النتائج 1 إلى 11 من 11

الموضوع: الفرق بين التفكير و العقل و عمل الدماغ

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    الدولة
    Canada
    المشاركات
    1,140
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي الفرق بين التفكير و العقل و عمل الدماغ

    السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
    أُثيرت فى الايام الماضية نقطة فى غاية الأهمية و هو الفرق بين "كيفية التفكير" و علوم الذكاء الصناعى أو الادراك مثل علم الشبكات العصبية.
    السؤال المهم هو هل ممكن أن نفهم كيف نفهم؟
    يبدو هذا السؤال غير صحيح، فنحن نحكم على الشئ بعقولنا بعد تحليله و لا يمكن الحكم على الشئ من داخل الشئ نفسه و باستخدام نفس القواعد التى ندرسها.
    أما علوم الذكاء الصناعى مثل دراسة الشبكات العصبية فهى لا تدخل فى كيفية التفكير بل فى كيفية ادراك الاشياء. فمثلاً برامج التعرف على الحروف تدرس كيفية بناء نماذج للتميِّز بين حرف كالأف مهما اختلف رسمه باختلاف الكاتب. و هى فى الحقيقة تسعى الى "محاكاة" كيفية عمل الدماغ للتميِّز بين الأشياء فترى ان الدماغ مكونة من شبكة عنكبوتية من الخلايا العصبية فيستخلص الانسان أن المعلومة مخزنة بطريقة متوازية عكس الحاسوب التقليدى. ثم يرى الانسان أنه لو حاول برمجة الحاسوب للتميّز بين حرف الألف و حرف الباء يحتاج الى مقارنة صور رقمية "ديجيتال" بطريقة ميكانيكية و هذا قد ينفع اذا كان كاتب الحروف شخصاً واحداً لكن لو تعدد الكُتَّاب تعددت صور نفس الحرف و يستحيل تميِّز الحروف بالطريقة الرقمية. فيبدأ علماء الذكاء الصناعى بالرجوع الى الدماغ البشرى لتفهم هذه النقطة و محاكاتها. و هم اثناء ذلك يستخدمون قواعد المنطق و الرياضيات
    فيبدو لى ( عندى بعض العلم فى مجال علوم الذكاء الصناعى، كالشبكات العصبية، المنطق الهلامى (Fuzzy Logic )، تعلُم الآلات (Machine Learning) و غيرها من أمور) و هى فى أخر الأمر محاكاة للدماغ أولاً ثم بناء نموذج قابل للدراسة (رياضى) (كنماذج الشبكات العصبية المختلفة، نماذج الشبكات الاحتمالية فى تعلُم الآلات و غيرها.
    الملاحظ أيضاً أن علوم آخرى مساعدة كعلوم ال Computation و التى تعنى بنمذجة الحواسيب و برامجها و التى يستخدمها علماء الرياضيات ك Theroem Prover و هى البرامج التى تستطيع باستخدام قواعد المنطق استنباط قواعد جديدة، الملاحظ أن كل هذه العلوم تقوم بالاعتماد على أوليات معطاه كقواعد المنطق سواء Propositional Logic أو First Order Logic أو غيرها
    فدراسة الذكاء الصناعى هى فى الواقع دراسة (مبنية على علوم رياضية و طبيعية)لميكانيزم أو آلية الادراك و هى الطبقة القشرية الأولى للتفكير و ليس التفكير ذاته
    الجدير بالذكر أننى تحاورت مع برفيسور فى علوم التحكم الآلى و الذكاء الصناعى حول هذا السؤال:
    هل ممكن أن نفهم كيف نفهم؟
    و قد أيَّد ما توصلتُ اليه مع العلم أن هذا الشخص ملحدعلى الأرجح. لكن كما جرت العادة مع الملاحدة حينما تسألهم عن شئٍ و لا يبدو منه أنه قد يستخدم لغرض دينى يجاوبون بكل صراحة لكن ما ان تسألهم نفس السؤال اثناء الحوار عن شئ دينى يتغيَّر رأيهم تماماً
    الرجاء من الأخوة المدارسة
    هُوَ الَّذِي أَنْـزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُولُو الأَلْبَابِ

  2. افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابن السنة مشاهدة المشاركة
    السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
    أُثيرت فى الايام الماضية نقطة فى غاية الأهمية و هو الفرق بين "كيفية التفكير" و علوم الذكاء الصناعى أو الادراك مثل علم الشبكات العصبية.
    السؤال المهم هو هل ممكن أن نفهم كيف نفهم؟
    يبدو هذا السؤال غير صحيح، فنحن نحكم على الشئ بعقولنا بعد تحليله و لا يمكن الحكم على الشئ من داخل الشئ نفسه و باستخدام نفس القواعد التى ندرسها.
    أما علوم الذكاء الصناعى مثل دراسة الشبكات العصبية فهى لا تدخل فى كيفية التفكير بل فى كيفية ادراك الاشياء. فمثلاً برامج التعرف على الحروف تدرس كيفية بناء نماذج للتميِّز بين حرف كالأف مهما اختلف رسمه باختلاف الكاتب. و هى فى الحقيقة تسعى الى "محاكاة" كيفية عمل الدماغ للتميِّز بين الأشياء فترى ان الدماغ مكونة من شبكة عنكبوتية من الخلايا العصبية فيستخلص الانسان أن المعلومة مخزنة بطريقة متوازية عكس الحاسوب التقليدى. ثم يرى الانسان أنه لو حاول برمجة الحاسوب للتميّز بين حرف الألف و حرف الباء يحتاج الى مقارنة صور رقمية "ديجيتال" بطريقة ميكانيكية و هذا قد ينفع اذا كان كاتب الحروف شخصاً واحداً لكن لو تعدد الكُتَّاب تعددت صور نفس الحرف و يستحيل تميِّز الحروف بالطريقة الرقمية. فيبدأ علماء الذكاء الصناعى بالرجوع الى الدماغ البشرى لتفهم هذه النقطة و محاكاتها. و هم اثناء ذلك يستخدمون قواعد المنطق و الرياضيات
    فيبدو لى ( عندى بعض العلم فى مجال علوم الذكاء الصناعى، كالشبكات العصبية، المنطق الهلامى (fuzzy logic )، تعلُم الآلات (machine learning) و غيرها من أمور) و هى فى أخر الأمر محاكاة للدماغ أولاً ثم بناء نموذج قابل للدراسة (رياضى) (كنماذج الشبكات العصبية المختلفة، نماذج الشبكات الاحتمالية فى تعلُم الآلات و غيرها.
    الملاحظ أيضاً أن علوم آخرى مساعدة كعلوم ال computation و التى تعنى بنمذجة الحواسيب و برامجها و التى يستخدمها علماء الرياضيات ك theroem prover و هى البرامج التى تستطيع باستخدام قواعد المنطق استنباط قواعد جديدة، الملاحظ أن كل هذه العلوم تقوم بالاعتماد على أوليات معطاه كقواعد المنطق سواء propositional logic أو first order logic أو غيرها
    فدراسة الذكاء الصناعى هى فى الواقع دراسة (مبنية على علوم رياضية و طبيعية)لميكانيزم أو آلية الادراك و هى الطبقة القشرية الأولى للتفكير و ليس التفكير ذاته
    الجدير بالذكر أننى تحاورت مع برفيسور فى علوم التحكم الآلى و الذكاء الصناعى حول هذا السؤال:
    هل ممكن أن نفهم كيف نفهم؟
    و قد أيَّد ما توصلتُ اليه مع العلم أن هذا الشخص ملحدعلى الأرجح. لكن كما جرت العادة مع الملاحدة حينما تسألهم عن شئٍ و لا يبدو منه أنه قد يستخدم لغرض دينى يجاوبون بكل صراحة لكن ما ان تسألهم نفس السؤال اثناء الحوار عن شئ دينى يتغيَّر رأيهم تماماً
    الرجاء من الأخوة المدارسة
    الزميل العزيز ابن السنة تقبل تحياتي
    ( انا لست هنا في هذا الموضوع هنا لمناقشة أي قضية ايمانية ولكن لمناقشة وتوضيح قضايا معرفية )

    ارى انه استطيع بالتعاون معك هنا ان نلقي مزيدا من الضوء على هذه النقاط, فلي معرفة جيدة بالعلوم المعرفية وسبق أن درستها بنفسي في جامعات غربية راقية.

    بداية كي نجيب على شاهد ونحكم على حاضر ونجيب عن معرفة وليس مجهولا, نقول أن إجابة سؤال هل ممكن أن نفهم كيف نفهم؟ يحتاج إلى بعض الأمور

    تحديد ما هو الفهم بداية, هل لك بتعريف جيد للفهم, فالإنسان لا يستطيع أن يحكم على ما لا يعرفه.

    بعدها نبحث في داخل الإنسان عن الأجهزة المسؤولة عن هذه الوظيفة.

    وبعدها نطلب الإجابة من علوم الإدراك المعرفي العصبي أن تقدم لنا الإجابة.

    ( أحب ان اشير انتباه حضرتكم ان الانسان كان له حلم بالطيران, وعندما عرف ما هو الطيران وآليات الطيران وقام بمحاولات ومحاولات نجح في ذلك, ولم يعن ذلك أن فشل الإنسان في أول الأمر في الطيران يمكنه من القول أن الأمر مستحيل ولا يمكن انجازه) ومع اعطاء الوقت الكافي للعلماء والعلم بالمنهج العلمي فكلي جزم انهم سوف يتمكنون من اجابة كثير من الأسئلة التي يعتبرها البعض مستغلقة .

    مع الاحترام

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    الدولة
    Canada
    المشاركات
    1,140
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي


    الزميل العزيز ابن السنة تقبل تحياتي
    تحياتى

    ( انا لست هنا في هذا الموضوع هنا لمناقشة أي قضية ايمانية ولكن لمناقشة وتوضيح قضايا معرفية )
    أهلاً بك و لا تحتاجى للتبرير فالأمر كما واضح مفتوح للنقاش العلمى و الذى عندى لا ينفصل عن الايمان.

    ارى انه استطيع بالتعاون معك هنا ان نلقي مزيدا من الضوء على هذه النقاط, فلي معرفة جيدة بالعلوم المعرفية وسبق أن درستها بنفسي في جامعات غربية راقية.
    جميل

    بداية كي نجيب على شاهد ونحكم على حاضر ونجيب عن معرفة وليس مجهولا, نقول أن إجابة سؤال هل ممكن أن نفهم كيف نفهم؟ يحتاج إلى بعض الأمور

    تحديد ما هو الفهم بداية, هل لك بتعريف جيد للفهم, فالإنسان لا يستطيع أن يحكم على ما لا يعرفه.
    و ما هو الحب و الكره و العدل و الرحمة و الكرامة و المروءة و الاخلاق الحميدة و هل يحتاج الطفل الذى لم يبلغ ثلاث سنوات أن يفهم ما معنى [U]"يفهم"[/U] حتى يقول نعم فهمتُ ما تقول يا والدى
    على العموم فربما يكون عندك يا زميلتنا المحترمة تعريف جامع مانع لمعنى "الفهم" بحيث نفهمه جميعاً

    بعدها نبحث في داخل الإنسان عن الأجهزة المسؤولة عن هذه الوظيفة.

    وبعدها نطلب الإجابة من علوم الإدراك المعرفي العصبي أن تقدم لنا الإجابة.
    البحث فى كيفية اداء الخلايا العصبية و كيفية استخدام النتائج بعد نمذجتها لصالح البشرية أمر جميل و ممتع و لا نختلف عليه، لكن هذا ليس مربط الفرس.
    دعينا نفترض أنه يوجد معادلات ما تحكم عقولنا بمعنى أن البديهيات العقلية مستنتجة من هذه المعادلة. ممممم المعادلة تنتمى الى علم الرياضيات و الرياضيات نفسها تخضع لهذه البديهيات. أرى أنها دائرة مغلقة أو كما يقولون Dead Lock

    ( أحب ان اشير انتباه حضرتكم ان الانسان كان له حلم بالطيران, وعندما عرف ما هو الطيران وآليات الطيران وقام بمحاولات ومحاولات نجح في ذلك, ولم يعن ذلك أن فشل الإنسان في أول الأمر في الطيران يمكنه من القول أن الأمر مستحيل ولا يمكن انجازه) ومع اعطاء الوقت الكافي للعلماء والعلم بالمنهج العلمي فكلي جزم انهم سوف يتمكنون من اجابة كثير من الأسئلة التي يعتبرها البعض مستغلقة .
    الطيران و استخدام السيارات و الصواريخ و الهواتف النقالة و غيرها هى أمور تم اكتشاف ما وراءها من قوانين بمتابعة قوانين الطبيعة و التجارب المضنية الدقيقة و باستخدام المنهج العلمى التجريبى ثم اخضاع النتائج لقواعد التحليل العقلانى ثم الوصول الى الاسباب المؤثرة ثم بدء استخدام التقنيات المتوفرة لاختراع تلك المخترعات الجميلة.
    يا ترى كيف نفعل هذا مع العقل؟
    كيف جزمتى بما تحته خط؟ هل بسبب نجاح الانسان فى اكتشافاته العظيمة؟ هل هذا دليل كافى ؟ الا يعتبر هذا استقراء ناقص؟ أم هو ايمان بأن الكون يخضع لقوانين كما قال الأخ عبد واحد خلال نقاشه الممتع معكم؟
    شكراً لك

    التعديل الأخير تم 01-20-2011 الساعة 03:02 AM
    هُوَ الَّذِي أَنْـزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُولُو الأَلْبَابِ

  4. افتراضي


    الأخ والزميل ابن السنة

    على بداهة كثير من الأمور إلى أن لها تعريفا, فبالتحديد والتثبيت وكشف الهويات نبدأ ببناء العلم, لا نستطيع أن نبني صراحا علميا على أساس متهالك غير معروف.

    مثلا الكراهية, الجميع يعرفها ولكن لو سألت عالم نفس عن ماهيتها لقال لك : أنها شعور مركب مؤلف من مشاعر الخوف والحزن والغضب أو مع الحسد في بعض الأحيان. ولو سألته مع الشعور, لقال لك انه حالة نفسية متمايزة يختبرها الإنسان وجدانيا.

    ومن غير تعريف نفقد البوصلة وقد لا نعرف حقيقة ما نتحدث عنه.

    الكل يعرف الوعي ولكن ما هو وعن ماذا نتحدث يحتاج إلى توضيح
    ولما تعرف أن الوعي: هو شعور نفسي يجعلك تدرك وجود الحس وصور المثيرات البيئية, يزول الإلتباس وعدم الغموض.

    وهكذا
    ما رأيك

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    الدولة
    Canada
    المشاركات
    1,140
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    أنا لا انكر الأهتمام بضبط التعريفات فهذا أمر فى غاية الأهمية حتى نعرف عن ما نتكلم. لكن حتى التعريفات نفسها ترجع الى أمور لا نستطيع تعريفها آخر الأمر. فحتى فى العلوم الطبيعية و هى تهتم بالدقة المتناهية فى ضبط المصطلحات و التعريفات نجد مثل هذا: مثل الطاقة هى القدرة على أداء الشغل
    نعم التعريف مفهوم لكن ما معنى "القدرة" ، "أداء" و "الشغل"؟؟
    اذا كان عندك تفسيراً جامعاً لمعنى "الفهم" فربما نتناقش فيه

    شكراً لك
    هُوَ الَّذِي أَنْـزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُولُو الأَلْبَابِ

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Jul 2010
    المشاركات
    2,207
    المذهب أو العقيدة
    مسلم
    مقالات المدونة
    5

    افتراضي

    الزملاء الأكارم:
    المشكلة في بعض هذه التعاريف أنها من البداهة بحيث لا يمكن تعريفها الا بألفاظ اخرى سيطالب بتعريفها كذلك كما ذكر الزميل ابن السنة...وقد نقع في دور لا ينتهي عندها. مثال:
    ولما تعرف أن الوعي: هو شعور نفسي يجعلك تدرك وجود الحس وصور المثيرات البيئية, يزول الإلتباس وعدم الغموض
    ألا ترون بأن استخدام كلمة "الادراك" في تعريفنا لكلمة "الوعي" لن يوصلنا الى شيء نتفق عليه اكثر من اتفاقنا على مدلول لفظة الوعي؟
    ثم ما معنى الشعور؟ وهل الوعي حقيقة "شعور"؟ وهل اذا كان الانسان مشلولا ومعدوم الشعور بطريقة او بأخرى لا يكون واعيا؟
    وما معنى "صور": هل هي بمعنى الصور التي يرسمها الدماغ ام بمعنى أنواع؟
    وهل نعرف حقيقة فيما اذا كان المشلول كاملا يدرك وجود الحس؟
    كأن التعريف المطروح يشير الى ان الوعي يقتصر على نبضات العصبية في الانسان...فهل هو كذلك... أم أن وراءه سرا آخر "كالروح مثلا"؟

    ولست بصدد الحوار حول الألفاظ ومدلولاتها...ولكن ثمة سؤال آخر متعلق أود طرحه على الزملاء الكرام:
    هذه البديهيات المنطقية والقواعد المنطقية التي تستخدم في الذكاء الاصطناعي...والتي هي استنتاجات بشرية كذلك استخدمها الانسان في برمجة آلات الذكاء الاصطناعي...: من أين اكتسبت ثباتها في هذا العالم؟ بمعنى آخر لماذا هذه القواعد تنطبق على كل شيء في عالمنا بحسب علمنا ولماذا لا تتخلف؟ كيف يكون كوننا نتاج عشوائية وصدفة بحتة أدت الى وجود هذه القواعد؟ (أنا افترض بأن الزملاء يسلمون بأن هذه القواعد موجودة في كوننا ونحن انما اكتشفنا منها ما اكتشفنا...لا أننا أوجدناها واجبرنا انفسنا على فهم العالم من حولنا بضوءها...فان كان هناك من لا يسلم بهذا فتحنا رابطا جديدا حول هذا الموضوع ان شاء الله...ويتعلق بهذا الموضوع موضوع الاستاذ عبد الواحد في: هل الرياضيات مكتشفة ام مخترعة)
    "العبد يسير إلى اللـه بين مطالعة المنة ومشاهدة التقصير!" ابن القيم
    "عندما يمشي المرؤ على خطى الأنبياء في العفاف, يرى من نفسه القوة والعزة والكبرياء. بينما يعلم المتلوث بدنس الفحش الضعف من نفسه والضعة والتساقط أمام الشهوات"


  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Jan 2011
    الدولة
    ليبيا
    المشاركات
    72
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    كلام ابن تيميه الدقيق جدا من مجموع الفتاوي فصــل مسكن العقل من الجسد

    وأما قوله‏:‏ أين مسكن العقل فيه‏؟‏ فالعقل قائم بنفس الإنسان التي تعقل، وأما من البدن فهو متعلق بقلبه كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا‏}‏ ‏[‏الحج‏:‏ 46‏]‏‏.‏ وقيل لابن عباس‏:‏ بماذا نلت العلم‏؟‏ قال‏:‏ بلسان سؤول،وقلب عقول‏.‏
    لكن لفظ ‏[‏القلب‏]‏ قد يراد به المضغة الصنوبرية الشكل التي في الجانب الأيسر من البدن، التي جوفها علقة سوداء، كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح لها سائر الجسد، وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد‏)‏، وقد يراد بالقلب باطن الإنسان مطلقًا، فإن قلب الشيء باطنه، كقلب الحنطة واللوزة والجوزة ونحو ذلك، ومنه سمى القليب قليبًا ؛ لأنه أخرج قلبه وهو باطنه، وعلى هذا، فإذا أريد بالقلب هذا فالعقل متعلق بدماغه أيضًا؛ ولهذا قيل‏:‏ إن العقل في الدماغ، كما يقوله كثير من الأطباء، ونقل ذلك عن الإمام أحمد، ويقول طائفة من أصحابه‏:‏ إن أصل العقل في القلب، فإذا كمل انتهى إلى الدماغ‏.‏
    والتحقيق‏:‏ أن الروح التي هي النفس لها تعلق بهذا وهذا، وما يتصف من العقل به يتعلق بهذا وهذا، لكن مبدأ الفكر والنظر في الدماغ، ومبدأ الإرادة في القلب‏.‏
    والعقل يراد به العلم، ويراد به العمل، فالعلم والعمل الاختياري أصله الإرادة، وأصل الإرادة في القلب، والمريد لا يكون مريدًا إلا بعد تصور المراد، فلابد أن يكون القلب متصورًا، فيكون منه هذا وهذا، ويبتدئ ذلك من الدماغ، وآثاره صاعدة إلى الدماغ، فمنه المبتدأ وإليه الانتهاء، وكلا القولين له وجه صحيح، وهذا مقدار ما وسعته هذه الأوراق، والله أعلم‏.

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Jan 2011
    الدولة
    ليبيا
    المشاركات
    72
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    تحيه لزملاء وهذا رد علي ملحده عن يقين
    وبعد: فإن لكل مقام مقالاً، ولكل زمان حالاً،
    الفرق بين التفكير و العقل و عمل الدماغ هذا الموضوع
    ام موضوع اقوال ابن تيميه في الكيمياء معرف ووضح من الفتوي التي نقلتي بعضها وانا نقلتها كامله واي بحث يجب ان يطلع عليه كله حتي نعرف المقاصد كما تعلمون وهذا من باب التذكير .
    لدي 3 ملاحظات
    1_نقل الفتوي كامله حتي يفهم مقصود بحر العلوم ابن تيميه. (ت - 744هـ) = ( ت1343 م )
    2_نقل كلام ابن حزم الاندلسي في الكيمياء وهو (المتوفى : 456هـ) = ( ت1064 م ) يجب مراعات التاريخ
    3_ تعليق علي مقصود ابن تيميه في معني المصنوع والمخلوق .
    4_كلام ابن حزم الاندلسي علي النطق .
    5_ركز علي مابين الاقواس وكلام كله بدقه حتي تتم الفائده
    1_ص -368- وسئل شيخ الإسلام عن عمل ‏[‏الكيمياء‏]‏ ، هل تصح بالعقل، أو تجوز بالشرع‏؟‏
    فأجاب‏:‏
    الحمد لله، ما يصنعه بنو آدم من الذهب والفضة وغيرهما من أنواع الجواهر والطيب وغير ذلك، مما يشبهون به ما خلقه الله من ذلك، مثل ما يصنعونه من اللؤلؤ، والياقوت، والمسك، والعنبر، وماء الورد، وغير ذلك، فهذا كله ليس مثل ما يخلقه الله من ذلك، بل هو مشابه له من بعض الوجوه، ليس هو مساويًا له في الحد والحقيقة‏.‏ وذلك كله محرم في الشرع بلا نزاع بين علماء المسلمين، الذين يعلمون حقيقة ذلك‏.‏
    ومن زعم أن الذهب المصنوع مثل المخلوق، فقوله باطل في العقل والدين‏.‏
    وحقيقة ‏[‏الكيمياء‏]‏ إنما هي تشبيه المخلوق، وهو باطل في العقل، والله تعالى ليس كمثله شيء، لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله‏.‏ فهو سبحانه لم يخلق شيئًا يقدر العباد أن يصنعوا مثل ما خلق، وما
    ص -369- يصنعونه فهو لم يخلق لهم مثله‏:‏ فإنه سبحانه أقدرهم على أن يصنعوا طعامًا مطبوخًا، ولباسًا منسوجًا، وبيوتًا مبنية، وهو لم يخلق لهم مثل ما يصنعونه من المطبوخات والمنسوجات والبيوت المبنية‏.‏ وما خلقه الله سبحانه من أنواع الحيوان والنبات والمعدن، كالإنسان والفرس والحمار والأنعام والطير والحيتان فإن بني آدم لا يقدرون أن يصنعوا مثل هذه الدواب‏.‏ وكذلك الحنطة، والشعير، والباقلا، واللوبيا، والعدس، والعنب، والرطب، وأنواع الحبوب والثمار لا يستطيع الآدميون أن يصنعوا مثل ما يخلقه الله سبحانه وتعالى‏.‏ وإنما يشبهونه ببعض هذه الثمار، كما قد يصنعون ما يشبه الحيوان، حتي يصوروا الصورة كأنها صورة حيوان‏.‏
    وكذلك المعادن؛ كالذهب، والفضة، والحديد، والنحاس والرصاص، لا يستطيع بنو آدم أن يصنعوا مثل ما يخلقه الله؛ وإنما غايتهم أن يشبهوا من بعض الوجوه، فيصفرون وينقلون، مع اختلاف الحقائق؛ ولهذا يقولون‏:‏ تعمل تصفيرة‏؟‏ ويقولون‏:‏ نحن صباغون‏.‏
    وهذه ‏[‏القاعدة‏]‏ التي يدل عليها استقراء الوجود‏:‏ من أن المخلوق لا يكون مصنوعًا، والمصنوع لا يكون مخلوقًا، هي ثابتة عند المسلمين، وعند أوائل المتفلسفة الذين تكلموا في الطبائع، وتكلموا في الكيمياء وغيرها؛ فإن الله قال في كتابه‏:‏ ‏{أَمْ جَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ‏}‏ ‏[‏الرعد‏:‏ 16‏]‏ ،



    ص -370- ( وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن الله أنه قال‏:‏ ‏"‏ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي، فليخلقوا ذرة‏!‏ فليخلقوا بعوضة‏!‏‏")‏‏.‏ وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ أنه لعن المصورين‏.‏وقال‏:‏ ‏"‏من صور صورة كلف أن ينفخ فيها الروح، وليس بنافخ‏"‏، وقال‏:‏ ‏"‏إن أشد الناس عذابًا يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله‏"‏‏.‏ وهذا التصوير ليس فيه تلبيس وغش، فإن كل أحد يعلم أن صورة الحيوان المصورة ليست حيوانًا‏.‏
    ولهذا يفرق في هذا التصوير بين الحيوان وغير الحيوان‏.‏ فيجوز تصوير صورة الشجر والمعادن في الثياب والحيطان ونحو ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏‏"‏من صور صورة كلف أن ينفخ فيها الروح، وليس بنافخ‏"‏؛ ولهذا قال ابن عباس للمستفتي الذي استفتاه‏:‏ صور الشجر وما لا روح فيه‏.‏ وفي السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أن جبريل قال له في الصورة‏:‏ ‏"‏مر بالرأس فليقطع‏"‏؛ ولهذا نص الأئمة على ذلك، وقالوا‏:‏ الصورة هي الرأس، لا يبقي فيها روح، فيبقي مثل الجمادات‏.‏ وهذا التصوير ليس فيه غش ولا تلبيس؛ فإن كل أحد يفرق بين المصور وبين المخلوق‏.‏
    (وأما الكيمياء، فإنه يشبه فيها المصنوع بالمخلوق، وقصد أهلها إما



    ص -371- أن تجعل هذا كهذا، فينفقونه ويعاملون به الناس، وهذا من أعظم الغش‏).‏ وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ أنه مر برجل يبيع طعامًا، فأدخل يده فيه، فوجده مبلولًا‏.‏ فقال‏:‏ ‏"‏ما هذا يا صاحب الطعام‏؟‏‏"‏ فقال‏:‏ يا رسول الله، أصابته السماء يعني المطر فقال‏:‏ ‏"‏هلا وضعت هذا على وجهه، من غشنا فليس منا‏"‏، وقوله‏:‏ ‏"‏من غشنا فليس منا‏"‏ كلمة جامعة في كل غاش‏.‏
    (وأهل الكيمياء من أعظم الناس غشًا؛ ولهذا لا يظهرون للناس إذا عاملوهم أن هذا من الكيمياء، ولو أظهروا للناس ذلك لم يشتروه منهم إلا من يريد غشهم‏).‏ وقد قال الأئمة‏:‏ إنه لا يجوز بيع المغشوش الذي لا يعلم مقدار غشه، وإن بين للمشتري أنه مغشوش‏.‏ وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ أنه نهى عن أن يشاب اللبن بالماء للبيع، وأرخص في ذلك للشرب‏.‏ وبيع المغشوش لمن لا يتبين له أنه مغشوش حرام بالإجماع،( والكيمياء لا يعلم مقدار الغش فيها، فلا يجوز عملها ولا بيعها بحال‏.‏ )
    (مع أن الناس إذا علموا أن الذهب والفضة من الكيمياء لم يشتروه‏).‏ ولو قيل لهم‏:‏ إنه يثبت على الروباص، أو غير ذلك، بل القلوب مفطورة على إنكار ذلك، والولاة ينكرون على من يجدونه يعمل ذلك، ولو كان أحدهم ممن يعمل ذلك في الباطن فيحتاج أن ينكره في الظاهر؛



    ص -372- لأنه منكر في فطر الآدميين، ولا تجد من يعاني ذلك إلا مستخفيًا بذلك، أو مستعينًا بذي جاه، وعلى أصحابه من الذلة والصَّغَار وسواد الوجوه، ما على أهل الفرية والكذب والتدليس كما قال تعالى‏:‏ ‏{إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 152‏]‏ ‏.‏ قال أبو قِلاَبة‏:‏ هي لكل مفتر من هذه الأمة إلى يوم القيامة، وهؤلاء أهل فرية وغش وتدليس في الدين، وكلاهما من المفترين‏.‏
    وأما القدماء فقد قالوا‏:‏ إن الصناعة لا تعمل عمل الطبيعة، وأخبروا أن المصنوع لا يكون كالمطبوع؛ (ولهذا كان المصنفون منهم في الكيمياء إذا حققوا قالوا‏:‏ لما كان المقصود بها إنما هو التشبيه، فالطريق في التشبيه كذا وكذا‏.‏ فيسلكون الطرق التي يحصل بها التشبيه، وهي مع تنوعها وكثرتها ووصول جماعات إليها واتفاقهم فيها‏:‏ عسرة على أكثر الخلق، كثيرة الآفات، والمنقطع عن الوصول أضعاف الواصلين مع كثرتهم، فجماهير من يطلب الكيمياء لا يصل إلى المصنوع الذي هو مغشوش باطل طبعًا، محرم شرعًا، بل هم يطلبون الباطل الحرام، ويتمنوه ويتحاكون فيه الحكايات، ويطالعون فيه المصنفات، وينشدون فيه الأشعار، ولا يصلون إلى حقيقة الكيمياء وهو المغشوش ) بمنزلة أتباع المنتظر الذي في السرداب، وأتباع رجال الغيب الذين لا يراهم



    ص -373- أحد من الناس، وأمثال هؤلاء الذين يطلبون ما لا حقيقة له معتقدين وجوده، ويموتون وهم لم يصلوا إليه، وإن وصلوا إلى من يدعي لقاءه من الكذابين‏.‏
    (وكذلك طلاب الكيمياء الذين يقال لهم‏:‏ ‏[‏الحدبان‏]‏ لكثرة انحنائهم على النفخ في الكير، أكثرهم لا يصلون إلى الحرام، ولا ينالون المغشوش، وأما خواصهم فيصلون إلى الكيمياء، وهي محرمة باطلة، لكنها على مراتب‏:‏
    منها‏:‏ ما يستحيل بعد بضع سنين‏.‏ ومنها‏:‏ ما يستحيل بعد ذلك؛ لكن المصنوع يستحيل ويفسد ولو بعد حين، بخلاف الذهب المعدني المخلوق فإنه لا يفسد ولا يستحيل؛ولهذا ذكروا أن محمد بن زكريا الرازي المتطبب وكان من المصححين للكيمياء عمل ذهبًا وباعه للنصاري، فلما وصلوا إلى بلادهم استحال، فردوه عليه، ولا أعلم في الأطباء من كان أبلغ في صناعة الكيمياء منه‏).‏ (وأما الفلاسفة الذين هم أحذق في الفلسفة منه، مثل يعقوب ابن إسحاق الكندي، وغيره‏.‏فإنهم أبطلوا الكيمياء، وبينوا فسادها، وبينوا الحيل الكيماوية‏.)‏
    ولم يكن في أهل الكيمياء أحد من الأنبياء، ولا من علماء الدين، ولا من مشايخ المسلمين، ولا من الصحابة، ولا من التابعين لهم





    ص -374- بإحسان‏.‏ وأقدم من رأينا،( ويحكي عنه شيء في الكيمياء خالد بن يزيد بن معاوية، وليس هو ممن يقتدي به المسلمون في دينهم، ولا يرجعون إلى رأيه، فإن ثبت النقل عنه فقد دلس عليه، كما دلس على غيره‏.)‏ وأما جابر ابن حيان صاحب المصنفات المشهورة عند الكيماوية، فمجهول لا يعرف، وليس له ذكر بين أهل العلم، ولا بين أهل الدين، (وهؤلاء لا يعدون أحد أمرين‏:‏ إما أن يعتقد أن الذهب المصنوع كالمعدني جهلًا وضلالًا كما ظنه غيرهم‏.‏) وإما أن يكون علم أنه ليس مثله، ولكنه لبس ودلس، فما أكثر من يتحلي بصناعة الكيمياء؛ لما في النفوس من محبة الذهب والفضة، (حتي يقول قائلهم‏:‏ لو غني بها مغن لرقص الكون)‏.‏ وعامتهم يأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله، ويظهرون للطماع أنهم يعملون الكيمياء حتي يأكلوا ماله، ويفسدوا حاله‏.‏ وحكاياتهم في هذا ال
    باب عند الناس أشهر من أن تحتاج إلى نقل مستقر، تدل على (أن أهل الكيمياء يعاقبون بنقيض قصدهم، فتذهب أموالهم حيث طلبوا زيادة المال بما حرمه الله بنقص الأموال، كما قال الله تعالى‏:‏ ‏{يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 276‏]‏ ‏.‏
    والكيمياء أشد تحريمًا من الربا‏.‏) (قال القاضي أبو يوسف‏:‏ من طلب المال بالكيمياء أفلس، ومن طلب الدين بالكلام تزندق، ومن طلب غرائب الحديث كذب‏.‏ ويروي هذا الكلام عن مالك، والشافعي



    ص -375- رضي الله عنهم أجمعين‏.‏)
    وقد قال لي رأس من رؤوسهم لما نهيته عنها، وبينت له فسادها وتحريمها ولما ظهرت عليه الحجة‏:‏ أخذ يستعفي عن المناظرة، ويذكر أنه منقطع بالجدال، وقال فيما قال ‏:‏ النبي صلى الله عليه وسلم كان يعرف الكيمياء، فقلت له‏:‏ كذب، بل هو مستلزم للكفر، فإن الله قال في كتابه‏:‏ ‏{وَلاَ عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّواْ وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنفِقُونَ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 92‏]‏ ، وهذه الآية نزلت بالإجماع في غزوة تبوك، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد حض فيها الناس على الصدقة، حتي جاء رجل بناقة مخطومة مزمومة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لك بها سبعمائة ناقة مخطومة مزمومة‏"‏، وجاء أبو عقيل بصاع فطعن فيه بعض المنافقين، وقال فيها‏:‏ كان الله غنيًا عن صاع هذا، وجاء آخر بصرة كادت يده تعجز عن حملها، فقالوا‏:‏ هذا مراءٍ‏.‏ فأنزل الله تعالى‏:‏ ‏{الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ إليمٌ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏79‏]‏ ، وجاء عثمان بن عفان بألف ناقة، فأعوزت خمسين، فكملها بخمسين فرس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ما ضَرَّ عثمان ما فعل بعد اليوم‏"‏، وصارت هذه من مناقبه المشهورة، فيقال‏:‏ مجهز جيش العسرة‏.‏



    ص -376- وقد قال الله‏:‏ ‏{لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاء وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى‏}‏ إلى قوله‏:‏ ‏{وَلاَ عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّواْ وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنفِقُونَ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 92‏]‏ ‏.‏ وقد قيل‏:‏ إنهم طلبوا أن يحملهم على النعال‏.‏ وسواء أريد بالبغال النعال التي تلبس، أو الدواب التي تركب، فقد أخبر الله عن نبيه أنه قال لهم‏:‏ ‏{لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ‏}‏، وقد كان هو يحض الناس على الإنفاق غاية الحض‏.‏ (فلو كانت الكيمياء حقٍا مباحًا وهو يعلمها، لكان من الواجب أن يعمل منها ما يجهز به الجيش، فإن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب)، ومن نسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فقد نسبه إلى ما نزهه الله عنه‏.‏
    وأيضًا، فإن علماء الأمة لم يوجب أحد منهم في الكيمياء حقًا؛ لا خمسًا ولا زكاة، ولا غير ذلك، وقد اتفقوا على أن في الركاز الخمس، كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ والركاز الذي لا ريب فيه؛ هو دفن الجاهلية‏.‏ وهي الكنوز المدفونة في الأرض؛ كالمعادن‏.‏ فأهل الحجاز لا يجعلونها من الركاز، وهو مذهب أحمد وغيره، وأهل العراق يجعلونها من الركاز، ومن العلماء من يفرق بين أن يوجد المال جملة، وبين ألا يوجد‏.‏ وللشافعي فيها أقوال معروفة وجمهور العلماء يوجبون في المعدن حقًا؛ إما الزكاة، وإما الخمس‏.‏





    ص -377- ولو كانت الكيمياء حقًا حلالًا لكان الواجب فيها أعظم من الخمس وأعظم من الزكاة، فإنها ذهب عظيم بسعي يسير، أيسر من استخراج المعادن، والركاز، لكن هي عند علماء الدين من الغش الباطل المحرم الذي لا يحل عمله، ولا اتخاذه مالا، فضلًا عن أن يوجبوا فيها ما يجب في المال الحلال‏.‏
    وقال لي المخاطب فيها‏:‏ فإن موسي صلى الله عليه وسلم كان يعمل الكيمياء‏.‏ قلت له‏:‏ هذا كذب، لم ينقل هذا عن موسى أحد من علماء المسلمين، ولا علماء أهل الكتاب، بل قد ذكروا عنهم أن موسي كان له عليهم حق يأكل منه، ولو كان يعمل الكيمياء لكان يأكل منها‏.‏
    قال‏:‏ فإن قارون كان يعمل الكيمياء، قلت‏:‏ وهذا أيضًا باطل؛ فإنه لم يقله عالم معروف، وإنما يذكره مثل الثعلبي في تفسيره عمن لا يسمي‏.‏ وفي تفسير الثعلبي الغَثّ والسمين، فإنه حاطب ليل، ولو كان مال قارون من الكيمياء لم يكن له بذلك اختصاص؛ فإن الذين عملوا الكيمياء خلق كثير لا يحصون، والله سبحانه قال‏:‏ ‏{وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ‏}‏ ‏[‏القصص‏:‏ 76‏]‏، فاخبر أنه آتاه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة، والكنوز إما أن يكون هو كنزها، كما قال‏:‏ ‏{وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ‏}‏ الآية ‏[‏التوبة‏:‏ 34‏]‏ ،



    ص -378- وإما أن يكون اطلع على كنائز مدفونة وهو الركاز، وهذا لا ريب أنه موجود‏.‏
    ثم إنه مات هذا الرجل وكان خطيبًا بجامع، فلم يشهد جنازته من جيرانه وغيرهم من المسلمين إلا أقل من عشرة، وكان يعاني السحر والسيميا، وكان يشتري كتبًا كثيرة من كتب العلم، فشهدت بيع كتبه لذلك، فقام المنادي ينادي على ‏[‏كتب الصنعة‏]‏ وكانت كثيرة يعني كتب الكيمياء؛ فإنهم يقولون‏:‏ هي علم الحجر المكرم، وهي علم الحكمة، ويعرفونها بأنواع من العبارات، وكان المتولي لذلك من أهل السيف والديوان شهودًا، فقلت لولي الأمر‏:‏ لا يحل بيع هذه الكتب؛ فإن الناس يشترونها فيعملون بما فيها، فيقولون‏:‏ هؤلاء ‏[‏زغلية‏]‏ فيقطعون أيديهم‏.‏ وإذا بعتم هذه الكتب تكونون قد مكنتموهم من ذلك، وأمرت المنادي فألقاها ببركة كانت هناك، فألقيت حتي أفسدها الماء، ولم يبق يعرف ما فيها‏.‏
    ومما يوضح ذلك‏:‏ أن الكيمياء لم يعملها رجل له في الأمة لسان صدق، لا عالم متبع، ولا شيخ يقتدي به، ولا ملك عادل، ولا وزير ناصح، وإنما يفعلها شيخ ضال مبطل، مثل ابن سبعين وأمثاله، أو مثل بني عبيد‏.‏ أو ملك ظالم، أو رجل فاجر‏.‏ وإن التبس أمرها على بعض أهل العقل والدين، فغالبهم ينكشف لهم أمرها في الآخر، ولا



    ص -379- يستطيعون عملها صيانة من الله لهم لحسن قصدهم، وما أعلم أن رجلًا من خيار المسلمين أنفق منها أو أكل منها‏.‏
    وما يذكره بعض الناس أن أولياء الله يعملون بها‏.‏ فهذا لا يعدو ما يقوله أحد أمرين‏:‏ إما أن يكون كاذبًا‏.‏ وإما أن يكون قد ظن من يعملها أنه من أولياء الله، المخصوصين بمثل هذه الكرامة، فهذا جهل؛ فإن الكيمياء يعملها المشرك واليهودي والنصراني والفاجر والمبتدع، لا يختص بها أولياء الله، بل لا يعرف ولي ثابت الولاية يعملها، ومن ذكرها ممن يدعي أنه من الأولياء مثل صاحب ‏[‏الفصوص‏]‏ وأمثال هؤلاء فهؤلاء في كلامهم في الدين من الخطأ والضلال أعظم مما في كلامهم في الكيمياء، فإذا كان كلامهم في التوحيد والنبوة واليوم الآخر فيه من الضلال ما هو مخالف لكتاب الله وسنة رسوله وإجماع المسلمين، بل ما لم يقله اليهود والنصاري فكيف يكون كلامهم في الكيمياء‏؟‏
    ثم من اغتر بما ذكره صاحب ‏[‏كتاب السعادة‏]‏ فيه، وفي ‏[‏كتاب جواهر القرآن‏]‏ وأمثالهما من الكتب، ففي هذه الكتب من الكلام المردود والمخالف للكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة وأئمتها ما لا يخفي على عالم بذلك، وقد رد علماء المسلمين ما في هذه الكتب من أقوال المتفلسفة وأشباهها من الضلال المخالف للكتاب والسنة‏.‏ ومن الناس من يطعن في نقل هذه الكتب عمن أضيفت إليه، ويقول‏:‏ إنه كذب



    ص -380- عليه في نسبة هذه الكتب إليه‏.‏ ومنهم من يقول‏:‏ بل قد رجع عن ذلك؛ فإنه قد ثبت عنه في غير موضع نقيض ما يقوله في هذه الكتب، ومات على مطالعة البخاري ومسلم‏.‏
    نعم، خرق العادات للأولياء جائز، مثل أن يصير النبات ذهبًا‏.‏ وذلك مما لا يكون طريقه طريق الكيمياء المعمولة بالمعالجات الطبيعية، وبين هذين من الفرق ما بين عصا موسي، وعصي السحرة، فإن تلك كانت حية تسعي، وتلك يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى‏.‏
    وبالجملة، فإذا كان طائفة من المنتسبين إلى العلم والعبادة اعتقدوا أن علم الكيمياء حق وحلال، فهذا لا يفيد شيئًا؛ فإن قول طائفة من العلماء والعباد خالفهم من هو أكبر منهم وأجل عند الأمة لا يحتج به إلا أحمق؛ فإنه إن كان التقليد حجة فتقليد الأكبر الأعلم الأعبد أولي‏.‏ وإن لم يكن حجة لم ينفعه ذكره لهؤلاء‏.‏ وعلى التقديرين فلا يفيد هذا شيئًا‏.‏ ويكفيه أن خيار هذه الأمة من القرون الذين بعث فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم الذين يلونهم، لم يدخلوا في شيء من هذا، إذ لو كانت حلالًا لدخلوا فيها، كما دخلوا في سائر المباحات؛ فإنهم كانوا يكتسبون الأموال بالوجوه، واكتساب المال مع إنفاقه في طاعة الله عمل صالح‏.‏ وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏"‏على كل مسلم صدقة‏"‏‏.‏ قالوا‏:‏ فمن لم يجد، قال‏:‏



    ص -381- ‏"‏يعمل بيده فينفع نفسه، ويتصدق‏"‏‏.‏ قالوا‏:‏ فإن لم يستطع، قال‏:‏ ‏"‏يعين صانعًا، أو يصنع لأخرق‏"‏‏.‏ قالوا‏:‏ فإن لم يستطع، قال‏:‏ ‏"‏يكف نفسه عن الشر، فإنها صدقة يتصدق بها على نفسه‏"‏‏.‏
    ومما يوضح الأمر في ذلك‏:‏ أن الله سبحانه وتعالى خلق الأشياء أجناسًا وأصنافًا وأنواعًا، تشترك في شيء، ويمتاز بعضها عن بعض بشيء، كما أن الدواب تشترك في أنها تحس وتتحرك بالإرادة فهذا لازم لها كلها؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏أصدق الأسماء حارث وهمام‏"‏‏.‏ إذ كل إنسان لابد له من حرث، وهو كسبه وعمله، ولا بد له من هم، هو مبدأ إرادته، ويمتاز بعض الدواب عن بعض بما ي
    فصل بينه وبين غيره‏.‏ فهذه الخواص الفاصلة مختصة، كما أن الصفات المشتركة عامة، وهذا كالنطق للإنسان، والصهيل للفرس، والرغاء للبعير، والنهيق للحمار، وأمثال ذلك‏.‏
    وكذلك النباتات، تشترك مع الدواب في أنها تنمي وتغذي، ولكن ليس للنبات حس، ولا إرادة تتحرك بها، والمعدن مشارك في بعض ذلك‏.‏ وقد علم أن هذه الأصناف التي تسمي الأنواع التي يفضل بعضها عن بعض بهذه الخواص الفاضلة إذا تقومت بهذه الفضول الخواص لم يكن لبشر أن يجعلها من أنواع أخر، ولا



    ص -382- أن يجعل ذلك الفضل ويلبسها فضلًا آخر، فلا يمكنه أن يجعل الحنطة شعيرًا، ولا الفرس حمارًا، ولا الحمار ثورًا‏.‏ وكذلك لا يمكنه أن يجعل الفضة ذهبًا ولا النحاس فضة، وأمثال ذلك، وإنما غايته يشبه وجوده، ويدلس‏.‏
    ومن زعم من الكيماوية أن الفضة ذهب لم يستكمل نضجه، فقد كذب، بل لهذا معدن، ولهذا معدن، كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ أنه قيل له‏:‏ أي الناس أكرم‏؟‏ فقال‏:‏ ‏"‏أتقاهم‏"‏‏.‏ فقالوا‏:‏ لسنا نسألك عن هذا؛ فقال‏:‏ ‏"‏يوسف نبي الله، ابن يعقوب نبي الله، ابن إسحاق نبي الله، ابن إبراهيم خليل الله‏"‏‏.‏ فقالوا‏:‏ لسنا نسألك عن هذا‏.‏ فقال‏:‏ ‏"‏أفعن معادن العرب تسألوني‏؟‏ الناس معادن كمعادن الذهب والفضة‏"‏، فكما أن قريشًا ليس أصلها أصل تميم، وعدنان ليس أصلها أصل قحطان، والعرب ليس أصلها أصل العجم، فكذلك ليس أصل الذهب أصل الفضة، ولا أصل الفضة أصل الذهب، وإن قدر أن معدن الذهب يكون فيه فضة، كما يكون في معدن الفضة نحاس، فكذلك خبث المعادن‏.‏
    ومعلوم أن المستخرج من المعدن لابد من تصفيته من خبثه، والناس يعلمون ماشاء الله من معادن الفضة لا يخرج منها ذهب‏.‏ ولو كانت الفضة إذا أكمل طبخها صارت ذهبًا، لكان يخرج من معادن الفضة ذهب، إلا أن يقال‏:‏ ليس من طبيعة ذلك المعدن حرارة طبخها‏.‏ فيقال‏:‏ هذا أيضًا مما يبطل الكيماوية؛ وذلك أن الله سبحانه يخلق



    ص -383- الذهب في معادن بحرارة ورطوبة، ويخلقها في المعدن كما يخلق الأجنة في بطون الأرحام، وكما يخلق في الحرث من الأشجار والزرع بحرارة يخلقها، وما يخلق به من الحرارة التي أودعها في تلك الأجسام لا تقوم مقامه حرارة النار التي نصنعها نحن‏.‏
    وبالجملة، فاستقراء هذين الأصلين أن المخلوق لا يكون مصنوعًا، والمصنوع لا يكون مخلوقًا، وأن الأنواع المفضلة بخواصها لا يمكن أن ينقل منها نوع إلى نوع آخر يظهر ذلك بالعقل، والدلالة الشرعية المستنبطة من الكتاب والسنة، والإجماع أيضًا في ذلك، ثم ما فطر الله عباده وسوي بين بلاده من إنكار ذلك وعقوبة فاعليه في الجملة ظاهر، وإن فعله بعضهم باطنًا‏.‏
    ثم إن الذين يصنعون الكيمياء، ويدعون أنها حق حلال لو بيع لأحدهم ذهب، وقيل له‏:‏ هو من عمل الكيمياء لم يشتره، كما يشتري المعدني، وإن صنع به كما يصنع بذهبه الذي يعلمه من الاعتبار، بل قد جبلت قلوب الناس على أن من فعل هذا نسبوه إلى الغش والزغل والتمويه، والناس شهداء الله في الأرض‏.‏
    وأيضًا، فإن فضلاء أهل ‏[‏الكيمياء‏]‏ يضمون إليها الذي يسمونه السيميا كما يصنع ابن سبعين، والسهروردي المقتول، والحلاج،



    ص -384- وأمثالهم‏.‏ وقد علم أنه محرم بكتاب الله وسنة رسوله، وإجماع الأمة، بل أكثر العلماء على أن الساحر كافر، يجب قتله‏.‏ وقد ثبت قتل الساحر عن عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وحفصة بنت عمر، وعبد الله بن عمر، وجندب بن عبد الله، وروي ذلك مرفوعًا عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ وقد قال الله تعالى‏:‏ ‏{وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى‏}‏ ‏[‏طه‏:‏ 69‏]‏ ‏.‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُواْ واتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِندِ اللَّه خَيْرٌ لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 102، 103‏]‏‏.‏
    فبين سبحانه أن طلاب السحر يعلمون أن صاحبه ما له في الآخرة من خلاق‏:‏ أي من نصيب، ولكن يطلبون به الدنيا‏.‏ من الرئاسة والمال‏.‏ ‏{وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُواْ واتَّقَوْا‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 103‏]‏ ، لحصل لهم من ثواب الله في الدنيا والآخرة ما هو خير لهم مما يطلبونه‏.‏
    ولهذا تجد الذين يدخلون في السحر، ودعوة الكواكب،



    ص -385- وتسبيحاتها، فيخاطبونها، ويسجدون لها،إنما مطلوب أحدهم المال والرئاسة، فيكفر ويشرك بالله؛ لأجل ما يتوهمه من حصول رئاسة ومال، ولا يحصل له إلا ما يضره ولا ينفعه، كما يدل عليه استقراء أحوال العالم‏.‏
    وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ أنه عد من الكبائر الإشراك بالله، والسحر، وقتل النفس، والربا، والفرار من الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات، وغير ذلك من أنواع السحر، وأصنافه متنوعة‏.‏
    وإنما المقصود هنا أنك تجد ‏[‏السيميا‏]‏ التي هي من السحر كثيرًا ما تقترن بالكيمياء؛ ومعلوم بالاضطرار من دين الإسلام أن السحر من أعظم المحرمات، فإذا كانت الكيمياء تقرن به كثيرًا، ولا تقترن بأهل العلم والإيمان، علم أنها ليست من أعمال أهل العلم والإيمان، بل من أعمال أهل الكفر والفسوق والعصيان‏.‏ وهذا كله فيمن وصل إلى الكيمياء وعملها، وقدر على أن ينفق منها ولا ينكر عليه، وأكثر الطالبين لها لم يوصلوا إلى ذلك، ولم يقدروا عليه، ومن وصل منهم إلى ذلك مرة تعذر عليه في غالب الأوقات، مع حصول المفسدات‏.‏
    ومن استقرأ أحوال طالبيها وجد تحقيق ما قاله الأئمة، حيث قالوا‏:‏



    ص -386- من طلب المال بالكيمياء أفلس، ومن طلب العلم بالكلام تزندق، ومن طلب غرائب الحديث كذب‏.‏ وكم أنفقوا فيها من الأموال، وكم صحبوا بها من الرجال، وكم أكثروا فيها من القيل والقال، وكم علقوا بها الأطماع والآمال، وكم سهروا فيها من الليالي، ولم يظفروا إلا بخسارة الدنيا والدين، ونقص العقل والعلم، ونصب العرض والذل والصغار والحاجة والإقتار، وكثرة الهموم والأحزان، وصحبة شرار الأقران، والاشتغال عما ينفعهم في المعاش والمعاد، والإعراض عما ينفع في الآخرة من الزاد‏.‏
    لا سيما وهي كثيرًا ما تقود أصحابها إلى أنواع المعاصي والفسوق؛ إذ طالبها يبغيها بغية العاشق للمعشوق، بل قد تؤول إلى الكفر بالرحمن، والإعراض عن الإيمان والقرآن، والدخول في أضاليل المشركين‏.‏ وعباد الأوثان، وهو خسارة الدنيا والدين، لم يحصل إلا على طمع كاذب، كالبرق الخالب، والسراب الذي ‏{يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ‏}‏ ‏[‏النور‏:‏ 39‏]‏ ، فهم في ذلك بمنزلة من يظن في أهل الكفر من القسيسين والرهبان أنهم من عباد الله أهل الإيمان، أو من يظن في أهل البدع والكذب والتلبيس أنهم من أولياء الله الذين ‏{أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }‏ ‏[‏يونس‏:‏ 62 64‏]‏ ‏.‏



    ص -387- بل كثير منهم يظن في المتنبئ الكذاب؛ كمسيلمة، والعنسي، ونحوهما، أنهم بمنزلة الأنبياء الصادقين؛ كإبراهيم، وموسى، وعيسي، ومحمد، صلوات الله عليهم أجمعين‏.‏ واشتباه الحق بالباطل، واشتباه النبي بالمتنبئ، والمتكلم بعلم بالمتكلم بجهل، والولي الصادق بالمرائي الكاذب، هو كاشتباه الذهب المعدني بالذهب المصنوع، وقد فرق الله بين الحق والباطل، وإنما اهتدي للفرق التام أهل العلم والإيمان من أمة محمد صلى الله عليه وسلم‏.‏ الذين قال الله فيهم‏:‏ ‏{كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللّهُ يَهْدِي مَن يَشَاء إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 213‏]‏ ‏.‏
    وهي الأمة الوسط، الذين هم شهداء الله في الأرض على خلقه في الحق، وهم الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، جعلنا الله وسائر إخواننا من أتباعهم، والمقتدين بهم، وحشرنا في زمرتهم، بمنه وفضله‏.‏
    ومن أعظم حجج ‏[‏الكيماوية‏]‏ ‏:‏ استدلالهم بالزجاج، قالوا‏:‏



    ص -388- فإن الزجاج معمول من الرمل والحصي، ونحو ذلك، فقاسوا على ذلك ما يعملونه من الكيمياء‏.‏ وهذه حجة فاسدة؛ فإن الله سبحانه وتعالى يخلق للناس زجاجًا؛ لا في معدن، ولا في غيره؛ وإنما الزجاج من قسم المصنوعات، كالآجر والفخار ونحوهما مما يطبخ في النار‏.‏ وقد تقدم أن الله سبحانه وتعالى جعل لبني آدم قدرة على أن يعملوا أنواعًا من المطاعم والملابس والمساكن، وكذلك جعل لهم قدرة على ما يصنعونه من الآنية من الفخار، والزجاج، ونحو ذلك، ولم يخلق لهم سبيلًا على أن يصنعوا مثل ما خلق الله‏.‏
    وإذا تبين أن الزجاج من قسم المصنوعات دون المخلوقات، ليس فيه ما يشتبه المصنوع بالمخلوق، بطلت حجة الكيمياء‏.‏
    فإن أصل المخلوقات التي خلقها الله لا يمكن البشر أن يصنعوا مثلها، ولا يمكنهم نقل نوع مخلوق من الحيوان والنبات والمعدن إلى نوع آخر مخلوق، وهذا مطرد لا ينقض‏.‏والله أعلم‏.
    وسئل رَحمه الله عن رجل باع ملكًا وعقارًا، ثم خرج مستحقًا، فهل يحاسب المشتري بالثمن من أجرة المبيع، إذا كان له أجرة‏؟‏ وهل يتوقف استحقاق



    ص -389- الأجرة على انتفاع المشتري بالبيع‏؟‏ أم لا‏؟‏ وهل يرجع المشتري على البائع بما يجب عليه في الشرع من الأجرة للمبيع مدة مقامه في يده، أو بالثمن الذي دفعه‏؟‏
    فأجاب‏:‏
    إذا كان المشتري عالما بالغصب، فهو ظالم ضامن للمنفعة، سواء انتفع بها أو لم ينتفع، وإن لم يعلم فقرار الضمان على البائع الظالم، وإذا انتزع المبيع من يد المشتري، فله أن يطالب بالثمن الذي قبضه، وإن أخذ منه الأجرة وهو مغرور رجع بها على البائع الغار‏.‏ والله أعلم‏.‏
    وسئل عمن يقول‏:‏ إن ‏[‏السيميا‏]‏ و ‏[‏الكيمياء‏]‏ علمان من علوم الأنبياء والأولياء‏.‏ ويروي بعضهم في الكيمياء وهو الفضة الخدماء أو المخدمة من أسفاها أكل الحلال ونحو ذلك‏؟‏
    فأجاب‏:‏
    وأما من قال‏:‏ إن ‏[‏السيميا والكيمياء‏]‏ من علوم الأنبياء والأولياء فكاذب مفتر، لم يعرف عن نبي من الأنبياء أنه تكلم لا في هذا، ولا في هذا، ولا عن ولي مقبول عند الأمة‏.‏
    أما ‏[‏السيميا‏]‏ فإنها من السحر، ‏{وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى‏}‏ ‏[‏طه‏:‏ 69‏]‏ ‏.‏



    ص -390- ولا ريب أن السحرة قد يشتبهون بالأنبياء والأولياء، ويأتون ما يظن أن يضاهي ما تأتي به الأنبياء، كما أتي سحرة فرعون بما يضاهون به معجزة موسى، ‏{فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ‏}‏ إلى قوله‏:‏ ‏{سَاجِدِينَ‏}‏ ‏[‏الشعراء‏:‏ 45، 46‏]‏
    وأما ‏[‏الكيمياء‏]‏ ‏:‏ فهو المشبه بالذهب والفضة المخلوقين‏.‏ والكيمياء لا تختص بهذين، بل تصنع كيمياء الجواهر‏.‏ كاللؤلؤ والزبرجد‏.‏ وكيمياء المشمومات‏:‏ كالمسك والعنبر والورد، وكيمياء المطعومات‏.‏ وهي باطلة طبعًا، محرمة شرعًا، فإنه قد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏"‏من غشنا فليس منا‏"‏‏.‏
    و ‏[‏الكيمياء‏]‏ من الغش؛ فإن الله لم يخلق شيئًا إلا بقدر، والخلق لا يصنعون مثل ما خلق الله تعالى، قال الله تعالى‏:‏ ‏{أَمْ جَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ‏}‏ ‏[‏الرعد‏:‏ 16‏]‏ ‏.‏ وفي الحديث الصحيح يقول الله تعالى‏:‏ ‏"‏ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي، فليخلقوا ذرة، أو ليخلقوا شعيرة‏"‏‏.‏
    والفلاسفة يقولون‏:‏ إن الصناعة لا تعمل عمل الطبيعة‏:‏ يعني أن المصنوع من الذهب والفضة وغيرهما لا يكون مثل المطبوع الذي خلق بالقوة الطبيعية السارية في الأجسام؛ ولهذا لا يوجد من المخلوقات ما صنع الخلق مثله، وما يصنعه الخلق لم يخلق لهم مثله، فهم يطحنون



    ص -391- الطعام، وينسجون الثياب، ويبنون البيوت، ولم يخلق لهم مثل ذلك‏.‏
    وكذلك الزجاج يصنعونه من الرمل والحصي، ولم يخلق مثله‏.‏ وهذا مما احتج به الكيماوية على صحة الكيمياء، وهي حجة باطلة لما ذكر، فإنه لو خلق زجاج، وصنع زجاج مثله، لكان في هذا حجة، وليس الأمر كذلك‏.‏
    وجماهير العقلاء من الأولين والآخرين، الذين تكلموا بعلم في هذا الباب، يعلمون أن الكيمياء مشبه، وأن الذهب المخلوق من المعادن ما يمكن أن يصنع مثله، بل ولا يصنع، وكل ينكشف قريبًا، أو بعيدًا، ولكن منه ما هو شديد الشبه، ومنه ما هو أبعد شبهًا منه‏.‏ وقد بسط الكلام على هذا في غير هذا الموضع‏.‏ مجموع الفتاوي
    2_رسائل ابن حزم الأندلسي

    رسالة مراتب العلوم

    قوله في الكيمياء
    فاعلموا أسعدكم الله بتوفيقه أن من رأيتموه يدعي علم الموسيقى واللحون، وعلم الطلسمات، فإنه ممخرق كذاب ومشعوذ وقاح، وكذلك من وجدتموه يتعاطى علم الكيمياء فإنه قد أضاف إلى هذه الصفات الذميمة التي ذكرنا استئكال (2) أموال الناس، واستحلال التدليس في النقود وظلم من يعامل في ذلك، والتغرير بروحه وبشرته في جنب ما يعاني من هذه الرذيلة. فإن العلمين المذكورين أولاً، وإن كانا قد عدما وانقطعا ألبتة، فقد كانا موجودين دهوراً. وأما هذا العلم الذي يدعونه من قلب جوهر الفلز ، فلم يزل عدماً غير موجود. وباطلاً لم يتحققساعةً من الدهر؛ إذ من المحال الممتنع قلب نوع إلى نوع، ولا فرق بين أن يقلب نحاس إلى أن يصير ذهباً أو قلب ذهب إلى أن يصير نحاساً، وبين قلب إنسان إلى أن يصير حماراً، أو قلب حمار إلى أن يصير إنساناً. وهكذا سائر الأنواع كلها، وهذا ممتنع ألبته، وبالله تعالى التوفيق، 2) ص: في استئكال.
    3_ اقول بالله التوفيق اما كلام ابن تيميه وحقيقة ‏[‏الكيمياء‏]‏ إنما هي تشبيه المخلوق .يقصد بالتشبيه ليس المطابقه وكيماء وعلمائها يقصدون المطابقه وهذا خطاء ليس المصنوع كالمخلوق مثلا عندما قاموا بصناعت الالماس يشبه الطبيعي لكن ليس مطابقا له سوائا بسواء لكن هناك شبه وقص عن ذالك في كثير من المعادن وغيرها لكن هل علماء الكيماء استطاعوا صناعة ذره او اجزاء الذره من عدم هذا مستحيل إذا يتبين ان الخلق وهو الائجاد من عدم ام المصنوع هو الائجاد من موجود .
    قد يشبه المخلوق في صوره لكن فيه بعض الخلاف قد يكون طفيفا جدا وقد يكون كثيرا علي حسب لهذا يتضح انا المصنوع له اصل ام المخلوق موجد من عدم اوجده الخالق جلا جلاله والامثله كثيره جدا في خلاف المصنوع عن المخلوق مثل الباب مصنوع مادته الخشب والخشب مخلوق فصدق ابن تيميه الكمياء = الغش ولا انكر الاستفاده منها لكن لا يستطعون ان يخلقو من عدم لكن يستطعون ان يصنعو وكلام الشيخ دقيق جدا إذا قراءتم جيدا

    4_وطائفة حصلت على علم حدود المنطق، فنقول لهم: إنكم لم تحصلوا إلا على العلوم التي لا منفعة لها ولا فائدة، إلا تصريفها في سائر فأنتم (3) كمن جمع آلة البناء ولم يصرفها في البنيان فهي معطلة لديه لا معنى لها، فإن قالوا إن لهذه العلوم معايش ومكاسب، قلنا هي أضعف المكاسب وأقل المعايش سعة، فإذ ليس غرضكم إلا هذا، فالتجارة والزراعة وصحبة السلطان أجدى بالمكسب وأوسع بالوفر (4) حظاً مما أنتم عليه
    وبالله التوفيق واتمن ان نتناقش ملحده عن يقين
    واتمن ان يبق الرد وشكرا للإداره

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Jan 2011
    الدولة
    ليبيا
    المشاركات
    72
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    كلام بحر العلوم الذي درس الفلسفه ولم تأثر فيه ابن تيميه من مجموع الفتاوي وكلامه دقيق يدهش جدا لم احس نفسي صغيرا جدا إلا مام هذا البحر الزاخر
    فصــل في حكمة خلق القلب

    ثم إن الله ـ سبحانه وتعالى ـ خلق القلب للإنسان يعلم به الأشياء، كما خلق له العين يرى بها الأشياء، والأذن يسمع بها الأشياء، كما خلق له ـ سبحانه ـ كل عضو من أعضائه لأمر من الأمور، وعمل من الأعمال، فاليد للبطش، والرجل للسعي، واللسان للنطق، والفم للذوق، والأنف للشم، والجلد للمس، وكذلك سائر الأعضاء الباطنة والظاهرة‏.‏
    فإذا استعمل الإنسان العضو فيما خلق له وأعد لأجله، فذلك هو الحق القائم، والعدل الذي قامت به السموات والأرض، وكان ذلك خيرًا وصلاحًا لذلك العضو ولربه وللشيء الذي استعمل فيه، وذلك الإنسان الصالح هو الذي استقام حاله ،و ‏{‏أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ‏}‏ ‏[‏ البقرة‏:‏ 5 ‏]‏ ‏.‏
    وإذا لم يستعمل العضو في حقه، بل ترك بطالًا فذلك خسران، وصاحبه مغبون، وإن استعمل في خلاف ما خلق له فهو الضلال والهلاك، وصاحبه من الذين بدلوا نعمة الله كفرًا ،ثم إن سيد الأعضاء ورأسها هو القلب، كما سمى قلبًا، قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب‏)‏، وقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏الإسلام علانية والإيمان في القلب‏)‏ ثم أشار بيده إلى صدره وقال‏:‏ ‏(‏ألا إن التقوى ها هنا إلا إن التقوى ها هنا‏)‏‏.‏
    وإذ قد خلق القلب لأن يعلم به فتوجهه نحو الأشياء ابتغاء العلم بها هو الفكر والنظر، كما أن إقبال الأذن على الكلام ابتغاء سمعه هو الإصغاء والاستماع، وانصراف الطرف إلى الأشياء طلبًا لرؤيتها هو النظر، فالفكر للقلب، كالإصغاء للأذن، ومثله نظر العينين فيما سبق، وإذا علم ما نظر فيه فذاك مطلوبه، كما أن الأذن كذلك إذا سمعت ما أصغت إليه، أو العين إذا أبصرت ما نظرت إليه، وكم من ناظر مفكر لم يحصل العلم ولم ينله، كما أنه كم من ناظر إلى الهلال لا يبصره، ومستمع إلى صوت لا يسمعه‏.‏
    وعكسه من يؤتي علمًا بشيء لم ينظر فيه ولم تسبق منه إليه سابقة تفكير فيه، كمن فاجأته رؤية الهلال من غير قصد إليه، أو سمع قولًا من غير أن يصغى إليه، و ذلك كله لا لأن القلب بنفسه يقبل العلم، وإنما الأمر موقوف على شرائط واستعداد قد يكون فعلا من الإنسان فيكون مطلوبًا، وقد يأتي فضلا من الله فيكون موهوبًا‏.‏
    فصلاح القلب وحقه، والذي خلق من أجله، هو أن يعقل الأشياء، لا أقول أن يعلمها فقط، فقد يعلم الشيء من لا يكون عاقلًا له، بل غافلًا عنه ملغيًا له، والذي يعقل الشيء هو الذي يقيده ويضبطه ويعيه ويثبته في قلبه، فيكون وقت الحاجة إليه غنيًا فيطابق عمله قوله، وباطنه ظاهره، و ذلك هو الذي أوتى الحكمة، ‏{‏وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 269‏]‏، وقال أبو الدرداء‏:‏ إن من الناس من يؤتي علمًا ولا يؤتي حكمًا، وإن شداد بن أوس ممن أوتي علمًا وحكمًا‏.‏
    وهذا، مع أن الناس متباينون في نفس عقلهم الأشياء من بين كامل وناقص، وفيما يعقلونه من بين قليل وكثير، وجليل ودقيق، وغير ذلك‏.‏
    ثم هذه الأعضاء الثلاثة هي أمهات ما ينال به العلم ويدرك، أعنى العلم الذي يمتاز به البشر عن سائر الحيوانات دون ما يشاركها فيه، من الشم والذوق واللمس، وهنا يدرك به ما يحب ويكره وما يميز به بين من يحسن إليه ومن يسيء إليه إلى غير ذلك، قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ‏}‏ ‏[‏النحل‏:‏ 78‏]‏، وقال‏:‏ ‏{‏ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ‏}‏ ‏[‏السجدة‏:‏ 9‏]‏، وقال‏:‏ ‏{‏وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏ 36‏]‏، وقال‏:‏ ‏{‏وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً‏}‏ ‏[‏الأحقاف‏:‏ 26‏]‏، وقال‏:‏ ‏{‏خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 7‏]‏‏.‏
    وقال فيما لكل عضو من هذه الأعضاء من العمل والقوة‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنْ الْجِنِّ وَالْإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 179‏]‏‏.‏
    ثم إن العين تقصر عن القلب والأذن، وتفارقهما في شيء وهو أنها إنما يرى صاحبها بها الأشياء الحاضرة والأمور الجسمانية مثل الصور والأشخاص، فأما القلب والأذن فيعلم الإنسان بهما ما غاب عنه وما لا مجال للبصر فيه من الأشياء الروحانية، والمعلومات المعنوية، ثم بعد ذلك يفترقان، فالقلب يعقل الأشياء بنفسه إذ كان العلم هو غذاءه وخاصيته، أما الأذن فإنها تحمل الكلام المشتمل على العلم إلى القلب، فهي بنفسها إنما تحمل القول والكلام، فإذا وصل ذلك إلى القلب أخذ منه ما فيه من العلم، فصاحب العلم في حقيقة الأمر هو القلب، وإنما سائر الأعضاء حجبة له توصل إليه من الأخبار ما لم يكن ليأخذه بنفسه، حتى إن من فقد شيئًا من هذه الأعضاء فإنه يفقد بفقده من العلم ما كان هو الواسطة فيه‏.‏
    فالأصم لا يعلم ما في الكلام من العلم، والضرير لا يدري ما تحتوي عليه الأشخاص من الحكمة البالغة، وكذلك من نظر إلى الأشياء بغير قلب، أو استمع إلى كلمات أهل العلم بغير قلب، فإنه لا يعقل شيئًا فمدار الأمر على القلب، وعند هذا تستبين الحكمة في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا‏}‏‏[‏الحج‏:‏ 46‏]‏، حتى لم يذكر هنا العين كما في الآيات السوابق، فإن سياق الكلام هنا في أمور غائبة، وحكمة معقولة من عواقب الأمور لا مجال لنظر العين فيها، ومثله قوله‏:‏ ‏{‏أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ‏}‏ ‏[‏الفرقان‏:‏ 44‏]‏ ،وتتبين حقيقة الأمر في قوله‏:‏ ‏{‏إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ‏}‏‏[‏ق‏:‏ 37‏]‏‏.‏
    فإن من يؤتي الحكمة وينتفع بالعلم على منزلتين، إما رجل رأى الحق بنفسه فقبله فاتبعه و لم يحتج إلى من يدعوه إليه، فذلك صاحب القلب؛ أو رجل لم يعقله بنفسه بل هو محتاج إلى من يعلمه ويبينه له ويعظه ويؤدبه، فهذا أصغى فـ ‏{‏أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ‏}‏ أي‏:‏ حاضر القلب ليس بغائبه، كما قال مجاهد‏:‏ أوتي العلم وكان له ذكرى‏.‏
    ويتبين قوله‏:‏ ‏{وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ ‏.‏ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لَا يُبْصِرُونَ‏}‏ ‏[‏يونس‏:‏ 42، 43‏]‏ وقوله‏:‏ ‏{‏وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا ‏}‏‏[‏الأنعام‏:‏ 25‏]‏‏.‏
    ثم إذا كان حق القلب أن يعلم الحق، فإن الله هو الحق المبين، ‏{‏فَذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ‏}‏‏[‏يونس‏:‏ 32‏]‏، إذ كان كل ما يقع عليه لمحة ناظر أو يجول في لفتة خاطر، فالله ربه ومنشئه، وفاطره ومبدئه، لا يحيط علما إلا بما هو من آياته البينة في أرضه و سمائه، وأصدق كلمة قالها الشاعر كلمة لبيد‏:‏
    ألا كل شيء ما خلا الله باطل**
    أي‏:‏ ما من شيء من الأشياء إذا نظرت إليه من جهة نفسه إلا وجدته إلى العدم، وما هو فقير إلى الحي القيوم، فإذا نظرت إليه وقد تولته يد العناية بتقدير من أعطى كل شيء خلقه ثم هدى رأيته حينئذ موجودًا مكسوًا حلل الفضل والإحسان، فقد استبان أن القلب إنما خلق لذكر الله سبحانه ؛ و لذلك قال بعض الحكماء المتقدمين من أهل الشام ـ أظنه سليمان الخواص رحمه الله ـ قال‏:‏ الذكر للقلب بمنزلة الغذاء للجسد، فكما لا يجد الجسد لذة الطعام مع السقم، فكذلك القلب لا يجد حلاوة الذكر مع حب الدنيا، أو كما قال‏.‏
    فإذا كان القلب مشغولًا بالله، عاقلا للحق، متفكرًا في العلم، فقد وضع في موضعه، كما أن العين إذا صرفت إلى النظر في الأشياء فقد وضعت في موضعها، أما إذا لم يصرف إلى العلم ولم يوع فيه الحق فقد نسي ربه، فلم يوضع في موضع بل هو ضائع، ولا يحتاج أن نقول‏:‏ قد وضع في موضع غير موضعه، بل لم يوضع أصلا ؛ فإن موضعه هو الحق، وما سوى الحق باطل، فإذا لم يوضع في الحق لم يبق إلا الباطل، والباطل ليس بشيء أصلا، وما ليس بشيء أحرى ألا يكون موضعًا‏.‏
    والقلب هو نفسه لا يقبل إلا الحق، فإذا لم يوضع فيه فإنه لا يقبل غير ما خلق له، ‏{‏ِسُنَّةِ اللَّهِ‏}‏ ‏{‏وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا‏}‏ ‏[‏الأحزاب‏:‏ 62‏]‏ وهو مع ذلك ليس بمتروك مخلي، فإنه لايزال في أودية الأفكار وأقطار الأماني لا يكون على الحال التي تكون عليها العين والأذن من الفراغ والتخلي، فقد وضع في غير موضع لا مطلق ولا معلق، موضوع لا موضع له، و هذا من العجب فسبحان ربنا العزيز الحكيم، وإنما تنكشف للإنسان هذه الحال عند رجوعه إلى الحق، إما في الدنيا عند الإنابة، أو عند المنقلب إلى الآخرة، فيرى سوء الحال التي كان عليها، وكيف كان قلبه ضالا عن الحق، هذا إذا صرف في الباطل‏.‏
    فأما لو ترك وحاله التي فطر عليها فارغًا عن كل ذكر، خاليًا عن كل فكر، فقد كان يقبل العلم الذي لا جهل فيه، ويرى الحق الذي لا ريب فيه، فيؤمن بربه وينيب إليه، فإن كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، لا يحس فيها من جدع ‏{‏فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ‏}‏ ‏[‏الروم‏:‏ 30‏]‏، وإنما يحول بينه وبين الحق في غالب الحال شغله بغيره من فتن الدنيا، ومطالب الجسد، وشهوات النفس، فهو في هذه الحال كالعين الناظرة إلى وجه الأرض لا يمكنها أن ترى مع ذلك الهلال، أو هو يميل إليه فيصده عن اتباع الحق، فيكون كالعين التي فيها قذى لا يمكنها رؤية الأشياء‏.‏
    ثم الهوى قد يعترض له قبل معرفة الحق فيصده عن النظر فيه، فلا يتبين له الحق كما قيل‏:‏ ‏(‏حبك الشيء يعمي ويصم‏)‏، فيبقى في ظلمه الأفكار،وكثيرًا ما يكون ذلك عن كبر يمنعه عن أن يطلب بالحق، ‏{‏فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ‏}‏ ‏[‏النحل‏:‏ 22‏]‏‏.‏
    وقد يعرض له الهوى بعد أن عرف الحق فيجحده ويعرض عنه، كما قال ربنا ـ سبحانه ـ فيهم‏:‏ ‏{‏سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِي الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 146‏]‏‏.‏
    ثم القلب للعلم كالإناء للماء، والوعاء للعسل، والوادي للسيل،كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏أَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا‏}‏ الآية ‏[‏الرعد‏:‏ 17‏]‏، وقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إن مثل ما بعثني الله به من الهدي والعلم كمثل غيث أصاب أرضًا، فكانت منها طائفة قبلت الماء، فأنبتت الكلأ، والعشب الكثير، وكانت منها أجادب أمسكت الماء فسقى الناس وزرعوا، وأصاب منها طائفة، إنما هى قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ ،فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما أرسلت به، ومثل من لم يرفع بذلك رأسًا، ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به‏)‏، وفي حديث كميل بن زياد عن علي - رضي الله عنه- قال‏:‏ القلوب أوعية فخيرها أوعاها‏.‏ وبلغنا عن بعض السلف قال‏:‏ القلوب آنية الله في أرضه، فأحبها إلى الله تعالى أرقها وأصفاها، وهذا مثل حسن، فإن القلب إذا كان رقيقًا لينًا كان قبوله للعلم سهلا يسيرًا، ورسخ العلم فيه وثبت وأثر، وإن كان قاسيًا غليظًا كان قبوله للعلم صعبًا عسيرًا‏.‏
    ولابد مع ذلك أن يكون زكيا صافيًا سليما، حتى يزكو فيه العلم ويثمر ثمرًا طيبًا، وإلا فلو قبل العلم وكان فيه كدر وخبث أفسد ذلك العلم، وكان كالدغل في الزرع إن لم يمنع الحب من أن ينبت منعه من أن يزكو ويطيب، وهذا بين لأولي الأبصار‏.‏
    و تلخيص هذه الجملة‏:‏ أنه إذا استعمل في الحق فله وجهان‏:‏
    وجه مقبل على الحق، ومن هذا الوجه يقال له‏:‏ وعاء وإناء ؛ لأن ذلك يستوجب ما يوعي فيه ويوضع فيه، وهذه الصفة صفة وجود وثبوت‏.‏
    ووجه معرض عن الباطل، ومن هذا الوجه يقال له‏:‏ زكي وسليم وطاهر؛ لأن هذه الأسماء تدل على عدم الشر وانتفاء الخبث والدغل، وهذه الصفة صفة عدم ونفي‏.‏
    وبهذا يتبين أنه إذا صرف إلى الباطل فله وجهان كذلك‏:‏
    وجه الوجود‏:‏ أنه منصرف إلى الباطل مشغول به‏.‏
    ووجه العدم‏:‏ أنه معرض عن الحق غير قابل له، وهذا يبين من البيان والحسن والصدق ما في قوله‏:‏
    إذا ما وضعت القلب في غير موضع ** بغيـر إناء فهو قلـب مضـيع
    فإنه لما أراد أن يبين حال من ضيع قلبه، فظلم نفسه بأن اشتغل بالباطل وملأ به قلبه حتى لم يبق فيه متسع للحق، ولا سبيل له إلى الولوج فيه ذكر ذلك منه، فوصف حال هذا القلب بوجهيه، ونعته بمذهبيه، فذكر أولا وصف الوجود منه فقال‏:‏
    إذا ما وضعت القلب في غير موضع‏.‏
    يقول‏:‏ إذا شغلته بما لم يخلق له فصرفته إلى الباطل حتى صار موضوعا فيه، ثم الباطل على منزلتين‏:‏
    إحداهما‏:‏ تشغل عن الحق ولا تعانده مثل الأفكار والهموم التي في علائق الدنيا وشهوات النفس‏.‏
    والثانية‏:‏ تعاند الحق وتصد عنه، مثل الآراء الباطلة، والأهواء المردية من الكفر والنفاق والبدع وشبه ذلك، بل القلب لم يخلق إلا لذكر الله، فما سوى ذلك فليس موضعًا له‏.‏
    ثم ذكر ثانيًا وصف العدم فيه، فقال‏:‏ بغير إناء، ثم يقول‏:‏ إذا وضعته بغير إناء ضيعته، ولا أنا معك، كما تقول‏:‏ حضرت المجلس بلا محبرة‏.‏ فالكلمة حال من الواضع، لا من الموضوع ،والله أعلم‏.‏
    وبيان هذه الجملة ـ والله أعلم ـ أنه يقول‏:‏ إذا ما وضعت قلبك في غير موضع فقد شغل بالباطل، ولم يكن معك إناء يوضع فيه الحق، و ينزل إليه الذكر والعلم الذي هو حق القلب، فقلبك إذًا مضيع ضيعته من وجهي التضييع، وإن كانا متحدين من جهة أنك وضعته في غير موضع، ومن جهة أنه لا إناء معك يكون وعاء للحق الذي يجب أن يعطاه،كما لو قيل لملك قد أقبل على اللهو‏:‏ إذا اشتغلت بغير المملكة وليس في المملكة من يدبرها فهو ملك ضائع، لكن الإناء هنا هو القلب بعينه،وإنما كان ذلك كذلك؛لأن القلب لا ينوب عنه غيره فيما يجب أن يوضع فيه ‏{‏وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏ 15‏]‏‏.‏
    وإنما خرج الكلام في صورة اثنين بذكر نعتين لشيء واحد، كما جاء نحوه في قوله تعالى‏:‏ ‏{نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ ‏.‏ مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 3، 4‏]‏ قال قتادة والربيع‏:‏ هو القرآن‏:‏ فرق فيه بين الحلال والحرام، والحق والباطل، وهذا لأن الشيء الواحد إذا كان له وصفان كبيران فهو مع وصف واحد كالشيء الواحد، ومع الوصفين بمنزلة الاثنين، حتى لو كثرت صفاته لتنزل منزلة أشخاص، ألا ترى أن الرجل الذي يحسن الحساب والطب يكون بمنزلة حاسب وطبيب والرجل الذي يحسن التجارة والبناء يكون بمنزلة نجار وبناء‏.‏
    والقلب لما كان يقبل الذكر والعلم، فهو بمنزلة الإناء الذي يوضع فيه الماء وإنما ذكر في هذا البيت الإناء من بين سائر أسماء القلب؛ لأنه هو الذي يكون رقيقًا وصافيا، و هو الذي يأتي به المستطعم المستعطى في منزلة البائس الفقير‏.‏ ولما كان ينصرف عن الباطل فهو زكي وسليم، فكأنه اثنان‏.‏
    وليتبين في الصوة أن الإناء غير القلب، فهو يقول‏:‏
    إذا وضعت قلبك في غير موضع‏.‏
    وهو الذي يوضع فيه الذكر والعلم، ولم يكن معك إناء يوضع فيه المطلوب فمثلك مثل رجل بلغه أن غنيا يفرق على الناس طعامًا وكان له زبدية أو سكرجة فتركها، ثم أقبل يطلب طعامًا، فقيل له‏:‏ هات إناء نعطيك طعامًا ،فأما إذا أتيت وقد وضعت زبديتك ـ مثلا ـ في البيت وليس معك إناء نعطيك فلا نأخذ شيئًا فرجعت بخفي حنين‏.‏
    وإذا تأمل من له بصيرة بأساليب البيان وتصاريف اللسان وجد موقع هذا الكلام من العربية والحكمة كليهما موقعًا حسنًا بليغًا؛ فإن نقيض هذه الحال المذكورة أن يكون القلب مقبلا على الحق والعلم والذكر معرضا عن غير ذلك ‏.‏ وتلك هي الحنيفية ملة إبراهيم ـ عليه السلام ـ فإن الحنف هو إقبال القدم وميلها إلى أختها ،فالحنف الميل عن الشيء بالإقبال على آخر، فالدين الحنيف هو الإقبال على الله وحده والإعراض عما سواه، وهو الإخلاص الذي ترجمته كلمة الحق، والكلمة الطيبة‏:‏ ‏[‏لا إله إلا الله‏]‏‏.‏ اللهم ثبتنا عليها في الدنيا والآخرة ولا حول ولا قوة إلا بالله‏.‏
    وهذا آخر ما حضر في هذا الوقت‏.‏ والله أعلم ‏.‏وصلى الله على محمد‏.
    اسأل الله ان يجعل قلوبنا أوعيتا للحق وطالبتا له واسأله ان يهب لنا الحق فهما وعملا ودعوتا امين ونعوذ بالله من الباطل ونسأل الله ان يعرفنا بالباطل والابتعاد عنه وتحذير منه أمين وبالله التوفيق

  10. افتراضي

    لماذا حذف ردي ما هذا التعامل !
    واللهِ لَوْ عَلِمُوا قَبِيحَ سَرِيرَتِي....لأَبَى السَّلاَمَ عَلَيَّ مَنْ يَلْقَانِي
    وَلأَعْرضُوا عَنِّي وَمَلُّوا صُحْبَتِي....وَلَبُؤْتُ بَعْدَ كَرَامَةٍ بِهَوَانِ
    لَكِنْ سَتَرْتَ مَعَايِبِي وَمَثَالِبِي....وَحَلِمْتَ عَنْ سَقَطِي وَعَنْ طُغْيَاني
    فَلَكَ الَمحَامِدُ وَالمَدَائِحُ كُلُّهَا....بِخَوَاطِرِي وَجَوَارِحِي وَلِسَانِي
    وَلَقَدْ مَنَنْتَ عَلَيَّ رَبِّ بِأَنْعُمٍ....مَا لِي بِشُكرِ أَقَلِّهِنَّ يَدَانِ

  11. افتراضي

    واللهِ لَوْ عَلِمُوا قَبِيحَ سَرِيرَتِي....لأَبَى السَّلاَمَ عَلَيَّ مَنْ يَلْقَانِي
    وَلأَعْرضُوا عَنِّي وَمَلُّوا صُحْبَتِي....وَلَبُؤْتُ بَعْدَ كَرَامَةٍ بِهَوَانِ
    لَكِنْ سَتَرْتَ مَعَايِبِي وَمَثَالِبِي....وَحَلِمْتَ عَنْ سَقَطِي وَعَنْ طُغْيَاني
    فَلَكَ الَمحَامِدُ وَالمَدَائِحُ كُلُّهَا....بِخَوَاطِرِي وَجَوَارِحِي وَلِسَانِي
    وَلَقَدْ مَنَنْتَ عَلَيَّ رَبِّ بِأَنْعُمٍ....مَا لِي بِشُكرِ أَقَلِّهِنَّ يَدَانِ

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. العالم الشهير penfield يُثبت أن العقل ليس هو الدماغ
    بواسطة ياسين اليحياوي في المنتدى قسم الحوار عن المذاهب الفكرية
    مشاركات: 31
    آخر مشاركة: 11-10-2013, 08:20 PM
  2. الفرق بين العقل السلفي..والعقل الصوفي
    بواسطة أبو القـاسم في المنتدى قسم الحوار عن الإسلام
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 10-18-2012, 03:37 AM
  3. العقل و التفكير و الفكرة..
    بواسطة مبلغ في المنتدى قسم الحوار العام
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 03-03-2012, 12:32 AM
  4. السنة بين العقل و التفكير والواقع
    بواسطة محمد جو في المنتدى قسم السنة وعلومها
    مشاركات: 36
    آخر مشاركة: 08-03-2010, 02:20 PM
  5. هل العقل محله القلب أم الدماغ ؟
    بواسطة د. هشام عزمي في المنتدى الصوتيات والمرئيات
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 06-21-2010, 09:41 AM

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء