وحشية الذبح .. !
بسم الله الرحمن الرحيم و الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على رسول الله صلى الله عليه و سلم ..
ها هو الجزار قد جاء مخبئا سكينه.. إنه يكلفِت العجل.. إنه يوقعه.. إنه يسن سكينه.. إنه يسمّ الله.. إنه يذبح دون أن يفصل الرأس عن الجسم.. تاركا العجل من خلفه يرفـّس ويتأوّه..
مشهد متكرر كل عام في الذبح على الطريقة الإسلامية، التي أشيع عنها أنها طريقة لا تهتم بشعور الحيوان وألمه، وأنها طريقة وحشية في الذبح، فأردت أن أذكر أمرين مهمّين؛ الأمر الأول في الذبح على هذه الطريقة من وجهة النظر الصحية للإنسان، والأمر الثاني هو توضيح الرحمة في الذبح بهذه الطريقة للحيوان..
فأما عن وجهة النظر الصحية، فإن مكوث الدم في جسم الحيوان بعد موته يمثل خطورة كبيرة، لأن عدد الجراثيم في الدم يتضاعف هندسيا كل نصف ساعة، يعني لو افترضنا أن الحيوان مات وانتقل إلى جرام الدم 5,000 جرثومة، فإنها بعد نصف ساعة تصبح 10,000 جرثومة، وبعد نصف ساعة أخرى تصبح 20,000 جرثومة، في جرام الدم الواحد! وبالتالي أهم شيء أن يتخلص جسم الحيوان من الدم في أسرع وقت ممكن، وحتى يحدث ذلك يجب أن تتوفر ثلاثة أمور؛ أولا أن يظل عمل القلب طبيعي حتى يدفع الدم، ثانيا أن تكون عملية التنفس طبيعية، ثالثا أن يتم الذبح من مكان تتركز فيه الأوردة والشرايين حتى يتدفق الدم منها سريعا عند قطعها، ومن الناحية التشريحية للذبائح -كما قرأت- فإن الرقبة هي التي تتركز فيها هذه الأوردة، حيث يوجد الوريد الودجي والشريان السباتي والحلقوم والمريء وتقع جميعها قريبا من سطح الجلد..
حينما يتم القطع، دون فصل الرأس عن باقي الجسم، يرسل المخ إلى جميع أعضاء الجسم عن طريق الحبل الشوكي ليطلب منهم إمداده بالدم، وبالتالي يزيد القلب ضرباته وتزيد تشنجات العضلات لتمدّ المخ بالدم، إلا أن الدم لا يصل لأن الطريق مقطوع والدم يخرج خارج الجسم، فيظل المخ يرسل الإشارات، حتى يفرغ الجسم من الدم، وهذا ما يحدث تحديدا في الطريقة الإسلامية، تقطع الأوردة والشرايين عند الرقبة والحلقوم والمريء دون أن تُنخع الذبيحة -أي لا يتم فصل رأسها عن الجسم- إلا بعد أن يفرغ الجسم من إخراج الدم بشكل شبه كامل، وهذه التصفية للجسم من الدم لا يمكن أن تحدث إلا بهذه الطريقة الإسلامية، لأن اتباع طريقة تخدير الحيوان أو خنقه بالغاز أو ضربه بالرصاص أو غيرها لا تُؤمّن خروج الدم من الجسم، إما لأن القلب والرئتين لا يقومات بوظائفهما بشكل طبيعي وبالتالي لا يتم ضخ الدم، وإما لمكوث الدم في الأوردة فترة طويلة حتى يتم إخراجه بعد موت الحيوان، وهي كلها من المحرّمات على المسلمين "حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم"، فكل ذلك محرم لأنه غير صحي، والطريقة الوحيدة الصحية هي "ما ذكيتم" يعني ما ذبحتم..
حسنا، هذا من الناحية الصحية، اللحوم تكون نقية من الدم الذي يعتبر بيئة لتكاثر الجراثيم، هذا من ناحية الإنسان، فماذا عن الحيوان نفسه؟ العقل يقول أن تشنّجات العضلات وقطع المريء والشرايين لابد أنه يؤلم الحيوان كثيرا، وأن هذه الطريقة تعتبر وحشية بالنسبة للحيوان ولا تهتم بألمه..
قبل أن أذكر التفسير العلمي الذي قرأته لذلك، أحب أن أوضّح أنه مهما وصلت الرحمة في الإنسان فهي لن تبلغ شيئا في رحمة الله، فالله الذي خلق الحيوان أعلم بما يؤلمه وبالتالي لن يأمر الإنسان بفعل ما يؤذيه، وصحيح أن الله قد سخّر الحيوان للإنسان ولكنه اشترط عليه رحمته واستخدامه لما خلقه له من أجله، فإن امرأة دخلت النار في هرة، وإن رجلا قد غفر الله له لأنه سقى كلبا، بل إن امرأة بغي، يعني واحدة تسخّر جسدها من أجل المال، قد غفر الله لها فُُحشها بسبب أنها سقت كلبا! فإذا كان الله يعطي هذا الفضل لمن يعطف على الحيوانات، ويعاقب هذا العقاب لمن يقسو عليها، فكيف نظن أن الله -نفسه- سيأمرنا بطريقة نقسو فيها على ما نذبح؟!
عامة، نتكلم من الناحية العلمية، فمبدئيا لحظة القطع، بفرض أن السكين حادّ ومسنون جيدا، فإنه عندما يقطع بشكل مفاجئ لن يشعر الحيوان بألم للحظات الأولى، وهذا يعرفه "غشماء" الحلاقة جيدا! لما تبقى مستعجل مثلا وانت بتحلق دقنك، وتجرح نفسك بالشفرة الحادة، فإنك لا تشعر بالألم إلا بعدها بعدة ثواني، حينما تبدأ في رؤية الدم، بل إنك أحيانا لا تعرف أنك قد جُرحت إلا بعد التنشيف ورؤية أثر الجرح، ويحدث ذلك أيضا أحيانا مع تقليب ورقة كراسة جديدة أو كتاب جديد، أحيانا تكون الورقة حادة فتتسبب في جرح في إصبعك لا تشعر به إلا بعد نزول الدم أو بعدها بعدة ثواني، وكذلك الحال، في اللحظة التي تقطع فيها رقبة الحيوان لا يشعر بالقطع نفسه، لأنه يكون مفاجئا وسريعا "وعلى غفلة"، فالمفترض بالجزار أنه مسنّ للسكين ومخبئه بحيث لا يراه الحيوان، طبعا ستخبرني أنه سيشعر به بعد لحظات قليلة بألم بالغ أقلّك جايّلك في الكلام بس اصبر، لذلك، اشترط النبي صلى الله عليه وسلم أن الذي يذبح يحسن في ذبحه بأن يحد شفرته ليقطع سريعا ويرح ذبيحته..
حسنا، بعد لحظات الذبح، من المتوقع أن يبدأ الحيوان في الشعور بالألم، وألم كبير لأنه قد قُطعت رقبته وأوردته وشريانه ومرّيؤه وبلعومه! ولكن هذا الألم لا يحدث، لأن قطع الأوردة والشرايين يقطع الدم والأكسجين عن المخ، مما يٌفقد الحيوان الإحساس بالألم تماما، وهو يختلف عن فقدان الوعي، لأن الحيوان في هذه الحالة يكون في كامل وعيه ولكن دون إحساس، لأنه كما ذكرت سابقا نحتاج أن يكون الحيوان واعيا ليعمل قلبه ورئتيه بنشاط، فهو يكون واعيا لكنه يفقد الإحساس، وبالتالي لا يشعر بأي ألم، وهنا سامع واحد من بعيد بيسأل سؤال لولبي، بيقول أمّال الحيوان بيفضل يرفّس وجسمه يتشنّج ليه طالما هو مش حاسس؟! طبعا سؤال جميل اتفضل اقعد، ولكن كما ذكرت سابقا، هذه التشنّجات في الجسد و"الترفيس" وخلافه، هي نتيجة أن المخ يطالب العضلات وجميع أجزاء الجسم بإمداده بالدم، فتقوم العضلات بالتشنجات لتُخرج كل الدم الذي في داخلها وتوصله للمخ، وبالتالي هذه التشنجات والترفيسات والذي منه لا علاقة لها بشعور الحيوان بالألم، وبالتالي هذه الطريقة لا تؤلم الحيوان في أي مرحلة، في حين أن الطرق الأخرى التي يدّعون أنها أرحم تؤذي الحيوان بالصعق أو بالرصاص أو بغيرهما..
أخيرا، أتفهّم أن يتهم بعض الملحدين هذه الطريقة فهم لا يؤمنون بإله وبالتالي لا يسلّمون لشرعه، ولكن ما لا أتفهّمه أن يتهّمها الذين يصدّقون في وجود إله ويعبدونه، فطالما أنك تعبد إلاها فبالتأكيد أن تثق في أنه أحكم منك وأعلم منك وأرحم منك، وإلا فإنك تكون مغفلا كبيرا بأن تعبد من هو مثلك! وحيث أنك قد اعترفت بألوهيته فمن الغريب بعد ذلك أن تتهّم أوامره بالنقصان أو عدم الرحمة، أو تظن أن بإمكانك أن تخترع شيئا يكون أفضل مما شرعه هو لك! أو أن تتذاكى وتقول لن آكل اللحوم مطلقا لأن الحيوانات تذبح بوحشية وتحرّم على نفسك ما قد أحله الله لك، وإلا فلتتوقّف عن الجلوس على الكراسي والمكاتب الخشبية التي تصنّع من قطع الأشجار، وتتوقف عن استخدام الورق وارتداء الملابس والأحذية والحقائب! ولتستكمل مشوارك مع التنطّع والفزلكة، أما عن العقلاء، فهم يعلمون تماما أن الله قد سخّر هذا الكون وما فيه لنستخدمه بما يرضيه، دون مغالاة أو تفريط، وينفذون شرع الله وهم يثقون تماما أن الله هو الحكيم العليم الرحيم
كتبه : شريف خيري ..
رد مع اقتباس
Bookmarks