النتائج 1 إلى 13 من 13

الموضوع: لماذا لم يترك النبي صلى الله عليه وسلم مصحفا؟

  1. #1

    افتراضي لماذا لم يترك النبي صلى الله عليه وسلم مصحفا؟

    قال لي أحد المشتبهين متسائلا:
    لماذا لم يترك النبي صلى الله عليه وسلم مصحفا ؟ ألا يدل ذلك على أن كتابة القرآن لم تكتمل في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم ومن ثم ينعدم الدليل على كون القرآن الموجود الآن هو ذاته الذي كان يقرأه الرسول؟
    فأجبته بقولي:
    أوافقك في بعض كلامك الذي انطوت عليها مقدمتك لكني أخالفك في النتيجة التي ترمي إليها وهي إثبات أن هذا القرآن الذي بين أيدينا الآن ونحفظه كما نحفظ أسماءنا هو قرآن ناقص.
    نعم أوافقك الرأي بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد مات ولم يترك مصحفا مجموعا في مكان واحد ولكنه كان عبارة عن مواد أولية كتب عليها القرآن وضع بعضها في حجرات رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعضها كان موزعا على الصحابة نظرا لأنه لا يوجد مكان واحد يتسع لهذا الكم الهائل من الجلود والرقاع وكرانيف النخل وجريده ورقائق الحجارة وغير ذلك من المواد التي كتب عليها القرآن. ومن حقك يا عزيزي أن تسأل أما كان من الأوْلى أن يوضع المكتوب في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن يا عزيزي لو أنك قرأت عن بيوت النبي صلى الله عليه وسلم لعرفت أنها كانت عبارة عن حجرات صغيرة بجوار المسجد لكل زوجة من زوجاته حجرة واحدة فيها تنام وفيها تأكل وتشرب وفيها تحفظ كل خصائصها بل فيها كل حياتها فأين يوضع هذا الكم الهائل من المواد المذكورة وأنَّى لغرفة صغيرة مليئة بما يشغلها أن تستوعب هذا الكم الهائل من المواد التي كتب عليها القرآن؟!
    على أننا إذا مضينا مع مبدأ " الحاجة أم الاختراع " بان لنا أنه لم تكن ثمت حاجة إلى جمع القرآن في مكان واحد في وقت كان أكثر الصحابة يعتمدون فيه على الحفظ في الصدر ومن أراد الرجوع إلى شيء من القرآن فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرجعه حيث كان موجودا بينهم وهو الذي ضمن الله تعالى له حفظ القرآن في صدره بقوله تعالى: { لا تحرك به لسانك لتعجل به *إن علينا جمعه وقرآنه * فإذا قرأناه فاتبع قرآنه * ثم إن علينا بيانه } ( سورة القيامة:16 – 19 ) وعلى ذلك فإنه لم يوجد مقتضي يدفع إلى جمع القرآن في مصحف واحد في العهد النبوي ، بل وجد ما يمنع منه وهو كون القرآن الكريم قد نزل مُنَجَّما في زهاء ثلاث وعشرين سنة هي كل عمر البعثة المحمدية فلو جمع المقرآن في مصحف واحد لكان عرضة للتغيير والكشط والمحو مع كل جديد ينزل لأنه بالطبع سيضاف في محله.
    ومن الأدلة الدالة على عدم وجود مصحف جامع لكل ما كتب في عهده صلى الله عليه وسلم ما يلي:
    1- استنكار أبي بكر وزيد لفكرة الجمع التي أرشد إليها عمر بن الخطاب والتردد في قبولها متذرِّعَيْن بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك فكيف يفعلانه؟ فقد قال كل منهما: كيف أفعل شيئا لم يفعله رسول الله ؟
    2- قول زيد بن ثابت فيما نقل عنه: مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يجمع القرآن في شيء
    3- قول زيد بن ثابت فقدت آيتين من آخر سورة التوبة وقوله في محل آخر فقدت آية من سورة الأحزاب حتى وجدتا عند أحد الصحابة يدلنا على أن القرآن الكريم لم يكن مجموعا في مكان واحد بل كان مفرقا بين الصحابة
    4- لو كان القرآن مجموعا في مصحف فيعهد الرسول صلى الله عليه وسلم لما كانت هناك حاجة إلى الجمع الذي تم في عهد أبي بكر الصديق.
    نعم هذه حقيقة لابد من الاعتراف بها لكننا نفرق بين قضية كون المكتوب مجموعا في مكان واحد وبين قضية كتابته أصلا فلا يوجد هناك ما يدل على أن القرآن لم يكتب كله على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ لا، لا يوجد ما يدل على ذلك بل الأدلة متوافرة على إثبات أن القرآن كله قد كتب بين يديه صلى الله عليه وسلم ومن ذلك قول عثمان رضي الله عنه الثابت في العديد من كتب السنة : " ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مما يأتي عليه الزمان وهو ينزل عليه السور ذوات العدد فكان إذا نزل عليه الشيء دعا بعض من كان يكتب فيقول ضعوا هذه الآية في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا " لاحظوا كلمة الشيء فإنها ترشدنا إلى حصول الكتابة لكل ما ينزل وإن كان قليلا ، وإليكم هذه الرواية التي أخرجها البخاري وغيره - والتي تدل على كتابة كل مانزل وإن كان قليلا - عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ كُنْتُ إِلَى جَنْبِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَغَشِيَتْهُ السَّكِينَةُ فَوَقَعَتْ فَخِذُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى فَخِذِي فَمَا وَجَدْتُ ثِقْلَ شَيْءٍ أَثْقَلَ مِنْ فَخِذِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ فَقَالَ: اكْتُبْ فَكَتَبْتُ فِي كَتِفٍ { لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمؤْمِنِينَ وَالْمجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ } إِلَى آخِرِ الآيَةِ فَقَامَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ وَكَانَ رَجُلاً أَعْمَى لَمَّا سَمِعَ فَضِيلَةَ الْمجَاهِدِينَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ فَكَيْفَ بِمَنْ لا يَسْتَطِيعُ الْجِهَادَ مِنَ الْمؤْمِنِينَ فَلَمَّا قَضَى كَلامَهُ غَشِيَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم السَّكِينَةُ فَوَقَعَتْ فَخِذُهُ عَلَى فَخِذِي وَوَجَدْتُ مِنْ ثِقَلِهَا فِي الْمرَّةِ الثَّانِيَةِ كَمَا وَجَدْتُ فِي الْمرَّةِ الأُولَى ثُمَّ سُرِّيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ اقْرَأْ يَا زَيْدُ فَقَرَأْتُ { لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمؤْمِنِينَ } فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم { غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ } الآيَةَ كُلَّهَا. قَالَ زَيْدٌ: فَأَنْزَلَهَا اللهُ وَحْدَهَا، فَأَلْحَقْتُهَا، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلى مُلْحَقِهَا عِنْدَ صَدْعٍ فِي كَتِفٍ.) وكما حرصوا على كتابة القليل فإنهم لم يتململوا من كتابة الكثير فقد نقل ابن الجوزي في كتابه زاد المسير عن أبي صالح عن ابن عباس في سورة الأنعام، قال: هي مكية، نزلت جُملة واحدة، نزلت ليلاً، وكتبوها من ليلتهم.
    وأيضا فإن من المتفق عليه أن دستور ابى بكر فى الجمع كان ينص على التوثيق بالكتابة والحفظ أي التزاوج بين ما كتب بين يديه صلى الله عليه وسلم وما حفظه الحفظة في صدورهم لتؤيد كل طريقة أختها فهذا دليل على وجود نص مكتوب في عهده صلى اله عليه وسلم.
    والأدلة على كتابة جميع القرآن بين يديه صلى الله عليه وسلم كثيرة يغني عن حصرها ما ذكرته منها وقد نقلت الأخت مسلمة ما يبين لك ولغيرك أن الكتابة كانت موجودة منذ العهد المكي وأن هناك عددا من كتبة الوحي قد قاموا بهمة كتابة القرآن بأمر الرسول صلى الله عليه وسلم كلما نزل شيء من القرآن.
    عزيزي يكفينا فخرا أن ينحسر الخلاف بيننا وبينك في زاوية ضيقة وهي العهد الذي جمع فيه القرآن مكتوبا في مكان واحد هل هو العهد النبوي أم العهد البكري وهما عهدان متلاحمان أي أن القرآن كان في أذهان الناس وصدورهم كما تلقوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فماذا تقول يا عزيزي في الأناجيل التي تجهلون كاتبها كما تجهلون تاريخ كتابتها ناهيك عما فيها من تناقض بيِّن في كثير من الموضوعات التي تناولتها هذه الأناجيل ولو شئت أمثلة على ذلك فاطلب مني ذكرها وأنا سأوافيك بجملة يحار فيها عقلك وتفقد من كثرتها صوابك لكني لن أدافع عن كتاب الله الخالد القرآن الكريم على أنقاض الإنجيل الذي تعظمه أنت وأمثالك مع ما فيه من تحريف وتزييف إلا إذا طلبت أنت ذلك.
    وأما عن طلبك دليلا على أن هذا القرآن الذي بين أيدينا اليوم هو نفسه القرآن الذي بلغه رسول الله صلى الله عليه وسلم
    فيكفيك إجماع ما يزيد على المليار فرد في هذا العالم - هو عدد المسلمين في أرجاء المعمورة - وكثير منهم مما لا نحصيهم عدا يحفظون القرآن كله حرفا حرفا وقد تلقوه خلفا عن سلف وصولا إلى النبي صلى الله عليه وسلم مع اختلاف بلدانهم وتعدد مذاهبهم لكنهم يجمعون على نص واحد لا يزيد واحد منهم حرفا ينقصه آخر فلو كان هناك اختلاف لنقل مع حفظ الحفظة ولألفيت اليوم كمًّا مختلفا من القرآن عند أبعاض المسلمين فالواقع يا عزيزي هو أصدق دليل . ولم تجمع أمة ما على شيء كما أجمعت أمة الإسلام على القرآن الكريم وإن شئت الاختبار فحاول أنت وأضرابك أن تزيدوا حرفا أو تنقصوا حرفا من القرآن الكريم واطرحوا ذلك وانظروا النتيجة التي أنتم تعرفونها مسبقا.
    وفي المقابل هل تستطيع أن تقنع نفسك بأن هناك عددا من غير المسلمين ممن لهم كتب يحفظونها عن ظهر قلب كما نحفظ نحن القرآن الكريم ؟
    هيهات هيهات !!

  2. اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الخطيب
    قال لي أحد المشتبهين متسائلا:
    لماذا لم يترك النبي صلى الله عليه وسلم مصحفا ؟ ألا يدل ذلك على أن كتابة القرآن لم تكتمل في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم ومن ثم ينعدم الدليل على كون القرآن الموجود الآن هو ذاته الذي كان يقرأه الرسول؟
    لا يتصور عقل مطلقاً أن يترك النبى صلى الله عليه وسلم مصحفاً به القرآن الكريم كاملاً.
    ذلك أن نزول الوحى من السماء مرتبط بوجود النبى صلى الله عليه وسلم على قيد الحياة.
    وسيبقى الوحى ينزل حتى يموت الرسول.
    فإذا مات كانت هذه علامة مؤكدة على انقطاع وحى السماء ، ومعناه أيضاً اكتمال نزول القرآن الكريم.
    ومن هنا كانت الحكمة من عدم ترك النبى صلى الله عليه وسلم لمصحف مدون به القرآن الكريم كاملاً.
    كما تتجلى لنا حكمة أخرى من وراء ذلك وهى حجية إجماع الأمة.
    وهذا معلوم جداً فى أصول الفقه.
    ذلك أن إجماع الأمة حجة.
    وجمع القرآن قد يعتبر الإجماع الأول لأمة النبى صلى الله لعيه وسلم بعد وفاته.
    والله أعلم
    ( فاعلم أنه لا إله إلا الله )
    أنصار | أذكار | الموقع | نجاح | متقين | السنة | جامع | معرفة | اعرف | معلومة

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Sep 2004
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    1,886
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

  4. افتراضي

    - عدم جمع الرسول للقرآن الكريم بين دفتي كتاب دليل أخر على ان القرآن من الله عز وجل فلو كان من عند محمد لخاف عليه من الضياع
    و لكن بما ان الكتاب كتاب الله القائل (ان علينا جمعه وقرانه ) و القائل (انا نحن نزلنا الذكر و انا له لحافظون) دل دلالة قاطعة على صدق محمد و ان الكتاب كتاب الله

  5. افتراضي

    جمع القرآن في مصحف :

    ترتيب القرآن ، هل هو من صنع النبي ؟
    هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم الشكل النهائي الذي سينتهي إليه ترتيب القرآن ؟ هل كان يعلم مثلا أن عدد آيات القرآن : 6236 آية ؟
    بالتأكيد لا .
    ولماذا يخفي ذلك إذا كان يعلمه ؟
    لو كان يعلم ، لكان من الممكن أن يخبر أصحابه مثلا أن هذه السورة أو تلك تنتهي بعد خمس آيات ، أو انه بقي من هذه السورة أو تلك كذا آية وتنتهي . وكان من الممكن أن يخبرهم أن عدد آيات القرآن هو كذا . شيء من هذا لم يحدث ، لماذا ؟
    لأن الرسول لم يصنع هذا الترتيب ، ولم يأت به من عنده , ولم يكن يعلم متى ينتهي وكيف سيكون .
    لقد كان دور الرسول في هذه المسألة محصورا في نقل المعلومات والأوامر من جبريل عليه السلام كما هي . يقول له جبريل : ضع هذه الآية في موقع كذا , فينقل الرسول ذلك إلى أصحابه ويبلغهم بالأمر .
    وكان يتم ترسيخ تلك المعلومات والأوامر ( خطة الترتيب ) فيما بعد عن طريق تلاوة الرسول لها أمام أصحابه على الترتيب المحدد والمطلوب ، فيحفظونها على ذلك .
    واستمر الحال على هذا النحو إلى أن توفي الرسول صلى الله عليه وسلم .
    حتى تلك اللحظة لم يكن القرآن مجموعا في مصحف واحد ، ولا مرتب السور والآيات ، كان مكتوبا منثورا في الرقاع وقطع الأديم والعسب وغيرها من أدوات الكتابة المتوفرة ، وسبب ذلك أن القرآن نزل مفرقا ، ولم يكن الرسول يعلم متى ينتهي نزول القرآن ومتى تكتمل آيات سوره .

    حفظ القرآن :
    توفي الرسول والقرآن غير مجموع بين دفتي مصحف مرتب السور والآيات على النحو الذي نعرفه اليوم .
    هل يعني ذلك أن الرسول قد ترك جمع القرآن وترتيب سوره وآياته لأصحابه دون ضوابط وعلى هواهم ؟
    ألم يكن خائفا من حدوث تغيير أو تبديل فيه من بعده ؟ مع ما نعلمه من كتابته على الجلود والعظام ونحوهما مما كان معروفا ؟
    الجواب : لا . بل كان مطمئنا جدا .
    لماذا ؟
    لأن الله سبحانه وتعالى قال له :
    " إن علينا جمعه وقرءآنه . فإذا قرأنه فاتبع قرءانه . ثم إن علينا بيانه "
    ( سورة القيامة الآيات 17-19 ) .
    وقال سبحانه :
    " إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون " الحجر : 9 .
    إذن لا مبرر للخوف . لقد تعهد الله بجمعه وحفظه .
    ( العجيب رغم أن علماء المسلمين قد استدلوا بهذه الآية على حفظ القرآن ، فقد توقفوا عن الاستدلال بالآية في سورة القيامة على أن الله قد تعهد أيضا بجمع القرآن . هل يتم الحفظ بدون الإشراف على الجمع ؟ هل يمكن الفصل بين الجمع والحفظ ؟ أقول : لقد تعهد الله سبحانه بجمع القرآن وحفظه ثم : بيان ما يدل على ذلك في الوقت المناسب ، وأما ما يتناقله العلماء من اختلاف الأقوال في هذه المسائل واستخدام بعضهم هذا التضارب في الآراء سلاحا في محاربة كل جديد فليست – تلك الأقوال - اكثر من اجتهادات خاطئة لم يستطع كثير من المسلمين التخلص من أسرها )
    السؤال المهم هنا : هل تعهد الله بحفظ القرآن مرتبا أم دون ترتيب ؟
    الجواب : لقد تعهد الله بحفظه مرتبا كما أمر وكما أراد له أن يكون . وإلا لما كان لقول جبريل للرسول كلما نزلت عليه آية ، ضعها في مكان كذا من سورة كذا إي معنى .
    الأوامر والتعليمات التي كان ينقلها جبريل للرسول كانت تعني أن هناك ترتيبا جاهزا ( في علم الله ) هذا الترتيب سيأخذ شكله النهائي على الأرض ( في علم الناس ) خلال 23 سنة هي مدة نزول القرآن ، وحسب المخطط المعد سابقا ولن يظهر قبل اكتمال نزول القرآن .

    الصحابة وترتيب القرآن :
    لنفترض أن الرسول حينما توفي ترك لأصحابه وصية يأمرهم فيها بجمع القرآن وترتيبه ، واشترط عليهم فيها أن تأتي سور القرآن في النهاية على النحو التالي :
    57 سورة ( النصف ) مجموع آياتها والأرقام الدالة على ترتيبها = 6236 .
    57 سورة مجموع آياتها والأرقام الدالة على ترتيبها : 6555 .
    مع مراعاة أن يكون مجموع الآيات في إحدى المجموعتين مساويا لمجموع الأرقام الدالة على مواقع ترتيب سور المجموعة الثانية ، وهو في الحالين = 3303 .
    ماذا كان في وسعهم أن يفعلوا ؟
    سيكون ذلك مفاجأة وإرباكا لهم . لن يستطيعوا أن يفعلوا شيئا .
    والسبب بسيط : فإن علوم الحساب والإحصاء لم تكن من علوم زمانهم ولا من ثقافاتهم ولا من مشاغلهم ، كما أن المتوفر من أدوات الكتابة لا يمكنهم من مثل هذا العمل . هناك طريقة أسهل لجمع القرآن وترتيبه في مصحف .
    ما هي ؟
    لقد جمع الصحابة – رضي الله عنهم – القرآن من غير زيادة ولا نقصان ، ومن غير تقديم ولا تأخير كما سمعوه من الرسول، والذي كان بدوره قد أخذه عن جبريل .
    وقد تم لهم ذلك بإلهام وتوفيق من الله ، وفاء بوعده بجمع القرآن وحفظه .

    نخلص إلى النتائج التالية :
    - إن عدم جمع القرآن في مصحف في حياة الرسول لهو اكبر دليل على حفظ القرآن وانه كتاب إلهي .
    - بما أن جمع القرآن قد تم بتعهد من الله فهو ترتيب توقيفي ولا بد أن يكون معجزا .
    - إن في ترتيب القرآن ما يسقط كل الشبهات والافتراءات الذي يثيرها خصوم القرآن بقصد التشكيك في جمع القرآن .
    - في هذا العصر ستظهر الحكمة من ترتيب القرآن على غير ترتيب نزوله مما يفسر قوله تعالى ( ثم إن علينا بيانه ) .

    المصدر : كتاب المؤلف عبدالله إبراهيم جلغوم : أسرار ترتيب القرآن قراءة معاصرة ، ص 159 – 160 ، ط : 1994 . دار الفكر . الأردن .

  6. #6

    افتراضي

    جزاك الله خيرًا أستاذنا عبد الله جلغوم على هذه الفوائد لكن لي وفقة مع قولكم : (( العجيب رغم أن علماء المسلمين قد استدلوا بهذه الآية على حفظ القرآن ، فقد توقفوا عن الاستدلال بالآية في سورة القيامة على أن الله قد تعهد أيضا بجمع القرآن . هل يتم الحفظ بدون الإشراف على الجمع ؟ هل يمكن الفصل بين الجمع والحفظ ؟ أقول : لقد تعهد الله سبحانه بجمع القرآن وحفظه ثم : بيان ما يدل على ذلك في الوقت المناسب ، وأما ما يتناقله العلماء من اختلاف الأقوال في هذه المسائل واستخدام بعضهم هذا التضارب في الآراء سلاحا في محاربة كل جديد فليست – تلك الأقوال - اكثر من اجتهادات خاطئة لم يستطع كثير من المسلمين التخلص من أسرها ))

    فالمعلوم أن أهل العلم لم يغفلوا عن بيان دلالة آية سورة القيامة ، وإمامهم في هذا شيخ المفسرين الطبري الذي قال : (( وقوله إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ) يقول تعالى ذكره: إن علينا جمع هذا القرآن في صدرك يا محمد حتى نثبته فيه( وُقرآنَهُ ) يقول: وقرآنه حتى تقرأه بعد أن جمعناه في صدرك ، وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل )) ثم سرد رحمه الله كلام الصحابة والتابعين .

    وهذه هي دلالة الآية التي يدل عليها السياق وسبب النزول ، أما القول بأن في الآية دليل على جمع القرآن بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ، فهو أمر زائد على الدلالة الأصلية ، وقد لا تتفق فيه الآراء .

    ثم يقول شيخ المفسرين رحمه الله تعالى وأسكنه فسيح جناته : (( قول تعالى ذكره: ثم إن علينا بيان ما فيه من حلاله وحرامه، وأحكامه لك مفصلة.
    واختلف أهل التأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: نحو الذي قلنا فيه.
    * ذكر من قال ذلك:
    حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس( ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ) يقول: حلاله وحرامه، فذلك بيانه.
    حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة( ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ) بيان حلاله، واجتناب حرامه، ومعصيته وطاعته.
    وقال آخرون: بل معنى ذلك: ثم إن علينا تبيانه بلسانك.
    * ذكر من قال ذلك:
    حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن موسى بن أبي عائشة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس( ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ) قال: تبيانه بلسانك ))


    والتأويل الأول أقوى لأنه أصح إسنادًا بخلاف الرواية الأخرى عن ابن عباس التي فيها ابن حميد الرازي شيخ الطبري ، وهو متهم بالكذب .

    فمعنى بيانه هو تفصيل الأحكام والحلال والحرام كما ورد عن السلف .

    أما القول بأنه بيان المقصود من جمع القرآن على هذا الترتيب ، فهو بعيد جدًا .. والله أعلم .
    إن عرفتَ أنك مُخلط ، مُخبط ، مهملٌ لحدود الله ، فأرحنا منك ؛ فبعد قليل ينكشف البهرج ، وَيَنْكَبُّ الزغلُ ، ولا يحيقُ المكرُ السيء إلا بأهلِهِ .
    [ الذهبي ، تذكرة الحفاظ 1 / 4 ].
    قال من قد سلف : ( لا ترد على أحد جواباً حتى تفهم كلامه ، فإن ذلك يصرفك عن جواب كلامه إلى غيره ، و يؤكد الجهل عليك ، و لكن افهم عنه ، فإذا فهمته فأجبه ولا تعجل بالجواب قبل الاستفهام ، ولا تستح أن تستفهم إذا لم تفهم فإن الجواب قبل الفهم حُمُق ) . [ جامع بيان العلم و فضله 1/148 ].

  7. #7

    افتراضي

    ثم إنك يا أستاذنا الكبير - مع وضعك لتفسير جديد للأيات - قد وصفت كلام الصحابة التابعين في تفسيرها بأنه (( فليست – تلك الأقوال - اكثر من اجتهادات خاطئة لم يستطع كثير من المسلمين التخلص من أسرها )) .

    وهذا - كما لا يغيب عن نظركم - مما لا يليق في الكلام عن أفاضل الناس وأشرافهم ، فما بالكم بالصحابة والتابعين وهم خير البشر بعد الأنبياء عليهم السلام ؟

    وضع في اعتبارك يا أستاذي الكريم أنهم فسروا الآيات ومعهم الدليل ، وحسب السياق واللحاق وسبب النزول ، ولم يكن كلامهم اجتهادًا محضًا بعيد عن سياق الأيات ومناسبة نزولها .
    إن عرفتَ أنك مُخلط ، مُخبط ، مهملٌ لحدود الله ، فأرحنا منك ؛ فبعد قليل ينكشف البهرج ، وَيَنْكَبُّ الزغلُ ، ولا يحيقُ المكرُ السيء إلا بأهلِهِ .
    [ الذهبي ، تذكرة الحفاظ 1 / 4 ].
    قال من قد سلف : ( لا ترد على أحد جواباً حتى تفهم كلامه ، فإن ذلك يصرفك عن جواب كلامه إلى غيره ، و يؤكد الجهل عليك ، و لكن افهم عنه ، فإذا فهمته فأجبه ولا تعجل بالجواب قبل الاستفهام ، ولا تستح أن تستفهم إذا لم تفهم فإن الجواب قبل الفهم حُمُق ) . [ جامع بيان العلم و فضله 1/148 ].

  8. #8

    افتراضي

    ثم إن مسألة ترتيب القرآن فيها تفصيل ورد عن أهل العلم :

    فهناك ترتيب الآيات في السور ، وهذا أجمع العلماء على أنه توقيفي لا اجتهاد فيه لأن فيه نصًا صريحًا وهو خبر جبريل الذي كان ينزل بالآية فيقول للنبي صلى الله عليه وسلم ضعها في الموضع كذا من سورة كذا .

    وهناك ترتيب السور في المصحف ، وهو محل خلاف على ثلاثة أقوال ذكرها أهل العلم في كتبهم مع أدلتها الكاملة ، والخلاف هنا سائغ لأن أدلة كل فريق ليست قطعية الدلالة ، وإن كان الرأي القائل إن ترتيب المصحف توقيفي كله أقرب للصواب .. والله أعلم .

    لهذا فإن قولكم : (( بما أن جمع القرآن قد تم بتعهد من الله فهو ترتيب توقيفي ولا بد أن يكون معجزا )) فيه من المجازفة ما فيه ، لأن القول بتوقيف ترتيب المصحف ليس من المتفق عليه بين علماء المسلمين .

    كذلك وقوع المعجزة نتيجة لتوقيف الترتيب لا يلزم ، بل يمكن أن يكون في هذا الترتيب دلالات وإشارات معينة قد ترقى أو لا ترقى لدرجة المعجزة .. والله سبحانه وتعالى أعلم .
    إن عرفتَ أنك مُخلط ، مُخبط ، مهملٌ لحدود الله ، فأرحنا منك ؛ فبعد قليل ينكشف البهرج ، وَيَنْكَبُّ الزغلُ ، ولا يحيقُ المكرُ السيء إلا بأهلِهِ .
    [ الذهبي ، تذكرة الحفاظ 1 / 4 ].
    قال من قد سلف : ( لا ترد على أحد جواباً حتى تفهم كلامه ، فإن ذلك يصرفك عن جواب كلامه إلى غيره ، و يؤكد الجهل عليك ، و لكن افهم عنه ، فإذا فهمته فأجبه ولا تعجل بالجواب قبل الاستفهام ، ولا تستح أن تستفهم إذا لم تفهم فإن الجواب قبل الفهم حُمُق ) . [ جامع بيان العلم و فضله 1/148 ].

  9. افتراضي

    لهذا فإن قولكم : (( بما أن جمع القرآن قد تم بتعهد من الله فهو ترتيب توقيفي ولا بد أن يكون معجزا )) فيه من المجازفة ما فيه ، لأن القول بتوقيف ترتيب المصحف ليس من المتفق عليه بين علماء المسلمين .
    يبدو لي أيها الأخ الكريم أنك ذهبت بعيدا في تحليلك وانتهيت إلى ما لم اعنيه ..
    إن ما قلته انا يتعلق فقط بترتيب القرآن , فعبارتي : واختلاف الأقوال في هذه المسائل ... تعني الاختلاف في ترتيب سور القرآن وأعداد الآيات . وعبارة : لم يستطع كثير من المسلمين التخلص من أسرها تعني : التخلص من أسر الاختلاف المذكور . ألا ترى أنك أنت الآن تتسلح بالاختلاف في ترتيب سور القرآن للرد علي ؟ ألا ترى أن التمسك بهذا الاختلاف قد أدى إلى حرمان المسلمين من معرفة حقيقة ترتيب القرآن قرونا طويلة ؟ لماذا ؟ لأننا نتخذ من هذا الاختلاف حجة وذريعة للتشكيك في كل قراءة جديدة لترتيب القرآن . ما العمل ؟ إذا بقينا على هذه الحال ستقوم الساعة قبل أن نصل إلى حل ..
    ثم انا وغيري لا نتصور أن يكون ترتيب سور القرآن توقيفيا واجتهاديا وبين بين ، في حين واحد ، فإما هذا وإما ذاك .
    وقد سبق لي أن أن قلت في هذه المسألة : إن القول بأن ترتيب سور القرآن اجتهادي تعني : أن الصحابة قد اجتهدوا في ترتيب سور القرآن وآياته على النحو الذي علموه عن الرسول ، أي لم يضعوا للقرآن ترتيبا من عندهم وحسب أهوائهم دون ضوابط ، فحتى القول ان الترتيب اجتهادي يعني في النهاية أنه توقيفي . أما الرأي الثالث الذي يذهب أصحابه إلى ان ترتيب بعض السور اجتهادي وبعضها توقيفي فرأي لا قيمة له .
    * نأتي إلى تفسير الآية :
    أنت تعلم أن القرآن قد احتوى الحقيقة المطلقة والفهم المرحلي النسبي لتلك الحقيقة ..
    بهذا الفهم فالآية تتسع بدلالاتها لما قاله القدماء في تفسير ها ، وانا لم أتعرض لذلك ، وما ذكرته عن الاختلاف لا علاقة له بالآية ولا بتفسيرها ، لقد ذكرت ما مفاده أن الآية القرآنية تتسع للمعاني التي عرفها القدماء ولما قد نراه اليوم فيها ، فبيان ما في القرآن لا يتوقف عند الحلال والحرام بل يتجاوز ذلك إلى ما لم يعرفه القدماء ، وذلك كقوله تعالى " سنريهم آياتنا في الآفاق وفي انفسهم .... " فهناك دائما ما هو مجهول ، واكتشافه ممكن في زمن ما .

    وتقول :
    إنك يا أستاذنا الكبير - مع وضعك لتفسير جديد للأيات - قد وصفت كلام الصحابة التابعين في تفسيرها بأنه (( فليست – تلك الأقوال - اكثر من اجتهادات خاطئة لم يستطع كثير من المسلمين التخلص من أسرها )) .
    لا أدري ماذا أقول لك ، فكلامك هنا يخفي ما لا أحب . عد ثانية واقرأ ما كتبت , فأنا لم أصف كلام الصحابة والتابعين بالاجتهادات الخاطئة ولا علاقة لذلك بتفسير الآية .
    أرجو أن أكون قد أوضحت لك ما التبس عليك .

    وتقول :
    [فإن قولكم : (( بما أن جمع القرآن قد تم بتعهد من الله فهو ترتيب توقيفي ولا بد أن يكون معجزا )) فيه من المجازفة ما فيه ، لأن القول بتوقيف ترتيب المصحف ليس من المتفق عليه بين علماء المسلمين .
    ماذا تريد إذن ؟ هل ننتظر القدماء حتى يخرجوا من قبورهم ليحلوا لنا هذا الاختلاف ؟ أو ننتظر علماء المسلمين ليتفقوا ؟ وكيف سيتفقون ؟ ومتى ؟ لا بد أن نقوم بدراسات على ترتيب القرآن ، وهذه الدراسات هي التي ستؤدي إلى الاتفاق ، وبدون هذه الدراسات فستبقى الأمور على حالها ..
    أنا آتيك بدراسة تثبت أن ترتيب سور القرآن توقيفي ومعجز ، لك أن تقبلها وان ترفضها . سيأتي غيري ويأتيك بدراسة ثانية ، أيضا لك أن تقبلها وأن ترفضها .. بعد زمن قد يصبح بين يديك مائة دراسة تؤكد أن ترتيب القرآن توقيفي ومعجز . ماذا ستفعل ؟ هل ستظل رافضا لأن القدماء اختلفوا في هذه المسألة ؟ إن قوة الفكرة ستفرض نفسها " فأما الزبد فيذهب جفاء واما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض " ..
    وأخيرا ،
    أنا أحد الذين يقولون أن ترتيب القرآن توقيفي ومعجز ، إذا كان هذا الكلام لا يروق لك . فهل تستطيع أنت ان تثبت عكس هذا
    الكلام ؟ ( طبعا أنت مسلم غيور على القرآن ) .
    وأنا من قال : اللغة والترتيب وجهان لإعجاز القرآن لا ينفصل احدهما عن الآخر .. وهناك من لم يعجبه هذا الكلام ، هل تستطيع أيضا إثبات العكس ؟

  10. #10

    افتراضي

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،

    أستاذنا الفاضل ، اعتذر عن أي سوء فهم وقع مني ، وليس في نيتي الشروع في نقض ما ذكرتموه ، فإن الله تعالى إن أراد بقوم شرًا شغلهم بالجدل ومنعهم العمل كما ورد عن بعض السلف .

    وإنما كان قصدي هو التنبيه على أننا نسفه كلام أهل العلم السابقين بناءًا على اجتهادات شخصية منا وكأنهم لم يكونوا يتحرون الدليل ويبتغون وجه الله فيما كتبوا وصنفوا ، بينما ما نكتبه من اجتهادات قد لا يكون صحيحًا ، بل ربما يكون مناقضًا للدليل ولا يحتمل الصواب .

    وليتك يا أستاذنا تتلطف في العبارة عند الكلام عن أقوال أهل العلم السابقين ، فهم علماء أفاضل ملئوا الدنيا ، ونحن نحفظ لهم قدرهم وشرفهم ونعرف مكانتهم في الإسلام ، وهم لم ينالوا هذه المكانة عبثًا ، بل كان لهم من العقل والعلم والخلق ما جعلهم أهلاً لها .

    وهذا من خلق المسلم مع أخيه المسلم ، فما بالك وأشراف الناس وسادتهم ؟

    فلا يجوز أن تصف القول إن ترتيب سور المصحف منه توفيقي ومنه اجتهادي بأنه (لا قيمة له) ، وهو اختيار الإمام السيوطي رحمه الله الذي أجمع المسلمين على كونه أفضل من صنف في علوم القرآن ، بصرف النظر عن كون هذا القول له حظ وافر من الوجاهة ، وقد تبناه عدد من المحققين المتخصصين في علوم القرآن .

    وليس غرضي مناقشة سيادتكم فيما ذكرتموه واجتهدتم في تحصيله وبلوغه ، فهذا له مكان آخر ومنتديات متخصصة تعني بعلوم القرآن الكريم .

    إنما غرضي كله هو التنبيه على أهمية توقير أهل العلم ، وحفظ مكانتهم عند الخلاف ، فهذه هي أخلاق العلماء .

    والحمد لله ، والصلاة والسلام على خاتم رسل الله ، وآله وصحبه .
    إن عرفتَ أنك مُخلط ، مُخبط ، مهملٌ لحدود الله ، فأرحنا منك ؛ فبعد قليل ينكشف البهرج ، وَيَنْكَبُّ الزغلُ ، ولا يحيقُ المكرُ السيء إلا بأهلِهِ .
    [ الذهبي ، تذكرة الحفاظ 1 / 4 ].
    قال من قد سلف : ( لا ترد على أحد جواباً حتى تفهم كلامه ، فإن ذلك يصرفك عن جواب كلامه إلى غيره ، و يؤكد الجهل عليك ، و لكن افهم عنه ، فإذا فهمته فأجبه ولا تعجل بالجواب قبل الاستفهام ، ولا تستح أن تستفهم إذا لم تفهم فإن الجواب قبل الفهم حُمُق ) . [ جامع بيان العلم و فضله 1/148 ].

  11. افتراضي

    فلا يجوز أن تصف القول إن ترتيب سور المصحف منه توفيقي ومنه اجتهادي بأنه (لا قيمة له) ، وهو اختيار الإمام السيوطي رحمه الله الذي أجمع المسلمين على كونه أفضل من صنف في علوم القرآن ، بصرف النظر عن كون هذا القول له حظ وافر من الوجاهة ، وقد تبناه عدد من المحققين المتخصصين في علوم القرآن .
    أخي الفاضل
    سأنقل لك فقرة من كتابي أسرار ترتيب القرآن قراءة معاصرة ، حيث ترى فيها احترامي للقدماء وإجلالي لما قدموه من علوم:
    (( إن احترام القدماء لا يعني ان نتوقف في التعامل مع هذه المسائل ( ترتيب القرآن ) عند الحدود التي انتهوا اليها . نحن نجل القدماء ونحترمهم ، ونقر اننا مدينون لهم بالكثير ، ولكن لا يجوز ان نحول هذا الاحترام إلى اغلال نكبل بها عقولنا ، ونصادر معها حريتنا في التفكير ، ونضطهد أي إبداع او جديد ، لأنه يخالف راسخا في اذهاننا . ومن الضروري ان لا ننسى ان هذه الآراء التي ننقلها هي لبشر مثلنا ، وليست قرآنا ، ومادامت كذلك فاحتمال الخطأ والصواب فيها وارد .
    وبهذا المنظور ، يمكننا القول أن القدماء قد فعلوا الكثير ، وقدموا الكثير ، ضمن الظروف والامكانات والأدوات المتاحة لهم . نحن : ماذا فعلنا ؟ ما الجديد الذي جئنا به في علوم القرآن ؟ القدماء ألفوا وجمعوا ، ودونوا ، بل واوجدوا علوما - ما زلنا نعيش على فتات موائدهم - ، فما الذي اوجدناه ؟ إن اكثرنا لم يتجاوز النقل عن كتب القدماء وإعادة تبويبها ، وإخراجها ، والمتاجرة فيها ... صفحة 28 )) .

    سأنقل لك بعض ما جاء في كتاب السيوطي الإتقان في علوم القرآن :
    (( أما سوره فمائة وأربع عشرة سورة بإجماع من يعتد به ، وقيل وثلاث عشرة بجعل الأنفال وبراءة سورة واحدة . 1/142 )) .
    (( نقل جماعة عن مصحف أبي أنه ست عشرة سورة ، والصواب انه خمس عشرة .. 1/144 ))
    (( وفي كامل الهذلي عن بعضهم انه قال : الضحى وألم نشرح سورة واحدة ، 1/144 ))

    لاحظ أخي الفاضل : السيوطي هنا يورد كل ما وصل إليه من اقوال في المسألة الواحدة دون تدخل منه ، هذه الأقوال تحولت فيما بعد إلى أغلال كبلت العقل المسلم ، بل تحولت إلى سلاح بيد الغيورين على القرآن في مواجهة الجديد ، وسلاحا في يد أعداء القرآن اتخذوا منها منفذا للتشكيك بجمع القرآن وترتيبه واتهامه بالزيادة والنقصان .

    وفي ترتيب السور :
    (( وأما ترتيب السور فهل هو توقيفي أيضا ام هو باجتهاد من الصحابة؟ خلاف ، فجمهور العلماء على الثاني. 1/135 ))

    (( قال الزركشي في البرهان : والخلاف بين الفريقين لفظي ، لأن القائل بالثاني يقول إنه رمز اليهم ذلك لعلمهم بأسباب نزوله ومواقع كلماته ولهذا قال مالك : إنما الفوا القرآن على ما كانوا يسمعونه من النبي مع قوله بان ترتيب السور باجتهاد منهم .. 1/136 )) .

    هذا ما هو موجود في الاتقان وهو غير ما ذكرت ، ومع ذلك فالزرقاني حينما يذكر الرأي الثالث يقول : ولعله امثل الآراء وإلى هذا ذهب فطاحل العلماء .. مناهل العرفان 1/356 .
    لكن الزرقاني لم يذكر احدا من هؤلاء الفطاحل لنعرفهم ..
    والسؤال هنا : ما الحكمة ان يرتب الرسول بعض سور القرآن ويترك البعض ؟ هل هذا معقول ؟
    المسألة واضحة : مادام هناك من قال بأن الترتيب توقيفي ، ومن قال بأن الترتيب اجتهادي ( تناقض ) إذن نحن بحاجة إلى رأي ثالث يجمع بين الاثنين ويتخذ موقفا وسطا ، وهكذا كان .
    أخي الفاضل : هذه المسألة هي سبب دراستي لترتيب سور القرآن والتي مضي عليها ما يزيد على خمس عشرة سنة حتى الان ، لقد هالني الاختلاف في كثير من المسائل المتعلقة بعلوم القرآن ، فقررت أن ادرس ترتيب القرآن من خلال القرآن نفسه بعيدا عن كل تلك الآراء . والنتيجة وصلت إلى ان ترتيب سور القرآن وآياته وكلماته وحروفه كل ذلك وفق انظمة وقوانين رياضية لا يمكن إنكارها ، ولا تحتمل تضاربا في الآراء.

    وفي عدد آيات القرآن :
    (( ... وسبب اختلاف السلف في عدد الآي أن النبي كان يقف على رؤوس الآي للتوقيف ، فإذا علم محلها وصل للتمام فيحسب السامع حينئذ انها ليست فاصلة .... 1/146 ))
    لاحظ اخي الكريم هنا عبارة السيوطي : وسبب اختلاف السلف ..... فالسيوطي واجه المشكلة ذاتها " الاختلاف " وما فعله هو جمع وتدوين كل ما وصله في المسألة الواحدة .. ولا لوم عليه في ذلك ، لقد أدى دوره كاملا والدور لنا . هل نكتفي بنقل ما أورده السيوطي ؟ هل نكتفي بتكراره ؟ هل في وسعنا مراجعته والاضافة إليه ؟ أليس لتغير العصر وادوات المعرفة دور في هذا العمل ؟
    هنا المشكلة ، أنا اعتبر نفسي تلميذا امام السيوطي ، ولكن ذلك لا يحول بيني وبين الوصول الى ما لم يصل اليه السيوطي ولا غيره ، وسبب ذلك بسيط ، فإن ادوات المعرفة المتوفرة لدي لم تكن متوفرة لدى السيوطي وأقلها آلة حاسبة بسيطة أستطيع بها أن اجري من العمليات الحسابية في ساعة ما لو فكر السيوطي في عصره ان يفعلها لاحتاج إلى عمره كله هذا إذا توفرت له الأوراق والأقلام .

    وأخيرا : أود أن أقدم لك نصيحتين: اذهب الى أي مكتبة عامة حتى لا تضطر لشراء الكتب وابحث عن الكتب التي تتناول مسألة ترتيب سور القرآن وجمعه وعدد آياته ، ثم اقرأ ما جاء في هذه الكتب حول الموضوع ، ستجدها كلها كتابا واحدا ، يغني قليلها عن كثيرها ، وستكتشف أشياء أخرى أحب ان تستخرجها بنفسك ...

    النصيحة الثانية : لماذا لا تدرس ترتيب سور القرآن من خلال القرآن نفسه ؟
    سأطرح عليك مشروع بحث في سورة القلم ، إذا احببت يمكنك الكتابة إلي برسالة خاصة وستجد مني عونا :
    * سورة القلم الوحيدة من بين سور الفواتح المرتبة في النصف الثاني :ما السر ؟ لماذا لم تلحق بأخواتها ؟ ما السور الفاصلة بينها وبين اخواتها ؟ ما علاقة ترتيبها بعملية الفصل ؟ ما عدد آياتها ؟ ما عدد كلماتها ؟ عدد الكلمات والحروف في آياتها ؟ ما علاقتها بالسور التي تحمل الرقم 29 في ترتيب المصحف ؟ ( سورة القلم هي السورة رقم 29 بين سور الفواتح ) ...... ابحث عن إجابة لهذه الأسئلة وانا واثق انك ستصل إلى إجابة للسؤال : هل ترتيب سور القرآن توقيفي ام اجتهادي ؟ ولعلك ستفكر بعد هذه الخطوة بدراسة موسعة لظاهرة الترتيب في سورة القلم .
    التعديل الأخير تم 07-30-2006 الساعة 02:58 PM

  12. #12

    افتراضي

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،

    جزاك الله خيرًا يا أستاذنا الفاضل على ما تفضلت به من نقول من كتابك ومن كلام أهل العلم ، ولي تعقيب يسير عليها إن شاء الله تعالى لا أبغي به النقض أو التحدي ، بل توضيح ما فشلت - أنا - في بيانه في المشاركات السابقة .

    إنما ما دفعني لكتابة التعليق من البداية هو انطباعي - الذي ثبت خطؤه - حول تقدير أهل العلم وإنزالهم منازلهم والعرفان لهم ، فالهجمة - يا أستاذنا - على الإسلام شديدة ، وتسفيه أهل العلم صار مما يتوسل به أهل الباطل لبلوغ الشهرة وذيوع الصيت ، حتى بلغت الإساءة لشخوص الصحابة وعلماء السلف الكبار .

    وأخوك ما زال يرى في بعض الألفاظ حدة لو تحاول تلطيفها في الطبعات القادمة يكون أوفق وأليق ، خاصة أن المرء لا يكتب إلا ابتغاء وجه الله ومرضاته .

    واحترام العلماء السابقين ومعرفة الفضل لأهله هو مما يتدين به المرء ليكون في زمرتهم يوم القيامة ، وفقك الله وجعل الحق في ركابك .

    أما موقفي من ترتيب سور المصحف فهو إنه ترتيب توقيفي لقوة الأدلة على ذلك في مقابل الرأيين الآخرين ، وهذا هو الرأي الذي أدين به الله تعالى .

    أما بخصوص الرأي الثالث في ترتيب السور : وهو أن الترتيب منه توقيفي ومنه اجتهادي ، فسببه هو ورود الآثار والأخبار بتوقيف ترتيب بعض السور دون البعض الآخر ، فرجح كثير من أهل العلم أن الجزء الذي ثبت فيه التوقيف ترتيبه توقيفي ، والجزء الآخر اختلف فيه العلماء فمنهم من قال إن ترتيبه توقيفي فجعل الترتيب كله توقيفي ، ومنهم من جعل الترتيب فيه اجتهادي فنشأ الرأي بكون بعض الترتيب توقيفي وبعضه اجتهادي .

    وليس بأن البعض رأى أن يكون هناك رأي وسط - بين بين - فخرج على الناس برأي ثالث !

    وهذا الرأي هو اختيار السيوطي رحمه الله كما ذكر هو نفسه في الإتقان : (( والذي ينشرح له الصدر ما ذهب إليه البيهقي وهوأن جميع السور ترتيبها توفيقي إلا براءة والأنفال )) السيوطي ، الإتقان في علوم القرآن ج1 ص179 ط دار التراث - مصر .

    فهو رأي البيهقي والسيوطي رحمهما الله .

    كذلك نقل الزركشي في البرهان - وعنه نقل السيوطي في الإتقان - عن ابن عطية وأبي جعفر بن الزبير ميلهما لهذا الرأي فقال : (( والقول الثالث مال إليه القاضي أبو محمد بن عطية : أن كثيراً من السور كان قد علم ترتيبها في حياته صلى الله عليه وسلم كالسبع الطوال والحواميم والمفصل وأن ما سوى ذلك يمكن أن يكون قد فوض الأمر فيه إلى الأمة بعده ‏.‏
    وقال أبوجعفر بن الزبير‏:‏ الآثار تشهد بأكثر مما نص عليه ابن عطية ويبقى منها قليل يمكن أن يجري فيه الخلاف ))
    الزركشي ، البرهان في علوم القرآن ج1 ص325 ط دار الفكر - بيروت ، وانظر كذلك السيوطي ، الإتقان ج1 ص177 .

    فهو كذلك رأي ابن عطية الأندلسي صاحب التفسير المشهور ، وأبي جعفر بن الزبير .

    على أية حال فاستعراض الأدلة يوقفنا على ثبوت التوقيف في ترتيب أكثر سور القرآن الكريم ، وما لم يرد دليل على ترتيبه لا يعني أنه رتب بطريق الاجتهاد ، فقد يكون ترتيبه بدليل لم يصل إلينا .

    وعلى هذا فإن الرأي الراجح أن ترتيب سور القرآن الكريم كترتيب آياته بالتوقيف عن الرسول صلى الله عليه وسلم عن جبريل عليه السلام عن ربه سبحانه وتعالى مع ما في أدلة هذا الرأي من الاحتمال كما ذكر إلا أنه أقوى الآراء .

    والله أعلم .
    إن عرفتَ أنك مُخلط ، مُخبط ، مهملٌ لحدود الله ، فأرحنا منك ؛ فبعد قليل ينكشف البهرج ، وَيَنْكَبُّ الزغلُ ، ولا يحيقُ المكرُ السيء إلا بأهلِهِ .
    [ الذهبي ، تذكرة الحفاظ 1 / 4 ].
    قال من قد سلف : ( لا ترد على أحد جواباً حتى تفهم كلامه ، فإن ذلك يصرفك عن جواب كلامه إلى غيره ، و يؤكد الجهل عليك ، و لكن افهم عنه ، فإذا فهمته فأجبه ولا تعجل بالجواب قبل الاستفهام ، ولا تستح أن تستفهم إذا لم تفهم فإن الجواب قبل الفهم حُمُق ) . [ جامع بيان العلم و فضله 1/148 ].

  13. #13

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. لماذا لم يترك النبي صلى الله عليه وسلم مصحفا؟
    بواسطة الخطيب في المنتدى د. أحمد سعد الخطيب
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 08-23-2005, 11:32 PM

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء