بارك الله فيكم شيخنا الفاضل..
نِعمَ ما قدّمتم به! تحذيرًا إلى ومِن هذا الذي لا يصبر على العلم وطلبه، ثم يبادر إلى الرد على المخالفين، متكئًا على ما يُسعفه به عقله، مختصرًا منهجه في "تفكير اللحظة"، وإشارةً إلى مسألةٍ لا يستشعرها إلا من جرّب الأمرين، فصحبَ سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعالج أمر الجاهلية، كما ورد مفهومه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حتى يفطن إلى أنّ ما يتوهمه الناس من مواطن الاتفاق بين الإسلام وغيره من المذاهب الإنسانية، غالبًا ما يكون في حقيقته من مواطن الاختلاف لاختلاف الأصول، وقد تنبه لذلك ونبّه عليه كثيرٌ من المهتمين بدراسة الحضارات والعلاقة بينها، فيرى هنتجتون Huntington أن الدعوة لعولمة حقوق الإنسان لابد أن تبوء بالفشل، وأنّها لن تنجح إلا بربطها بالقيم الغربية، وكذلك فكنتشر Wolfgang Fikentscher إذ يقول إن العلمانيين الذين يدعون إلى الإصلاح "على الطريقة الغربية" في دول العالم الثالث هم في حقيقة الأمر يواصلون العمل التبشيري للكنيسة من حيث لا يشعرون!
وتنكشف حقيقة زيف هذا الاتفاق الموهوم في المجال الاجتماعي، بسهولةٍ ويسرٍ نوعًا ما عن طريق بعض التنبيه وضرب الأمثلة، لكن الذي يثقل على النفوس فعلًا، أن تتصور مثل هذا الاتفاق الزائف في مجال العلم كذلك، بما يستدعي إصلاح النظرية المعرفية الواردة ككل، قبل المبادرة إلى التسليم بمنتجاتها والسعي لأسلمتها، وهذا الثقل يعود لما استقر في النفوس من كون الحقل العلمي لا يؤسس إلا على مقدماتٍ مبرهنةٍ أو مسلمة، ولا تدخله اختلافاتٌ فلسفيةٌ فضلًا عن أهواءٍ نفسية، مع هزيمةٍ نفسيةٍ باستشعار الدونية في المجال العلمي عمومًا، ولعلنا في حوارنا هذا -مع تتابع الإجابات- نرفع هذا الجاثوم المثقِل بما يلزم من البيان والتمثيل، أعانكم الله وكتب لكم التسديد والتوفيق.
وبعد أن أخذت النفوس الطيبة من القراء الكرام، حظها من الدوافع التي نستحضرها عند دراسة فلسفة العلوم، كي تتأهل للتدافع مع الإلحاد وما شابهه من مذهب أو تفرع منه، وبعد أن تبين معنى فلسفة العلوم والمباحث التي تتعلق بها، والعلاقة بين فلسفة العلوم والعلوم، ليكن السؤال الثاني عن سر الاختلاف في التعريف، وموطن من مواطن النزاع بين المتكلمين، وموضعٍ يكثُر فيها الكلام بغير برهان، ويُتخذ وليجةً إلى بث الشبهات بين ضعفاء العلم..
ما هي حدود الدائرة التي يبحث فيها العلم science؟ وهل من حجةٍ لأولئك الذين يجعلونها دائرةً بلا حدود؟ وكيف يكون الرد عليهم والتدليل على الصواب؟
Bookmarks