صفحة 1 من 4 123 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 15 من 49

الموضوع: الإشكالات الهادمة لمذهب منكري السنة.

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Dec 2010
    الدولة
    المملكة العربية السعودية
    المشاركات
    656
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي الإشكالات الهادمة لمذهب منكري السنة.

    إنكار السنة يولد من الإشكالات أضعاف أضعاف ما يخشاه القرآني من إشكال إثباتها - وأنا أسميه إشكالاً تنزلاً مع الخصم فقط - ولأن منكر السنة يُدرك جيداً صعوبة الجواب عن هذه الإشكالات فإنه يريح نفسه ليس بمواجهة الواقع كما هو ، وإنما بنفي السنة من أساسها ومعاملتها كأنها شيء لم يكن له وجود في التاريخ أو لم يكن له وزن في ميزان الإسلام. ولنأخذ هذه الإشكالية العويصة كمثال - والإشكاليات كثيرة - وهي: لماذا لم يحسم الله هذه القضية بالغة الخطورة بآية محكمة صريحة كما عبر عن تحريم الربا بعبارة لا تحتمل تأويلاً آخر على الإطلاق (وأحل الله البيع وحرّم الربا) ؟ ونحن نعلم جميعاً - الموافق والمخالف - أن الله قال في كتابه (وما كان الله ليضل قوم بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون) ، فلم لم يبين للأمة كيف تتقي"أقوال رسولها وأفعالها" حتى لا تضل بعد إذ هداها الله؟
    وما أعظمها وأخطرها من فتنة (أي فتنة ارتداد الناس عن القرآن بسبب إثبات السنة) ، بل هي أعظم فتنة وقعت فيها الأمة، ومن سوء الظن به تعالى أن نعتقد أنه لم يأمر نبيه بالوضوح في التحذير منها أو لم يذكر في القرآن ما يقطع دابر الخلاف فيها والتأثر بها، كيف لا وقد قال (لتبين للناس ما نزّل إليهم) ، فلِمَ لم يبين لنا من أوحيت إليه هذه الآية أن "نقل سنته جرم عظيم أو صد عن سبيل الله وكتابه" ؟ فإن أمراً بهذه الخطورة على مستقبل الأمة وهويتها مما لا يُنهى عنه بحديث أو حديثين ولا آية عامة تحتمل أكثر من وجه، فإننا ما عهدنا بل ولا وجدنا من طريقة القرآن إلا الوضوح التام في النهي عما يعلم بالاضطرار ضرره الحقيقي على كافة البشرية، فكيف بأمر هو في صلب هدايتها وأساس مصيرها، ولا أدري كيف يستقيم نهي الرسول أمته عما هو أحقر من هذا (كنهيه عن الأكل بالشمال أو اشتمال الصماء) ثم تعجز بلاغته أو تكلّ فصاحته عن النهي عمّا فيه ضلال الأمة بأسرها (أي أخذها بالسنة ونقلها لحديثه)؟ ثم كيف يسعفه الوحي بالإخبار عن كون هذه الأمة "ستتبع سنن من كان قبلها" ولا يسعفه - مع مسيس الحاجة إليه في موطن كهذا بالذات - في الإخبار عن أن نقل أقواله وأفعاله سيكون مصدر شقاء وضلال للأمة من بعده ؟.....لم تكن هذه سوى نفحة واحدة من عذاب الإشكالات الكثيرة التي تحتاج إلى جواب فوري وحاسم خال من التكلف والتسعف.

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Dec 2010
    الدولة
    المملكة العربية السعودية
    المشاركات
    656
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    إشكال آخر من الإشكالات التي لا تنتهي: لماذا يحيل القرآن إلى مصدر خارج ذاته للتأكد من صدق وصحة القرآن نفسه - مع أن القرآن يحمل دليل صدقه في نفسه - ومن ذلك قوله تعالى (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) ، والإشكال لا ينتهي هنا فقط بل هناك أبعاد أخر وهي أن الله قد أخبرنا بتحريف أهل الكتاب وإعراضهم عن القرآن ومع ذلك يحيل عليهم ويأمر بسؤالهم. مرة أخرى: الإشكال لا ينتهي هنا. أهل الكتاب هؤلاء ليس عندهم دليل ولا خبر قطعي لا من كتاب منزل ، لأن كتبهم محرفة، ولا من نقل صحيح متصل منهم إلى من تقدمهم من آبائهم الأولين من الأحبار والعلماء ، فمن أين سيجيبون بعلم صحيح إذا ما سألهم أحد وفق قوله تعالى (فأسألوا أهل الذكر) ؟ لا يمكن الجواب عن هذا الإشكال إلا بالاعتراف بأن نقل العلم الصحيح ممكن بغير الوحي، بل و ممكن من أهل التحريف أيضاً كما هو الحال ههنا !! ولو كان غير ذلك لكان أمر الله بسؤال أهل الذكر من أهل الكتاب مطالبة في غير محلها، تقدس الله عن ذلك. وقال تعالى (فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك) ، فليس للرسول إلا طريقين: أن يسأل من قبله وهذا مستحيل لأنهم موتى أو يسأل الحاضرين في عهده وهنا إشكال: أن كتبهم محرفة وليس لديهم خبر صحيح إلى الصادقين من آبائهم ، فلابد من الاعتراف أيضاً هنا بإمكان نقل العلم الصحيح ليس من دون وحي فقط أو حفظ خاص من الله ، وإنما عن طريق أصحاب التحريف أنفسهم !!. ثم لاحظ أن المسألة هنا ليست مسألة سؤال عن إمكان تشريع خارج القرآن فقط ، وإنما سؤال عن صحة الرسالة برمتها ، وهذا أخطر من الأول ، فكيف يؤسس الله مصير التأكد من صحة الرسالة على سؤال أهل الكتاب مع ما عرف عنهم من الكذب والضلال والتحريف. لا يمكن الجواب إلا بالإقرار بإمكان نقل العلم الديني الصحيح بغير طريق الكتب المنزلة. فلم يجوز ذلك هناك ولا يجوز مع الأحاديث؟ والمقصود هنا أنه لا يمتنع أن يصلنا علم ديني - سواء تشريعي أو خبري - من غير طريق القرآن ولكن بدلالة أو إحالة القرآن عليه ، والسنة - التي ما هي إلا أقواله أفعاله وتقريراته - ما هي إلا طريق أحال عليه القرآن ،فإن قيل: تلك الإحالات ظنية الدلالة وليست قطعية الدلالة ، قلنا: عاد الإشكال القديم من جديد وهو: لماذا دلالة القرآن ظنية - تنزلاً مع الخصم فقط - في موضع يحتاج إلى القطع لحسم الخلاف وصون الأمة من الضلال؟ فإما أن نسيء الظن بالله وكلامه أو أن نعتقد قطعية دلالة الأدلة على ظاهر مادلت عليه ، دون تقييد أو تخصيص اعتباطي لا دليل عليه.
    التعديل الأخير تم 01-07-2011 الساعة 10:26 PM

  3. #3

    افتراضي

    بارك الله فيكم وجزاكم الله خيرًا.
    متابع لهذه الإشكالات الحاسمة التي تتفضلون بها، وليت الموضوع يستمر على هذا المنوال، دون تدخل يشتت الموضوع عن غايته.

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    المشاركات
    1,842
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    و أنا كذلك متابع..الاشكالات تضرب في العظم...و الجميل فيها خلق نوع من الاثارة عند الموافق و المخالف...

    " المعرفة الحقة هي الوصول الى التعرف على الذكاء الذي يتحكم في كل شيء...من خلال كل شيء " هرقليطس.

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Dec 2010
    الدولة
    المملكة العربية السعودية
    المشاركات
    656
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    اشكر إخواني وأخواتي، وإني لموقن إن شاء الله أن كل واحد منكم عنده من الفطنة والنباهة وحسن القصد ما يؤهله لكتابة مواضيع متميزة ، ولكن مزيد من التفكر ، مزيد من التأمل ، مع الإلتجاء إلى الحق سبحانه والتوكل عليه...تأتي المعرفة ، وكلنا "ظلوم جهول" ، نجاهد ونحاول ونسدد ونقارب ، لعلنا تصيبنا تلك الرحمة التي لا نشقى بها.

    = = = تصحيح عبارة سابقة : (...فلم لم يبين للأمة كيف تتقي"أقوال رسولها وأفعاله [بدلاً من أفعالها]" حتى لا تضل بعد إذ هداها الله؟ ) = = =

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Dec 2010
    الدولة
    المملكة العربية السعودية
    المشاركات
    656
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    هذه المرة هنا إشكال ولكن مع جوابه.
    سأل سائل: هل لديك دليل من القرآن ، فقط من القرآن، على أن في طاقة البشر أن يحفظوا وحي الله المنزل من الضياع والتحريف؟
    الجواب: نعم، الدليل هو قوله تعالى (إنا انزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء) ، فالتوارة وحي الله المنزل على بني إسرائيل والاية واضحة وصريحة أنهم "استحفظوا" ، والسين والتاء هنا للطلب كما هو معلوم في اللغة، أي طُلب منهم أن يحفظوا وحي الله ويكونوا عليه شهداء، ولو كان هذا مستحيلاً أو لا طاقة لهم به، لكن هذا من العبث الذي ينزه عنه الله تعالى، ولم يكن الله ليكلّف عباده أمراً ممتنع في ذاته ثم يذمهم عليه ويحاسبهم به، لأنه قال (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) ، فصح بالدليل من القرآن أن حفظ الوحي في وسع البشر لأن الله كلّف بني إسرائيل ذلك، فكل ما كلّف الله به فهو في وسع البشر، ولكن سبب ضياع الوحي وتعرضه للتحريف جاء من جهة إهمالهم وخيانتهم، لا من جهة كون الوحي يحتاج دائماً إلى حفظ خاص من الله تعالى، إذ لو كان الأمر كذلك لما استحفظهم من أول الأمر لأن الله كما أخبر عن نفسه (بعباده خبير بصير). فمن مجموع ما سبق يقال: السنة وحي يمكن حفظه ونقله ، لا يمتنع ذلك بل ولم يمتنع ذلك، ولكن قد يقول قائل: إذا كانت السنة وحياً فهل نقلت إلينا كلها، لم يترك منها شيء؟ فيقال: بيننا وبينك القرآن الذي ارتضيته حكماً - ونعم بكلام الله حكماً - ففيه أن الله قد يوحي بوحي فيذهب بما يشاء منه ويبقي ما يشاء ، قال تعالى (سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله) ، وقال (ما ننسخ من آية أو ننسيها) ، فإذا كان يجوز أن يُنسي الله محمداً وأمته من بعده شيئاً من قرآنه ، بعد أن عرفوه وتلوه ، فالسنة كذلك من باب أولى يجوز عليها ما جاز على القرآن، فلا يبقى مع الأمة من القرآن والسنة إلا ما تحتاج إليه ، وتحتكم به، وما سوى ذلك مما علم الله أن الأمة ليست بحاجة إليه أو فيه فتنة لها أو للناس و غير ذلك، فقد أنساهم الله إياه، وكون الله قادر على أن ينسي عباده ما يشاء هو أمر مقرر في القرآن، فإن الله يتحكم في جميع حالات الإنسان النفسية قال تعالى (وأنه هو أضحك وأبكى) وهذه من ألزم الخصائص النفسية للإنسان ، فكذلك النسيان، يُنسي الله من يشاء ويذكّر الله من يشاء، لذلك قال الله عن وظيفة نبيه (فذكّر إنما أنت مذكّر) ، والشاهد أن القرآن نفسه دل أن في مقدور البشر حفظ وصون الوحي متى أخلصوا وصدقوا ، والوحي ليس له صورة واحدة فقد يكون بكتاب وقد يكون علماً بغير كتاب، فما نطق به الرسول مما هو تشريع فهو وحي وإن لم يجيء في القرآن ، والأدلة على ذلك من القرآن يمكن أن تفرد في موضوع طويل مستقل.

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Dec 2010
    الدولة
    المملكة العربية السعودية
    المشاركات
    656
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    الإشكال القادم: يتحدث الإشكال القادم إن شاء الله عن قضية مختلفة إلى حد ما ولكن صلتها جوهرية بالموضوع ألا و هي دور "الوجهة الفكرية" للشخص في تحديد موقفه من السنة...أهي "وجهة مثالية" Idealistic أم "وجهة واقعية" Realistic ، وتأثير كل من الوجهتين في فهم التاريخ وتفسير حوادثه...بما في ذلك واقعة جمع ونقل الأحاديث...وسوف نستخرج من القرآن نفسه - الحكم الذي بيننا وبين منكري الأحاديث - معالم "الوجهة الفكرية" التي ينبغي للناس أن يتصفوا بها في فهم الزمان والمكان وما فيهما من أحداث...ثم نقرر كيف أن هذه "الوجهة القرآنية الفكرية" تلزمنا بقبول الأحاديث والتعامل معها وفق منهج معين (يقرره القرآن أيضاً بواسطة هذه "الوجهة الفكرية" التي حدد ملامحها القرآن نفسه). ولأن هذا الموضوع هو أعمقها وأكثرها حساسية وأهمية من وجهة نظري ، فإني لن أتعجل في طرحه، ليس لأني أشك في جدواه وإنما لحرصي أن يظهر بعبارات تؤدي معناه على الوجه اللائق إن شاء الله.

    .....وإلى ذلك الحين، استودعكم الله.
    التعديل الأخير تم 01-08-2011 الساعة 11:13 PM

  8. #8

    افتراضي

    ما شاء الله أخي الحبيب في الله ........
    اسم على مسمى والله ... فطرة .. تتألق .........
    وأتوقع أن يستفد من هذا الموضوع بإذن الله : أكبر عدد ممكن من المسلمين عامة ً..
    ومن جنود الدفاع عن السنة خاصة ً...
    كما أ ُحيي فيك شعورك الكريم بضرورة تبسيط العبارة أخي ..
    وذلك لضعف منتشر في مستوى الفهم اللغوي ...
    سواء على مستوى منكري السنة أنفسهم (وهذا أساسي عندهم وفيهم) ..
    أو مستوى الكثير من الشباب المسلم اليافع الذي تواجهه شبهات منكري السنة
    على النت في مواقع ومنتديات : وربما لم يتجاوز عمر الواحد فيهم 17 أو 18 سنة بعد ..
    والله المستعان .......
    وجزاك الله مرة أخرى على المجهود الطيب .. الذي أدعو أن يستمر إن شاء الله ..

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    المشاركات
    1,842
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    الآن حمي الوطيس

    " المعرفة الحقة هي الوصول الى التعرف على الذكاء الذي يتحكم في كل شيء...من خلال كل شيء " هرقليطس.

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    المشاركات
    1,842
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    لتذكير شيخنا الفاضل..و ان كانت متابعة حواره مع الأخ يوسف نور ليست أقل فائدة مما هنا..

    " المعرفة الحقة هي الوصول الى التعرف على الذكاء الذي يتحكم في كل شيء...من خلال كل شيء " هرقليطس.

  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Dec 2010
    الدولة
    المملكة العربية السعودية
    المشاركات
    656
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    جزاك الله خيرا على تفهمك ، لو لم يكن لدي عمل اهتم به إلا التحاور مع الأخ يوسف نور لكان عندي من الوقت متسع لإكمال هذا الموضوع بكل أريحية ولكن الأعمال كثيرة والوقت لا يستوعبها، وحبذا لو رأيت لكم ولسائر الإخوة نقداً - ولو افتراضياً - لهذه الإشكالات ومحاولة إيراد ما يمكن إيراده عليها، بدلاً من موافقتي أو إقراري على كل ما أكتب، وسوف أقوم بالإجابة عن جميع ما يطرح بعون الله تعالى.

  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Dec 2010
    الدولة
    المملكة العربية السعودية
    المشاركات
    656
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    إن القرآن الذي دلّنا على حجية السنة إنما دلنا على ذلك من خلال دلالته على حجية المنهجية التي من خلالها أثبت حجية السنة، والمقصود بحجية المنهجية أي إضفاء الشرعية والاعتبار على طرق الاستدلال التي أدت إلى هذه النتيجة: أي نتيجة "حجية السنة". وقد أخبرنا الله في القرآن أن للناس مذاهب شتى في طرق الاستدلال، فمنهم من يستدل بوهم مركزية نفسه واعتبارها معياراً يحاكم من خلاله الآخرون (لو كان خيراً ما سبقونا إليه)، ومنهم من يؤكد هذا الاستدلال بنقيضه فيتهم الجماعة الغالبة اللذين " يتخذون طريقة التفكير العادي في الأمور" بالسفه وسطحية المعرفة (وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء) ، (وما نراك اتبعك إلا اللذين هم أراذلنا بادي الرأي)، فهؤلاء الممعنون في "المثالية المتكلفة" التي تخرج الناس عن دائرة التجاوب الطبيعي مع التاريخ والأشياء تعمى أعينهم وتكل أذهانهم عن تأمل الآيات التي تقرر مشروعية التفكير الطبيعي، تفكير الرجل العادي (common sense knowledge or thinking) للأمور مالم يعارض ذلك معارض راجح، وطريقة القرآن في هذا يمكن إيجازها في جملة وهي: أن القرآن لم يحصر طرق العلم ، ولم يحدد عدد وطبيعة القرائن ، وإنما يُحكم أساس الكليات ويترك الوسائل على تنوعها للناظر أياً كان، فلما قال الله (ائتوني بكتاب من قبل هذا أو أثارة من علم) فإنه يفتح بصيغ العموم هذه – النكرات في سياق الإثبات – المجال واسعاً أمام الخصم لإيراد كل ما يصلح لأن يكون دليلاً أو قرينةً على صحة دعواه. إن النتيجة التي أريد أن أصل إليها دون إسهاب في التقديم هي أن علماء الحديث ونقاده لم يفعلوا أكثر من تطبيق هذا المنهج القرآني: منهج تقديم الدليل في جرح أو تعديل (قل هاتوا برهانكم) ، منهج رد رواية ساقط العدالة أو الاحتياط فيها (إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا)، منهج الاعتداد بشهادة الخبراء – ولو كانوا كفاراً - (فاسأل اللذين يقرأون الكتاب من قبلك) - ، منهج قبول الحق ولو من المخالف...رواية المبتدع - انظر ترجمة: [عبّاد بن يعقوب الرواجني] – (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم) ، (ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا). وفي المقابل يسلك المخالف منهجاً غير قرآني ، وبالتالي مُغالي وافتراضي وغير واقعي لأن القرآن واقعي ينسجم مع واقع النفس والتاريخ، فهو يصم من سلف ذكرهم بالكذب ولا يستثني ، ويحكم حكماً كلياً تعميمياً ، ليس لأن القرآن يشفع له بذلك وإنما لأنه لايصبر على طريقة القرآن، لأن طريقة القرآن تحتاج إلى صبر ودقة وتحر وأمانة وجلد (ولاتسأموا أن تكتبوه صغيراً أو كبيراً إلى أجله) في الحكم على الأشياء فما بالك بالحكم على أجيال مضت، ثم هناك معول آخر تنخرم به واقعية التفكير القرآني عن هؤلاء وهو معول سوء الظن ، وما أكثر سوء الظن عندهم ، فأول الأمة هو أساس ضلال ومصدر غواية الأجيال اللاحقة ، ولو أنهم اقتصروا - كما يزعمون - على القرآن وطرحوا كل مأثور عن رسول الله ، لعاشت الأمة في وئام وسلام ، ولم يعلم هؤلاء أن كتب الله المنزلة هي نفسها كانت سبباً في تفرق الناس لا اجتماعهم (وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة) ، (كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه الا اللذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم) ، وأن لله الحكمة في ذلك (يضل به كثيراً ويهدي به كثيراً وما يضل به إلا الفاسقين)
    ....عوداً إلى معول سوء الظن ، وفيه قول المولى (اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم)، بل لا يكاد يأبه هؤلاء بقاعدة تقديم إحسان الظن حتى ولو كان الجو مشحوناً بدواعي الظن السيئ (ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم)، والمقصود أن هؤلاء اللذين يتهمون كبار النقاد وعظماء الحديث بالكذب والتخليط في ما يعرف بـ "الجرح والتعديل" إنما يمارسون ايضاً جرحاً وتعديلاً، بل لا يعرفون إلا الجرح ولا يكادون يعرفون للتعديل سبيلاً ، وأقاموا سوق جرح خاص بهم ، سماته الخرص (إن هم إلا يخرصون)، والكلالة وعدم الصبر على تحري الحقيقة، بل لا يكادون يقيمون للمنهج القرآني في اعتبار الذاكرة التاريخية (أولم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل) وزناً يذكر ، وكأن الله قد ألغى كل معرفة ، وإن استندت إلى (أثارة من علم)، حتى يتحقق فيها اليقين الذي لا يخالجه ظن، وهذا من التعنت المذموم في طلب الطمأنينة ولهم سلف في ذلك (ولن نؤمن لرقيك حتى تنـزل علينا كتاب نقرؤه) ، فلا يكفيهم الاستدلال العادي الذي أقره القرآن في أمور الدين وغيرها على حد سواء....يتبع إن شاء الله
    التعديل الأخير تم 01-26-2011 الساعة 11:20 PM

  13. افتراضي

    متابع باذن الله

  14. #14

    افتراضي

    صدقت والله أخي الكريم ...
    فهذه هي نفسيات منكري السنة التي يواجهها أحدنا في حواراته العقيمة معهم ...
    والجميل أنك قد استعملت كما وعدت : آيات القرآن نفسه في فضح نفسيات
    هؤلاء : والتي ربما استنكروا وجودها أصلا ًإذا أخبرناهم عنها من خارج القرآن !
    جزاك الله خيرا ًعلى ما تقدمه لنا في هذا الموضوع القيم ..
    أدعو الله تعالى أن يُبارك لك في وقتك وفي عملك وفي صحتك وفي علمك وفي أهلك ..
    وأن يجمعنا وإياك على الخير في الدنيا والآخرة بإذن الله ...
    إنه وحده وليُ ذلك والقادر عليه ..

  15. #15
    تاريخ التسجيل
    Dec 2010
    الدولة
    المملكة العربية السعودية
    المشاركات
    656
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    ...والله تعالى، وهو أحكم الحاكمين وكلامه أحسن كلام، لم يخل كلامه من فتنة تصغى إليها أفئدة اللذين في قلوبهم مرض (ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون) ، ولم يخل من متشابه يختلف الناس فيه، كل ذلك من أجل إتاحة مساحة واسعة من الاجتهاد والتحري والتعلّم والتثبت والتبيّن بل والامتحان، ولله في ذلك الحكم الكثيرة والعظيمة، في مقدمتها تحقيق التفاوت في شرف درجات العلم والمعرفة [1]، والسنة لما اشتركت مع القرآن في كونها أيضاً تتضمن مساحة واسعة من الاجتهاد والتعلم والتحري، - لذلك قال الخطابي رحمه الله في شرحه لقوله صلى الله عليه وسلم (يوشك الرجل متكئا على أريكته يحدث بحديث من حديثي فيقول بيننا وبينكم كتاب الله ...)، قال: "أراد به أصحاب الترفه والدعة الذين لزموا البيوت ولم يطلبوا الحديث بالأسفار من أهله" - كان من الطبيعي أن يختلف الناس حيالها بين مصيب ومخطيء، ومجتهد ومقلد، ومتحرٍ متثبت وعجول متهور...إذاً فهذه المساحة المتاحة للاجتهاد والتعلم والتحري لم توضع لهؤلاء اللذين يريدون كل شيء محكماً، ويبغون معنى دلالالته في منطوقه لا في مفهومه مهما أشرق مفهومه، فهؤلاء - عافاهم الله وهداهم - لا يلبثون أن يصفوا غيرهم بما تفوه به بعض من سلف (لو كان خيرا ما سبقونا إليه) ، أي لو كانت السنة حقاً لكنا نحن أول من يثبت حجيتها ويعترف بوجودها ! والسبب كما أسلفت هو أن فهمهم للتاريخ وموقع البشر من أحداثه وأحواله إنما هو فهم مجتزأ لا تؤيده الأصول القرآنية في التفكير والنظر وتحليل الأشياء - حتى أن بعض من حاورني من منكري السنة يحتج علي بمبدأ كارل بوبر في قابلية الفرضيات للنفي ، ولكنه لم يجبني عن مصير الأجيال المسكينة من أمة محمد التي قضت نحبها ولم يسعفها طول العمر لمعاصرة مبدأ بوبر العظيم ! - وهكذا يكون حال كل من بنى أساس منهجه في التفكير على غير هدى من القرآن نفسه، ونحن لا نطلب من هؤلاء أكثر من إعادة برمجة تفكيرهم وفق ما رسمه القرآن، وليستفرغوا وسعهم وطاقتهم في ذلك، فإنهم سيصلون ولابد إلى نتيجة واحدة وهي أن السنة لا يمكن أن تلغى بكلام عابر أو استنتاج مبتسر قاصر عن الحد المرضي للتقوى (واتقوا الله ما استطعتم)
    = = = = = = = = = = = = = = =
    [1] أسوق كلاماً جميلاً لأبي الحسن علي بن عمر بن القصار المالكي (ت 397) من مقدمته في الأصول قال رحمه الله :"اعلم أن للعلوم طرقاً منها جلي وخفي ، وذلك أن الله تبارك وتعالى لما أراد أن يمتحن عباده وأن يبتليهم فرّق بين طرق العلم ، وجعل منها ظاهراً جلياً ، وباطناً خفياً ، ليرفع الذين أوتوا العلم كما قال عز وجل ((يرفع الله الين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات))" أ.هـ. [المقدمة في الأصول : ص5 ، ط. دار الغرب]

صفحة 1 من 4 123 ... الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 2 (0 من الأعضاء و 2 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. المرجع حسين المؤيد ينتقل لمذهب السنة والدته من أل الصدر وزوجته إبنة عب
    بواسطة السعادة في العبادة في المنتدى قسم الحوار عن المذاهب الفكرية
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 07-12-2014, 04:09 PM
  2. الإشكالات الهادمة لمذهب منكري السنة.
    بواسطة عبدالله الشهري في المنتدى قسم السنة وعلومها
    مشاركات: 48
    آخر مشاركة: 04-09-2014, 01:16 PM
  3. الإشكالات الهادمة لمذهب منكري السنة
    بواسطة عبدالله الشهري في المنتدى عبدالله الشهري
    مشاركات: 15
    آخر مشاركة: 08-26-2012, 02:20 AM
  4. الرد على قول منكري السنة :لو كانت السنة محفوظة ..لما وجد صحيح وضعيف!
    بواسطة أبو القـاسم في المنتدى قسم السنة وعلومها
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 12-24-2011, 04:33 AM
  5. سؤال عن منكري السنة ؟!!
    بواسطة السهم الثاقب في المنتدى قسم السنة وعلومها
    مشاركات: 16
    آخر مشاركة: 11-04-2011, 09:42 AM

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء