"
لا شك أن الكون قد أعدّ لنشأة الحياة , عن طريق ضبط دقيق لقوانينه وثوابته الفزيائية , ولكن ما يبهرني حقاً .. هو أنّ هذا التناغم والتوافق موجود بغزارة تفوق كثيراً القدر المطلوب لنشأة الحياة "
لا يقتصر التناغم والترابط على الأجزاء المعقدّة فقط في هذا الكون ... بلّ في الأشكال البسيطة في حياتنا اليومية وتعاملاتنا ....
فقط قم بالتفكر في كلّ أعضاء جسدك واجهزته ... مروراً بالشواهد الطبيعية اليومية والعادية جداً .... لترى مثالية وتناغم كل شيء مع كل شيء بإبهار وذهول...
ولهذا و بكلّ بساطة ...
كان التناغم والتناسق والترابط في جميع أجزاء الكون معضلة صعبة جداً أمام ( نظرية الصدفة ) المعروفة بتوكيل كلّ شيء إلى المادة والعشوائية التّامة ...
ولكون نظرية الصدفة هيَ الأساس الذي يعتمد عليه الإلحاد في إثبات إدعاءاته... وما تأسست عليه نظرية التطور ... فكان الواجب على العلماء والفلاسفة الملاحدة الردّ على مبدأ التناغم والتناسق في الكونّ بحجّة قوية مقبولة ..
فالتناسق والتناغم مناقض تماماً للعشوائية والفوضوية.. وكلما كان هنالكَ تناغماً وتناسقاً كلما دلّ على وجود
القصد و
الغاية ... بعكس المادية التامة فهي تؤول إلى
الصدفة و
الفوضوية و
العشوائية التّامة ..
لذلك يُـطرح السؤال على أصحاب نظرية الصدفة أو الملاحدة ...
- هل يرجع التوافق بين القوانين والثوابت الفيزيائية ( التناغم ) التي سمحت بظهور الحياة في كوننا .. وبين نشأة ووجود الكائنات الحياة إلى الصدفة ؟
في الحقيقة ... لم يعد أحد من الفيزيائيين
الكبار سواء الملحدين أو المؤمنين يقول بهذا الاحتمال .. فهم لا يتصورون إمكانية حدوث هذا التناغم المثالي والمبهر بهذه الدقة الهائلة في كون واحد عن طريق المصادفة والعشوائية !!
إذًا , ما الحل ؟
طرح العلماء بديلين ...
الأول : القول بمصمم ذكي حكيم قادر خالق نسّق هذا التوافق بإرادته وقدرته ..
وإما الثاني وهو : القول بوجود أكوان متعددة ( Multiverses ) سادت فيها ظروف طبيعية مختلفة وقد حدث أن توافرت في أحد هذه الأكوان ( كوننا )
بالصدفة ...
ومن الطبيعي جداً على المؤمنين إيماناً أعمى بالإلحاد ونظرية الصدفة أنّ يسلكو في البديل الثاني ... فكيف (تبسيطاً) كانت حجتهم في الأكوان المتعددة ؟
ببساطة..
يظنون أنّ بوجود أكوان متعددة إلى ما لا نهاية من التعدد .. وقديمة إلى ما لا نهاية من القدم .. ويتوفر في جميعها الظروف اللازمة والقوانين والثوابت الفيزيائية السائدة في كوكب الأرض وفي كوننا هذا .. سيحتم حتماً حينها وبالصدفة والعشوائية التامة وجود واحد فقط من هذه الأكوان اللانهائية او على الاقل المقدرة بترليونات ترليونات الأكوان وجود كون واحد منهم فقط تصلح فيه الحياة وهو كوننا ..
بغضّ النظر عن صحة نظرية الأكوان المتعددة أو بطلانها ...
ولكن النظرية لم تبرر أبداً التناغم والتناسق العجيب والمثالي في كوننا هذا ... بل صار الاحتمال والصدفة أصعب بازدياد عدد الأكوان فما بالك لو كان العدد لا نهائي ! ...
فمن الطبيعي إن كان لدينا مربع واحد بوسطه رقم ( 1 ) وحتمنا الصدفة والعشوائية باختيار هذا المربع ... ستكون نسبة اختيار المربع المحتوي للرقم ( 1 ) هي 100% ..
اما لو كان هنالك مربعين المربع الأول ( 1 ) والمربع الثاني ( 2 ) ... ستكون نسبة اختيار الرقم ( 1 ) هي 50% ...
وإن كان هنالك 4 مربعات فستكون نسبة اختيار الرقم ( 1 ) 25% ...
بمعنى كلما زاد عدد المربعات كلما انخفضت نسبة اختيار الإحتمال الصحيح !
لكنّ..
كان ردهم أنّ زيادة عدد الأكوان سيكون بمثابة إعادة التجارب الفاشلة والغير ناجحة إلى أنّ تنجح ... وبعدد لا نهائي من التجارب سيكون منها حتماً تجربة ولو واحدة ناجحة .. وهي كوننا الحالي..
ولكنّ هذا التهريج بحدّ ذاته ..بلّ قمة التهريج !!
فهذا الأدعاء أولاً محض
افتراض ..وغريب وساذج بل وخيالي جداً !! . غير انه تهرّب واضح جداً من نظرية التصميم الذكي وتمسّك أعمى ومتعصب بنظرية الصدفة والعشوائية ...
ثانياً .. بغضّ النظر إنّ زادت التجارب أوّ لم تزيد .. احتمالية إنتاج كون فيه جميع احتياجات الحياة بالصدفة ستكون في كلّ مرة =
صفراً !!!
ثالثاً زيادة عدد التجارب ليس بمثابة إعادة الإختبار بعد حفظ نتائجه ... بل الاختبار ذاته في كلّ مرة سيعدّ اختباراً جديداً بمعنى من المحتمل أنّ تكون نتائجه مكررة غير أنّه في كلّ مرة سيكون النجاح مستحيلاً ..
هذا فقط على افتراض أنّ هذه الفرضية صحيحة ! .. واقصد بذلك
فرضية "الاكوان اللانهائية" تحديداً .. وليس
نظرية " الاكوان المتعددة " .
ومن ثمّ في جميع الحالات الصدفة ليست الأقرب للمنطق ابداً .
وفي الوقت ذاته ... كان هذا الأدعاء مدعاة للسخرية من قبل العلماء الفيزيائيين والفلافسة ...
فيقول عالم الفيزياء بول ديفينز :
"
من السهل أن ندعي أننا إذا اعطينا احد الأكوان عمراً أبدياً ( لا بداية له ) فإنه يمكن أن ينشد فيه أي شيء خلال هذه الفترة اللامتناهية الهائلة , إن هذا القول لا يمكن قبوله كتفسير لوجود الحياة في كوننا على الإطلاق "
ويقول :
"
إن مثل هذه المقولات الاعتباطية يمكن أن تستخدم لإثبات أي شيء في أي مجال ... بينما هي في الحقيقة لم تقدم دليلاً واحداً على الإطلاق ... والبرهان العلمي يكون بمثابة طلقة الرصاص . "
ويقول :
"
إن منظور الأكوان المتعددة لا يلغي الاحتياج إلى التدخل الإلهي "
أما الفليسوف الكبير ريتشارد سوينبرن يرد قائلاً :
"
من السفه اللجوء إلى القول بوجود ترليونات من الأكوان التي ترجع إلى ترليونات من السنين لتفسير وجود الظروف الملائمة لنشأة الحياة في كون واحد ... وفي الوقت ذاته يمكن أن يفسر ذلك بقول وجود واحد ( وجود الإله ) "
وعلى ذلك ..
يبقى التناغم بين الجزئيات في هذا الكون واتفاقها مشكلة عويصة لا يستطيع الهروب منها الملحد إلا باللجوء للصدفة .. باجتماع جميع مشاكل المادية الاخرى بمشكلة التناغم ... ( رغم ان التناغم وحده يكفي ) لن يكون للصدفة أي معنى ابداً في الوسط العقلي والعلمي ..
وتبقى نقطتان ينبغي ذكرهما بخصوص التناغم :
الأول : أن القوانين والثوابت الفيزيائية السائدة الآن والتي تسمح باستمرار الحياة , لم تكن لتسمح بنشأة الحياة .. لذلك فإن هذه النشأة احتاجت لظروف وقوانين أخرى .
الثاني : لو تغيرت بعض القوانين والثوابت الفيزيائية السائدة الآن لما قـُــدّر للحياة أن تستمر.
لقد أُحكمت قوانين الطبيعة بحيث تـُـعـِـدّ الكون ليكون جاهزاً لنشأة الحياة البشرية , ثمّ لاستمرارها ..
وما يجّرنا ذلك إلاّ للقول بوجود اللهِ القادر الحكيم .
Bookmarks