النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: الحرية الغربية.. الجذور والمنطلقات.

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    الدولة
    الكويت
    المشاركات
    3,251
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي الحرية الغربية.. الجذور والمنطلقات.

    إلى أيّ حرية يدعو الغرب؟ وأيّ حرية يمارسها داخل بلدانه؟ ما موقعها من العقيدة أو موقع العقيدة في إطارها؟ ما وضعها في الواقع التطبيقي الغربي؟ وما الذي يجعل الازدواجية سمة ملازمة للتعامل الغربي مع حرية الآخر؟ هل الحرية بمفهومها الغربي قيمة من القيم الإنسانية المشتركة، يحقّ للغرب المطالبة بسريان مفعولها في المجتمع البشري دون تحفّظ؟ وهل يمكن الأخذ بحرية الغرب في الدوائر الحضارية الأخرى؟ وعلى افتراض صحّة ذلك، هل ينبغي تكييف المعطيات والخصائص الذاتية في تلك الدوائر الحضارية مع الحرية بمفهومها الغربي أم العكس؟

    يلاحظ أنه في القسط الأكبر مما يُكتب عن الحرية الغربية بأقلام غربية، أو حتى الأقلام الإسلامية، تتردد مقولة تعميمية، مؤداها أن التناقض بين مفهوم الحرية الغربي المعاصر والدين إنما نشأ كردة فعل تنويرية حداثية على الاستبداد الكنسي في ظلمات العصر الوسيط الأوربي فحسب، وهذه مقولة تفتقر إلى تمحيص تاريخي منهجي.

    وشبيه بذلك مقولة تعميمية أخرى مؤدّاها أن انطلاقة مسيرة الحريات في عصر التنوير الأوربي قد تجاوزت الحقبة الكنسية، فأخذت جذور "الديمقراطية" من عصر الإغريق والرومان، وهي مقولة تنطوي ضمناً على تبرئة ذلك العصر مقابل إدانة الكنيسة وعصر استبدادها، ومن العسير القبول بذلك وما يراد أن ينبني عليه.

    جذور إغريقية وكنسية

    أوّل من استخدم كلمة "الديمقراطية" في الغرب كان الفيلسوف الغربي أرسطو (توفي 322 ق.م)، وقليلا ما يُذكر أنّ أرسطو لم يستخدم الكلمة، والتي تعني في الأصل "حكم الشعب" بمقاصدها المعروفة اليوم، بل من منظور الازدراء ببعض معاصريه ممّن دعا إلى تمكين "الدهماء" من العامّة من قول ما يريدون، فأولئك لا يفقهون -وفق نظرته- في السياسة ولا سواها، ولا ينبغي الاستماع إليهم في نطاق ما سمّاه الغربيّون المحدَثون "ديمقراطية أثينا".

    وديمقراطية أثينا تلك لم تتجاوز احتكارَ صناعة القرار في نطاق "علية القوم"، أي زهاء 2 إلى 3% من الشعب، ولم تعرف انتخاباتٍ ولا فصلَ سلطات ولا أي علامة أخرى واضحة أو حتى في حدود بذور أولية من علامات الديمقراطية الغربية الحديثة. إنما قال بعض معاصريها بجواز السماح للعامّة أن "يقولوا" ما يريدون، فكان ذلك على غرار ما تعرفه الأنظمة الاستبدادية حديثاً؛ إذ تسمح بالتعبير عن الرأي بأسلوب "قل ما تشاء.. ونقرّر نحن ما نشاء"، ويسري شبيه ذلك بدرجات متفاوتة على غالبية الدول الديمقراطية الغربية المعاصرة، حيث حرية التعبير مكفولة دستورياً، لكنّ غالبية الأفراد من عامّة المواطنين لا يمتلكون قوّة فاعلة تسمح بتأثير "حرية تعبيرهم" على صناعة القرار، فلا مبالغة في القول إنّها تبقى في الحصيلة حبراً على ورق.

    في عصر الإغريق كان أشهر الشواهد على هذه الصورة ما عُرف بمحاكمة سقراط (توفي 399 ق.م) الذي اشتهر بفلسفته "التوليدية"، أي استخراج الجواب عبر طرح الأسئلة على العامّة في شوارع أثينا ليستخرج من أجوبتهم ما يفكّرون به، وكان مصيره المحاكمة بتهمة الشغب، وصدور حكم بالإعدام عليه وهو في السبعين من عمره، فاستبق تنفيذ الحكم بتناول السمّ كما كانت تقضي أعراف الفلاسفة.

    يتكرّر هذا المشهد بصور شتّى في نطاق "الفلسفة الرواقية" التي أسّسها "زينون الرواقي" (توفي 264 ق.م)، وانتقلت لاحقا إلى العصر الروماني والكنسي، وقامت على الفصل بين القيم السلوكية وصناعة القرار، أو "الفلسفة الإبيقورية" التي أسّسها إبيقور (توفي 270 ق.م)، داعياً إلى اللذة والمتعة، وإلى تجنّب السياسة وأهلها.

    أمّا أن يتجاوز الفلاسفة -والفلسفة هي الفكر بمفهوم الغرب- حدود فرضياتهم عن الطبيعة والكون، والإنسان وسلوكه، إلى أمر يتعلّق بتكوين الإمبراطوريات آنذاك، وطبيعة حكمها، أو إلى ما يتّصل بالآلهة الوثنية استهزاء أو إنكاراً، فمصير من يصنع ذلك كمصير سقراط، محاكمة، وإعداماً، أو نفياً، أو سجناً، أو قتلاً، أو انتحاراً، كما كان مع عدد كبير من الفلاسفة من أيام آناكساجوراس الإغريقي (توفي 428 ق.م) إلى أيام سيزيرو الروماني (توفي 43 ق.م).

    وأبرز ما بقي من تلك الفترة عن الديمقراطية الإغريقية الغربية مخطوطة أفلاطون (توفي 347 ق.م) بعنوان "المدينة الفاضلة"، وإليها يعيد الغربيون ومن دعا بدعوتهم جذور ديمقراطيتهم المعاصرة، وكانت "المدينة الفاضلة" وفق أفلاطون نظام حكم طبقي؛ ففيها طبقة رجال الدين والنبلاء (الأرستقراطيين الحاكمين)، وطبقة العسكريين المقاتلين، وطبقة الشعب التي لا حقوق لها سوى أن تنفّذ ما تقرّره الطبقة الأولى.

    عنصر "الطبقية" هذا لا يظهر كثيراً في مقارنات الكتّاب المحدثين بين الإمبراطورية التي يريد صانعو القرار الأمريكيون إقامتها عالمياً، وبين الإمبراطورية الرومانية قديماً؛ إذ يغلب عندهم حديث المقارنات في أسلوب التعامل مع الشعوب الأخرى، وهو ما يرتبط بعامل العنصرية فيما يوصف بحضارة "الإنسان الأبيض"، فيغيب عن تلك المقارنات عنصر التعامل مع الشعوب داخل نطاق الغرب نفسه، والمرتبط بعامل "الطبقية" التي اختلفت مسمّياتها وتطبيقاتها فحسب.

    ملاحظات مهمة

    أمّا الحقبة التالية فشهدت الفلسفة الكنسية، مثل "الأبوية" و"المدارسية" وسواهما، ولم تنطلق من الجانب الديني بل من المزاوجة بينه وبين ما أخذته عن الإغريق، لا سيّما الفلسفات الأفلاطونية والأفلاطونية الجديدة. منطلقة من أطروحات الفيلسوف اليهودي في الإسكندرية، فيلو (توفي 40م)، لتستقرّ عموماً على محاور ما صاغه لها بعد قرون الفيلسوف الجزائري الأصل أوجستينوس (توفي 354م).

    ونتوّقف هنا عند ملاحظة أولية:

    1 - كانت القرون التالية من العصر الوسيط الأوروبي امتداداً تاريخيّاَ لاضطهاد "الآخر" في العصر الإغريقي، وأصبح عنوانه "الآخر الكنسي"، ثمّ "الآخر الفلسفي"، ثمّ مع ظهور بذور التمرّد على سلطان الكنيسة، شهدت القرون الأخيرة من العصر الوسيط الأوروبي اضطهاد رأي "الآخر" العلمي والفني والأدبي والسياسي.

    2 - كيف نفسّر إذن تركيز الدعوات العلمانية والحداثية المعاصرة -لا سيما بالعربية- على ممارسات الكنيسة الاستبدادية تلك، مع أنّ الكنيسة فقدت سلطانها، مع ندرة التنويه بما كان من ممارسات مماثلة لدى الإغريق والرومان من قبل، وكذلك لدى الفراعنة والبابليين والآشوريين وغيرهم؟

    3 - أليس في هذا التركيز ما يراد به استهداف المسيحية عبر استهداف الكنيسة، باعتبارها من أديان الوحي الإلهي، لتشمل مقولة التناقض المزعوم بين الحرية -لا سيّما حرية الرأي والتعبير- وبين الدين، سائر أديانِ الوحي دون تمييز.. بل لتشمل الإسلام تخصيصاً، فهو الذي يتناول سائر ميادين الحياة، ولا يفصل بين مجال شخصي ما وبين السياسة التي لا تترك مجالا من المجالات دون توجيهه، بما في ذلك المجالات الشخصية للإنسان.

    النهضة وليدة الحرية لا الحداثة المادية

    في نطاق التركيز المشار إليه تعميماً لدعوة "الحداثة" ثمّ "ما بعد الحداثة" في الدائرة الحضارية الإسلامية، انتشرت مزاعم عديدة، محورها القول إنّ صناعة قيم الحرية والكرامة الإنسانية في أوروبا، بمعنى التنوير، كانت من حصيلة فلسفات حداثية ومادية وإلحادية، أو هي على الأقلّ حصيلة علمانية بدأت بالفصل بين الكنيسة وحكم الدولة، وقد تطوّرت واقعياً إلى الفصل بين صناعة الإنسان والدين.

    في هذا الطرح مغالطات تتجاهل حتى تسلسل الوقائع الزمنية المجرّدة؛ بل إنّ كلمة حداثة نفسها عندما ظهرت لأوّل مرة في الكتابات الإنجليزية عام 1580م بلفظة modern اقتصر استخدامها على المعنى اللغوي: جديد، وهذا ما يسري على استخدامها في الكتابات الفرنسية في مطالع القرن 18م، بلفظتي moderne وmoderniser ثم كان أوّل من استخدم الكلمة بمعنى قريب من "الحداثة" بمفهوم فلسفي وبلفظة modernitè، هو الكاتب الفرنسي شاتوبريان (توفي 1848م)، وكان ذلك على سبيل الاستهزاء والسخرية.

    وما يسري على الاستخدام اللغوي، يسري على المضمون الفلسفي والواقع التطبيقي، فما يُعتبر إنجازاً بمقاييس النهضة الإنسانية، أي قيم الكرامة والحرية وما يتبع لها، والحكم القويم، ومكافحة الاستبداد.. جميع ذلك وما بُني عليه في "التنوير" الأوروبي سبق الأطروحات التي يصنّفها الحداثيون والعلمانيون في التأريخ للحداثة، تحت عنوانين رئيسيين هما "العقلانية" و"التجريبية الحسية/ الإمبريقية"، في فلسفات رينيه ديكارت (توفي 1596م) وباروخ سبينوزا (توفي 1632م) وفرانسيس بيكون (توفي 1626م) وديفيد هيوم (توفي 1711م) وغيرهم.

    بل إنّ دور المنطلق الديني في التمرّد على الاستبداد الكنسي وترسيخ قيم الحرية والكرامة، كان هو الدور الأبرز للعيان على امتداد عدّة قرون، قبل التنوير والحداثة ثم العلمانية والمادية، وهو المنطلق الذي صنع الإصلاحات الأولى في الواقع الأوربي، وجعل التنوير نفسه نتيجة من نتائجه.

    لقد واجهت مسيرة السيطرة الكنسية الأولى مظاهر التمرّد من منطلقٍ ديني؛ وهو ما أدّى إلى الانشقاقات الكنسية وظهور طوائف عديدة، وانطوى على صدامات عنيفة مع معارضة كنسية داخلية -إذا صحّ التعبير- في فترة ترسيخ الفلسفة الكنسية، باتجاهيها الكبيرين، الكاثوليكي والأرثوذوكسي، ثم في فترة نشأة الكنائس أو الحركات الكنسية الموصوفة بالإصلاح الكنسي، كالبروتستانتية التي أسّسها مارتن لوثر(توفي 1546م)، والإنجليكية أو الإنجليكانية التي استقرّت في بريطانيا في القرن 17م.


    فلاسفة.. ودعوات

    كذلك لم تبدأ دعوات الإصلاح السياسي تحت عناوين الحرية والكرامة الإنسانية انطلاقاً من حقبة الحداثة في القرن 18م، والفلسفات المادية والعلمانية في القرنين 19 و20م، إنّما سبقتها بعدّة قرون على مساراتٍ ارتبطت بأطروحات فلاسفة وساسة عديدين، من أشهرهم على سبيل المثال دون الحصر:


    • مارسيليو دي مينارديني (توفي 1342م): دعا إلى مجتمع جمهوري قائم على السيادة الشعبية.


    • جون فورتيسكو (توفي 1476م): دعا إلى الحدّ من السلطة الملكية، واعتبارها مرتبطة بإرادة الشعوب، وتابعه جورج بوخينان (توفي 1582م).


    • نيقولو ميكيافيلي (توفي 1527م)، وقد اشتهر بفلسفته النفعية، وتطبيقها في حياته السياسية، ولكنّه تميّز بدور فعّال عبر مجلس السلام والحرية في فلورنسا؛ حيث قام حكم جمهوري مستقلّ عن روما القريبة. ورغم ما عُرف عن نفعيّة ميكيافيللي، فإن "العقد الاجتماعي" يصنّفه بين أوائل من دعوا إلى حرية الشعوب، وهو جزء من أجهزة السيطرة عليها.

    • جان بودان (توفي 1596م): وقد دعا إلى سيادة الدولة على سائر المواطنين فيها، مؤكّداً بذلك رفضَ السلطة الكنسية المطلقة، ومتأثّراً بالحقبة التي عايشها، وكانت حافلة بالحروب الدينية في أوروبا، لا سيّما بين الكنيستين الكاثوليكية والبروتستانتية في فرنسا.


    ويمكن المضيّ مع مزيد من الأمثلة على أطروحات فلسفية محضة، وأطروحات علمية، وإنجازات تقنية علمية، وجميعها -كأطروحات الفلسفة الإنسانية والسياسية - كانت سابقة لأطروحات الحداثة المادية والعلمانية المتشدّدة أو المستقلة عنها، ولم تكن من نتائجها.

    إنّ مفعول القيم الكامن في تلك الأطروحات هو ما صنع القوّة المحرّكة للتقدّم التقني والعلمي، قبل أطروحات التجريبية الحسية/الإمبريقية، ناهيك عن أنّها سبقت بعدة قرون ولادة الوجودية والوضعية وغيرها؛ أي الدعوات التي يروّج لها أنصارها على خلفية أخذها بالإلحاد المطلق أو إنكار الدين، شرطاً من شروط حرية الإنسان لصناعة الإنجازات الحضارية البشرية، فقلبوا بذلك المعادلة الزمنية التاريخية التي سبقت فلسفاتهم رأساً على عقب.

    وهذا ما يؤكّد تهافت منطلق مَن يروّج حالياً للزعم القائل إنّ بداية الطريق إلى النهضة في الدائرة الحضارية الإسلامية يجب أن تعبر طريق العداء للدين -أو إقصاء الدين- أسوة بالتنويريين الأوربيين، وبزعم تقييده لحربة الفكر والرأي والعلم والعطاء والإبداع.

    الغرب والعداء للدين

    إنّ هذا الشطط الفلسفي لا يُكسب من يمارسه حتى "إتقان" عملية "التقليد أو التغريب"، فمراحل تطوّر الغرب تاريخياً تؤكّد أنّ العداء للدين لم يستقرّ وينتشر في مرحلة الانطلاقة الأولى للنهضة الغربية في الميادين العلمية والفكرية والسياسية والأدبية والفنية الأولى، بل كان مرافقاً لمسيرة تلك النهضة في فترة متأخّرة، ونتيجة تطوّرات معيّنة لاحقة، فلم يكن قطعاً هو المحرّك لصناعة النهضة؛ بل إنّ هذا الانحراف هو ما يمكن اعتباره بالمنظور الإنساني التاريخي -وبالمنظور الإسلامي على كلّ حال- بداية الانهيار على الطريق الحضاري وليس شرط الصعود والنهوض.

    لا يعني ما سبق تبرئة مفعول الاستبداد الكنسي في ولادة الانحراف المادي في النظرة إلى الدين وعلاقته بالحرية. إنّما ينبغي التمييز وفق ما سبق بين عدد من المحاور:

    1 - الاضطهاد كان إغريقياً ورومانياً، عنصرياً وطبقياً، قبل ظهور الاستبداد الكنسي.

    2 - استمرّ الاضطهاد في العهد الكنسي، ولم ينطلق من التعاليم الدينية، بل من مزاوجتها بالفلسفات القديمة.

    3 - نشأت دعوات التحرير التنويرية بمعزل عن مفعول النظرات المادية اللاحقة في دعوات الحداثة والعلمانية.

    ونضيف هنا أنّ الانحراف بالاتجاه المادي والشطط في الدعوات العلمانية، ومزاعم أنّ هذا هو ما تعنيه "حرية الإنسان" أو يعنيه تحريره، بدأ عبر الانتقال من أطروحة فصل "مؤسسة الكنيسة" عن "مؤسسة الحكم"، إلى فصل "الدين" عن مختلف ميادين الحياة الإنسانية المشتركة، وكان هذا الانحراف وليد جولات صراع مادي واكبت ما سمّي "اكتشافات جغرافية" -وهي انتشار جغرافي استعماري- ثمّ ظهور الرأسمالية بعد آدم سميث (توفي 1790م)، آنذاك بدأ دفاع الكنيسة والإقطاع المتحالف معها عن المواقع الاستبدادية القائمة في وجه الرأسمالية الناشئة، وآنذاك في القرنين 18 و19م تحوّل الاضطهاد الكنسي من اضطهادٍ للمخالفين من منطلقات كنسية للإملاءات الكنسية/ الدوجما، إلى معاداة "سائر المخالفين" بما يشمل المنطلقات الأدبية والفكرية والعلمية.

    هذا ممّا يستدعي تجنّب التعميم في الكتابة عن الشطط في مفهوم الحرية الغربي إلى درجة معاداة الدين، كما لو كان وليد معادلة الكنيسة والنهضة في أوربا فحسب، فهي جزء من كلّ، كما هو الحال مع كلّ "صراع" تاريخي.

    وكان من ذلك كأمثلة:

    1 - في ميدان الفكر والآداب والفنون التي بدأت بذور النهضة على صعيدها، تحوّلت محاكمات الإغريق لكلّ من يتجاوز حدود الاستبداد الحاكم إلى محاكمات كنسية لكلّ من يتجاوز حدود استبداد الكنيسة ويتمرّد على تعاليمها التي قرّرت للفنون أن تكون لأغراض كنسية فقط.

    2 - على الصعيد العلمي بدأ وضع مفهوم الحرية فوق ضوابط العقيدة والقيم، عبر انتشار الفلسفات الوضعية والمادية، وإذا كانت له جذور سابقة فهي ممّا يكمن في متابعة الكنيسة لممارسات الإغريق والرومان فيما عُرف بالعلوم السبعة، التي كانت هي المرخّص بها للطبقة المسيطرة دون العامة، ولم تكن خاصة بالميدان الفلسفي، بل شملت مثلا الرياضيات، والفنون، واللغة، وغيرها، فجعلتها الكنيسة حكرا على الأديرة لتخريج رجال الكنيسة منها على امتداد قرون عديدة، وعليها قامت الجامعات الأوربية الأولى في إيطاليا وفرنسا وبريطانيا أواخر العهد الوسيط، فكان التمرّد عليها لاحقا مقترنا بالتمرّد على "الدين" نفسه وليس على المؤسسة التي أخذت لنفسها حقّ احتكار العلم.


    المصدر: http://www.islamonline.net/i3/Conten...=1180421264229
    {قل هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا، فستعلمون من هو في ضلال مبين}


  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jul 2010
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    1,721
    المذهب أو العقيدة
    مسلم
    مقالات المدونة
    1

    افتراضي

    تحليل دقيق .. وكلام موزون ..
    وإن كنا نحن الإسلاميين نخلط نفس الخلط فى الربط بين .. الحرية الغربية والحداثة ..
    والإنفصال عن الموروث الغربى الكنسى التسلطى ...
    لكن الفارق بيننا وبين العلمانيين أننا نسب التحرر والحداثة الى التخلص من (( دين محرف ))
    وهم ينسبونه الى التخلص من الفكر الدينى عامة ...
    ________________
    وهذه النقطة مهمة للغاية .. أن الإستبداد الكنسى هو إرث لحضارة يونانية إغريقية حرفت دينا سماوياً ..
    ولعل الدكتور هشام عزمى تحدث عن مثل هذا فى كلامه حول حتمية العلمانية ..
    سلِم ... تسلَم ...
    فإنك لا تدرى غور البحر إلا وقد أدركك الغرق قبل ذلك ..


معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 01-03-2013, 01:57 PM
  2. نقض الجذور الفكرية للديمقراطية الغربية
    بواسطة عبد الغفور في المنتدى المكتبة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 04-04-2010, 08:19 PM
  3. الجذور الحقيقيه للبطاله في العالم العربي
    بواسطة eltaweel في المنتدى قسم الحوار العام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 05-16-2006, 06:55 AM
  4. عباد الشيطان ... الجذور التاريخية
    بواسطة حازم في المنتدى قسم الحوار عن المذاهب الفكرية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 03-25-2005, 02:56 PM
  5. الحضارة الغربية: ضجة عن الحرية .. وممارسة للهيمنة الثقافية.
    بواسطة حازم في المنتدى قسم الحوار العام
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 12-22-2004, 09:46 AM

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء