    ويفتري علينا المهندس بقوله (بقولهم: ننتظر عيسى لنشر دين الإسلام)اهـ، فهل نحن نقول إنّنا ننتظر نزول عيسى لنشر الإسلام؟!!

    قال الألباني رحمه الله (لا يجوز للمسلمين اليوم أن يتركوا العمل للإسلام، وإقامة دولته على وجه الأرض، انتظارًا منهم لخروج المهدي، ونزول عيسى عليهما السلام يأسًا منهم، أو توهمًا أن ذلك غير ممكنٍ قبلهما، فإن هذا توهمٌ باطل، ويأسٌ عاطل، فإن الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم لم يخبرنا ألّا عودة للإسلام، ولا سلطان له على وجه الأرض إلا في زمانهما، فمن الجائز أن يتحقق ذلك قبلهما، إذا أخذ المسلمون بالأسباب الموجبة لذلك، لقوله تعالى "إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ"، وقوله تعالى "وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ"، ولقد كان هذا التوهم من أقوى الأسباب التي حملت بعض الأساتذة المرشدين، والكتاب المعاصرين، على إنكار أحاديث المهدي وعيسى عليهما السلام على كثرتها وتواترها، لما رأوا أنها عند المتوهمين مدعاة للتواكل عليها، وترك العمل لعز الإسلام من أجلها، فأخطئوا لذلك أشد الخطأ من وجهين:
    الأول: أنهم أقروهم على هذا التوهم، على اعتبار أن مصدره تلك الأحاديث المشار إليها، وإلا لم يبادروا إلى إنكارها.
    الثاني: أنهم لم يعرفوا كيف ينبغي لهم أن يعالجوا التوهم المذكور، وذلك بإثبات الأحاديث وإبطال المفاهيم الخاطئة من حولها، وما مثلهم في ذلك إلا كمثل من أنكر عقيدة الإيمان بالقدر خيره وشره، لأن بعض المؤمنين به فهموا منه أنّ لازمه الجبر)اهـ.

    وهذا فيه رد على الأستاذ رشيد رضا رحمه الله وغيره ممن أوّل الدجال والمسيح والمهدي على معاني الحضارة الغربية والتنصير والإسلام، ولا يظنن أحدٌ أن هؤلاء يؤولون الدجال بالحضارة الغربية ثم يؤولون المهدي بالميرزا!! وكما ذكرتُ أنّ المهندس لا سلف له في فهمه للنصوص، وقد عجز عن أن يأتي بسلف من القرون العشرة التالية للهجرة!! فهل كانت الأمة في ضلالة طول هذه المدة؟!

    ونعود لقوله (بقولهم: ننتظر عيسى لنشر دين الإسلام)اهـ، ونجيب عليه هذه المرة بقول الشيخ محمد بن إسماعيل المقدم حفظه الله (سوءُ فهم العوام لا يسوِّغ إنكار النصوص وتأويلها، ذلك أنّ بعض الناس يجعلون تصديقهم بأمر المهدي مسوّغًا لإعراضهم عن الدعوة إلى الإسلام، وإنكار المنكرات، ومنهم من يسقط التكاليف، ويهدرها مدعين أنهم ينتظرون خروج المهدي، ليغير وجه العالم، نقول لهؤلاء: إن الأمور الكونية القدرية التي أخبر بها الوحي واقعةٌ لا محالة، وغاية ما كلفنا الله به إزاءها التصديق بها قبل وقوعها، والالتزام بما نصحنا به رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعد وقوعها، ولم يأمرنا قط بتكلف إيجادها، وهناك الكثير من العقائد الثابتة قد يسيء العوام فهمها، فيترتب على ذلك الانحراف عن الصراط المستقيم)اهـ، لكنّ المهندس يؤول آيات الصفات فرارًا من سوء فهم العوام، والحق أنّ العوام أحسن منه فهمًا في كثيرٍ مما يؤوله ويحرفه، وكيف يقال فيمن يقول "وكان عرشه على الماء" أنها تعني "عمد إلى خلق الأحياء" أنه أحسن فهمًا لكتاب الله من العوام!!؟

    المهندس يحاول حفظ ماء الوجه بطرح أسئلةٍ قد أجبناها!!


    يسأل المهندس وكأننا ما أجبنا (هل ترى أن العرش تحت الله؟؟) ونقول بقول ابن مسعود رضي الله عنه فيما صح عنه (والعرش فوق الماء، والله عز وجل فوق العرش، ولا يخفى عليه شيء من أعمالكم) ولا نضيف على كلام ابن مسعود شيئًا من اختراعنا، لأن ابن مسعود لم يكن عي اللسان أو عاجزًا عن البيان! قال ابن القيم رحمه الله في النونية:
    وعلوه فوق الخليقة كلها *** فُطرت عليه الخلق والثقلانِ.
    لا يستطيع معطلٌ تبديلها *** أبدًا وذلك سنة الرحمنِ.
    كلٌّ إذا نابه أمرٌ يرى *** متوجهًا بضرورة الإنسانِ.
    نحو العلو فليس يطلب خلفَه *** وأمامه أو جانب الإنسانِ.
    ونهاية الشبهات تشكيكٌ *** وتخميشٌ وتغبيرٌ على الإيمانِ.

    ويسأل المهندس (هل تقول أن السماء السابعة على مسافة أقرب قليلا من ذات الله وأن الأرض على مسافة أبعد قليلا من ذات الله ؟؟؟) وقد سبق الرد (فإن كنت تقصد قربه تعالى بعلمه من جميع خلقه فمسلّم، وإن كنتَ تقصد قربه تعالى من بعض خلقه في بعض الأحوال بكيفيةٍ لا نعلمها ولا يلزم منها خلو العرش منه فمسلّم، وإن كنت تقصد أن الله قريبٌ بذاته من جميع الخلق في كل الأوقات والأحوال فغير مسلم إذ ليس في كتاب الله ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم قربه تعالى من جميع مخلوقاته في كل حال!) وما ردّ المهندس بشيءٍ في "ضربته القاضية!"

    ويسأل المهندس (هل تنكر أن الله مستو على عرش العز والمجد؟)، والجواب (قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ)، و (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)، والعرش الوارد في النصوص هو العرش المخلوق، وليس في النصوص عرشٌ بمعنى العز والمجد.

    ويسأل المهندس (هل تنكر أن الله كان ذا العرش من قديم من دون وجود الجنة أو السماوات؟؟)، وهذا سؤال من لا يفهم الخلاف أصلًا، قال تعالى (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا)، فالله ذو العرش قبل خلق السماوات والأرض، فالعرش كان مخلوقًا قبل خلق السماوات والأرض، ولا حيلة لنا فيمن يجعل "وكان عرشه على الماء" تعني "عمد إلى خلق الأحياء"، مخالفًا الكتاب والسنة والإجماع والصحابة واللغة!

    المهندس يحاول حفظ ماء وجهه بطرح المزيد من القضايا!!


    يطرح المهندس قضيةً لم يأتِ ذكرها في حوارنا أصلًا، وهي قضية الجهاد في سبيل الله تعالى، فإنه لا يعجبه جهاد الطلب، ويقصر الجهاد على (الوضع الدفاعي الخالص لجهاد رسول الله صلى الله عليه وسلم)، ويزعم أن الجرم الوحيد الذي نقاتل المشركين به هو محاولتهم (الهجوم وإبادة دولة الإسلام الوليدة) .. وبالتأكيد فهذه عاقبة تصدر الأحداث لمناظرة النصارى، فالمهندس استحى من النصارى وخاف منهم، فألغى جهاد الطلب، ولا يكتفي بذلك، بل يفسر أن المسيح عليه السلام (يضع الحرب) أنه يلغي جهاد الطلب!

    وربما ودّ – بجدع الأنف – لو لم ينزل الله قوله تعالى (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ)، فهذا غير قتال المعتدين، ونحن نعطي المهندس جواب شبهة النصارى، ليتعلم - فيما علمناه وما شكر - أن جهاد الطلب، يكون لتحقيق الحاكمية لشرع الله تعالى، فلا تكون القوانين الوضعية هي الحاكمة، بل يكون الحكم لله تعالى، أما رعايا الدولة أنفسهم، فلا يكرهون على الدخول في الإسلام، فليس في هذا (إلغاء مبدأ الحرية الدينية من الإسلام)اهـ، كما يزعم النصارى ويزعم المهندس تأثرًا بقولهم!

    ولما أحس المهندس أنه قد خذل مذهبه، وهو نادمٌ الآن، يتخيل الشباب وهو يقرأ هذا الحوار، فيعلم الحقيقة ويرى القاديانية وقد سحقت سحقًا، لما أحس المهندس بذلك، لم يجد أمامه إلا أن يأتي بقضيةٍ لا ذكر لها في حوارنا أصلًا، قضيةٍ يحاول من خلال طرحها دغدغة العواطف كالعادة، فيقول (ولو خطـّــأت ناسخ البخاري وكرمت نبي الله محمدا (المعصوم) حقا، عن أن ينال منه شخص وهمي يقال أنه (الأعصم) فيسحره لينال من ذاكرته، قام لي أولياء الناسخ وقالوا: سحر النبي وهو هكذا يعجبنا)اهـ.

    ونحن نعوذ بالله من هذا الظلم، وهذا الافتراء في القول، أيقول عاقلٌ (سحر النبي وهو هكذا يعجبنا)!! أيعجب المؤمن أن يصيب رسول الله صلى الله عليه وسلم أذى أو شوكةٌ أو مرضٌ أو سحر!! لماذا تفتري علينا أيها المهندس؟! هل رأيت منا من يقول إن سحر الرسول صلى الله عليه وسلم يعجبنا!!؟ ألا تتقي الله وتقول عدلًا؟!

    أما قولك (ولو خطـّــأت ناسخ البخاري) وقولك (شخص وهمي يقال أنه (الأعصم))، فهذا من تمام الجهل بالسنة النبوية وكتب الحديث، وهل البخاري وحده هو الذي أورد حديث سحر النبي صلى الله عليه وسلم؟! وهل أخطأ ناسخ البخاري وناسخ مسلم وناسخ ابن ماجة وناسخ مسند أحمد ومصنف ابن أبي شيبة والسنن الكبرى للبيهقي ومسند أبي يعلى ومسند ابن راهويه وصحيح ابن حبان وغيرها كثير؟؟ هل أخطأ كل هؤلاء النساخ؟! أيقول بهذا عاقل؟! وإن جوّزتَ خطأ كل هؤلاء فكيف تجيب على من يجوّز خطأهم في غير ذلك؟! أفلا تعقلون؟!

    ونحن كذلك نعطي المهندس جواب شبهة النصارى، ليتعلم - فيما علمناه وما شكر – ما نقل الحافظ عن المازري في الرد على المبتدعة الذين ينكرون هذا الحديث (الدليل قد قام على صدق النبي صلى الله عليه وسلم فيما يبلغه عن الله تعالى، وعلى عصمته في التبليغ، والمعجزات شاهدات بتصديقه، فتجويز ما قام الدليل على خلافه باطل، وأما ما يتعلق ببعض الأمور الدنيا التي لم يبعث لأجلها، ولا كانت الرسالة من أجلها، فهو في ذلك عرضةٌ لما يعترض البشر كالأمراض، فغير بعيدٍ أن يخيل إليه في أمرٍ من أمور الدنيا ما لا حقيقة له، مع عصمته عن مثل ذلك في أمور الدين)، فهل يمنع المبتدعة أن يمرض الرسول صلى الله عليه وسلم؟! فإن قالوا يمرض ويحفظه الله وقت المرض ويعصمه في التبليغ، قلنا وكذلك نقول في السحر، ثم قال الحافظ ابن حجر رحمه الله (فقالت أخت لبيد بن الأعصم: "إن يكن نبيًّا فسيخبَر، وإلا فسيذهله هذا السحر حتى يذهب عقله" قلت: فوقع الشق الأول كما في هذا الحديث الصحيح.)، ولهذا أورد بعض أهل العلم هذا الحديث في دلائل نبوة النبي صلى الله عليه وسلم.

    موقع الميرزا بين النبوة والمهدية والمسيحية والكذب!


    يقول المهندس (وبأي منطق للنزول دون أن يكونوا مستعدين لنزولهما، ولا استعداد إلا بتواضع جم، وتقبل للتعليم والاستمرار في طلب العلم)اهـ.

    إنّ الميرزا – أيها العقلاء - لم يكن أول من ادعى المهدية أو ادعاها له الناس، فعبد الله بن سبأ ادعى أنّ عليّا بن أبي طالب رضي الله عنه هو المهدي، والمختار بن عُبيد ادعى أن محمد بن الحنفية رحمه الله تعالى هو المهدي، وادعى الروافض أنّ محمد بن الحسن العسكري هو المهدي المنتظر والإمام الغائب، وادعى الملحد الباطني عبيد الله بن ميمون القداح المهدية، وادعى محمد بن تومرت الهرغي المهدية، وادعى تِمِرْتاش بن النوين المهدية، وادعى أحمد بن عبد الله بن هاشم المعروف بالملثم المهدية، وادعى محمد أحمد بن عبد الله السوداني المهدية، ومحمد بن عبد الله القحطاني ادعى المهدية وأطلقت الطلقات النارية في داخل المسجد الحرام، وادعى الميرزا غلام أحمد المهدية، وادعى غير هؤلاء المهدية، ونحن نصدق خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المهدي آخر الزمان، وبالتأكيد فليس كل من ادعى المهدية يكون هو المهدي!

    والعمدة والمعتمد في معرفة صفات المهدي، هو أخبار الرسول صلى الله عليه وسلم، الثابتة في الأحاديث الصحيحة، إذ يكون المهدي مستقيمًا على منهاج النبوة، ملتزمًا بالعقيدة الثابتة عن الصحابة رضي الله عنهم، وليس في شيءٍ من الأحاديث الصحيحة أنّ المهدي يكون معصومًا، أو أنّه يبطل شيئًا من الشرع ويزيد فيه وينقص، أو سيلوي أعناق النصوص، أو سيفسر "عرشه على الماء" أنه "عمد إلى خلق الأحياء"، في قولٍ لم يقله أحدٌ من الصحابة ولو في أثر ضعيفٍ أو موضوع، ولا يأتي بغير ذلك من التحريفات!

    ففي الحديث الحسن (لا تذهب الدنيا حتى يملك العرب رجلٌ من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي)، فهل الميرزا اسمه محمد بن عبد الله؟!! وفي الحديث الصحيح (يخرج في آخر أمتي المهدي، يسقيه الله الغيث، وتخرج الأرض نباتها، ويعطي المال صحاحًا، وتكثر الماشية، وتعظم الأمة، يعيش سبعًا أو ثمانيًا – يعني حججًا)، وفي الحديث الصحيح ( لا تقوم الساعة حتى تمتلئ الأرض ظلمًا وعدوانًا، ثم يخرج رجلٌ من أهل بيتي يملؤها قسطًا وعدلًا كما ملئت ظلمًا وعدوانًا)، وفي الحديث الصحيح (كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم).

    وليس في شيءٍ من الأحاديث الصحيحة، أن المهدي سيطالب الناس بالإقرار بمهديته، أو يمتحنهم على ذلك ويقهرهم، فضلًا عن تكفيرهم على ذلك والشماتة بمصابهم!! "إن المهدي الحق لا يتمحور حول إثبات مهديته للآخرين"، "إن المهدي لا يطلب الأمر لنفسه ابتداءً مدعيًا أنه المهدي، كما يفعل ذلك المدعون للمهدية كذبًا وزورًا، وإنما يأتيه ناسٌ من أهل مكة، فيخرجونه وهو كارهٌ فيبايعونه، ثم يسميه الناس بعد ذلك بالمهدي، لما يرون من صلاحه وعدله وإزالته للجور والظلم".

    ومن علامات المهدي التي تفرق بينه وبين مدعي المهدية زورًا، نزول عيسى عليه السلام في زمانه، والتقائه به، وصلاته خلفه، كما قال الإمام أبو الحسن الآبري في "مناقب الشافعي" (تواترت الأخبار بأنّ المهدي من هذه الأمة، وأن عيسى يصلي خلفه) ونقل هذا عن أبي الحسن ابن قيم الجوزية في المنار المنيف، والحافظ ابن حجر في فتح الباري، والحافظ المزي في تهذيب الكمال، والقرطبي في التذكرة، والسخاوي في فتح المغيث، والسيوطي في أخبار المهدي، وانظر التفصيل في كتاب "المهدي" للشيخ محمد المقدم حفظه الله.

    يقول الشيخ عبد المحسن العباد (المهدي عند أهل السنة لا يعدو كونه إمامًا من أئمة المسلمين، الذين ينشرون العدل، ويطبقون شريعة الإسلام، يولد آخر الزمان، ويتولى إمرة المسلمين، ويكون خروج الدجال، ونزول عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام من السماء في زمانه، وهو غير معصوم) "الرد على من كذب بالأحاديث الواردة في المهدي".

    فلينظر كل عاقلٍ في هذا الذي سبق، ويرى أيقوم في عقل عاقلٍ أن الميرزا هو المهدي؟!؟ أو كانت صفات المهدي الثابتة بالأحاديث هي صفات الميرزا؟!! وكيف تكون التفرقة بين المسيح عيسى بن مريم والمهدي المسمى محمد بن عبد الله اجتمعت في الميرزا؟!!! أفلا تعقلون؟!

    وقد ختمت النبوة برسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا نبي يبدؤه الوحي بعده صلى الله عليه وسلم، فقد قال تعالى (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ)، وفي قراءة (خاتِم)، قال ابن كثير رحمه الله (فهذه الآية نص في أنه لا نبي بعده، وإذا كان لا نبي بعده فلا رسول بعده بطريق الأولى والأحرى؛ لأن مقام الرسالة أخص من مقام النبوة، فإن كل رسولٍ نبي، ولا ينعكس، وبذلك وردت الأحاديث المتواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث جماعة من الصحابة).

    وثبت في الحديث الصحيح (مثلي ومثل الأنبياء كمثل رجلٍ بنى دارًا فأتمها وأكملها إلا موضع لبنة، فجعل الناس يدخلونها ويتعجبون منها ويقولون لولا موضع اللبنة؟ فأنا موضع اللبنة جئت فختمت الأنبياء)، وليس بعد اللبنة التي بها تم البناء مكانٌ لأحد، وفي الحديث الصحيح (لا نبي بعدي ولا أمة بعدكم)، وليس المعنى لا أمة معكم!! بل المعنى لا أمة بعد الإسلام وكذلك لا نبي بعد محمد صلى الله عليه وسلم، وفي الحديث الصحيح (كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبيٌّ خلفه نبي، و إنه لا نبي بعدي)، فلا نبي بعده أي لن يخلفه نبيٌّ يبتدؤه الوحي كما كان يحدث في بني إسرائيل، وليس المعنى لا نبي معي، وفي الحديث الصحيح (سيكون في أمتي كذابون ثلاثون، كلهم يزعم أنه نبي، و أنا خاتم النبيين، لا نبي بعدي) فدل قوله "سيكون" ورده عليه بقوله "لا نبي بعدي" أي لا نبي يبتدؤه الوحي من بعدي، فهذه الأدلة كفلية بأن يقتنع كل منصفٍ أنّ النبوة قد ختمت برسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنّ من ادعى أنه نبيٌّ أوحي إليه من بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو كذاب.

    فإن تبين أن الميرزا لا يمكن أن يكون هو المسيح، لأن المسيح الذي ينزل هو المسيح عيسى بن مريم كما في الأحاديث، إلا أن تؤمنوا ببعض الكتاب وتكفروا ببعض، وإن تبين أن الميرزا لا يمكن أن يكون هو المهدي، لأن المهدي من آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، والميرزا لم يؤم المسيح عيسى عليه السلام، والميرزا ليس اسمه محمد بن عبد الله، وإن تبين أن الميرزا لا يمكن أن يكون نبيًّا، لأن النبوة قد ختمت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن زعم أنه أوحي إليه من بعده فهو كاذب، دل على ذلك الكتاب والسنة المتواترة وإجماع الصحابة والسلف الصالح، تبين أنّ الميرزا لا يمكن أن يكون مهديًّا ولا مسيحًا ولا نبيًّا.

    فباب النبوة مغلقٌ بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعليه فليس هناك من معنى أن يقال إنه انتصر على خصمٍ متنصرٍ في مناظرة، لأن هذا ليس معجزة باهرة، فالمدافع عن الإسلام لابد أن ينتصر، كما ظهر قولي على قول المهندس في هذا الحوار! ولا معنى أن يستدل على كتابة الميرزا الكتب العربية، لأن هذا ليس بمعجزةٍ باهرة، سيما والحريري يقول في مقاماته (حكى الحارثُ بنُ همّامٍ قال: عُنيتُ مذْ أحْكَمتُ تَدبيري، وعرَفْتُ قَبيلي منْ دَبيري، بأنْ أُصْغيَ إلى العِظاتِ، وأُلْغيَ الكَلِمَ المُحْفِظاتِ، لأتحلّى بمَحاسِنِ الأخْلاقِ ... وهمْ مُنتَشِرونَ انتِشارَ الجرادِ، ومُستَنّونَ استِنانَ الجِيادِ، ومتواصِفونَ واعِظاً يقصِدونَهُ، ويُحِلّون ابنَ سَمْعونَ دونَهُ) ويقول (والصّبْيَةُ يتَضاغَوْنَ من الطّوى، ويتمنّونَ مُصاصَةَ النّوى، ولمْ أقُمْ هذا المَقامَ الشّائنَ، وأكشِفْ لكُمُ الدّفائِنَ)اهـ، فيقول الميرزا (فالحمد لله الذي كفاني من غير تدبيري، وجعل لي فرقاً، وفرق بين قبيلي ودبيري، وكنتم لا تصغون إلى العظات، ولا تحفظونها بل تؤذون بالكلم المحفظات .... فلا تستنوا استنان الجياد ..... و أنه من أعطي حظًّا من التقوى، ولو كمصاصة النوى، فلا يكتم شهادةً أبداً)اهـ، فما هذا الإلهام الحرفي المتوافق بين الحريري والميرزا؟! والمقام يطول في بيان اقتباسات الميرزا في كتبه!

    ونختم بقول المهندس (الحوار قد بين لنا من أين نؤتى ولماذا تتأخر نهضتنا الجماعية)، وقد صدق المهندس، فقد ظهر من الحوار من صدق فيه قول الله تعالى "وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا"، فيشمت في إبادة مدن المسلمين، بدلًا من أن يقضي ليله يبكي عليهم، وظهر من الحوار من " يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ"، وظهر من الحوار من " يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ"، " فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا" وعندها " وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ".


    هــــذه هي الإلــزامات التي انقطع بعدها المهندس وترك الحوار.



    بطلان مذهبك ببطلان لوازمه!


    مذهبك يقوم على أنّه (قال الله تعالى وتقدس ما قال، ورغم ذلك يحدث الفهم الخطأ، والرسول صلى الله عليه وسلم قال ما قال ورغم ذلك أضيف لقوله أو فهم خطأ، وروي عنه الصحابة فروى الناس عنهم بالمعاني التي رويت بدورها بالمعاني. وليس ابن مسعود وغيره استثناء)اهـ، وهذا ينفي وعد ربنا بحفظ الذكر وظهور الدين، وعدم غياب الحق في الأمة، وعدم اجتماع الأمة على ضلالة، وهذا وحده كافٍ في بيان بطلان مذهبك(1)، وإن تزعزعت الثقة بالكتاب والسنة وآثار الصحابة لم يبق لنا إلا العقل، والعقل عرضةٌ للخطأ في تصور التنزيه والاستدلال والنقل وفهم النص والبيان، وبالتالي تكون معرفة الحق عرضة للضياع، وهذا وحده كافٍ في بيان بطلان مذهبك(2)، ثم إنّ قولك هذا يفتح الباب لكل ضال ليزعم أن الدين غير محفوظ، وهذا كفيل بإبطال منهجك (3)، ثم إن منهجك يقوم على تأويل كل شيء، فالقرآن الكريم يؤول، والسنة النبوية تؤول، وآثار الصحابة تؤول، وبالتالي يكون كل كلام قابل للتأويل حتى كلامك نفسه، وبالتالي لا تقوم حجة على مبطل لا من قراءة ولا مناظرة ولا غير ذلك(4)، ولا تقوم حقيقة واضحة من أي نص، فكل النصوص إذن قابلة للتأويل دون ضابط، وما لا يوافق تحكم بضعفه أو وضعه أو إسرائيليته دون ضابط(5)، ومذهبك هذا يضطرك إلى القول أن الله أنزل القرآن بلسان التقريب، لتصير المسافة بين الأذهان والحق خالية، يعمل فيها من يريد بالتأويل والتحريف، بينما المعلوم من الدين بالضرورة أنّ القرآن نزل بلسان عربي مبين، وهذا وحده كافٍ لإبطال قولك(6)، وأنت تسير في منهجك ولو كانت ثمرته قولًا لم ينقل في حديث ولا أثر ولو موضوع، ومنهج ثمرته أن تأتي بقولٍ لا تنتسب فيه إلى القرآن الخيرية منهجٌ باطل(7)، ومنهجك يضطرك إلى المصادرات في حق الصحابة، بينما لو كان منهج الحق لكنت استغنيت عن المصادرات بتوافر الآثار والنقولات كمثل ما أفعل، ومنهج يحوجك إلى المصادرة بدلًا من الدليل منهج باطل (8)، ويقوم مذهبك على نفي ألفاظ مجملة لم ترد في الكتاب ولا السنة، وهذا فعل باطل(9)، ومنهجك يقوم على التمثيل والقياس على البشر وتصور النسب الحجمية، ونفرةً من ذلك تذهب إلى الطرف المقابل فتحرّف النص، ولو أنك تركت التمثيل أولًا وقلتَ "ليس كمثله شيء" فإن سئلت عن الكيفية قلتَ "لا أدري" لكُفيت، لكنك تمثّل أولًا ثم تؤول وتعطّل ثانيًا وفي النهاية تقول "لا أدري!" (10)، ومنهجك يقوم على المصادرة باستحالة وجود صفات كاليد والوجه والقدم لله تعالى، رغم أن إثبات هذه الصفات على وجهٍ يليق بكماله سبحانه، كما نثبت له علمًا وقدرة تليق بكماله سبحانه، ليس مما يمتنع في العقل ولم يأتِ النص باستحالته(11)، وتعريفك لظاهر اللفظ –وهو التعريف حتى أهل التأويل الفاسد- وممارستك للتأويل تفضي إلى جعل الشرع قاضيًا مترددًا عي اللسان يطلق حكمًا لم يُحفظ عن الفهم الخطأ وهو إلى الألغاز والأحاجي أقرب لا حكمًا واضحًا مبينًا حُفِظ حكمه عن الفهم الخطأ وهو كالشمس ظهورًا وجلاءً، وهذا وحده كافٍ في إبطال منهجك(12) ثم يكفي في إبطال منهجك الازدواجية التي تُبطل منطق التنزيه لديك من أساسه: فلا يوجد أي سبب نقلي أو عقلي يجعلك تميز بين الأبعاد الكونية، فتقبل علاقة الله بظرف الزمان وترفض علاقة الله بظرف المكان، رغم أن أبعاد "الزمكان" من المنظور الفيزيائي هي ضمن نفس النسيج الكوني، ولا أتوقع أي جواب على هذه الازدواجية غير المبررة لأنه لا يوجد جواب(13)، وتفسيرك -باسم المجاز والتشبيه- ليمين النص بيساره، يعطيني الحق أن أفسر يسار كلامك نفسه بيمينه، لأعيد النص إلى أصله وإلى معناه الظاهر، وإن كان تأويل غيرك لكلامك الصريح يغضبك، فما بالك بغضب الله على من يؤول محكم كلامه؟(14).

    وهذه أسئلة بخصوص أصول منهجك أريد جوابها جوابًا مختصرًا واضحًا محددًا لو سمحت:

    ما تعريفك لظاهر اللفظ بعد ما سبق طرحه؟(15) ما هي الشروط التي تلتزمها حتى تقول بمعنى غير ظاهر اللفظ؟ (16) ما هو الفيصل في التفرقة بين الصفات الواردة في النصوص، فتكون إحداها مقصودة الظاهر لأنها تليق بالذات كصفة العلم مثلًا، وتكون الأخرى غير مقصودة الظاهر فتؤول كصفة اليد مثلًا، ما هو الفيصل في التفرقة بين هذه وهذه، هل هو العقل أم التصور أم النص أم ماذا؟! (17) وتوضيحًا للسؤال السابق لما له من أهمية أقول: إن الله تعالى ليس كمثله شيء، وهو السميع البصير، بناءً على هذا: هل يمتنع أن نثبت لله صفة الرحمة بما يقتضيه ظاهر اللفظ بما يناسب ذاته سبحانه من صفات الكمال؟؟ ( نعم – لا ) وهل يمتنع أن نثبت لله صفة اليد بما يقتضيه ظاهر اللفظ بما يناسب ذاته سبحانه من صفات الكمال؟؟ ( نعم – لا )، وفي حال اختلاف الإجابة بين السؤالين أتمنى أن تبين الفيصل في التفرقة بين الحالين.(18) ولتفرض أن الله يخبرك بصفة اليد – على المعنى الظاهر للفظ اليد – التي تليق بكماله وجلاله، فكيف يخبرك بها وما اللفظ الذي لو جاءك لأثبتَّ هذه الصفة؟!(19) و هل تقول باستحالة إثبات القدم لله حتى لو أثبتها الله لذاته؟ (نعم – لا ) (20)

    ما رأيك في قاضٍ يتكلم بكلامٍ عرضة للخطأ في الفهم، ولا يحفظ كلامه عن تمييز ما زيد فيه وانتقص في كل الأوقات، ويعطي الناس الحكم من خلال كلامه، بأن ينظروا فيه فيستخرج كل منهم المعنى الحق بنفسه، ويستخرج الحكم من كلامه في أكثر القضايا أهميةً بعد طول جدال وبشق الأنفس، ألو كان هذا القاضي من البشر، أكان يخرج رأيك فيه عن التسفيه والتحقير؟!(21)

    من أين تستمد الثوابت الإسلامية، أمِن كتابٍ يحتمل الفهم الخطأ، أم من سنةٍ تحتمل ذلك والزيادة والنقصان ورواية بالمعنى، أم من أقوال صحابةٍ "يروي عنهم الراوون بالمعنى كثيرا بما يتعارض مع اللائق بالله" كما قلتَ، أم من عقلٍ هو عرضة للخطأ، أم هو شيءٌ غير ذلك تستمد منه الثوابت الإسلامية؟؟ (22)

    بطلان تأويلك للعرش بأنّه صفة!


    هذا قول تعجز تمامًا عن أن تأتي بحديث واحد ولو ضعيف، أو أثرٍ واحدٍ ولو ضعيف، فيه ذكر هذه المعاني التي تقول بها صراحةً، وهذا وحده كافٍ في إبطال قولك، لأن غياب نقل هذه المعاني يتنافى وحفظ الذكر وتمام البلاغ والبيان (1)، وهو قول لم يخطر ببال الصحابة أصلًا، ولذا لم يقله أحد منهم، وقد كان يكفيهم إضافة كلمة "العز" على قولهم (والله فوق العرش)، وحيث إنهم ما فعلوا، فقد دلنا هذا على أنّ هذا ليس من الدين، إذ لو كان كذلك لبلغوه (2)، كما أنك ذكرتَ في هذا العرش غير المخلوق خمس معانٍ، وهي معاني مضطربة لا يمكن الجمع بينها، وهذا وحده كافٍ في بيان إبطال قولك (3)، كما أنّ تقسيمك العرش الوارد في النصوص إلى مخلوق وغير مخلوق، هو تقسيم فيما لا دخل للعقل فيه من غير دليل، وهذا قولٌ على الله بغير علم، وهذا وحده كافٍ في إبطال قولك (4)، ولسان العرب واستعمال العرب لكلمة "العرش" على الطريقة التي ورد بها في النصوص، لا يمكن أن يكون من خلال هذا المعنى للعرش غير المخلوق، وأنت لم تأتني بشاهد من كلام العرب، وهذا وحده كافٍ لإبطال قولك (5)، والعرش الذي سئل عنه مشركو العرب، يدلنا على عرشٍ عرفوه، ونعلم أنهم عرفوا العرش بالمعنى المخلوق كما سبق البيان، ولم تثبت أنت أنهم عرفوا عرش الله على أنه صفة، وهذا وحده كافٍ في إبطال قولك(6)، وأنت تقول إن "عرشه على الماء" مما لا يعرفه العربي إلا بالتعلم، وتقول إنّ سوق النصوص دون تأويل أمر مستنكر، وحيث إنه لم ينقل لنا في حديثٍ ولا أثر أنّ "عرشه على الماء" تعني أنه "عمد إلى خلق الأحياء"، فدل ذلك على أنّ هذا المعنى غير صحيح بالمرة، إذ لو كان كذلك لنقل إلينا، وذلك من وعد ربنا بحفظ الدين، وهذا وحده كافٍ في إبطال قولك (7)، وأنت في سبيل هذا القول، اضطررتَ إذ فقدتَ أي نص صريحٍ من الكتاب أو السنة أو آثار الصحابة، اضطررتَ أن تقول إن الكتاب عرضةً للفهم الخطأ، والسنة عرضة لذلك وللزيادة والنقصان، وآثار الصحابة عرضة لذلك ولأن يروي عنهم الرواة ما لا يليق بذات الله، وهذا القول ينافي وعد ربنا بحفظ الدين، واضطرارك لهذا القول كافٍ في إبطال قولك (8)، وفي سبيل هذا القول جعلت القرآن نزل بلسانٍ التقريب من الحق، بينما الحق الذي لا شك فيه أنّ الشرع نزل بلسان مبين يقف بالمسلم على الحق، واضطرارك لمخالفة هذا كافٍ في إبطال قولك (9)، وهذا القول يضطرك إلى المصادرة في حق الصحابة رضي الله عنهم، فتؤول كلامهم لكلامك، وتدعي أنهم لا يمكن تخيلهم يقولون بخلاف قولك، بينما لم ينقل عنهم شيءٌ من هذا، واضطرارك إلى هذه المصادرات كافٍ في إبطال قولك (10)، ثم إنّ دافعك إلى تأويل العرش وصرفه إلى معنى خلاف المعنى الظاهر، هو التمثيل الذي قام في ذهنك ابتداءً، بينما هذا التمثيل ليس بلازم لأن الله ليس كمثله شيء، وحيث إن دافعك للتأويل باطل فإنّ هذا وحده كافٍ في إبطال قولك (11)، ثمّ إنك لو سلّمتَ بمعنى "ظاهر اللفظ" المتفق عليه، أنّه ما يسبق إلى العقل لمن يفهم بتلك اللغة، وأقررتَ أنّ - كأهل العلم وحتى الذين قالوا بالتأويل الفاسد- أنّ النصوص التي فيها ذكر العرش، يسبق إلى الذهن منها المعنى الذي أذكرُه لا الذي تذكره، ثم جمعته إلى ذلك موافقتك على أن القرآن الكريم لم ينزل بألفاظٍ يتبادر إلى ذهن العربي عند سماعها معانٍ غير صحيحة، لعلمتَ أنّك يلزمك القول بالمعاني التي أثبتها من هذه النصوص لا التي تثبتها(12)، ثم إنني حتى لو سلمت لك "باستدلالك" بالنقل من القاموس المحيط، وأنّ "العرش" تعني "العز"، فإنّ هذا لا يسوغ لك أن تدخل في المعنى ما ليس منه، فتقلب "العز" إلى "الصفات التنزيهية"، فهذا معنى للعرش لم يُعرف في كلام العرب ولم ينقله صاحب القاموس المحيط، وانعدام المعنى الذي تدعيه في اللغة كفيل بإبطال قولك، وبالتالي فما تدعيه من أنّ الكرسي في العرش، تعني العلم في مجموع الصفات، لا برهان لك عليه من اللغة، إلا إن كنت ستجعل "العلم" في "العز" كحلقة في فلاة .. وهذا الوجه وحده كفيل بإبطال قولك(13).

    القول بأن العرش مخلوق!


    هذا هو المعنى الظاهر المتبادر للأذهان، وكان يعرفه العرب في الجاهلية بهذا المعنى، ولم ينقل عن الصحابة ولا الرسول صلى الله عليه وسلم خلاف هذا المعنى صراحة، وحيث إنه لم ينقل خلاف هذا المعنى الظاهر، فإن القول بغيره من الطعن في حفظ الذكر، وأنت توافق على صحة احتمال وجود عرش مخلوق، بل اتفقتَ أن وجوده ثابت من النصوص، وهو عظيم الخلق والله ربه، وهو موجود الآن، وقد اهتز لموت عبد صالح، وتحف به ملائكة مؤمنة بالله مسبحة، ويأتي يوم القيامة وتحمله ملائكة ثمانية، ويكون له ظل، وهو سقف الجنة، وهذا العرش فوق السماوات، وهو تعالى فوق العرش بائن من خلقه، أنت توافق على هذا كله، لكنك تقول إنّ هذا العرش لا يكفي لفهم جميع النصوص، تقصد حديث إن الكرسي في العرش كحلقة في فلاة والنسبة الحجمية، وهذا الكلام يقوم على تمثيل عرش الله وكرسيه بعروش ملوك الدنيا وكراسيهم، وقد تقدم أنّ هذا التمثيل فاسد أصلًا لأنه تشبيه لله تعالى بخلقه، بينما نحن نثبت العرش والكرسي على وجه يليق بجلاله سبحانه، وأنه ليس كمثله شيء، وعليه فقولك إنّ العرش المخلوق لا يكفي لفهم جميع النصوص ليس بصحيح، والعرش المخلوق يكفي لفهم جميع النصوص عند من يفهم قوله تعالى "ليس كمثله شيء"، فما يمنعك من هذه العقيدة الخالصة التي لم ينقل خلافها عن الصحابة؟!(14)

    بطلان فهمك لمعنى توفي المسيح ورفعه!


    (بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ)، فأنت تزعم أنّ "بل" ترد على اللعنة التي يستفيد منها اليهود والنصارى كلّ بحسبه، إذ انتشرت الأخبار من الحواريين أنّه لم يقتل، وهذا القول لا يصح أبدًا إذ هو مناقضٌ لصريح القرآن علاوةً على مناقضته للواقع ولما هو مسطر في التلمود، لأنّ اليهود والنصارى علموا أنّه لم يصلب، وما "تفاجؤوا بنجاة الجسد" كما تقول، فاليهود لم يكتشفوا نجاة المسيح من الصلب، فضلًا عن أن تحصل لهم بها مفاجأة، ولم يعتقدوا قط بما تقول، بل اعتقدوا بما أخبرنا الله عنهم من أنّ المسيح قُتل وصلب(1)، و إن قيل إن ذلك "التطهير المعنوي من اللعنة" لم يكن الهدف منه تغيير ما في عقول الناس من أوهام وعقائد باطلة، فهو كذلك عديم القيمة عند الله لأنه سبحانه لا يلعن من يُقتل في سبيله!(2) وبذلك يتضح أنّك ألغيت عملَ "بل" في الآية الكريمة، والصحيح أنّها ترد عليهم اعتقادهم الباطل، بأنّ الحقيقة أنّ المسيح لم يُقتل ولم يصلب وإنما رُفع،(3) وليس من مقتضى البلاغة أن يرد على اعتقادهم بقتله أنّكم لم تقتلوه وإنما قبضت روحه، لأن القتل لا يتنافى وقبض الروح،(4) كما أنه ليس المعقول أن يرد على اعتقادهم بقتله أنكم لم تقتلوه وإنما رفعت مكانته، لأنّ القتل لا يتنافى ورفع المكانة(5) وليس من المعقول أن يرد على اعتقادهم بقتله أنكم لم تقتلوه وإنما رفعت عقيدة اللعنة، لأنّ العقيدة الباطلة مازالت موجودة،(6) ثم إنّ فهمك للآية لا يزيد على كونهم ما قتلوه، وهذا متحقق بما سبقها في النص، فلا يكون لقوله تعالى "بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ" مزيد معنى، ولما سألتك عن هذا قلتَ أنّ فائدة هذه الجملة أنها "نبهتنا لعمق البحث عن كنه سر العملية كلها"، وهذا ليس بجواب أصلًا لأننا مطالبون بعمق البحث في كل ما يرد في الشرع، ويلزمك جواب السؤال عن المعنى الجديد الذي أضافه قوله تعالى "بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ" بعد أن جردته من أي معنى إلا أنّه لم يقتل وهذا متحقق فيما سبق من الآيات،(7)كما أنّ رفع العقيدة الباطلة لا يكون بمجاراتها وتفاديها وإنما يكون بإبطال أنّ المصلوب ملعون أو حامل للخلاص حتى لو كان المصلوب بشرًا يصلب في سبيل الله(8)، وأنت لو جئت لترد على عقيدة اليهود "المصلوب ملعون" فلن تخبرهم أن المسيح لم يصلب، وإنما ستبين لهم خطأ هذا الإطلاق، وهذا وجه واضح للغاية يبطل قولك(9)، ثم كيف مكر الله بمن تبينت لهم نجاته وتحسروا ثم وتوقفوا عن لعنه؟ هذه قصة لها علاقة "بآية!" لا وجود لها في القرآن تقول "ومكروا فهداهم الله"(10).

    أما استدلالك بقول الأنبياء (لَا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) على نفي نزول المسيح آخر الزمان، لأنّ هذا يعني أنه سيعلم ببعض ما أحدث بعده، فإنّ الأحاديث واردة بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد علم في الدنيا أنّ هناك من سيحدث بعده، ولكنه لا يعلم تحديدًا من أحدثوا، فإن لم تستشكل ذلك، فلا إشكال أن يعلم عيسى عليه السلام بأنّ هناك من أحدث بعده في الدنيا، لكنه لا يعلم تحديدًا من أحدثوا! (11) وأنّ النبي صلى الله عليه وسلم علم ببعض ما سيحدث من بعده، فإن لم تستشكل ذلك، فكذلك لا إشكال أن يعلم عيسى عليه السلام ببعض ما أحدث بعده!(12).

    أما معنى التوفي في الآية، فأنت تختار معنى الإماتة، رغم أنّه بأي مذهبٍ للأصوليين أخذت في حقيقة اللفظ اللغوية والعرفية لم يترجح معنى الإماتة، فهل أنت تتبع مذهبًا لم يقل به أحدٌ من أهل الأصول(13)؟! وأنت نفسك لا تلتزم أنّ الله عندما قال للمسيح "إني متوفيك" أنّه أماته وقتها، بل تقول إنّه ذهب إلى كشمير(14)، فإنّ قلتَ إن معنى التوفي "قبض الروح بعد تمام الأجل" فهذا المعنى لا يناسب السياق بالمرة، إذ يكون المسيح في مواجهة اليهود، فيأتيه أنّ الله قابض روحه بعد استيفاء أجله، وهذا ليس فيه أي بث للطمأنينة في نفس عيسى، ولا نفي لقتل اليهود له، فربما كان أجله بقتل اليهود له، وبالتالي يموت مقتولًا، وبالتالي ترتفع مكانته بالشهادة، وبالتالي يباعد بينه وبين الذين كفروا، فعلى فهمك لـ "متوفيك" على أنها " قابضك بعد تمام أجلك" تكون الآية خلية من أي بشرى للمسيح، وأي نقض لزعم اليهود أنهم قتلوه، وهذا كافٍ في إبطال قولك(15)، وبالتالي لم يبق لك إلى القول بأنّ معنى التوفي هو حقيقته اللغوية والتي دلت عليها الأحاديث الصحيحة التي وردت بنزول عيسى ابن مريم عليه السلام آخر الزمان (16)، وحتى لو سلمت لك جدلًا – أقول جدلًا - بأنّ المقصود بالوفاة هو قبض الروح، فهذا يحمل على النوم، وهذا لا ينفي الرفع إلى السماء ولا النزول آخر الزمان، وفي هذا إعمال لكافة النصوص،(17)، فإن أصررتَ بعد ذلك على أن الوفاة هي الموت فهذا من التحكم المحض الذي لا دليل عليه من كتاب ولا سنة ولا لغة ولا أصول ولا قولٍ صح عن صحابي بل كل هذه قائمة على خلافه كما سبق البيان (18)، ثم إنّ المسيح يعلم وهو في المهد أن الله رفع مكانته وجعله مباركا حيثما كان ومن المقربين ووجيها في الدنيا والآخرة، ولذلك حتى يستقيم تفسيركم عليكم تغيير كلام الله مرة أخرى واستبدال قوله {وَرَافِعُكَ} بــ(ورفعتُ مكانتك من قبل)(19)، وبالجمع بين مسألة الرفع والوفاة يتضح أن تفسيركم لن يستقيم إلا إذا استبدلتم قوله تعالى {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} بــــ(لن أتوفاك الآن وقد رفعتُ مكانتك من قبل) فتأمل!

    وقوله تعالى (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ) تعود فيه الضمائر إلى واحد، والذي يدعي خلاف ذلك عليه بالدليل (20)، وهذا هو ما صح عن ابن عباس وأبي هريرة وأبي مالك والحسن البصري وقتادة وابن زيد رضي الله عن الجميع، ومن أقدم على تخطئة هؤلاء الأعلام أو تخطئة أهل العلم الذين صححوا الروايات فعليه بالدليل على أنّ قولهم لا تحتمله الآية من أي وجه، وهذا مطلبٌ دونه خرط القتاد(21)، أما قراءة أبي رضي الله عنه (قبل موتهم) فيعلم من له أدنى معرفة بالتفسير أنها لا تلغي القراءة الأولى ولا تعني وجوب حملها عليها، سيما والتفسير الذي صحّ عن ابن عباس وأبي هريرة يشمل المعنى الوارد في القراءة الأخرى(22).

    المسيح الذي ينزل آخر الزمان، والذي ورد في الأحاديث لا يكون إلا عيسى ابن مريم، لأنَه هو الوحيد الذي ولد من أم دون أب، ولو كان المُبشَّر به هو مسيحٌ آخر غير (ابن مريم) لنُسب إلى والده عملًا بقوله تعالى {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ}، والنبي صلى الله عليه وسلم أحرص الناس على اتباع القرآن الكريم(23)، وعندما قال الصحابة للمصطفى "نشهد أنك بلغت" هل يدخل في ذلك إبلاغهم بحقيقة المسيح المُبشر به أم لا؟ هل علموا بالتفسير الجديد الذي يقول أن ابن مريم ليس هو ابن مريم، وأن عيسى ليس هو عيسى؟ (24) كيف فهم الصحابة قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه (والذي نفسي بيده، ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكمًا عدلًا، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الحرب..) الحديث؟؟(25)، وكيف فهم الصحابة – ولا أقول كيف تفهم أنت – قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه (كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم)؟؟ (26)

    هل يمكن أن يكون هناك عقيدة من الأهمية بمكان، بحيث يكون الموافق لها مؤمنًا وتاركها كافرًا، والمختلفان فيها يكفر أحدهما الآخر أو يفسقه أو يبدعه، هل يمكن أن تكون عقيدةٌ بهذه الأهمية في دين الإسلام، ولا تُبيّن في القرآن الكريم، ولا يذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا تنقل عن الصحابة رضي الله عنهم، ولا يصلنا فيها أي أثرٍ أو حديثٍ ولو ضعيف، هل يمكن هذا؟؟ (نعم – لا) وهل يتنافى هذا وحفظ الذكر وتمام البلاغ وظهور الدين؟! (نعم – لا) (27)

    وأخيرًا .. فأمام المهندس سكتان من طرق الرجال، السكة الأولى أن يعود للحوار، فيرد علينا ونرد عليه كما يفعل الرجال، والثانية أن يلتزم بما جعله الرسالة الأخيرة، ولا يتبعها بملحقاتٍ ليحاول رفع عار الباطل الذي لحقه، وإنّ للباطل عارًا لا يزول إلا بالتوبة، أما غير هاتين السكتين فليست من طرق الرجال .. وأختم بالدعاء للمهندس أن يشرح الله تعالى صدره للحق، ويزيل الغشاوة التي على عينيه، فيُتمّ الله عليك نعمته، ويطيل عمرك ويبارك فيه، حتى تمحو الباطلَ الذي قد نصرتَ، وتصير رأسًا في الحق كما كنتَ في غيره، دعوةً صادقةً من قلب نصوح!

    منتدى التوحيد.

  8. #23
    تاريخ التسجيل
    Jan 2005
    المشاركات
    982
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

  9. افتراضي

    جزاكم الله خيرا وعظم أجوركم ورفع الله قدر المحاور المسلم في عليين

    لكن ألا ترى ياسيادة المشرف أن المناظرة لو كانت في ملف وورد لكانت افضل؟
    لقد نسخت الصفحة الاولى كلها في قرابة 212 صفحة
    حمل كتاب لن تلحد من هنا
    اب : لن تلحد / أبو عبدالرحمن بن عقيل الظاهري-انسخ الرابط وضعه في المتصفح
    http://ia700200.us.archive.org/10/it...d_Ibn3a9il.pdf

  10. #25
    تاريخ التسجيل
    Jan 2005
    المشاركات
    982
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    بالفعل أخي الكريم جاري العمل على تحويل المناظرة إلى كتاب بصيغتي وورد و pdf بعون الله.

  11. #26
    تاريخ التسجيل
    Mar 2009
    الدولة
    ارض الله
    المشاركات
    532
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مشرف 4 مشاهدة المشاركة
    بالفعل أخي الكريم جاري العمل على تحويل المناظرة إلى كتاب بصيغتي وورد و pdf بعون الله.
    الحمد لله تعالى الذى بنعمته تتم الصالحات

    اللهم بارك فى الأخ الفاضل صاحب المناظرة واجزه عنا خير الجزاء
    اللهم بارك له فى علمه ووقته وعمله

    وبارك اللهم فى مشرفنا الفاضل (مشرف 4)
    اللهم بارك فى القائمين على المنتدى وكل الأخوة والأخوات


    ----------------------------------



    الطريقة التى نقل بها المشرف الفاضل هذه المناظرة طريقة رائعة وممتازة ....جعلتنا بفضل الله نعيش فى اجواء المناظرة فنقل المناظرة على اجزاء جعل متابعتها ممتعه.... ...والحمد لله تعالى
    وتحويل المناظرة إلى كتاب بصيغتي وورد و pdf يعظم الفائدة إن شاء الله تعالى

    وفقنا الله وإياكم

    والسلام عليكم ورحمة الله

    (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ). [الطور: 35].
    (أَفِي اللّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ). [إبراهيم: 10]
    (قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ). [يونس: 101]


    للسؤال عن الغائبين

  12. افتراضي

    بارك الله فيك أخي المشرف 4 وأعانك الله على كشف دسائس القاديانية.
    قال تعالى: ( وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ )
    التوبة (105) فإنها جماعة تعمل على تعطيل عقول الناس وهي بحاجة الى الرد المنير والواضح دوما.........
    اللهم اني احبك واحب من احبك

  13. #28
    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    الدولة
    الكويت
    المشاركات
    3,251
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    جزاكم الله خير الجزاء في الدنيا و الآخرة.

    فعلاً من أروع و أقوى المواضيع في المنتدى على الإطلاق.
    {قل هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا، فستعلمون من هو في ضلال مبين}


  14. #29
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    المشاركات
    1,842
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    الا تمكن معرفة هذا الشيخ الفاضل

    " المعرفة الحقة هي الوصول الى التعرف على الذكاء الذي يتحكم في كل شيء...من خلال كل شيء " هرقليطس.

  15. #30

    افتراضي بسم الله الرحمن الرحيم

    هذه المناظرة بين الأخ حسام الدين حامد والمهندس فتحي عبد السلام، ولا مكان فيها للصغار الذين لا يحسنون سوى النسخ واللصق من كلام المهندس، وكأننا لم نطلع عليه.

    متابعة إشرافية.
    مشرف 4

صفحة 2 من 3 الأولىالأولى 123 الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. فضيـحة مدوية لأحد رؤوس القاديانية " البينــــــة " علامة غرفهم الصوتية
    بواسطة اخت مسلمة في المنتدى قسم الحوار عن القاديانية
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 05-04-2012, 02:28 AM
  2. مناظرة أحد الإخوة المسلمين لأحد رؤوس القاديانية.
    بواسطة مراقب 4 في المنتدى قسم الحوارات الثنائية
    مشاركات: 34
    آخر مشاركة: 01-28-2012, 12:55 AM
  3. الست شهب النارية من الزعيم غلام أحمد على رؤوس القاديانية.
    بواسطة سلفي مغربي في المنتدى قسم الحوار عن القاديانية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 11-18-2011, 03:01 AM
  4. مؤسس القاديانية : أُفحم في مناظرة .. و فُضح في مباهلة ..
    بواسطة _aMiNe_ في المنتدى قسم الحوار عن القاديانية
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 03-08-2009, 05:11 PM

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء