لما قرأنا التاريخ ودرسناه دراسة فاحصة ، بناء على المنهج القرآني في تحري الدليل وتقديم البراهين قبل زعم أي دعوى، أقول لما فعلنا ذلك لا نكاد نجد ذكراً – بل لا نجد حقيقة – لشخصية معتبرة أو اسم معروف ، فضلاً عن مجموعة، يحمل مقالة إنكار السنة والاقتصار على القرآن الكريم ، فلا وجود لهؤلاء البتة ولا ذكر لهم إطلاقاً في عصر النبوة ولا عصر الصحابة ولا التابعين ولا تابعيهم ، ولو واحد على الأقل ! وهذا يثير تساؤلاً حرجاً جداً وهو: إذا كانت دعوى الاقتصار على القرآن ونبذ السنة دعوى صحيحة وواضحة وقائمة على أدلة يصعب أو يستحيل دحضه ، أقول إذا كان كذلك فلا بد أن يوجد في التاريخ ما يشفع لهذه الدعوى العظيمة ، فإن مثل هذه الدعوى لا يمكن أن تخلو من أتباع في صدر الإسلام ، لا أطلب أتباعا كثيرون وإنما أطلب – وهذا تحد مني ومن كل مثبت للسنة – ذكر اسم شخص واحد كافح من أجل هذه الدعوى وناضل من أجلها. بعبارة أخرى: لا بد أن يكون لهذه الدعوى أصل في أهم العصور لأنه إذا كان القرآن وحده هو الحق والسنة (التي هي الوحي التشريعي الآخر بدلالة القرآن) فتنة وبلاء ابتليت به الأمة - لا سيما وقد أخبرنا الله أن الحق يمكث في الأرض وأن الباطل يذهب جفاء - فلماذا لم تمكث هذه الدعوى مع حاجة البشرية جمعاء إليها؟ نعم لا نجد لها حضوراً في عصر هو أولى ما يجب أن يكون لها زخم فيه وهو عصر القرون الثلاثة أو الأربعة أو الخمسة...الخ القرون الأولى ؟ لم لا نجد شخصية تاريخية واحدة فهمت فهم منكري سنة اليوم ومن ثم قطفت تحذر من السنة و تبرز أوجه الفتنة في نقلها ونشرها و تدعو إلى الاعتصام بالقرآن وحده دون غيره إذا كانت فعلاً دعوى الاكتفاء بالقرآن لها وزن يعتبر في ميزان الحق ووضوح لا يخفى ولو على شخصية اعتبارية واحدة في تلك العصور المبكرة؟ إن معايير وضوح الحق كما هي مسطورة في القرآن تأبى هذا الشذوذ المتأخر في الزمان والمكان فما من دعوى تاريخية "معتبرة" إلا ولابد أن يكون لها أصل تاريخي وحضور حقيقي إذ كيف يسجل التاريخ دعوات أتفه من هذه وأحقر بمفاوز عظيمة ومراحل طويلة ولا يسجل وقائع وتداعيات لدعوى كهذه؟ الم تتوافر همم الناس لنقل أخبار مسيلمة الكذاب ، وأخبار العنسي بل وأخبار شخصيات يرجح البعض أنها وهمية كعنترة وليلى ثم لا تتوافر همم لا أقول الناس وإنما همم جماعة صغيرة – كنسبة عدد منكري السنة اليوم إلى عدد سائر الأمة – على نقل دعوى مثل هذه إن وجدت أو وجد جزء منها ؟!
Bookmarks