قفوا لينصح لكم إبليس!!
ويُصَفِّق موراني!!
ذهب فرعون يقول لقومه: {مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ} [غافر:29].
وكانوا يرون ما لدى فرعون من بهرج زائفٍ، وما يتحلَّى به من دعاوى فارغة، لكنهم لم يدركوا فراغ دعوته بعدُ، ولا استمعوا نصيحة الصادق نبي الله موسى عليه السلام حين أظهر لهم حقيقة فرعون الخاوية، ووهاء دعوته وخطته الفرعونية، فكانوا كما ذكر الله عز وجل عنهم وعن فرعونهم: {وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلاَ تُبْصِرُونَ [51] أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ [52] فَلَوْلاَ أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ المَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ [53] فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ} [الزخرف:51 - 54].
نعم؛ أطاعوه؛ لأنهم يرونه ملكهم وعظيمهم..
وقد اجتهد منذ الصباح في تزوير الحقيقة لهم، وإظهار الباطل بلباس الحق..
ثم هو قدَّمَ لدعوته الفارغة بمقدماتٍ ساعدته في إقامة حجته وإظهار دعوته ولو كانت فارغة!!
وهنا صَفَّقَ الجمهور الأكثر فراغًا من الخطيب!!
دائمًا ما يقول الناس عند وقوع المتشابهات من الأحداث: التاريخ يُعيد نفسَه بنفسِه..
لكن لا زال صديق العمر يقول لي دائمًا: علَّمنا التاريخ أن لا نستفيد من التاريخ!!
وصدَقَ صاحبي!!
نرجع للمستشرق جولدزيهر، ونمر على نولدكه وشفالي وجون جلكورايست ونختم بموراني..
ونسأل: ماذا قَدَّمَ لنا هؤلاء؟
لا شيء سوى الخلط و((عجين الفلاحة))!!
لكن كان لابد من وضع المقدِّمات الطويلة لهم، التي تساعد على ترويجهم في صفوف المسلمين، كأصحاب فكْر أو حمَلَة علمٍ..
ولذا كان لابد من كتبٍ تُكتب، وتُطبع وتُنْشر باسم الدراسات حول الإسلام أو حول القرآن، أو مشاريع مبدعة!! لم تظهر من قبلُ مثل الترتيب الزمني للقرآن الذي أبدعه (ويل) واعتمده (نولدكة) وافتخر به (موراني)!!
ولماذا؟
لتنفذ أقوالهم في صفوف المسلمين، ويُسمع لهم ويطاع!!
وفي هذا الصدد يقول موراني في لقاء شبكة التفسير معه (بعد تعديله ونشره في موقع قدس نت): ((أمَّا Weill فهو مِمَّن قام بوصف تأريخ فجر الإسلام وعصر النبوة وبعده لأول مرةٍ في تاريخ الاستشراق وفقاً لما كان لديه من النصوص العربية وأغلبها من المخطوطات.
كان هذا العمل من الخطوات الأولى في القرن التاسع عشر في الطريق الطويل والشاق للتعرف على الحضارة الإسلامية وعلى تاريخ الشعوب الإسلامية على المستوى الأكاديمي في الجامعات الألمانية. أما كتابا ويل:
Historical-Critical Introduction to the Koran Mohammed the Prophet, his Life and Teaching
فقد كانا وليدي عصره فلا يذكران اليوم في الدراسات الاستشراقية غير أَنَّ هذا المستشرق قد اعتمد في كتابه على مصادر مثل (السيرة الحلبية) و(تأريخ الخميس) وعلى (السيرة النبوية) لابن هشام التي لم تكن مطبوعة في ذلك الوقت اذ نشره المستشرق Wüstenfeld عام 1858 بترجمة Weill إلى الألمانية.
هذا وقد قام Weill بدراسات في السور المكية وبترتيبها ترتيباً تأريخياً حسب نزولها ووفقاً لمضمونها. وقد تبنى نولدكه N?ldeke هذا الترتيب وجعله أساساً لدراساته حول تأريخ القرآن .
واليوم لا يكاد الباحث يجد ذكراً لِما أَلَّفه Weill في هذه الميادين ، في حين ما يزال نولدكه يُعتبَر حتى اليوم من كبار المستشرقين المتخصصين في العلوم القرآنية. ولم يكن اقترابُ نولدكه من القرآن اقتراباً مضاداً للوحي , بل قام بدراسات تحليلية ومنطقية ولغوية للنص نفسه وأشار إلى ما جاء في النص القرآني من المزايا اللغوية والخصائص. كما أشار إلى بعض الظواهر اللغوية التي لا تتماشى –برأيه -مع قواعد اللغة المسلّم بها ؛ نظراً لمعرفتهِ باللغات الساميَّةِ الأُخرى (العِبرْانية , السيريانية , الحبشية ، واليمنية القديمِة). وقد كتب في موضوع الألفاظ المُعرَّبة التي دخلت لغة القرآن ، وما الذي تغيّر معناه من المصطلحات المعرّبة فيه .
إلى جانب كتابه في (تأريخ القرآن) الذي أكملَه تلاميذهُ بعد وفاته.وهناك دراسة له لم تُترجم بعدُ إلى العربيةِ حَسب علمي إلى يومِنا هذا , وهيَ (القرآن والعربية) التي يشرح فيها الأسلوب اللغويَّ للقرآنِ وبلاغتهِ شرحاً دقيقاً.
ونظراً للأَهميَّةِ الكُبرْى لدراسات نولدكه في هذا الميدان العظيم حَولِ لغةِ القرآن وتاريخ توثيقه فإنَّه لم يَزَلْ يحتلُّ محَلاً بارزاً في الدراسات القرآنية في الاستشراق المعاصر.
وأَمَّا بحث Buhl حول تحريف القرآنِ ، فلم أَجدِ المصدرَ المذكور إلى الآن ؛ لأَنَّ ما بأيدينا هو دائرة المعارف الإسلامية الجديدة ، وليس فيها هذا.
أَما المستشرق المجريُّ جولدزيهر Goldziher الذي دَرس في لابزيج وبرلين فإِنَّه اشتهر بعدة دراساتٍ حول العلومِ الإسلامية ،منها كتابه المذكور (اتجاهاتٌ في التفسير الإسلامي) الذي تُرجم إلى اللغةِ العربية فيما بعدُ ، أَمَّا الترجمةُ نفسها ففيها - كما سمعتُ في عدة مناسباتٍ - أخطاءٌ كثيرةٌ تعودُ إلى عدم فهم النص ، حتى العنوان لا يتمشى مع المقصود ؛ لأَنَّ جولدزيهير لم يتحدث عن مذاهب في التفسير , بل عن اتجاهات فكرية (=Tendencies) .
لأولِ مرةٍ في تأريخ الاستشراق أبرزَ هذا المستشرقُ الاتجاهاتِ المختلفةَ حسب التيارات الفكرية والسياسيةِ لدى المفسرين عبرَ العُصور التي عاشوا فيها ، وكان اقترابهُ من القرآنِ ، ومنهجُه في البحثِ غَير اقترابِ نولدكه منه ، إذ هذا الأخيرُ تناولَ النصَّ مِن وجهةِ نظرِ اللغويين ، أَمَّا جولدزيهير فرَكَّزَ في أبحاثهِ حول القرآن والحديثِ على الأفكارِ المرويةِ في كتب القدماءِ ، وأَبرزَ منها تفسيرَ الطبريِّ ، واعتبره أعظمَ كتبِ التفسيرِ ، وأَهمها في التراث الإسلامى مُشيراً إلى أهميةِ منهجيةِ مُؤلفهِ ، الذي أَلَّف هذا الكتابَ تفسيراً بالمأثورِ ، وجمَع فيه عِدة رواياتٍ لتفسير آيةٍ واحدةٍ. فلذلك كان كتابه حول اتجاهات التفسير مِنْ أَهَمِّ المصادرِ ، ونقطةَ الانطلاق لطلبة العلم في دراساتهم القرآنية)) انتهت القصة بحذافيرها كما يحكيها المستشرق الألماني د.موراني.
فانظر أيها القارئ الكريم إلى تلك المقدِّمات الطويلة لهؤلاء جميعًا، والتي تُرَسِّخ في أذهان الناس أنهم حملة علم، ورجال حضارة..
وبعد هذه المقدمات الطويلة لن يبحث أحدٌ خلفهم لينظر هل رتب (ويل) القرآن ترتيبًا زمنيًا من عندياته؟ أم أنه سرقه من ابن شهاب الزهري الإمام المسلم رحمة الله عليه؟ وابن شهاب هو فارس هذا الميدان، وقد طُبِع كتابه؟!
كما لن يقارن أحدٌ بعد هذه المقدمات الطويلة بين ما ذكره ابن شهاب، وما ذكره هذا الـ (ويل)، واعتمده الـ (نولدكه)، وافتخر به الـ (موراني)، لينظر ما سرقوه من ابن شهاب الزهري كعادة المستشرقين في سرقة كلام المسلمين ونِسْبَتِه لأنفسهم، كما ينظر فيما زادوه على ابن شهاب، وحقيقة ذلك وفائدته؟!
كما لن يبحث أحدٌ عن غايتهم من هذه الدراسة المبنية على الترتيب الزمني للقرآن؟ هل تقوم على الاستفادة من معرفة زمن النزول في الناسخ والمنسوخ مثلا كما هو عند علماء المسلمين؟ أم أن الغاية من الترتيب الزمني للقرآن عند المستشرقين تنطلق من زاوية اعتقاد أن الترتيب الحالي للمصحف ليس توقيفيًّا، أو ليس وحيًا، وأنه بالإمكان تغييره ولو جزئيًّا على حدِّ عباراتهم السقيمة؟!!
كما لن يبحث أحد في دراسات نولدكه صاحبة الأهمية الكبرى في نظر د.موراني المصَفِّق لها، في الوقت الذي يقول نولدكه نفسه عن كتابه عن القرآن بأنه اشتمل على (حماقات صبيانية)!! ويتكلم عن الضعف وعدم التحرير في المادة، وأشياء عديدة جعلتْ بعض الكُتَّاب يرى أن نولدكه يتبرَّأ من كتابه صاحب (الأهمية الكبرى) في نظر د.موراني؟!!
لكن لا بأس أن تكون الحماقات الصبيانية في نظر مؤلفها نولدكه لها (أهمية كبرى) في نظر د.موراني!! لأن د.موراني يظن أن أحدًا من الناس لن يقرأ، ولن يُتابع ولن يفتِّش، على حدِّ ما روَّجَ لهم إعلامهم أن العرب لا يقرأون، وكذب إعلامهم!
لقد ظن إبليس أن أحدًا من الناس لن يبحث خلف أعوانه بعد هذه المقدمات الطويلة التي روَّج بها لهم، أو أُتِيحت لهم..
هكذا ظن إبليس الأول، وهكذا افتخرتْ به سراياه وأتباعه!
ولابد هنا من رصد ملاحظة مهمة جدًا، وهي أنه يستحيل في عقلِ القارئ قط أن يصدق أن إبليس وأعوانه قد كتبوا وفعلوا كل هذا المنشور لهم ولم تقع أعينهم على كلمة حقٍّ هنا أو هناك تخالف ما كتبوه!!
فلماذا أخفوها؟
ولماذا لم يظهروا الحق؟
ولماذا تتابع هؤلاء على العناية بالقرآن خاصة؟
بل ومن زاوية الثبوت خاصة؟
ونحن نرى كلامهم حول مخطوطات المصحف، أو تاريخ القرآن، أو تدوين القرآن...إلخ.
فلماذا تتابعوا على الكلام في جهة الثبوت خاصة دون غيرها من الجهات؟
نعم؛ تكلموا عن بعض القضايا الأخرى التي لا تتصل بإسناد ومخطوطات المصحف من باب إخفاء الغرض الأساسي لهم لا أكثر!
هنا لا يقولنَّ قائلٌ: لم يروا هذه الأبحاث المخالفة لأقوالهم، أو أنهم جهلة لم يفهموها..
ومع هذا نقول: لا بأس أن يعترف موراني وأمثاله بجهلهم العريض فهو أخف الأمرين بالنسبة لهم!!
فإما الجهل، وإما التزوير والتزييف للحقائق وقصد التشكيك للمسلمين في دينهم..
وبعبارة أخرى وجيزة: إما أن تكون جاهلاً أو تكون مبشِّرًا نصرانيًا يغرق في سلك المشككين للمسلمين في دينهم!! بكل ما يحمله ذلك من خيانةٍ للبحث العلمي ولشرف ومصداقية الكلمة!!
وقد سبق إثبات الثاني بدلائله بحمد الله تعالى..
حتى لا يقولنَّ قائلٌ: فعل المستشرقون وفعلوا لأجل هذا الدين ولأجل التراث!!
كلا؛ بل فعلوا بحثًا عن الشُّبَه والمواطن التي يمكنهم من خلالها التشكيك في ثوابت الإسلام!!
كلا؛ بل فعلوا ليقدِّموا الإسلام لأقوامهم من يهود ونصارى وغيرهم مشوَّهًا محكومًا عليه بالرفض والإعدام، ليصرفوا شعوبهم عن الإيمان، وليقفوا دون دخول شعوبهم في الإسلام إذا رأوه على حقيقته الطاهرة الصافية النَّقِيَّة!!
وانظر إلى خياناتهم المتكررة للبحث العلمي والتراث في الوقت الذي يتشدقون فيه بحفظ التراث؟!!
فانظر مثلاً في كتاب (المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي) وكيف حذفوا منه عمدًا أحاديث الجهاد مثلا؟!!
فهل هذه هي أمانة وشرف ومصداقية الكلمة التي يريدونها للقراء؟
ومن تلك الخطط الإبليسية التي استخدمها هؤلاء: صرف النقاش إلى غير ساحته اللائقة به!! وبعبارة أخرى: اختراع قضايا وهمية لا توجد ثم إثارة الزوابع حولها وصرف المسلمين للمحاورة فيها بعيدًا عن الهدف الأساسي لهؤلاء الجواسيس!!
ولا تستغرب أيها القارئ الكريم من وصفهم بالجاسوسية، فهذا ملفٌ آخر سيأتي فتحه بدلائله بإذن الله تعالى في مناسبة أخرى..
والمهم لنا هنا هو التنبيه على اختراعهم لقضايا وهمية ثم صرف النقاش إليها للتعمية على الغرض الأساسي..
وفي قضيتنا القائمة الآن مع د.موراني مثال حيٌّ لهذا..
حيث تكلم الرجل على مخطوطات المصحف، ووجه سهام الإهانة للقرآن الكريم من هذه الزاوية، علمًا بأن الأصل في نقل القرآن السماع والحفظ لا الكتابة والمصاحف..
وقد مضى بيانه، ويأتي ما يؤكده أيضًا في وقتٍ لاحقٍ إن شاء الله تعالى..
لكن أراد موراني أن ينقل حلبة النقاش إلى قضية مخطوطات المصحف؛ لأن المنتصر فيها مهزوم ولاشك.
نعم؛ المنتصر في حلبة المخطوطات مهزومٌ؛ ولذا يريد أن ينقلنا إلى هناك، ليصرفنا عن القضية الأصل في نقل القرآن: ((السماع والحفظ لا الكتابة والمصاحف))!!
ويستحيل في عقلٍ يعي شيئًا من نور الفهم أن يصدق جهل د.موراني بهذه القضية، في الوقت الذي حقق فيه بعض كتب التفسير، بما يستلزمه ذلك من الاطلاع على كتب التفسير والقراءات التي كَثُرَ فيها الكلام عن اعتماد السماع والحفظ في نقل القرآن بدلا من الكتابة والمصاحف!!
وانظروا أيها القراء الكرام كيف أفزعه الكلام عن هذه القضية فجاء محاولا التشكيك والتشويش، فردد لنا كلمته المشهورة: (هراء) وبذل لنا شيئًا من معهود لسانه، ثم انصرف؟!!
ألأنها ستهدم له تعب السنين وسفر الأيام والليالي بحثًا عن مُؤَكِّدٍ لشُبْهَة أسلافه القائمة على قضية المخطوطات؟!
أم لأنها ستهدم عشرات السنين منذ أن بدأت شُبهتهم وإلى الآن؟
نعم يمكنك أيها القارئ المسلم الكريم أن تقول لكافة المواقع التي على الشبكة، ولكافة المستشرقين قديمًا وحديثًا، ممن قاموا وناموا على رعاية شبهة الدراسة المقارنة بين الأصول الخطية للمصحف، بغرض ((تحقيق القرآن))!! يمكنك أيها المسلم الكريم أن تقول لهم جميعًا: ((الأصل في نقل القرآن على السماع والحفظ لا على الكتابة والمصاحف))، فتهدم لهم سنين التعب والكد والبحث عن الشُّبْهَة ورعايتها حتى استفحلتْ!!
نعم تهدمها وأنت تحتسي كوبًا من الشاي، غير مكترثٍ بما يقولونه، ولا ما يفصلونه في شُبْهتهم البالية!!
فإن أصروا على مضايقتك، فأنتَ تعرف ما يمكنك فعله بهم بعد ذلك!!
ولا حرج علينا حين نكرر قول الأستاذ سيد قطب رحمة الله عليه حين قال: ((ألا مَن للأقزام بِمَنْ يقنعهم أنهم ليسوا بعدُ إلا الأقزام))!!
Bookmarks