قد يرى النائم في نومه أحلاماً مزعجة مرعبة مقلقة ، وأخرى سعيدة جميلة مشرقة ، فيستيقظ مرعوباً خائفاً قلقاً أو سعيداً مطمئن البال فرحاً ، فكأن تلك اللحظات التي عاينها في منامه من سرور وحبور ، ويأسٍ وبأس ، قد إستمرت عدداً من الساعات ، وردهاً من الزمن ، ففكرت في هذه الحالات وفي حال أهل الدنيا وما ورثوه فيها من نعيم ورخاء ، وشقاء وإبتلاء ، فشعرت أن اللحظات متساوية ، والأوقات غير مختلفة إلا في عقول أصحابها ، فالجميع في النهاية هالك ، وللدنيا بنعيمها وجحيمها تارك ، فكأن لحظة الموت هي عينها لحظة الإستيقاظ من النوم ، فبإنتهاء النوم وما يحمله من ألم ولذة .. نقبل على حياة مختلفة ونوع آخر فيه نفس تلك اللحظات والخواطر والمشاهدات وهي حياتنا الدنيا ، وبساعة خروج الروح وهلاك البدن نقبل على حياة أكمل وأعظم من الذي شاهدناه في عالم الشهادة .. وهي الإنتقال إلى عالم الغيب والذي لا يعرف حقيقته وكينونته أحد ، ففكرت سريعاً لأعمق الفكرة ، وأوضح العبرة ، أن الحياة الدنيا وإن طالت في نظر من ينظر إليها بعين الوقت ، هي مثل حالة النوم في سرعتها وإنتهائها بالنسبة لما بعدها مما هو آت على كل نفس ، فقلت في نفسي لماذا الملحد الغافل يسلط الأنوار والأضواء على قضية الظلم الواقع في الدنيا ، ويغفل عن حالات الألم والعقاب في النوم ، أليس بعد الإستيقاظ من النوم والإقبال على اليوم الجديد تنسى المصائب التي رآها في منامه ، فلا كأنه أحس بها ولا شعر ، وكذلك هي الحياة الدنيا بسهلها وصعبها ، وألمها ولذتها ، وجميلها وقبيحها ، ما هي إلا ساعة من النهار وإن طالت عند أحبابها وأصحابها ، ثم ما نلبث إلا ونحن نعاين حياة من نوع آخر لم نعهدها من قبل ، فنكون كأننا ما عشنا مع من عاش ، ولا ضحكنا مع من ضحك ، ولا حزنا ولا فرحنا ولا تلذذنا ولا رأينا ، فأين الحسرات وأين المحبوبات وأين تلك المشاعر والعواطف التي مررنا بها ، وفي هذا يقول الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى "يُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُصْبَغُ فِي النَّارِ صَبْغَةً ثُمَّ يُقَالُ: يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لَا وَاللَّهِ يَا رَبِّ وَيُؤْتَى بِأَشَدِّ النَّاسِ بُؤْسًا فِي الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيُصْبَغُ صَبْغَةً فِي الْجَنَّةِ فَيُقَالُ: لَهُ يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ لَا وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا مَرَّ بِي بُؤْسٌ قَطُّ وَلَا رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ ) ..
Bookmarks