كلمة المستشار مأمون الهضيبي
موسوعة الإخوان المسلمين
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمان الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسوله ومن والاه، وبعد..
سلام الله عليكم جميعا ورحمته بركاته، وأحسب أن من واجبي بل ومن واجبكم أيضا أن نتوجه بالشكر الجزيل والتقدير الكبير لهيئة الكتاب وفي مقدمتها وعلى رأيها الأستاذ سمير سرحان لهذا الجهد الطيب المبارك إن شاء الله الذي يبذله بتطوير وتقديم هذا السوق للفكر والثقافة والأدب والفن.. هذه الأمور التي لا نستطيع أن نعيش دونها التي تشهد بجهده وأن يقدم مثل هذه الندوات التي نحن في أشد الحاجة إليها الشعب كله. وكما ترون هذه الجمع الحاضرة الآن، والمكتظة بالخارج، متشوقة أن تسمع وأن تعي وتعقل فإذا التزمنا غاية السكون وغاية النظام.. فهذا أمر ضروري.. نسأل الله تبارك وتعالى أن يهدينا جميعا إلى سواء السبيل.
بالنسبة للمحاضرة حُدد عنوانها كما أشار فضيلة الشيخ مولانا محمد الغزالي بـ:"مصر بين الدولة الدينية والدولة المدنية" وكما قال: ما المقصود بالدولة الدينية ؟.. لكل الأديان أو العقائد كما استقر بين البشر أشكال وأنواع كما قال البوذية والكونفشيوسية وغيرها.
ماهو المطلوب للدولة الدينية ؟
أعتقد ببساطة أن 95% من شعب مصر ممن يشهدون أن لا إله إلّا الله أن محمد رسول الله، وأن القرآن وحي من عند الله، وأن الشريعة حكم الله، وارتضت الله ربا والإسلام دينا ومحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا، إذن كلها، فلا مجال لأن يوجد فيها دولة دينية إلّا أن تكون دولة الإسلام، فالشطر الأول من عنوان المناظرة يجب أن يكون: "مصر بين الدولة الإسلامية" وإذا أردنا أن نقول "الدينية" فلا بد أن نصفها بالوصف الذي يبين حقيقتها أن مصر بين الدولة الدينية الإسلامية...
تُحدّد صفة الدولة الدينية التي هي إحدى الخيارين المطروحين. أما الخيار الثاني فهو أن تكون مصر دولة مدنية وهنا أيضا أقف وأتساءل.. ماهو المقصود بالدولة المدنية ؟ أي ليست عسكرية أم ماذا ؟
فما المقصود منها ؟ دولة مدنية ماذا تعني ؟ هل تعني أن الأشخاص الذي يتلونها مدنيين و غير عسكريين أو أن المقصود بها شيء آخر ؟ مقصود ماذا أليس كهنوتا ؟ أعتقد أننا ببساطة نجد أن مثل هذه العناوين تخفي أمرا:
الأول: عدم إظهار الإسلام، فيقال دولة دينية.
الثاني: دولة مدنية تبديلا بمعنى آخر هو إسلام أو لا إسلام.
المطلوب هو الخيار بين مصر إسلامية ودولة غير إسلامية.
ما حكم الدولة غير الإسلامية في عقيدة المسلمين ؟
هذا السؤال يجب أن يُطرح لأنه كما ذكرت الأغلبية الساحقة من أبناء مصر يدينون بالإسلام.. عقيدتهم الإسلام.. تحكم كل تصرفاتهم.. وكل نظراتهم إلى الأمور تكون بالشريعة الإسلامية والفقه الإسلامي والعقيدة الإسلامية والله سبحانه وتعالى قال لنا في كتابه نحن المؤمنين نعتقد أن هذا حلال وهذا حرام.. هذا كفر وهذا إيمان.. هذا صلاح وهذه معصية.. المسلم لا يستطيع أن ينفك عن ذلك.
إما أن يكون مسلما وإما ألّا يكون مسلما.
والخيار هنا أن نكون مسلمين أو لا نكون.
ماهو الخيار الآخر المطروح.. يجب أن نواجه هذه الحقيقة لأننا لا نستطيع أن نتفاداها بألفاظ تعمي الحقيقة والناس تشعر بالحقيقة.
إذن ماهو الخيار المطلوب أمامنا إذا لم نرتض الإسلام دينا وإذا لم نرتض الدولة الإسلامية ؟
ماهو الخيار المطلوب الآخر ؟ ومهما وُصفت العلمانية.. بأنها عقلية -قل ما شئت- ما وصفها في الإسلام ؟ ما حقيقتها ؟ ما حكم الشرع فيها وماذا يراد للمسلمين أن يقبلوه ؟
هذا هو السؤال الأول الذي يجب أن نطرحه على أنفسنا لنعلم ؟ لأننا شعب الأغلبية الساحقة فيه مسلمون،
عل المطلوب من المسلمين أن يتركوا الإسلام ؟!!
يقال لنا أن الإسلام لا يشترط أن تكون له دولة وأنه ممكن أن تكون أي دولة لها أي صفة –بوذية، إسلامية، يهودية، عقلية...- مهما كان فيها من العقلانية والناس أيضا فيها مسلمون، والأشخاص يصبحون مسلمين ويكون هذا جائزا في الإسلام !! أنا لا أعتقد هذا وكلنا يعلم أن هذا الأمر غير صحيح.
الأحكام الواردة في القرآن الكريم تؤكد أن الإسلام دين ودولة نضرب أمثلة بسيطة من غير النصوص ومن غير أن نورد آيات الأحكام ونحن نعلمها، وآيات الأحكام موجودة نستطيع أن نتلوها خلال دقائق:
"وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه . فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق ( ... ) وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك ( ... ) أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون" [المائدة 48-50]
"ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون" [المائدة 44] (وفي آيات أخرى: الفاسقون/الظالمون)
"ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين" [الجاثية 18-19]
"وأنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما" [النساء 105]
الأحكام كثيرة والوقت المخصص للحديث لا يزيد عن عشر دقائق، وهذا لا يجعلني أسترسل وأوضح أكثر وأكثر يكفيني أن أقول أن الرسول صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلّا وحي يوحى أوصانا وقال لنا:
"تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا، كتاب الله وسنتي" إذن كون الحكم بما أنزل الله حكم من أحكام العقيدة الإسلامية أمرا واجبا والخروج عنه يؤدي بنا إلى أحكام تلوتها على حضراتكم من الكفر والفسوق والظلم، فهو أمر أو جزء مهم من أحكام العقيدة الإسلامية.
ماذا يراد من المسلمين ؟ أن يقال ألّا تكون لهم دولة إسلامية !! هل الإسلام يمكن أن يوجد بغير دولة ؟..
فلنر.. هل تسمحون لنا أن نكون الجيش دون حكومة ؟ لأن الحق يقول لنا:
"وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله عدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم" [الأنفال 60]
فلقد أُمرنا معشر المسلمين أن نعد جيشا فهل نُعده نحن ؟ أم تُعدّه الحكومة ؟ أعتقد أنه لا يوجد عاقل يقول هذا لأنه من الاختصاصات الأساسية للدولة، فالدولة هي المكلفة أن تعد جيشا، جيشا له مواصفات خاصة
"إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة" [التوبة 111] وسئل الرسول صلى الله عليه وسلم:
"الرجل يقاتل حمية وشجاعة ورياء فأي ذلك في سبيل الله ؟" فقال:
"من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله" وأنزل الله تبارك وتعالى قوله:
"فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا" [الكهف 110]
إذن.. من أين يأتي بالزكاة ؟ من يأخذها ؟ من يقرر الملزم بها ؟ فهي ليست ضريبة نحن نسن بها القوانين، أم نلغيها ؟ ومن يوزعها ؟ وعلى من ؟ ومن يطبق حكم الله فيها إن لم تقم الحكومة بهذا ؟ وبماذا سيقضي القاضي ؟ وماذا سيطبق ضابط الشرطة ؟ إن لم تكن هناك دولة.
هل الدولة في أي بلد من البلاد مطلوبة لذاتها ؟
الدولة لا يمكن أن تكون مطلوبة لذاتها، الدولة مطلوبة لتحقيق بغاية، لأنها تقوم على تنظيم الجماعة وتحقيق أغراض الجماعة وتحقيق عقائد الجماعة، فالدولة مطلوبة لتحقيق شؤون الجماعة.
إذن الدولة لا يمكن أن تنفك عن عقيدة الجماعة وعن فهمهم، ولذلك يقال "الشورى" حتى تختار الناس الدولة ومن يتولى الدولة، وينظم الأمور طبقا لما يريدونه هم ولما يعتقدونه.. ولا يفرض عليهم فرضا ما ليس منهم وما ليس من عقيدتهم.
نحن -كما قلت- الأغلبية الساحقة فينا من المسلمين، واسألوهم إن شئتم،
هل يرضى أحدهم أن يطبق عليه حكم غير الإسلام ؟ اسألوهم. لماذا لا تسألونهم ؟ لماذا يسأل الناس عن كل شيء إلّا عن دينهم وعن رغبتهم في حكمهم ؟
نقول الديمقراطية، فهذه الديمقراطية سقطت على أوسع ما يكون حتى في البلاد التي بدأت تقول، منذ الأمس، على الملأ، لا نريد ديمقراطية لأنها ستأتي لنا بالأصوليين، وأيضا نستعمل ألفاظا تخفي الاسم الصحيح "الأصوليين" لكي لا نقول "المسلمين"
أعداؤنا في الغرب يأتون لنا بألفاظ "الأصلي" ونحن نأخذ "الطعم" ونردد مثل الببغاء "أصولي" لماذا يريدون الأصولي ؟ هم لا يريدون أن يقولوا "إسلام"، ونحن نسير خلفهم ونخفي كلمة الإسلام، ولكن نحن مسلمون ولا مناص لنا إلّا أن نعلن إسلامنا ولا نرضى باسم للإسلام الإسلام
"ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله عمل صالحا وقال إنني من المسلمين" [فصلت 33] لابد أن أقولها بأنني من المسلمين بنص صريح من القرآن بأنني من المسلمين.
"ومن يبتغي غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين" [آل عمران 85] "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا" [المائدة 3]
الحقيقة أن كل هم الدول الأخرى والاستعمار الثقافي والتربوي الذي أشار إليه فضيلة الأستاذ الشيخ محمد الغزالي هو إما أن يخرجنا من إسلامنا نهائيا وإما أن يجعلنا صورة زائفة للإسلام، ولعل هذا هو ما نجحا فيه في كثير من الأمور.
وفي الحقيقة أنه قبل الاستعمار أصابنا الخور وأصابنا الضعف وأصابنا الهزال ولو لم يكن ذلك لما استطاع الاستعمار أن يستعمرنا لو لم نكن قد فرطنا من قبل، وقعدنا عن الجهاد، وقعدنا عن الأخذ بالعلوم الدنيوية وقعدنا عن الأخذ بأساليب القوة وقعدنا عن أخلاق الإسلام وفضائل الإسلام، ما استطاع الاستعمار أن يغزونا بعساكره، وان يسطوا علينا، وأن ينهب ثرواتنا، وان يلقي في عقولنا وفي مشاعرنا هذه الشذرات أو هذا البلاء من معتقدات ويتركنا هكذا ضياعا لا صبغة لنا.
فماهو لوننا في العالم ؟ ماهي عقيدتنا ؟ ماهي الأدبيات التي تحكم حياتنا.. العقل.. نعم العقل (على العين والرأس) ولابد أن نعقل.. والعقل أساس التكليف، والله سبحانه تعالى رفع التكلف عمن لا عقل له، والذي يصاب في عقله غير مسؤول، ويرفع عنه القلم، لأن العقل أساس التكليف، وأساس النظر في الأمور والله سبحانه تعالى جعل معجزة خاتم أنبياءه كتاب عقل.. كله محاورة عقلية.. كله منطق.. جادل الناس كلهم في أصل الألوهية.. الاعتقاد.. أصل الخلق.. هل هناك خالق أم لا.. وما شكل هذا الخالق.. له أب، له أم، له ولد، له أخ.. ما صنعته.. ما إمكانياته.. ما شموله ما قدرته.. كل هذا يتعبد به المسلم فيقرأه في صلاته
"أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون" [الطور 35] "إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب" [آل عمران 190] "قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق" [العنكبوت 20]
*د.سمير سرحان: شكرا جزيلا، لقد تجاوزنا الوقت بحوالي دقيقتين، والآن ننتقل إلى الطرف الآخر حيث يتحدث الأستاذ الدكتور محمد خلف الله.
يتبع...
Bookmarks