" الفطرة السليمة "
يعرف ابن منظور " الفطرة " بأنها هي ما فطر الله عليه الخلق من المعرفة به وقيل فطر كل إنسان على معرفته بأن الله رب كل شيء و خالقه.
ويرى آخرون أن الفطرة هي ما جبل الإنسان عليه في أصل الخلق من الأشياء الظاهرة و الباطنة , تلك الأشياء التي هي من مقتضى الإنسانية والتي يكون الإخلال بها أو مخالفتها خروجا عن الإنسانية لذلك جاءت الديانات السماوية كلها موافقة للفطرة في الظاهر والباطن ومن الأمثلة التي تبين لنا صورا من الفطرة حب الحياة والبعد عن كل مصدر خطر قد يهدد بقائها والميل إلي العبودية والخضوع لعظيم قوي كبير بيده كل شيء وهو قادر على فعل ما يريد . ومن صور الفطرة التستر وعدم العري والغيرة على المحارم وحب المال والوطن والميل إلى الجنس الآخر لحفظ البقاء وهو الإلهام داخل النفس البشرية .
قال تعالى " ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها "
والفطرة أرى أنها مثل الأرض الخصبة والتي ينمو ما يغرس فيها وهي قابلة لإنتاج الفضيلة والفساد أي الفجور والتقوى فأيهما غرس أولا وتم تغذيته فسينتج ما غرس فيه . هذا ما نستشفه من قول رسولنا الحبيب صلي الله عليه وسلم حيث يقول " فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه " فالتغذية الروحية والجسدية تتم عن طريق الأب , أي النشأة الأولى التي يتعرض لها هذا القادم من رحم أمه لا يعلم إلا ما علمه الله فيتم تعليمه داخل الأسرة التي يتخرج فيها مؤمناً بدين منحرف غرس في فطرة سليمة نقية فتولد هذا الإنسان المؤمن بما يؤمن به والده ولا يري صحيحا إلا ما تعلمه من والديه لذلك نري هذا التباين الرهيب فيما يؤمن به الناس علي هذه الأرض التي اسكن الله الناس عليها ليعبدوه وحده لا شريك له , ولكنهم عن آياته يعدلون إلا من رحم الله من عباده .
والفطرة السليمة تبقي منها جوانب النقاء وهناك ما يساعدها على الرؤية السليمة التي قد تحدث انقلاباً على المفاهيم السائدة في الفطرة وهذه المساعدات هي العقل والتفكير والقدرة على المقارنة والتحليل ثم الحكم على المفاهيم بباعث الفطرة السليمة .
فالإيمان بالله الواحد سبحانه يوافق الفطرة التي فطر الله الناس عليها للإيمان به -سبحانه- فكل ما حولنا وحتى أنفسنا إنما نحن خلق من خلقه والفطرة تقودك للسؤال عمن خلق هذه الأشياء حولنا , الشمس والقمر والنجوم والجبال والبحار والليل والنهار وفى أنفسنا أفلا نتذكرأونتفكر , والجواب هو الله ولا شيء سواه وكل ما حولنا يدلنا على انه لابد لهذا الكون من خالق ,وقد عرفناه بآياته سبحانه وتعالى عما يصفون والله قد قال سبحانه " ليس كمثله شيء وهو السميع البصير "
وقد رأيت علماؤنا الأجلاء قديما وحديثا يبحثون في ذات الله وصفاته تعالي الله عن ذلك علواً كبيراً , السنا نقرأ هذه الآية ؟ أو لم نؤمن بها ؟ ونصدقها ونعمل حسب مقتضاها ؟ إن الله جل شأنه يقول " ليس كمثله شيء " أي ليس مثل مثله شيء – لان كاف التشبيه تعني مثل – فلم البحث والعناء ولوي أعناق النصوص للوصول إلي شيء نعرف مسبقا انه لا يمكن الوصول إليه وقد اخبرنا بذلك من نؤمن به ونعبده ونرجوه جل شأنه .
وخير قول قاله العلماء في ذلك " إن الوصف معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة " . وهذا صحيح لان الله علمنا ليس كمثله شيء مما نعرف ومما لانعرف فلما الأسئلة أم أن هذا من أوسع الأبواب التي دخل منها الشيطان لأنها تزعزع أركان الإيمان وتفسد المعتقد , وكل ما دون ذلك تابع له وملحق بمعتقده .
إن البحث عن شيء تعرف مسبقا انك لن تجده أمر سخيف يدل على حمق من يفعله وضعف عقله وقلة إدراكه ومع ذلك فقد أخرجت هذه المدرسة الفلسفية الصرفة فرقا شتي كل يغني علي ليلاه – ألا تري لإبليس اللعين دور في ذلك ؟ وأين الفطرة السليمة التي تأبي مثل ذلك ؟ -
وهي فرق عديدة نشأت وتنامت على مر السنين في أحضان الحضارة الإسلامية " والإسلام ليس دين فرقة وإنما هو دين وحدة وما طرأ علي المسلمين في فترات مختلفة من تاريخهم من انقسام وفرقة إنما مرده لابتعاد أكثرهم عن منهج الإسلام الواضح ووقوعهم فيما حذرهم منه نبيهم مما وقعت فيه الأمم من قبلهم " كتاب دراسة عن الفرقة في تاريخ المسلمين ط2 ص12 .
وكل فرقة من هذه الفرق تري أن الحق معها وان رأيها هو القول الفاصل والذي لا يسلك مسلكهم فقد نكب عن الصراط المستقيم .
أليس من عقل يحكم كتاب الله وسنة رسوله الصحيحة ويبعد عن اللغو والتعصب لمذهبه ويبحث عن الحق ولا شيء سوي الحق , ويقبل الأخر ويتعايش معه طمعاً لإيصاله للحق بالحكمة والموعظة الحسنة . آمل ذلك .
بقلم/ محمد اليابس البلعاسي