النتائج 1 إلى 6 من 6

الموضوع: ســألــوا .. فأجــــبنا!!

  1. افتراضي ســألــوا .. فأجــــبنا!!

    الحمدُ لله الذي أكملَ لنا الملة، وأتمَّ علينا المنّة، أرسل رسولَه بالحقِّ وعصمه، وأنزل إليه الذكرَ وحفظه، فذهبت الظلمة وقامت الحجة، وزالت الغمة وبانت المحجة، وقام على السبيل نورٌ يشرق، وكثرت على الصراط أدلةٌ تبرق، فالحمد لله أولًا وآخرًا، والحمد لله ظاهرًا وباطنًا!

    ونشهد ألّا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، أرسل رسوله بالهدى، ووقاه النطقَ عن الهوى، وأمره بالبلاغ فأسمع، وعلمه البيان فأقنع، ونصره بالرعب وظلله بالسؤدد، ولم يقبضه حتى قال " اللهم فاشهد!"، استقام الموحدون على حكم ملك الملوك، أن قال "فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ"، وعنت الوجوه تسعى لنيل رضاه، فعلمهم أنه من يطع الرسول فقد أطاع الله، وسارع المحبون لنيل المحبوبية، فاشترط عليهم أن يتبعوا نبيّه، فسبحانك اللهم وبحمدك، لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك!!

    ونشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، وصفيُّه من خلقه وخليله، بلغ الرسالة فنعمّا هي، وأدى الأمانة كما ينبغي، صادق الحديث أمين، بالمؤمنين رءوفٌ رحيم، هو سيد ولد آدم، وهو للأنبياء خاتم، سيرته خير سيرة، وسنته خير سنة، نقلها إلينا الثقات، وبينها لنا الأثبات، صحابته خير أمة أخرجت للناس، ودينه ظاهر رغم أنف أهل الإبلاس، فاللهم صلّ وسلم وبارك على نبينا وعلى آله وصحبه ومن استن بسنته واهتدى بهديه إلى يوم الدين !!

    أما بعدُ ..

    فإن الله جعل أمتنا أمةً مرحومة، لم تكن يومًا من العلماء محرومة، وجعل – سبحانه - من سننه التدافع بين الحق والباطل، فيظهر الحق ويزهق الباطل فإذا هو زائل، وأمر – جل شأنه – من عَدِم العلم أن يسأل، وأقام – بعزته – على الحق طائفةً لا يضرهم من يخذل، فاستغنى أهل السنة بنور الوحي، وأفلس أهل الباطل إلا من الخزيّ، فتلك سنةٌ ماضيةٌ وحجةٌ باقية، وذاك نورٌ دائمٌ وبرهانٌ قائم.

    ومن هذا الباب، فإن إدارة منتدى التوحيد تحمل إلى المسلمين والباحثين عن الحق، هذه البشرى الطيبة بانطلاق مشروع (سألوا ... فأجبنا) .. مشروعٌ نتناول فيه جواب أسئلة الحائرين والمتعلمين، بأنصع ما يكون جواب، وأظهر ما تقوم حجة، من كتاب الله عز وجل، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وفهم السلف الصالح رضوان الله عليهم، وما أثبته علماء الأمة في مصنفاتهم، مع إظهار علو كعب المسلمين على الحيارى في شتى المذاهب، والشهادة من أفواه الأعداء، وسد الباب على مواطن الاشتباه والإشكال أثناء بيان الحق الظاهر، راجين المولى عز وجل التوفيق والسداد، والإخلاص والصواب.

    وسيتم طرح كل سؤالٍ مع جوابه في مشاركةٍ مستقلة، وبين كل سؤالٍ والذي يليه مهلةٌ بحسب ما يحسُن ويمكن، مع الإعلام بصاحب الجواب إن انفرد بجوابه، فإن لم يكن كذلك فالإجابة منسوبة لهذه اللجنة العلمية لمنتدى التوحيد، ويسعدنا أن نستقبل اقتراحاتكم وإجاباتكم وأسئلتكم على هذا المعرّف، لننظر فيها وفي أحسن الوجوه للاستفادة منها أو الجواب عليها، دون موعدةٍ بالرد على كل رسالةٍ استقلالًا لعسر ذلك وضيق الوقت ... والأسئلة والإجابات مما نهيب بإخواننا أن ينشروه نشرًا للعلم النافع، مع الإلحاح في الإشارة إلى مصدر النقل، لما في ذلك من المصالح التي لا تخفى على إخواننا الألبّاء.

    نسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، وأن يقينا الفتن ما ظهر منها وما بطن، ونعوذ به سبحانه من الهم والحزن، والعجز والكسل، والجبن والبخل، وضلع الدين وغلبة الرجال، ونسأله سبحانه أن يفرغ علينا صبرًا، وأن يربط على قلوبنا، وأن يجعلنا هداةً مهتدين .. والله ولي التوفيق!
    اللجنة العلمية بمنتدى التوحيد

  2. افتراضي

    س(1) تفسير: ما معنى قوله تعالى (وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ) "الإسراء: 59"؟ وما الجمع بين ذلك وما حدث من انشقاق القمر بعد أن سأل بعضُ المشركين رسولَ الله صلى الله عليه وسلم آيةً؟

    الجـــواب:
    (المجيب: الشيخ أبو المظفر السناري).

    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.

    تكاد تكون كلمة المفسرين في تأويل تلك الآية: قائمًا على كون المانع من المعاجلة باستنزال الآيات - المعجزات - مما طلبه مشركو مكة = هو ما سبق في الغابر من تكذيب المكذبين لأضرابها؛ مما كان سببًا في كونهم عُوجِلوا بالعذاب الحاضر، والغضب المتواتر!
    ولو أن قريشًا سلكتْ تلك السبيل التي سلكها المكذبون قبلهم إزاء تلك الآيات؛ لجاءهم الموت من كل جانب، وأتتْهم نقمة الجبار من حيث لا يشعرون، ولأصبحوا أحاديث للناس كما أصبح عاد وثمود.

    قال جار الله الخوارزمي في ( تفسيره ): ( وعادة الله في الأمم أن من اقترح منهم آيةً فأجيب إليها ثم لم يؤمن، أن يُعاجل بعذاب الاستئصال، فالمعنى: وما صرفنا عن إرسال ما يقترحونه من الآيات إلا أن كذّب بها الذين هم أمثالهم من المطبوع على قلوبهم كعادٍ وثمود، وأنها لو أرسلت لكذبوا بها تكذيب أولئك، وقالوا هذا سحرٌ مبين، كما يقولون في غيرها، واستوجبوا العذاب المستأصل، وقد عزمنا أن نؤخِّر أمر من بُعِثْتَ إليهم إلى يوم القيامة).

    قلت: ومستندهم في ذلك: حديث ابن عباس المشهور : (قَالَ: سَأَلَ أَهْلُ مَكَّةَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنْ يَجْعَلَ لَهُمُ الصَّفَا ذَهَبًا، وَأَنْ يُنَحِّيَ الْجِبَالَ عَنْهُمْ، فَيَزْرَعُوا، فَقِيلَ لَهُ: إِنْ شِئْتَ أَنْ تَسْتَأْنِيَ بِهِمْ، وَإِنْ شِئْتَ أَنْ نُؤْتِيَهُمُ الَّذِي سَأَلُوا، فَإِنْ كَفَرُوا أُهْلِكُوا كَمَا أَهْلَكْتُ مَنْ قَبْلَهُمْ، قَالَ: «لَا، بَلْ أَسْتَأْنِي بِهِمْ» فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَذِهِ الْآيَةَ: {وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً} [الإسراء: 59]).
    وهذا الحديث: أخرجه أحمد والنسائي في الكبرى وجماعة، وقد صححه الحافظ الذهبي وجماعة، وجوَّد سنده العمادُ ابن كثير، ورجاله ثقات مشاهير.

    وأخرج أحمد أيضًا وغيره بإسناد ثابت عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: ( قَالَتْ قُرَيْشٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُصْبِحْ لَنَا الصَّفَا ذَهَبَةً، فَإِنْ أَصْبَحَتْ ذَهَبَةً اتَّبَعْنَاكَ، وَعَرَفْنَا أَنَّ مَا قُلْتَ كَمَا قُلْتَ: فَسَأَلَ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ، فَقَالَ: إِنْ شِئْتَ أَصْبَحَتْ لَهُمْ هَذِهِ الصَّفَا ذَهَبَةً، فَمَنْ كَفَرَ مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ، عَذَّبْتُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ، وَإِنْ شِئْتَ، فَتَحْنَا لَهُمْ أَبْوَابَ التَّوْبَةِ، قَالَ: «يَا رَبِّ، لَا، بَلِ افْتَحْ لَهُمْ أَبْوَابَ التَّوْبَةِ» ).

    وعند البيهقي في ( الدلائل) بإسنادٍ صالح من مرسل الربيع بن أنس البكري قال: ( قال الناس لرسول الله صلى الله عليه وسلم: لو جئتنا بآية كما جاء بها صالح والنبيون فقال رسول الله إن شئتم دعوت الله فأنزلها عليكم فإن عصيتم هلكتم يقول ينزل العذاب فقالوا لا نريدها)!

    قلتُ: وأشكل على هذا ما صح من انشقاق القمر بعدما سأله السائلون من رسول الله؟
    وأجيب عنه بثلاثة أجوبة بل أربعة:

    1- أولهما: ما قاله بعضهم من أن حكمة الله اقتضت أن يُظْهِر هذه الآية - يعني انشقاق القمر - في أول العهد المكي، فلما كذّبها الكفار وقالوا إنها سحرٌ اقتضت حكمة الله أن يكون ذلك الموقف السلبي المنطوي في الآيات التي نزلت بعد هذه السورة، مثل قوله: وما منعنا أن نرسل بالآيات ) وغيرها.
    قلت: وهذا جوابٌ ضعيف!

    2- وثانيهما: أن الله قد آتى رسوله صلى الله عليه وسلم آياتٍ علميةً وكونيةً، ولكنه لم يجعلها حجةً على رسالته، ولا أمره بالتحدي بها، بل كانت لضروراتٍ استدعتها، كاستجابة بعض أدعيته صلى الله عليه وسلم، كانشقاق القمر، وشفاء المرضى وإشباع العدد الكثير من الطعام القليل فى غزوة بدر وغزوة تبوك، وتسخير الله السحاب لإسقاء المسلمين، وتثبيت أقدامهم التي كانت تسيخ فى الرمل ببدر.
    ولذلك لم تكن حجته القائمة إلى يوم القيامة سوى القرآن الكريم وحده.
    وقد ثبت في ( الصحيحين ) من حديث أبي هريرة مرفوعًا: (ما من الأنبياء نبيٌّ إلا أُعطي ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحيًا أوحاه الله إلي، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة ).
    قلت: وهذا جوابٌ جيدٌ لا بأس به.


    3- وثالثها: أنه ليس المراد بالامتناع من إرسال الآيات التي طلبها المشركون هو مطلق الآيات!
    بل المراد بالآيات هنا: هي آيات الاقتراح والتشهي، مثل تحويل جبل الصفا ذهبًا، وجَرْيِ الأنهار، وغيرها، وهي أنها لا توجب الإيمان بها عند القوم، فقد سألها الأولون فلما أوتوها كذبوا بها فأهلكهم الله، فليس لهم مصلحةٌ في الإرسال بها، بل حكمته سبحانه تأبى ذلك كل الإباء.
    فلا يدخل في ذلك: استجابة الرحمن لسؤال القوم بأن يريهم آية، فأراهم انشقاق القمر عيانًا.
    قال الخطابي فيما نقله عنه جماعة وهو بصدد بيان الحِكَم من انشقاق القمر: (الحكمة في وقوعها ليلاً أن من طلبها من الرسول صلى الله عليه وسلم بعض من قريش فوقع لهم ذلك ليلاً، ولو أراد الله تعالى أن تكون هذه المعجزة نهارًا؛ لكانت داخلة تحت الحس قائمة للعيان، بحيث يشترك فيها الخاصة والعامة - لَفَعَلَ ذلك؛ ولكن الله تعالى بلطفه أجرى سنته بالهلاك في كل أمةٍ أتاها نبيها بآيةٍ عامةٍ يدركها الحس فلم يؤمنوا، وخص هذه الأمة بالرحمة فجعل آية نبيها عقلية، وذلك لما أوتوه من فضل الفهم بالنسبة إلى سائر الأمم، والله سبحانه وتعالى أعلم).
    فَعُلِم بهذا أن طلبه سبحانه وتعالى للقوم بانشاق القمر، لا يتعارض مع قوله تعالى: ( وما منعنا أن نرسل بالآيات .... ).
    قلت: وهذا جوابٌ حسنٌ أيضًا.

    4- رابعها: أنه ليس ثمة تعارضٌ بين انشقاق القمر وآية: (وما منعنا أن نرسل بالآيات ... ).
    وذلك: لأن الآيات التي لم يرسلها الله تعالى وعلق الهلاك على التكذيب بها هي التي طلبها المشركون من رسول الله صلى الله عليه وسلم بأعيانها، وأما انشقاق القمر فلم تطلب منه عليه الصلاة والسلام. وإنما طلبوا آيةً دون تحديد فانشق القمر، كما في صحيح البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: ( سأل أهل مكة أن يريهم آية، فأراهم انشقاق القمر ).
    فوقعت تلك الآية: كما تقع خوارقُ كثيرةٌ لرسول الله -صلى الله عليه وسلم، دون سؤالٍ من أحد لها أو بتعيين أفرادها.
    قلت: وهذا جوابٌ قوي.

    وهناك أجوبة أخرى لا تخلو من ضعف وتكلف.

    وقد أطال محمد رشيد رضا وغيره النَّفَسَ في التعلق بآية الإسراء : ( وما منعنا أن نرسل بالآيات )، وغيرها في سبيل التنكب عما ثبت من قصة انشقاق القمر!
    وهذا باعثه: الاحتكامُ إلى قوانين العقل باديَ الرأي! مع ما يصحبه من تلك التكلفات في درء صحاح الأخبار، بما لا يتفق مع أهواء كل حائر محتار!
    اللجنة العلمية بمنتدى التوحيد

  3. افتراضي

    س(1) عقيدة: ما السبيل للتعامل مع أسئلة الملاحدة عن تعلق قدرة الله تعالى بالمستحيل، مثل قولهم (هل يستطيع ربك أن يخلق صخرةً يعجز عن حملها؟) ومثل هذه الأسئلة؟!


    الجـــواب الأول:
    (المجيب: أ. عبد الواحد.)

    الاستدلال السليم لا يؤسس على تعريفاتٍ فاسدة، فلو عرّف أحدهم (الوجود بالعدم) حتى ينفي الوجود عن الله، يُقال له حينها: إنك لم تنفِ عن الله حقيقة الصفة بل نفيتَ فقط تعريفك الفاسد، كذلك لو اعتبر الملحد (إمكانية الاستحالة) من الشروط الضرورية للقدرة المطلقة، بذلك يكون قد أسّسَ استدلاله على تناقضٍ دوريٍّ بعد أن جمع بين الممكن والمستحيل في نفس التعريف.

    يمكن اختصار ما سبق بالقول بأن القدرة لا تتعلق بالمستحيلات، ومن الأنجع - في بيان حماقة الملحد - أن نبدأ قبل ذكر هذه الصيغة بهدم فهمه المتناقض للقدرة قبل الخوض في صفات الله تعالى، ومتى أدرك التناقض في تعريفه الذي يحاول نفيه عن الله، يدرك حينها أنه لم ينفِ عن الله حقيقة صفة القدرة، بل كان -من حيث لا يدري- ينزه الله عن تعريفه الفاسد للقدرة!

    والذي يسأل (هل يستطيع ربكم..؟) عليه أن يلتزم بمفهوم الألوهية في الإسلام مادام يسأل عن ربنا الذي هو الحق { ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } ليصبح السؤال "هل ربكم على كل شيء قدير؟" هو نفس السؤال "هل {الْحَق}..{عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}"؟ فليقبل المساواة التامة بين السؤالين، أو يقر بأن الإله الذي يسأل عنه ما هو إلا هواه، ولا علاقة له بالإله العليم الذي أثبت النقل أنه هو الحق، كما أنّ العقل يلزم صاحبه بضرورة وجود عليمٍ أزليته بأزلية الحق، لأنه لا يوجد في الواقع الخارجي علمٌ نظريٌّ دون عالم، ولا يوجد "فضاءٌ" للمعرفة قائمٌ بذاته حتى يهدي أو يهتدي إليه عقلُ الإنسان الحادث، فضلًا أن يحفظ ذاتيًّا ذلك العالَم الإبستمولوجي الحقَّ القديم بكل ما احتواه من بديهياتٍ ومبرهناتٍ وقواعدَ منطقيةٍ تحكم كل الحالات الممكنة عقلاً، وخصوصًا تلك التي لم تظهر قط كواقع.

    وإذا كان النقل والعقل يثبتان أن الله هو الحق، وإذا أراد الملحد أن يسأل عن ربنا وليس عن هواه، فعليه أن يسوِّي بين (سؤاله عن قدرة الله) وبين (سؤاله عن قدرة الحق)، لتكون محاولة طعنه في الله هي محاولة للطعن في الحق، الأمر الذي يقوده في نهاية المطاف إلى الطعن في عقله، وقبل ذلك عليه أن يأتي بتعريفٍ سليمٍ للقدرة، أما أن يأتى بتعريفٍ متناقضٍ يجمع بين (الإمكانية والاستحالة)، ينهار حينها استدلالُه بأكمله، ويكفي للرد عليه القول: إن تعريفك المتناقض هو من الباطل، وإن الباطل ليس صفةً للحق، وإنك من حيث لا تدري نزّهت الحق سبحانه عن سفسطتك ونفيتَ باطلك عنه، ولم تنفِ عنه قط المفهوم السليم للقدرة.

    كل ما قام به الملحد هو إعادة تسمية (كمال الحق وثباته) بـ(العجز) حتى ينسب لله (العجز) كما هو معرّف في قاموس المجانين! وإعادة تسمية (فساد الباطل وتقلبه) بـ(القدرة) حتى ينفي عن الله (القدرة) حسب نفس القاموس الذي من خلاله يرى المجنون أن (الحق) يتصف "بالنقص" لأنه "عاجز" عن الجمع بين المتناقضات! ويرى في (الباطل) قمة "الكمال" لأنه "قــادر" على ما عجز عنه الحق، هذه المفاهيم الفاسدة التي لا يتبناها عاقل، هي نفس المفاهيم التي صيغت بطرقٍ مختلفةٍ في كل أسئلتهم المتعلقة بقدرة الله.

    السؤال "عن خلق الله لصخرةٍ يعجز عن حملها" هو عين السؤال عن "خلق الله لسننٍ تخرج عن قدرته"، لأن خلق الصخرة -أو أيَّ شيءٍ آخر- لا ينفك عن خلق سننه وسنن فضائه، والعاجز عن رفع الصخرة هو بالضرورة عاجزٌ عن التحكم في السنن الفيزيائية عمومًا وعاجزٌ عن التحكم في قانون الجاذبية الذي يضبط العلاقة بين (الكتلة والمسافة) وبين (قوة الجذب) التي بسببها يجد المخلوق صعوبة في رفع الصخرة، وهنا تكمن مغالطة الملحد لأنه يسأل عن إلهٍ خلق الصخرة دون قوانينها، أما الإله الحق فهو من وضع القانون الفيزيائي الذي بدونه لن يكون لوزن الصخرة أي معنى.

    ومتى كُشف القناع عن المستوى الأول من مغالطته، تجده يسارع الى تغيير صيغة سؤاله ليقول "هل يستطيع ربُّك أن يخلق سننًا كونيةً تخرج عن قدرته"؟ هذا بعد أن افترض أن من شروط "الاستطاعة" إمكانية خروج السنن الفيزيائية -الممكنة عقلا- من ملكوت الله وسلطانه، لكن ما معنى الخروج عن ملكوت الله إذا كان { اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ } ولا حق غيره؟ معناه: خروج تلك الممكنات من سلطان الحق ودخولها في الباطل بعد أن تنقلب الى استحالةٍ عقلية، إذاً مفهوم الكمال لدى الملحد لا يستقيم في عينه إلا إذا "استطاع" المنطق والممكن عقلًا أن ينقلب إلى اللامنطق! وهكذا نعود الى نفس قاموس المجانين الذي يصف الباطل بالقدرة لأنه "يستطيع" أن يجعل الممكن مستحيلًا!!

    ونفس المغالطة تتكرر بالسؤال "هل يستطيع الله أن يخرجني من سلطانه؟!"، هنا أيضًا يجب أن يتذكر السائل أن وجوده كمخلوقٍ هو من الممكنات عقلا، وأن خروجه من سلطان الله الذي { هُوَ الْحَقُّ } هو خروجٌ من عالم الممكنات ودخولٌ في عالم المستحيلات والباطل، وما توهم الملحد أن تحقق مطلبه هو من شروط الكمال، إلا بسبب خلل في فهمه (للعجز) الذي ينسبه للمنطق لأنه "لم يستطع" أن ينقلب الى باطل! أو بسبب تلاعبِ مخادعٍ أعاد تسمية (كمال الحق وثباته) بـ(العجز) و أعاد تسمية (فساد الباطل وتقلبه) بـ(القدرة).

    في المثل السابق ربط الملحد القدرة بإمكانية انقلاب الممكن الى مستحيل، أما في السؤال التالي فقد اشترط العكس تمامًا "هل يستطيع الله أن يخلق إله مثله، حادث لأنه مخلوق وأزلي لأنه إله؟"، ماذا لو أجابه مسفسطٌ آخر بالقول "نعم! يمكن أن يظهر كائن حادث وأزلي في نفس الوقت، وأن ينقلب المستحيل الى ممكن".. فهل يحق للملحد حينها أن يرفض الجواب بحجة أنه يجمع بين المتناقضات؟! هل يحق له أن يرفض في الجواب نفس التناقض الذي أسس عليه سؤاله؟! إذا قبل عقله الجمع بين الشيء ونقيضه وبين (الإمكانية) و (الاستحالة) في تعريفه للقدرة.. فعليه بنفس المنطق الفاسد أن يقبل الجمع بين الأزلية والحدوث في نفس المخلوق.

    فإن قيل (لماذا إذاً تقبلون إمكانية الخلق من عدم وهو أمر مستحيل)؟ والجواب: نتحدى السائل أن يثبت استحالة الخلق من عدم عقلًا، فالاستحالة العقلية هي جمع بين المتناقضات، وهذا لا يثبت إلا بالجمع بين (الجملة الكاملة) ونقيض (نفس الجملة الكاملة) وليس غيرها.
    فــ(الجملة أ: أنت موجود الآن) لا تتناقض مع (أنت غير موجود البارحة)
    لأن نقيض (أ) = هو نفيٌ لنفس (أ) = أي (أنت غير موجود الآن) وليس البارحة!
    ولأن الجملة المنطقية لها نقيض واحد فقط، ولذلك سمي النفي بـــ logical complement
    كونه المتمم لبقية الاحتمالات.. أي أن احتمال (صحة الجملة أو صحة نقيضها) = 100%
    بعبارةٍ أوضح: لا يوجد احتمالٌ ثالثٌ غير (وجود عدنان الآن) أو (عدم وجوده الآن).
    في المقابل توجد احتمالات أخرى غير (وجود عدنان الآن) و (عدم وجوده البارحة).

    ثم إن المشكلة ليست فقط في جهل الملحد بمعنى التناقض الذي ينسبه للخلق من عدم، وجهله بمعنى القدرة التي ينفيها عن الله، بل المشكلة الأكبر هي في عدم تفكره في قدرته هو على إدراك مفهوم (المستحيل) الذي يجادل حوله، فالاستحالة التي لا تخرج عن العلم النظري لا يمكنها أن تكون صفةً ذاتيةً لأيِّ موجود، ولا يمكن للعقل الحادث أن يكتسب هذا العلم من المادة غير العالمة بالأمور النظرية التي تخرج عن صفاتها الذاتية، كيف إذاً وصل إلى علمنا مفهوم الاستحالة إذا كانت الشحنات الكهربائية التي صدمت خلايا الدماغ لم تخبرنا إلا عن الممكنات الفيزيائية والكيميائية؟ الحق يقودنا قهرًا إلى الإقرار بأن الذي أظهر عقلنا إلى الوجود هو خالقٌ عالمٌ بالمستحيل الذي ندركه، وعلى الملحد أن يخبرنا كيف أدرك عقله الحادث مفهوم الاستحالة المنطقية.. قبل أن يسأل عن قدرة الحق الانقلاب إلى مستحيل.



    الجـــواب الثاني:
    (المجيب: اللجنة العلميّة).


    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين....وبعد:
    بأمثال هذه الأسئلة غير المعقولة واللامنطقيّة يحاول الملاحدة التشغيب على المسلمين ليُدخلوا في قلوبهم الوهن في معتقدهم بالله سبحانه وتعالى وبكمال أوصافه وجمال نعوته، فينشغل من لا حظّ له من العلم النافع والعمل الصالح فيما لا فائدة فيه، ويُفرغون أوقاتهم الثمينة في مسائل لا طائل من ورائها، في الوقت الذي يتناسون فيه هشاشة الإلحاد وبناءه القائم على شفير الأوهام والخيلات، والكذب والافتراءات.

    إن السؤال السابق داخلٌ ضمن جملة ما يُسمّى بالمتناقضات (Paradoxes) وهي مجموعة من الأسئلة التي تحتوي على متناقضات، فلا يمكن الإجابة عليها بالنفي أو الإثبات، لأنها في الأصل أسئلة خطأ مغلوطة.

    وفي الواقع الكثير من هذه الأسئلة المتناقضة، ونقتصر على سبيل الإيجاز على الأمثلة التالية:

    المثال الأوّل: سنرمز للجملة التالية بالرمز (أ) فنقول:

    (أ): العبارة (أ) خاطئة، فهل العبارة (أ) صواب أم خطأ؟


    هنا نقع في التناقض Paradox، لأن العبارة (أ) لو كانت صواب فهي خطأ، وإن كانت خطأ فهي صواب.

    المثال الثاني: سؤالنا: هل تستطيع أن تتكلم بصوتٍ مسموعٍ لا يُسمع، كذلك نقع هنا في التناقض، إذ كيف يكون الصوت مسموعاً وهو لا يُسمع في ذات الوقت؟

    المثال الثالث: سؤالنا: هل يستطيع الله بقدرته الكاملة أن يكون بلا قدرةٍ كاملة؟ وهنا ينقض أوّل الجملة آخرها.

    إذن فأمثال هذه الأسئلة لا جواب لها، وعدم الإجابة عنها لا تعني بأن المسؤول عاجزٌ عن الإجابة عنها، بل الشأن كلّه في خطأ السؤال نفسه.

    إذا أدركنا ذلك، فيمكننا تحليل السؤال السابق لنقف على وجه التناقض فيه فنقول: هذا السؤال يمكن كتابته بطريقة أخرى: (هل يستطيع الله أن يُعَجِّز قدرته بقدرته ؟؟)

    والتناقض إنما هو في الجمع بين الضدّين، فكيف يكون الخالق سبحانه وتعالى كامل القدرة في الوقت الذي ليست له قدرةٌ كاملة؟ تعالى الله عمّا يقولون علوّاً كبيراً.

    إن أوّل الجملة التي وردت في السؤال تُثبت أن الله قادرٌ على كلّ شيء، وآخرها يسأل عن قدرته على خلقِ صخرةٍ يعجز عن حملها، والعجز عن حملها هو نقصانٌ في القدرة، فنقضَ أوّل الجملة آخرها.

    ونحن نعلم أن الله على كلّ (شيء) قدير، لكنّ القدرة لا تتعلق بالمستحيل (والاستحالة المقصودة في مثالنا هو الجمع بين الضدّين في الوقت نفسه والجهة نفسها)، فإن الله قادر على كل (شيء)، والمستحيلات والممتنعات ليست بــ (شيء)، ولهذا فالله قادر على كل ممكن، وأما ما هو مستحيل فلا يصح أن تتعلق به قدرة الله تعالى لأنه ليس بشيء حتى تتعلق به قدرة الله تعالى .

    ولا يقال عن المستحيل أنه شيء إلا بمعنى أنه شيء في الذهن لا في خارج الذهن، وكلامنا هنا عن الإمكان الخارجي لا الذهني .

    فتبين بهذا بطلان السؤال عن تعلق قدرة الله تعالى بالمستحيل، وهذا البطلان لكون المستحيل ليس بشيء أصلًا لأنه مستحيل، ولو تعلقت به القدرة لما كان مستحيلًا ولكان شيئًا ممكنًا تتعلق به القدرة.

    وإذا كان الفرض أنه مستحيل، ثم تعلقت به القدرة لصار ممكنًا لا مستحيلًا، فبطل الفرض الأول بأنه مستحيل.

    فإذا قال قائل: (قدرة الله محدودةٌ في الممكنات) بيّنا له بطلان قوله؛ فإن عدم تعلّق قدرة الله بالمستحيل فذلك ليس لعدم القدرة وإنما لعدم ما تتعلق به القدرة الثابتة .

    وهذا كما أن علم الله ثابت وشامل، إلا أن عدم علمه بوجود رب خالق غيره لا يعني نقص العلم وإنما يعني عدم المعلوم في نفسه أصلًا ( أي عدم وجود خالقٍ آخر غير الله) فلا يتعلق علم الله به .

    فكذلك عدم تعلق قدرة الله تعالى بالمستحيل ليس لعدم القدرة بل لعدم المستحيل في نفسه أصلًا فلا تتعلق قدرة الله به .

    والله تعالى أعلى وأعلم.
    اللجنة العلمية بمنتدى التوحيد

  4. افتراضي

    س(1) فقه: ما سبب اختلاف أقل مدة للحمل بين الشرع والطب؟

    الجــواب:
    المجيب: د.حسام الدين حامد.


    يعود ذلك إلى اختلاف المقصود بتعريف "أقل مدة الحمل" في نظام الشرع عنه في نظام الطب، ويعود هذا الاختلاف بدوره إلى موافقةِ كل تعريفٍ لغاية النظام نفسه، ويخطئ من لم يدرك هذا الفرق بما يؤول به إلى أحد مسالك الخطأ، فيزعم الإعجاز في توافق الشرع مع الطب، أو يغلّب ظنّه أن الطب لن يصل إلى كذا، أو ثالثة الأثافي أن يزعم وجود التعارض بين الشرع والطب، وقد وقعت الثلاثة جميعًا مع الأسف!

    إنّ الذي يعني الأطباء هو (تحديد النقطة الفاصلة التي عندها يكون الطفل "قابلًا للحياة" بأن يكون من الممكن أن يعيش خارج رحم الأم ولو بمساعدةٍ اصطناعية، وتكون عادةً عند سبعة أشهر "28 أسبوعًا" وقد تكون قبل ذلك عند 24 أسبوعًا.) (1)، (ومع التقدم المستمر في العناية المركزة بحديثي الولادة، فإنّ حدّ إمكانية الحياة ينتقل نحو فترةٍ أصغر فأصغر لحمل الجنين، على سبيل المثال: فقد تحقق البقاء بعد 22 أسبوعًا كاملةً من الحمل) (2).

    وهذه المسألة لها مردودٌ قانونيٌّ، هو محل جدلٍ كبيرٍ وشهيرٍ في الغرب، ألا وهو تحديد وقت الإجهاض في الدول التي تسمح به، ولنأخذ انجلترا على سبيل المثال، ففي قانون حماية حياة الطفل سنة 1929م حُددت فترة الحمل التي يعتبر بعدها الطفل قابلًا للحياة بمدة 28 أسبوعًا، وسار على هذه الحد قانون الإجهاض لسنة 1967م، وتم تعديله في قانون الإخصاب البشري والأجنة لسنة 1990م فصار الحد الأعلى للإجهاض هو 24 أسبوعًا(3)، ثم في عام 2008 اقتُرح تعديل المدة إلى 20 – 22 أسبوعًا ولكنّه رُفض(4)، وبين الحين والآخر تطفو إمكانية مثل هذه التعديلات بتقليل الحد الأعلى للإجهاض(5).

    يتضح من ذلك أن "أقل مدة الحمل" في الطب ليست من الثوابت، والمعنى المقصود منها أنّها المدة التي تفرق بين المولود الذي يحيى بوجود المساعدة الطبية الخارجية و المولود الذي لا يحيى رغم المساعدة الطبية، وبتطور الطب يقل هذا السن تدريجيًّا، ويختلف من زمنٍ لزمن، ومن بلدٍ لآخر بحسب التقدم الطبي، وليس لأحدٍ أن يتألى على الغيب، ويفترض أن الطب لن يصل لأقل من ستة أشهر، فقد رُصد ذلك بالفعل في أجنةٍ ولدت بعد 22 أسبوعًا، وقدر الله حياتها بالعناية الطبية المركزة، ومن باب أولى فليس لأحدٍ أن يدعي موافقة الطب للشرع في تحديد أقل مدة الحمل بستة أشهر، كما سيأتي مزيد بيانٍ لذلك.

    أما "أقل مدة الحمل" في الشرع، فالمعنى المقصود منها أنّها المدة التي تفرق بين المولود الذي يحيى دون مساعدةٍ طبيةٍ خارجيةٍ والمولود الذي لا يحيى بدون هذه المساعدة كذلك، وثمرة ذلك تظهر في أحكام النسب ولحوق الولد بأبيه من عدمه، قال ابن المنذر رحمه الله (وأجمعوا على أن المرأة إذا جاءت بولدٍ لأقل من ستة أشهرٍ من يوم عقد نكاحها أن الولد لا يلحق به، وإن جاءت لستة أشهرٍ من يوم نكاحها فالولد له)(6).

    وقد استنبط الصحابة رضوان الله عليهم هذا التحديد بستة أشهر، من قوله تعالى (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا) [الأحقاف: 15]، فإنّه (قد استدل عليٌّ رضي الله عنه بهذه الآية مع التي في لقمان "وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ" [لقمان: 14]، وقوله" وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ" [البقرة: 233] ، على أنّ أقل مدة الحمل ستة أشهر، وهو استنباطٌ قويٌّ صحيح، ووافقه عليه عثمانٌ و جماعةٌ من الصحابة رضي الله عنهم)(7)، وهذه لفتةٌ حكيمةٌ في وصية آية الأحقاف، إذ يتوجه التذكير بمن حملته أمُّه أدنى مدة حملٍ في جنس الإنسان، فخرج يغمره فضل أمه إلى الدنيا يعيش فيها، فيكون الأمر آكد وأبلغ وأوضح لمن حملته أمّه أكثر من ذلك.

    أرأيت لو قلتُ لك (المواطن الذي يحصل على خمسة جنيهاتٍ سنويًّا سنة 1900م يقع تحت خط الفقر)، وقلتُ لك (المواطن الذي يحصل على ألف جنيهٍ سنويًّا سنة 2000م يقع تحت خط الفقر)، أفكنتَ لتقول إنّ بين الجملتين تعارضًا؟! أم يتبادر إلى ذهنك أن الفرق يعود لاختلاف تعريف "خط الفقر" في الحالين!؟ فكذلك حين نقول (أقل مدة الحمل في الطب 22 أسبوعًا) ونقول (أقل مدة الحمل في الشرع ستة أشهر)، فلا يصح أن ندعي وجود التعارض مادمتَ قد علمتَ أنّ المقصود من "أقل مدة الحمل" في النظامين مختلف، فأقل مدة الحمل في الشرع هي المدة التي تفرق بين المولود الذي يحيى دون مساعدةٍ طبيةٍ خارجيةٍ والمولود الذي لا يحيى بدون هذه المساعدة كذلك، بينما أقل مدة الحمل في الطب هي المدة التي تفرق بين المولود الذي يحيى بوجود المساعدة الطبية الخارجية و المولود الذي لا يحيى رغم المساعدة الطبية، كما سبق بيانه وتوثيقه.

    ولنختم بضرب مثالٍ يوضح تلاقي المفهومين مع عدم اشتباه أحدهما بالآخر، عندما نستفتي أحد الفقهاء في (امرأةٍ تزوجت و بعد خمسة أشهرٍ أتت بمولودٍ مبتسرٍ احتاج دخول الحضانة، هل يلحق الولد بالزوج؟!)، فلا خلاف أنّ جواب الشيخ سيكون (هو ابن الزوج .. لا شيء في ذلك!!)، ولا يرد على ذهنه الإجماع على أنّ أقل مدة الحمل ستة أشهر، لأنّ هذا الإجماع في المولود التام الذي لا يحتاج إلى عنايةٍ طبيةٍ خارجيةٍ حتى يعيش، والله ولي التوفيق.



    المصادر:
    (1) Abortion .. A documentary and reference guide – Melody Rose – P106
    ( Physician and their scientific colleagues have regarded that event with less interest and have tended to focus either upon conception, upon live birth, or upon the interim point at which the fetus becomes “viable,” that is, potentially able to live outside the mother’s womb, albeit with artificial aid. Viability is usually placed at about seven months (28 weeks) but may occur earlier, even at 24 weeks.)

    (2) Swiss society of neonatology - Recommendations for the care of infants born at the limit of viability (gestational age 22-26 weeks).
    (With the continuing progress of neonatal intensive care, the limit of viability has continued to shift towards a younger and younger gestational age. For example, survival after only 22 completed weeks of gestation has been described.)

    (3) House of Commons Science and Technology Committee - Scientific Developments Relating to the Abortion Act 1967 - Twelfth Report of Session 2006–07 - Volume I – p 8,9.

    (4) http://news.bbc.co.uk/2/hi/uk_news/politics/7412118.stm

    (5) http://www.telegraph.co.uk/news/news...-22-weeks.html

    (6) الإجماع : 69.
    (7) تفسير القرآن العظيم.
    اللجنة العلمية بمنتدى التوحيد

  5. افتراضي

    س(1) القرآن الكريم: كيف يكون القرآن العربي معجزًا للأعجمي؟ فرُبّ أعجمي يسمع عن إعجاز القرآن فيتساءل: وأنى يعجزني؟ إنما عجزي عنه لمكان العجمة واختلاف اللسان؟

    الجواب:
    المجيب: اللجنة العلمية.
    جمع الجواب ورتّبه: أ.هشام ابن الزبير.



    منهج الرد: سنفتتح الرد باسم الله، فالنظر في أصل الشبهة، كي نحتج بما قرره على ما أنكره، ولنتوصل بما أظهره إلى ما أضمره، ثم نثني بما يفتح الله به من وجوه الرد، لبيان الحق وإزالة الإلتباس، ونمهد لذلك بجواب مجمل بخصوص الإعجاز، نخلص منه إلى وجوه من الرد مفصلة، وفق تدرج يتحرى حال الأعجمي مع القرآن.

    تفصيل الشبهة وبيان أصلها: سؤالكم انطوى على شبهة، لا تنكر إعجاز القرآن جملة، بل ترمي إلى قصره على العرب، كأنكم سألتم: ما وجه دخول الأعجمي في خطاب التحدي بالقرآن، وهو مفتقر لملكة اللسان العربي؟ وكيف تكون معجزة نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم، من جنس ما ينفرد خاصة الناس بعلمه، ويقصر عامتهم عن إدراكه؟ فلو دققنا النظر في الشبهة، لألفيناها تتوهم التعارض بين شمول رسالة القرآن للعالمين، وبين إنزاله بلسان عربي مبين.

    الجواب المجمل حول ثبوت الإعجاز وتندرج تحته مسائل:
    أولها: النقل المتواتر حجة ملزمة للعرب والعجم:
    بلغنا القرآن وخبر إعجازه بالنقل المتواتر، ومُبلِّغ القرآن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، لم يؤثر عنه بيت شعر ولا ثمرة فكر، حتى إذا بلغ الأربعين خرج على قومه –وفيهم أئمة البلغاء- بكلام لم يعهدوا له مثيلا في حلاوته وطلاوته وهيبته، يتألف من نفس حروفهم، وهو يقول: هذا كلام الله، وإني رسول الله! فما زال يقرعهم به ويتحداهم –والخلق أجمعين- أن يأتوا بمثله، حتى تحداهم أن يأتوا بسورة "من مثله"، فلو أن أحدهم جاء بكلام يكافئ سورة الكوثر في مقدارها، وفيه جنس المماثلة و مطلقها (النبأ العظيم بتصرف)، بحيث لو وضع بين سور القرآن لم يميزه البلغاء عنها، فقد أبطل إعجاز القرآن وأسقط حجته، فلما قعدوا عن معارضته، مع توافر الدواعي واستحكام العداوة، سمى العلماء ذلك إعجازًا، وههنا ينتهي القدر المشترك بيينا في أمر القرآن، ثم تحول العجمة بينكم وبين الوقوف على حقيقة إعجازه، فكيف توهمتم أن عجمة اللسان قد أسقطت إعجازه الذي ثبت بالنقل المتواتر؟

    وثانيها: بلوغ القرآن مناط إقامة الحجة:
    أما وَقد بلغكم ذلك كله، فاعلموا أن قيام الحجة على الخلق منوط بمجرد بلوغ خبر تنزيل هذا الكتاب، وليس بالوقوف على إعجازه، والدليل من الكتاب: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ} الأنعام: 19، فهذا القرآن نذير لمن بلغه من العرب والعجم، ومن السنة:" والذي نفسي بيده لا يسمع بي يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بي إلا كان من أهل النار".(مسلم: 153)، فقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يسمع بي" يعم كل من سمع به من أهل الكتاب عربيا كان أو عجميا.

    وثالثها: العبرة بفهم رسالة القرآن إجمالا:
    مدار القرآن على التوحيد، فمن فهم حقيقته، ودان به، وتبرأ من الشرك، فقد دخل في الإسلام، لهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر من يأتيه مبايعا بالإسلام، بنطق الشهادتين، ولم يشترط فهم حقائق القرآن أو إدراك إعجازه بالتفصيل، ومن المعلوم أن الصحابة كانوا يدخلون في الإسلام على بصيرة، فدل ذلك على أنهم علموا علما ضروريا أن هذا القرآن معجز، ولم يلزمهم الرجوع إلى غيرهم من الفصحاء لإثبات إعجازه، فإن البليغ إذا سمع القرآن أيقن بعجزه عن مثله، وعلم بذلك عجز غيره عنه، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر سفراءه بدعوة الناس إلى دين الحق إجمالا، فلما بعث معاذ بن جبل إلى أهل اليمن، أوصاه أن يأمرهم بالتوحيد وأداء الفرائض، وعلى هذا الإجمال في دعوة الناس إلى الإسلام وبيان أصوله كانت رسائله صلى الله عليه وسلم لملوك العجم.

    ورابعها: جواب القرآن: أأعجمي وعربي؟
    فقد أخبر الله سبحانه بأن كفر المشركين بهذا القرآن العربي المبين كفر عناد وتعنت فقال: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ} فصلت: 44، فطلب إرسال رسول عربي بقرآن أعجمي ظاهر البطلان، وطلب إرساله بكل الألسن بحجة أنه رسالة للعالمين أبطل منه لأسباب شتى نذكر منها:
    أولا: الترجمة تغني عن ذلك، ولا زالت الأمم تترجم علوم الأنبياء والحكماء، ونحن لا نكلف العلماء أوالأدباء بتأليف مصنفاتهم بجميع اللغات، بل نلجأ لترجمتها عند الحاجة وهذا ظاهر.
    ثانيا: اختلاف الألسن في الفصاحة والبلاغة والوفاء بحق المعاني، يلزم منه تفاوتها في قدرتها على حمل معاني القرآن، فإذا تقرر ذلك، لزم تفضيل أحدها واختياره دون غيره، وقد أجمع المنصفون من أهل اللغة على فضل العربية، وعليه فإن اصطفاءها جاء على مقتضى الحكمة الربانية قال الله تعالى: {كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون} فصلت: 3.
    ثالثا: اقتضت حكمة الله أن تكون معجزة كل نبي من جنس ما يحسنه قومه، فتحدى العرب البلغاء بالقرآن، فأين مثل بلاغتهم عند بعض أمم الأرض فضلا عن سائرها، فلو نزل الكتاب على جهة التحدي بسائر اللغات، لوقع تحدي أكثر الأمم بشيء لا تحسنه وهذا يخالف الحكمة.


    وخامسها: لا تعارض بين وقوع المعرب في القرآن وبين إنزاله بلسان عربي:
    ولا يُعترض على ما أسلفنا بوجود المعرب في القرآن، فقد ذكر السيوطي في الإتقان أن أكثر الأئمة أنكر ذلك، وذهب آخرون إلى وقوع كلمات معربة يسيرة في القرآن، وأنها من جنس ما توافقت فيه اللغات، ونقل السيوطي في المهذب عن بعضهم أنّه: "إشارة إلى حكمة وقوع هذه الألفاظ في القرآن أنه حوى علوم الأولين والآخرين ونبأ كل شيء، فلابد أن تقع فيه الاشارة إلى نوع اللغات والألسن." اهـ، وعلى كلا القولين فلا تعارض بين وقوع المعرب في القرآن، وإنزاله باللسان العربي.

    وسادسها: تعلق المستشرقين ببعض الألفاظ المشتركة بين اللغات حجة عليهم:
    تلقف كثير من المستشرقين نظرية شفالي حول الأصول السريانية المزعومة لبعض الكلمات القرآنية، ليبنوا عليها أحكاما متعسفة، وقد صدر حديثا كتاب للمستشرق الألماني لوكسنبرغ على نفس الشاكلة أسماه ‫"قراءة آرامية سريانية للقرآن ـ مساهمة في تفسير لغة القرآن "، وقد ادعى في كتابه أن كثيرا من غريب القرآن لا يتأتى فهمه إلا بإرجاعه إلى أصوله الآرامية والسريانية، بل ادعى ان النحاة أصّلوا للغة عربية تختلف عن التي أنزل بها القرآن، وخلاصة كلامه أن مقارنة بعض غريب القرآن بالآرامية والسريانية يجلي معناه أكثر من الرجوع إلى سيبويه ونحوه .... وهذا السيل من الكلام المتهافت يحتاج فصلا كاملا لدحضه، وليس هذا غرضنا هنا من إيراده، إنما نشير باقتضاب إلى أننا إن سلمنا بوقوع مثل هذه الألفاظ المشتركة بين اللغات في القرآن العربي، الذي يوافقنا المستشرقون أنه في أعلى درجات البلاغة، فيلزم منه أن المتكلم به قد أحاط بهذه الألسنة، وعلم دقائق ما اشتركت فيه، وخصائص كل منها وما تميزت به، فاصطفى العربية من بينها ليقع بها التحدي، ونحن نقر بهذا كله، ونقول إن القرآن كلام خالق الألسنة على اختلافها.

    وسابعها: جنس الإعجاز مشترك بين الأمم:
    جنس الإعجاز معروف عند العرب والعجم، فهم يشتركون في إدراك معناه، وإطلاق التحدي بهذا القرآن ليشمل الثقلين، من لدن تنزيله إلى قيام الساعة، يدل على أنه من جنس آيات الأنبياء، فأن يأتي أميّ لا يقرأ ولا يكتب، يتيم ليس له والدٌ يطوف به على المعلمين والبلدان، فقيرٌ لا وقت له لسفر التعلم عند الرهبان، من أمةٍ أميةٍ عرفت بالنبوغ في الشعر، ومازالت معلقات شعرائها نجمًا في البلاغة ودقة الوصف، ويأتي هذا الرجل الصادق الأمين يتحداهم ببلاغة الكتاب الذي أنزل عليه برهانًا لنبوته، ويتحدى الإنس والجن، إنّ هذا التحدي وهذه الثقة في حدّ ذاتها كانت آيةً لبعض الأنبياء، فأنى لمن دونهم أن يقع منهم مثل هذه الدعوى العظيمة، ثم يتخلف الناس أفرادا وأمما عن إبطالها عبر القرون والأعصار، إذن يكفي الأعجمي فهم أصل الإعجاز وإمكان وقوعه ليدرك معنى الإعجاز القرآني إجمالا.

    الجواب المفصل ويندرج تحته حوالي عشرين وجها:


    الوجه الأول: إدراك الإعجاز يحصل للخاصة تفصيلا ولمن دونهم إجمالا:
    يتفاوت الناس في إدراك اعجاز القرآن تبعا لتفاوت عقولهم، فإن فيهم البليد والذكي، وعليه فإن توهمكم أن عدم إدراك الأعجمي للحجة في هذا الكتاب، دليلٌ على انتفاء حجته، كمثل توهم الجاهل أن إحياء عيسى عليه السلام للموتى بإذن الله، أمر يقدر عليه من حذق صنعة الطب، فإن توهمه لا يقدح في وقوع الإعجاز وقد أقر به الأطباء، وإنما سبيل من قصرت به ملكاته عن النهل من معين هذا الكتاب، أن يرجع إلى أهل الإختصاص، فإجماعهم حجة على غيرهم، إذ يدركون الإعجاز عن ذوق وممارسة، ولا يدركه العامة إلا تبعا لهم، ويجرون في ذلك مجراهم.

    الوجه الثاني: اصطفاء العرب لحمل الرسالة:
    روى مسلم من حديث واثلة بن الأسقع :"إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ وَاصْطَفَى قُرَيْشاً مِنْ كِنَانَةَ وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِى هَاشِمٍ وَاصْطَفَانِى مِنْ بَنِى هَاشِمٍ "، ولما كان القرآن آخر الكتب المنزلة، والعرب آخر الأمم عهدا بالنبوة والرسالة، جرى اصطفاؤهم لحمل أمانة الوحي، وإنزالُ الكتاب بلسانهم لتقوم عليهم الحجة أولا، وليبلغوا من خلفهم من الأمم فتقوم عليهم الحجة تبعا لهم، ولا مناص لمن أراد الوقوف على دقائق الوحي بغير واسطة، من تعلم اللسان العربي.

    الوجه الثالث: إقرار العرب بالعجز عن معارضة القرآن ملزم لغيرهم:
    قولكم: كيف يكون القرآن معجزا للأعجمي؟ يفهم منه إقراركم بأن العربي قادر على إدراك معنى الإعجاز القرآني، فنقول أَمَا وقد بلغكم أن العرب قد قعدوا عن معارضة القرآن بما يسقط دعوى إعجازه، فأنتم أعجز منهم كما لم يخف عليكم، فعلى هذا القياس كان إقرار العرب على أنفسهم بالعجز عن الإتيان بمثل هذا القرآن ناطقا بعجز العجم من باب أولى.

    الوجه الرابع: ترك بلغاء العرب معارضة القرآن مع بقاء قدرتهم:
    الحق أن القرآن معجز بذاته، لا بشيء خارج عنه، فمن أعجب العجائب أن يتحدى القرآن العرب بالإتيان بكلام من مثله، وأن يتكرر هذا التحدي إلى أن يبلغ مداه في قوله تعالى:{وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ} البقرة: 23، ثم لا يتصدى لمعارضته أحد من بلغائهم مع بقاء قدرتهم، ولعل هذا الأمر العجيب هو سبب القول المعروف بالصِّرْفة، فنقول –مع شيخ الإسلام- على سبيل التنزل، إن قعود العرب عن معارضة القرآن يدل على أنه من خوارق العادات، سواء كان مرد ذلك إلى صرفهم عنه، أو إلى عجزهم، فالإعجاز واقع في نفس الأمر، وهذا القول على ضعفه كاف لإبطال الشبهة المذكورة. (كتاب النبوات بتصرف).

    شهادة الوليد بن المغيرة: لما استُفتي الوليد بن المغيرة في أمر القرآن قال كلمته السائرة: "وماذا أقول؟ فوالله ما فيكم رجل أعلم بالشعر مني ولا برجزه ولا بقصيده مني ولا بشاعر الجن، والله ما يشبه الذي يقول شيئا من هذا، ووالله إن لقوله الذي يقول لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإنه لمثمر أعلاه، مغدق أسفله، وإنه ليعلو وما يعلى وإنه ليحطم ما تحته." (رواه الحاكم من طريق عكرمة عن ابن عباس)، هذه شهادة بليغ يتكلم من ذروة البلاغة البشرية، ليشهد بإعجاز البلاغة القرآنية، ولا ينبئك مثل خبير، هذا رائد قوم علقوا فرائد القصائد على الكعبة، فلم يفحمهم في مضمار البلاغة إلا كلام رب الكعبة.

    شهادة أبي العلاء المعري: "وأجمع ملحدٌ ومهتدٍ، وناكبٌ عن المحجة ومقتدٍ، أن هذا الكتاب الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم كتاب بهرَ بالإعجاز، ولَقِيَ عدوَّه بالإرجاز، ما حُذِيَ على مثال، ولا أشبه غريب الأمثال، ما هو من القصيد الموزون، ولا الرجز من سهل وحزون، ولا شاكَل خطابة العرب، ولا سجع الكهنة ذوي الأرب، وجاء كالشمس اللائحة، نورا لِلمُسِرَّة والبائحة، لو فهمه الهضب الراكد لتصدع، أو الوعول المُعْصِمَة لَرَاقَ الفادرة والصَّدَع: "وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون".وإن الآية منه أو بعض الآية لتعترض في أفصح كلمٍ يقدر عليه المخلوقون، فتكون فيه كالشهاب المتلألئ في جنح غسق، والزهرة البادية في جدوب ذات نسق."(رسالة الغفران). هذا أبو العلاء، وهو من أفذاذ البلغاء، ومن فحول الأدباء، يشهد أن إعجاز القرآن محل إجماع بين أهل الهداية وأهل الإلحاد.

    الوجه الخامس: معارضة المتنبئين للقرآن إثبات لإعجازه:
    فإن قلتم بل وجد من عارض القرآن بشيء يماثله ولم ينقل إلينا؟ فنقول لو عورض بشيء يدانيه ويساميه، لنقل لتوافر الدواعي لذلك، ولو نقل لبلغنا، فلما لم يبلغنا من ذلك شيء، بقينا على الأصل وهو وقوع الإعجاز، ولا يُحتجّ بما نقل عن المتنبئين قديما وحديثا، من محاولات لمعارضة القرآن، لقصورها البين عن مرتبة البلاغة البشرية، فضلا عن البلاغة القرآنية.

    الوجه السادس: محاولة بعض العجم معارضة القرآن إثبات لإعجازه:
    كما لا يلتفت إلى محاولات بعض العجم في زماننا معارضة القرآن، فهؤلاء جمعوا قصورهم عن مرتبة البلاغة، إلى عجمة اللسان والقلم فقامت عليهم الحجة بعجزهم عن معارضة القرآن تفصيلا، بعدما قامت عليهم قبل ذلك إجمالا.

    الوجه السابع: جنس التفاوت في إدراك إعجاز القرآن موجود في العرب والعجم:
    ثم هل بلغكم أن العرب زمان البعثة كانوا على درجة سواء في ملكاتهم البلاغية؟ لا شك أنهم كانوا متفاوتين في ذلك تفاوتا عظيما، ولم يكونوا جميعهم في بلاغة حسان والخنساء، فالناس في أمر الإعجاز ثلاثة: أعجمي, وعربي كالأعجمي وعربي متمكن من البلاغة والبيان (الباقلاني: إعجاز القرآن). فيلزم من هذا التصنيف وجود جنس التفاوت في هذا الباب في العرب وفي غيرهم.

    الوجه الثامن: العجم أنفسهم يتفاوتون في تمكنهم من اللسان العربي:
    العجم ليسوا سواء في جهلهم باللسان العربي، فليس كل عجمي أعجميا، بل قد يكون منهم من هو أفصح وأبلغ من أوساط العرب، وهم مع ذلك عاجزون عن مجاراة البلاغة القرآنية، فعجز هؤلاء يثبت عجز من دونهم.

    الوجه التاسع: جنس البلاغة مشترك بين الأمم:
    ولو قلتم: كيف يكون الكلام البليغ معجزا، ولكل بليغ أسلوبه الذي لا يجارى؟ قلنا إن جنس البلاغة معروف عند العرب والعجم، فإذا علم العجم إجمالا أن القرآن تحدى بلغاء العرب فأعجزهم، وتواتر الخبر بذلك، فهذا كاف في وقوع الإعجاز، ثم إن المعارضات الأدبية جنس معروف، لم يزل البلغاء يتبارون في مضماره إلى اليوم، ولا يعرف أثر أدبي واحد عصيّ عن المعارضة والنقد والاستدراك.

    شبهة جاهل بالبلاغة:
    وإن قلتم: هذا كلام مفهوم فكيف يعجز الناس؟ قلنا: هذه شبهة جاهل بحقيقة البلاغة، وفي مثل هذا قال ابن المقفع: "البلاغة هي التي إذا سمعها الجاهل ظن أنه يحسن مثلها"، هذا عن البلاغة البشرية، وهذا ظن الجاهل بها، فإذا كان أساطين البيان قد أذعنوا لبلاغة القرآن، فلأنهم تبينوا من إعجازه ما خفي على من دونهم، فإن قلتم لا زالت البلاغة في العرب والعجم فما وجه تفضيل القرآن على البلاغة البشرية؟ فنجيب أن هذا باب واسع، وحسبنا أن نقول مع الشيخ دراز إن: "القصد في اللفظ" مع "الوفاء بحق المعنى" بلا تقتير ولا إسراف نهايتان تقصر عنهما همم البلغاء, وكل من رام الجمع بينهما كان كمن يروم العدل بين ضرتين دون أن يميل إلى إحداهما. ومن شاء أن يرى النهايتين مجتمعتين فليقرأ القرآن. (النبأ العظيم بتصرف).


    الوجه العاشر: بلاغة النبي صلى الله عليه وسلم على جلالتها ليست معجزة:
    النبي صلى الله عليه وسلم كان له حديثه الذي ينسب إليه، وهو أفصح العرب بشهادة بلغائهم، لكن كلامه ليس معجزا، بل قد يلتبس بغيره، وقد يصعب على غير أهل الصنعة الحديثية تمييز المدرج من كلام الرواة من كلامه، فهل يلتبس كلام الله بكلام غيره؟ إن الآية من القرآن لو وضعت وسط كلام بعض البلغاء لأخبرت عن نفسها، ولدلت بنورها على معدنها، ولأشرقت كما يشرق فص الماس لأنها من كلام رب الناس، و المنصف يقر أن كلام النبي صلى الله عليه وسلم لا يلتبس أبدا بالقرآن، فإذا فهم الأعجمي هذا الوجه، كان سببا آخر لإدراك حقيقة الإعجاز القرآني.

    الوجه الحادي عشر: الإعجاز القرآني لا ينحصر في البلاغة:
    يبدو أن السؤال يفترض أن إعجاز القرآن في بلاغته، وهذا خلاف الواقع، فإنه قد ذكر العلماء وجوها من إعجاز القرآن، منها نمطه الفريد، ونظمه البديع، وبلاغته الباهرة، وإخباره بالغيوب، واشتماله على العلوم المتنوعة، والحكم البالغة، والحجج الدامغة، وخلوه من التناقض وبراءته من الإختلاف، وكل من ذهب إلى أن إعجاز القرآن في بلاغته، إنما أراد أنها وجه يشمل القرآن كله، وأن الوجوه الأخرى لا توجد إلا في بعض آيه.

    الوجه الثاني عشر: يمكن للأعجمي إدراك إعجاز المعاني:
    البلاغة تشمل الألفاظ والمعاني جميعا، قال الجرجاني: "وليت شعري، هل كانت الألفاظ إلا من أجل المعاني؟ وهل هي إلا خدم لها ومصرفة على حكمها؟"(دلائل الإعجاز)، وفي كلمة الوليد بن المغيرة وصف للقرآن بالحلاوة والطلاوة والإثمار والإغداق، وكلها أوصاف تعم الألفاظ والمعاني، فإن فات الأعجمي إدراك بلاغة الألفاظ، فعليه أن يبذل وسعه في إدراك طرف من إعجاز معانيه بسؤال أهل العلم ومطالعة ترجمات معانيه.


    الوجه الثالث عشر: التأثر بسماع القرآن:
    أول ما يقرع الأذن تأليف القرآن الصوتي، فلو نأيت عن قارئ متقن بحيث لاتسمع سوى تناسق الحركات والسكنات، والمدود الغنات، والوقوف والسكتات، فإنك ستسمع جرسًا ونسقًا عجيبا فريدا يسترعي سمعك، ويجذبك، ولا تمله، فهو متجدد دوما، لا تمجه الأذن ولا ينكره الذوق أبدا. (النبأ العظيم بتصرف). فإن فات الأعجمي فهم معاني القرآن فلن يفوته سماع آياته، فإن التأثر بسماع القرآن أمر مشترك بين العرب والعجم، وهاهو جعفر بن أبي طالب يقرأ سورة مريم، ويبكي النجاشي، ويبكى الأساقفة حتى اخضلت لحاهم، فإن افترضنا أن النجاشي كان يفهم العربية، فيبعد أن يكون الأساقفة كلهم كذلك، فلا يخرج الأمر عن تأثرهم بسماع القرآن أو بترجمة معانيه، أو كليهما، ويؤكده الوجه التالي:

    الوجه الرابع عشر: كثير من المسلمين اليوم من العجم:
    كثير من المسلمين اليوم من العجم، فهاهم أولاء ملايين الترك والأندونيسيين يتنافسون في تعلم القرآن وترتيله وسماعه، وعامتهم لا يتقنون العربية، بل إن منهم من يبكي ويخشع لمجرد طرق القرآن لسمعه، أو جريانه على لسانه، وقد سئل أحدهم عن سر بكائه وهو لا يفهم ما يقرأ، فأجاب: "قد لا يفهم عقلي، لكن قلبي يفهم"، ونحن نقول إن عجمة اللسان لا تضر من كان ذا قلب فصيح، ولا يَرِد عليه أن هذا مختص بأهل الإيمان، فإن كثيرا من كفار العجم يقرون بما لسماع القرآن من سلطان على النفوس. (نجيب الرفاعي: عجائب قراءة القرآن على الأوربيين والأمريكان).

    الوجه الخامس عشر: النظر في لغة العرب والوقوف على خصائصها:
    مما يحصل به إدراك إعجاز القرآن، النظر في خصائص لسان العرب من سلاسة اللفظ وخفته وعذوبته وقدرته على ترجمة ما في النفس من المعاني بأبلغ العبارات وأوضحها، وسبيل ذلك الرجوع إلى الدراسات اللغوية المعاصرة، التي تعنى بمقارنة اللغات ( Comparative Linguistic)، فإذا حصل الأعجمي طرفا من هذا العلم أيقن بعدم وجود لسان أعجمي يدنو من العربية، بحيث يتأتى فيه من وجوه الفصاحة وأساليب البيان، والثراء اللفظي والمعنوي ما يناسب أن يصلح للتحدي والإعجاز.

    التنويه بإنزال القرآن بلسان عربي مبين:
    امتن الله على العرب بإنزال القرآن بلسانهم في بضعة عشر موضعا من التنزيل، فلما جاء وصف القرآن بأنه عربي، مقترنا بوصفه بأنه مبين وغير ذي عوج، أيقنا أن الله نزل أكمل الكتب بأكمل الألسنة على أكمل الخلق، إذ "لا يحسن أن ينزل على أفضل رسول ، أفضل كتاب بلسان مفضول"(الزمخشري: رسالة في إعجاز سورة الكوثر).

    شهادات المنصفين والعلماء بتفرد اللغة العربية:
    من أبلغ الشهادات التي تترجم لتفرد العربية وسموها على سائر اللغات شهادة المستشرق رنان: "العربية نفسها من أغرب الغرائب، هذه اللغة التي كانت قبلُ مجهولة، تتجلى لنا فجأة في منتهى كمالها، ومرونتها، وثرائها غير المحدود، إنها في غاية الكمال بحيث لم يطرأ عليها إلى يوم الناس هذا تغيير ذو بال، إنها لغة لا تعرف لها طفولة ولا شيخوخة، فكأننا حين علمنا عن فتوحاتها، وانتصاراتها الباهرة، قد علمنا عنها كل شيء، ولا أدري إن كنا سنجد شبيهاً لهذه اللغة التي ظهرت كاملة، دون طور عتيق، من غير تدرّج..." (إرنست رنان: تاريخ اللغات السامية).

    يقول الدكتور رمضان عبد التواب رحمه الله: "العربية الفصحى لها ظرف خاص لم يتوفر لأية لغة من لغات العالم .. ذلك أنها ارتبطت بالقرآن الكريم منذ أربعة عشر قرنًا، ودوّن بها التراث العربي الضخم، الذي كان محوره هو القرآن الكريم في كثيرٍ من مظاهره، وقد كفل الله الحفظ، مادام يحفظ دينه، فقال عز من قائل "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون"، ولولا أن شرفها الله عز وجل فأنزل بها كتابه، وقيض له من خلقه من يتلوه صباح مساء، ووعد بحفظه على تعاقب الأزمان، لولا كل هذا لأمست العربية الفصحى لغة أثرية، تسبه اللغة اللاتينية أو السنسكريتية، ولسادت اللهجات العربية المختلفة، وازدادت على مر الزمان بعدًا عن الأصل الذي انسلخت منه، هذا هو السر الذي يجعلنا لا نقيس العربية الفصحى بما يحدث في اللغات الحية المعاصرة"اهـ.

    وكتب الأديب الألماني جوته في إحدى رسائله: "قد لا توجد لغة سوى العربية, بهذا التناسق الأصيل بين الروح والكلمة والخط, كأنها جسد واحد."(جوته: رسالة إلى هاينرش شلوسر).

    العربية لسان إسماعيل عليه السلام:
    إنها لسان إسماعيل تعلمها من جرهم (البخاري: 3365)، وصح أنه عليه السلام أول من فتق لسانه بالعربية المبينة وهو ابن أربع عشرة سنة (صحيح الجامع: 2581)، فما أعتقها وأعرقها من لغة لا كاللغات، نطق بها الأنبياء وألهمت الشعراء وبهرت الحكماء، فلو تأملت هذه اللغة الفريدة التي خرجت من الصحراء كاملة، يحلق بها قوم بدو في سماء البلاغة الإنسانية، ثم تأملت حالهم عند نزول القرآن، وهم يرفعون إليه أبصارهم فترتد حسيرة متحيرة، لحُقّ لك أن تتساءل: أليس وجود هذه الجوهرة اليتيمة في عقد لغات البشر، إرهاصا لنزول هذا الكلام الرباني المعجز؟ إن الذي حفظ هذا اللسان، أراد أمرا فهيأ له أسبابه، فلم يشعر به الناس، إلا بعد تمام فصوله واكتمال حلقاته.

    فهاهي العربية بعد كر القرون المتطاولة، لم تفقد شيئا من فتوتها ونضارتها، فأين قريناتها من زمان التنزيل؟ لقد اندثرن وبقيت هي، بل إن طرفا من علوم الأوائل لم يكن ليصلنا لولا أن خلعت عليه العربية من حللها، فبها سلم من عوادي الزمان، ومن بقائها اكتسب البقاء، فلو شاء أهل الأرض اليوم حفظ علومهم من الإندثار، لما وجدوا لها وعاء خيرا من العربية، إنها لغة قدر لها الخلود منذ اقترنت بالقرآن، فلله درها من لسان فريد، فاق ألسن أهل الأرض، فلو أن لغات العالم صهرت في بوتقة واحدة، ثم صيغ منها لسان واحد، لضاق عن حمل القرآن، الذي وسعته العربية.
    وسعت كتاب الله لفظا وغاية*****وما ضقت عن آي به وعظات.

    الوجه السادس عشر: الترجمة التفسيرية:
    أنزل القرآن على العرب بلسانهم لتقوم عليهم الحجة وليبلغوه لمن خلفهم، قال شيخ الإسلام: "فكذلك بعث محمدا - صلى الله عليه وسلم - إلى قومه وغير قومه، ولكن إنما يبعث بلسان قومه ليبين لهم، ثم يحصل البيان لغيرهم بتوسط البيان لهم إما بلغتهم ولسانهم وإما بالترجمة لهم ولو لم يتبين لقومه أولا لم يحصل مقصود الرسالة لا لهم ولا لغيرهم وإذا تبين لقومه أولا حصل البيان لهم ولغيرهم بتوسطهم." (الجواب الصحيح)، فلا خلاف في أن التفقه في القرآن يحصل بتلاوته وبتفسيره وببيان معانيه بالعربية، أو بترجمتها إلى غيرها من اللغات.

    هذا الكتاب الحكيم حوى علوما جمة لا توجد في كتب أهل الأرض مجتمعة، بل إن المعاني الباهرة والحكم الجليلة تستنبط فيه من كلمات يسيرة وأحرف قليلة، فكل من المفسر والمترجم يجتهد في بيان طرف منها، ولهذه القرينة سمي بن عباس ترجمان القرآن، وقد أرسل النبي صلى الله عليه وسلم رسائل مجملة إلى كسرى وقيصر والمقوقس يدعوهم إلى الإسلام، فدل ذلك على أن فهمهم لمضمون الرسائل النبوية من طريق الترجمة كاف في قيام الحجة الرسالية عليهم.

    الحاجة إلى بيان معاني القرآن أمر مشترك بين العرب والعجم:
    الحاجة إلى بيان مراد الله من كلامه أمر مشترك بين الناس، فما حاجة العجم إلى الترجمة بأكبر من حاجة العرب إلى التفسير، بل إن عوام المسلمين اليوم يفتقرون إلى الترجمة لبعدهم عن اللسان العربي ولفشو اللغات العامية، قال الشاطبي "إن ترجمة القرآن بالنظر إلي معانيه الأصلية ممكن، ومن جهته صح تفسير القرآن، وبيان معانيه للعامة"(الموافقات)، "والترجمة تكون للمفردات وللكلام المؤلف التام، وإن كان كثير من الترجمة لا يأتي بحقيقة المعنى التي في تلك اللغة بل بما يقاربه، لأن تلك المعاني قد لا تكون لها في اللغة الأخرى ألفاظ تطابقها على الحقيقة، لا سيما لغة العرب فإن ترجمتها في الغالب تقريب ومن هذا الباب ذكر غريب القرآن والحديث وغيرهما بل وتفسير القرآن وغيره من سائر أنواع الكلام، وهو في أول درجاته من هذا الباب، فإن المقصود ذكر مراد المتكلم بتلك الأسماء أو بذلك الكلام."(شيخ الإسلام: الرد على المنطقيين).

    ترجمات معاني القرآن وسيلة لإفهام الأعجمي:
    لا يكابر أحد في أثر الترجمة في انتشار الإسلام في أرجاء الأرض، ولا شك في بقاء شيء من آثار الإعجاز في ترجمات معاني القرآن، فإن البلاغة لا تقتصر على المناحي اللفظية، بل تتعداها إلى المعاني والبيان، فقارئ ترجمة القرآن يرى التناسق الفريد بين أجزائه، ويحس بقوة حجته، ويلمس صدقه، ويحصل له تذوق طرف من أسلوبه في الإجمال والتفصيل، وحسن التخلص والمناسبة بين آياته وسوره، والناظر في ترجمة معاني القرآن يحصل له العلم بسموها وثرائها وقوتها إذا قيست إلى ترجمات كلام البشر، وإن كانت لا تدنو من بلاغة القرآن نفسه، وبهذا القياس يدرك الأعجمي الفرق بين كلام البشر وبين كلام خالق البشر.

    الأستاذ الأمريكي جيفري لانغ أسلم بعد قراءته لترجمة معاني القرآن، وكتب عن تجربته: "لن تستطيع أن تقرأ القرآن فحسب، إما أن تستسلم له بكليته، أو تقاومه، حينها يهاجمك، يجادلك، ينتقدك، يقرعك، يتحداك (...) بدا لي أن المتكلم بهذا القرآن يعرفني أكثر من معرفتي بنفسي، كنت أجد إجابات أسئلتي مع استمراري في التلاوة."(جيفري لانغ: كفاح من أجل الإستسلام)، ولقد بهر القرآن بعض كبار أدباء أوربا مثل الشاعر الألماني فولفجانج جوته (1749-1832) صاحب نشيد محمد صلى الله عليه وسلم (Mohammed Gesang) , ومثل الشاعر الروسي ألكسندر بوشكين (1799- 1837) صاحب كتاب "قبسات من القرآن"، فهلا تأملتم أن هؤلاء ما قرأوا التنزيل وإنما قرأوا بعض ترجماته.

    اعتراض وجوابه:
    ولو قيل يلزمكم من القول ببقاء آثار الإعجاز في ترجمات معاني القرآن أن يقال نظير ذلك في التوراة والإنجيل، فنقول مع شيخ الإسلام إن القول بإعجاز توراة موسى وإنجيل عيسى عليهما السلام لا يضرنا في شيء، لأنهما من كلام الله، فإن قيل هل إعجازهما من جهة اللغة والنظم، قلنا إن هذا مما يرجع فيه إلى أهل اللسان العبراني، أما إن قيل إن إعجازهما لما تضمناه من إخبار بالمغيبات ومن الأمر والنهي، فلا نشك في ذلك، ومن أمثلة ذلك البشارة بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فالقرآن يشترك مع كتب الأنبياء فيما حوته من حقائق التوحيد وأسماء الله وصفاته وما تضمنته من الأمر والنهي والوعد والوعيد وغير ذلك. ( النبوات بتصرف).

    الوجه السابع عشر: مدار تأثير الترجمة على صدق البلاغة القرآنية:
    هذا الكتاب العزيز وصفه ربنا بأنه هدى ونور وروح، فصلت آياته بلسان عربي مبين، أنزله تبيانا لكل شيء، وهدى به إلى الحق وقص فيه أحسن القصص فهو كتاب مجيد مبارك لا ريب و ولا عوج ولا اختلاف فيه، أخباره صدق وأحكامه عدل، يذهب الجاحظ إلى أن الإعجاز في المعاني، أما الألفاظ فهي قارعة الطريق، والحق أن الإعجاز في الألفاظ وفي المعاني، ونقول أن مدار البلاغة على صدق المعاني، قال التوحيدي: "سألت أبا سليمان عن البلاغة، ما هي؟"، فقال: "هي الصدق في المعاني، مع ائتلاف الأسماء والأفعال والحروف، وإصابة اللغة وتحرّي الملاحة والمشاكلة، برفض الاستكراه ومجانية التعسّف."، فقال له أبو زكريا الصيمري: قد يكذب البليغ، ولا يكون بكذبه خارجاً عن بلاغته؟ فقال: ذلك الكذب قد ألبس لباس الصدق، وأعير عليه حلة الحق، فالصدق حاكم». (المقابسات)، وإذن فالمفسر والمترجم يبينان معاني الكتاب التي هي صدق كلها، كل حسب لغته، فيحصل لمطالع التفسير أو الترجمة ذوق صدق هذا الكتاب الكريم.

    الوجه الثامن عشر: القرآن اشتمل على خلاصة الطرق الصحيحة الموصلة للعلم النافع والعمل الصالح:
    اشتمل القرآن على خلاصة الطرق الصحيحة الموصلة إلى العلم النافع والعمل الصالح، فجمع بين البرهان والخطابة والجدل، قال الله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} النحل: 125. فالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالحسنى، من أصول الدعوة، وهذه الثلاثة تجمع طرائق تحصيل العلم والعمل، والقرآن ينوع براهينه وفق ما دلت عليه الآية، فتكون خطابية تارة، وجدلية تارة أخرى. (شيخ الإسلام: النبوات بتصرف)، وهذا المنهج القرآني الأصيل مما يسع الأعجمي الوقوف على آثاره بمطالعة ترجمات معاني الكتاب.

    الوجه التاسع عشر: تعلم العربية:
    فإن لم يرو ذلك كله غليل أنفسكم، وأحببتم أن تردوا المعين، وأن تشربوا صفوا، وأن يخلو لكم وجه القرآن، فتقرأوا كلام ربكم من غير واسطة، فعليكم بتعلم اللسان العربي المبين الذي به أنزل، لأنا لا نجد دواء لمن ارتاب في إعجاز القرآن بعد كل ما ذكرناه، إلا أن يتعلم العربية ليحصل له العلم بذلك ذوقا وممارسة، كما حصل لبلغاء العرب، وليس هذا مقصورا على القرآن، فنحن نرى كل من أراد نيل علم لا يتحصل إلا بلغة ما، يجد في تعلم تلك اللغة.


    خاتمة:
    هاهو القرآن غضا كأنما أنزل أمس، وهاهم القَرَأة يُحَبِّرونه بين جهر وهمس، وهاهي المصاحف كالشمس طالعة، وصحائف الترجمات تحفها ساطعة، وهاهي أزِمَّة الإعجاز قد انعقدت، ومعاقد الشبه الواهية قد انتقضت، فلم يبق للعقلاء من العجم والعربان، إلا التسليم لكلام الرحمن وإسلاس القياد إليه، فلله الحمد أولا وآخرا، ولكلامه العز باطنا وظاهرا.



    المراجع:


    - القرآن الكريم والسنة النبوية.
    - الشيخ عبد الله دراز: النبأ العظيم .. نظرات جديدة في القرآن.
    - شيخ الإسلام ابن تيمية: النبوات.
    - شيخ الإسلام ابن تيمية: الرد على المنطقيين.
    - أبو العلاء المعري: رسالة الغفران.
    - الدكتور رمضان عبد التواب: التطور اللغوي.. مظاهره وعلله وقوانينه.
    - القاضي أبو بكر الباقلاني: إعجاز القرآن.
    - عبد القاهر الجرجاني: دلائل الإعجاز.
    - نجيب عبدالله الرفاعي: عجائب قراءة القرآن على الأوربيين والأمريكان.
    - الزمخشري: رسالة في إعجاز سورة الكوثر.
    - أبو إسحاق الشاطبي: الموافقات في أصول الفقه.
    - أبو حيان التوحيدي: المقابسات.
    - كريستوف لوكسنبربغ: قراءة آرامية سريانية للقرآن ـ مساهمة في تفسير لغة القرآن.
    Christoph Luxenberg:
    Die Syro-Aramaeische Lesart des Koran: Ein Beitrag zur Entschlüsselung der Koransprache
    - إرنست رنان: التاريخ العام المقارن للغات السامية. Ernst Renan:
    (1881) Histoire générale et système comparé des langues sémitiques
    - كفاح من أجل الإستسلام: انطباعات مسلم أمريكي Jeffrey Lang:"Struggling to Surrender: Some Impressions of an American Convert to Islam
    - رسالة فلولفجانج جوته لهاينرش شلوسر Goethe an: Heinrich Schlosser 1815
    اللجنة العلمية بمنتدى التوحيد

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المشاركات
    3,524
    المذهب أو العقيدة
    مسلم
    مقالات المدونة
    3

    افتراضي

    السؤال: كثيراً ما يأتينا السائلون من اللادينيون والملاحدة، وهم في ذلك مشارب شتّى، منهم من يأتي سائلاً ومنهم من يأتي مهاجماً، فهل من إضاءةٍ تبيّن شيئاً من طبائعهم وكيفيّة التعامل معهم؟؟؟؟

    الجــواب:
    المجيب: الأستاذ أبو الفداء
    (مع ملاحظة أن الجواب جاء على حالةٍ خاصّة، ويمكن استلال الفوائد والقواعد منها)


    ج:اسمح لي أخي الكريم أن أبدأ بالترحيب بك ، سائلا المولى جل وعلا أن ينفعك وينفع بك.

    وفي الحقيقة فإن لي تعقيبين أو نصيحتين كليتين في المنهج الصحيح للتعامل مع الملاحدة، أخاطب بها بالخصوص من كان في مبتدإ طريق طلب العلم ولم يحصِّل منه ما به ترسخ قدمه وتستقيم قائمته في بيان الحق وتمحيص الأقوال وتحقيق الصواب من الخطإ فيها بما يأمن به على دينه ثم على دعوته التي يدعو الناس إليها، من أن يخالطها ما يبرأ منه أهل الحق من دخن أو باطل.

    أما بعد، فقبل كل شيء، اعلم - حفظك الله من كل سوء - أنه لا يستوي من أعلن الإلحاد علانية وجاهر به وراح يهاجم الإسلام والقرءان والسنة في كل مناسبة (كما أراك تصف هذا الذي تريد نصيحته) بمن حاصرته الشبهات وأرقت نومه وأوصلته إلى الشك والارتياب ولكنه لا يزال يصارع ذلك في نفسه (نسأل الله السلامة والهداية لكل مسلم).

    إذا كان الإلحاد في نفسه هو غاية ما يمكن أن يصل إليه إنسان من الجحود واتباع الهوى المحض، حيث يصل بصاحبه إلى نفي وإنكار ما لا يصح لعقال صادق أن ينفيه وهو من بدهيات المنطق ومسلمات الفطرة، فكيف بملحد مجاهر قد انتقل من اعتناق الإلحاد إلى بثه في الناس ودعوتهم إليه؟

    لا أقول إنه لا يمكن لهذا الصنف الأخير أن يهتدي، فالهداية بيد الله جل وعلا وقلوب العباد بين إصبعين من أصابعه يقلبها كيف يشاء. ولكن القصد، بارك الله فيك، أن معاملة المسلمين له يجب أن تكون بما يليق به، مع التركيز على جعل الغاية الأساسية للدعوة تحذير الناس منه وصيانتهم من شبهاته وكذبه، وتقديم ذلك على دعوته هو نفسه وتلمس الطرق إلى هدايته.

    هذان المقامان في العمل الدعوي كثيرا ما يختلطان على إخواننا المشتغلين بدعوة الملاحدة، حتى ترى الواحد منهم ينهك نفسه في خوض مناقشات طويلة من الجدل السوفسطائي المحض مع أناس غارقين في الهوى والاغترار بما هم فيه، فلا يكون حاصلها في الغالب إلا ترسيخ شبهة أن الواحد منهم عنده ما يستدعي أن يطول الحوار معه على هذا النحو، إذ لو كان كلامه باطلا بيِّن البطلان لانقطع عن المواصلة ولما آل الأمر إلى ما صار إليه! مع أن العقلاء يعلمون أن من شاء أن يفسفسط في كل حقيقة من حقائق العقل وبدهايته الأولى فلن يعجز عن ذلك، ولكنّ الشبهات أخاذة ولكل ساقطة لاقطة!

    لذا فقد أحسنت، بارك الله فيك، بجعل مراسلتك إياه على الخاص - كما يبدو من كلامك - أي فيما بينك وبينه. فإنه لو طال جداله معك - وسيطول لا محالة! - فسيكون في ذلك فتنة للقراء لا محالة.

    ولكنك مع هذا لم تحسن في تحري الأسلوب الأنسب لمخاطبته بما يليق به. فإن أسلوبك هذا يكون مناسبا تمام المناسبة، لو كان المخاطَب به من المسلمين الذين أخذتهم الشبهة ودخلوا في دائرة الصراع النفسي في ذلك، دون أن يجاهروا بالإلحاد وينقلبوا إلى محاربة الدين جهارا! أما والرجل حاله على ما وصفتَ من محاربة الله ورسوله، فلا داعي للثناء عليه في أثناء الكلام بارك الله فيك، حتى وإن كان من قبل من أصدقائك المقربين، فإننا نشك في أن يكون خطابه - مطلق الخطاب - سببا في هدايته أصلا، وقد علمتَ أنه يجاهر بسب الله تعالى ورسوله ليل نهار، فلا ينبغي أن يكون الخطاب مملوءا بتقرير حسن الظن في دوافعه والثناء على الطريق التي سلكها وما إلى ذلك مما لا يصح بذله لمن هذه حاله!

    اعتبر نفسك طبيبا نفسيا قد جاءك من يزعم عن نفسه زعما باطلا لا يماري في بطلانه عاقل، فكيف يكون طريقك إلى علاج ذلك المريض أن ترسخ في نفسه صحة المسلك الذي يزعم أنه قد اتبعه للوصول إلى القول بذلك الزعم المتهافت الذي جاءك متمسكا به وداعيا إليه؟

    إنما يحتاج مثل هذا إلى إفاقة من "وهم" العلم والبحث العلمي الذي لبَّس عليه شيطانه أنه يمكن أن يكون طريقا للعقلاء للوصول إلى قبول بدهيات العقل الأولى والتسليم بصحتها، أو ردها والطعن عليها!!

    لماذا لم يأت القرءان بجواب لشبهات الملاحدة كما جاء بجواب لكثير من شبهات المشركين؟ هل سألت نفسك هذا السؤال من قبل؟ السبب أيها الحبيب أن شبهات الملاحدة كلها من قبيل السفسطة العقلية المحضة التي لو انفتح الباب أمامها لما بقي في أصول العقل ما يمكن الاستناد إليه لمعرفة الحق من الباطل! فمع أن شبهات المشركين في غاية التهافت العقلي كذلك، إلا أن شبهة من ينفي وجود علة تامة محكمة لوجوده ووجود غيره من المخلوقات، مهما زينها وتفلسف في كتابتها فإنها لا تستحق أن تخاطَب في القرءان أصلا! نعم قد يشتبه على بعض العقلاء أن الله قد أمر الناس بعبادة غيره معه، أو أنه يحب ذلك ويقبله، ولكن كيف يشتبه على العقلاء وجود الصانع من عدمه بالأساس؟

    إنما هو مرض نفسي محض وإغراق في الهوى والجحود، وليس بشبهة ولا قريب من ذلك!

    لا أقول إنك ينبغي أن تعنف صاحبك هذا أو تنهره، فليس هذا طريقا لدعوة أحد من الناس في الحقيقة، بل لقد أمر الله تعالى نبيه موسى بأن يخاطب فرعون خطابا لينا وهو من هو في ظلمه وعتوه، ولكن تأمل في وجهة الخطاب نفسه كما وجهها الرب جل وعلا، لم يقل فقولا له قولا لينا "لعله يبحث عن الدليل"، أو "لعله يصبر على البحث والنظر والتأمل"، ولكن قال: ((لعله يتذكر أو يخشى))، لأنه سبحانه يعلم من حاله أنه جاحد مكابر يعرف الحق ويأبى الخضوع له علوا واستكبارا! هذا رجل قال للناس أنا ربكم الأعلى فاعبدوني، وهذه وحدها قرينة واضحة على استكباره وجحوده المحض، وقد نزل الوحي بمصداق تلك القرينة، فإن ربه الذي خلقه وهو أدرى بما أسر في نفسه يقول في وصف حاله وقومه معه: ((وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ)) [النمل : 14]!

    لذا ومع أن الدعوة لن تخلو بطبيعة الحال من ذكر الدليل وإقامة حجة الحق الظاهرة، إلا أن غايتها في الحقيقة ليست تعليم هذا الرجل ما يجهل ، وإنما غايتها تذكيره بما علم من الحق واستيقنته نفسه ولكنه يجحده ظلما وعلوا، فينبغي تخويفه من عاقبة الجحود والعناد! وأقصد ههنا علمه (الذي هو فطرة وبداهة عقلية مجبول عليها الناس) بضرورة وجود خالق أزلي ليس بمخلوق، تماما كعلم فرعون وتيقنه من أنه ليس هو الخالق، إذ لم يخلق السماوات والأرض ولم يخلق نفسه يقينا، ومن ثمّ فلا يمكن أن يكون هو الرب الأعلى المستحق للعبادة.

    ولهذا أقول إن مثل صاحبك هذا يحتاج إلى إلا يخلو الخطاب الخاص الموجه إليه (إن كنا نرجو منه الجدوى) من موعظة بليغة تهز أركانه هزا، إن كان قد بقي في قلبه ما يمكن أن يهتز! فإن لم يظهر لذلك ثمرة، فتذكر أن الله تعالى يقول: ((إلا الذين ظلموا منهم)) مستثنيا هؤلاء من أصل الجدال بالتي هي أحسن، وهو معنى عام في كل من يراد دعوتهم إلى الحق من أهل الكتاب وغيرهم!

    هذا رجل غارق في الهوى، وقد بلغ به هواه أن صار يجاهر بالجحد بوجود خالقه ويصارع دينه ويهاجم القرءان والسنة كما تقول، فمثل هذا لو جئته بمليون دليل فلن يقبله منك إلا أن يشاء الله، فإن مشكلته كما ذكرت لك ليست في جهله بالدليل وافتقاره إليه، حتى يقال له إنك "أسأت إلى البحث العلمي وأهله"، ونحو ذلك مما خاطبتَه به، وإنما مشكلته في ركوبه مطايا الهوى التي أفضت به إلى جحد مسلمات العقل من الأساس!! نسأل الله السلامة.

    هذا ما أحببت أن أتعقب به ما تفضلتَ بكتابته في مراسلتك للرجل، وهو أمر كلي يتعلق بمدخل الخطاب وأسلوبه، والله الموفق لما يحب ويرضى.
    لا يحزنك تهافت الجماهير على الباطل كتهافت الفراش على النار ، فالطبيب الحق هو الذي يؤدي واجبه مهما كثر المرضى ، ولو هديت واحداً فحسب فقد أنقصت عدد الهالكين


    العجب منّا معاشر البشر.نفقد حكمته سبحانه فيما ساءنا وضرنا، وقد آمنا بحكمته فيما نفعنا وسرّنا، أفلا قسنا ما غاب عنا على ما حضر؟ وما جهلنا على ما علمنا؟ أم أن الإنسان كان ظلوماً جهولاً؟!


    جولة سياحية في جزيرة اللادينيين!!


    الرواية الرائعة التي ظلّت مفقودة زمنا طويلا : ((جبل التوبة))

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. التعليقات: ســألــوا .. فأجــــبنا!!
    بواسطة اللجنة العلمية في المنتدى قسم الاستراحة والمقترحات والإعلانات
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 01-08-2011, 08:14 PM

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء