بسم الله الرحمن الرحيم والحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين , أما بعد :
فعادةً مايتطرقُ الملحد المفلس في نقاشه مع المؤمن إلى شبهه متهافته حول التناقض بين وجود إله عادل وبين مايشهده من أشرار في الكون وتشوهات وإعاقات ومجاعات. وهذه الشبهه قد تسبب شكوكاً ووساوساً حتى لبعض المسلمين ضعفاء الإيمان , ولايرجع ذلك لقوتها بس لسوء فهم البعض ونظرته للأمور من جانب واحد وعدم تناول القضية بجزئياتها الكلية. وهناك ثلاث ردود حول هذا الموضوع لبيان كشف المغالطات الإلحادية وتفنيد الشبهه , أقولُ مستعيناً بالله :
مالذي يفرض على الملحد الإيمان بالله بصفات الكمال والتي تتضمن العدل المطلق ؟ فإن قال أن الإله لابد وأن يتواجد على صفات الكمال وإلا فليس بإله فقد أثبت وجود الله لاشعورياً ووقع في التناقض , لأن هذا يدلنا على أن الإيمان بالله بصفات الكمال مغروس في النفس البشرية ومستقر في فكرها ووجدانها, ولايتصور العقل غير ذلك.
وإن قال أنه يتحدث عن صفات الإله المذكوره في القرآن لأنه يخاطب المسلمين بما يؤمنون به , فنقول حينها : بأننا كمسلمون بعد إيماننا بالله وإيماننا بصفة العدل المطلق , آمنا باليوم الآخر لأنه هو يوم تحقق العدل الذي لايظلم مثقال ذرة. فإيماننا بصفات الكمال يتضمن إيماننا باليوم الآخر لأن إحدى صفات الكمال ( العدل المطلق ) تتحقق في ذلك اليوم, على أننا نلاحظ عدل الله الكوني حتى في هذه الحياة الدنيا , والحوادث على ذلك كثيره مبسوطه في كتب التاريخ وغيرها. ومن هنا يتبين لنا نظرة الملحد السقيمة القاصرة لهذه الحياة الدنيا, فهو ينظر إلى هؤلاء المشوهين على أنهم قد فقدوا فرصتهم الكريمة في الحياة , وأن الموت هو النهاية التي ليس بعدها يقظة, فالإنسان في نظر الملحد محصور بين المهد واللحد , على أننا نؤمن بأن خلق بعض الناس بتشوهات أو إعاقات قد يكون لرفع منزلتهم أو منزلة آبائهم , أو لحكمة أخرى لايعلمها إلا الله. وعند ملاقاة العبد لنعيم الجنة ورؤية منزلته الرفيعه ينسى هموم الدنيا كلها , وهل تقارن الدنيا ( ستين أو سبعين سنه ) بالخلود الأبدي ؟ , وقد صح في الحديث القدسي عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : يُؤْتَى بِأَشَدِّ النَّاسِ كَانَ بَلَاءً فِي الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ , فَيَقُولُ اللَّهُ : اصْبُغُوهُ صِبْغَةً فِي الْجَنَّةِ , فَيُصْبَغُ فِيهَا صِبْغَةً ، فَيَقُولُ اللَّهُ : يَا ابْنَ آدَمَ , هَلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ أَوْ شَيْئًا تَكْرَهُهُ ؟ فَيَقُولُ : لَا وَعِزَّتِكَ , مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَكْرَهُهُ قَطُّ , ثُمَّ يُؤْتَى بِأَنْعَمِ النَّاسِ فِي الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَيَقُولُ : اصْبُغُوهُ صِبْغَةً فِي النَّارِ , فَيُصْبَغُ فِيهَا فَيَقُولُ : يَا ابْنَ آدَمَ , هَلْ رَأَيْتَ قَطُّ قُرَّةَ عَيْنٍ ؟ فَيَقُولُ : لَا وَعِزَّتِكَ مَا رَأَيْتُ خَيْرًا قَطُّ " . فهذا يدلنا على أن هموم الدنيا ونعيمها لايساويان شيئاً أمام نعيم الآخرة وعذابها. وقد قال ابن مسعود رضي الله عنه : " يَوَدُّ أَهْلُ الْبَلَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ يُعَايِنُونَ الثَّوَابَ أَنَّ جُلُودَهُمْ كَانَتْ تُقْرَضُ بِالْمَقَارِيضِ " . والملحد لايستطيع تصور هذا , فهو قد وضع هذه الدنيا نصب عينيه على أنها هي الحياة النهائية للإنسان , ولذلك فهو يشفق مما فيها من شرور ويتحسر ويأسف لحال أهل البلاء. والبراهين العقلية والنقلية على ضرورة البعث كثيرة وربما نناقشها في موضوع آخر. ومن هنا يتبين لنا أن الملحد ليس له وجه حق في نقاش المسلمين بهذا التناقض الذي يتوهمه بين وجود إله عادل وبين مايشهده في الكون من آفات وأمراض. لأن المسلمين قد آمنوا بوجود الآخرة والتي يجازي فيها الله الصابرين من المسلمين بنعيم ينسيهم بؤسهم في الدنيا. ومن هنا تتبخر جميع الشبهات حول الشرور عند إثبات وجود الآخرة وضرورتها عند المسلم. أما المعاقين من الكفار ومن لم تصل إليهم رسالة الإسلام فأمرهم متروك إلى الله إن شاء عذبهم أو غفر لهم , وهو العادل الذي لايظلم مثقال ذرة, وقد يكون هؤلاء من الذين يمتحنون في عرصات القيامة كما جاء في مسند أحمد.
أما الرد الثالث , فهو أن هذه الشبهه مغالطة منطقية , لأنه لايمكن البحث في الصفات قبل إثبات وجود الذات , وهذه سفسطة تقرأها في معظم نقاشات الملاحدة.
والحمدلله رب العالمين.
Bookmarks