صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 12
النتائج 16 إلى 20 من 20

الموضوع: حوار مع الشيخ أبي الفداء بن مسعود: فلسفة العلم.

  1. #16
    تاريخ التسجيل
    Jan 2009
    المشاركات
    189
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    ثانيا: إثبات محدودية القدرة البشرية على التحصيل والبناء المعرفي.

    تقدم في المطلب السابق إثبات وجوب محدودية مادة العلم التي يمكن لنوع المخلوقات – بإطلاق - أن يصل إلى إصابتها (أيا ما كانت وسيلة الوصول إلى تلك المعرفة). وفي هذا المطلب نستعرض الدليل العقلي على محدودية قدرة الإنسان على تحصيل العلم وجمعه، بما يمنع محصول التراكم المعرفي لدى أي جماعة من البشر مهما عظم من مواصلة النمو صوب نقطة يوصف العلم البشري عندها بأن بناءه قد تم واكتمل. والفرق بين المطلبين أننا في المطلب الأول تناولنا جنس ما يمكن في العقل أن يصل المخلوق إلى معرفته عن الواقع الوجودي الذي يوجد فيه، بينما في هذا المطلب نتناول قدرة العقل المخلوق على بناء المحتوى المعرفي لنوع البشر تحديدا، بما يدخل في ذلك من عوامل اجتماعية تؤثر في مسار عملية البناء المعرفي في تاريخ الأمم البشرية. فلعله يمكن اعتبار هذا المطلب من قبيل البحث السوسيو-إبستمولوجي في تصور الآلية الاجتماعية التي تفضي إلى تشكل المخزون المعرفي البشري على هذا النحو الذي نراه. "6"
    ذلك أن النموذج الطبيعي لبناء المعرفة البشرية يقوم على التراكم المعرفي الجماعي، الذي حقيقته أن كل باحث إنما يبدأ من حيث انتهى من سبقوه (أو بعبارة أدق: من حيث انتهى ما نما إلى علمه مما انتهى إليه سابقوه)، ليضيف إلى ما قدموا، سواء بالزيادة أو بالتعديل والتقويم والنقد (وليس الحذف أو البتر غالبا)، متحركا في إطار جملة من الغايات الكبرى التي تتفق عليها جماعته البشرية التي ينتمي إليها (سواء وافقهم في مجموعها أو في بعضها). فإن وافقهم في غاياتهم وأصولهم، فغالبا ما تكون إضافته بمثابة فرع جديد من أحد أو بعض الفروع التي اجتمعت لديهم، أو تكون صياغة جديدة لتلك الفروع أو لقواعده الأصلية مع البقاء عليها. وإن خالفهم في بعض تلك الأصول (التي تدخل فيها الغايات والمقاصد الكلية للعملية البحثية نفسها)، فسيأتي بأصل جديد تنمو منه فروع جديدة تكون موازية لما اجتمعت جماعته البشرية عليه، متفرعة عن أصوله الجديدة وكذلك عن الأصول الكلية المشتركة فيما بينه وبينهم.
    فلعل أول دليل على وجوب هذا النمط – عقلا – في جنس واحد على الأقل من المخلوقات العاقلة (يُعد منه النوع البشري)، يمكن صياغته على النحو التالي:
    مقدمة (1): كل مخلوق يولد جاهلا لا يدري شيئا (إلا ما قد يكون مركبا في أصل خلقته من علم فطري أو غريزي غير مكتسب).
    مقدمة (2): كل مخلوق يتحدد علمه بحدود ما يصل إليه من معرفة تتحصل لديه خلال عمره المحدود (سواء بالتلقي المباشر والتلقين "السماع" أو بالخبرة والتجريب والممارسة، وهما طريقان تختلف مآرب المخلوق العاقل فيهما باختلاف هيئة المخلوق وطبيعة وجوده وقدراته وطبيعة العالم الذي خُلق فيه، وموضوع العلم المراد تحصيله).
    نتيجة (3): إن كان المخلوق مبنيا في تكوينه وطبيعته على نمط التعاون الجماعي المتبادل reciprocity للتكيف والتمكن من البيئة التي خلق فيها، فإن نموذج المعرفة لديه يكون نموذجا تراكميا ولابد، (ويكون علم الجماعة هو مجموع ما تحصل لأفراد تلك الجماعة من علوم دونوه في صورة حوض معرفي Pool of Knowledge يأخذ كل فرد منه ليضيف إليه.)


    هذا الترتيب السابق أسسنا نتيجته على شرط أن يكون المخلوق مطبوعا على بناء التجمعات النوعية حيث تشترك أفراد نوعه في الانتماء إلى بيئة واحدة يزداد انتفاع كل فرد منهم بمواردها ويزداد تمكنه من تحقيق الغاية التي اجتمعوا عليها من العيش في تلك البيئة، كلما ازداد تعاونهم على ذلك المطلب. وهذا مشاهد محسوس في الإنسان كما في عامة صنوف المخلوقات المتحركة animate المتكاثرة على هذه الأرض، على اختلاف في طبيعة وحجم المعارف المتحصلة لدى كل صنف من تلك المخلوقات باختلاف طبيعته النوعية والغاية التي من أجلها خلق وبناء عليها تحددت حدود قدرته على التعامل مع موارد البيئة التي يسكنها وعلى تطويعها لصالحه. هذا التعاون الفطري في تلك الأنواع من المخلوقات هو ما يفضي بالتبعية إلى حرصهم – أي تلك المخلوقات - على تحقيق ما تدعو الحاجة إلى تحقيقه من التراكم المعرفي فيما عند كل جماعة منهم، حتى لا يقع كل واحد من أفراد تلك الجماعات النوعية فيما وقع فيه من سبقوه من نوعه من أخطاء وإشكالات بسبب جهله أو قلة خبرته، وحتى يتسنى لهم جميعا الانتفاع من مخزون المعارف والخبرات التي تحصلت لدى آحادهم.

    ولا تظهر تلك الخصلة أو الصفة في مخلوق من المخلوقات التي نراها فيما حولنا كما تظهر في الإنسان. فقد ابتلاه خالقه بقدرة هائلة على تطويع الموارد المحيطة به في هذا العالم وسخرها له تسخيرا، تبعا للغاية التي خلقه من أجلها التي هي الاستخلاف في الأرض. وابتلاه كذلك بمقتضيات تلك الأمانة: حرية اختيار الفلسفة الأخلاقية التي يؤسس عليها سائر عمله في الأرض، تبعا لاختياره فيما يعتقد أنه الغاية من خلقه في الحياة الدنيا (فإما حق وإما باطل). فترتب على ذلك كله أن كان الإنسان أكثر شيء جدلا، وأكثر المخلوقات بحثا وفحصا وإعمالا لمراتب الظن والنظر، وأكثرها حاجة للتفريق بين القطع والظن، وبين اليقين والشك، وبين العلم والجهل، وأكثرها حاجة إلى بناء المجتمعات ذات النظم الأخلاقية المعقدة، التي تتنافس فيما بينها طمعا في السيادة والعلو بما يعتقد كل مجتمع منها صحته من أجوبة للأسئلة الوجودية الكبرى، ومن تصور أخلاقي لطبيعة العلاقة التي تربطهم بمن سواهم من المجتمعات.
    وقد اقتضت غاية الاستخلاف في الأرض أن يتحقق في الإنسان كذلك وفي الوقت نفسه، قدر كبير من التغييب المعرفي، ربما لا يضاهيه في مقداره وضخامته شيء مما سوى الإنسان من أنواع المخلوقات على ظهر الأرض. هذا التغييب، الذي حقيقته خفاء التأويل المشاهد لجملة من الحقائق الكبرى التي يتأسس عليها اعتقاد الإنسان في الماورائيات وتصوره لمكانه في هذا العالم ومآله فيما بعد الموت، وانحصار طريق المعرفة بذلك كله في طرائق يبتلى بها الناس من صنوف الرسالات والنبوات، فتقوم الأدلة والبراهين على أيديهم ليحيى من حي عن بينة، ويهلك من هلك عن بينة، هذا التغييب، كان له أبلغ الأثر في تضخم المحتوى المعرفي التراكمي عند البشر، وتداخله وتشابكه وتعقيده أيما تعقيد.

    هذه الطبيعة المعقدة للعملية المعرفية عند الإنسان قد غرته في نفسه وأوهمته بأنه أذكى المخلوقات العاقلة في العالم، وبأنه أرقى عقلا مما سواه، وبأن اللاحق من بني البشر أرقى وأذكى وأقوى عقلا من السابق منهم ولابد، فلا يزداد الناس إلا ذكاءً بتتابع الأجيال! بل إنها زينت له الظن بأن مآله أن يصير في المستقبل البعيد، قادرا على تفكيك أربطة هذا الكون وإعادة بنائه على نحو جديد! مع أنه في الحقيقة لا يمكنه أن يثبت أنه "أذكى" من القرد أو من الحمار أو من أي صنف شئت من بهائم الأنعام، وإنما هم في الحقيقة "أمم أمثالنا"! فمن الحماقة بمكان أن ترى أناسا في معامل الأحياء يقيسون ذكاء القرد إلى ذكاء الإنسان، يحاولون التوصل إلى معرفة الحوافز والعوامل التي أدت إلى "ارتقاء" العقل البشري فوق عقول "بني عمومته" من القردة، بحسب اعتقاد الدراونة! فإننا إن عرفنا الذكاء على أنه القدرة على التعامل مع الضوابط الأخلاقية والأحكام العقلية الحاكمة لسلوكيات بني آدم، التي على أساسها نقول لقرد لا يدري كيف يمسك ورقة وقلما ويكتب (مثلا)، فلا شك أن الأنعام والبهائم والقردة وغيرها من صنوف المخلوقات تتخلف عن ذلك الذكاء وتفتقر إليه، وهي – على هذا المعيار – أقل "ذكاء"، وإن شئت فقل إنها "غبية" (نقيض الذكاء). "7"

    ولكن الواقع أن تلك الدواب إنما خلقت لغايات ليس منها ما يتطلب أن يتمكن القرد – مثلا – في يوم من الأيام من القبض على قلم وكتابة كلمة "بابا" أو "ماما"، كما يحاول به بعض سفهاء الدراونة البحث في سبب "ارتقاء" بعض أسلاف القرد إلى ذكاء البشر، وبقاء هؤلاء على "غبائهم"!! فمن هذا الوجه، لسنا "أذكى" من تلك القردة نوعا، وليست عقولنا أرقى من عقولهم، لأن الغاية التي من أجلها خلق كل نوع منا على تلك الهيئة التي هو عليها وفي مكانه الذي هو فيه من العالم، ليست واحدة أصلا، فلا نحن أرقى منهم في القدرة العقلية على تحقيق غايتهم، ولا هم أدنى منا في قدرتنا العقلية على تحقيق غايتنا، وإنما لكل أمة منا معاشر المخلوقات غاياتها في الحياة الدنيا، التي بها يُعرف مفهوم الذكاء والغباء في كل منها! "8"

    وإنما كانت هيئتنا هي أحسن الهيئات والتقويمات فيما خلق الله في هذا العالم، لأننا في الحقيقة مكلفون بأعقد وأدق المهام والغايات التي يخلق من أجلها مخلوق فيه، ألا وهي مهمة الخلافة في الأرض ((إني جاعل في الأرض خليفة))!
    ولما كان بناء المحتوى المعرفي في مجتمع بني آدم بناء تراكميا، وكانت طريقة الإنسان في التعامل مع هذا العالم أن يحوز لنفسه غاية ما يمكنه تحقيقه من السيطرة على موارد الأرض، كما مكنه الخالق سبحانه من ذلك تسخيرا وتذليلا، وكان أصل ابتلائه في اختيار الغاية التي من أجلها أراد التمكن من تلك السيطرة والخلافة في الأرض اختيارا صحيحا، ومن ثمّ توجيه سائر تلك الموارد لخدمة تلك الغاية على النحو الصحيح، كان من أثر ذلك أن انقسم البنيان المعرفي نفسه عند بني آدم إلى قسمين عظيمين:

    - البحث في المعاني والغايات (بداية من إجابة الأسئلة الوجودية الكبرى، ووصولا إلى تحرير الغايات الصغرى وتفاصيل النظم الأخلاقية الملزمة للمجتمع البشري)
    - البحث في الكيفيات: الأسباب والوسائل المادية والعملية (التي بها يوصل إلى تحقيق الغايات والأهداف الكلية)

    هذا التقسيم على الاعتبار الغائي (أي على اعتبار الغاية المرادة من العلم أو نوع السؤال المطلوب التوصل لإجاباته، وهو ما يسمى عند الأصوليين بالثمرة أو الفائدة من الفنّ المعرفي) أراه أوفق من التقسيم الموضوعي الذي اشتهر بين الفلاسفة من زمان أرسطو وإلى اليوم، حيث جردوا الفنون العلمية في كليات كبرى بالنظر إلى موضوعها أو مادتها وحسب. وتقسيمنا هذا مشابه لما قرره الأصولوين من تقسيم العلوم الشرعية إلى علوم آلة وعلوم غاية. فليس في علوم البشر المعتبرة مهما تشعبت ما لا تكون غايته داخلة تحت إحدى هاتين الكليتين أو تحتهما جميعا.
    فعلم التاريخ – على السبيل المثال – قد يدخل تحت القسمين جميعا، بينما علم الطب يقتصر على القسم الثاني دون الأول، وأما علم النفس فقد يدخل تحت كلا القسمين باختلاف موضوعاته وغاياته، وهكذا. ولعل من فائدة هذا التقسيم، أنه يلزم أصحاب كل صنعة علمية بتحرير ثمرة تلك الصنعة وغايتها عندهم بوضوح، من خلال التأمل في نوع الأسئلة التي يرجى من مباحثها أن توصلهم إلى معرفة جوابها. ومن فائدته كذلك أنه يظهر محل النزاع بيننا وبين الغلاة من عبدة العلم الطبيعي في زماننا، إذ يتمثل ذلك المحل بإيجاز في زعمهم أن العلم الطبيعي يغطي كلا القسمين جميعا، وليس القسم الثاني فقط! ومع أننا يمكننا أن نقول إن العلم الطبيعي (والتجريبي الإمبريقي بعبارة أشمل) قد يكون من الوسائل الخادمة لكثير من المقاصد البحثية الداخلة في القسم الأول، ومن أمثلة ذلك: حاجة القاضي في المحكمة إلى الاستعانة بأدوات العلم الطبيعي في بحث الأدلة الجنائية، وحاجة الفقيه إلى الباحث في علم الاجتماع وعلم الاقتصاد بأدواتهم الإحصائية والتجريبية للإفادة ببناء تصور صحيح لمسألة من المسائل، وحاجتهم جميعا إلى استعمال تكنولوجيا الاتصالات وغيرها مما يقوم قياما كاملا على العلوم الطبيعية، إلا أن هذا لا يغير من حقيقة أن نوع العلم الطبيعي يعد من الناحية الغائية: وسيلة أو آلة، على حد اصطلاح الأصوليين، وليس غاية معرفية في نفسه.

    وهذه مسألة يطول بحثها على أي حال، وإنما كان المقصود من ذلك بيان أن البنيان المعرفي البشري بطبيعته شديد التعقيد والتداخل، وأن حجم وطبيعة ونوعية الأسئلة التي تتعامل معها مجالات المعرفة الإنسانية على اختلافها وتنوعها، تجعل من التراكم المعرفي البشري كيانا هو أقرب شبها إلى الحوض العشوائي Pool الذي يتوسع أفقيا ورأسيا في آن واحد، منه إلى صورة الصرح الذي يتوسع رأسيا على أساس واحد يتفق عليه جميع المساهمين في بنائه، أو صورة الشجرة التي تتفرع سائر فروعها من أصل واحد. وهذه مشكلته في الحقيقة وهذا من ابتلائنا بواقعه فيما بين أيدينا معاشر البشر. فإن الناس يختلفون في سائر الغايات والمعاني الكبرى، فما بالك بما دونها وما يتفرع عليها؟

    لذا فمن جاء بجملة من القواعد والأسس الداخلة تحت القسم الأول من أقسام المعارف البشرية، يريد أن يجعل العلم البشري كله قائما عليها، فإنه سيتعامل مع ما يحيط به في ذلك الحوض من بنايات معرفية مركبة بأصولها وفروعها تعاملا انتقائيا على أساس من القبول والرد لا محالة، ولن يبدأ من نقطة الصفر. فتراه ينزع فروعا من أصول فاسدة تسيطر عليها وعلى غاياتها البحثية ليقيمها على أصول صحيحة عنده، أو تراه يرد مجالا من المجالات البحثية الحادثة ردا مطلقا لقيامها على غاية فاسدة من الأساس، أو تراه يعيد صياغة جملة من التأويلات التفسيرية التي افترضها الباحثون في مجال من المجالات العلمية لتقوم على ما يرى صحته من الأصول الكلية الكبرى. وما زلنا نرى أفذاذا من علماء الطبيعيات – على سبيل المثال – يظهرون بأصول كلية جديدة في بناء التصور الرياضي للعالم، يفضي قبولها إلى سقوط تصورات قديمة كانت قد ارتضاها المجتمع العلمي من قبل، ثم ما لبث أن تخلى عنها ليتخذ التصورات الجديدة في مكانها.
    ولهذا نقول إن بنيان المعرفة البشرية لا ينبغي أن يغتر الناس بكونه تراكميا في طبيعته، ليتوهم المتوهم منهم أنه يمكن أن يصل بهم تراكمه هذا في يوم من الأيام إلى مجاوزة حدود النوع البشري نفسه، أو إلى اتصاف مخزونه التراكمي العملاق هذا بصفة "النهائية" أو "الكمال" أو قريب من ذلك! فإنه ليس كل قسم منه يتراكم الجديد فيه بالضرورة تأسيسا على أصول كلية لا تقبل النقد والمراجعة والتغيير، وليس كل فرع فيه منبثقا – مهما طال وتشعبت منه فروع وفروع – من أصل مسلّم به عند النظار!

    بل كل عالم صادق يدري أنه كلما ازداد علمه واطلاعه على ما كان من قبل يخفى عليه، ازداد إدراكه لحجم ما يجهل، ولدقة موارد النزاع العلمي بينه وبين أقرانه في تفاصيل كل جزئية جديدة تنضاف إلى علمه الشخصي، وازداد استعداده لقلب موقفه المختار في تلك التفاصيل الظنية والفرعيات الجزئية الكثيرة من قول إلى قول مغاير، ومن مذهب إلى مذهب مخالف، تبعا لظهور دليل جديد أو مرجح جديد لم يكن قد وقف عليه من قبل، مع ثقته في رسوخ قدمه على الأصول الكبرى التي لا يجوز له أن يمارس العمل العلمي والمعرفي في هذا المجال أو ذاك دون تثبيتها تحت قدميه أولا. ولهذا ترانا كثيرا ما نقول إن سعي كثير من الفيزيائيين اليوم إلى التوصل لما يسمونه بنظرية كل شيء Theory of Everything إنما يقوم لديهم على موقف فلسفي سطحي يتغافل الفوارق النظرية الكبرى (والإشكالات الفلسفية الجوهرية كذلك) في أصول كل من النظريتين النسبية والكماتية، ويفترض في سذاجة ملفتة إمكان التوصل إلى كلمة سحرية واحدة ينحسم بها الجدال في تلك الضروب كلها جملة واحدة! "9"

    على أية حال، فإن غايتنا الآن بيان أن نمط النمو المطرد للمخزون المعرفي البشري، نمط عشوائي على أقصى تقدير، ولا يمكن لأحد من البشر أن يتنبأ به، مع كونه في كثير من أقسامه مركبا من ظنيات ضعيفة للغاية إنما يتشبث بها العلماء لافتقارهم إلى ما هو أقوى منها حجة وأحرى بالصواب. فهو نمط تتضخم فيه مواطن الجهل وأوجه التشكيك ومواطن النزاع باطراد ثابت كلما تضخمت فيه مواطن العلم أو ما يعد من العلم ويعتمد كإضافة معرفية جديدة! هذا الوصف لا يتصف به فرع من فروع المعرفة البشرية كما يتصف به العلم الطبيعي والتجريبي بصفة عامة، كما سيأتي بيانه.

    وعلى الرغم من تجلي تلك النقائص المعرفية البشرية في آلية ذلك العلم وحدوده لكل عاقل صادق منصف، ترى الماديين والدراونة والملاحدة الجدد لا يؤملون في قيام علم من العلوم البشرية بكفاية الحاجة المعرفية عند الإنسان كافية تامة كما يؤملون في العلم الطبيعي (وهذا غلو وإفراط بين، فإن لكل صنعة من صناعات العلم غايتها وحدودها التي لا ينبغي أن تتجاوزها، والعلم الطبيعي مهما عظم ومهما عمت منافعه على الناس، ليس إلا صنعة واحدة من تلك الصناعات على أي حال)، وتراهم يتكلمون وكأنما ينتظرون يوما تتحول فيه كافة الظنيات في ذلك العلم إلى قطعيات يقينية حاسمة، ويتحول مخزوننا المعرفي الطبيعي إلى كيان نهائي كامل لا نقص فيه ولا مجال في بنائه لإضافة ولا لتعديل أو نقد أو إبطال Falsification! فلا يسعك في كثير من الأحيان إلا أن تتساءل، هل حقا يدري هؤلاء القوم طبيعة الأدلة التي يتعاملون معها في ذلك العلم، وحدودها والطرق التي بها تستعمل تلك الأدلة في بناء الفرضيات وفي إثباتها أو إبطالها؟ هل حقا يعقلون لوازم مذهب الشك المعرفي الذي هو ركن أركان صنعة العلم الطبيعي كما سيأتي تناوله في مبحث لاحق إن شاء الله تعالى؟

    الأمر ليس سببه جهالة القاعدة العريضة من علماء الطبيعيات في الغرب في زماننا بفلسفة العلم الطبيعي وافتقارهم للتأهل الكافي في العلوم العقلية بصفة عامة وحسب، وإنما مرجعه إلى اعتقاد راسخ يتمسكون به، كان من لوازمه ومقتضياته عندهم أن يجعلوا السيادة المعرفية المطلقة للعلم المختص بدراسة المادة وأحوالها ونظمها السببية، فتراهم يرومون تطبيق ذلك العلم على سائر صنوف الأسئلة عند الإنسان، يرفعونه إلى محل ليس له ولا يصح في العقل أن يقدَّم إليه، ويتعاملون – في المقابل - تعاملا اختزاليا للغاية reductive مع سائر ما سوى ذلك العلم من حقول معرفية ووسائل للاستدلال وتحصيل المعرفة. "10"

    فعلى سبيل المثال، أي شيء هذا الذي جرّأ عالما من علماء الحيوان zoology كالبروفيسور ريتشارد دوكينز على أن يؤلف كتابا يسميه "وهم الإله"، يحشوه من أوله إلى آخره بمغامراته الصبيانية في التعامل مع الحجج الفلسفية والمسائل العقلية وكأنه متخصص في ذلك العلم؟ إنه ازدراء متأصل لديه هو وأقرانه – إن لم يكن بلسان المقال فبلسان الحال - لتلك العلوم كلها جملة واحدة، مبناه اعتقاده المسبق بأنها ما عادت تلزمنا معاشر البشر وما عدنا في حاجة إليها أصلا، فالعلم الطبيعي فيه الكفاية وفيه جواب كل مسألة، وعلاج كل معضلة، وطريق كل معرفة! ترى أتباع دوكينز عندما يدافعون عن ذاك الكتاب المتهافت الذي شهد عليه حتى فلاسفة الإلحاد أنفسهم بالهزال الفلسفي، يقولون إنه لم يكتب ليكون مخصصا لمجادلة ومصارعة الفلاسفة وإنما كتب لمخاطبة العوام! فهل ترتضون يا أدعياء الأمانة والنزاهة العلمية ويا من ترفعون لواء الإصلاح المعرفي المزعوم وترويج العلم والوعي العلمي بين العامة، مخاطبة الناس بكلام فارغ لا يقوم على أساس علمي صحيح؟ هذا عذر أقبح من الذنب كما يقولون! لماذا ترتضي يا أستاذ دوكينز مخاطبة العامة بكلام لا قيمة له في ميزان علم من العلوم أنت تعلم أن له أهله المختصون فيه، وتعلم أنك لست منهم، أو لست على مثل أهليتهم العلمية في صنعتهم وإن لم تكن معدودا منهم (أكاديميا)؟ أم أن العلم الطبيعي هو وحده الذي ترجى منه المعرفة التي يقام للمشتغلين بها وزن وتراعى لهم السلطة المعرفية على ما يتكلمون فيه وتحفظ لهم حدود علمهم وتحترم مكنتهم منه، وأما ما سوى ذلك فلا مانع من أن يكون كلأ مستباحا يخوض فيه كل إنسان بما يحلو له؟ لماذا استجزت لنفسك أن تكتب كتابا في الفلسفة والثيولوجيا، ترد فيه على هذه الحجة وتلك، وتجمع فيه من هنا وهناك، وأنت أجهل من الدابة في الفلسفة؟ وأي معرفة هذه التي خرجت لتدعو الناس إليه؟

    على أية حال، فإن مقصودنا في هذا المطلب أن نبين أن مخزون المعرفة البشرية مخزون تراكمي مترامي الأطراف، وأن نمط الاجتماع البشري وإن كان قد خدم النوع الإنساني في تمكيننا من التحصل على مخزون معرفي متنامي (على اختلاف منازل ودرجات القطع والظن في وصف مكوناته) لا يمكن للفرد الواحد من بني آدم أن يجمعه في نفسه ولو عُمّر ألف سنة كاملة، إلا أن ذلك النمط نفسه لا يفضي عند بني آدم إلى تحقيق المعرفة الكاملة، حتى يرجى له أن ينتهي تلك النهاية الساذجة التي يحلم بها "تشارلز بيرس" وغيره من دعاة "السوبرمان"! وإنما كان ولا يزال يفضى كذلك إلى نمو مطرد للجهالات والأخطاء والنزاعات والمخاطر التطبيقية بل والانقلابات الإجماعية consensual & fundamental revolutions على الإجماعات القديمة في عامة العلوم التجريبية والطبيعية، وكأن ثمة آلية للتدمير أو التحلل الذاتي Fragmentation مصممة خصيصا لمنع المعرفة الإنسانية من مجاوزة حد معين!
    ولا عجب! أليس قد قال الله تعالى ((وما أوتيتم من العلم إلا قليلا))؟ تمر القرون بعد القرون والأجيال تلو الأجيال، ويظل خطاب الآية الكريمة صحيحا من يوم أن نزلت على قلب النبي الأمي وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، نؤتَى ما نؤتى من العلم، وما يكون مهما ازداد لدينا وتراكم إلا قليلا! فإن الذي تكلم بهذا الوصف إنما هو الخالق الحكيم الخبير علام الغيوب الذي هو أدرى بخلقه من أنفسهم ((ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير)). لو كان هذا القرءان من كلام بشر، أفكان يجرؤ مؤلفه على إطلاق دعوى يخاطب بها سائر البشر، قد تمر الأيام والسنوات ثم يراها هو أو من تبعوه وقد ثبت بطلانها في يوم من الأيام أو في حق أمة من الأمم؟ "11" لقد اقتضت مشيئة الرب سبحانه أن يجعل الابتلاء في كل شيء في هذه الدنيا حتى في المعرفة الشرعية التي هي طريق النجاة في الآخرة. أوليس قد قال جل من قائل: ((ونبلوكم بالشر والخير فتنة))؟ ما من نعمة يستزيد منها الإنسان في هذا العالم إلا ويشتد ابتلاؤه بها ولابد! لذا فإن هذه الخصيصة السوسيولوجية العشوائية للبناء التراكمي المعرفي لبني آدم، خصيصة ملازمة لذلك البناء لا انفكاك له عنها، ولا تزداد بنموه إلا تفاقما وتضخما!

    فكيف يكون نمو المعرفة البشرية نقصا تراكميا في نفس الوقت، وكيف يكون التكاثر التراكمي العملاق الذي هو مزية العملية المعرفية في النوع البشري، الذي هو كذلك من أهم أسباب تفرد بني آدم بالسيادة في الأرض على غيرهم من المخلوقات، هو نفسه طريقهم الحتمي للتفكك والتآكل والشتات؟ لقد صار عقلاء البشر من كل ملة ونحلة يعلمون أنهم لا غنية لهم عن الاغتراف مما فيه تقارب الأمم وفيه كذلك صراعها، وبه علوها وهبوطها وهلاكها، وأن الأيام دول بينهم في ذلك لا محالة، فما علا طير وارتفع، إلا كما طار وقع! ولا يكون لأمة من الأمم علو في الأرض مهما اطرد إلا أمكنهم التنبؤ بسقوط حتمي من بعده مهما طال أمد العلو ومهما بلغ ظهور نجمه في سماء العالم! ولا ريب في أن تفاوت الأمم في المعارف مؤداه تفاوتها في القوة والبطش والمنعة، فالذين علوا فإنما علوا بمعارفهم وعلومهم، والذين انحطوا فإنما أُتوا من قبل معارفهم كذلك!

    فلعلنا ننتقل الآن إلى إقامة برهان فلسفي شكلي على هذه الدعوى التي قررناها فيما تقدم (= أن المجتمع البشري لا يزداد علما إلا ازداد جهله وإدراك أفراده لذلك الجهل كذلك). وسنبرهن بعون الله تعالى على أن أحرى التراكمات المعرفية عند الإنسان بهذه الخصيصة في الحقيقة إنما هو مخزونه من العلوم الإمبريقية على وجه الخصوص، تلك العلوم المختصة ببناء تصوره لآلية عمل النظم المتراكبة التي يدركها في الكون المنظور من حوله!

    هب أن ثمة موجود ما (أ) في الواقع (داخل الذهن أو خارجه) يراد الوصول إلى معرفة تفصيلية بشأنه. فيكون أول سؤال يطرح عن (أ) هو س1(أ)، ولنفترض أن جوابه المراد الوصول إليه هو جـ(س1(أ)). وأن ذلك الجواب قد توصلنا إليه من طريق الأدلة د1، د2، د3 .. دن (بصرف النظر عما إذا كانت تلك الأدلة من نمط الاستنباط، فتكون تلك المجموعة معبرة عن مقدمات ونتيجة منطقية، أم أنها من نمط الاستقراء فتكون معبرة عن جملة من المشاهدات أو القرائن الحسية أو الإحصائية أو النصوص التاريخية أو غير ذلك).
    - فما لم تكن المجموعة د(جـ(س1(أ)) أو مجموعة الأدلة (د1، د2 ... دن) من جنس الأدلة القطعية، فإن المعرفة التي تتحقق من الجواب جـ(س1(أ)) تكون معرفة ظنية (وهي موجبة – عقلا - للاعتقاد والعمل في ظل الافتقار إلى المعرفة القطعية). ووجه نقصها أن ثمة سؤال آخر س2(أ)، أو س(جـ(س1(أ)) يطرأ بين الباحثين بمجرد زعم الباحث الأول أن الجواب هو كذا وأدلته الظنية هي كذا وكذا. فيظل ذلك السؤال رابضا في انتظار ظهور جواب قد يزيد من قوة الظن في صحة جـ(س1(أ))، أو يوهنه أو ينقضه ويفترض جوابا آخر في محله، فهو سؤال نقدي للجواب الأول وأدلته. ....... (م1)
    - فإذا نوقش كل دليل على حدة، فإن س2(أ) تتحول إلى س2(د1) وس2(د2)، وس2(د3)، وهكذا!! ................. (م2)
    - وإن قلنا إن في كل دليل مسائل لغوية أو منطقية أو نحوها، فسنسأل عنها بالسؤال س3(د1)، س3(د2)، س3(د3) .. إلخ. ............... (م3)
    - فإن كانت الأدلة من قبيل الأسباب الطبيعية (لكون الموجود محل البحث "أ" مما يوصف بأنه حدث أو عرض أو من الطبيعيات المشاهدة عموما)، جاز السؤال حول التفسير السببي الاستقرائي بتسلسل لا تظهر له نهاية محددة عند الباحث، ما لم يصل صاحب الأسئلة بتلك السلسلة التفسيرية إلى منطقة الغيبيات والماورائيات (وعندها يظهر نزاع آخر ليطرح أسئلة أخرى) .............. (م4)
    - ينتج عن ذلك أن كل معرفة تأتي من طرق الاستدلال الظني (لا سيما في العلوم الإمبريقية التي أساسها الحس والمشاهدة)، فإنها لن تدخل إلى مخزون المعرفة البشرية إلا ومعها من الأسئلة الجديدة ما يفوق في صعوبته وعمقه السؤال الأول نفسه.................. (نتيجة)


    هذا البرهان الآنف مداره كما لا يخفى على كيفية التعامل العقلي الفردي (أي من المنظور السيكولوجي وليس السوسيولوجي) مع الإشكاليات البحثية، ويظهر فيه (في مقدمة: م4) كيف أن التفسير الطبيعي scientific explanation بطبيعته يتحرك في صورة مسلسل سببي، كلما تكشفت منه حلقة، استدعت البحث عن الحلقة التي تليها (فضلا عن تفاصيل تلك الحلقات وأدلتها وما تستدعيه من فحص وتمحيص)، إلى غير نهاية يمكن للباحث أن يطمع في أن يكون العلم الطبيعي طريقا إلى الوقوف عليها.
    فمع أن علماء الطبيعيات يعلمون أن تسلسل التفسيرات يجب في العقل أن ينتهي عند سبب أول رئيس، ومع أنهم يعلمون أن العلم الطبيعي بأدواته لا يمكن أن يوصل منه إلى معرفة ذلك السبب الأول، أو ربطه بالأسباب الحسية المشاهدة ربطا إمبريقيا، إلا أنهم يصرون على ترك ذلك التسلسل مفتوحا، ويكابر بعضهم بزعمه أن دوائر المعارف المختصة ببحث القضايا الثانوية A Posteriori التي منها العلم الطبيعي بمختلف فنونه، يمكن أن تصل في يوم من الأيام إلى توفير الجواب الكافي عن كل سؤال طرأ في ذهن الإنسان أو يمكن أن يطرأ يوما ما! مع أن هذه الخصيصة تضمن لذلك العلم أن يظل دائما وأبدا هو أكثر العلوم حظا من الشك والتقلب والانقلاب الفكري، ومن ثمّ أن يظل دائما وأبدا – مهما تضخم وتنامى - أبعد دوائر المعرفة البشرية عن الوصول إلى نقطة نهاية قطعية يكتمل معها الجواب فيه عن أي مسألة من مسائله! بل لعله ليس من الصعب علينا الآن أن ندرك أن محتوى العلم الطبيعي كجنس من أجناس المعرفة البشرية، يمتنع (في مجموعه لا في بعض أفراد تفاصيله) حتى عن التقارب convergence الذي يمكن أن يرجى معه الوصول إلى نقطة كهذه في يوم من الأيام، فلا يزداد بنموه (إجمالا) إلا تباعدا وتراميا Divergence.

    وقبل أن يتقافز الملاحدة من القراء من مقاعدهم نقمة على كلامي هذا، فإنني أنبه إلى أن تقريرنا هذه الصفة أو الخاصية لذلك القسم من العلوم البشرية، أي تلك المعارف التي يتلقاها الإنسان من طريق الحس والتجريب والاستقراء، لا يعني التنقص منها أو إهدار أهميتها – بل ضروريتها – للإنسان بحال من الأحوال، ولا يعني أننا ننقم من علماء الطبيعيات استحضارهم لقاعدة الشك العلمي في كل مبحث من مباحثهم، فلقد كان من مقاصدنا في صياغة هذا البرهان بالأساس، أن ندلل على وجوب أن تكون تلك هي صفة ذلك القسم من أقسام العلوم وصفة المشتغلين به، بالنظر إلى طبيعة مادته وموضوعه ومصادر تلقي المعرفة فيه. وإنما أردنا أن نثبت محدودية جنس المعرفة البشرية بعموم، وأن هذه المحدودية تعد خاصية ملازمة للكيفية التي بها يبني الإنسان معرفته فلا انفكاك لها، وأنها أشد التصاقا بهذا القسم من أقسام العلوم بصفة خاصة من غيره من حقول المعرفة البشرية!
    كما أننا لا ندعي لأخبار الغيب في نصوصنا – مثلا - الحق في أن تحل محل البحث الإمبريقي حيثما تدعو الحاجة إلى تحصيل ذلك الصنف من المعارف الذي تستعمل فيه أدوات الحس والتجريب، فإنها ما أنزلت لهذه الغاية أصلا! ولا يعني كلامنا هذا أننا نحشر "الإله" في فجوات العلم، كما يحلو لسدنة الإلحاد الجديد أن يدندنوا!

    فإنه لم يقل أحد من العقلاء قطّ أن زعمنا دخول السبب الأول والعلة التفسيرية الأولى لما يجري في هذا العالم من حوادث، في إطار حقل آخر من حقول المعرفة البشرية بخلاف العلوم الإمبريقية والطبيعية (أو الثانوية A Posteriori)، يلزم منه عرقلة مسير علماء الطبيعيات في استخراج واستكشاف طبقات الأسباب المادية "الطبيعية" لتلك الحوادث، بدعوى أن مجرد علمنا بأن "الله خلق هذا وأراد هذا" مؤداه انقطاع البحث وذهاب الأرب منه لدينا رأسا! هذا لا يقوله إلا من جعل من العلم الطبيعي وسيلة لغاية لم يوضع من أجلها أصلا! لا يقوله إلا أصحاب الملة المادية المعاصرة الذين زعموا أن العلم الطبيعي يكفيهم لتحصيل المعرفة بسائر الغيبيات والماورائيات ولإثبات أو نفي العلة الأولى نفسها والإحاطة بعلمها إن وُجدت! من كان دينه أو نظامه الاعتقادي يقوم على تلك المكابرة المعرفية والعقلية الفجة، فهو وحده من يزعم أن المؤمنين بالخالق – وهم عامة بني آدم إلا الملاحدة - يتهربون من الإشكالات العلمية الكبرى ويطرقون طريقا سهلة في جوابها بقولهم إن الله خلق كل شيء في هذا العالم وهو علة كل معلول! هذا الجواب الذي يوجبه العقل الصحيح في منتهى مسلسل الأسباب والتفسيرات لا يكون هروبا إلا عند من يكرهه، لأنه يدري تمام الدراية أنه لا يمنع أصحاب العلوم الإنسانية من مواصلة مسيرهم في ارتقاء سلم الأسباب المادية، وأنه السبيل الوحيدة لتقرير نهاية التسلسل، تلك النهاية الضرورية لقيام ذلك السلم التفسيري كله من أوله إلى آخره على أساس عقلي صحيح!

    وفي الحقيقة فإن هذا البرهان الآنف لم أتطرق فيه بعد إلى العوامل السوسيولوجية، أو التي تتعلق بطبيعة وآليات عملية التراكم المعرفي نفسها في المجتمع البشري.

    فلعلنا لتمام المطلوب نضيف مقدمة خامسة بهذه العبارة:
    - المسألة (أ) لن تحظى بمحاولة واحدة من باحث واحد للوصول إلى جوابها، وإنما بعدة محاولات من جملة كبيرة من الباحثين في أرجاء المعمورة، كل منهم يجري عمله في إطار العمليات التي استعرضناها في المقدمات (م1 – م4)، بما يفضي لا محالة إلى تضاعف الإشكاليات ومواطن النزاع والجدل أضعافا مضاعفة. ....................... (م5)
    ونضيف مقدمة سادسة أيضا، عبارتها كالتالي:
    - كل باحث يأخذ من المخزون المعرفي بقدر ما تصل إليه يده وما يبلغه بحثه واطلاعه. فقد يجري الباحث بحثا يصل منه إلى نتيجة لا يدري أن غيره قد سبقه إليها في مكان ما، وأنه قد قوبل باعتراضات مفادها كذا وكذا، ولو أنه وقف على ذلك لما وقع في تلك النقائص نفسها. هذا النقص في قدرات كل باحث والجهة التي يخدمها ببحثه، له أبلغ الأثر في المستقبل المعرفي للمسألة (أ). ............ (م6)
    ويمكن إضافة مقدمة سابعة كالتالي:
    - لا تخلو الزعامات السياسية لأمم البشر من نزاعات على السيادة والسلطان، أساسها جملة من العقائد التي يتنازع عليها أصحابها ويزعم كل منهم أن لها الحق في أن تكون هي أساس الحكم والدولة والنظام القانوني والأخلاقي. هذه النزاعات قد يكون لها تأثيرها البالغ في صياغة الفرضيات العلمية لجواب المسألة (أ) – في حالة كونها من المسائل الطبيعية أو التجريبية – وفي المسارات التي تتخذها الأبحاث تحت جهات بحثية مختلفة في تلك المسألة نفسها. بمعنى أن الخلاف في التشريع الأخلاقي بين الأمم من جانب، وفي غايات الساسة والقادة من تمويل البحث العلمي وتوجيهه من جانب آخر، يؤثر لا محالة في تضخم الإشكاليات البحثية وتعقيدها. إلى جانب تأثير الصراع السياسي نفسه في فقد المخزون المادي للعلم وتضييعه أحيانا (كما كان مصير مكتبة الإسكندرية في العصور السحيقة). ................ (م7)
    بل يمكن إضافة مقدمة ثامنة مفادها:
    - في غياب نظام أخلاقي يمنع الجهلاء والدخلاء على صناعات المعارف البشرية من الكلام فيها بغير أهلية، يزداد حجم المحتوى "الجهلي" الذي يضطر أصحاب العلوم إلى مجابهته وإفناء أوقاتهم وأعمارهم في رده وإبطاله. ..................... (م8)
    هذه المقدمات (م5 – م8) أحسبها كافية لإدخال البعد السوسيولوجي للبرهان السابق، وبها نكون قد أتممنا المقصود من مطلبنا هذا، ولله الحمد والمنة.
    --------------
    حواشي:
    (6) ينبغي التفريق ههنا بين اصطلاحين حادثين في فلسفة المعرفة تطلقان على دائرتين للبحث في قضية العلاقة بين المعرفة – كقضية فلسفية كلية – والمجتمع البشري (بوصفة الكيان الاعتباري الحاوي أو الخازن لتلك المعرفة، وهو كذلك منتجها ومستهلكها في آن). أما الاصطلاح الأول فهو ما يسمى Social Epistemology وهو يطلق على مجال فرعي جديد في فلسفة المعرفة ظهر قبل عقدين من الزمان تقريبا، ويعني بدراسة الآليات التي يمكن بها توجيه وتهذيب النمو المعرفي الإنساني من خلال توجيه العناصر المنتجة للمعرفة في المجتمع البشري توجيها يكون من شأنه أن يصلح ما يعاني منه البنيان المعرفي البشري من آفات مرتبطة بجملة من الخصائص السوسيولوجية التي يتصف بها ذلك المجتمع (Fuller 2002). وأما الاصطلاح الثاني فهو Communitarian Epistemology وهو يطلق على مجال فرعي آخر يستهدف دراسة نمو المعرفة بوصفه عملية اجتماعية محضة. (Kusch 2002) ولعل هذا المصطلح الأخير هو الأنسب لوصف ما نسلكه في هذا المطلب من تصور المآل استنادا إلى واقع الحال في علاقة النمو المعرفي التراكمي بطبيعة المجتمع البشري.

    (7) ولهذا جاء ذمّ المشكرين في القرءان في غير موضع بتشبيههم بالأنعام والدواب، وكان ذلك – كما جرى في عرف الناس – ذما لهم، كما يقال لكل بليد "يا حمار" ونحو ذلك، لأن علة التشبيه ههنا إنما هي التخلف عن الخضوع للضابط الأخلاقي الصحيح الذي يوجب على الإنسان أن يفعل كذا وأن يترك كذا (بداية من الإيمان بالخالق والكفر بالطواغيت، ونزولا إلى أدق دقائق الحكم الأخلاقي والسلوكي)! فإذا جاز أن توصف الدواب والأنعام بأنها ضالة عن ذلك الالتزام (إذ ليست هي مطالبة به أصلا)، كان هؤلاء أحق منها بذلك الوصف ولابد، لأنهم يعلمون أنهم مخاطبون بتلك الأحكام والضوابط وأنهم مكلفون بها مسؤولون عنها!

    (8) لقد استخرج العلماء ما يربو على عشر فوائد في خطاب هدهد ضئيل لنبي الله سليمان! فلولا أن شاء الخالق جل وعلا أن تكون اللغة وطريقة التخاطب حاجزا من الحواجز التغيبية فيما بيننا وبين تلك المخلوقات، ما وجدنا في ذلك الأمر ما يدعو إلى العجب، وما تطاول المرضى عبدة الهوى على القرءان وعلى خالقهم الذي نزله، سبحانه وتعالى علوا كبيرا! فإنما هي مخلوقات مسخرة وليست مستخلفة، فلا تملك إلا أن تكون عابدة موحدة لله جل وعلا، فاقتضت حكمة الخالق الحكيم أن يبتلينا بقطع التواصل اللغوي بيننا وبينها لصالح الابتلاء الذي من أجله خلقنا سبحانه وتعالى، والله أعلم.

    (9) إن عامة مغالطات الفكر الغربي المعاصر فيما يتعلق بمسألة حدود العلم الطبيعي مرجعها في الحقيقة إلى مغالطة كلية لعلي أفرد لها فيما بعد مبحثا مخصوصا إن وفق الله تعالى وأعان، ألا وهي مغالطة تحويل معالم النقص الإبستمي الذي هو خصيصة من خصائص علم الإنسان المخلوق، إلى حقائق أنطولوجية واقعية (أو نقائص تكوينية) في العالم الخارجي نفسه، بما يفضي إلى انسحاب تبعات تلك المعالم ومقتضياتها على قدرة وعلم الخالق، سبحانه وتعالى عما يصفون علوا كبيرا. هذه المغالطة الكبرى تظهر في كلام عامة المدافعين عن فكرة "نظرية كل شيء" هذه ظهورا جليا، حيث ترى كثيرا منهم يقولون – في مناقضة واضحة لاعتقادهم فيما يتعلق بمعقولية ما يجري من أحداث على المستوى الكماتي - إن اعتقادنا بضرورة وجود قانون حاكم موحد لكل صغيرة وكبيرة في الكون يربط سائر القوى الكونية الكبرى ببعضها البعض وعلى جميع المستويات، يجعلنا نراه من المعقول أن نطمح في التوصل إلى معرفة ذلك القانون بصورته النهائية. فهم في ذلك يتقلبون ما بين مغالطتين عقليتين متناقضتين، إحداهما ترجع إلى هذه المغالطة المعرفية الكبرى، والثانية ترجع إلى الغلو والتطرف الأعمى في تعظيم قدرات الإنسان. فبينما يرون أن تلك "العشواء" التي يعانون منها "إبستميا" في فهم وتتبع الجسيمات الكماتية، إنما هي دليل على كون تلك العشواء خصيصة أنطولوجية وجودية لتلك الجسيمات نفسها، بمعنى قيام تركيب المادة نفسه عند ذلك المستوى "تحت-الذري" sub-atomic على فوضى وعشواء متجذرة inherent Chaos لا على نظام محكم يمكن للإنسان أن يدرسه يوما ما كما يصنع على المقياس الأكبر، تراهم في المقابل يزعمون أن النظام الكوني مهما كان معقدا فسيأتي يوم للإنسان، ربما بعد قرون طويلة من التراكم المعرفي، يُحكم فيه سلطانه المعرفي على ذلك النظام إحكاما تاما، وتكون لديه نظرية أو معادلة رياضية تربط كل شيء يراه في هذا الكون برباط معرفي واحد! فهل يعتقدون – مثلا – أن الإنسان قد يأتي عليه يوم، يرتقي فيه منطقه العقلي بالطفرة العشوائية (على نمط روايات الخيال العلمي)، فيصبح ما يراه الآن من المحالات العقلية من جملة الممكنات، وما يراه الآن من الممكنات العقلية من جملة المحالات؟؟
    نعم بعضهم يعتقد ذلك تحقيقا، ولا عجب!

    (10)- أذكر أنني جادلت ذات يوم شابا أمريكيا من الباحثين في العلوم الطبيعية، وكانت مناظرتنا مكتوبة عبر الانترنت في مراسلة خاصة فيما بيني وبينه، وكانت تدور حول نظرية داروين. فأخذت أحدثه في الفساد الفلسفي والمنطقي للأصول التي تقوم عليها تلك النظرية، ووجدتني في سياق ذلك أستعمل أدوات البحث الفلسفي واللغوي وغير ذلك، فإذا به كلما أتيته بحجة ظاهرة يعترض على ذلك بكونها – أي تلك الحجة – ليست مما يوصف بأنه علم طبيعي science!! فكان وجه الاعتراض عنده منصبا – بالكامل – في حقيقة أنني لست أتكلم بمثل ما يجده الرجل في كتب الأحياء من مناقشات بين الدراونة في تفاصيل نظرية الارتقاء، ولا أستعمل جنس الأدلة التي يستعملونها (من حفريات ونحوها)! وكلما حاولت زحزحته للكلام في القضايا الفلسفية الأولية A-priori التي هي بيت الداء في الملة الداروينية، رأيته يتشبث بأن الفلسفة لن توصلنا إلى شيء، وأنه لن يرتضي في القضية إلا صنف الأدلة الحسية والتجريبية! وكأن تلك الحفريات التي يخرجونها من بطن الأرض، تخرج وعلى كل واحدة منها نقش أو ختم يقول: "أنا دليل على كذا وكذا"، أو وكأن رؤية تلك الحفريات تستوي في الميزان الإمبريقي برؤية تلك الطفرة التي يزعمون أنها أصل الأنواع، أو رؤية ذلك الكائن أحادي الخلية الذي يزعمون أنه نشأ بالصدفة المحضة ثم تفرعت عنه سائر الكائنات بطبقات من الصدفة والتطفر العشوائي! لا يعي هذا المسكين وأمثاله أن مجرد الوصول إلى عد تلك الحفائر الكثيرة من جنس الأدلة على زعمهم هذا، إنما يستلزم التسليم المسبق بصحة جملة من الدعاوى الفلسفية كثير منها ننازعهم فيه بحجج وأدلة عقلية ظاهرة لا يتصورونها ولا يريدون أن يتصوروها أصلا!!

    (11) هذا المنطق في إقامة البرهان على نسبة القرءان إلى رب العالمين، منطق صحيح إجمالا، وقد استعمله العلماء في بعض النصوص، لعل من أقواها كلامهم في سورة الروم في قوله تعالى ((وهم من بعد غلبهم سيغبلون . في بضع سنين)). فإنه لا يُعقل أن يتكلم رجل يؤمل في بناء سلطانه وملكوته على هذا الكتاب الذي يزعم نسبته إلى رب العالمين، أن يضع فيه نبوءة مفادها أن جيشا قد هزم لتوه، سينتصر ويتغلب في بضع سنين! مهما كان عبقريا من عباقرة التحليل العسكري والسياسي وما إلى ذلك مما وصفه به المستشرقون، فإن إقدام رجل كهذا على مغامرة كهذه يعد ضربا من السفاهة في الحقيقة! فلو كان ولابد فاعلا، لاكتفى بالتنبؤ بأنهم سينتصرون يوما ما، وينقضي الأمر عند ذلك، ثم لا يضيره ألا يأتي ذلك اليوم أبدا! أما أن يجترئ على تحديد المدة وحصرها في بضع سنين (والبضع في اللغة يطلق على العدد من ثلاث لتسع) فهذا ما لا يمكن تصور وقوعه من إنسان يؤلف كتابا ويزعم نسبته إلى الرب علام الغيوب، بغية أن يؤسس ملكه وسيادته على أمة من الأتباع تأسيسا عليه!
    والأمر الذي يجعل هذا الدليل من جملة البراهين القطعية على صدق النبوة، أن النبوءة قد تحققت بالفعل! فقد نُقلت الأخبار بانتصار الروم بعد تسع سنوات من نزول الآية! ولا يصح لعاقل أن يزعم أن ظنية تلك الأخبار لا تكفي لحمل هذه الحجة على محمل القطع واليقين! فإنه لو كانت تلك السنوات التسع قد مرت حقا دون أن تتحقق تلك النبوءة، لكان من المحال أن يجري التاريخ على نحو ما جرى! فيقينا كنا سنرى الأتباع ينصرفون من تحت ذاك الرجل ويكفرون بدعواه، ويقينا كنا سنرى الكفار والأعداء يطيرون بذلك الأمر كل مطار! ولكن شيئا من ذلك لم يحدث البتة! ولم يزدد الأتباع إلا إيمانا، ولم يزدد الناس إلا دخولا في الدين أفواجا، ولم يتكلم أحد قطّ بأن تلك النبوءة لم يأت تأويلها على وجه التمام! فإن لم تجتمع تلك الأدلة والقرائن العقلية لترفع منزلة هذا البرهان على صدق النبوة إلى منزلة الدلالة القطعية، فأي معنى يبقى في اللغة نفسها للقطع واليقين؟

    --------------------
    مراجع:
    Fuller, S. (2002): Social Epistemology, U.S: Indiana University Press.
    Kusch, M. (2002): Knowledge as Agreement, U.S.: Oxford University Press.
    التعديل الأخير تم 12-16-2011 الساعة 02:51 AM

  2. #17

    افتراضي

    السلام عليكم و رحمة الله
    ذكرتم انه يتوجب علينا الاطلاع فى هذه المواضيع:
    بناء على المقدمة السابقة، أقول إن المشتغلين بالرد على الملاحدة يلزمهم من بعد العلم الشرعي توسيع دائرة الاطلاع على جملة من الحقول الفلسفية المعاصرة ترتيبها كالتالي:

    Philosophy of religion فلسفة الأديان
    philosophy of science فلسفة العلم الطبيعي (لا سيما علم الأحياء)
    philosophy of moralities فلسفة الأخلاق
    epistemology مباحث فلسفة المعرفة المعاصرة
    philosophy of language فلسفة اللغة والتأويل
    philosophy of psychology فلسفة وأصول علم النفس
    هل يمكن افادتنا باسماء كتب بعينها أو مؤلف بالاسم أو روابط لهذه الكتب و تكون للمبتدئين غير المتبحرين أو المتخصصين فى الفلسفة.
    و جزاكم الله خيرا

  3. #18
    تاريخ التسجيل
    Jul 2010
    المشاركات
    2,207
    المذهب أو العقيدة
    مسلم
    مقالات المدونة
    5

    افتراضي

    للرفع - وارجوا التثبيت
    "العبد يسير إلى اللـه بين مطالعة المنة ومشاهدة التقصير!" ابن القيم
    "عندما يمشي المرؤ على خطى الأنبياء في العفاف, يرى من نفسه القوة والعزة والكبرياء. بينما يعلم المتلوث بدنس الفحش الضعف من نفسه والضعة والتساقط أمام الشهوات"


  4. #19

    افتراضي

    حوار ماتع نافع ... جزاكم الله خيراً.
    " وَالَّذِينَ آَمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ "

  5. #20
    تاريخ التسجيل
    Jul 2014
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    18
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    جزاكم الله عنا خيرا ونفع بكم
    ولكن لنا رجاء .
    نحن طلاب العلم نطمع فى الزياده
    افلا تعقلون
    الحمد لله علي نعمة الاسلام

صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 12

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. على أي المبادئ تعيش - كلام نفيس لأبي الفداء بن مسعود حفظه الله.
    بواسطة محب أهل الحديث في المنتدى قسم الحوار عن الإسلام
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 09-16-2014, 03:22 PM
  2. (فلسفة النسبية العامة وماهية الزمان والمكان) لأبي الفداء
    بواسطة د. هشام عزمي في المنتدى أبو الفداء
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 07-06-2013, 12:45 AM
  3. (فلسفة النسبية العامة وماهية الزمان والمكان) لأبي الفداء
    بواسطة د. هشام عزمي في المنتدى قسم الحوار عن المذاهب الفكرية
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 07-06-2013, 12:45 AM
  4. فلسفة الشر ..حوار مع ‏Massinissa
    بواسطة Massinissa في المنتدى قسم الحوار عن المذاهب الفكرية
    مشاركات: 50
    آخر مشاركة: 11-18-2012, 04:34 PM

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء