القارئ لكتب ريتشارد داوكنز
يصدم مع كل فصل بمغالطات وأخطاء عدّة في في أفكاره ومنطقه ، يستغرب حقا ً صدورها من "بروفسور"
له وزنه في الأوساط العلمية وبين أتباعه ومريديه ، وهذه المغالطات تتفاوت في سذاجتها ، إلى
أن تطلي بعضها على كثير من المغيّبين
وأكثر هذه الأفكار ترديدا ً وانطلاءا ً هما :
الأولى : أن افتراضنا أن شيئا ً معقّدا ً يحتاج إلى صانع - لأنه معقّد - ، يعني أن الصانع لابد أن يكون أكثر تعقيدا ً منه
وبذلك الصانع بطريق أولى يحتاج إلى صانع آخر ...
الثانية : هي أن المؤمنون يعتبرون مؤمنين بنسبة لآلههم الذي يعتقدون به ،
ملحدون تجاه الآلهة الأخرى كـ اهورا إله الخير لدى الفرس ،
وإيل إله السماوات لدى الحضارات مابين النهرين ( وهذه نقطة مللت سماعاها من الملحدة وفيها من التخليط الكثير)
والكلام في هذا الموضع ، هو حول النقطة الأولى ، وسأرجئ الكلام على النقطة الثانية في موضع آخر بإذن الله.
خلاصة كلامه لو أردنا أن نلخصها إلى قضية منطقية هي كالآتي
1- المعقّد لابد له من صانع لأنه معقّد
2- الصانع لابد أن يكون أكثر تعقيدا ً من مصنوعه
إذا ً من باب أولى الصانع يحتاج إلى صانع لأنه أكثر تعقيدا ً .. وهكذا إلى مالا نهاية
وبهذا المنطق السخيف ، يرى عدم جدوى دليل النظام أو العناية
وداوكنز ، يفترض أن اعتقاد أزلية أو قِدَم الكون أو افتراض أن التعقيد صادر عن عملية عشوائية
كالطفرات العشوائية ثم الانتخاب الطبيعي كبديل للصانع والخالق .
والكلام على هذا الاستدلال الخاطئ حاصل في ثلاث نقاط .
1- كيف عرفت ومن أين عرفت أن الله يوصف بأنه معقّد ؟
ومن قال أن الله تعالى يتكوّن من أجزاء متداخلة حتى تصفه بأنه معقّد ؟
إن المؤمنين بالله كما أنهم لا يصفون ربّهم بأنه ذكر أو أنثى أو حار أو بارد لا يصفونه بأي تعقيد
أو بساطة ولا يتعلق به أي وصف للتعقيد .
2 - أننا لا نسلّم بالمقدمة التي يقال" الشيء المعقّد لابد له من صانع أكثر تعقيدا منه "
من أين أن صانع الشيء لابد أن يكون أكثر تعقيدا ً ؟ والمقدّمة هذه غير معتبره ، لأن اعتبار الانتخاب الطبيعي
والطفرات العشوائية مسؤولة عن التصميم في الكائنات ناقض للمقدّمة ، لأنها عملية بسيطة قد نتج عنها شيء معقّد
ومن ثم ، أن بمجرد وجود القصد والإرادة أو "البرمجة" يمكن أن يصنع التعقيد وفي أعلى مستوياته ، ولنفترض روبوت
يقوم بصنع شيء يزداد تعقيد مع الوقت ، سيصل إلى مرحلة يكون فيها الشيء المصنوع أكثر تعقيدا ً من الروبوت نفسه.
3 - لنفترض أن المقدّمتين " أن الصانع معقّد " وأن " الصانع أكثر تعقيداً من مصنوعه " صحيحتين ، .. افتراضا ً
مع شدّة بطلانها وعورها .. هل هذا دليل عدم وجود الصانع للشيء المعقّد ؟
هل يحقّ لنا أن نتفرض أن الساعة أو الطائرة أو السيارة
أو أي شيء معقّد ليس لهما صانع أو انهما أزليّتان لمجرّد
أن هذا يعني أن صانعهما أكثر تعقيدا وبهذا يحتاج إلى صانع آخر ؟
الإجابة البديهية هي لا ، وأساس المغالطة التي يرتكبها داوكنز ، هو اعتقاده أننا أن نعتقد بأن الشيء
يحتاج إلى صانع لأنه معقّد ، ولأنه معقدّ فهو يحتاج إلى صانع فأراد هو أن يقلب القاعدة على المؤمنين بقوله
أن الصانع أشد تعقيدا ً فهو من باب أولى يحتاج إلى صانع .
ونحن لا نقول بأن الشيء يحتاج إلى صانع لأنه معقدّ فقط ، بل لأنه معقّد و محدَث
وأكرر لأنه محدث أي أنه لم يكن ثم كان . لا لأنه فقط معقدّ ، لأنه جائز في العقل أن يكون شيء
معقدّ ولكنه قديم ( أزلي) وبهذا فهو ليس له بداية فبذلك لا يحتاج إلى صانع .
فاعتقادنا مثلا ً ، أن الكائنات الحيّة محتاجة إلى صانع لا لكونها فقط معقّدة ، بل لأنها
محدثة وأن وجودها لم يكن أزليا ً ودلنا على هذا أدلّة أخرى غير كونها معقّدة هي التي دلّتنا على حدوثها.
فاجتماع الحدوث والتعقيد هما الذان دلّانا على الصانع ،
وبما أنه ثبت لدينا حدوث المصنوع مع تعقيده فإننا مباشرة
نقول بأزليّة الصانع وقِدَمه ، وذلك لأن السلسلة لا يمكن أن تمتد إلى مالا نهاية ، ولأنه لم يدل شي على حدوثه
وإن كان الصانع أشد تعقيدا ً من المصنوع (مع أننا لا نقول بأنه يتعلق به بساطه أو تعقيد)
ملاحظة :
هذه هي الطريقة التي سلكها القرآن في إثبات الصانع في كثير من المواضع
كقوله تعالى
"إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار ... "
و كقوله تعالى " أرأيتم ما تمنون * أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون "
فهنا دلّل على حدوث الشيء ثم على اتقانه للدلالة على صانعه
وهذه الطريقة هي أيضا ً الطريقة التي سلكها نظّار المسلمين في إثباب الصانع ، فكانت مقدّمتهم الأولى
هي في إثبات حدوث العالم وأجزائه ، ومن ثم في إثبات أن الفاعل هو الله تعالى ..
وجزاكم الله خيرا ً
Bookmarks