تسمع من الكفار بالسنة ومن تأثر بهم أو لفّ لفّهم :لو كانت السنة محفوظة لما وجدنا الحديث الشريف منقسما إلى صحيح وضعيف ,خلافا للقران الذي لا يوجد فيه مثل ذلك.. كذا يقولون ..وثم مسألة أخرى قريبة ,تستحق أن تفرد بموضوع آخر ,فآثرت تأجيلها ليكون البيان أجلى منحصرا في شبهة واحدة ,وهاك الرد مقتضبا في نقاط بعون الله جل وتبارك :
1-الحق أن السؤال منكوس ,وهو حريٌ أن يقلب على صاحبه فيقال :لو كانت السنة غير محفوظة ..لما قيّض الله لأهل العلم التمييز بين الصحيح والضعيف أي كما يميز الطبيب بين الصحيح والسقيم, فتمييزه دالٌ على حقيقة علم الطب ,ومن أظهر ما يبين ذلك واقعًا أن الشيعة الرافضة ليس لديهم مثل هذا العلم ,يقول الحر العاملي وهو من أكابر محققيهم "الاصطلاح الجديد[يعني علم أصول الحديث] يستلزم تخطئة جميع الطائفة المحققة في زمن الأئمة.." لأنهم "قد اشترطوا في الراوي العدالة فيلزم من ذلك ضعف جميع أحاديثنا لعدم العلم بعدالة أحد منهم إلا نادرًا " فهذه شهادة منهم وفيهم
2-وإذا كانت الحجة هي في كون القران ليس فيه هذه القسمة , فثمّ من افترى على كتاب الله جل ثناؤه وألصق به ما ليس منه لينصر زندقته الاعتقادية مع الفرية بزعم التحريف ,وذلك مبثوث في كتب الشيعة الكبار المعتمدة عندهم كالكافي ,من ذلك مثلا ما رواه الزنديق الكليني في كافيهم "عن جعفر الصادق -كذبا عليه- أنه قال:نزل جبريل على محمد بهذه الآية هكذا "يا أيها الذين اوتوا الكتاب آمنوا بما نزّلنا في عليّ نورا مبينا "!! ,وهذه مركبة من آيتين! ,ثم أدخل بينهما اسم عليّ! فتأمل الجراءة على الله سبحانه..إذن حاصل هذه الحجة الداحضة :الطعن في القران أيضا..هذا ومنكرة السنة يحسبون أنهم ينصرون القران!
3-ثم يقال:هذه مجرد شبهة واهية ,لا يجوز في حكم العقلاء أن يعارض بها المحكم اليقيني الثابت من كتاب الله عز وجل, وفيه الأمر بطاعة الرسول وبيان وجوب تحكيمه عليه الصلاة والسلام ونفي الإيمان عمن لم يفعل سالما قلبه من الحرج والخدش في التسليم, ولم يقتصر على الأمر بطاعة الله وحده بل جعل طاعة الرسول محنة لصدق مدعي محبة الله تعالى ,وما في الكتاب العزيز من بيان أن السنة بيان للقران , وأن وظيفة الرسول تعليم الناس الكتاب والحكمة وتزكيتهم ,والأمر بالائتساء به ..إلخ وكل ذلك صريح في أن السنة محفوظة ..
4-ولو قال مربٍّ لتلميذه :احفظ أبويك ,أو حافظ عليهما ..لفهم منه كل ما من شأنه أن يكون متعلقا برعايتهما وإكرامهما ويصب في تحقيق مقصد الحفظ , ..وإذا قال معلم لتلميذ أعجمي:أريدك أن تدعو هؤلاء العرب بالقران كله ,فسيعرف بداهة أنه يلزمه حفظه , وفهم المعاني ودراسة العربية ليستطيع مخاطبتهم وفهم القران نفسه..لأن هذا لازمٌ لا يتأتى انفكاكه عن أمره بالدعوة ..فكذلك القران ,إذا فسر الذكر في قوله تعالى"إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون" بالقران ..فهذا يقتضي أنه وعد من الله بحفظ كل ما يتعلق به مما ,كحفظ لغة العرب من الضياع وحفظ السنة التي نص الله تعالى على أن مهمة صاحبها :البيان ,فقال"وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم" فلو أن الله قال"إنا نحن نزلنا القران وإنا له لحافظون" لكان هذا دالّا على حفظ السنة أيضا, فكيف وقد استعمل الله لفظ "الذكر"؟
5-ثم إن حفظ السنة ,لا يمكن أن يتعرف إليه ويدرك معناه على وجهه إلا من عالج دراسة هذا العلم ,واطلع على ما هدى الله به أكابر هذه الأمة من التوفيق وما مدهم بمعونته من الأسباب المحكمة الدقيقة الموجبة لحصول اليقين التام بكون السنة محفوظة ..مع أن دلالة القران على ذلك صريحة كما سلف من وجوه كثيرة ,وحيث ثبت أن هؤلاء المشتبهين غرباء عن علم السنة :فهذا قاضٍ بجعل كلامهم لا قيمة له ,لأن جهل المرء بالشيء حجة عليه هو ,لا حجة على من يعلم ..فلو أراد أحدهم مناظرة ,كان اللائق أن يقال:كيف تناظر في علم لم تدرسه؟ ,بل كيف تحاور فيما لا تحسن أصلا؟ والحاصل ان معاينة الأسانيد ومعرفة الطرق والعلل وملاحظة تطبيق الشروط إلخ كل ذلك يورث العلم اليقيني بحفظ السنة ,والعبارة تقصر عن شرح ذلك لانه علم تام متكامل تندرج تحته علوم شتى كثيرة ..هناك وجوه أخرى ..وفيما ذكر غنية للعاقل ,وكفاية للمشتبه السائل
والحمدلله رب العالمين
Bookmarks