هذه خاطرة تأملية نشرتها في مدونة ثورية سورية أحببت ان أضعها هنا لأستفيد من نقدكم وتصحيحاتكم
وهذا أول منتدى شرعي أنشرها فيه لثقتي في رواد هذا المنتدى الكرام ورجاحة عقول أكثرهم وقلة الأغرار وحدثاء الأسنان - مثلي - فيه.
أرجو من الإخوة عدم الخروج عن الموضوع والبعد عما يسبب الجدال العقيم وعدم الإحالة على روابط لغير حاجة.
واعلموا أني إنسان عامّي ولست بطالب علم فلا تتردوا في تنبيهي للخطأ لكن برفق رحمكم الله.
---

السلام عليكم
الحمد لله والصلاة والسلام على محمد وآله وصحبه ومن والاه

منذ زمن بعيد قرأت حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( الحسن و الحسين سيدا شباب أهل الجنة )) (1)

وكنت طبعاً ممن لا يتدبرون معاني النصوص (وخصوصاً في موضوع فضائل القرآن وفضائل الأشخاص )وإنما يقرأها مبتورة عن معانيها، حتى من الله عليّ بالقراءة لبعض المشايخ أننا يجب أن إذا سمعنا حديثاً في فضل السورة الفلانية فيجب أن نسأل أنفسنا : لم هذا الفضل الخاص بها دون غيرها؟ ولمَ نقرأها عدة مرات وفي أوقات معينة ؟ أو أن الصحابي الفلاني قد بشره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة ، فبماذا استحق هذه المكانة العظيمة؟ وطبعاً فهم هذه الأشياء لا يمكن إلا بجمع النصوص المتعلقة بهذا الموضوع ومراجعة ما فهمه العلماء السابقون لنا من النص.
فاسأل نفسك : لم أوجب الله علينا قراءة سورة الفاتحة 17 مرة في اليوم ما عدا السنن؟
ولمَ كانت كلمة ((الله أكبر)) أكثر كلمة يجب شرعاً أن نكررها في اليوم ( 5 مرات في كل ركعة من الفروض)
ولمَ يُسَنُّ لنا قراءة سورة الكهف مرة كل أسبوع ولمَ كان من يحفظ عشرة آيات من أولها ينجو من فتنة الدجال؟ وما رمزية الكهف؟
طبعاً لن أجيب عن هذه الأسئلة فمقالي ليس لهذا وعذراً على طول المقدمة.

المهم أنني منذ زمن قرأت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( الحسن و الحسين سيدا شباب أهل الجنة )) (1)

وقد فسّر لنا النبي صلى الله عليه وسلم بمَ حاز الحسن بن علي رضوان الله عليه هذه المرتبة، ليس لأنه سبط (حفيد) النبي ولا لأن النبي يحبه جداً وهو مع الحسين ريحانتاه ، فكل إنسان في الإسلام يقيمه عمله لا نسبه، فحِينَ أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى : (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ) قَالَ النبي صلى الله عليه وسلم : (( يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ، اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ اللهِ ، لاَ أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئًا ، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ ، لاَ أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئًا ، يَا عَبَّاسُ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، لاَ أُغْنِي عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئًا ، يَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللهِ ، لاَ أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللهِ شَيْئًا ، يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ ، سَلِينِي مَا شِئْتِ لاَ أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللهِ شَيْئًا. )) (2)

فسّر رسول الله صلى الله عليه وسلم سبب سيادة الحسن رضوان الله عليه لشباب أهل الجنة بقوله : ((إنَّ ابني هذا سَيِّدٌ ، ولعَلَّ اللهَ أَنْ يُصلِحَ به بَيْنَ فِئتَينِ عَظِيمَتَينِ من المسلمين)) (3)

أي إن إصلاحه َيْنَ فِئتَينِ عَظِيمَتَينِ من المسلمين من أهم أسباب سيادته هذا ما عدا بقية فضائله وكونه من أحسن الناس عبادة وخلقاً وتصدقاً بالمال وغيرها.


وهذا ما حدث فعلاً في العام الذي سمي بعام الجماعة حيث اجتمعت كلمة الأمة بعد اختلاف وتنازع بين فريقي علي ومعاوية رضي الله عنهما فبعد وفاة أمير المؤمنين علي تولى الحسن ابنه أمر الخلافة وهو من أقدر الناس على سياسة المسلمين وأحقهم بهذا المنصب ليس لنسبه ولكن لمؤهلاته، وكان معاوية رضي الله عنه يحكم الشام وما والاه بسلطة الأمر الواقع بينما الحسن فعلياً ليس له كبير قوة على الأرض وقد دعاه الناس ليحارب معاوية كما فعل أبوه لكنه اختار خياراً عظيماً حين وضع مصالح الأمة في ميزان الشرع وبُعد النظر والإشفاق من أن يتجدد القتال بين المسلمين وتراق دماءٌ محرّمة فاجتمع مع معاوية رضي الله عنه وتنازل له عن الإمارة.
فسمّي العام عام الجماعة وفرح المسلمون فرحاً عظيماً وعادت الأمة إلى حالتها الطبيعية وتابعت مسيرة البناء والدعوة والفتوحات فكان لسيدنا الحسن بن علي شرف وفضل على الأمة جمعاء إلى يوم الدين وهذا المؤمل من قادة المسلمين أن يكونوا على قدر المسؤولية التي حملّها لها شرع الله فيقدموا مصالح الأمة على المدى البعيد على مصلحة صغيرة قد لا تدوم وقد تجر مفاسد عظيمة.

أما الحسين فكنت أتأمّل لم هو مع أخيه سيد شباب أهل الجنة ولم استحق هذه المكانة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينصّ على السبب كما فعل في شأن الحسن الذي حرص على تبيين السبب في سيادته وجعل تنازله عن الأمر شرفاً وليس خنوعاً كما قد يقول بعض الجهلة لذا حرص رسول الله على تبيين السبب.
والحقيقة أن كثيراً من علماء المسلمين غاب عنهم فهم ثورة الحسين عليه السلام ورأوا فيها خروجاً على الحاكم الشرعي كما خرج بعض الجهلة (الخوارج) على أبيه علي عليه السلام.
فصارت لدى كثير من المسلمين صورة ضبابية عن الحسين رضي الله عنه حيث هم يقرّون بفضله ومكانته لكنهم يقولون في عقولهم كيف يخرج سبط رسول الله على حاكم شرعيّ؟ كيف وقد ربّاه النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه، وهو ابن علي وفاطمة رضي الله عنهم، وهو من أفضل الصحابة وسليل بيت النبوة فكيف يخالف شريعة جدة في أمر كبير كهذا؟!.
وذلك التناقض الذي تخيلوه إنما نتج عن فساد تصورهم لدور الحاكم ودور الأمة والعلماء في شريعة الإسلام.
فأبو عبد الله الحسين لم يثر ليثأر لأبيه ولا طلباً لحق شخصي أو عائلي في الحكم ولا بحثاً عن جاه أو سلطة، حاشاه، بل خرج يدافع عن رسالة جده صلى الله عليه وسلم، خرج لكي لا يبدل الدين، فالناس كانوا قد أعطوا فرصة ليزيد وإن كان وصل للحكم بغير شورى لكنهم أعطوه فرصة ليعلموا خير وشره، فلمّا رأى الحسين فساده وظلمه خاف على الأمة وعلى شرع الله فقرر أن يخرج فنال الشهادة في سبيل الله.
مات الحسين ولكن رسالته لم تمت.

وكان علماء أهل السنة لما رأوا من مفاسد الثورات المسلحة وما تجره على الأمة من ويلات وسفك دماء وتفرّق كلمة وتباغض وتناحر بين إخوة الإيمان حرموا هذه الثورات المسلحة واستقر رأي الأغلبية عل التحريم ، مع أن التاريخ يسجل أن هذا التحريم لم يكن مجمعاً عليه في القرون الأولى الخيرة (عصر السلف) حتى صار هذا التحريم في العصور المتأخرة جزءاً من موضوعات العقيدة وإن كان في الأصل موضوعاً فقهياً. وجُمعت بعض النصوص التي تحض على طاعة ولاة الأمور مع بعضها (دون تمحيصها صحة وضعفاً) ولويت أعناق النصوص، حتى أصبح بعض الجهلة يرون أن مجرد الاعتراض على الحاكم لايجوز مهما فعل كما هو حال البوطي وغيره، ويرون أن الحاكم يتفضل علينا ببعض عطاياه ومكرماته كلما فعل شيئاً هو من واجباته وسادت هذه الثقافة في الأمة لقرون مما ساهم بتراجع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي هو روح سياسة الأمة ومن أعظم أسباب خيريتها كما قال الله تعالى ((كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ )) [ آل عمران - 110 ] وضعف الاحتساب على الأمراء الذي هو من أوجب الواجبات حتى إن النَّبِي -صلى الله عليه وسلم- اختصر الدين في النصيحة حين قَالَ (( الدِّينُ النَّصِيحَةُ)) قُلْنَا لِمَنْ قَالَ (( لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ )) (4). وهذه النصيحة تكون على درجات حسب الحاجة والظروف ، وإن كان التاريخ يحفظ لنا مواقف كثير من العلماء في مجابهة ظلم الحكام ونهيهم عن المنكر.

والمشكلة هنا أن الأحكام الفقهية تبنى على فهم النصوص الواردة في الموضوع بعد جمعها وتمحيص الصحيح والضعيف منها وفق أصول الفقه ومع موازنة المقاصد الشرعية الكبرى مع مراعاة ظروف كل حالة إفتاء بينما العقائد هي أمور واضحة في النصوص لا جدال فيها وهذا لا يمنع من تدبرها وتعامل القلب والعقل معها ودفع الشبهات عنها بالأدلة العقلية والنقلية.

لذا فقلّة من العلماء من بعد مرور قرون على ثورة الحسين رضي الله عنه قرأوا ظروف هذه الثورة زماناً ومكاناً وعادوا بالأمور إلى نصابها وفهموا تحرّكه على ضوء أصول ومقاصد الشريعة وهو الفقيه العالم رضي الله عنه.
حيث فهموا أن المقصد من نصب الحاكم في الإسلام هي إقامة الشرع ورعاية مصالح الأمة ولذلك تنتخبه الأمة وتختاره وإنما هو موظف عند الأمّة للقيام بها العمل فمتى أخل به وقصر فيه وجب تنبيهه وتذكيره كغيره من الموظفين (وغالباً يكون هذا النصح سراً في هذه المرحلة حسب حجم الخطأ) فإذا استمر في الظلم وجب على العلماء نهيه عن المنكر والإعلان بذلك، فإذا ابتعد جداً عما نُصب في الحكم لأجله وجب شرعاً على الأمة استبداله بمن هو أصلح منه وأحسن قياماً بالوظيفة منه، وهذا الوجوب مرتبط بعوامل عدة منها الاستطاعة وتوازن المصالح والمفاسد والحرص على الدماء المحرمة وعلى وحدة كلمة الأمة.

لذا فإن تغيير الحاكم قد يكون واجباً والوسيلة إلى ذلك تقدر بحسب الظروف فقد تكون سلماً أو حرباً وإن كان الخيار المسلح عظيم المفاسد ونادراً ما ينجح لأن الحاكم يكون معه أكثر العدد والعتاد لذلك استبعده العلماء دوماً حتى صار عند بعضهم من المحرّم لذاته لا لغيره.
وبمرور الزمن وتناقص العلم انجر ذلك التحريم على الإنكار السلمي كما ذكرنا، وصار اللاوعي الجمعي العربي المسلم يقدّس الحاكم وإن كان يسبه ليل نهار لظلمه وذلك بسبب تحريم المشايخ الجاهلين المس بمقام الحاكم، ومما زاد في تفاقم البعد بين الحاكم والمحكوم ذلك توجه الخلافة العثمانية في آخر حكمها للفتوحات العسكرية وإهمالها للشأن الدخلي كما كان الطابع العام لفتوحاتها هو التوسع العسكري فحسب لا إيصال الدعوة الإسلامية الذي هو المقصد الرئيس لجهاد الطلب فصار الحاكم يأخذ شرعيته من جهاد الطلب الذي هو جزء واحد من واجباته وليس أهمها، كما يفعل اليوم الأسد وغيره (5) بالممانعة والمقاومة فيخرسون المحتسبين عن الإنكار بحجة أننا نتعرض للهجمة الإمبريالية ونسوا أنّ إصلاح الداخل هو أساس النصر في الخارج كما قال الله عز وجل يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ )[سورة محمد - 7]. مما أدى لضعف الخلافة وانهيارها.

واليوم وعلى ضوء الثورات العربية بدأ الكثير من أهل العلم إعادة النظر في مفاهيم ترسخت لدينا ونفضوا الغبار عن المفاهيم الصحيحة،
ومنها موضوع الإمامة الكبرى أو الحكم. وفصل الارتباط بين الإنكار على الحكام وبين الخوارج الذين ضلوا في مسائل العقيدة.

وبما أن الحسن عليه السلام وضع بتنازله عن الإمارة علامة فارقة في تاريخ الإسلام وكان عمله هذا مرجعاً في تقديم المصلحة العامة واجتماع الكلمة فأفهمنا أن ((المهم هو قيام خلافة رسول الله بإقامة شرعه ورعاية مصالح الامة بغض النظر عن شخص الخليفة فلا يوجد حاكم مقدس معصوم في الإسلام)) وإنما هو خليفة أي مستخلف وموظف للقيام بعمل فأي شخص يكون مؤهلاً لهذا العمل يمكن أن يتولاه بغض النظر عن نسبه ولونه وجنسه.

وأخوه الحسين عليه السلام لم يرض بدرجة أقل فوضع هو الآخر علامة فارقة بثورته على الظلم والفساد لينبهنا ويفهمنا أيضاً أن ((المهم هو قيام خلافة رسول الله بإقامة شرعه ورعاية مصالح الامة بغض النظر عن شخص الخليفة فلا يوجد حاكم مقدس معصوم في الإسلام)) وإنما هو خليفة أي مستخلف وموظف للقيام بعمل متى صار غير قادر أو غير مريد للقيام به كانت إقالته واجباً على الأمة التي وظفته وأن كلمة الأمة ينبغي على تجتمع الحق لا لمجرد الاجتماع وإن ضُيٍّع الحق.


وبهذا اجتمع الشابان على حفظ رسالة جدهما عليه الصلاة والسلام حيث وصلا للهدف نفسه من طريقين مختلفين.
وبهذا استحق هذان الشابان مكانة سيديّ الشباب حيث أحيى كل منهما معنى عظيماً جداً في المجال السياسي من رسالة النبي عليه الصلاة والسلام. إلى جانب حسناتهما الأخرى كالجهاد في الفتوحات وغيره.
وتخصيص كونهما سيدي "الشباب" في الحديث له معانِ جديرة بالتدبر ولعل دور الشباب اليوم يذكرنا ويعيننا على فهم هذا التخصيص .


الموضوع كبير ويحتمل كتباً ويحتاج لكثير من العلم والتدبر للكتابة فيه ولعلكم تفيدوننا فمثلي لا يستطيع إيفاء الموضوع حقه.

وما كان من صواب فمن الله وحده، وما كان من خطأ فمني ومن الشيطان، والله ورسوله منه براء.
والله أعلم وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.


بانتظار آرائكم ونقدكم البناء
-----
(1) حديث صحيح، رواه الترمذي وأحمد وغيرهما (انظر السلسلة الصحيحة 2 / 438 حديث رقم 796 ).
(2) حديث صحيح، رواه البُخاري 2753 و4771 ومسلم 424 و غيرهما.
(3) حديث صحيح، أخرجه البخاري (2704 ) وأبو داود والترمذي وأحمد وغيرهم.
(4) حديث صحيح، رواه مسلم (205) وغيره.
(5) مع الاعتذار لبني عثمان وكل العقلاء على المقارنة.