إلى كل من استفزته الأحداث الجارية, فتحرك لها قلبه, وسال دمعه, وتضرع إلى ربه, يرجو النصر لإخوانه, ويبذل ثمرة فكره وقلمه, لينصح ويستفسر, ولينذر وليبشر, وليقلب مع إخوانه وجوه الرأي, عساه يضع لبنة في صرح الإسلام, الذي تنبئ هذه الزلازل المدوية أنه ما زال شامخا, إلى كل هؤلاء وأنا منهم, أوجه هذه الكلمات.
إن زمان الفتن زمان حيرة واضطراب, وتقلب وارتباك, ترى فيه الأمة كالسفينة في البحر الخضم, تتقاذفها الأمواج وتتنازعها الأهوال, وكلنا مجمعون أن ما أصابنا لم يكن ليصيبنا لولا أن تركنا كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم وأخذنا ذات اليمين وذات الشمال, فنزلت علينا صنوف البلاء تمحيصا وفتنة واختبارا.
لقد مضت علينا عقود تعلق فيها كثير من قادة الأمة وأذكيائها بالأوهام, ونشروا فينا المذاهب الباطلة, حتى غدا للمادية والشيوعية في ديارنا صوت, فلم نزدد إلا ذلا وصغارا. ثم انبرى للإصلاح فئام من خيرة أبناء الإسلام, فعكفوا على العلم, ونهلوا من الوحي, وغاصوا في بحر الشريعة, ينشدون الدرر, ويستخلصون العبر, ولما تجلت لهم شمس الحق, وأيقنوا أنهم ظفروا ببغيتهم, عادوا إلينا ليصيحوا بنا, عليكم بالأمر الأول, عليكم بالأمر العتيق, اخلعوا التقليد, دونكم المحجة وإياكم وبنيات الطريق, إن الدين قد كمل, وإن النعمة قد تمت, وكل الخير في قفو آثار من سلف, فجدوا وابشروا وكونوا لهم خير خلف, لقد كانوا غرباء قليلا عددهم, كثيرا عدوهم, فصبروا وثابروا, فبهم عاد للملة ظهورها, ولبيوت الله عمّارها, ولحلق العلم روادها.
ثم كان هذا الذي ترون من هبّة الشباب لصد الظلم, وهم شباب الإسلام, وفتيان المساجد, فقلوبنا تخفق نصحا لهم, وشفقة عليهم, ورغبة في سلامتهم, وتطلعا إلى نصرهم. فلا يكونن هذا كله سببا في بخس أهل العلم حقهم, الله الله في أعراضهم, إنهم على ثغر عظيم لو خُلص إليهم منه, لحصل في الإسلام ثلم عظيم.
إن بعض إخواننا كتب على صفحات هذا المنتدى كلمات يتنقّصهم ويلمزهم بالقعود والنكوص وقلة الفقه, وأنا أعجب لمثل هؤلاء! كيف يقال مثل هذا عن أئمة العلم والدعوة وقد نالهم من بطش هؤلاء الجبابرة ما نالهم؟ إنهم ما سكتوا خورا وعجزا, ولكن هذه ثمرة اجتهادهم, والقوم ما انتسبوا يوما إلى السياسة, بل صرحوا في كل منبر أنهم أهل تربية وتعليم وهداية. وموقفهم في مسائل السياسة الشرعية إنما يرد عليه بالعلم لا باللمز والطعن. فمن كان له علم, فليناظرهم بأدب, فإنه لا خير في علم بلا أدب.
إن الأمة في هذه الأحوال المضطربة تتطلع إلى من يلم شعثها ويجمع شملها ويوحد كلمتها, فإن الطغاة ما تمكنوا من رقابنا واستأسدوا علينا, إلا لإسرافنا في التعصب لآرائنا, والتحزب لأفكارنا, ولتدابرنا وتنابزنا بالألقاب, ولعجزنا عن حفظ الود مع اختلافنا. فهلا تعلمنا أدب الخلاف, وتبصرنا في فقهه, حتى يسعنا أن نختلف مع الوفاء بحق الأخوة والود.
لهذا كله أدعو من زل لسانه بكلمة أو بعض كلمة في حق أحد من العلماء, أن يتوب وينيب, فإن لربنا عبادا أصفياء أولياء, ولعل أكثرهم من هؤلاء العلماء, فنسأل الله أن يسددهم, وأن يغفر زللهم, وأن يجمعنا بهم في الدنيا في ظل الشريعة, وفي الموقف في ظل عرشه, وفي الفردوس في مستقر رحمته.
Bookmarks