صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 15 من 16

الموضوع: حوار مع الشيخ أبي فهر السلفي: مدخل إلى الثقافة المتكاملة.

  1. افتراضي حوار مع الشيخ أبي فهر السلفي: مدخل إلى الثقافة المتكاملة.

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله، وصلى الله وسلم على خاتم رسله ومصطفاه، وبعد..


    فهذا حوارٌ سيدور بيني وبين الشيخ الفاضل أبي فهر السلفي، أسأله ويجيبني بما يفتح الله به عليه، وموضوع الحوار -كما ذُكر في العنوان -"مدخل إلى الثقافة المتكاملةوالحوار سيكون ثنائيًّا منعًا للتشتيت وحفاظًا على الوقت، ومن يرد من المتابعين الأكارم طرح أسئلةٍ ذات تعلق بالحوار، فليراسلني بها على الخاص تكرمًا منه، وسوف أنتقي منها ما يُناسب موضعه من الحوار، نسأل الله أن يوفقنا لما فيه رضاه، وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا.

    شيخنا الفاضل!

    أشكرك على قبولك الطيب دعوتي لهذا الحوار، وأسأل الله أن يثيبك خيرًا، وأن يكتب لك التوفيق والسداد.

    وأفتتح بسؤالٍ عن معنى (الثقافة)؟ وهل من تجليةٍ لمفهوم (الثقافة المتكاملة)؟

    جزاكم الله خيرًا، وبارك الله فيكم.
    " أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ "
    صفحتي على الفيسبوك - صفحتي على تويتر.

  2. افتراضي

    بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه،وبعد..

    فجزاك الله خيراً أخي الحبيب حسام على هذه الدعوة الكريمة،وعلى هذه الثقة البالغة في حسن الظن غايته.

    وأسأل الله عز وجل أن ينفع بهذا الحوار أطرافه وقراءه،وأن يتقبله منا ،ويدخره لنا ذخراً ليوم نلقاه.

    وأبدأ في الإجابة من المشاركة القادمة بإذن الله
    قال شيخ الإسلام ((إن الرد بمجرد الشتم والتهويل لا يعجز عنه أحد والإنسان لو أنه يناظر المشركين وأهل الكتاب لكان عليه أن يذكر من الحجة ما يبين به الحق الذي معه والباطل الذي معهم))

  3. افتراضي

    (1) ما معنى الثقافة؟

    الجواب : الثقافة هي اللفظة العربية التي أفشاها في الناس (سلامة موسى) كمقابل للفظة الأجنبية (culture)،وقد عنى بها سلامة موسى المعنى الفكري للكلمة والذي كان شائعاً في أوربا في القرن الثامن عشر وهو : ((مجموعة العلوم والمعارف والآداب والفنون التي يحذقها شخص معين)).

    أما قبل القرن الثامن عشر فكان للكلمة دلالات أخرى منها : الفلاحة والزراعة،والطقوس الدينية.

    وأما بعد القرن الثامن عشر فقد بات للكلمة دلالات أخرى كثيرة حتى وصلت تعريفاتها لقرابة مائة وستين تعريفاً،واقترب مفهومها كثيراً من مفهوم (الدين) في اللسان الأول وصارت دلالات هذا اللفظ في العلوم الاجتماعية(علم الاجتماع-الانثروبولوجيا) أبعد كثيراً عن مفهوم الثقافة الشائع عند عامة الناس وعامة المهتمين بالقراءة في عالمنا العربي؛وقد بات هذا المفهوم الشائع الذي قصد سلامة موسى أن ينقل لفظ الثقافة إليه = أقل شهرة مما مضى ولا يكاد يقصد في البحوث العلمية الحديثة إلا نادراً.

    وهذا المعنى الذي قصد سلامة موسى أن ينقل اللفظ إليه هو عين مقصودنا هنا،وبه عرف مجمع اللغة العربية لفظ الثقافة في معجمه الوسيط فقال محرروه: ((الثقافة : العلوم والمعارف والفنون التي يطلب العلم بها والحذق فيها)).

    (2) وهل من تجليةٍ لمفهوم (الثقافة المتكاملة)؟

    المراد بهذا : هو وصف حالة معينة من الثقافة تقوم العلاقة فيها بين أبواب وفروع الثقافة (العلوم والآداب والفنون) على أساس التكامل بحيث لا يكون تحصيل تلك العلوم منقوصاً ،ولا يكون في الوقت نفسه تاماً في شعث وعلى غير نظام،وهذا التمام نفسه لابد أن يكون وصفاً نسبياً بحسب الغرض الأسمى الذي يقصد إليه المثقف.
    وأضداد الثقافة المتكاملة التي بتبينها يتبين مرادنا بها :

    (1) الثقافة المنقوصة: وهي التي تغفل عن الإلمام بعلم أو فن أو أدب من آداب عصرها.
    (2) الثقافة التامة الفوضوية: وهي التي يُثقف فيها الشخص نفسه ثقافة يلم فيها بجميع لوم وآداب وفنون عصره ولكن على غير نظام.

    والثقافة المنقوصة بينة معروفة ،يوقع الناس فيها ضيق الوقت عنها تارة،والزهد فيها أخرى،والكسل عنها تارة ثالثة.

    أما الثقافة الفوضوية التي لم تُخل بفرع من فروع الثقافة ولكن على غير نظام = فيتضح المراد بها ببيان محددات هذا النظام :
    (1) وجوب إدارة العملية الثقافية على أساس الموازنة بين العلوم الدينية والعلوم والآداب الدنيوية،فلا يحقق الشخص العلوم والفنون والآداب أو شيئاً منها بينا هو مضيع لواجبات الأعيان من علومه الدينية.
    (2) وجوب إدارة العملية الثقافية على أساس الموازنة بين ما هو أنفع للشخص وأقرب لمواهبه ولو أدى هذا للإيغال في علم أو أدب أو فن دنيوي شريطة ألا يضيع فروض الأعيان من العلوم الدينية.
    (3) وجوب إدارة العملية الثقافية على أساس الموازنة بين ما نفعه قاصر وما نفعه يتعدى للناس،والموازنة بين ما يتعدى للناس نفعه ورتبه من حيث احتياج الناس له.
    (4) وجوب إدارة العملية الثقافية بحيث يرتب سلم الاهتمامات الثقافية بالقياس إلى ما اختار الشخص لنفسه أن يتخصص فيه أو يقوم به.
    (5) وجوب التنبه إلى اتخاذ المعرفة التي تطلب بكل علم أو أدب أو فن يطلب خبره = كوسيلة إلى نفع الناس وهدايتهم ولو بوجه،وألا يقترن هذا الطلب بمحرم،أو تعظم مفسدته على مصلحته.
    (6) فإذا ضبطت النقاط الخمس السابقة وأديرت هذه الموازنة المركبة = وصلنا إلى شرط التكامل المهم : وهو ألا يضيع الشخص أي علم أو أدب أو فن هو من مكونات عصره الذي يعيش فيه حتى يعرف طرفاً عنه ،يزيد هذا الطرف وينقص ويتسع ويضيق بالقياس إلى أثر هذا العلم والفن والأدب في عصره ثم بالقياس إلى دائرة تخصص الشخص التي اختارها بناء على الموازنات السابقة.
    قال شيخ الإسلام ((إن الرد بمجرد الشتم والتهويل لا يعجز عنه أحد والإنسان لو أنه يناظر المشركين وأهل الكتاب لكان عليه أن يذكر من الحجة ما يبين به الحق الذي معه والباطل الذي معهم))

  4. افتراضي

    بارك الله فيكم..

    فإنّ البدء بتصوير المسألة وتحرير المصطلح من أوليات البحث ومنطلقات الحوار، ومن لطيف الأفعال في هذا الباب ما يمكن تسميته بإنصاف المصطلحات، وهو إنصاف يمتد إليه بنسبٍ تقرير العلماء تجاه الألفاظ المجملة، فلا يتعرض لها بنفيٍ ولا إثبات دون تفصيل، والذي معنا الآن مصطلحٌ قد تنازعه طرفان كأنّما امتلكاه، فطائفةٌ فرّطت حتى صار هزيل الاطلاع عندهم هو (المثقف)، ذاك الذي ينتقش فائدةً من هنا ويلتقط كلمةً من هناك، وتوشك أن تشعر بالزمهرير يتخلل عظامك أوان ذكره، إذ إنّه -لابد- صاحب (ثقافة باردة)، وطائفةٌ هنالك أفرطت إذ تجعل الثقافة غايةً تُرتجى، وخاتمةً ليس وراءها مطلب، وقمةً من أتاها بلغ المنزل، والحق كعادته وسطٌ بين أولئك وهؤلاء، فهو صراطٌ مستقيمٌ وما سواه طرقاتٌ على جنبيه.

    والناس -إذن- في هذا الشأن على ثلاثة أصناف، ينتظم أفرادهم في ثلاث درجات، فالأولى صاحبها ناقص الثقافة، وقد يخفت ضوء ثقافته حتى يكون علمه صفرًا، والثانية يكون صاحبها ضاربًا بسهمٍ في علوم وآداب عصره، إلا إنه مدخولٌ من جهة نقصان النظام، ثم نرقى فيكون المرء صاحب ثقافةٍ متكاملةٍ، على منهجيةٍ ترسمها تلك المحددات الستة.

    ومن تمام التصوير ضرب الأمثال، فهل من مثالٍ يقرّب مفهوم الثقافة المتكاملة، ويخرجه من الذهن إلى العين؟
    " أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ "
    صفحتي على الفيسبوك - صفحتي على تويتر.

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Oct 2010
    الدولة
    مصري من مدينة الإسكندرية يعيش في الغرب
    المشاركات
    2,687
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    نتابع معكم رحمكم الله، فلاتحرمونا زيادة او زيادات

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Oct 2010
    الدولة
    مصري من مدينة الإسكندرية يعيش في الغرب
    المشاركات
    2,687
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    كنت انتاقش مع اختي اميمة حول العلمانيين والخطاب السلفي المعاصر الذي ظهر اخيرا في الاعلام للرد عليهم فكان قولها ليس مفاجئا لي وهو ان افضل من ظهر للرد عليهم هو الشيخ ابو فهر السلفي!
    وهي تطلعني دائما على مايخفي علي مما يحدث من مناظرات، واخيرا كانت مظاهرة مع الشيخ محمد الازهري والقمني العلماني.
    ولي المناظرة ملاحظات ليس هذا موضعها
    لكن هذا مااود قوله، وعلى الرغم من انها متزوجة وام اولاد فظاع جدا الا انها متابعة جيدة لامور كثيرة فلله الحمد.

  7. افتراضي

    بارك الله فيكم أخي الشيخ طارق وجزاكم الله وأختكم خيراً على حسن ظن لستُ له بأهل..

    سأكمل اليوم بإذن الله..
    قال شيخ الإسلام ((إن الرد بمجرد الشتم والتهويل لا يعجز عنه أحد والإنسان لو أنه يناظر المشركين وأهل الكتاب لكان عليه أن يذكر من الحجة ما يبين به الحق الذي معه والباطل الذي معهم))

  8. افتراضي

    بارك الله فيكما ونفع بكما أستاذاي حُسام وَ أبو فهر ,
    متابعة بإهتمام , أسأل الله أن ينفعني بهذا الشريط ومن قرأ , ونَفْعُكُما منه رحمةً وَرِضًى وجنة نعيم بإذن الله .
    قال الله سُبحانه وتعالى { بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ } الأنبياء:18


    تغيُّب

  9. #9

    افتراضي

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    بارك الله في الأستاذين المتحاورين عسى الله أن ينفعنا بما تعلمنا ويزيدنا علما في إطار ثقافة متكاملة
    متابعة

  10. Post

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة حسام الدين حامد مشاهدة المشاركة
    بارك الله فيكم..

    فإنّ البدء بتصوير المسألة وتحرير المصطلح من أوليات البحث ومنطلقات الحوار، ومن لطيف الأفعال في هذا الباب ما يمكن تسميته بإنصاف المصطلحات، وهو إنصاف يمتد إليه بنسبٍ تقرير العلماء تجاه الألفاظ المجملة، فلا يتعرض لها بنفيٍ ولا إثبات دون تفصيل، والذي معنا الآن مصطلحٌ قد تنازعه طرفان كأنّما امتلكاه، فطائفةٌ فرّطت حتى صار هزيل الاطلاع عندهم هو (المثقف)، ذاك الذي ينتقش فائدةً من هنا ويلتقط كلمةً من هناك، وتوشك أن تشعر بالزمهرير يتخلل عظامك أوان ذكره، إذ إنّه -لابد- صاحب (ثقافة باردة)، وطائفةٌ هنالك أفرطت إذ تجعل الثقافة غايةً تُرتجى، وخاتمةً ليس وراءها مطلب، وقمةً من أتاها بلغ المنزل، والحق كعادته وسطٌ بين أولئك وهؤلاء، فهو صراطٌ مستقيمٌ وما سواه طرقاتٌ على جنبيه.

    والناس -إذن- في هذا الشأن على ثلاثة أصناف، ينتظم أفرادهم في ثلاث درجات، فالأولى صاحبها ناقص الثقافة، وقد يخفت ضوء ثقافته حتى يكون علمه صفرًا، والثانية يكون صاحبها ضاربًا بسهمٍ في علوم وآداب عصره، إلا إنه مدخولٌ من جهة نقصان النظام، ثم نرقى فيكون المرء صاحب ثقافةٍ متكاملةٍ، على منهجيةٍ ترسمها تلك المحددات الستة.

    ومن تمام التصوير ضرب الأمثال، فهل من مثالٍ يقرّب مفهوم الثقافة المتكاملة، ويخرجه من الذهن إلى العين؟
    يمكننا أن نعد الثقافة دائرة يتم تقسيم مساحتها الداخلية بخطوط عرضية إلى أربعة أقسام:

    يعبر القسم الأول منها عن مساحة التخصص،وهي المساحة الخاصة بالعلوم التي يتقنها (والإتقان هو معرفة مسائل العلم الأساسية والفرعية وخلاف علماء العلم حولها ووفاقهم وأدلتهم وملكة النظر والترجيح) الشخص إتقاناً يؤهله للبحث الإبداعي فيها وقد مارس من هذا البحث بالفعل قدر صالح.

    ويعبر القسم الثاني منها عن مساحة التفنن وهي المساحة الخاصة بالعلوم التي يتقنها الشخص إتقاناً يؤهله للبحث الإبداعي فيها وإن لم يكن مشتغلاً بهذا البحث بالفعل.

    ويعبر القسم الثالث منها عن مساحة المشاركة وهي العلوم التي يتقن الشخص منها مراحل دراستها الأولية ويعرف مظان النظر والبحث فيها ولكن ليس بالقدر الذي يؤهله للبحث الإبداعي فيها،وذلك-غالباً-لنقص يسير في العلم إما بمسائل العلم وإما بالوفاق والخلاف وإما بالحجج وإما في تحصيل ملكة النظر والترجيح.

    ويعبر القسم الرابع منها عن مساحة المطالعة ،وهي العلوم التي طالع الشخص طرفاً منها يخرجه عن دائرة الجهل المطلق بها ولكنه لا يدخله في دائرة العالم بالمسائل التي يدور حولها النظر في هذا العلم،بل يكون النقص عنده في الإحاطة بالمسائل والخلاف والوفاق والحجج كبيراً.

    والمراد بالثقافة المتكاملة ألا يخرج علمك بعلوم عصرك وثقافاته (الدينية وغيرها) عن قسم من هذه الأقسام.


    ومثال ذلك مثلاً : عالم متخصص في التفسير متفنن في الفقه وعلوم العربية مشارك في الألسنيات ونظريات التأويل المعاصرة وأصول الفقه والحديث مطالع في علم النفس والاجتماع والتاريخ الإسلامي وغير الإسلامي وإبستمولوجيا العلوم والواقع السياسي المعاصر.

    فأنت ترى كيف اشتملت دائرة ثقافة صاحبنا هذا على أكثر علوم عصره إما بمجرد إدراك ابستمولوجيا العلم وإما بالمشاركة والإطلاع على أساسياته وإما بالتفنن وتحصيل قوة البحث فيه من غير اشتغال وإما بالتخصص.

    ولو تأملت قليلاً = ستنتبه إلى أن تقسيم العلوم على هذه الدوائر لم يكن عشوائياً بل له صلة كبيرة بالميزان الذي ذكرناه في الإجابة السابقة وخاصة ما يتعلق بوضع العلم في قسمه المناسب بحسب علاقة هذا العلم بعلم التخصص.

    وهذا نموذج حسن دال على الثقافة المتكاملة.
    التعديل الأخير تم 10-13-2011 الساعة 10:43 PM
    قال شيخ الإسلام ((إن الرد بمجرد الشتم والتهويل لا يعجز عنه أحد والإنسان لو أنه يناظر المشركين وأهل الكتاب لكان عليه أن يذكر من الحجة ما يبين به الحق الذي معه والباطل الذي معهم))

  11. افتراضي

    بارك الله فيكم شيخنا الحبيب.

    وبين "ما" و "كيف" تقع "لماذا"، لتشعل الهمم، وتحفّز النفس، وتُسكت وسواسًا مؤدّاه أن تحصيل هذه الثقافة ليس وراءه فائدة، وما علينا إن زادت نسخة الكتب نسخةً أخرى في صورةٍ آدمية؟! وكم رجلٍ تاقت نفسه أن يكون من أهل التفنن والموسوعية، ثمّ قعد به عدم استحضاره نيةً يطلب بها علومًا ليست من علوم الشرع!!

    فما النية التي يستحضرها القارئ المتابع إذ يقرر أن يكون من أصحاب الثقافة المتكاملة؟
    ومن جهةٍ أخرى: ما الفائدة التي تعود بها الثقافة المتكاملة على الفرد والجماعة والأمة؟
    وبصورةٍ مختصرة تتناول الجهتين: لماذا الثقافة المتكاملة؟
    " أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ "
    صفحتي على الفيسبوك - صفحتي على تويتر.

  12. افتراضي

    جواب هذا السؤال يقودنا إلى الكلام عن أول من استعمل مصطلح (الثقافة المتكاملة) أعني شيخ العربية أبا فهر محمود محمد شاكر.
    والشيخ رحمه الله يخص اسم الثقافة بالثقافة المقصورة على أمة واحدة تدين بدين واحد،ولكل أمة بهذا الاعتبار ثقافة خاصة بها،والعلاقة بين الثقافات علاقة تباين تتحاور فيها الثقافات وتتناقش ويأخذ بعضها من بعض بميزان لكنها لا تتداخل تداخلاً يفضي للامتزاج إلا على قانون غلبة الغالب للمغلوب على ثقافته،وعمودا الثقافة اللذان يوجبان التباين عنده هما : اللغة،والدين،ويفرق بينها وبين العلم الذي هو مشاع بين الأمم لا خصوصية فيه.
    والثقافة المتكاملة عند الشيخ هي التي: ((تنمو وتتسع وتستولي على كل معرفة متاحة أو مستخرجة بسلطان لسانها العربي)).
    لماذا يدعو الشيخ إلى هذه الثقافة المتكاملة التي تصرمت ثمان سنوات من عمره في إرساء أسس طلبها يقلب كل قرطاس رُقم فيه حرف بالعربية من الفقه إلى الفلك،شعاره العربية كتاب واحد؟
    لأنه وعى أن أصل البلاء الذي جره المستشرقون وذيولهم والسكارى بخمرهم = في عداوة الجاهل لما يجهل،وفي النظر في تلك الثقافة المتكاملة عبر القرون نظراً كحثو الطائر ثم يجترئ هذا الطائر فيزعم أنه أحاط ماء البحر بين منقاريه،أو هو قادر على الإخبار عنه إخبار عالم محقق.
    وجهة أخرى: أن أولئك النفر من المستشرقين كانوا من أهم معاول إضعاف هذه الأمة عبر تشكيكها في ثقافتها المتكاملة وترقيق بنائها وتوهينه فيما أسماه الشيخ: التفريغ الثقافي.

    فإذا تأملنا = سنجد أن الشيخ يعول كثيراً على تكامل الثقافة واتساع دائرة العلم بكل مكتوبٍ بالعربية ولدِ فراش هذه الثقافة؛ يعول على هذا التكامل والاتساع في أمرين:
    الأول: إصابة الحق.
    الثاني: الممانعة ضد التفريغ الثقافي.

    وأنا هنا أخذت الثقافة المتكاملة التي يدعو إليها الشيخ فدعوتُ لها وأن تكون ثلثا مطلوب المرء أو يزيد وأن يخلي الثلث الباقي لثقافات الأمم الأخرى،ولم أستجز أن أكتفي في وصف الثقافة المتكاملة بأن تحوز مولودها فحسب(ولا الشيخ قصد هذا) حتى جزتُ بالأمر إلى الإلمام بطرف من الثقافات الأخرى على المستوى الثقافي العام الذي تتداخل فيه العلوم مع الفلسفات والأديان مع المكونات الاجتماعية.

    ولم؟

    لنفس الأمرين اللذين ذكرهما الشيخ (إصابة الحق والممانعة) ونضيف ثالثاً : الهجوم ودك قواعد الباطل من تلك الثقافات بلسانها وأدواتها.

    فأما إصابة الحق= فإن باب الحق أوسع من أن يختص بمسائل الدين فحسب،بل في الدنيا أبواب من الحق تطلب وتنفع وتُعبِدُ للآخرة،ومع ذلك فكثير من الحق الذي عند أصحاب هذه الثقافات إما بقية دين صحيح أو بقية فطرة مخبوءة،ولإصابة شيء من ذلك لذة لا يقدرها إلا من وجدها.
    وأخرى: أن أصحاب تلك العلوم هدوا إلى أبواب حسنة خلطوها بأخرى سيئة،وتلك الأبواب الحسنة إذا استخلصت ووزنت بميزان الوحي وضم حق إلى حق أُنتجت منهما معرفة حسنة جداً تضم وحي الله المنزل إلى رزق الله للعقول الآدمية مما عنده من الحق فإن خزائن رزقه لا تنفد وما حجبها سبحانه عن الكافرين.
    وأخرى: أن كثيراً من تلك العلوم كانت توجد في تضاعيف نظر الصدر الأول من الصحابة فمن تلاهم إلى عصر الأئمة،ولكنها ضاعت فيما ضاع من علومهم بعوادي الأيام وقلة الطالبين وغفلة النظار،وإن النظر في تلك العلوم ربما هدى إلى أصول من النظر في الكون والمخلوقات وتحليل الظواهر الاجتماعية والنفسية كان لنا منه حظ أضعناه.
    وأخرى: أنك قد تصيب الحق في نفسه وتطمئن به،ثم تجد في تلك الثقافات ما يزيدك طمأنينة،ويشد أزر اليقين بالحق في قلبك،أو يهديك من وسائل تحقيقه ما لم تكن قد اهتديت إليه.
    ولذلك لم يتحرج الصحابة ولا التابعون ولا أتباعهم ولا سادات المفسرين من ذكر الإسرائيليات ولا كان هذا عندهم في الجملة منكراً حتى أنكره من لم يفقه وجهه الذي أشرنا هنا إلى شعبة منه.

    وأما الممانعة : فإن الباطل إذا فُقه على وجهه وعرفت مداخله ومساربه وكان الفقيه به فقيهاً بالحق= فإنه يكون أمنع شيء على الباطل وتسوره لمحراب الحق،ولكم من ورقات يكتبها علماني أو كافر آذتني قراءتُها فوجدت ثمرتها حين يسوق من يظن أنه وقف عليها ولم يقف عليها هذا السلفي المسكين ؛فيسوق منها ما يحسبه شبهة قاضية فإذا هذه المعرفة بالباطل قد أعدت له عدته فأردته فإذا هو زاهق،والباطل قد ينتصر بفجأته للحق أحياناً ،والفقيه به قل أن يفجأه منه شيء.
    وتزداد أهمية هذا مع وجود تلك الطبقة التي تزدرد تلك العلوم ازدراداً لتعيد إنتاجها في صورة مناهج للقراءة والنظر يرومون بها دك معاقل الوحي والتراث.

    وأما غزو المعاقل فهذا حلمي الاستراتيجي أن ننتقل من مرحلة رد الفعل والقراءة لدفع الهجوم إلى مرحلة صناعة المعرفة ودكدكة حصون علومهم بأدواتها ومناهجها وإثبات ما فيها من الخلل والخطل والتناقض بدراسات معمقة تستولي على أدوات تلك العلوم وتوظفها في كشف عوارها.

    فالخلاصة:

    أن الثقافة المتكاملة الآخذة بطرف من كل علوم هذا العصر = تجعلك أبصر بالحق، وأفقه بالباطل،وأعرف بالناس، وتزيد عدتك التي تعتد بها،وكثير من أبوابها يزيدك فقهاً بالدين،و يعين على التفكير الإبداعي ونقل الأفكار من حقل إلى حقل،وأقل رتبها شيئاً ما يكون كالنومة لا يعسر إعداد نية لها،وليس الخبر كالمعاينة وقد يعسر على صاحب الوجد أن يصف الصبابة وصفاً يحقق ما في نفسه في نفس سامعه فاطلب= تجد

    التعديل الأخير تم 10-24-2011 الساعة 06:48 AM
    قال شيخ الإسلام ((إن الرد بمجرد الشتم والتهويل لا يعجز عنه أحد والإنسان لو أنه يناظر المشركين وأهل الكتاب لكان عليه أن يذكر من الحجة ما يبين به الحق الذي معه والباطل الذي معهم))

  13. #13
    تاريخ التسجيل
    Sep 2011
    الدولة
    مِنْ أَرْضِ الرِّمَـال !
    المشاركات
    1,300
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    ارجوا ان يكون هذا تاخراً لا نهاية
    نريد الاستزادة زادكم الله من علمه وفضله
    {وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا}
    في إنتظار "ملحد حقيقي" ليعطي تفسيرات لهذه الكُبرَيات بالمنظور الإلحادي
    " الإنسانُ ليسَ مُفصّلاً على طرازِ دارون , كما أنّ الكونَ ليسَ مفصّلاً على طرازِ نيوتن " بيجوفتش

  14. افتراضي

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين

    شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ..... لك مني أجمل تحية .

  15. افتراضي

    ليه الغيبه دي يا شيخ أحمد والله نفتقدك كثيرا

    سؤالي أيها الحبيب
    كيف نحصل أكبر قدر ممكن من الاستفادة من قراءة الكتب ؟

    وأعني بالكتب تلك التي لا تحفظ ولا نداوم النظر فيها من حين إلى آخر

    فكيف نقرأ تلك النوعية من الكتب بحيث نحقق أكبر قدر ممكن من الاستفادة خاصة لأصحاب الذاكرة الضعيفة ؟
    مثلا بالنسبة لي لا أقرأ كتابا تقريبا إلا بقلم حيث أضع علامات على بعض الجمل والفوائد التي تهمني ثم أدونها في ورق خاص أجعله كفهرس للفوائد المستخرجة من الكتاب المعين
    فهل هناك طرق أفضل ؟
    وما هي تجربتكم الشخصية في القراءة ؟
    وجزاكم الله خيرا

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. تعليقات: ما رأيكم في كلام الشيخ أبي فهر السلفي هنا ؟
    بواسطة د. هشام عزمي في المنتدى قسم الحوار عن المذاهب الفكرية
    مشاركات: 20
    آخر مشاركة: 06-22-2011, 07:32 PM
  2. الرسول هو المثل الأعلى للحياة المتوازنة المتكاملة
    بواسطة kareemm في المنتدى قسم العقيدة والتوحيد
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 10-01-2007, 08:09 PM
  3. مدخل في حوار أهل الكتاب (2)
    بواسطة رياض الحمد في المنتدى قسم الحوار العام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 06-12-2005, 12:48 AM
  4. مدخل في حوار أهل الكتاب (1)
    بواسطة رياض الحمد في المنتدى قسم الحوار العام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 06-12-2005, 12:30 AM

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء