عندما سُئل دوكنز اثناء حواره مع الاعلامى بن ستاين و ذلك فى الفيلم الوثائقى "expelled : no intelligence allowed عن ماذا سوف يقول اذا ما التقى باله ما يوم القيامة و قال له : اننى اعطيتك كل شئ ، الشهرة و المال و انظر ماذا فعلت؟
فكان جواب دوكنز انه ابتسم ثم قال:
بيرنارد راسل وضع هذه النقطة فى اعتباره، فقال شيئاً مثل: سيدى لماذا تجشمت كل تلك الآلام لاخفاء نفسك؟
هذه الجملة و التى اسندها دوكنز الى زعيم الالحاد فى القرن العشرين راسل، تختصر بجلاء موقف الملحدين من وجود الله و تعكس طريقة تفكيرهم.
لا اعلم لماذا تذكرت بعدها قول الله تعالى على لسان اليهود:
وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ
لنرى ما وجه التشابه بين فكر يهود الأمس و ملحدى اليوم.
دعنا نتخيل هذا الحوار مع دوكنز
سيد دوكنز لقد ذكرت من قبل ما معناه أن الادلة على وجود الله غير كافية لكى تؤمن به و أن الله أخفى نفسه عنا و هى حجة مقنعة جداً فى نظرك اليس كذلك؟
قال: نعم
قلت: اذن ما هى الأدلة التى تُقنعك على أن الله موجود؟ بمعنى ماذا ترى على الله فعله ( تعالى الله عن هذا علواً كبيراً) ليثبت لك أنه موجود؟
قال: مممم لا ادرى و لكن اذا كان حقاً موجوداً و قدرته لا متناهية فيستطيع ان يفعل ما يراه مناسباً ليبين لنا انه حق و موجود.
أجبته: لقد وهبنا الله العقل و الذى دلنا على وجوده و لكنكم تنكرون دليل العقل. فتعترفون بالسببية فى كل شئ و تنكرونها فى حالة واحدة الا و هى أن لهذا الكون خالق!!
ثم ها انتم تعترفون بحكمة كل شئ و لا يستطيع الطبيب أو المهندس ان يشرح اى شئ الا ان يربطه بحكمة وجوده. فعندما يتحدث الطبيب عن العين، يقول الشبكية موجودة ليسقط عليها الضوء و هى مكونة من خلايا من النوع الفلانى لكى كذا.... و هكذا.
لكن عندما نصل الى اصل الحياة نسمع منكم كلاماً عجباً. فالحياة بدأت بخبطة عشواء لا حكمة و لا تدبير من وراءها.
ثم ها هو الله ارسل لكم الرسل و معهم الكتب فهل كلفتم نفسكم مؤونة البحث و التقصى لمعرفة هل هى فعلاً من عند الله أم لا؟
مع ذلك دعنى يا سيد دوكنز افترض معك انه ربما هذا الصنف من الأدلة لا يقنعك و لا يُشبع عقلك النهم للمعرفة. و بما انك لم تُحدد على وجه الدقة ما نوع الدليل الذى تطلبه فاسمح لى باقتراح بعض التصورات و التى ربما يطلبها ملحد فى القرن الحادى و العشرين.
ما رأيك فى ان ترى الله جهرةً؟
قال: مممم لستُ بهذه السذاجة ليس بالضرورة ان نرى الله.
قلت له: اذن فهل مثلاً تريد أن ترصد الاشعة الكونية و تستمع الى رسائل من السماء تدل على الله؟
قال: يعنى ليس فى خاطرى كما قلتُ لك شئ معين و لكننى ابحث عن دليل علمى موضوعى
قلت: لا يخرج الدليل العلمى عن فكرة نظرية ثم تنبؤ رياضى و يتم التأكد من النبوءة الرياضية بالتجربة. و التجربة تخضع للحواس لا محالة. فالدليل العلمى الذى تعنية و هو الدليل المبنى على قوانين الفيزياء، الكيمياء أو الأحياء و هو لا يخرج عن طلب اليهود سابقاً أن يروا الله جهرةً. فاذا ما تمكنا من رصد اشعة، جسيمات ...الخ و قلنا أن هذا دليل مادى على وجود الله، فمعنى هذا أن الله يرسل تلك الاشارات (تعالى الله عن هذا) و هل وقتها ستقتنع أن الاله يخضع لقوانين الكون. فهى ( أى القوانين) تحكم حركته و تصرفاته. فكيف يستقيم فى ذهن عاقل مجرد فكرة ان الله يخضع للعلم المادى و هو خالقه؟؟
قال ضاحكاً: فهو اذن غير موجود. و اشكرك فقد اثبت لى دون ان تدرى ان الله غير موجود.
قلت: لقد اثبت لك أن الاله الذى تتصوره غير موجود. فأنت من تصورت الاله بصورة غير صحيحة ثم ذهبت تبحث عنه و طبيعى جداً الا تجده. فأنت تريد اله يتم التأكد من وجوده باستخدام العلم التجريبى مباشرةً. كما يتم الكشف عن النجوم المتذبذبة أو الاجسام السوداء. و نسيت أو تناسيت أن الله لا يمكن أن يخضع لهذه القوانين. لأنه لو خضع لها فكيف يستقيم أنه خالقها؟؟. بل كيف يتكون الخالق المدبر من جسيمات يتم دراسة حركتها داخل المختبرات و يتم تصادمها بعضها ببعض و تغيير حركتها باستخدام المجالات الكهربية و المغناطيسية؟؟
و نسيت الدليل العقلى القطعى الذى دل عليه مبدأ السببية أو غيره. خلاصة القول أنك حصرت الأدلة فى المنهج التجريبى و افترضت أن المنهج التجريبى هو اساس المعرفة و ناقضت نفسك، فلماذا تخضع نتائج التجربة للتحليل و التمحيص المبنى على مسلمات عقلية؟.
قاطعنى ضاحكاً: دعك من هذه الفلسفة فها قد بعدتنا عن الموضوع الأصلى. فلنفترض أن الله لا يخضع لهذه القوانين و أننى لا اقتنع بأن الأدلة المبنية على السببية أو غيرها كافية لاثبات وجود الله. فلماذا لا يدلنا على وجوده بأن يرينا دلائل قدرته اللامتناهية مثلاً، فنخر له سجداً؟
اجبته: كلامك لطيف مستر دوكنز، فها انت تطلب معجزات كما طلب السابقون؟
قال ضاحكاً: أنا لا اطلب شيئاً و لكن اليس الله قادر على كل شئ؟ فما الذى يعجزه عن اظهار معجزة لى الآن؟؟؟
قلت له: دعنا نتخيل ان الله فعلاً استجاب لك فهل ستؤمن به؟
قال : طبعاً
قلت له: فلنتخيل أننا استيقظنا فى صباح الغد و وجدنا أن السماء نُقش عليها كلمة "الله" فى كل مكان فهل ستعترف بوجوده.
قال و هو يرمقنى بنظرة خبيثة: فليفعل ذلك أولاً. على الأقل حتى يقيم على الحجة.
قلت له: و الله لو أمنت بعدها لعددتك أحمقاً مستر دوكنز.
نظر الى مستغرباً و قال: غريب أمركم ايها المؤمنون.
قلت له: بل الغريب هو أمركم ايها المتناقضون. فأنت مستعد أن تعترف بأن هذا النقش هو دليل و فى الوقت ذاته تجزم بأن الكون كله جاء بالصدفة. فهل تراكم السحاب بشكل معين اعز احتمالاً من احتمال تطور الانسان من خلية أولى لا دليل عندك أصلاً على أنها تكونت بالصدفة؟؟؟
أقول لك ما الذى سوف يحدث وقتها، لن تؤمن و ستقول صدفة و خيال الانسان خصب، و الانسان عادةً يرى الأمور بشكل مختلف حسب حالته النفسية. و نظراً لاهتمامى بالبحث عن اثبات فربما اتوهم اى شئ عادى على انه دليل على وجود الله. ثم ترجع ثانيةً للكلام حول دليل مادى من النوع " ارنا الله جهرةً"
ثم دعنا نفترض أن الله شق البحر كما حدث لموسى عليه السلام و قومه. فماذا سيكون رد فعلك؟
قال:مممممم
قاطعته: سوف تدعى أن هذه ظاهرة طبيعية و القدماء لم يعرفوا تفسيرها و اذا ما فسرنا كل شئ بارجاعه الى المعجزة فلن نتقدم خطوة الى الامام. و نحن لم نتقدم الا بعد ان بدأنا نربط الاحداث باسبابها المادية.
قال: اعتقد اننا لن نصل الى نتيجة من هذا النقاش فأنا ارى انه لا دليل كافى على وجود الله و هذه هى قناعتى.
قلت له: حقاً لن يصل بنا الحوار الى أى نتيجة ايجابية. كل ما فى الأمر أنك ترى بأنه لا يوجد دليل كافى على وجود الله و فى الوقت ذاته أى دليل مهما كان لن تقر بنتيجته. فاما ان تقر بالادلة المنطقية أو بدليل الفطرة أو بأن تبحث داخل الديانات التى تدعى أنها من عند الله. أما أن تصلب دماغك و تبحث عن دليل مادى مباشر فهذا كمن يبحث عن تاريخ الحرب العالمية الثانية فى بطون كتب الفيزياء.
------------------------------------------------
لعل مقولة دوكنز و راسل هى محور معظم الحوارات هنا. مهما ساق الملحد من أدلة على الحاده فهى لا تخرج عن طلب اليهود سابقاً أن يروا الله جهرةً و ان غلفوا طلبهم فى اطار علمى كمومى فراغى
Bookmarks