صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 15 من 16

الموضوع: موقف الأشاعرة من الصفات الفعلية

  1. افتراضي موقف الأشاعرة من الصفات الفعلية

    بسم الله الرحمن الرحيم

    [align=right]الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله الطاهرين وصحبه أجمعين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

    وبعد،

    إن من أهم سمات المذهب الأشعري إجماع متقدمي الأشاعرة ومتأخريهم على مسألة الصفات الفعلية والتي يسميها الأشاعرة مسألة حلول الحوادث، وذلك بخلاف الصفات الخبرية فإن الخلاف قائم بين المتقدمين والمتأخرين.

    تعتقد الأشاعرة بأن أفعال الله عبارة عن تعليقات القدرة بالمقدورات، دون قيام فعل بذاته تعالى.

    فأثبتوا للقدرة تعليقين:

    الأول: تعلق صلوحي قديم؛ وهو صلاحيتها في الأزل لإيجاد كل ممكن فيما لا يزال أي حين وجوده.

    الثاني: تعلق تنجيزي حادث؛ وهو إبرازها بالفعل للممكنات التي أراد الله وجودها؟

    فتعلقها في الأزل أعم؛ لأنها صالحة في الأزل لإيجاد ممكن على أي صفة كانت، بخلاف تعلقها التنجيزي فإنه تعلقها بالممكن الذي أراد الله وجوده على أي صفة كانت.

    انظر: حاشية الدسوقي على شرح أم البراهين (ص98)، وحاشية إبراهيم البيجوري على متن السنوسية (ص19).

    وقد قابلت الماتريدية هذا الرأي وقالت برجوع جميع صفات الأفعال إلى صفة التكوين القديمة عندهم، ومغايرة لصفة القدرة، وهذا ما ذهب إليه الغزالي.

    انظر: تبصرة الأدلة لأبي المعين النسفي (1/339).

    ووجه الخلاف بين الأشاعرة والماتريدية، إن الأشاعرة تعتقد بحدوث صفات الفعل – مع إنكارهم بحلول الحوادث بذات الله -، أما الماتريدية فإنها تعتقد بقدم جميع الصفات.

    فزعمت الأشاعرة بأن الاعتقاد قدم الصفات بفضي إلى القول بتسلسل الحوادث وهو ممنوع، ولم تلتزم الماتريدية بهذا الإلزام فرأت بأن القول بقدم الصفات لا يؤدي إلى القول بتسلسل الحوادث لأن التكوين غير المكون.

    في حين تعتقد أهل السنة والجماعة بأن تسلسل الحوادث ممكن في الماضي والمستقبل؛ فإن الله لم يزل حياً، والفعل من لوازم الحياة، فلم يزل فاعلاً لما يريد، والفعل غير المفعول، وصفات الفعل قائمة بالله متعلقة بمشيئته، والمفعول منفصل عن الله تعالى.

    وأصل هذا الخلاف ومنشأة: الفعل هل هو المفعول أو غيره؟ وهذه المسألة مرتبطة بمسألة حلول الحوادث.

    فالذين ينفون حلول الحوادث زعموا بأن الفعل هو المفعول؛ ومعنى ذلك: أن الفعل لا يقوم بالله تعالى، فعل سبيل المثال: يفسرون أفعاله المتعدية كقوله تعالى: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} أن ذلك وجد بقدرته من غير أن يكون منه فعل قام بذاته، فحاله قبل أن يخلق وبعد ما خلق سواء، لم يتجدد عندهم إلا إضافة نسبة وهي أمر عدمي لا وجودي، كما يقولون في كلامه واستواءه. وهذا قول الأشاعرة.

    انظر: مجموع الفتاوى (5/378 وما بعدها).

    والمقدمة التي بنت عليها الأشاعرة مذهبهم أنه لو كان الفعل غير المفعول: لكان إما قديماً أو حادثاً: فإن كان قديماً لزم قدم المفعول، وهو محال، وإن كان حادثاً لزم أن تقوم به الحوادث، وثم ذلك الحادث يفتقر إلى حادث آخر ويلزم التسلسل وهذا باطل.

    قلنا: لو سلمنا جدلاً بأن الفعل يفتقر إلى فعل قبله، فذاك غير ممتنع، وليس هذا تسلسلاً في الفاعلين والعلل الفاعلة، بل هو تسلسل في الآثار، وهو حصول الشيء بعد شيء، ودليله قوله تعالى: {قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} فكلمات الله لا نهاية لها، وهذا تسلسل جائز كالتسلسل في المستقبل؛ لأن نعيم الجنة لا ينفذ، فإذا كان هذا التسلسل جائز في المستقبل فما الذي يمنع أن يكون في الماضي.

    للمزيد انظر: مجموع الفتاوى (6/231-232)، ومنهاج السنة (2/306-307).

    فإن مذهب الأشاعرة في الأفعال التي هي المفعولات المنفصلة باطل، وقد فتحت على نفسها باباً تسلط من خلاله الفلاسفة القائلين بقدم العالم، فقالت لهم: إن الفعل لو كان صفة كمال لزم عدم الكمال في الأزل، وإن كان صفة نقص لزم اتصافه بالنقائص. فلم تجد الأشاعرة من هذا الإلزام مفراً إلا أن تقر بأنه ليس صفة نقص ولا كمال.

    انظر: مجموع الفتاوى (6/241).

    وكما تسلط المعتزلة على الأشاعرة وضعضعوا حجتهم، وألزمت الأشاعرة أن يجعلوا الله موصوفاً بمفعولاته القائمة بغيره، حتى قالوا: من فعل الظلم فهو ظالم، ونحو ذلك، فعجزت الأشاعرة عن مناظرتهم في هذا المقام، في مسألة القرآن ومسائل القدر بكونهم سلموا لهم بأن الرب لا تقوم به صفة فعليه، فلا يقوم به، لزمهم أ، يقولوا: هو موصوف بمفعولاته، فلا يجب أن يكون القرآن قائماً به، ويكون مسمى بأسماء القبائح التي خلقها.

    انظر: التسعينية (2/487 وما بعدها).

    وهذا باطل بل أن الموصوف بهذه الأسماء من قامت به هذه الأفعال لا من جعلها فعلاً لغيره أو قائمة بغيره.

    وليتدبر السالك لطريق أهل السنة والجماعة ما وقعت فيه الأشاعرة في أصولهم من اضطراب، وليحمد الله على الهداية، وليقل: ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا للإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم.

    وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

    خوكم الفقير إلى ربه الغني المنان/ أبو إبراهيم أحمد الرئيسي البلوشي الحنفي
    [/align]

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2005
    الدولة
    الكويت
    المشاركات
    45
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
    جزاك الله عني خيراً يا أبراهيم، والله أسأل أن يفيد بهذا الموضوع أهل السنة أولاً، والأشاعرة فيهتدوا ثانياً.
    اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Dec 2004
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    361
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    ما اسعدنا بمشاركتكما فى قسم التوحيد معنا اخواى الرئيسى والقلاف ... بارك الله فيكما
    كل من لم يناظر أهل الإلحاد والبدع مناظرة تقطع دابرهم لم يكن أعطى الإسلام حقه ولا وفى بموجب العلم والإيمان ولا حصل بكلامه شفاء الصدور وطمأنينة النفوس ولا أفاد كلامه العلم واليقين

  4. افتراضي

    سؤال الى الاخوة الكرام

    هل من الممكن حصول فعل متعدي بدون مفعول؟
    وهل هذا يستوجب حدوث صفات الفعل المتعدية؟
    ولو لم تكن حادثة هل يعني هذا تعطيل هذه الصفات لتلافي القول بقدم العالم؟


    معذرة فأنا لم أفهم الموضوع جيدا
    وأنا من أهل السنة والجماعة ان شاء الله
    وانما استفهم فقط

    بارك الله فيكم

  5. افتراضي

    هل من مجيب؟

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Sep 2004
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    1,886
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة حسن ابن الهيثم
    هل من مجيب؟
    صبرا اخى ان شاء الله يجيبك الاخ فيصل قريبا فلعل لديه ما يشغله حاليا

  7. #7

    افتراضي

    -هل من الممكن حصول فعل متعدي بدون مفعول؟

    الجواب: لا طبعاً ولكن ليس كل أفعال الله متعدية بل منها اللازم والمتعدي

    -وهل هذا يستوجب حدوث صفات الفعل المتعدية؟ولو لم تكن حادثة هل يعني هذا تعطيل هذه الصفات لتلافي القول بقدم العالم؟


    أما آحاد الفعل المعينة فحادثة بلا ريب ونحن نجزم بأن الله لم يزل فاعلاً ويفعل متى شاء وأراد-والفرق بين الميت والحي الفعل كما في خلق أفعال العباد للبخاري- لكن كما ذكرت لك من قبل أن الأفعال منها اللازم ومنها المتعدي والفعل اللازم لا يقتضي مفعولاً، والفعل المتعدي يقتضي مفعولاً، ، فإن لم يكن الدائم إلا الأفعال اللازمة، وأما المتعدية فكانت بعد إن لم تكن، لم يلزم ثبوت شيء من المفعولات في الأزل. وإن قدر أن الدائم هو الفعل المتعدي أيضاً المستلزم لمفعول، فكل مفعول حادث بعد ان لم يكن والله لا مفتتح لوجوده وهو لم يزل قادراً على إيجاد المخلوقات وكل مخلوق حادث بعد أن لم يكن وبعض المتكلمين تفهموا هذا الكلام منهم الأرموي ومنهم شيخ الأزهر محمد بخيت المطيعي وقد قال الإسنوي في "شرح منهاج الوصول" (2/103) : ( واجاب في التحصيل[وهو مختصر العلامة الأرموي لمحصول الرازي] بجوابين... [ وذكر الأول] ، ثم قال:
    الثاني: أن المحال من التسلسل إنما هو التسلسل في المؤثرات والعلل ، وأما التسلسل في الآثار فلا نسلم
    أنه ممتنع ، وهذا التسلسل إنما هو في الآثار.) فقال الأصفهاني في "شرح المحصول": (وفيه نظر لأنه يلزم منه تجويز حوادث لا أول لها ، وهو باطل على رأينا)انتهى.

    قال العلامة محمد بخيت المطيعي-شيخ الأزهر- في الصفحة نفسها في حاشيته على شرح الإسنوي
    معلقاً على كلام الأرموي:
    ((كلام جيد ، وأما قول الأصفهاني : وفيه نظر لأنه يلزم منه تجويز حوادث لا أول لها وهو باطل على
    رأينا فنقول-القائل المطيعي-:
    لا يلزم من كونه باطلاً على رأيه أنه باطلاً في الواقع ونفس الأمر ، فإنه لغاية الآن لم يقم دليل على امتناع التسلسل في الآثار الموجودة في الخارج ، وإن اشتهر أن التسلسل فيها محال ، ولزوم حوادث لا أول لها لا يضر بالعقيدة إلا إذا قلنا: لا أول لها ، بمعنى لا أول لوجودها[أي الحوادث المعينة] ، وهذا مما لم يقل به احد ، بل الكل متفق على أن ما سوى الله تعالى-لما كان أو يكون- حادث : أي موجود بعد العدم بقطع النظر عن أن يقف ((آحاده)) عن حد من جانبي الماضي والمستقبل أو لا تقف عند حد من جانبيهما))أ.هـ

    بل إن شيخ الأصفهاني أثير الدين الأبهري في كتابه تحرير الدلائل في تقرير المسائل قال بجواز تسلسل الآثار والأفعال ..
    والأبهري شيخ الأصفهاني شارح المحصول توفي سنة 663 ترجمته في تاريخ ابن العبري(445).

    وأنا متأكد أن أخي الرئيسي عنده مزيد بيان في هذه المسألة وهو صاحب الموضوع أصلاً وعذراً على اللقافة فلا أدري من يقصد أخي حازم بفيصل هل هو أنا أم أخي فيصل القلاف فإن كان يقصدني فأنا فعلاً مشغول فالله المستعان وعليه التكلان وهو سبحانه أعلى وأعلم.
    التعديل الأخير تم 11-12-2005 الساعة 12:21 PM

  8. افتراضي الإجابة عن سؤال الأخ أبي إبراهيم أحمد الرئيسي البلوشي الحنفي

    الإجابة عن سؤال الأخ الحسن ابن الهيثم
    هل من الممكن حصول فعل متعدي بدون مفعول؟ وهل هذا يستوجب حدوث صفات الفعل المتعدية؟ ولو لم تكن حادثة هل يعني هذا تعطيل هذه الصفات لتلافي القول بقدم العالم؟ معذرة فأنا لم أفهم الموضوع جيدا وأنا من أهل السنة والجماعة ان شاء الله ، وإنما استفهم فقط ، بارك الله فيكم .
    يجيب عنه د/ محمود عبد الرازق الرضواني
    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد ..
    من القضايا الهامة التي شغلت الكثير من المسلمين وغير المسلمين وضل فيها من الناس الكثير كالفلاسفة القائلين بقدم العالم وولادته من رب العالمين ، والشيوعيين وأتباعهم في عصرنا من الملحدين القائلين بأنه لا إله ولا خالق ولا دين ، تماما كما هو اعتقاد الدهرين والطبائعيين القائلين بأن العالم لم يزل موجودا كذلك بنفسه ، بلا خالق خلقه ، ولا صانع صنعه ، ولا حكيم قادر يتولى أمره ، بل الأمور تسير بطبيعتها ، وتستمر الحياة بتلقائيتها ، لم يزل الإنسان والحيوان من نطفة قذرة حقيرة ، ولم تزل النطفة من الإنسان والحيوان منذ عصور طويلة ، كذلك كان الوجود على مر السنين ، وكذلك يكون أبد الآبدين .
    هؤلاء أجمعون يقولون بأبدية العالم وأزليته ، وقد ذكر الله عز وجل قولهم ، وبين جهلهم وخيب ظنهم ، كما قال سبحانه في سورة الأنعام : (وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ) (الأنعام :29) ، وقال أيضا في سورة الجاثية : (وَقَالُوا مَا هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلكُنَا إِلا الدَّهْرُ وَمَا لهُمْ بِذَلكَ مِنْ عِلمٍ إِنْ هُمْ إلا يَظُنُّونَ) .
    فهل الوجود والزمان دائمان أزليان أبديان بحيث يستمر الزمان ويمتد في الوجود من طرفين متعاكسين دائمين وغير منقطعين بحيث تتسلسل الأحداث وتتوالي في الأزل وفي الأبد ، أم أن الوجود له بداية ونهاية ؟ وإن كانت للوجود بداية ، فما بدايته ؟ وإن لم تكن له نهاية ؟ فكيف نجمع بين وصف الله عز وجل بأنه الآخر الباقي الذي ليس بعده شيء ، وبقاء المخلوقات في الجنة ودوامها وأبديتها ، كما قال تعالى عن الجنة ونعيمها ، ودوام أهلها وبقائها : (قَال اللهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالدِينَ فِيهَا أَبَدا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلكَ الفَوْزُ العَظِيمُ) (المائدة :119) وكما قال تعالى عن النار وعذابها ودوام أهلها وبقاء نارها : (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولهُ فَإِنَّ لهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالدِينَ فِيهَا أَبَدا) (الجن :23) ؟ وما تفسير قول الله تعالى : (كُلُّ مَنْ عَليْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الجَلال وَالإِكْرَامِ) (الرحمن :27) ؟ وهل كان الله معطلا عن الخلق والفعل والقدرة ثم لما خلق الخلق أصبح خالقا فاعلا قادرا ؟
    نحن لن نتمكن بمفردنا مهما بلغ علمنا أو بلغت حكمتنا من الجواب المقنع الذي يشبع العقل السليم أو يقدم الدليل السهل المستقيم ، والسبب في ذلك أن حياة الإنسانية من بدايتها ونهايتها لها امتداد غيبي من الطرفين لا يمكن للبشر أن يعلمه بإمكانياته المحدودة ، فإلى الآن لا يعرف الإنسان من خلال العلوم المادية واكتشافاته العصرية تفاصيل نشأة الوجود ، وكل ما قدموه من نور العلم في هذا الباب هو من باب الظن الذي يشبه رؤية الأعمى في الضباب ، ولذلك فإن أي مفكر أو فيلسوف لكي يقدم حلا مقنعا يستند فيه إلى دليل أو برهان لا بد من إلمامه بتفاصيل النشأة عند بداية الزمان ، فالأمر إذا يتطلب الرجوع إلى الصانع الذي يعلم من خلق ولماذا خلق ؟ : (أَلا يَعْلمُ مَنْ خَلقَ وَهُوَ اللطِيفُ الخَبِيرُ) (الملك :14) .
    وقد جاءت الإشارة إلي تلك القضية - طريق المعرفة - في القرآن ، عند ذكره سبحانه لنشأة الكون في سورة الفرقان : (الذِي خَلقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلى العَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَل بِهِ خَبِيرا ً) (الفرقان:59) ، وكذلك وردت العبارة بصريح البيان في قوله تعالى : (مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلا خَلقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ المُضِلينَ عَضُداً) (الكهف:51) ، فلم يشهد أحدا تفاصيل النشأة أبدا .
    ومن هنا سوف يتحتم علينا أن نلجأ إلى الخالق وكلامه ، وما جاء عن رسوله في بيانه ، فكلام خالقنا يعطينا في تصور الحقائق بعدا أعلى من عقولنا وأوسع من مداركنا ، وهذا منتهي الرشد والكمال أن يرجع العاقل إلي رب العزة والجلال ، لكي يتعرف علي الكون وبدايته ، وعلي السر في الوجود وحكمته ، وما مصير الإنسان ونهايته ، ولو ترك الإنسان لعقله فقط فسترون كلاما معقدا يصعب فهمه أو استيعابه إلا على مراد كاتبه وإلزاماته هو .
    ونحن نعلم يقينا أن العقلاء يعلمون ويقرون أن المصنع الذي ينتج جهازا ما أو آلة من الآلات ، يضع بالضرورة دليلا مرفقا مع هذا الجهاز لشرح الخصائص المميزة ، وتوضيح التعليمات الموجزة التي تمكن الإنسان من تشغيل الصنعة وإدارتها ، ويعلمون أيضا أنه لو حدث عطب أو تلف نتيجة الالتزام بدليل النظام أو وجود خلل في المنتج أو بعض عوامل الأمان ، فالمصنع أو المصنع هو الوحيد المسئول عن الضمان ، ومسئول أيضا عن إعادة الثقة والاطمئنان لكل العملاء ، ولما كان صانع الشيء ومنتجه هو أولى من يبين خصائص الأشياء ، ويشرح للجميع نظام المصنوعات والمنتجات ، فإن من العقل والحكمة أن نرجع في البحث عن الوجود وبدايته ، ومصيره نهايته إلى صانعه وخالقه ورازقه ومالكه ، فهو سبحانه الوحيد الذي يمكن أن يفسر لنا السبب في وجود المخلوقات ، وهو الوحيد الذي يوضح لنا معاني الحكمة في الأهداف والغايات ، وتكوين النظام العام لمنهجه في جميع الكائنات .
    قبل وجود السماوات والأرض لم يذكر الله لنا سوى العرش والماء ، كما جاء في قوله تعالى : (وَهُوَ الذِي خَلقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلى المَاءِ) (هود:7) ، ومن حديث عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قَال : (كَانَ اللهُ وَلمْ يَكُنْ شَيْءٌ قَبْلهُ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلى المَاءِ ، ثُمَّ خَلقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْض ، وَكَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُل شَيْءٍ) ، وربما يسأل سائل ويقول : وماذا قبل العرش والماء ؟ والجواب : أن الله قد شاء أن يوقف علمنا عن بداية المخلوقات عند العرش والماء ، فقال تعالى : (وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلمِهِ إِلا بِمَا شَاءَ) ، فالله أعلم هل توجد مخلوقات قبل العرش والماء أم لا ؟
    لكننا نعتقد أن وجودها أمر ممكن متعلق بمشيئة الله وقدرته ، فالله أخبرنا أنه يخلق ما يشاء ويفعل ما يشاء وهو على ما يشاء قدير : (فَعَّالٌ لمَا يُرِيدُ) ، فالله عز وجل متصف بصفات الأفعال ، ومن لوازم الكمال أنه فعال لما يريد على الدوام ، أزلا وأبدا ، سواء كان ذلك قبل العرش والماء ، أو بعد وجودهما ، لكن الله أوقف علمنا عند هذا الحد ، كما أن جهلنا بذلك لا يؤثر فيما يخصنا ، أو يتعلق بحياتنا من معلومات ضرورية لتحقيق الكمال في حياة الإنسان .
    قال سليمان التيمي رحمه الله : " لو سئلت أين الله ؟ لقلت : في السماء ، فإن قال السائل : فأين كان عرشه قبل السماء ؟ لقلت : على الماء ، فإن قال : فأين كان عرشه قبل الماء ؟ لقلت : لا أعلم " ، ويعقب الإمام البخاري رحمه الله بقوله : " وذلك لقول الله تعالى : (وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلمِهِ إِلا بِمَا شَاءَ) ، يعني إلا بما بين " .
    وهذه المسألة تسمي في باب العقيدة بالتسلسل ، والتسلسل هو ترتيب وجود المخلوقات في متوالية مستمرة غير متناهية من الأزل والأبد ، والتسلسل لم يرد نفيه ولا إثباته في كتاب الله أو في سنة رسوله صلي الله عليه وسلم ، فينبغي فيه التفصيل بالدليل النقلي الصحيح ، فالتسلسل الواجب علينا اعتقاده هو ما دل عليه العقل والنقل ، فالواجب علينا اعتقاد دوام أفعال الرب تعالى في الأبد ووجود مفعولاته ومخلوقاته على الدوام ، وإن تغيرت صورها وعللها ، بمعنى أن الوجود في الدنيا صورته مستمرة ولعلة تتمثل في الابتلاء ، ثم بمشيئة الله يتغير الوجود في الآخرة إلي صورة أخرى مستمرة ولعلة أخرى تتمثل في الجزاء وبقاء أهل الخلدين في دار النعيم والشقاء ، وأنه كلما انقضى لأهل الجنة نعيم ، أو لأهل النار عذاب ، أحدث لهما نعيما وعذابا آخر لا نفاد لها ، كما قال تعالى عن أهل الجنة : (وَالذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالدِينَ فِيهَا أَبَدا لهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلا ظَليلا) (النساء :57) (وَالذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالدِينَ فِيهَا أَبَدا وَعْدَ اللهِ حَقّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلا) .
    وقال عن أهل النار : (إِنَّ الذِينَ كَفَرُوا وَظَلمُوا لمْ يَكُنِ اللهُ ليَغْفِرَ لهُمْ وَلا ليَهْدِيَهُمْ طَرِيقا إلا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالدِينَ فِيهَا أَبَدا وَكَانَ ذَلكَ عَلى اللهِ يَسِيرا) (النساء :169) (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولهُ فَإِنَّ لهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالدِينَ فِيهَا أَبَدا) (الجن :23) .
    فالواجب اعتقاده أن وجود المخلوقات في الأبد والمستقبل متوال غير منقطع أبد الآبدين ، وهذا هو ما دل عليه كتاب ربنا وسنة نبينا ، دوام أفعال الرب تعالى في الأبد وأنه كلما انقضى لأهل الجنة نعيم أحدث لهم نعيما آخر لا نقاد له ، (وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ) (الطور :22) (وَلحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ) (الواقعة :21) ، فتحقيق المراد لأهل الجنة علقه الله بمشيئتهم إكراما لهم وإظهار لمحبتهم ، بعكس الوضع في الدنيا فتحقيق المراد لأهل الدنيا علقه الله بمشيئته لا بمشيئتهم ، ابتلاء لهم وإظهار لإيمانهم ، ولذلك يقول : (مَنْ كَانَ يُرِيدُ العَاجِلةَ عَجَّلنَا لهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلنَا لهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوما مَدْحُورا) (الإسراء :18) (للهِ مُلكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لمَنْ يَشَاءُ إِنَاثا وَيَهَبُ لمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانا وَإِنَاثا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيما إِنَّهُ عَليمٌ قَدِيرٌ) (الشورى :50) أما الجنة فتحقيق المراد لأهلها علقه الله بمشيئتهم كما قال : (لهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلدَيْنَا مَزِيدٌ) (قّ :35) (لهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلكَ جَزَاءُ المُحْسِنِين) (الزمر :34) (وَالذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الجَنَّاتِ لهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلكَ هُوَ الفَضْلُ الكَبِيرُ) (الشورى :22) .
    وإذا كان هذا هو الوضع في الأبد والمستقبل فما الذي يمنعه في الأزل والماضي ، ولذلك فإن عقيد السلف أن التسلسل في الأزل جائز ممكن ، وفي المستقبل واجب لازم ، ولا يلزم من ذلك أن الخلق يشاركونه في الأولية أو الأبدية لأنه فرق كبير بين ما يبقي ببقاء الله كذاته وصفاته وما يبقي بإبقاء الله كمخلوقاته ومصنوعاته وهذا سوف يأتي بيانه بعد قليل .
    لكننا نعتقد أن وجود المخلوقات قبل العرش والماء أمر ممكن يتعلق بمشيئة الله وقدرته ، فالله أخبرنا أنه يخلق ما يشاء ويفعل ما يشاء وهو على ما يشاء قدير ، كما قال تعالى : (قَال رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لي غُلامٌ وَقَدْ بَلغَنِيَ الكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَال كَذَلكَ اللهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ) (آل عمران :40) وهذا غير مرتبط بزمان دون آخر ، وقال أيضا : (وَرَبُّكَ الغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ) (الأنعام :133) (وَاللهُ خَلقَ كُل دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْليْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللهَ عَلى كُل شَيْءٍ قَدِير ٌ) (النور :45) (الحَمْدُ للهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِل المَلائِكَةِ رُسُلا أُولي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الخَلقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللهَ عَلى كُل شَيْءٍ قَدِيرٌ) (فاطر :1) ، فالله عز وجل متصف بصفات الأفعال ، ومن لوازم الكمال أنه فعال لما يريد على الدوام أزلا وأبدا ، سواء كان ذلك قبل العرش والماء ، أو بعد العرش والماء ، لكن الله كما ذكرنا أوقف علمنا عند العرش والماء كما قال) وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالغَمَامِ وَنُزِّل المَلائِكَةُ تَنْزِيلاً) (الفرقان:25) : (وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلمِهِ إِلا بِمَا شَاءَ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلمِهِ إِلا بِمَا شَاءَ) (البقرة:255) أما نهاية الوجود فإن نهاية الحياة الدنيا يعني بداية الآخرة ، فالمخلوقات وجودها مرتبط بالعلة التي خلق الله الإنسان من أجلها حيث استخلفه في أرضه واستأمنه في ملكه وابتلاه بتوحيد العبادة لله ، فالمخلوقات مسخرات بأمر الله ، قائمات على خدمة الإنسان ، فإذا انتهت دار الامتحان الابتلاء ، هيأ الله في الآخرة دار الحساب والجزاء ، فتكورت الشمس وتبعثرت النجوم وسيرت الجبال وعطلت العشار وسجرت البحار ، وزلزلت الأرض زلزالها ، فالسماوات التي خلقها الله ورفعها ، وفصلها عن الأرض وحفظها ، سوف تتغير بعد انتهاء دورها ، وأداء وظيفتها في انقلاب كوني شامل لهذه الحياة ، يقول الله تعالى : (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالغَمَامِ وَنُزِّل المَلائِكَةُ تَنْزِيلاً المُلكُ يَوْمَئِذٍ الحَقُّ للرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْماً عَلى الكَافِرِينَ عَسِيراً) (الفرقان:26) وقال تعالى : (وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ) (النمل:87) كما أن الله تعالى أخفي عن الناس وقت قيام الساعة ، لتظهر حكمته في ابتلاء الإنسان ، ويرى سعيه في العبادة والإيمان ، قال تعالى : (إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى) (طـه:16) ، وبذلك يحرص الإنسان دائما على سعادته وأمنه في الآخرة قبل الدنيا ، ويعلم أن سعادته في الدنيا مرهونة بالتزام تدبير الله الشرعي والاستعانة بتدبيره الكوني ، فيرجع علي الدوام إليه ويستعين به ويتوكل عليه ، يخافه ويرجوه ، ويحبه ويدعوه ، لعلمه أن الأمر يرجع إلى من كانت أزمة الأمور بيديه ومرجعها إليه ، فما شاء كان ، وما لم يشأ لم يكن .
    يقول تعالى : (أَوَلمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللهُ الخَلقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلكَ عَلى اللهِ يَسِيرٌ قُل سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الخَلقَ ثُمَّ اللهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ إِنَّ اللهَ عَلى كُل شَيْءٍ قَدِيرٌ) (العنكبوت:20) فانظر إلي الكون تراه في كمال الانضباط ، كل يسير خاضعا لأمر الله ، ولم يكن الكون على هذا الحال أو بهذا الكمال والجمال ، لمجرد انفجار مفاجئ حدث منذ القدم كما تقول نظرية الانفجار ، بل بنى أركانه الواحد القهار ، وأمسكه بقدرته من التخبط والزوال ، كما بين ذلك للجميع فقال : (إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلئِنْ زَالتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَليماً غَفُوراً) (فاطر:41) ، وقال أيضا : (وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلى الأَرْضِ إِلا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لرَؤُوفٌ رَحِيمٌ) (الحج:65) ) أَلمْ تَرَ أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لكُمْ مَا فِي الأَرْضِ وَالفُلكَ تَجْرِي فِي البَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلى الأَرْضِ إِلا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لرَؤُوفٌ رَحِيمٌ) (الحج:65) ، فالكون في ثبات وأمان ، تتوالى أيامه على مر الزمان ، منذ أن رفع الله السماء وفتقها ، وبسط الأرض ومدها ، كما قال سبحانه : (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلكَ الدِّينُ القَيِّمُ فَلا تَظْلمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) (التوبة:36) ، ولم يكن هذا الإنسان يوما خلية أولية ، تم تطورت فأصبحت قردة برمائية ، ثم تطورت فكونت السلالة البشرية إلى غير ذلك من فكر دارون ودعاوى الماركسية ، وعلى ذلك يمكن لكل عاقل أن يدرك سر خلق العالم على هذا الوضع الذي نراه ، وهل سيبقى على ذلك أبد الآبدين ؟ أم ليوم معلوم وأجل محتوم قدره الله ؟
    فالبداية بينها الله لنا والنهاية أمر محتوم علينا ، وقوعه لا يتوقف على إيماننا أو عدمه ، حيث تبدل فيه الأرض غير الأرض والسماوات ، (زَعَمَ الذِينَ كَفَرُوا أَنْ لنْ يُبْعَثُوا قُل بَلى وَرَبِّي لتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلتُمْ وَذَلكَ عَلى اللهِ يَسِيرٌ) (التغابن :7) (أَوَلمْ يَرَ الأِنْسَانُ أَنَّا خَلقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ وَضَرَبَ لنَا مَثَلا وَنَسِيَ خَلقَهُ قَال مَنْ يُحْيِي العِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُل يُحْيِيهَا الذِي أَنْشَأَهَا أَوَّل مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُل خَلقٍ عَليمٌ أَوَليْسَ الذِي خَلقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلهُمْ بَلى وَهُوَ الخَلاقُ العَليمُ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئا أَنْ يَقُول لهُ كُنْ فَيَكُونُ فَسُبْحَانَ الذِي بِيَدِهِ مَلكُوتُ كُل شَيْءٍ وَإِليْهِ تُرْجَعُونَ) (يّس :83) (يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا للهِ الوَاحِدِ القَهَّارِ) (ابراهيم :48) ، فالسعيد من رجع إلى ربه مستغفرا من ذنبه والشقي من اتبع هواه وكفر بالله : (يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلمُ نَفْسٌ إلا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ فَأَمَّا الذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ وَأَمَّا الذِينَ سُعِدُوا فَفِي الجَنَّةِ خَالدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إلا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذ ٍ) (هود :108) .
    نعود إلى السؤال الذي ذكرناه في بداية موضوعنا : هل الوجود والزمان دائمان أزليان أبديان بحيث يستمر الزمان ويمتد في الوجود من طرفين دائمين وغير منقطعين ، تتسلسل الأحداث فيه وتتوالي في الأزل وفي الأبد ، أم أن الوجود له بداية ونهاية ؟ علمنا أن البداية التي أوقف الله علمنا عندها هي العرش والماء ، وما قبل ذلك فالله أعلم به والله يخلق ما يشاء ، أما نهاية الوجود فالوجود لانهاية له وهو دائم أبد الآبدين ، ولكن تتغير صور الحياة وعللها ، فنهاية الحياة الدنيا متوقفة على مشيئة الله ، إن شاء أبقي وإن شاء أمات وأحيا ، فإن مات إنسان فإنه ينتقل إلى دار أخري هي روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار ، حتى يأتي يوم القيامة ، فإذا بدلت الأرض والسماء ، خلق الله عالما آخر يتناسب مع دار الحساب والجزاء ، ودار النعيم والشقاء ، ويبقى الوجود عند ذلك أبد الآبدين .
    كيف نجمع بين وصف الله عز وجل بأنه الآخر الباقي الذي ليس بعده شيء ، وبقاءِ المخلوقات في الجنة ودوامِها وأبديتِها ، كما قال تعالى عن أهل الجنة ونعيمها ودوام لذتها : (قَال اللهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالدِينَ فِيهَا أَبَدا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلكَ الفَوْزُ العَظِيمُ) (المائدة :119) وكما قال تعالى عن أهل النار وعذابها ودوام شقوتها : (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولهُ فَإِنَّ لهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالدِينَ فِيهَا أَبَدا) (الجن :23) ؟ وما تفسير قول الله تعالى : (كُلُّ مَنْ عَليْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الجَلال وَالأِكْرَامِ) (الرحمن :27) ، وعند مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي كان يقول في دعائه : (اللهُمَّ أَنْتَ الأَوَّلُ فَليْسَ قَبْلكَ شَيْءٌ ، وَأَنْتَ الآخِرُ فَليْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ) ؟
    لا شك أن بقاء أهل الجنة والنار أبدا يبدو في الظاهر متعارضا مع إفراد الله عز وجل بالبقاء ، وأنه الآخر الذي ليس بعده شي ، لقد كانت هذه المسألة محل خلاف بين فرق المسلمين ، عندما اختلفوا حول مفهوم الأبدية لأهل الجنة والنار في القرآن الكريم حتى فسرها البعض بطول الأمد ، فالأبد عندهم يعنى الزمان الطويل ، لكنه مهما طال فهو محدود زائل ، وليس معنى الأمد عندهم البقاء اللانهائي ، وبعضهم قال بفناء الجنة والنار ، وبعضهم قال بفناء النار فقط .
    ولا بد هنا أن نفرق في قضية البقاء بين ما يبقى ببقاء الله وما يبقي بإبقاء الله ، أو نفرق بين بقاء الذات والصفات الإلهية ، وبقاء المخلوقات التي أوجدتها الصفات الإلهية ، فالجنة مثلا باقية بإبقائه ، وصفاته باقية ببقائه ، وشتان بين ما يبقي ببقائه وما يبقي بإبقائه ، فالجنة مخلوقة خلقها الله عز وجل وكائنة بأمره ورهن مشيئة وحكمه ، فمشيئة الله حاكمة علي ما يبقى وما لا يبقى .
    ومن ثم فإن السلف يعتبرون خلد الجنة وأهلها إلى ما لا نهاية إنما هو بإبقاء الله وإرادته ، فالبقاء عندهم ليس من طبيعة المخلوقات ولا من خصائصها الذاتية ، بل من طبيعتها جميعا كمخلوقات خلقها الله ، من طبيعتها جميعا الفناء ، فالخلود ليس لذات المخلوق أو طبيعته ، وإنما هو و بمدد دائم من الله تعالى ، وإبقاء مستمر لا ينقطع ، أما صفات الله عز وجل ومنها وجهه ويده وعينه وعلوه ، ورحمته وعزته وقوته وملكه ، فهي صفات باقية ببقائه ملازمة لذاته ، باقية ببقاء ذاته سبحانه وتعالى ، حيث البقاء صفة ذاتية له ، كما أن الأزلية صفة ذاتية لله تعالى ، فلا بد أن نفرق بين صفات الأفعال الإلهية وأبديتها ، وبين مخلوقات الله الأبدية وطبيعتها ، والقرآن الكريم فرق بين نوعين من البقاء ، الأول : في قوله تعالى : (كُلُّ مَنْ عَليْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الجَلال وَالإِكْرَامِ) وقوله : (كُلُّ شَيْءٍ هَالكٌ إِلا وَجْهَهُ لهُ الحُكْمُ وَإِليْهِ تُرْجَعُونَ) (القصص :88) ، والثاني : في قوله تعالى : (وَمَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى للذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) (الشورى :36) وقوله : (وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلا تَعْقِلُونَ) (القصص :60) (وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى) (الأعلى :17) . فالأيات الأولى دلت على صفة من صفات الذات وهى صفة الوجه ودلت على بقاء الصفة ببقاء الذات ، فأثبتت بقاء الذات بصفاتها ، وأثبت فناء ما دونها أو إمكانية فنائه ، إذ أن الله هو الأول والآخر وهو قبل كل شيء وبعد كل شيء وكما جاء في الحديث : (اللهُمَّ أَنْتَ الأَوَّلُ فَليْسَ قَبْلكَ شَيْءٌ ، وَأَنْتَ الآخِرُ فَليْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ) ، قال ابن كثير في قوله تعالى : (كُلُّ مَنْ عَليْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الجَلال وَالإِكْرَامِ) (الرحمن :27) (أخبر الله بأنه الدائم الباقي الحي القيوم الذي تموت الخلائق ولا يموت ، فعبر ببقاء الوجه عن بقاء الذات لأن الوجه من صفات ذاته سبحانه وتعالى ، أما الآيات الأخرى فبقاء المخلوقات فيها لا لذاته ولكن بعطاء من الله ، لإكرام أهل طاعته وإنفاذ عدله في أهل معصيته ، ولذلك يقول سبحانه : (إِنَّ للمُتَّقِينَ مَفَازا حدائق وأعنابا وكواعب أترابا وكأسا دهاقا لا يسمعون فيها لغوا ولا كذابا جزاءا من ربك عطاءا حسابا) (النبأ :31) .
    وهنا سؤال نلخص به الموضوع : هل كان الله معطلا عن الخلق والفعل والقدرة ثم لما خلق الخلق أصبح خالقا فاعلا قادرا ؟ فيجيبه الإمام الطحاوي بقوله : (ما زال بصفاته قديما قبل خلقه ، لم يزدد بكونهم شيئا ، لم يكن قبلهم من صفته ، وكما كان بصفاته أزليا ، كذلك لا يزال عليها أبديا ، ليس بعد خلق الخلق استفاد اسم الخالق ، ولا بإحداث البرية استفاد اسم الباري ، له معنى الربوبية ولا مربوب ، ومعنى الخالق ولا مخلوق ، وكما أنه محيي الموتى بعدما أحيا ، استحق هذا الاسم قبل إحيائهم ، كذلك استحق اسم الخالق قبل إنشائهم ، ذلك بأنه على كل شيء قدير ، وكل شيء إليه فقير ، وكل أمر عليه يسير ، لا يحتاج إلى شيء ، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) .
    فهو سبحانه وتعالى ليس قبله شيء متصف بصفات الكمال ، فصفاته صفات أزلية وأبدية ، فكما أنه أول بلا بداية ، فكذلك صفاته ملازمة لذاته ، فهي أولية بأولية الله سبحانه وتعالى ، فلم يكن أولا بلا صفات ثم حدثت له الصفات بعد ذلك ، كما يقول ذلك من يقوله من أهل الضلال ، فالله سبحانه وتعالى ليس لصفاته بداية كما أنه ليس لذاته بداية ، فهو الخالق دائما وأبدا ، وهو الرازق دائما وأبدا ، وهو العلى دائما وأبدا وهو القوي دائما وأبدا وهو رب العالمين دائما وأبدا ، لا نقول بأن الله لم يكن خالقا إلا بعد أن خلق الخلق ، بل هو خالق من الأزل ، لا بداية لذلك ، أما مخلوقاته فهي متنوعة متجددة ، يخلق ما يشاء ، ويفعل ما يشاء ، فهو رب قبل وجود العالمين وحال وجود العالمين وبعد وجود العالمين هو رب العالمين ، وكما أنه محيي الموتى بعدما أحيا ، استحق هذا الاسم قبل إحيائهم ، كذلك استحق اسم الخالق قبل إنشائهم ، ذلك بأنه على كل شيء قدير ، فالقدرة وصف أزلي لذاته ، لم يكتسبه بعد وجود مخلوقاته ، ولا يتطلب الأمر عنده دليلا وبرهانا حتى يصفه الناس بما يستحق ، كما هو الحال عندنا ، فالله (ليْسَ كَمِثْلهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) (الشورى :11) أما نحن فالواحد منا لا يوصف بأنه قوي إلا إذا ظهر دليل قوته ، ولا يوصف بأنه حكيم إلا إذا ظهر دليل حكمته ، ولا يوصف بأنه غني إلا إذا ظهر دليل عزه وغناه ، ولا يوصف بأنه ملك إلا إذا نصبناه وملكناه ، أما ربنا فهو الغنى لا إله إلا الله ، كل شيء إليه فقير ، وكل أمر عليه يسير ، لا يحتاج إلى شيء ، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ، فكمال الأشياء مستمد من الله الغنى ، وحياة العالم مستمدة من الله الحي ، أما هو فلا يستمد وصفه من خلقه ، ولا يمكن لملك الملوك أن يفتقر إلي شيء من ملكه كيف وهو القائل (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الفُقَرَاءُ إِلى اللهِ وَاللهُ هُوَ الغَنِيُّ الحَمِيدُ) (فاطر :15) (إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لعِبَادِهِ الكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لكُمْ وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَليمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) (الزمر :7)
    والموقف السلفي تجاه هذه المشكلة موقف واضح ، فالسلف لا يفرقون فى إثبات الصفات بين القدم فى صفات الذات والقدم فى صفات الأفعال ولا يلزم من ذلك القول بقدم المفعولات ، قال سهل بن عبد الله التستري : ( الوحدانية فى الأصل أنه كان ولم يكن شيء فهو فرد ، علم وشاء وقضى فقدر ووفق وخذل وتولى وعصم وأثاب وعاقب والأعمال تنسب إلى العباد والبداية منه والتمام عليه ) (المعارضة والرد على أهل الفرق وأهل الدعاوى فى الأحوال ، لسهل بن عبد الله التستري ، تحقيق الدكتور محمد كمال جعفر ص 80 طبعة دار الإنسان سنة 1980م ) . فالأشياء كلها بعلم الله وقدرته ، وليست هي العلم والقدرة ولكنها بعلم وقدرة . ويخاطب التستري من أنكر قدم صفات الأفعال فيقول : يقال لمن أنكر هذا : أخبرني عن الله أهو تام كامل ؟ فإن قالوا : نعم . فيقال لهم : فهو مع تمامه وكماله هو أول وهو حي وهو عالم وهو قادر ؟ فلابد من قولهم : نعم . فيقال لهم : هذه صفات الذات والأشياء كلها داخلة فى هذه ، وهذه الأفاعيل كلها فى القدرة فهو حي عالم قادر جل ثناؤه (السابق ص 81) . وفكرة التستري قائمة على أن المخلوقات كانت معلومة فى علم الله فى الأزل ، ثم شاء الله أن يكتبها فى اللوح المحفوظ فكتبها ، وبهذا تم القضاء ، فلما خلقها بقدرته تم التقدير والقدرة معا كما قال تعالى : (وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً) (الأحزاب:38) ، ومن ثم كان كل شيء داخلا فى العلم .
    فالقضاء عنده علم وكتابة ومشيئة ، والقدر علم وكتابة ومشيئة وخلق ، فمرد الأشياء إلى العلم والعلم صفة ذات قديم بقدم الله . ولهذا لما سئل الإمام أحمد رحمه الله عن القرآن وكلام الله وموقفه من خلقه قال للسائل : ( أخبرني عن العلم ، فإذا كان العلم مخلوقا كان القرآن مخلوقا وإذا كان العلم صفة من صفات الله غير مخلوق ، كان كلام الله كذلك ) طبقات الشافعية ح 2 ص 27.
    لأن القرآن كان فى علم الله فى الأزل وكتبه فى اللوح المحفوظ قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة ، كما قال تعالى : ( إنه لقرآن كريم فى كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون ) (الواقعة / 77 : 79) فاللوح فيه كلمات الله وكلام الله غير مخلوق وإن كان مكتوبا .
    فاحتج الإمام أحمد رحمه الله على قدم صفات الأفعال بقدم صفات الذات ، ويكشف الغزالي عن فكرة التستري فى إثبات صفات الأفعال والرد على من قال : إن إثباتها يستلزم حدوثها ، بحجة أنه لا خلق فى الأزل فكيف يكون حالقا فى الأزل ؟ فيقول : إن السيف يسمى صارما قبل القطع وحال القطع ، وهو فى الأول صارم بالقوة وفى الثانى صارم بالفعل ، فالبمعنى الذي يسمى به السيف فى الغمد صارما يصدق اسم الخالق على الله تبارك وتعالى فى الأزل (الاقتصاد فى الاعتقاد لأبي حامد الغزالي ص 158 1) .
    فالله وله المثل الأعلى ما زال بصفاته قديما قبل خلقه ، ولا فرق بين صفة هي صفة ذات أو صفة هي صفة فعل . وخلق المخلوقات لا يزيد فى صفات الله شيئا لم يكن من قبل ، فهو المسمى بالخالق قبل الخلق وحال الخلق وبعد فنائهم ، كما أنه منفرد بالربوبية قبل خلق العالمين ، وحال خلقهم وبعد فنائهم .
    وعلماء السلف ومن سلك نهجهم على أنه لا يجوز أن يحدث لله تعالى صفة لم يستحقها فيما لم يزل ، وأنه لم يستحق اسم الخالق لخلقه الخلق ، ولا لإحداث البرية استحق اسم الباري ولا بتصويره الصور استحق اسم المصور ، ولو كان كذلك لكان ناقصا فيما لم يزل وتم بالخلق .
    وبعد هذا الطرح نقول لمن سأل : هل من الممكن حصول فعل متعدي بدون مفعول؟ وهل هذا يستوجب حدوث صفات الفعل المتعدية ؟ ولو لم تكن حادثة هل يعني هذا تعطيل هذه الصفات لتلافي القول بقدم العالم ؟ .
    إن أساس المشكلة عند أصحاب المنهج الكلامي العقلي هو قياس أفعال الخالق على أفعال المخلوق وعدم التصور الصحيح للعلاقة بين القدرة الإلهية المطلقة وتحقيق الحكمة التي دل عليها اسمه الحكيم ، وقد يصعب تصور ذلك في حق المخلوق لكن الخالق سبحانه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير .
    والأمر يتطلب مزيدا من الفهم والبيان لمسائل القضاء والقدر وحكمة الله في خلق الكون واستخلاف البشر ، وأنصح من أراد المزيد بقراءة كتاب شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل الإمام ابن قيم الجوزية .

  9. افتراضي

    بارك الله فيك اخي فيصل
    وبارك في الدكتور الرضواني
    وجعلني الله خير تلميذ لخير اساتذة

    والسلام عليكم

  10. #10

    افتراضي

    جزاكم خيرا

  11. #11

    افتراضي

    جزاكم الله خيرا

  12. #12

    افتراضي

    جزك الله كل خير

  13. افتراضي

    السلام عليكم
    نفع الله بعلم الجميع لدي استفسار وارجو الرد بارك الله فيكم
    1 لدي تفسير الشعراوي رحمة الله تعالى وانا اجدة من نفائس العلم هل تنصحون بقرائته لا سيما وان الله تعالى اعطى الرجل قدرة على فهم كتاب الله وتفسيرا شيقا واسلوب مميز
    2 هل عقيدة الشعراوي رحمة الله تعالى اشعريه كما نسمع ام انه ينتمي لاهل السنه والجماعه
    3 اذا كان اشعري ما يؤخذمنهم وما يرد عليهم
    وفق الله الجميع لكل خير
    السلام عليكم

  14. افتراضي

    السلام عليكم
    الى الان لم تلقى اي اجابه
    وشاكر للجميع

  15. افتراضي

    السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
    بارك الله فيكم موضوع جميل أةد أن أعرف هل الألباني رحمه الله وافق الأشاعره في تسلسل الأحداث

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. أبحث عن إحالة في موقف الفلاسفة المادي من الصفات
    بواسطة هوازن في المنتدى قسم العقيدة والتوحيد
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 08-06-2011, 01:32 AM
  2. مسائل عن الأشاعرة
    بواسطة صقراوي في المنتدى قسم العقيدة والتوحيد
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 05-11-2010, 06:40 PM
  3. صبحي منصور ينكر السنة القولية و الفعلية وكذب تلميذه بيمر
    بواسطة ابو مارية القرشي في المنتدى قسم السنة وعلومها
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 12-11-2005, 02:31 PM

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء