المؤمن والملحد في عالم واحد
إننا جميعا مؤمنين وملحدين نعيش في عالم واحد, تظلنا السماء وتقلنا الأرض,
وننعم بالخيرات التي تحيط بنا من كل جانب.
وفي محاوراتنا التي تتصل بعقائدنا وتصوراتنا حول هذا العالم تواجهنا أسئلة, بعضها جوهري وبعضها ثانوي.
وقبل التعمق في الأسئلة الجزئية التي نختلف حولها يجدر بنا أن نطرح السؤال الجوهري الأهم:
بين الوجود والعدم
- لماذا كان ثمة وجود ابتداء؟ لماذا يوجد هذا العالم أصلا؟ لماذا كان ثمة شيء بدل لا شيء؟
- الملاحظ أن الحوار بين المؤمن والملحد غالبا ما ينزلق إلى أسئلة ثانوية من قبيل:
- هل هناك تطور؟ ماذا كان قبل الإنفجار العظيم؟ هل هناك أكوان متوازية؟ كم عمر الأرض؟
- وهذا كله يجرنا بعيدا عن المسألة المحورية الأصلية: مسألة وجود هذا العالم:
- العالم موجود و ليس واجب الوجود, نحن جميعا نعلم أن هذا الكون الفسيح يجوز عقلا أن يكون موجودا أو أن يكون معدوما.
ونحن نرى طروء التبدل والتغير والنقصان عليه في كل لحظة.
- لذا عرض الفلاسفة والحكماء والعلماء للسؤال القديم: هل العالم المادي الذي نعيش فيه موجود منذ الأزل أم أن له بداية؟
- ويتفرع عنه السؤال الآخر: هل هذا العالم أزلي أو مسبوق بعوالم أخرى؟ أم أنه مسبوق بخالق أوجده؟
لماذا نعي العالم؟
- نحن نعيش في هذا العالم ونحن نعي هذا العالم. وهاتان مسألتنا اثنتان.
- ولإلف العادة أصبحنا ننظر إلى هاتين المسألتين: وجودنا ووجود العالم وقدرتنا على أن نعي أنفسنا و هذا العالم,
على أنهما أمران مسلم بهما. فيا ترى لماذا نمتلك القدرة على أن نعي أنفسنا والعالم من حولنا؟ وهل تعي المادة نفسها؟
العالم بين القصد والإرادة والعبث والصدفة
- السؤال المحوري الذي يتفرع عما سبق ويختلف حوله أهل الإيمان وأهل الإلحاد هو: هل وجود العالم نتيجة لإرادة فاعلة؟
- أم أنه نتيجة لتفاعل قوانين مادية صماء وجامدة أي أنه ليس نتيجة لإرادة فاعلة؟
- المؤمنون يقولون إن الخالق أزلي والملحدون يقولون إن العالم المادي والقوانين التي تحكمه أزلية,
بمعنى ما فالملحد يعبد العالم المادي كما يعبد المؤمن خالق العالم.
- المؤمنون يؤمنون بأن الله خلق الكون بعد أن لم يكن شيئا مذكورا,
- والملاحدة يؤمنون بأن العالم خلق بواسطة الإنفجار الكبير.
- السؤال إذن: هل العالم خرج من عدم لوجود بفعل خالق مريد؟
- أم أنه نتيجة لإنفجار عشوائي تولدت عنه القوانين المادية وجميع أشكال الحياة؟
عالم مهيأ للحياة ولحفظها واستمرارها
- هنا مسألة مهمة يجدر الاتفاق عليها: العالم الذي وجدنا فيه مهيأ للحياة, العالم مهيأ لأنواع الحياة الموجودة فيه بشكل واضح.
- لذا ينبغي التفريق بين مسألتين: مسألة نشوء الحياة أو كيف أصبحت المادة حية, ومسألة استمرار وجود الحياة مع كل ما يتعلق بهذا الإستمرار.
- وهنا نشير إلى أمر مهم مثير للدهشة ومثير للتساؤل: لماذا تتكاثر وتتجدد الحياة؟ فهذا أمر آخر. فليس يكفي وجود الحياة, بل لا بد من تجددها. والسؤال الذي يتفرع عن هذه القضية هو: - هل هذا ناشئ عن إرادة فاعلة تتصف بالقصد والحكمة؟
- هذه المسألة في غاية الأهمية, فلو نظرنا لعالم الأحياء من وجهة نظر مادية بحتة فإنه يحق لنا التساؤل: لماذا قد يفكر أي كائن حي في ضرورة التكاثر؟
- حسنا, قد نقول نحن البشر, لأننا نعلم أننا سنموت, فإننا نسعى إلى التناسل, ولكن ماذا عن الأشكال البسيطة من الحياة؟ هل تشعر الباكتيريا بأنها ستموت, هل تفكر النخلة في أنها لن تعيش للأبد فتنتج التمر الذي يتيح بقاء النوع؟
التكاثر والتناسل يبدو أنه يحقق هدفا وغاية, فهل تدرك الباكتيريا والفايروسات هذه الغاية, أم أنه قصد وغاية تدل على إرادة فاعلة؟ كأن هذه الإرادة تريد بقاء الأنواع واستمرار الحياة؟ ولكن لم ولأية غاية؟
كيف ظهرت الحياة فجأة ولماذا؟
- من الأسئلة المحيرة التي لا يستطيع لها التطوريون جوابا هو: لماذا تكونت الحياة هكذا فجأة؟ لماذا لم يستغرق الأمر بلايين أو ملايين السنين؟
فأقدم المتحجرات تحمل آثار خلايا حية.
- من التصورات الغريبة التي قدمها الملاحدة أن هنالك عوالم موازية لعالمنا, لم تتحقق فيها شروط الحياة, كأن القضية عملية مقامرة صماء أثمرت الحياة هكذا دونما هدف ولا غاية, بل بمجرد تفاعلات عشوائية.
- ويبقى السؤال الذي لن يستطيع أهل الإلحاد الإجابة عليه لماذا يوجد العالم وتوجد الحياة بدل ألا يوجد شيء أصلا, لماذا خرج كل هذا الكون من عدم لوجود؟
Bookmarks