صفحة 3 من 4 الأولىالأولى 1234 الأخيرةالأخيرة
النتائج 31 إلى 45 من 58

الموضوع: الفلسفة المادية وتفكيك الإنسان

  1. #31
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    الدولة
    الاردن
    المشاركات
    150
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي الشرح و التفسير

    -الشرح والتفسير

    انطلاقا من ثنائية الإنسان والطبيعة يتم التمييز بين الشرح والتفسير (بالألمانية :فرشتيهنverstehen) وكلمة يشرح أصبحت تعني بشكل كامل أو يزيل اللبس تماما . بل وأصبحت لها أبعاد تفكيكية، فهي تعني تعريف أسباب الظاهرة وردها إلى مبدأ عام واحد أو عدة مبادئ .كما أنها قد تعني يفضح أو ينزع السر عن. وهذه الأبعاد ليست واضحة في اللغة العربية بالقدر الكافي ، إلا أنها أكثر وضوحا في اللغة الانجليزية فكلمة يشرح باللغة الانجليزية هي اكسبلين explain من الفعل اللاتيني اكسبلاناري explanare بمعني يُسطح الشئ أو يسويه أو يجعله مستويا (كلمة بلينplane الانجليزية تعني السطح المستوي) هذا على عكس فعل انتربريت (من الفعل اللاتيني انتربريتاريinterpretari وهو يعني يفاوض) ففعل انتربريت يعني يبرر أو يقوم بدور المترجم ومن الواضح أن كلمة يشرح تدور في إطار المرجعية الموضوعية:يسطح ويسوي حتى يستوي مع معيارية برانية أما كلمة يُفسّر فهي لا تنفي الأبعاد الذاتية الاجتهادية لعملية الإدراك. وهذا التدخل بين التفسير (بمعنى الاجتهاد في فهم الظاهرة وجعلها مفهومة إلى حد ما من خلال التعاطف معها وفهمها أو تفهمها من الداخل ) والشرح بمعنى إدخال الظاهرة في شبكة السببية الصلبة المطلقة والقوانين الطبيعية وكشف العلاقة الموضوعية بين السبب والنتيجة ) يعود إلى أن العلوم الطبيعية والرياضة بنماذجها العقلانية الموضوعية المادية تلقي بظلالها الكثيفة على العلوم الانسانية .فالاستنباط (العقلاني) هو منهج العلوم الرياضية والاستقراء (التجريبي) هو منهج العلوم الطبيعية وكلاهما يحاول أن يصل إلى درجة عالية من الدقة والعمومية في نتائجه ومن ثم يحاول بعض علماء الدراسات الانسانية تبني المناهج السائدة في العلوم الطبيعية والرياضية (العلوم الدقيقة) ويحاولون تفسير الظواهر الاجتماعية والانسانية تمام مثلما تفسر الظواهر الطبيعية بطريقة كمي فيتبنون نماذج رصد موضوعية عقلانية مادية ،تُسقط الأبعاد الجوانية والخاصة والكيفية للظاهرة الإنسانية ،وتهمل الدوافع والوعي وتُزال كل المسافات والثغرات والثنائيات والخصوصيات ،حتى نصل إلى مايُتصور أنه التفسير الموضوعي الكامل أو شبه الكامل للظاهرة ،أي إن دراسة سلوك الإنسان لايختلف عن دراسة سلوك اليرقات فكلاهما يُدرس من خلال سلوكه البراني وحركته الخاصة (ومع هذا ينبغي الاشارة إلى ان العلوم الطبيعية نفسها قد انسلخت عن هذه الرؤية وأصبحت أكثر احتمالية في رؤيتها أنها أخذت بالتدريج تكون لنفسها عالما خاصا بها مؤلفا من كيانات عقلية ورياضية لاتستطيع أن تجد بها وجودا في عالم الظواهر،ويبدو أن الفرض العلمي ، الذي كان يمثل الخطوة الثانية التي تلي خطوة الملاحظة والتجربة والذي كان يشير إلى إلى مدركات حسية أصبح في المنهج العلمي المعاصر فرضا صوريا لايشير إلى مدركات حسية ويأتي سابقا على الملاحظة والتجربة لكن الفرض العلمي لم يعد تعميقا لوقائع تجريبية –كما كان شائعا في الماضي_ وإنما هو نتاج العبقرية العلمية الخلاقة التي تأتي به بأي طريقة أو بأي منهج , وما يهم في الفرض العلمي مدى مقدرته على أن تجعل هذا العالم مفهوما ومعقولا أي أن الحاجة إلى حقائق صلبة أو سببي صلبة لم تعد موجودة) .

    وفي العالم الغربي ،اكتشف كثير من العلماء سذاجة ،بل وتفاهة ،الرؤية التجريبية والوضعية (الموضوعية /المادية) التي تصر على الحقائق الصلبة وعلى السببية الصلبة والمطلقة، والتي ذهبت إلى أن قوانين التاريخ والمجتمع الإنسانيين تشبه قوانين الطبيعة (بالمعنى الساذج لفكرة القانون العلمي ) وحاولت اكتشاف هذه القوانين وصياغتها بطريقة "علمية" دقيقة كمية،واصر هؤلاء العلماء الذين رفضوا مثل هذه الرؤية الساذجة على ضرورة التمييز بين العلوم الإنسانية والعلوم الطبيعية وعلى ضرورة رفض فكرةوحدة العلوم وواحديتها , ومن مظاهر هذه الثورة محاولة التمييز بين الشرح من جهة والفهم (بمعنى التفهم والتفسير الاجتهادي ) من جهة أخرى .

    و قد بدأ إستخدام الفعل الإلماني فرشتين (Verstehen) بمعنى يفهم أو يتفهم في مقابل إركليرين (Erklaren) بمعنى يشرح من خلال ملاحظة الحوادث وربطها بالحوادث الأخرى حسب قوانين الطبيعية, و ذلك لوصف عملية فهم السلوك الإنساني المركب من خلال التعاطف و إدراك الدوافع الإنسانية ( في مقابل شرح الأسباب ). و قد استخدام هذا المصطلح كلٌّ من فلهلم ديلتاي, وجورج زيميل , و كارل ياسبرز , و ماكس فايبر و آخرون, و قال ياسبرز : (( إن الحياة النفسية الإنسانية لا يمكن دراستها من الخارج , كما أن الحقائق الطبيعية لا يمكن دراستها من الداخل , الأولى يمكن فهمها من خلال النفاذ النفسي , أما الثانية فيمكن شرحها من خلال دراسة العلاقة الموضوعية المادية)).

    و قارن ياسبرز بين دراسة حجر يسقط من عل (من جهة) و دراسة علاقة تحارب الإنسان في طفولته ببعض الأمراض النفسية في شبابه و شيخوخته (من جهة أخرى ) , فالأول لا يمكن أن نراه إلا بشكل براني ( في إطار قانون الجاذبية ) , أما الثاني فيتطلب عمليات فكرية و عقلية أكثر تركيباً .
    و لكن المصطلح أساساً ارتبط باسم ماكس فيبر , فقد بين فيبر الفرق بين الرصد الموضوعي المتلقي المادي و علميات التفسير الإجتهادية حين قال :إن دراسة حظيرة دجاج أمر جدُّ مختلف عن دراسة المجتمع الإنساني فعلم اجتماع الدجاج لن يدرس سوى أنماط سلوكية متكررة من الخارج يمكن فهمها في إطار المثير المادي و الاستجابة السلوكية, و نحن لا نعرف شيئاً عن العالم الجواني للدجاج و عواطفه و افكاره و تأملاته إن كان هناك مثل هذا العالم , أما في حالة المجتمع الإنساني , فنحن مزودون بدقر كبير من المعرفة عن العالم الجواني للإنسان ( نتوصل اليه من خلال مغرقتنا لذواتنا و من خلال ألفتنا للطبيعة البشرية )وعن الدوافع الداخلية المركبة و علام المعنى الذي ينبع منه السلوك الإنساني.

    و لذا إذا كان من الممكن شرح سلوك الدجاج في إطار شبكة السببية الصلبة المطلقة , ومن خلال الملاحظة البرانية المباشرة , فلن يكون هذا كافياً بالنسبة للبشر , و المحاولة الوضعية السلوكية لوصف عالم الإنسان من خلال سلوكه البراني محكوم عليها بالفشل و محكوم عليها بإن تظل سطحية تافهة , فهي بإصرارها على ضرورة الشرح البراني الموضوعي ستستبعد قضايا إنسانية أساسية مثل انشغال الإنسان بمصيره و تجربته في الكون و إحساسه بالاغتراب ,و لكن هذا لا يعني أن السلوك الإنساني لا يخضع لأية سببية , وإنما يعني أن الرصد البراني لا يكفي , و المطلوب هو عملية تفسير من خلال الفهم العميق و التعاطف المستمر و الإدراك المبدع لتركيبية الدوافع الإنسانية و غموضها .

  2. #32
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    1,421
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    حفظك الله يا شيخ عمار حبيب القلوب بإذن الله ...
    واللهِ لَوْ عَلِمُوا قَبِيحَ سَرِيرَتِي....لأَبَى السَّلاَمَ عَلَيَّ مَنْ يَلْقَانِي
    وَلأَعْرضُوا عَنِّي وَمَلُّوا صُحْبَتِي....وَلَبُؤْتُ بَعْدَ كَرَامَةٍ بِهَوَانِ
    لَكِنْ سَتَرْتَ مَعَايِبِي وَمَثَالِبِي....وَحَلِمْتَ عَنْ سَقَطِي وَعَنْ طُغْيَاني
    فَلَكَ الَمحَامِدُ وَالمَدَائِحُ كُلُّهَا....بِخَوَاطِرِي وَجَوَارِحِي وَلِسَانِي
    وَلَقَدْ مَنَنْتَ عَلَيَّ رَبِّ بِأَنْعُمٍ....مَا لِي بِشُكرِ أَقَلِّهِنَّ يَدَانِ

  3. #33
    تاريخ التسجيل
    Jan 2009
    الدولة
    المغرب
    المشاركات
    613
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    فشل النموذج المادي في تفسير ظاهرة الإنسان

    تؤكد العقلانية المادية عناصر التجانس و التكرار و الكم و السببية و الآلية، و لذا فهي تتسم بمقدرة عالية نوعا على رصد حركة الأشياء و دراستها، فالعقلانية المادية تتحرك في إطار الواحدية المادية التي تخضع لها الأشياء، أما الإنسان فهو ظاهرة تتجاوز حدود الواحدية المادية. و لذا فإن سلوكه، سواء في نبله أو وضعته، في بطولته أو خساسته، ليس ظاهرة مادية محضة، و إنما ظاهرة مركبة لأقصى حد :
    1- فعقل الإنسان له مقدرات تتحدى النموذج التفسيري المادي، حتى إننا نجد عالما مثل تشومسكي ينكر تماما أن عقل الإنسان مجرد صفحة بيضاء سلبية (و هو الافتراض الوحيد المتاح أمام الماديين) و إنما هو عقل نشط يحوي أفكارا كامنة فطرية.
    و لذا نجد أن تشومسكي يتحدث عن معجزة اللغة باعتبارها ظاهرة لا يمكن تفسيرها في إطار مادي، و إنما في إطار نموذج توليدي يفترض كمون المقدرة اللغوية في عقل الطفل و هذا الكمون يعني أن العقل ليس مجرد المخ –مجموعة من الخلايا و الأنزيمات.
    و جان بياجيه يقدم رؤية توليدية لتطور الإنسان و تطور إحساسه بالزمان و المكان. و تزايد الاعتماد على النماذج التوليدية، في مقابل النماذج التراكمية، و هو دليل على تراجع النموذج المادي.
    2- نأتي إلى مشكلة الفكر. يدعي الماديون أن الفكر صورة من صور المادة أو آثار من آثارها (فالعقل صفحة بيضاء تتراكم عليها المعطيات الحسية و تتحول إلى أفكار كلية بطريقة آلية). و هي مقولة قد تبدو معقولة. و لكن تخلق من المشاكل أكثر مما تحل. و السؤال هو : لماذا يأخذ الفكر هذه الصورة بالذات؟ و لماذا تختلف أفكار شخص عن أفكار شخص آخر يعيش في الظروف نفسها؟ و هل الأفكار عصارات و أنزيمات تتحرك أم أنها شيء آخر؟ و ما علاقة المؤثر المادي بالاستجابة الفكرية أو العاطفية؟ و لنأخذ فكرة مثال السببية. المعطيات الحسية المادية غير مترابطة و لا علاقة لها بأي كليات. و مع هذا، يدرك العقل الواقع لا كواقع متناثرة و إنما كجزيئات تنضوي تحت كل متكامل، و لا يمكن أن يتم الإدراك إلا بهذه الطريقة. و لذا نجد الماديين (في عصر ما بعد الحداثة) ينكرون تماما فكرة الكل، و يعلن نيتشه موت الإله الذي يعني في الواقع نهاية الكل. و هجوم الماديين و الطبيعيين على الكل أمر طبيعي، ففكرة الكل تذكرنا بمعجزة الإنسان الذي يتجاوز النظام الطبيعي و حركة الأنزيمات و الذرات و الأرقام. ومن ثم، فإنها تخلق ثنائية راديكالية تستدعي مرجعية متجاوزة للنظام الطبيعي و هي الإله. فالكل يؤكد تجاوز الإنسان، و تجاوز الإنسان يؤكد وجود الإله كمقولة تفسيرية معقولة. و لذا لابد و أن تهاجم هذه الفلسفة فكرة الحل حتى يعود الإنسان إلى الطبيعة و يُستوعب فيها. و هكذا بدأت المادية بمحاولة تحطيم خرافة الميتافيزيقا، و انتهت بالهجوم على فكرة الحقيقة ذاتها.
    3- و هناك أخيرا حس الإنسان الخلقي و الديني، و حسه الجمالي، و قلقه، و تساؤله عن الأسئلة النهائية الكبرى، و هي أحاسيس لا يمكن تفسيرها على أساس مادي، فهو أمر أكثر صعوبة من تفسير وجود الأفكار. و كما ينتهي الفكر المادي بإنكار الفكر و الكل، فهو ينكر الحس الخلقي و الجمالي و يسقط الأسئلة النهائية. فعبارات مثل القتل شر و هذه اللوحة جميلة و قلق الإنسان بخصوص مصيره في الكون لا معنى لها من منظور مادي، تماما مثل عبارة الله رحيم أو الله موجود، فكلها عبارات لا يمكن إثباتها أو دحضها من خلال المنهج العلمي المادي.

    4- و الفلسفات المادية تدور في إطار المرجعية المادية، و لذا فإنها ترسم صورة واحدية للإنسان، إما باعتباره شخصية صراعية دموية قادر على خرق كل الحدود و على إعلاء إرادته و توظيف قوانين الحركة لحسابه، أو باعتباره شخصية قادرة على التكيف مع الواقع و الخضوع لقوانين الحركة. و هذه صورة مستقطبة غير حقيقية :
    أ) فالصورة الأولى تفشل في رصد تلك الجوانب النبيلة في الإنسان مثل مقدرته على التضحية بنفسه من أجل وطنه أو من أجل أبيه أو أمه، و مقدرته على ضبط نفسه من أجل مثل عليا.
    ب) الصورة الثانية تؤكد أن الإنسان غير قادر على الثورة و التجاوز. و بالفعل، يلاحظ في العصر الحديث هيمنة نظم سياسية تسيطر عليها رؤى تكنوقراطية محافظة. و مع هذا، لم تنجح المادية تماما في قمع الإنسان و تسويته بالأمر الواقع. فالإنسان لا يزال غير راض، قلقا إن لم يعبر قلقه عن نفسه من خلال الثورة الناضجة فهو يعبر عن القلق نفسه بأشكال مرضية.
    5- المادية تفشل في تفسير إصرار الإنسان على أن يجد معنى في الكون و مركزا له، و حينما لا يجد معنى له فإنه لا يستمر في الإنتاج المادي مثل الحيوان الأعجم، و إنما يتفسخ و يصبح عدميا و يتعاطى المخدرات و ينتحر و يرتكب الجرائم دون سبب مادي واضح. و قضية المعنى تزداد حدة مع تزايد إشباع الجانب المادي في الإنسان، فكأن إنسانية الإنسان لصيقة بشيء آخر غير مادي. و البحث عن المعنى قد عبر عن نفسه على هيأة فنون و عقائد. و كما يقول علي عزت بيجوفيتش فإن (الدين و الفن مرتبطان بالإنسان منذ أن وجد على وجه الأرض، أما العلم المادي فهو حديث، و فشل العلم المادي الذي يدور في إطار نماذج مادية في تفسير الإنسان و في التحكم فيه هو دليل فشله في إدراك الظاهرة الإنسانية و إدراك أن الحلول التي يأتي بها ناقصة).
    يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيم

  4. #34
    تاريخ التسجيل
    Jun 2010
    الدولة
    بلاد الله
    المشاركات
    376
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    - المساواة والتسوية

    إذا تم رصد الإنسان بشكل موضوعي ، طبيعى/ مادي، في إطار المرجعية المادية الكامنة فإنه سيتم إستبعاد مفهوم الإنسانية المشتركة والجوهر الإنساني ، وهى أمور متجاوزة لعالم المادة . وبدلاً من ذلك سيقوم الراصد العلمى بما يلي :

    أ) سيتم رصد الفروق المادية بين الشعوب والأفراد بكل دقة وعناية ، كما سيتم تسجيل الاختلافات فى الذكاء والمقدرة العضلية بكل دقة وعناية ، كما سيتم تسجيل الأختلافات فى الذكاء والمقدرة العضلية والفروق الناجمة غن الأختلافات فى البيئة ، وسيتم كذلك تسجيل الأختلافات التشريحية بين الرجل والمرأة ، وبين الأقوياء والضعفاء ، وهذا تعبير عن النزعة نحو تأليه الكون فى النظم المادية . ولذا ليس من قبيل الصدفة أن عنصرية التفاوت الغربية ، بما فى ذلك النازية والصهيونية ، أستندت إلى نظريات مادية عن الأختلافات بين الشعوب ، وتم استبعاد الشعوب وإبادة الملايين وتدمير المعمورة باسم هذه المنظومة العلمية التى لا تعرف الرحمة أو التراحم ، ولا تعرف الضحك أو البكاء ولا الخير أو الشر ، فهى لا تعرف سوى القوة والعنف والبقاء والهلاك . وهذه هى عنصرية التفاوت وعدم المساواة .

    ب) يمكن للرصد العلمى أن يتجاهل كل هذه الفروق ويركز على الصفات المادية المشتركة بين كل البشر ووظائفهم البيولوجية ( التعبير عن النزعة نحو إنكار الكون ). ولكن هذه الصفات المادية العامة المشتركة بين البشر هى ذاتها الصفات التى ترباط بين البشر والقردة العليا ، على سبيل المثال ، وتسوي بينهم، وهذه عنصرية التسوية . فالرؤية المادية العلمية لا ترصد سوى الاختلافات المادية الواضحة أو الصفات العامة المادية المشتركة ، أى إنها رؤية تتأرجح وبحدة بين التفتت الذرى والوحدة الكونية العضوية . وفى كلتا الحالتين ، يتم استبعاد مفهوم الإنسانية المشتركة . وعنصرية التفاوت وعدم المساواة أمر معروف لدينا ، تم دراسته وتمحيصه ، ولكن عنصرية التسوية هى أمر جديد تماماً ، فهى عنصرية ما بعد الحداثة ، وهذا ما سنركز عليه فى بقية هذا الجزء .
    أما المساواة ، فهى أن يتعادل شىء ما وآخر فى ((بعض)) الوجوه وحسب ، أما التسوية فهى إحداث التساوى بين شيئين فى ((كل)) الوجوه . والمساواة بين البشر هى مساواة بينهم فى الأساسيات الإنسانية ، أي فيما يميز الإنسان كإنسان ، أما التسوية فهي تسوية بين كل المخلوقات ، البشر والحيوانات والجمادات ، فى كل هذه الوجوه تقريباً . وكل من المساواة والتسوية نتاج عملية تجريدية ، ولكن المساواة تتم فى إطار المرجعية المتجاوزة والإيمان بأن الإنسان مقولة مستقلة عن عالم الطبيعة / المادة برغم من وجوده فيها . ولذا فإن التجريد يأخذ شكل نزع السمات الشخصية والفردية عن البشر بحيث تظهر السمات التي تميزهم بوصفهم بشراً ، والحدود التى تفصلهم عن بقية الكائنات فتتضح تركيبة الإنسان وتميزه عن عالم الطبيعة / المادة . أما التسوية ، فهى عملية تتم فى إطار الطبيعة / المادة ، فيتم نزع كل السمات غير المادية عن الإنسان لتظهر السمات المادية المشتركة بينه وبين بقية الكائنات، ومن ثم تنزع عن الإنسان كل قداسة وخصوصية ومركزية وتركيبية ، وتسقط حدوده الإنسانية ، ليصبح الإنسان مجرد مادة ، شيئاً بين الأشياء يتساوى معها ويُسوَّى بها.
    والمساواة ، لهذا السبب ، مفهوم إنسانى أخلاقى دينى يستند إلى اساس غير مادي ، مرجعية متجاوزة ، أما ما يسمى بالمساواة فى العصر الحديث ، فهو فى واقع الأمر تسوية ، تتم فى إطار مرجعية مادية كامنة، أي إنها عملية تفكيك للإنسان وتدمير وتقويض له بوصفه كياناً مستقلاً عن الطبيعة /المادة. وقد تتم مساواة الإنسان بالإنسان الآخر ، ولكن تتسم تسويتهما بالإنسان الطبيعي المادي الذى يتساوى فى كل الوجوه مع الكائنات الطبيعية الأخرى.
    وفى تصورنا ، فإن مفهوم المساواة فى الغرب كان يدور فى إطار المرجعية المتجاوزة ، وكان ترحمته علمانية ، واعية أو غير واعية ، للفكرة التوحيدية المتمثلة فى قصة الخلق : خلق الله آدم ، ونفخ فيه من روحه ، وعلمه الأسماء كلها ، وقد جئنا كلنا من صلب آدم. فثمة مساواة مبدئية بين البشر فى الأساسيات الإنسانية ، أي فيما يميزهم بشراً ، فى جوهرهم الإنسانى الذي يفصلهم عن عالم الطبيعة/ المادة. وتتحقق إنسانية الإنسان بمقدار تجاوزه لكثير من دوافعه الطبيعية والمادية ، وبمقدار إعلائه لهذه الدوافع وتعبيره عنها من خلال أشكال إنسانية متميزة عن الأشكال الطبيعية المتاحة للحيوانات ، إذ ثمة أختلاف بينه وبين الطبيعة /المادة بسبب الثغرة أو المسافة التى تفصل بينهما. وفى هذا الإطار ، تصبح المساواة شكلاً من أشكال تحقيق الإنسانية وتحقق جوهر الإنسان ، فهي شكل من أشكال الاجتماع البشري وتحقيق لقيمة مطلقة متجاوزة للمادة والطبيعة ، بل ومتجاوزة لدوافع الإنسان المادية والجسدية ، أي تجاوز لما يسمى الإنسان الطبيعى (المادي) واقتراب لما يمكن أن نسميه الإنسان الرباني الذي يحوي داخله عناصر لا يمكن ردها إلى النظام الطبيعى ، أو لما يمكن أن نسميه الإنسان فى المنظور الهيومانى والذي لا يمكن أن يُرد إلى الطبيعة /المادة.

    ولو قلنا : ((كلكم لآدم وآدم من تراب)) في إطار المرجعية المتجاوزة ، فإن آدم هنا يحوى داخله قبساً من الله سبحانه وتعالى تجعله مستخلفاً فى الأرض، أو يحوى داخله ذاته التى ترفض الإذعان للمادة ، وبذا يصبح كائناً حراً مسؤولاً عن أفعاله ، له هوية مستقلة ، وإرادة مستقلة ، ومقدرة على إدراك الخير والشر وما ينفع وما يضر ، ولا يمكن تفكيكه أو تقويضه . أما إذا قلنا العبارة نفسها في إطار المرجعية الماادية الكامنة ، فإننا نرى آدم هو تراب وحسب ، ويمكن أن يُردَّ أما للتراب فيسوى بالطبيعة /المادة، فهو الإنسان الطبيعى الذي يمكن تفكيكه وتقويضه ورده إلى الطبيعة/ المادة ولا وجود مستقل له عنها ، تسري عليه القوانين الطبيعية سريانها على القرود والفراش والأشجار. ولذا فإن التسوية تعنى اقتراباً متزايداً من حالة الطبيعة وتشكل هجوماً شرساً على الطبيعة البشرية وعلى كل المعايير أو الموازين التي تفترض وجود مرجعية إنسانية متجاوزة ، كما تأخذ شكل الابتعاد المتزايد عن الحالة الإنسانية والجوهر الإنسانى والاقتراب المتزايد من الفكرة المادية الطبيعية . فالتسوية لا تتم من خلال اقتراب البشر من خصوصيتهم الإنسانية وإنما تكمن فى مقدار تخليهم عن هذه الخصوصية وذوبانهم فى عالم الطبيعة العام حتى يصبح الإنسان إنساناً طبيعياً ، ثم يتطور هذا الإنسان ويزداد تخليه عن أي خصوصية إلى أن يصبح طبيعة/مادة محضاً ، خاضعاً تماماً لقوانين الحركة. ويلاحظ أن الحركة هنا هي الحركة العامة للنمط الحلولي الكموني الواحدي والتى تأخذ شكل التخلي التدريجي عن عبء الهوية الإنسانية ، بما يحمل من تكليف ومسؤولية وإحساس بالحدود، والعودة المتزايدة إلى الحالة الرحمية حيث لا مسؤولية ولا هوية ولا حدود، فهو إنتقال من المرجعية المتجاوزة والمركزية الإنسانية إلى المرجعية المادية الكامنة وإزاحة الإنسان عن المركز ثم إلى حالة السيولة الشاملة واختفاء كل المرجعيات.
    ويلاحظ أنه ، على حين أن الأطار التوحيدى والهيومانى يفترض أن المساواة الكاملة مثل أعلى لا يتحقق ، لأن البشر يتفاوتون فى مقدرتهم على تحقيق الحالة الإنسانية ، فإن الإطار الحلولي الكموني الواحدي يفترض أنه يمكن الوصول إلى هذا التساوي الكامل بل والمطلق . ولكن المساواة المطلقة ، أي التسوية ، لو تحققت فإنها هى ايضاً لحظة الهيولى والعدم المطلق ـ إذ يختفي الإنسان كياناً مستقلاً له قيمته ومركزيته ، ويلتحم بالسيولة الكونية الرحمية الحلولية الكبرى ، إذ يصبح الإنسان إنساناً طبيعياً تماماً خاضعاً لقوانين الطبيعة ولا يختلف عن الطيور والقرود واليرقات.

    ويخلط معظم الدارسين بين النمطين : المساواة فى إطار المرجعية المتجاوزة (والتوحيد) والتسوية الحلولية الكمونية . ويعود ذلك لأسباب ، من بينها أنه عادةً ما يتم فصل المؤشر والدال فى العلوم الإنسانية عن سياقه ويصبح دالاً يشير إلى مدلول واحد. ولذا ، فإنه إذا وردت كلمة مساواة مقصوداً بها المساواة الإنسانية فى نص يدور فى إطار المرجعية المتجاوزة توحيدي وإنساني هيوماني، فإن الدارسين عادةً ما يتصورون أن الكلمة تشير إلى مدلول واحد فيخلطون بينهما ، برغم أختلاف الدلالات باختلاف السياق . ومما يساعد على هذا الخلط أنه في عصر النهضة فى الغرب، ظهرت رؤيتان إلحاديتان : واحدة متمركزة حول الإنسان بوصفه كائناً مركباً حراً مستقلاً عن الطبيعة ((التمركز حول الذات )) ، والأخرى متمركزة حول الطبيعة/المادة (التمركز حول الموضوع). وقد تم تصنيفهما على أنهما رؤية واحدة ، مع أنهما مختلفتان تماماً .ففي إطار الرؤية المتمركزة حول الإنسان، يصبح الإنسان مركزاً للكون ، خليفة للإله أو بديلاً لع ، وبشكل مرجعية نهائية متجاوزة نوعاً ما لعالم المادة ، فيظل هناك شكل من اشكال الهرمية والثنائية ( أعلى/اسفل- إنسان/طبيعة - ذات/موضوع) وهى بقايا الرؤية التوحيدية بعد علمنتها. ولكن نطاق الرؤية الحلولية الكمونية الواحدية المادية يتسع ويزداد تغلغلها وهيمنتها إلى أن تنحسر الرؤية الإنسانية الهيومانية تماماً، ويتم رد الإنسان إلى عالم الطبيعة والمادة، وتظهر مركزية الطبيعة/المادة والمرجعية المادية الكامنة. ويستمر اتساع نطاق الواحدية المادية إلى أن يتم نصفية أي مطلق أو معيار أو مرجعية متجاوزة أو نهائية (إلهية كانت أم إنسانية) لنصل إلى عالم لا مركز له (عالم ما بعد الحداثة) يتساوى فيه الإنسان تماماً بالأشياء،ويتم التسوية بينهما إذ يتم الهجوم على أى مركزية أو معيارية.
    { إن الموقف الألحادي موقف ينقصه الحكمة ،بل إنه موقف غير حكيم بالمرة مادام يجعل البحث عن سبب العالم وسبب الوجود أمرا غير ذي أهمية !!
    لذا دعني أهمس في أذن الملحد بمقولة لأكبر عقل فلسفي أنجبه التاريخ العربي أقصد بن رشد الذي يقول "إن الحكمة ليست شيئا أكثر من معرفة أسباب الشيء."
    ففكروا في سبب وجودكم ليكون لديكم شيئ من صفات الحكماء! }


    { ما أكثر الملاحدة الذين يحملون عقلا بدائياً لا يفهم الألوهية الا إذا تجسدت في صنم مرئي ملموس . }

  5. افتراضي

    هل من نسخة pdf للكتاب؟
    "كذلك كنا قديما اول من صاح في الناس: (الحرية، العدالة ، المساواة) كلمات ما انفكت ترددها منذ ذلك الحين ببغاوات جاهلة متجمهرة من كل مكان حول هذه الشعائر و قد حرمت بترديدها العالم من نجاحه "
    لَم يَبقَ في العالَمينَ مِن ذَهَبٍ .... وَ إِنَّما جُلَّ مَن تَرى شَبَهُ
    دَعهُم فَكَم قُطِّعَت رِقابُهُمُ .... جَدَعاً وَلَم يَشعُروا وَلا أَبَهوا
    قَد مُزِجوا بِالنِفاقِ فَاِمتَزَجوا .... وَاِلتَبسوا في العِيانِ وَاِشتَبَهوا
    وَما لِأَقوالِهِم إِذا كُشِفَت .... حَقائِقٌ بَل جَميعُها شُبَهُ

  6. #36
    تاريخ التسجيل
    Jan 2009
    الدولة
    المغرب
    المشاركات
    613
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    الكتاب غير متوفر في الشبكة أخي الكريم..
    لكن سنفرغه كاملا إن شاء الله
    يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيم

  7. افتراضي

    جزاكم الله خيرا...جعله الله في ميزان حسناتكم
    "كذلك كنا قديما اول من صاح في الناس: (الحرية، العدالة ، المساواة) كلمات ما انفكت ترددها منذ ذلك الحين ببغاوات جاهلة متجمهرة من كل مكان حول هذه الشعائر و قد حرمت بترديدها العالم من نجاحه "
    لَم يَبقَ في العالَمينَ مِن ذَهَبٍ .... وَ إِنَّما جُلَّ مَن تَرى شَبَهُ
    دَعهُم فَكَم قُطِّعَت رِقابُهُمُ .... جَدَعاً وَلَم يَشعُروا وَلا أَبَهوا
    قَد مُزِجوا بِالنِفاقِ فَاِمتَزَجوا .... وَاِلتَبسوا في العِيانِ وَاِشتَبَهوا
    وَما لِأَقوالِهِم إِذا كُشِفَت .... حَقائِقٌ بَل جَميعُها شُبَهُ

  8. #38
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    الدولة
    الاردن
    المشاركات
    150
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    الهجوم على الطبيعة البشرية

    تنكر الفلسفة المادية وجود أي جوهر مستقل عن حركة المادة فهي تدور في إطار المرجعية المادية الكامنة ووحدة الوجود المادية ومن ثم لايحقق أي عنصر في الكون تجاوزا بما في ذلك الإنسان والفلسفة العقلانية المادية حينما تتعامل مع الإنسان تنظر إليه في إطار نموذج تحليلي مادي/طبيعي يستبعد كل خصائصه الغير طبيعية مثل تركيبته ومقدرته على التجاوز واسقلاله عن المقولات المادية/الطبيعية ثم تقوم بتفكيكه إلى عناصره الأولية المادية "الحقيقية" وترده في كليته إلى مبدأ مادي واحد وتقوم بتعميم المبادئ العلمية والرياضيةعلى جميع الظواهر بما ذلك الإنسان ومن هنا الهجوم المادي الحتمي الشرس على الطبيعة البشرية والجوهر الإنساني أي على تلك السمات التي تميز الإنسان كإنسان مقدرته على التجاوز أو انشغاله بالأسئلة النهائية الكبرى أو استقلاله عن الطبيعة /المادة فمهوم الطبيعة البشرية يعني أن ثمة مقولة مستقلة داخل النظام الطبيعي المادي تسمى الإنسان تستعصي على التفسيرات الطبيعية/المادية وهذا يمثل فضيحة معرفية إذ إن ثنائية الإنسان /الاله أو الخالق /المخلوق ولذا لابد وأن تستوعب الطبيعة البشرية تماما في النظام الطبيعي ولابد وأن يختفي الإنسان وان تهيمن المرجعية الكامنة الواحدية المادية وان تزول كل الثنائيات او تحيد بحيث تصبح متوازنه ومتعادلة تماما .

    ومع هذا يحدث احيانا في داخل المنظومة الواحدية المادية ان يصبح الإنسان هو مركز الكون المتجاوز له فتظهر ثنائية الإنسان/ الطبيعية وهذا هو اساس الفكر الإنساني الهيوماني التمركز حول الذات ومرجعية متجاوزة في إطار مادي ولكن مثل هذه الثنائية واهية غير حقيقية فالفلسفة المادية كما اسلفنا تنكر وجود أي جوهرمستقل عن حركة المادة ومن ثم لايمكن لأي عنصر بما في ذلك الإنسان أن يحقق تجاوزا للنظام المادي الطبيعي ولذا لابد أن تسري القوانين الواحدية المادية في نهاية الأمر وفي التحليل الأخيرعلى الإنسان سريانهاعلى الطبيعة ,فيصبح الإنسان بوعيه و فهمه وحسه الخلقي جزءاً لا يتجزأ من حركة المادة خاضعاً لها , وتصبح هي المركز ,و ينتصر الموضوع على الذات ويذوب الإنسان ويختفي و يفقد مقدرته على التجاوز ,و يُستوعب تماماً في لنظام الطبيعي , فموت الإنسان هو نتيجة حتمية للرؤية المادية و موت الإله ,

  9. #39
    تاريخ التسجيل
    Jun 2010
    الدولة
    بلاد الله
    المشاركات
    376
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي


    وسنحاول أن نضرب بعض الأمثلة المعاصرة على هذا الهجوم الشرس على الإنسان وطبيعة البشرية:

    1- وحدة العلوم

    لنأخذ الحوار الدائر منذ عصر النهضة ، والذي لم ينته بعد، عن وحدة العلوم. فهناك من يرى أن هناك علوماً وحسب ، يمكن عن طريقها دراسة كل من الإنسان والطبيعة دون تمييز أو تفريق بين علوم طبيعية وأخرى إنسانية ، وهؤلاء يرون أن كل العلوم تهتم بوقائع لا تختلف فى حالة الإنسان عن حالة الحيوان ، ولكن هناك أيضاً من يرى أن العلوم الإنسانية في تصورهم تختلف عن وقائع العلوم الطبيعية . فالواقعة فى السياق الإنساني ينتجها موجود إنساني له ظاهر وباطن، وله معايير وقيم وأهداف ومقاصد ومشاعر وهواجس ، أما وقائع العلوم الطبيعية فهى مجرد حركة فى الزمان والمكان ولها وجود حسى وملموس. والوقائع الإنسانية ليست ماثلة أمامنا بشكل مباشر ، فهى مرتبطة بعالم الدوافع التى تحركها، والرموز التى تعبر عنها ، وحتى يمكننا الوصول إليها لا بد وأن نكد ونتعب ونفسر ونتعاطف مع الإنسان ، أما الوقائع الطبيعية فهى وقائع مباشرة تخضع للإدراك الحسي ، ولذا فالوقائع الإنسانية تخضع للفهم الذى ينفذ إلى المعانى الباطنة داخل الأشياء، أما الوقائع الطبيعية تخضع للتفسير . إن الوقائع الإنسانية ذات طبيعة كيفية خالصة، أما الوقائع الطبيعية فيمكن التعبير عنها بلغة الكم.

    ونحن لو دققنا النظر لوجدنا أن الصراع الدائر هنا هو صراع بين المرجعيتين ، المرجعية المتجاوزة والمرجعية الكامنة، يأخذ شكل صراع بين دعاة الإيمان بالإنسان المتجاوز للطبيعة ، الذي يستند وجوده إلى نقطة خارج النظام الطبيعي ، من جهة ومن جهة أخرى دعاة الإيمان بالطبيعة المادية التى تحوي داخلها ما يكفي لتفسيرها والذين يساوون بين الإنسان والكائنات الطبيعية ويسوون بينهما فيسقطون الإنسان كمقولة مستقلة فى النظام الطبيعي، ومن هنا فنحن نصفهم بالعداء للإنسان ( بالإنجليزية : أنتى هيومانيزم anti- humanisim) . فدعاة الإيمان بالطبيعة يرون أن القوانين العامة للعالم هى القوانين الكامنة فى المادة والتى تسرى على كلًّ من الطبيعة والإنسان دون أي تفرقة أو تمييز ، وأننا سيزداد تحكمنا فى أنفسنا وفي الطبيعة ، وأن المعرفة هى تزايد معرفتنا بقوانين الحركة المادية العامة ، ذلك لأن المنحنى الخاص للظاهرة الإنسانية وما يميز الإنسان كإنسان (جوهره الإنسانى وتركيبيته ومقدرته على التجاوز) أمور لا تهم ، ولهذا ينادي دعاة وحدة العلوم بأنه من الممكن أدخال كل شىء فى شبكة السببية الصلبة والمطلقة ودراسته من خلال النماذج الرياضية التى تتجاوز المرجعية المتجاوزة، ربانية كانت أم إنسانية. قد نخطيء فى محاولتنا ولكننا نعيد الكرة وتزداد معرفتنا ويزداد تحكمنا، وتدار التجارب فى إطار محايد خالٍ من أي قيم إنسانية أو أخلاقية تضع حدوداً على التجريب ، أو تطرح أي غائية خاصة بالإنسان، او تمنحه أي مركزية، فكل الأمور متساوية ، ولذا لابد وأن يخضع كل شىء للتجريب الذي يستبعد أي معايير غير علمية وغير مادية مثل السمات البشرية ، أو القيم الأخلاقية ، أو الطبيعة البشرية ، ومن ثم يختفي الإنسان ويسوى بالحيوان ، وتختفى معه العلوم الإنسانية وتصبح كل العلوم طبيعية ، تدرس قوانين المادة كما يطالب دعاة وحدة العلوم .

    وأنطلاقاً من مفهوم وحدة العلوم ، أو واحديتها المادية، يبدأ تأسيس علوم طبيعية تستبعد الجوهر الإنساني ومفهوم الطبيعة البشرية . ومما لاشك فيه أنه إن اراد الإنسان أن يبني جسراً فإنه لا بد أن يعرف طبيعة المواد التى سيبنى بها هذا الجسر، ، وطريقة تنظيمها وتركيبها وخواصها... إلخ. ومن دون هذه المعرفة ، لايمكن ان يدعى أنه على ((علم)) بالجسر. ولتأسيس علم الحيوان ، مثلاً ، لابد أن نعرف نطاق هذا العلم من خلال تعريف الحيوان مقابل الإنسان والنبات. وحتى فى العلوم الغير دقيقة، مثل النقد الأدبي وتاريخ الفنون ، لابد تتم الأجابة عن سؤال ما الأدب؟ والسؤال الذي لابد أن نطرحه هو : هل يمكن تأسيس علوم إنسانية دون معرفة الإنسان؟ هذا ما حدث بالفعل في العلوم الإنسانية الغربية إذا اختفت الإشارات إلى الطبيعة البشرية تماماً فيها ، ولا يمكن الحوار إلا من خلال المؤشرات الكمية والجداول والقرائن المادية المباشرة.

    وحينما ترسم هذه العلوم صورة الإنسان ، فإنه يكون إنساناً طبيعياً وظيفياً ذا بُعد واحد ، آلياً يتحرك فى إطار الدوافع والمثيرات. ويُقسم إلى الذات والذات العليا الهو، ويدفعه الإيروس والثاناتوس (فرويد) أو النماذج الأصلية (يونج). وكما يقول على عزت بيجوفيتش، فلقد تم طرد النفس من علم النفس ، وفي الأقتصاد نجد الإنسان مجموعة من المصالح الإقتصادية، ، وفى علم الأخلاق هو كيان تحركه الرغبة فى البقاء المادي وتحقيق الملصلحة المادية . أما فى علم الأجتماع، فقد اعلن دوركهايم أن الظواهر الأجتماعية مستقلة عن الأفراد، وتتمتع بسلطة قاهرة تفرض نفسها على الأفراد عن طريق الإكراه، وأن الضمير الفردي صدى للضمير الجمعي. فعندما يتكلم ضميرنا فمعنى ذلك أن المجتمع هو الذي يتكلم فينا، فالفرد (( ذرة إجتماعية)) يدرسها علم الاجتماع الذي كان ينوى كونت تسميته الفيزياء الأجتماعية! اما الأنثربولوجيا (علم الإنسان!) فهو يؤكد أن الإنسان ليس له طبيعة وإنما له تاريخ. وإن كانت لديه خاصيات عند الولادة ـ فهى مجرد استعدادات شفافة لا تصمد أمام مؤثرات المحيط القادر على تشكيل الإنسان كيفما شاء. ففى الإنسان لا توجد دوافع نفسية ثابتة اللهم إلا دافع الجنس والأكل ، أما دافع المعرفة والعاطفة والتملك فهي فى نظر بعض الدراسات الأنثربولوجية متغيرة تظهر وتختفي بحسب عوامل البيئة . كما سمعت النظريات التاريخية (المادية) إلى بيان أن الإنسان كائن تشكَّل عبر التاريخ وعبر علاقاته مع الطبيعة ومع الآخرين وأنه قبل ذلك لم يكن إنساناً ، وليس فى طبيعة الإنسان خاصيات أولية مشتركة بين الناس لأنه ليس للإنسان طبيعة. فالإنسان هو مجموع علاقاته الإنتاجية وهو لحظة من لحظات جدل الطبيعة، هنا تنتفى الذات الفردية لتخلي مكانها للذات الجماعية وتتراجع الذات الواقعية الطامحة لحساب الذات التاريخية الخاضعة للحتمية التاريخية المتحكمة فى مسار التاريخ. وحتى فى عالم الأدب ، الملجأ الأخير للنفس البشرية ، ظهرت الفلسفات البنيوية والتفكيكية التى تحاول أن تطهر ذاتها من آخر المطلقات الإنسانية ( أي الطبيعة البشرية) ، ولذا يتحول النقد الأدبي إلى محاولة لرصد أنماط وبنى وألعاب لغوية ، تدخل فيها الذات الإنسانية وتصبح خاضعة لها .

    إن العلوم التي تدعى أنها إنسانية وتدور فى نطاق المرجعية المادية الكامنة تنطلق من الإيمان بأنه لا توجد عناصر إنسانية عالمية أو طبيعة بشرية ثابتة أو مستقرة خاصة ، فما يوجد هو ممارسات وعقائد لا يبتنظمها إطار . وكما يقول فوكوه : (( لا يوجد ذات إنسانية ثابتة فى التاريخ ، ولا يوجد حالة طبيعية إنسانية، ولا يوجد شيء فى الإنسان (حتى جسده) ثابت بما فيه الكفاية يصلح أساساً ليتعرف الإنسان على ذاته وليفهم الآخرين)). فكل شيء فى ذلك الإنسان حادث ـ بل عرضي وطاريء، ومن ثم محتمل الوقوع والزوال. ولا مهرب من إدراكنا لهذه الحقيقة (ولحقيقة القوة والهيمنة، مطلق فوكوه الوحيد) ، أي إن كل الأمور ، بما في ذلك الإنسان - كما يعرف الجميع الآن فى الغرب- مادية ونسبية وخاضعة لذلك القانون الواحدي العام الذى يسرى على الطبيعة والإنسان.هذا يعني فى واقع الأمر أنه لا توجد معيارية إنسانية ، أي لا توجد سوى معيارية موضوعية شيئية .إن ما يحدث هنا هو إلغاء ثنائية الإنسان/الطبيعة، أى ثنائية الجنس البشرى/ الأشياء، ليسود عالم الكم والأرقام والنماذج الاختزالية البيسطة التى قد تعطي من يسخدمها راحة كبيرة ومقدرة على الإنجاز ، ولكنها تفكك الإنسان تماما ثم تقتله. وليس من قبيل الصدفة أن الفلسفة السائدة الآن فى الغرب هى الفلسفة التفكيكية التى تهدف إلى تصفية كل الثنائيات ، وعلى كلًّ فإن هو ميرات الاستنارو المظلمة والمضيئة.

    ولكن هناك النموذج الآخر الذي يرى الإنسان ظاهرة منفردة متجاوزة (ربانية) لايمكن مساواته أو تسويته بالكائنات الطبيعية. ولا شك أن الإنسان يحوي كثيراً من العناصر الطبيعية، وهى عناصر لابد أن تخضع بشكلٍ ما ، وفي بعض جوانبها ـ إلى التجريب الطبيعى، وتدخل شبكة السببية الصلبة. لكن الإنسان يظل يملك ما يتحدى التجريب وما لا يمكن معرفته ولا يمكن استيعابه داخل هذه لالشبكة ، إذ إن أي محاولة من هذا النوع لابد أن تبوء بالفشل . ولذا ، فإن أكثر النماذج التفسيرية كفاءة ، حسب هذا التصور، هي النماذج المنفتحة الفضفاضة التى تعترف بثنائية الإنسان والطبيعة ، وبأن الطبيعة البشرية والقيم الأخلاقية والغائية النابعة من مركزية هذا الإنسان هى المرجعية النهائية لدراسة ظاهرة الإنسان، وأن هناك ما يمكن معرفته وإدخاله في شبكة السببية الصلبة والمطلقة، وذلك مع تأكيدها بأن هناك ايضاً ما لايمكن معرفته أو اصطياده، ومن ثم فإن الوصول إلى تفسيرات كاملة وحلول نهائية أمر مستحيل . ولذا، فقد أقترح هؤلاء أن الإنسان لا يُشرح ، ولا يُفسر كما نفعل مع الظواهر الطبيعية، وإنما يُفهم ويُؤول ، ومن هنا ظهرت مدرسة الهرمنيوطيقا والتأويل التى تنظر إلى الإنسان باعتباره ظاهرة مركبة تستعصي على التفسير من خلال النماذج الطبيعية المادية .

    ويقول دعاة هذا النموذج الذي يدور في إطار المرجعية المتجاوزة ، إن النظم المعرفية المادية نظم واحدية تسعى إلى تفسير كل الظواهر تفسيراً كاملاً ن ولذا فهي تسقط فى حلم نهاية التاريخ ، حيث يصبح ما كان مجهولاً معروفاً . ومن ثم فهى تقوم بتفكيك الإنسان وتسويته بكل الأشياء الأخرى ومن هنا ، فإن نهاية التاريخ تأخذ دائماً شكل يوتوبيا تكنوقراطية تسير حسب قوانين الاشياء العلمية المادية الموضوعية ، فى دقة صارمة ، وكأنها مترو مدينة "ليل" فى فرنسا الذي يسير بلا سائق بشرى.

    أما النظم التى تنطلق من الاعتراف بثنائية الإنسان/الطبيعة ، فهى لا يمكن أن تسقط في مثل هذه الرؤية الساذجة، ومن ثم فإن إستراتيجية أنسنة العلوم بالنسبة إلى هؤلاء تتكون من : استرجاع مفهوم الطبيعة البشرية ككيان مركب لايمكن أن يُرد للنظام الطبيعي، ولا أن يسوى مع الأشياء الطبيعية ، أي استرجاع الثنائية التقليدية. وإن تم استرجاع مفهوم الطبيعة البشرية، فإنه سيتم معه استرجاع القيم الإنسانية والأخلاقية كقيم اساسية فى عمليات البحث العلمي في مجال الطبيعة والإنسان، فاستبعاد هذه القيم هو الذى أدَّى إلى السقوط في الواحدية الكونية المادية وإلى تسوية الإنسان بالحيوان وإلى انفصال التجريب العلمي المادي عن العقلانية الإنسانية.
    { إن الموقف الألحادي موقف ينقصه الحكمة ،بل إنه موقف غير حكيم بالمرة مادام يجعل البحث عن سبب العالم وسبب الوجود أمرا غير ذي أهمية !!
    لذا دعني أهمس في أذن الملحد بمقولة لأكبر عقل فلسفي أنجبه التاريخ العربي أقصد بن رشد الذي يقول "إن الحكمة ليست شيئا أكثر من معرفة أسباب الشيء."
    ففكروا في سبب وجودكم ليكون لديكم شيئ من صفات الحكماء! }


    { ما أكثر الملاحدة الذين يحملون عقلا بدائياً لا يفهم الألوهية الا إذا تجسدت في صنم مرئي ملموس . }

  10. #40
    تاريخ التسجيل
    Apr 2011
    المشاركات
    2,598
    المذهب أو العقيدة
    مسلم
    مقالات المدونة
    3

    افتراضي

    بعد انتهائكما.. ارجو ارسال رسالة لي لاقوم بنسخ كل هذا و تنسيقه بملف بي دي اف لينشر.
    أستغفر الله العظيم و أتوب إليه

  11. #41
    تاريخ التسجيل
    Jun 2010
    الدولة
    بلاد الله
    المشاركات
    376
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    2-نظرية الحقوق الجديدة

    كثير من الحركات التحررية الجديدة الداعية ((للمساواة)) فى عصر ما بعد الحداثة تختلف تماماً عن الحركات التحررية القديمة، في عصر الحداثة. فالحركات الجديدة تدعوا في واقع الأمر إلى التسوية ، فهي ترفض مفهوم الطبيعية البشرية المتجاوزة للطبيعة/المادة وللإنسان الذي يشغل مركزاً متميزاً فى الكون، وتصدر عن فهم للإنسان باعتباره جزءاً لا يتجزأ من الطبيعة/المادة لايتسم بأي تجاوز لها أو تعالٍ عليها .وانطلاقاً من هذا ن تؤسس حركات التحرر الجديدة نظريتها في الحقوق ، فنجد جماعات تدافع عن الفقراء والسود والشواذ جنسياً والأشجار وحقوق الحيوانات والأطفال والعراة والمخدرات وفقدان الوعي ، وعن كل ما يطرأ وما لا يطرأ على بال، ولعل شيوع الرؤية الحلولية الكمونية الواحدية في العصر الحديث هو الذي يُفسر سر انتشار الديانات الطبيعية والعبادات الجديدة والنزعات الكونية والدفاع الحلولى الكمونى عن البنية، فكلها دعوات تؤكد اسبقية الكون على الإنسان، وتدعوا الإنسان إلى الذوبان في الكون، وتلغى كيانه كمقولة مستقلة عن عالم الطبيعة . ويُعد رفض الإنسان تأييد هذه الدعوة للتسوية فعلاً رجعياً ورفضاً للتقدم،مع أن رفضه فى واقع الأمر محاولة للعودة إلى الإنسانية والتراجع عن حالة الطبيعة المادية (البهيمية)، كما انه دفاع عن مركزية الإنسان فى الكون ورفض تسويته ومساواته بالحيوانات.

    وفى هذا الأطار ، يمكننا أن نعيد النظر في هذا الدفاع الشرس عن الشذوذ الجنسى والدعوة إلى تطبيعه ، فهو في جوهره ليس دعوة للتسامح أو لتفهم وضع الشواذ جنسيا ً ، بل هو هجوم على المعيارية البشرية، وعلى الطبيعة البشرية كمرجعية نهائية ومعياراً ثابتاً يمكن الوقوف على ارضه لإصدار أحكام وتحديد ما هو إنساني وما هو غير إنساني. والشذوذ الجنسي هو محاولة أخرى لإلغاء ثنائية إنسانية اساسية هى ثنائية الذكر/ الأنثى التى تستند إليها المعيارية الإنسانية.

    بل أننا نرى أن الحديث المتواتر والمتوتَّر عن حقوق الإنسان والذي تقوده اكثر الدول إمبريالية فى العالم، الولايات المتحدة، هو في جوهره هجوم على الإنسان والطبيعة البشرية. فالإنسان الذي يتحدثون عن حقوقه هو وحدة مستقلة بسيطة أحادية البعد لا علاقة له بأسرة أو مجتمع أو دولة ، وهو مجموعة من الحاجات المجردة التى تحددها الأحتكارات وشركات الإعلانات والأزياء وصناعات اللذة. والفرد هنا هو وحدة تتلقى عديداً من الأشارات الحسية البسيطة الكثيفة من مؤسسات عامة لا خصوصية لها ولا تحمل أى قيم، إلا فكرة تعظيم الأرباح.وحقوق مثل هذا الإنسان هى في واقع الأمر استمرار للهجوم على الطبيعة البشرية بوصفها كياناً مركباً متجاوزاً للطبيعة/المادة. ولذا، لم يتحدث أحد عن حق الإنسان في وقف تيار الأباحية التي تُصدَّر من الغرب، والتي تهدر ابسط الحقوق الإنسانية . وكذلك لا يتحدث احد عن حقوق الأفراد (الشعوب) الذين سُرقت وتُسرق اموالهم وتودع فى بنوك غربية من قبل شخصيات تساندها الحكومات نفسها التي تصرخ عن حقوق الإنسان، ولم يحتج أحد على صناعة اسلحة الفتك والدمار التى يطور ويصنع معظمها في العالم الغربي. فالحديث دائماً يجرى عن إنسان مجرد بسيط لا يوجد داخل المجتمع والتاريخ والأسرة. ولذا، نجد أن الحديث ينصب على الحقوق المطلقة لهذا الفرد؛ أي حقوق تتجاوز حقوق المجتمع ومنظوماته الأخلاقية والمعرفية.

    ويظهر الهجوم على الطبيعة البشرية من خلال نظرية الحقوق المطلقة في المفهوم الجديد للأقليات الذي يروجه النظام العالمى الجديد، وهيئة الأمم المتحدة، وبعض الجماعات التى تدور في فلكها. فالجماعات الدينية الصغيرة أقلية ، والجماعات الإثنية الصغيرة أقلية ، والشواذ جنسياً اقلية ، والنساء أقلية ، والمعوقون أقلية، والمسنون أقلية، والبدينون اقلية والأطفال أقلية ،، وكل واحد فيهم له حقوق مطلقة. وهذا يؤدي فى واقع الأمر إلى أن فكرة المجتمع الذي يستند إلأى عقد اجتماعي تصبح مستحيلة إذ إن الحقوق المطلقة لا يمكنها التعايش. وهذا ما حدث في فلسطين المحتلة حين جاء اليهود بحقوق يهودية مطلقة شردت الفلسطينيين وهدمت وطنهم. ولكن الأخطر من هذا هو أن تكون الغالبية العظمى من الناس أقليات ، فهذا يعنى أنه لا يوجد اغلبية، أي لا يوجد معيارية إنسانية، فتصبح كل الأمور نسبية متساوية وتسود الفوضى المعرفية والأخلاقية.
    { إن الموقف الألحادي موقف ينقصه الحكمة ،بل إنه موقف غير حكيم بالمرة مادام يجعل البحث عن سبب العالم وسبب الوجود أمرا غير ذي أهمية !!
    لذا دعني أهمس في أذن الملحد بمقولة لأكبر عقل فلسفي أنجبه التاريخ العربي أقصد بن رشد الذي يقول "إن الحكمة ليست شيئا أكثر من معرفة أسباب الشيء."
    ففكروا في سبب وجودكم ليكون لديكم شيئ من صفات الحكماء! }


    { ما أكثر الملاحدة الذين يحملون عقلا بدائياً لا يفهم الألوهية الا إذا تجسدت في صنم مرئي ملموس . }

  12. #42
    تاريخ التسجيل
    Jun 2010
    الدولة
    بلاد الله
    المشاركات
    376
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي حركة التمركز حول الأنثى

    3- حركة التمركز حول الأنثى

    ولعل أهم نظريات الحقوق هى النظرية التى تدعو لها الحركات النسائية الجديدة. ولعل الخلط المصطلحي السائد في هذه الحركات (التحرر) هو ذاته تعبير متبلور عن الصراع الدائر بين النموذجين: نموذج المرجعية المتجاوزة والجوهر الإنساني المستقل وإمكانية المساواة. ونموذج المرجعية المادية الكامنة. فقد ظهر فى اللغات الغربية (الإنجليزية) مصطلح ويمنز ليبريشن موفمنت liberation movement women's الذى يترجم عادةً إلى حركة تحرير المرأة والدفاع عن حقوقها، وهذا ما كان يفهم من هذاالمصطلح بشكلٍ عام في اللغات الأوروبية. ثم ظهر منذ عدة سنوات مصطلح فيمنيزم feminism وحل محل المصطلح الأول وكأنهما مترادفان، وكأن المصطلح الأخير اكثر شمولاً أو أكثر راديكالية من المصطلح الأول، وليس مختلفاً عنه تمام الأختلاف . ولكننا لو دققنا النظر في هذا المصطلح الأخير لوجدنا أنه يشير فى واقع الأمر إلى مدلولين مختلفين تمام الأختلاف : حركة تحرير المرأة وما يمكن تسميته حركة التمركز حول الأنثى وهما حركتان - فى تصورنا - مختلفتان، بل ومتناقضتان. فحركة تحرير المرأة هى حركة أجتماعية ذات مرجعية إنسانية متجاوزةن بمعنى أنها ترى المرأة باعتبارها جزءاً من المجتمع، كائناً مستقلاً عن عالم الطبيعة/المادة لايمكن تسويته بالظواهر الطبيعية، ومن ثم تحاول ان تدافع عن حقوقها داخل المجتمع. وبرغم ان هذه الحركة- في رأينا - حركة علمانية في رؤيتها، تستند إلى فكرة العقد الأجتماعى (والإنسان الطبيعي والإنسان الأقتصادي)، إلا أن مثلها الأعلى يحوي داخله أبعاداً إنسانية اجتماعية مركبة، متجاوزة للطبيعة/ المادة، لعلها بقايا الرؤية التوحيدية والهيومانية فى الغرب، وهي رؤية تفترض مركزية إنسانية وعيارية إنسانية معينة ، وهى بمثابة المرجعية النهائية ، المتجاوزة للطبيعة/المادة والتى تضع حدوداً بينه وبينها فلا يذوب فيها ويسوى بالكائنات الأخرى. ومع تصاعد معدلات العلمنة وهيمنة المرجعية الكامنة، بدأت هذه البقايا في التبخر، وتراجع البعد الأجتماعي الذى يفترض مركزية إنسانية وهوية إنسانية منفردة ، وثنائيةالإنسان والطبيعة، وتم إدراك الأنثى خارج أي سياق اجتماعى إنساني وكأنها كائن طبيعى مادي يتساوى مع الأشياء الطبيعية المادية الأخرى.
    ولنا أن نلاحظ أن ما يحدث هنا هو عملية تفكيك لمقولة المرأة كما تم تحديدها وتعريفها عبر التاريخ ، لتحل محلها مقولة جديدة تماماً تسمى المرأة أيضاً ولكنها مختلفة في جوهرها عن سابقتها. وهذا جزء من عملية تفكيك مقولة الإنسان التي تقوم بها الحضارة الغربية العلمانية الحديثة في إطار المرجعية المادية الكامنة حين أعلنت أن الإنسان لا يتحرك في إطار المرجعية المتجاوزة، وإنما هو كائن طبيعي مادي ينتمي للطبيعة/المادة، وسمت الكائن الطبيعي الجديد الإنسان الطبيعي، الإنسان غير الإنسان ، الإنسان الذي يُرد إلى مرجعية مادية غير إنسانية، ومن ثم فهو يتساوى مع الكائنات الأخرى. ونحن نرى أن الخطاب المتمركز حول الأنثى يفعل الشىء نفسه بالنسبة إلى المرأة، فالأنثى في الغطار التعاقدي هي مركز الأسرة وعمودها الفقري، ومن ثم فهي مركز الإنسانية التي نعرفها ، وهي المؤسسة التي يحتمي بها الإنسان ويحقق من خلالها جوهره . وقد تم تقسيم العمل في هذا الإطار.لكن ضرب هذا المركز هو ضرب للإنسانية كما نعرفها وللطبيعة البشرية كما خبرناها.

    إن البرنامج الإصلاحي الذي تطرحه حركة التمركز جول الأنثى لا يهدف إلى تحقيق مساواة بين الرجل والمرأة أو إلى تغيير القوانين أو السياق الأجتماعي للحفاظ على إنسانية المرأة باعتبارها أماً وزوجة وابنة وعضواً في الأسرة أو المجتمع ، وإنما يرمي إلى تفكيك مقولة المرأة في إطار المرجعية المادية، لتصبح إنساناً طبيعياً، وينم عن هذا شكلين متناقضتين، يعبران عن نزعتي تأليه الكون وإنكاره:

    أ- تأكيد الفوارق التشريحية بين الرجل والمرأة . وتصبح الخصائص التشريحية للمرأة هي قدرها، والخصائص التشريحية للرجل هي ايضاً قدره، ومن ثم تصبح المرأة هي عدو الرجل وينحل العالم إلى ثنائية صارمة: ثنائية الأنا والآخر، ولا توجد أي مرجعية إنسانية جوهرية مشتركة بينهما.فالمرأة في حالة صراع كوني مع الرجل، وكأنها الشعب المختار في مواجهة الأغيار، وتظهر نظريات عن ذكورة وأنوثة الإله وعن الفهم الأنثوي للتاريخ وعن استحالة التواصل بين الذكر والأنثى ، فالأنثى متمركزة حول ذاتها وفي حالة صراع كوني مع الذكر، ومهمة البرنامج الإصلاحى المتمركز حول الأنثى هو تحسين أدائها في عملية الصراع هذه . كما تهدف هذه البرامج إلى تغيير الإنسانية لتعكس الثنائية الصلبة ، بل وتهدف إلى فرض الثنائية على التحليل التاريخي.

    ويتم الهجوم على ما يسمى ذكورة اللغة ولكنه في واقع الأمر هو هجوم على اللغة البشرية وحدودها وتشويه وأيقنة لها. فهل نحن نفكر في كلمة الأمانة باعتبارها أنثى، وفى لفظ الشيطان بأعتباره ذكراً؟ وحينما نقول : أبواب ، هل نفكر في أعضاء التذكير، بينما نفكر في اعضاء التأنيث حينما نقول بوابات أم أن هذا هو وجدان الحلوليين الكمونيين الواحديين الطبيعيين الماديين الذين يستخدمون الجنس عنصراً اساسياً لإدراك كل شيء؟ وهل يمكن أن يكون استخدام كلمة الإنسان وهي تعبير عن الذكر والأنثى ، حلاً للمشكلة ؟ الأجابة بطبيعة الحال، بالنفي ، لكن المهم هو طرح برامج نقدية مستحيلة ، غير قابلة للتنفيذ ، وذلك حتى يتم تقويض حدود اللغة القائمة والمرجعية الإنسانية المتجاوزة.

    يُنظر للمرأة باعتبارها اقلية، وكلمة اقلية هنا لا تعني أقلية عددية مضطهدة، وأنما تعنى فى واقع الأمر أنه لا يوجد اغلبية من أي نوع، إنسانية مشتركة ، ولا يوجد معيار يحكم به، فالجميع مساوون ولا يمكن الحكم على أحد ، أي إن الأقلية تعني اختفاء المرجعية الإنسانية.

    ب- ويمكن أن تأخذ عملية التفكيك لمقولة المرأة شكلاً مغايراً تماماً إذ تصبح المرأة كائناً طبيعيًّا تتم تسويتها بالرجل في جميع الوجوه بحيث لا تختلف عنه في أي شىء، دورها لا يختلف عن دوره، إي إنه تم أختزال الرجل والمرأة إلى مستوى واحد. وتسويتهما في إطار من الواحدية الكونية المادية يعبرَّ عن نفسه في ظهور الجنس الواحد أو الجنس الوسط بين الجنسين (بالإنجليزية : يوني سكس unisex) ، أي إنه تم رد الواقع إلى عنصر واحد أو مبدأ واحد ينكر أي عدم التجانس أو أي تنوع، بل وينكر وجود ثنائية ذكر/أنثى، فالذكر مثل الأنثى والأنثى مثل الذكر.

    وكما أن الإنسان في المنظومة العلمانية الواحدية يتم إعادة صياغته بحيث يصبح إما فوق الإنسان أو دون الإنسان (سوبر مان نيتشه أو الإنسان العادي- إرادة القوة أو التكيف والمرونة- قاتل أو مقتول) ، فإنه يتم إعادة صياغة المرأة بحيث تصبح إما اكثر من مرأة (عدو الرجل) أو أقل من امرأة (متطابقة مع الرجل تماماً :اليونيسكس). وفي كلتا الحالتين، ليس المرأة هي الأم- الزوجة - الأخت - الحبيبة التي نعرفها والتي لها دور مستقل داخل إطار الجماعة الإنسانية الشاملة التي تضم الذكور والإناث والصغار والكبار. وبسقوط الأم والزوجة ، تسقط الأسرة ويتراجع الجوهر الإنساني أو يصبح كل البشر أفراداً طبيعيين لكلَّ مصلحته الخاصة يجابهون الدولة وقطاع اللذة والإعلانات بمفردهم، ويسقطون في قبضة الصيرورة، ويتم تسوية الجميع بالحيوانات والأشياء.
    { إن الموقف الألحادي موقف ينقصه الحكمة ،بل إنه موقف غير حكيم بالمرة مادام يجعل البحث عن سبب العالم وسبب الوجود أمرا غير ذي أهمية !!
    لذا دعني أهمس في أذن الملحد بمقولة لأكبر عقل فلسفي أنجبه التاريخ العربي أقصد بن رشد الذي يقول "إن الحكمة ليست شيئا أكثر من معرفة أسباب الشيء."
    ففكروا في سبب وجودكم ليكون لديكم شيئ من صفات الحكماء! }


    { ما أكثر الملاحدة الذين يحملون عقلا بدائياً لا يفهم الألوهية الا إذا تجسدت في صنم مرئي ملموس . }

  13. #43
    تاريخ التسجيل
    Jan 2009
    الدولة
    المغرب
    المشاركات
    613
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    4- مشكلة القيمة في المجتمعات العلمانية (الرأسمالية و الاشتراكية الحديثة)

    ثمة مشكلة أساسية كامنة في المجتمعات العلمانية التي تستند إلى عقد اجتماعي نابع من الإيمان بحقوق الإنسان الطبيعية، و هو عقد – كما نعلم- ينص على مساواة كل البشر. و لكن الإطار العام هو المرجعية المادية الكامنة (الطبيعة/المادة)، الأمر الذي يعني استبعاد أي قيم متجاوزة مطلقة، و استبعاد الإنسان أيضا كقيمة مطلقة. و من ثم، يصبح نموذج المجتمع هو حركة الذرات المتساوية المتحركة المتصارعة، و هو نموذج بسيط للغاية لا يعترف بالهرمية أو التراتبية و لا يميز بين ذرة و أخرى. و الذرات تتحرك من تلقاء نفسها و يسود النظام بشكل آلي من تلقاء نفسه، تماما كما يحدث في عالم الأشياء و الحيوان، فثمة تسوية كاملة بين الإنسان و الأشياء. و تؤدي هذه الرؤية، بطبيعة الحال، إلى نسبية أخلاقية يتساوى داخلها الخير بالشر. و تعبر هذه المرجعية المادية الكامنة عن نفسها في مفهوم السوق/المصنع و الإيمان بأن كل شيء يرد إلى المادة و بأن البناء الفوقي يمكن تفسيره في كليته في ضوء البناء التحتي (في النظام الاشتراكي).
    و لكن إلى جانب هذا العالم الذري الأملس المستوي، الذي وقع في قبضة الصيرورة، الخالي من القيم المطلقة و الذي لا مركز له، يوجد الإيمان (في كل من الرأسمالية و الاشتراكية) بعزة النفس و بكرامة الإنسان و حقوقه المطلقة و بالعدالة، فهو إيمان بمطلقات متجاوزة لعالم الصيرورة المادية، و من ثم هي تفصل الإنسان عن عالم الطبيعة، و تميز بينه و بين الأشياء و ترفض التسوية بينهما، و يتم ترتيب عناصر الواقع بموجبها. فما هو خير، هو ما يقترب في هذه القيم (الجوهرية) و يحققها، و ما هو شر هو ما يبتعد عنها. و تستند النظرية الماركسية إلى الإيمان بوجود جوهر إنساني يشكل الابتعاد عنه اغترابا، و من ثم فإن مفهوم الاغتراب الماركسي هو تعبير عن التمسك الإنساني الهيوماني بالمطلقات الإنسانية مثل العدالة و منع الاستغلال و مساواة الإنسان بأخيه الإنسان، و هي مطلقات تشكل جوهر الاشتراكية في حقبتها البطولية، و باسمها تتم الثورة ليتجاوز الإنسان واقعه و ينهي حالة اغترابه. فكأن هناك نموذجان : واحد حلولي كموني مادي ينكر التجاوز، و الآخر يدور في إطار مرجعية متجاوزة داخل إطار مادي.
    و هنا، يبدأ الصراع الحاد الخاص بالقيمة في المجتمعات العلمانية، فإذا كان ثمة إيمان بالقيم المطلقة، فمن ذا الذي يقرر هذه القيم؟ الإجابة الحديثة عن هذا السؤال، في إطار المرجعية المادية الكامنة، هو : الأغلبية العددية، و يقال أيضا : العلم الطبيعي الذي يسوي بين الإنسان و الطبيعة، فلا يوجد أي حقيقة مفارقة لواقعنا الأرضي و صيرورتنا الزمنية، أي إن المتجاوز المفارق، القيم المطلق مثل الكرامة و العزة، تسقط في الصيرورة، الأغلبية العددية و العلم الطبيعي. و هنا، تظهر الإشكاليات المختلفة. فماذا يحدث لو قررت الأغلبية الاستعناء تماما عن مفهوم الطبيعة البشرية الجوهرية المتميزة عن الطبيعة المفارق لها و بدأت تحكم على البشر من منظور حلولي كموني واحدي طبيعي مادي كمي؟ ماذا لو قررت الأغلبية، متسلحة بالرؤية العلمية المادية الطبيعية، ضرورة إبادة المرضى الذين لا يرجى شفاؤهم؟ أليس من حق أعضاء أي مجتمع يدور في إطار الحلولية الكمونية أن يقرروا أي قرار طبيعي مادي دون العودة إلى أي مرجعية إنسانية مفارقة؟ أليس من حقهم استئصال جزء من الجسد يراه صاحب هذا الجسد ضارا، بما في ذلك أعضاء الأقليات غير المرغوب فيهم؟ أليس هذا أمرا طبيعيا ماديا لا يمكن الوقوف ضده إلا بالعودة إلى مرجعية متجاوزة و منظومة قيمية مطلقة تؤكد القيمة المطلقة للإنسان؟
    و ماذا لو أن أعضاء الأغلبية، انطلاقا من إيمانهم بأن الإنسان كائن يتساوى مع كل الكائنات الأخرى قرروا التخلي عن قيم إنسانية، مثل القيم الاشتراكية عن العدالة و مركزية الإنسان، و آثروا الاستغراق في قيم طبيعية مادية مثل الإنتاج و الاستهلاك باعتبارها أمورا ألذ و أظرف و أكثر طبيعية و أكثر مادية و معقولية من عملية الدفاع عن هذه القيم، كما حدث في الاتحاد السوفيتي حين سقطت المنظومة الاشتراكية؟
    و تصبح الأمور أكثر إشكالية، على صعيد العلاقات الدولية، لو قررت دولة مثلا غزو الدول الشعبية الأخرى، فما الأساس الأخلاقي لمحاولة وقفها عن عدائها، مع غياب المرجعية الإنسانية المشتركة المتجاوزة؟ و ماذا لو قررت دولة ما التوسع في إنتاج السلع، الطبيعة المادية التي لا علاقة لها بأي مرجعية إنسانية أو ربانية، المرتبطة بإباحية الأطفال كما تفعل الدانمارك، أكبر منتج لهذه الأشياء في العالم، و هل من حق الجماعة الدولية إيقافها؟ و ما هو هرم القيم الذي يجعلنا نفترض أسبقية قيمة أخلاقية إنسانية مطلقة غير طبيعية الوقوف ضد غزو الشعوب و الإباحية على قيمة طبيعية مادية خالصة مثل الإنتاجية و الربح؟ و على أي أساس تعارض الأمم المتحدة الآن في انضمام بعض الجماعات المدافعة عن ممارسة اللواط مع الصبية ممن لم يبلغوا سن الرشد بعد؟ و إن قبلنا باللواط باعتباره أسلوبا مختلفا من أساليب الحياة و تعبيرا عن حرية الإنسان و ميله الجنسي، فما هذا الحديث عمن لم يبلغوا سن الرشد بعد؟ و لماذا يكون ذلك أمرا مباحا لمن بلغوا سن الرشد و غير مباح لمن لم يبلغوا هذه السن السحرية بعد؟ أليست كل الأمور طبيعية مادية نسبية متساوية؟ أو لم يتم تسوية الإنسان بالإنسان و الإنسان بالطبيعة؟

    5- الثقافة الشعبية و الهجوم على الطبيعة البشرية

    هذا الهجوم الواضح على الإنسان في العلوم الإنسانية الغربية العلمانية يظهر في أشكال كثيرة في حياتنا اليومية. فيلاحظ في الثقافة الشعبية التي تصدرها هوليود شيوع شخصيات لا علاقة لها بالطبيعة البشرية أو بالإنسان كما نعرفه، فهناك شخصيات ما فوق الإنسان (طرزان – رامبو - .. إلخ)، و لكن هناك شخصيات دون الإنسان (فرانكشتاين – مادونا)، و هي كلها شخصيات لا علاقة لها بالإنسان و لا بالطبيعة البشرية تذكرنا بإنسان داروين و نيتشه و فرويد. و سلوك الإنسان الجنسي و أحلامه هي شأن خاص تماما مرتبط بفرديته و رؤيته للنفس. و لذا، نجد أن الهجوم على الطبيعة البشرية في مجال الثقافة اليومية قد ركز على هذا الجانب ببراعة فائقة إذ إنه يمكن صياغة أحلام الإنسان الجنسية بطريقة تجعله يقبل اختفاء المعيارية الإنسانية المركبة المتجاوزة للطبيعة/المادة. و نحن نرى أن انتشار الإباحية في العالم الغربي ليس مجرد مشكلة أخلاقية و إنما هي أيضا قضية معرفية. فالإباحية هي جزء من هذا الهجوم على الطبيعة البشرية و على قداسة الإنسان و محاولة تفكيكه، فقد قامت الرؤية العلمانية الإمبريالية بتطبيع الإنسان، أي رأته كائنا طبيعيا ماديا بسيطا و حسب، و نظرت إليه باعتباره مادة نسبية صرفة لا قداسة لها. و الإباحية هي تعبير عن الاتجاه نفسه، فتجريد جسد الإنسان من ملابسه هو نوع من نزع القداسة عنه حتى يتحول الإنسان، خليفة الله في الأرض في الرؤى الدينية، و مركز الكون في الرؤى الإنسانية، إلى مجرد لحم يوظف و يستغل بحيث يصبح مصدرا للذة. و من هذا المنظور، يمكن أن نرى الإبادة النازية لليهود و غيرهم على أنها شكل من أشكال الإباحية أو الإمبريالية الكاملة التي تؤدي إلى موت الإنسان الفعلي، فهي حولت البشر إلى صفوف و تلال لحم توظف و ينتفع بها و لذا، فنحن نرى أن ثمة تشابها بين اللحظة النازية و اللحظة التايلاندية في الحضارة العلمانية، فكلاهما أسقط القداسة عن الإنسان و رآه مادة استعمالية توظف في أعمال السخرة في ألمانيا و في البغاء في تايلاند.
    يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيم

  14. #44
    تاريخ التسجيل
    Jan 2009
    الدولة
    المغرب
    المشاركات
    613
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    الفصل الثالث

    العقل و المادة

    تستخدم كلمة عقل و كأنها كلمة واضحة المعالم محددة الأبعاد، دال مدلوله واضح تمام الوضوح. و لكننا لو دققنا النظر لوجدنا أن الأمر جد مختلف، و أن العقل يدور في إطار مرجعية معينة تشكله و تحدد مجاله.

    العقل المادي

    العقل في اللغة الحجر و النهي، و قد سمي بذلك تشبها بعقل الناقة، لأنه يمنع صاحبه من العدول عن سواء السبيل، كما يمنع العقال الناقة من الشرود.
    و العقل في الخطاب الفلسفي (خصوصا الغربي) كلمة غامضة للغاية لها معان كثيرة متناقضة أحيانا. و عادة ما يوضع العقل في مقابل الخيال و التجربة و الإيمان و العاطفة، و لكن هناك أيضا من يرى ضرورة ارتباط العقل بكل هذه المقولات، كما يرى أنه من دونها يصبح أداة مدمرة.
    و هناك من يرى أن العقل إن هو إلا جزء لا يتجزأ من الطبيعة-المادة، و هذا هو العقل المادي، و لكن هناك أيضا من يرى أن العقل يتمتع باستقلالية عنها. فعلى سبيل المثال، عرف الفلاسفة الماديون العقل بأنه صفحة بيضاء تتراكم عليها المعطيات الحسية لتصبح أفكارا بسيطة، و تتجمع الأفكار البسيطة من تلقاء نفسها (و من خلال قوانين الترابط) لتصبح أفكارا مركبة، و تستمر عملية التركيب إلى أن نصل إلى ما نتصور أنه الأفكار الكلية و الثوابت و المطلقات مع أنها في واقع الأمر مجرد أحاسيس مادية، فكأنه لا يوجد في العقل شيء لا يوجد أصلا في الواقع المادي. هذه هي الصورة المبدئية للعقل المادي، و لكنها يمكن أن تأخذ أشكالا أكثر صقلا، فالنظرية الدراروينية ترى أن العقل قد ظهر من خلال عملية تطور كامنة في المادة ذاتها. و ترى الماركسية أن العقل ظهر من خلال علاقة الإنسان بالطبيعة و ببقية البشر أثناء العملية الإنتاجية. أما دوركهايم فقد تحدث عن العقل الجمعي، و أنه من الجماعة بمثابة الضمير من الفرد. و لكن العقل الجمعي، في نهاية الأمر و في التحليل الأخير، إن هو إلا صورة مركبة مجردة اجتماعية من العقل التجريبي الفردي الذي يكون المعرفة من خلال مراكمة المعطيات الحسية (فلا يوجد في العقل شيء لا يوجد له أصل في الواقع المادي).
    أما الفلسفات التي يقال لها مثالية، فترى أن العقل قوة في الإنسان تدرك المبادئ العامة التي تتحكم في الواقع، كما تدرك المعاني العامة غير المادية، مثل : ماهية الظواهر، أي كنهها لا ظواهرها، و الوجود و العدم، و الجوهر في مقابل العرض، و العلية و المعلولية، و الغاية و الوسيلة، و الخير و الشر، و الفضيلة و الرذيلة، و الحق و الباطل، و الجزء و الكل، و علاقة كل هذه الثنائيات بعضها ببعض، و يعرّف العقل بأنه الملكة التي يحصل بها للنفس علم مباشر بالحقائق المطلقة. فكأن هذا العقل شيء مستقل عنا. و كل إنسان يشعر بأن في داخله عقلا محدودا لا يصحح أحكامه إلا باستلهام عقل كلي ثابت لا يتغير. و قد عرّف العقل كذلك بأنه مجموع المبادئ الصلبة، المنظمة للمعرفة، كمبدأ عدم التناقض، و مبدأ السببية، و مبدأ الغائية. و تتميز هذه المبادئ بضرورتها و كليتها و استقلاليتها عن التجربة، و من هنا التمييز بين النزعة العقلانية و النزعة التجريبية. و قد خلص بعض الفلاسفة من ذلك إلى المعاني الأولية التي يكشف عنها الفكر موجودة في العقل قبل اتصاله بالحس، و أن العقل ليس صفحة بيضاء لم يتم نقشها، و إنما هو ذو رسوم فطرية تنظم معطيات التجربة. و يشير كانط إلى ما يسميه العقل المجرد أو العقل الخالص أو العقل المحض، و هو ما يسمو على عالم الحس و التجربة و العقل التجريبي، و هو ضرب من العقل النظري، و هو ما ينصب على الإدراك و المعرفة، كما يشير إلى العقل العملي، و هو ما ينصب على الأخلاق و السلوك.

    و يلاحظ أن ثمة تأرجحا هنا بين تصنيف العقل على أنه ينتمي لعالم الطبيعة/المادة و التجربة جزء لا يتجزأ منها، العقل المادي، و بين كونه يعلو عليها مستقلا عنها، العقل المثالي أو غير المادي، و يظهر هذ التأرجح منذ بداية تاريخ الفلسفة و الفكر في العالم. فأرسطو يميز بين العقل بالفعل ( و هو فاعل) و العقل بالقوة (و هو منفعل). و قد نسب شراح أرسطو إلى العقل بالفعل صفات تسمو به على عالم المادة و تبرئه من الفناء. و يلاحظ التأرجح نفسه في فكر مدرسة فرانكفورت حيث يميزون بين العقل النقدي (الذي يمكنه تجاوز الطبيعة) و العقل الأداتي و هو العقل الإجرائي الذي لا يحقق تجاوزا.

    و قد حاولت المدرسة الألمانية المثالية أن تحل مشكلة التأرجح هذه بافتراض تقابل و تماثل كاملين بين العقل و الطبيعة، فالعقل الكلي يتجلى في كل من عقل الإنسان و الطبيعة/المادة، فيوحد بينهما و يجعل معرفة الواحد هي معرفة الآخر، أي إن المثالية الألمانية الواحدية تسقط في نهاية الأمر و في التحليل الأخير في الواحدية المادية التي ترد كل شيء إلى قوانين المادة، و ذلك برغم استخدامها اصطلاحات تنم عن الواحدية المثالية. و من هنا كان يمكن أن يخرج من هذه المدرسة هيجل و يخرج من تحت عباءته شيلنج و فخته من ناحية و فيورباخ و ماركس من ناحية أخرى.
    و في الخطاب الفلسفي العربي الاستناري، عادة ما تستخدم كلمة العقل بشكل بسيط و مباشر و بشكل مطلق دون إيضاح، و لكن السياق يدل على أن المقصود هو العقل المادي القادر على التواصل مع الواقع بشكل مباشر دون أي مشاكل أو قلق، الأمر الذي يدل على عدم إدراك، أو إغفال متعمد، للقضايا التي أثارتها الفلسفة الغربية حين نصبت العقل المادي حكما. و عملية التأرجح التي دامت مئات السنين، والمحاولات، البطولية العبثية، المختلفة التي بذلها الفلاسفة الغربيون للتغلب على عملية التأرجح هذه، هي محاولات أدت في نهاية الأمر إلى ظهور المادية الجديدة و اللاعقلانية المادية التي أعلنت إفلاس العقل و نهايته. و عملية الإغفال هذه تدل على أن الخطاب الفلسفي العربي آثر أن يبدأ من حيث بدأ الغرب، حين كان لا يزال على مشارف منظومته التحديثية الاستنارية المادية، لا من حيث انتهى، بعد أن اكتملت كثير من حلقات المتتالية التحديثية الاستنارية المادية و بعد أن تكشفت معالمها، و بعد أن أدرك كثير من المفكرين و الفلاسفة الغربيين بعض نقط قصور العقل المادي التي يمكن أن نوجزها فيما يلي :
    1- العقل المادي يوجد داخل حيز التجربة المادية محكوم بحدودها، و لذا فهو لا يكتشف إلا ذاته في الواقع و لا يهتدي إلا بقوانين المادة الكامنة في الأشياء، و لا يمكنه التعامل لا مع الواقع و لا مع كافة الظواهر إلا في هديها.
    2- ينسحب هذا على العقل ذاته، و هو يتم تفكيكه في إطار الطبيعة-المادة، و يرد إليها باعتباره جزءا لا يتجزأ منها، يسري عليه ما يسري عليها من قوانين كامنة في المادة، و هو ما يعني إنكار مقدرة العقل على التجاوز و الوصول إلى الكليات.
    3- العقل المادي يصبح بهذه الطريقة، أداة الطبيعة-المادة ( و النماذج التي تدور في إطارها) في الهجوم على الإنسان، بدلا من أن يكون علامة انفصاله عنها و أسبقيته عليها.
    4- العقل المادي محايد و قادر على رصد ما هو كائن و غير قادر على إصدار الأحكام و على التعرف على ما ينبغي أن يكون، و لذا فهو يتعرف على الحقائق المادية و حسب، و لا يمكنه أن يتعرف على قيمتها. فالحقائق كمّ أما القيمة فكيف، و الحقائق أشياء ملموسة توجد في حيز التجربة المادية، أما الأخلاق فهي تنتمي إلى عالم يتجاوز حدود مثل هذه التجربة. و لذا، لا يمكن للعقل أن يصل إليها، و إن وصل إليها فهو ينكرها تماما و يردها إلى عالم المادة. و يفشل تماما في التمييز بين ما هو أخلاقي و ما هو غير أخلاقي، و بين ما هو إنساني و ما هو غير إنساني، و بين ما هو قبيح و ما هو جميل.
    5- العقل المادي معاد للتاريخ، فالتاريخ بنية إنسانية متجاوزة لعالم الطبيعة-المادة، و هي تتسم بالتنوع و التركيب و الإبهام، أما العقل المادي –كما أسلفنا- فإنه يتعامل بكفاءة مع الأرقام و الصيغ البسيطة الواضحة و يدور في إطار الطبيعة-المادة.
    6- و لكل هذا، نجد أن العقل المادي، بعد حقبة ثورية أولية، يتحول إلى عقل تكنوقراطي محافظ رجعي يذعن للأمر الواقع و قوانين الواقع الثابتة، فهو غير قادر على تجاوزها أو نقدها، فهي الأساس الذي يستند إليه، و مهمته في الإطار المادي هي رصدها في دقة بالغة و موضوعية تامة و سلبية كاملة.
    7- العقل المادي لا يرصد سوى التشابه و التواتر و التجانس و العمومية، فهو عاجز عن رصد عدم الاستمرار والفرادة، و لذا فهو يقوم بتجريد الإنسان من خصوصيته و فرادته و تركيبته.
    8- العقل المادي ينظر للواقع بمنظار كمي و يفرض المقولات الكمية على الواقع، فيرصد الواقع باعتباره كما و أرقاما و سطحا بسيطا خاليا من الأسرار، فما يستعصي على القياس يظل بمنأى عنه و غير موجود، و من ثم يختفي الكيف تماما ويتحول الإنسان من كيف إلى كم محض.
    9- العقل المادي غير قادر على إدراك الإبهام أو التركيب، و لذا فهو يقوم بتبسيط الإنسان و اختزاله في صيغ كامية رياضية بسيطة.
    10- العقل المادي عقل تافه سطحي، فهو لا يمكنه أن يسأل أيا من الأسئلة الكلية و النهائية الكبرى (ما الإنسان؟ ما مصيره في الكون؟ كيف يواجه الموت؟ ما نطاق حدوديته و شموليته؟) فهي أسئلة لا معنى له من منظوره، قضايا فارغة، على حد قول الوضعيين، لا يمكن البرهنة على صدقها أو كذبها.
    11- العقل المادي لا يرصد سوى التفاصيل المتناثرة التي لا يربطها رابط، و لذا فهو يؤدي إلى التشظي. و لكنه قادر أيضا على رصد التماثل و العمومية، دون الخصوصية التي تؤدي إلى التفرد. مما يفقد الواقع ألوانه و شخصيته. و قد شبه الواقع المادي بأشعة إكس التي يمكنها أن تكشف جمجمة الرأس لكن لا يمكنها أن تنقل لنا صورة الوجه الإنساني في أحزانه و أفراحه.
    12- العقل المادي عقل غير قادر على إدراك القادسة و الأسرار، و لا يعرف الحرمات أو المحرمات، و لذا فهو ينزع القداسة بكل صرامة عن كل الظواهر بما في ذلك الإنسان، و يراها باعتبارها مادة استعمالية
    13- العقل المادي عقل عنصري غير قادر على إدراك الكليات (إلا الطبيعة/المادة)، و لذا فهو يسقط مفهوم الإنسانية المشتركة، فهو مفهوم مركب لا يمكن قياسه. و بدلا من ذلك، يتأرجح العقل بين قطبين متنافرين : عنصرية التفاوت، و عنصرية التسوية. فالعقل المادي قادر على رصد الاختلافات الجوهرية بين الناس، فيؤكد التفاوت بينهم، أو (على النقيض من هذا) هو قادر على أن يصدر البشر باعتيارهم كيانات بيولوجية و حسب، و من ثم لا توجد أي اختلافات كيفية بين كل الأفراد و بين الإنسان و الحيوان، فالإنسان شأنه شأن الحيوان، مجموعة من الوظائف البيولوجية و الكيميائية، و عدد من الغرائز و التفاعلات الحتمية، و لذا فإن العقل المادي لا يسوي بين كل البشر و حسب، و إنما يسوي كل البشر و الحيوانات.
    14- العقل المادي، لأنه لا يمكنه إدراك الكليات أو القيمة أو الثوابت أو المطلقات أو المقدسات، عقل تفكيكي عدمي قادر على تفكيك الأشياء كما يقول دعاة ما بعد الحداثة عاجز عن إعادة تركيبها. عقل يفرز قصصا صغرى و حسب، أي مجموعة من الأقوال التي ليست لها أي شرعية خارج نطاقها المباشر و الضيق تماما مثل إدراك العقل المادي للعقل المادي بطريقة حسية مباشرة، و هو عقل عاجز عن إنتاج القصص الكبرى أو النظريات الشاملة و عن التوصل للحقيقة الكلية، و من ثم لا يوجد بالنسبة إلى هذا العقل التفكيكي المادي، خير أو شر أو عدل أو ظلم، و لا توجد أية ثنائية من أي نوع. و هو أمر متوقع بعد أن صفى هذا العقل ثنائية الإنسان و الطبيعة.
    15- العقل المادي، لكل ما تقدم، عقل إمبريالي فهو عقل لا يلتزم بأي مقاييس أخلاقية و ينكر الإنسانية المشتركة، كما أنه لا تحده حدود أو سدود، و لذا فهو لا يمكنه إلا التفكير في هزيمة العالم (الإنسان و الطبيعة) و اختزاله و تحييده و حوسلته و تحويل الطبيعة و الإنسان إلى مادة استعمالية، فكل الأمور متساوية و نسبية و لا قداسة لها.

    و نحن نذهب إلى أن العقل الإنساني، شأنه شأن الظاهرة الإنسانية، مادي في بعض جوانبه، و لكنه في جوانب أخرى متجاوز للمادة. أي إنه ليس عقلا ماديا واحديا و لا مثاليا واحديا، و إنما عقل إنساني مركب يعيش في ثنائية الجسد و الروح التكاملية، و لا يمكن رده إلى أي شيء خارجه في عالم المادة.
    يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيم

  15. #45

    افتراضي

    سلام ياشباب

    ارجوا ان تواصلوا في تفريغ مادة الكتاب بارك الله فيكم

    دمتم بخير

صفحة 3 من 4 الأولىالأولى 1234 الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. تعليقات على كتاب (الفلسفة المادية وتفكيك الإنسان)
    بواسطة الإشراف العام في المنتدى المكتبة
    مشاركات: 11
    آخر مشاركة: 07-05-2011, 10:33 PM
  2. أورخان محمد علي: الأدلة العلمية تنقض الفلسفة المادية
    بواسطة رائد الخير في المنتدى قسم الحوار عن المذاهب الفكرية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 03-30-2009, 05:07 AM
  3. الشريط الوراثي (دي إن إيه) ينقض أسس الفلسفة المادية
    بواسطة abd_allah في المنتدى قسم الحوار عن المذاهب الفكرية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 04-28-2008, 12:46 PM
  4. الإلزام الخلقى بين الفلسفة والإسلام
    بواسطة أبو مريم في المنتدى قسم الحوار عن المذاهب الفكرية
    مشاركات: 12
    آخر مشاركة: 11-09-2007, 09:42 PM
  5. الإلزام الخلقى بين الفلسفة والإسلام
    بواسطة أبو مريم في المنتدى أبو مريم
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 01-14-2005, 03:30 PM

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء