أ - الحزب الشيوعي المصري الموحد تأسس في يونيو عام 1957م ، وهو كما يقول عنه مكسيم رودنسون : حصيلة اندماج جماعات عدة من بينها "لحزب الشيوعي الموحد" ، وهذه بدورها حصيلة تاريخ معقد جداً ومضطرب. إن الزمر الشيوعية المصرية مزق بعضها بعضاً وفضح وشتم واتهم أحدها الآخر بأسوأ القبائح. لقد عرفت سلسلة لا تنقطع من الانشقاقات والتطهيرات والإندماجات الجزئية. لقد سعت أغلب الأحيان عبثاً إلى الاتصال بالأحزاب الشيوعية الخارجية الكبرى لكونها تكونت محلياً في إطار لا شرعية شبه دائمة. لقد كانت الأحزاب الخارجية تنظر عموماً بحذر وتعالٍ إلى هذه الزمر من المثقفين على أنهم بغير قاعدة ، لا إلى الإسلام ينتمون ولا مع الماركسية الشيوعية الخالصة يطبقون. ولقد حاولت العناصر الماركسية على ضوء مبادئ الماركسية العامة وتحليلاتها الخاصة للوضع المحلي أن تُكون لنفسها استراتيجية وتكتيكاً ، ولم يكن ذلك من دون مخاصمات عنيفة مع رموز الفكر الإسلامي وقياداته .
ومع كل ما تعرضت له الحركة الشيوعية من مقاومة في مصر بلد "الأزهر" والأصل فيه أنه مركز الإشعاع الإسلامي ، إلا أنه تشكلت في مصر حلقات ماركسية ومنظمات شيوعية أدت دوراً سيئاً في التاريخ الحديث لمصر ، فقد أسس اليهوديان "فيجدور" و"ناداب" وغيرهما عام 1942م "الحركة المصرية للتحرر الوطني" بالتعاون الوثيق مع اليهودي الإيطالي "هنري كورييل" الملقب باسم يونس ، وكانت هذه الحركة أهم المنظمات الشيوعية ، فقد حققت تعبئة ملحوظة في أوساط مثقفي وطلاب وعمال القاهرة ، كما أسس اليهود في "هيكل شفاتس" منظمة "الإيكسرا" الشيوعية ، وقد اتحدت هاتان المنظمتان سنة 1947م تحت اسم "الحركة الديمقراطية المصرية للتحرير الوطني" المعروفة باسم "حدتو" ، كما أسس اليهود المقيمون في مصر منظمات أخرى ، حتى بلغ عدد الواجهات الشيوعية في مصر 14 منظمة. ونتيجة لتعدد هذه المنظمات وتوزع جهودها ، فقد دعا الحزب الشيوعي الإيطالي سنة 1956م هذه المنظمات إلى الاتحاد بتوجيه من موسكو ، وبعد مفاوضات اتحدت هذه المنظمات في يناير سنة 1958م تحت اسم "الحزب الشيوعي المصري".
وكان من آثار هذه المنظمات الشيوعية على الساحة العربية الإسلامية :
أ- أن دعا بعض قادة "حدتو" أي المنظمة الشيوعية المصرية إلى تأييد إسرائيل لأنها تمثل ، في نظرهم ، أرقى مرحلة من مراحل التطور الإجتماعي وهي المرحلة الرأسمالية البرجوازية الديمقراطية ، في حين أن الدول العربية تمثل مرحلة العلاقات الإقطاعية .. وتعتبر هذه المنظمة أيضاً من أقوى المنظمات الشيوعية المصرية التي تدعو إلى الإخاء العربي – اليهودي وللصلح مع إسرائيل ولا عجب في ذلك ، فإن هذه الأحزاب الشيوعية في العالم العربي قد صاغتها أياد يهودية ، فضلاً عن أن الحزب الشيوعي الإسرائيلى وتلك المنظمات الشيوعية العربية كان مرجعها الحزب الشيوعي السوفييتي المنحل الذي كان تشكل على أيدى اليهود.
ب- من آثار الأحزاب الشيوعية في مصر أن بصماتها في تطوير الأزهر في بداية الستينات كانت واضحة .. حتى وصل بها الأمر إلى إدخال تعديلات في نظام الأزهر ، فلم تقتصر علومه على الدراسات الإسلامية فحسب ، بل انتهى الأمر إلى محاولات إدخال الدراسات الماركسية الإشتراكية في صلب دروس كلية أصول الدين ، لولا صمود بعض الرموز الإسلامية مثل الدكتور محمد البهي رحمه الله في كتابه "تهافت الفكر المادي والتاريخي بين النظرية والتطبيق" وقد صدر في ذروة المد الماركسي على مصر عام 1961م.
جـ- وكان من آثار الشيوعية أيضاً على مصر محاولة "بلشفة الإسلام" وإبراز التضليل الإشتراكي ... وذلك بمحاولة صبغ الحياة الإقتصادية والإجتماعية والسياسية بصبغة الإشتراكية العلمية أي الماركسية ، وكان "الميثاق" البشري يحل محل القرآن الرباني حتى صار مادة أساسية في المدارس والجامعات .. فضلاً عن ذلك ، فقد أنشأ الاتحاد الاشتراكي آنذاك المعاهد الإشتراكية ومعسكرات الشباب ، التي تخرج الشباب الصالح للتوجيه في التنظيم المدعو منظمة الشباب الإشتراكي ، وأحيط المنتسبون إلى هذه المعاهد والمعسكرات بالرعاية الكاملة ، وكوفئ الممتازون منهم بإعطائهم فرص التفرغ السياسي .. وفي ظل هذه الظروف لقنت الماركسية تحت شعار "الإشتراكية العربية العلمية" فأفرزت الشيوعية في مصر في الستينات على وجه الخصوص فكراً ثقافياً واقتصادياً وسياسياً واجتماعياً ممسوخاً عن دين الله ، وإن تسمى باسمه وتستر تحت غطائه ، وكانت تلك الأساليب التي عبر بها الحزب الشيوعى المصري ومعه اليسار من أقوى وسائل التعبير القولية والفعلية في خصومتها للإسلام وأهله .

ب- الحزب الشيوعي العراقي :
كما كان الحزب الشيوعي المصري منطلقاً وممارسة يمثل نوعاً ممن الخصومة الفكرية والعقدية للإسلام في مصر عبر أساليبه القولية والعملية ، نشأ كذلك الحزب الشيوعي في العراق . فقد تأسس هذا الحزب الشيوعي العراقي سنة 1934م على أيدي اليهود أمثال : صديق يهودا وساسون دلال ويعقوب كومبجان وغيرهم من العرب ، وكان هذا الحزب في العراق كغيره من الأحزاب الشيوعية العربية يجد له مرتعاً بين الأقليات غير المسلمة ، وعلى الأخص لدى اليهود القاطنين في تلك البلاد . وكان يعبر عن أفكاره ومعتقداته في مواقف كثيرة بالرأي والعمل، يقول أحد القادة في العراق : وكذلك كان الحزب الشيوعي في العراق كغيره من الأحزاب الشيوعية في البلاد العربية بل في جميع أنحاء العالم ، يعطف على قضايا اليهود الاستيطانية وعلى الأخص في القضية الفلسطينية ... ويدلل على قوله هذا فيقول : ففي العراق أصدر الحزب الشيوعي عدة بيانات إبان الحرب عام 1948م ، يؤيد فيها التقسيم ويطالب بالكف عن التدخل العسكري ، والصلح مع إسرائيل ، وقد خرجت إحدى مظاهرات الحزب تهتف بحياة الصداقة العربية اليهودية وبنضال إخواننا اليهود بتقديمها عربياً ويهودياً متلازمين يداً بيد تمثيلاً للصداقة .. حتى طالبت إحدى بيانات الحزب الإعتراف بإسرائيل .
( المرجع : " الإلحاد الديني في مجتمعات المسلمين ، د / صابر طعيمة ، ص 344-347)