صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 15 من 16

الموضوع: العداوة.. ضرورة لم نمارسها بالقدر الكافى !

  1. افتراضي العداوة.. ضرورة لم نمارسها بالقدر الكافى !


    يخطئ من يرى فى مفهوم "العداء" على إطلاقه شيئاً مشيناً ، أو نقيصة يمكن إلصاقها بالجنس البشرى على عمومه ، مما قد يدفع ببعضنا إلى التخلص منها كآفة تحتاج للعلاج ، أو خطيئة تحتاج لغفران الآخرين. وفى واقع الأمر.. فإن الذين يرددون مثل هذا المفهوم الأبتر مصابون بعقدة "الأعور" ، الذى لا يرى "العمق" فى أى صورة مرئية على الدوام ، هذا العمق الذى يعطى إحساساً بالواقعية لأى حدث أو مشهد يرتبط بمصائرنا جميعاً ، دون تحويله بتلقائية العاجز إلى مجرد تصور إفتراضى لن يمكننا التعامل معه عملياً ، ولم نعد نسمع فى هذه الأيام إلا دعوات موجهة للمظلومين بأن يتخلوا عن عداوتهم للظالمين المعتدين.. كسبب "يمكن حدوثه" لفض الخلافات والعداوات ، إذ بات من المعلوم والبديهى أن الذى يقدر على الظلم والعدوان لا يمكنه فى هذه المرحلة أن يكف عن عداوته بلا شروط. أما المظلوم فبإمكانه أن يفعل ذلك تكراراً ومراراً.. لأنه فى حقيقة الأمر.. لا يملك إلا إعلان المحبة والوئام كبديل "حضارى" لعداوة لم يعد يقدر عليها !!

    العداء سنة بشرية تسرى فى نفوسنا .. كمتلازمة للصراع المضروب على جنس الإنسان ، والذى هو أصل الإبتلاء فى حياتنا الدنيا وأساس الثواب والعقاب فى الآخرة ، وكما أن الحب إحساس بشرى خارج عن حدود السيطرة العقلية أو المنطقية ، فكذلك البغض والكراهية.. ليس بإمكان المرء أن يفرض على نفسه أياً منهما بمحض إرادته ، بل هو مستسلم مسير لما يفرضه عليه هذا الإحساس من تبعات ومسئوليات مباشرة.. فهى علاقة بين طرفين.. لابد فيها من توازن بينهما.. إما فى قدر العداء ، أو فى حجم الرغبة (الجادة) للتنازل عن مقدمات العداوة وتفعيلاتها واقعياً .. وكذا الرؤية لشكل الترابط بين الطرفين فى المستقبل.. والأهم من ذلك كله.. العنوان الذى يمكن للطرفين التحرك تحت إطاره !

    العداوة.. سواء بإعلانها أو كتمانها ، تأتى فى مرحلة لاحقة بعد إستقرار إحساس البغض والكراهية فى نفوس الناس.. وقد لا يرقى إحساس الإنسان بالبغض إلى مرتبة العداء الجزئى أو الشامل ، بل قد يظل محصوراً فى دائرة عدم الإستلطاف أو النفور الذى لا يرتبط بإعلان العداء ، والإنتقال إلى مرحلة العداوة العملية ، سواء كان ذلك داخلياً أو خارجياً علنياً. فدعونا نرتب التسلسل المنطقى لهذا الشعور.. فهو إحساس بالكراهية والبغضاء يتملك من نفس الإنسان.. إما لقرائن تعضده أو لإحساس غامض لا دليل عليه ، وهذه المرتبة تحتل العقل الباطن دون الحاجة لتفعيلها على أى ملكة من ملكات الإنسان ، فإذا كان العلم يقينياً.. أو كانت نوعية العداء من النوع الذى يهدد إستقرار الإنسان ، فقد تنتقل إلى مرحلة أخرى وهى إعلان العداء.. والذى قد يظل حبيس الصدور أو يطلقه صاحبه على صفحات الحياة بشكل طبيعى ، وقد يشعر الإنسان بعداوته لمصدر ما.. لكن لا يتخذ الخطوات اللازمة لتمييز هذا المصدر بالذات على انه مصدر عدائى بالشكل الكافى ، وهذا خلل فى تفعيل العداوة بقدرها المناسب.

    والعداء بحاجة لعزم وإصرار.. ونية موجهة للإضرار بمصالح العدو.. لذلك فصل الله بين معرفة الشر الذى يستوجب البغض والكراهية ، وبين إتخاذ الخطوات الازمة لإعلان هذا البغض فى شكل عداوة.. ليصبح المصدر محل العداوة فى مرتبة المنابذة والخصومة. فيقول الله عز وجل "إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدواً".. أى هو مستوجب للعداء.. وما علينا إلا أن نضعه فى الإطار المناسب.. وهو إعلان العداوة.. ليصير مميزاً عن باقى العلاقات بأنه "عدو" !

    ولكن.. هل هذا التسلسل النفسى المفهوم.. والذى يترتب عليه فى النهاية تصنيف لازم مبنى على قبول أو رفض الآخرين .. يعد من المثالب التى قد يتصف بها الإنسان ، وأصبح بدوره بحاجة للتخلص منها والعمل على إقتلاع هذا الإحساس الطبيعى.. أوتعطيل آلية تكوينه فى النفس البشرية ؟! أم أن المطلوب هو تحكم فى مصدر إستثارته وتولده.. أو تحييد المسارات التى يتم توجيهه فيها إلى هذا العدو بشكل مباشر أو غير مباشر.. أم أن الأمر يتعلق بالسقف المسموح به شرعاً وعرفاً للتعامل مع مبدأ العداوة مع الآخرين ؟!

    ثم.. هل الإنسان بحاجة للتخلص من عداوته لكل الناس.. بمعنى أن عليه أن يحب كل "الآخرين" ويرفض عداوتهم.. حتى وإن لم يكن هو المتسبب فى حدوثها ؟!.. أم هو بحاجة لأن يعلن هذا العداء ويستخرجه بالشكل الكافى من مصادر كتمانه فى النفس ، المناسب لحجم العداء المطروح ، ليحل على سطح التعاملات الإنسانية المباشرة.. ويعلن وجوده بشكل فعال ؟! لا شك أن العلم الحقيقى لا الظنى يدخل بشكل أساسى فى تكوين هذا الإحساس وتوجيهه إلى المكان المطلوب بالقدر الصحيح ، فلابد من تحديد أسباب العداء.. ومصدره.. وكيفية إعلانه وإظهاره قبل أن يتشكل ويصب فى قالب العداوة العملية لا النظرية. والذى أراه أن العداوة على إطلاقها أمر طبيعى وغير متكلف.. وليس من قذارات النفس التى يجب على الإنسان أن يبحث لها عن وسيلة لنفيها أو إلغائها ، بل هى أمر يحتاج للوجود كممارسة إنسانية طبيعية على مر الأزمان ، غير أن العوامل التى تحيط بها هى التى تشكل صورتها النهائية ، وهى تشكل الجزء الذى يحتاج للتقعيد والإنضباط ، كى لا تخرج عن مسارها إلى حيث لا ينبغى لها أن تتواجد.

    هناك عوامل كثيرة تحدد شكل العداوة النظرية.. ومن ثمَّ الواقع التطبيقى لها فى ميدان المعاملات الإنسانية ، أولها العلم اليقينى.. وهذا أمر بالغ الخطورة.. ومصدر هام من مصادر الخلل فى إعلان العداء على الآخرين.. فالعلم اليقينى يفيد قابلية الإستحقاق لهذه العداوة.. وتعطى المبررات الواقعية لحجم العداء المطلوب.. وتفيدنا فى المسارات التى يجب علينا بثها فيه بالقدر الكافى ، وبدون العلم والمعرفة لأصل العلاقات مع الآخرين سيصاب الإنسان إما بتعطيل العداء الواجب حدوثه لحماية بقائه ، أو الإفراط فى حجم وشكل العداوة الناتجة.. أو -وهذه الأسوأ- إسقاط العداوة على من لا يستحق !

    ومن العوامل المؤثرة أيضاً فى تشكيل العداء الإنسانى.. قدر المصلحة التى تحصل من هذا العداء ومدى حاجة الإنسان لها .. ومدى قدرته على تحمل أعبائها وتبعاتها بالشكل الذى لا يعود عليه بالضرر.. فالموازنة أمر لا يمكننا -على الأقل عملياً- إنكاره ، بل أحياناً يكون مطلوباً من الإنسان أن يعلن عداوته على ما لا يطيق.. وقد تكون التبعات من جملة المشاق التى عليه أن يتحملها.. لكن لا إعتبار هاهنا لهذا الشق.. طالما أن إعلان العداوة فى حد ذاته هو المطلوب تحقيقه.. أما الثمار فقد لا يجنيها بنفسه.. وإنما قد يجنيها غيره ممن شملتهم المصلحة فى العداء ، لتصبح خطوة إعلان العدواة فى حد ذاتها ثمرة أولى .. تتبعها أمور أخرى !

    لماذا ننفى عن أنفسنا قابلية العداء لآخرين لا يجدون فى إشهار نفس السلاح فى وجوهنا أدنى غضاضة أو تكدير لصفو التراث الإنسانى ؟.. الذى يحدث بكل موضوعية أن أساليب إعلان العداء على الآخرين قد أخذت أشكالاً جديدة.. خادعة وماكرة ، إلى الحد الذى صارت ترتدى فيه ثياب الصداقة والإحسان.. وما ذلك إلا لأن القوم قد تفننوا فى عقد ألوية العداء بشكل منهجى منتظم طيلة عقود من الزمان ، وقد راعوا بشكل فعال تغير الأزمان والشخوص فى الصورة التى ينبغى أن يكون عليها هذا العداء.. وطالما أن العبرة بالمقصد لا بالوسيلة.. فلا يمكننا أن نعتبر من يريد الإضرار بمصالحنا بأسلوب "حضارى" ، ولو فى إطار القانون ، أنه خارج دائرة العداء.. لأن المقصد فى هذا المشهد واضح مفهوم.. ومن الخطأ أن تتعلق أفهامنا بالجلود الناعمة التى تغطى قلوباً حاقدة سوداء ، دون أدنى محاولة منا لفهم الحقائق على الصورة التى تكونت وبالترتيب الطبيعى الذى تشكلت عليه. فالوسائل التقليدية فى إعلان العداء لم يعد لها أثر.. وأسلوب المواجهة والنبذ إلى الأعداء على سواء لم يعد متواجداً فضلاً عن إمكانية تطبيقه أو تصور ذلك.. خاصة إذا كان المجتمع يعانى من تفاوت كبير فى الإهتمامات ووسائل الإستقبال.. فما يفهمه الخاصة لا تعرفه العامة.. وما ينفطر له قلب المدحورين لا تلين له جلود المترفين !

    ومن الأساليب الجديدة لإعلان العداوة على الآخرين.. والتى قد تسببت فى خداعنا لعقود طويلة دون تذمر من هذا السبات العميق :
    - طلى العداوة بشحم شاةٍ ذُبحت كرماً للضيافة.. نحن لا نفهم لأننا لا نريد ذلك.. وليس من العسير أن نستقرأ المعانى التى تعج فى زخم بين السطور أ إلا أن هذه النظرة القاصرة صارت ديدناً ومنهجاً أقرب إلى التلازم الفكرى فى كل سكناتنا وحركاتنا. فلأننا نشعر بالضعف.. ولسنا ضعفاء فى الحقيقة ، فإننا نكتفى بالجزء السعيد فى كل فيلم.. والمشهد الكوميدى فى كل علاقة.. ولا دخل لنا من قريب أو بعيد بمبدأ الأحداث ومنتهاها.. لذلك أصبحت هوايتنا المفضلة ، والتى نمارسها بلا كلل وصل لدرجة الإحتراف ، هى إستخراج المقبول من بين المرذول.. فنبحث فى ثنايا الأحداث عن الشئ الذى تقر به أعيننا بتأويل فاسد فى كثير من الأحايين.. دون إعتبار لحقيقة الأمور.

    - التعلق بالوسائل دون النظر فى المقاصد.. حين لا تنظر أفهامنا إلى ما هو أبعد من ظلِّ الصداقة المفتعلة ، والمصالح المقلوبة ، والعلاقات المتوترة.. فإننا فى واقع الأمر لا ننظر إلى شئ.. بل نعيش الحدث لحظة بلحظة.. فى إنتظار الافعال تأتى لنبحث لها عن رد مناسب أو غير مناسب.. حتى تتآكل هذه العلاقة بين الفعل ورد الفعل بمرور الزمن.. ليبقى فى الأذهان صورة شكلية سطحية للعلاقات ووسائلها المزركشة.. دون الخوض فى تفاصيل المقاصد.

    - تفريق الأعداء وتشتيتهم.. هو نفس المفهوم الذى يعتمد على إخفاء مصدر الخطر الحقيقى ، ليظل غامضاً غير محدد أو معين ، فتتفرق الجهود حول عدد لا بأس به من المصادر الزائفة .. وربما تركز الأفكار والعقول على مصادر تحمل الغثَّ والواهِ من هذه الأخطار.. ويبقى المصدر الحقيقى بعيداً عن ملعب الأحداث.. وما على الذى يبحث عن إعلان العداوة وتفعيلها إلا أن يبقى فى حالة ترقب مستمر.. حتى تخار قواه وتنهكه الأوهام

    - تمييع البؤرة المراد تحديدها لدائرة العداء.. وهذا هو الذى نراه كثيراً فى هذه الأيام.. فحين تتفرق الكلمة وتتعدد وسائل إستقبال الأحداث .. وحدود إستشعار الأخطار.. وآلية تحديد المصلحة ، سينتج عن ذلك صورة مشوشة مشوهة لمصدر العداء.. حتى وإن إتفقوا جميعاً فيما بينهم على وحدة العدو ومكمن خطورته ، إلا أن التدرج المخيف فى إستقبال هذه الإشارات سيحبط -بكل تأكيد- أى محاولة ناجحة لإعلان العداوة على من يستحق ذلك من الأعداء.


    (ربما) يتبع..

    مفروس

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Sep 2004
    المشاركات
    2,203
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    أخى الفارس المحرك الفرسة فى قلوبنا
    ما قرأت لك موضوعا إلا واستشعرت العمق فى تحليل عناصره
    بارك الله فيك
    حقا وجد العداء من أعدائنا بأفعال مؤثرة علينا
    ومهما استترت وراء المفاهيم الكاذبة كالحرية والديموقراطية وغيرها
    فثمار عدائهم لنا متزايدة
    وليس علينا أن نرفض عداوة من يعادينا
    وقد شخصت المرض :
    تمييع البؤرة المراد تحديدها لدائرة العداء.. وهذا هو الذى نراه كثيراً فى هذه الأيام.. فحين تتفرق الكلمة وتتعدد وسائل إستقبال الأحداث .. وحدود إستشعار الأخطار.. وآلية تحديد المصلحة ، سينتج عن ذلك صورة مشوشة مشوهة لمصدر العداء.. حتى وإن إتفقوا جميعاً فيما بينهم على وحدة العدو ومكمن خطورته ، إلا أن التدرج المخيف فى إستقبال هذه الإشارات سيحبط -بكل تأكيد- أى محاولة ناجحة لإعلان العداوة على من يستحق ذلك من الأعداء.
    يخطئ من يرى فى مفهوم "العداء" على إطلاقه شيئاً مشيناً ، أو نقيصة يمكن إلصاقها بالجنس البشرى على عمومه ، مما قد يدفع ببعضنا إلى التخلص منها كآفة تحتاج للعلاج ، أو خطيئة تحتاج لغفران الآخرين. وفى واقع الأمر.. فإن الذين يرددون مثل هذا المفهوم الأبتر مصابون بعقدة "الأعور" ، الذى لا يرى "العمق" فى أى صورة مرئية على الدوام ، هذا العمق الذى يعطى إحساساً بالواقعية لأى حدث أو مشهد يرتبط بمصائرنا جميعاً ، دون تحويله بتلقائية العاجز إلى مجرد تصور إفتراضى لن يمكننا التعامل معه عملياً ، ولم نعد نسمع فى هذه الأيام إلا دعوات موجهة للمظلومين بأن يتخلوا عن عداوتهم للظالمين المعتدين.. كسبب "يمكن حدوثه" لفض الخلافات والعداوات ، إذ بات من المعلوم والبديهى أن الذى يقدر على الظلم والعدوان لا يمكنه فى هذه المرحلة أن يكف عن عداوته بلا شروط. أما المظلوم فبإمكانه أن يفعل ذلك تكراراً ومراراً.. لأنه فى حقيقة الأمر.. لا يملك إلا إعلان المحبة والوئام كبديل "حضارى" لعداوة لم يعد يقدر عليها !!
    كما أفضت فى تبيين الدواء فى باقى الموضوع

    ومما يفرسنا أننا نفتقد موضوعاتك الناضجة لفترات تطول علينا
    الدنيا ساعة اختبار *** فإما جنة وإما نار تحقق من حديث
    http://www.dorar.net/hadith.php

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Sep 2004
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    1,886
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    يا ايها الفارس اللى فارسنى ابدعت ورب الكعبة انتظر اليتبع على احر من الجمر

  4. افتراضي الأخ الفارس ..

    بارك الله فيك وجزاك خيراً
    لا تحرمنا منك ..
    فنحن نقرأ ما تكتبه بشغف ..

  5. افتراضي

    تابع..

    قد يكون الحمق -أحياناً- مبرراً مقبولاً لتفسير اللامنطقيات التى تُفرز فى مجتمعاتنا بشكل منتظم على مدار القرن المنصرم.. إلا أن فضيلة الحماقة لا ترقى فى كثير من الأحيان إلى مرتبة القبول العقلى لتبعاتها وآثارها المدمرة ، فمن بين أسباب البلايا فى نظامنا الإجتماعى الذى بُنى -من قبل مجهولين- على هيئة هرم مقلوب ، يوشك على الإنهيار ، ظاهرة تفتت الأهداف وشتات التوجهات.. سواء على مستوى الفرد أو على مستوى المجتمع ككل. ربما كان هذا عائد بالدرجة الأولى إلى فقدان المرجعية الثابتة فى تحديد وصف المفيد والضار.. وملامح العدو والصديق.. وأسباب الخير والشرور ، وفى أحايين أخرى سببُه تباين التأويلات فى تفسير تلك المرجعيات إن وجد لها تاثير فى طبقة صنع القرار.. وخلق الوعى الجماهيرى تجاه قضية ما.. خاصة تلك التى تتعلق بالعداوة وتصنيف الآخرين !

    ومن بين القضايا التى تم تمييعها وخلق هالة من الزيف حولها هى قضية العداوة.. وكما بينا قبل ذلك أن هذا الإحساس الإنسانى الطبيعى الذى يشعر به كل أحد ، قد تمت مصادرته منذ قرن من الزمان بحجة أنه مخالف للتطور الإنسانى نحو غاية الكمال والنضج الحضارى *c ، وقطعاً كانت تلك الخزعبلات الفكرية فى سيناريو الصراع الإنسانى من نصيب المدحورين المقهورين.. أما أصحاب اليد العليا فى النزال فكانت لهم آراء مختلفة.. وأسطر عالية فى هذا السيناريو المتبجح.. وطريقة أخرى فى تأويل المشهد الذى يظهر واضحاً للعيان.. فهم تصرفوا من قبيل الضرورة الحتمية لمبدأ الإختلاف ، إما داخل إطار الشرعية التى قام بتفصيلها أصحاب المصالح ، أو حتى خارجها إذا لزم الأمر.. المهم أن عداوة من طرف واحد قد تم خلقها بعناية للإضرار بمصالح عدوٍ تقليدى غافل.. لا يفهم من تلك الأمور إلا ما يُلزمه به عدوه من حوار حضارى لا يعترف به إلا الضعفاء.. وأخلاق أممية سامية لا تعرفها إلا الأمم القابعة تحت التراب.. تُتلى عليهم بكرة وعشياً من دساتير المتجبرين.

    العداوة لها وجهان.. طريقهما مختلف.. ونتيجتهما واحدة.. وبقائهما يتعلق بأصل نوعيهما !
    العداوة الحتمية.. وهى التى لا تقبل التنازلات.. والمهادنات ، ولا تتغير بتغير الأزمان ولا الشخوص ، حتى وإن مر بها زمان وقد غطى وهجها الرماد ، إلا أنها تبقى ببقاء الطرفين.. وتشتعل بمبادرة ولو بسيطة من أحدهما ، وتستمد إيقاعها من حقيقة المواجهة التى ستأتى ولا ريب.. وتستلهم شرعيتها من مصادر الحقيقة المطلقة لكليهما.. إما حقيقة الشر المطلق.. أو الخير المحض.. ولا تزول ولا ترتفع إلا بإندحار أحدهما ، وقد تستمر المناوشات والمهاترات دهراً .. إلا أنها توشك على الإنفلات فى كل وقت وحين.

    هذا النوع من العداء لا مناص من إقترافه ، ولا حيدة عن طريقه ، لأن وقوده هو أصل الإعتقاد.. ! والعجيب أن هذا النوع (بالذات) هو الذى يطالبنا أعداؤنا بنحره على أعتابهم ليل نهار ، وهو الذى بسببه تقام الدنيا على رؤوسنا كى نتخلص منه بهكذا سهولة.. فى الوقت الذى يتمسك فيه الأعداء بطرفه الآخر مستعصمين ثابتين ، لا يحركهم فى هذا الإتجاه إلى قوته الدافعة ، ولا يغزل خططه الرخيصة إلا منوال هذا العداء الحتمى فى تعاملهم معنا. ولأنهم يعلمون أن حقيقة هذا العداء تحديداً حتمية لا غبش فيها ، فهم يحاولون أن يكسبوا المعركة ونحن نيام.. ويحرقون خيامنا قبل أن ينفخ فينا قرن النذير وداعى النفير ، وذلك بإرساء مبدأ التنازل عن الحتمية من طرف واحد ، وقبول خلط المصالح لتسير روافدها بإتجاه واحد ، يصب فى حصون الأعداء ولا ريب !

    ومن أشق الأمور على أى مجتمع تلك التى ترتبط بتزييف العداوات.. ومحاولة نفيها من قواميس الشعوب.. وحرق ذاكرة التاريخ ، فالمصلحة باتت تقتضى كبت العداوة الفطرية تجاه أعداء حقيقيين .. يجاهرون بعداوتنا ويقطعون فى سبيلها كل مفازات العرف والقانون.. كى ينالوا من جلودنا بمقاريض من حديد !!.. بل تحول الأمر لما هو أسوا من ذلك.. إذ لم يقتصر الأمر على نفى العداوة.. وكتمها.. والخجل منها ، أوتحويلها إلى مسار آخر يحرق كل أخضر فيما بيننا ، بل أضحى المطلوب الآن أن تُقلب العداوة حباً وغراماً.. وأن نشعر -ولو بالغصب- بالإمتنان والحبور تجاه أناس تغلى منهم رؤوسنا وتسيل من بين أياديهم دماؤنا ، فلم يزد هذا المطلب حياتنا إلا تكبيلاً وغماً .. ولم تجد تلك الحمم الطبيعية الحمراء متنفساً إلا أوطانهم ليدمروها وإخوانهم ليفجروا أكبادهم بعصبية وتهور.. ثم نسأل بعد ذلك فى بلاهة.. لماذا يقتل المسلمون إخوانهم !!

    الحقائق المطلقة لا تمتطى إلا العقائد الثابتة فى طريقها للإستيلاء على مسرح الأحداث.. سواء فى الحق أو فى الباطل.. ولن ترى فى أى من الفريقين أى تهافت أو تهاون إلا وينعكس ذلك سلباً على الحقائق التى يحملونها ، والتخذيل بات أكثر الوسائل تأثيراً فى صفوف الأعداء الأبديين.. يليها التزوير والتزييف فى الحقائق التى يحملها كل من الطرفين ، فلم يدّعِ أى طرف انه يحارب من أجل الباطل.. ولم يقنع فريق من الفريقين بكونه على خطأ والآخر على صواب.. بل كلٌ يدعى وصلاً لحقيقة الفضيلة والإحسان.. ولذلك قال الله عز وجل عن أقوام كدوا واجتهدوا فى تحصيل الباطل "الذين ضل سعيهم فى الحياة الدنيا ويحسبون أنهم يحسنون صنعاً"... وكذلك قال سبحانه وتعالى عن آخرين "إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله ، فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون".. فأثبت الله عز وجل حقيقة العداوة.. وأنهم يقاتلون لهدف ثابت حقيقى لا وهمى.. يرتكزون به على تأصيل مبدأ الصراع الحتمى مع أعدائهم.. مما حدا بهم أن يبذلوا الغالى والنفيس فى سبيل هذا الهدف ، وكان المطلوب من سرد هذا الوصف أن ينتبه الطرف الآخر إلى تلك الحقيقة ، ويرقى لمستوى العداء الذى فرضه الطرف الآخر على أرض الواقع..!
    فهل نحن قريبون من فهم هذه الحقيقة ؟!


    يتبع....

  6. #6

    افتراضي

    يعطيك العافية يا ايها الفارس
    عبرت بصدق وبموضوعية بنسبة عالية اخي لكن اختلف معك في بعض مااوردت في موضوعك
    اوافقك اولا على ان الحب لاياتي باي مجهود منا بمعنى انه ينغرس بنا في اي علاقة تحتويه بدون
    ان نقرر او نفكر في ذلك لكن العداء اعتقد انه مختلف قليلا في ذلك لانه ياتي من ولاسباب وتراكمات
    في النفس الانسانية وليس شيئ فطري فينا مثلا قد يكون تحقيق لمبدا التدافع في الارض الذي ذكره تعالى
    في القرآن الكريم ربما لكنه يتاتى بالاحتكاك والتعرف ثم الرفض ثم لاختلاف ثم العداء وما قلته في هذا الجزء مثلا :

    << العداوة لها وجهان.. طريقهما مختلف.. ونتيجتهما واحدة.. وبقائهما يتعلق بأصل نوعيهما !
    العداوة الحتمية.. وهى التى لا تقبل التنازلات.. والمهادنات ، ولا تتغير بتغير الأزمان ولا الشخوص ، حتى وإن مر بها زمان وقد غطى وهجها الرماد ، إلا أنها تبقى ببقاء الطرفين.. وتشتعل بمبادرة ولو بسيطة من أحدهما >>

    يؤيده علاقتنا كمسلمين وعرب باليهود مثلا هي ليست وليد لحظة ولا صدفة او عدم استلطاف بل هي تراكمات
    واحداث اوصلت هذه العلاقة لما هي عليه الآن , كما ان العداء والسلام هما نقطتان تندرجان تحت معسكرين مختلفين
    هما الخير والشر والخير فطرة اما الشر صفة مكتسبة وتغذيها الاحداث والظروف لذلك وكمثال تجد اطفالنا مثلا يكرهون
    كلمة يهود واسرائيل وهم لايعلمون ولم يعاصروا مثلا لكنها البيئة والتجارب التي تغذي هذه الصفة ومن ثم تتكون في الانسان
    كلامك جميل ومعبر بارك الله فيك
    اكثر من هكذا اجهاظات فكرية جميلة
    تحياتي لك

  7. افتراضي نحن نتابعك ... أرجوك أكمل

    أخي الفارس ..
    أسأل الله عز وجل أن يبارك فيك وفيما يدبج بنانك ... سلم بنانك .. وبيانك
    في كثير من الأحيان نشعر بالألم لأننا لا نملك اللغة التي تعبر عما ينتابنا من أشجان وأحزان
    وحين أقرأ لك أشعر كأنني أنا الذي أتكلم .. لأن قلبي يجد ضالته في لغتك وبيانك
    جزاك الله خيراً .. أرجو أن تنشر ما تكتبه في كل مكان

  8. افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سيف الكلمة
    أخى الفارس المحرك الفرسة فى قلوبنا
    ما قرأت لك موضوعا إلا واستشعرت العمق فى تحليل عناصره
    بارك الله فيك
    حقا وجد العداء من أعدائنا بأفعال مؤثرة علينا
    ومهما استترت وراء المفاهيم الكاذبة كالحرية والديموقراطية وغيرها
    فثمار عدائهم لنا متزايدة
    وليس علينا أن نرفض عداوة من يعادينا
    وقد شخصت المرض :

    كما أفضت فى تبيين الدواء فى باقى الموضوع

    ومما يفرسنا أننا نفتقد موضوعاتك الناضجة لفترات تطول علينا
    الأخ الحبيب بارك الله فيك وهدانا وإياك إلى جميل طاعته
    البضاعة المعروضة فى الأسواق السياسية والإجتماعية هذه الأيام مبتورة لا تصلح لخلق أى وعى لدى جماهير الناس.. وهى بذلك لا تفيدنا إلا بكثير من الحيرة والتأويلات التى لا تعتمد على حقائق ، وكما أن الإعلام آلة جبارة تسحق عقول الناس بلا هوادة.. وتملك القدرة على إعادة تركيب المفاهيم عن طريق تثبيت الكذب ليصير حقيقة.. وتكرار الزيف ليصبح حقاً ، فإننا بحاجة للوقوف من جديد على أرض صلبة ، تشكلها الهوية التى نسيناها فى ملاعب الكرة وأمام شاشات التلفاز.. والحقيقة الوحيدة التى أعلمها فى هذا الصدد.. والتى يجب علينا أن نتفكر بها جيداً ، أننا حتى وإن نجحنا فى إستئصال أى أثر للعداوة الواجب علينا تفعيلها ، فإن عدونا قد نجح بالفعل فى إحكام الخناق علينا.. ولم يبق إلا مرحلة الإبادة الجماعية الأخيرة !!
    ولن أستشهد بالآية الكريمة فى هذا السياق ، والتى تدل على أبدية العداوة للمجتمع الإسلامى على مر العصور ، وإنما أطلب من كل عاقل أن يقرا شيئاً آخر إسمه : واقع مسموع وملفوظ ومقروء يدور حول رؤوسنا !

    شكراً لك
    أخوك

  9. افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة حازم
    يا ايها الفارس اللى فارسنى ابدعت ورب الكعبة انتظر اليتبع على احر من الجمر

    الأخ الحبيب حازم.. بارك الله فيك
    سعيد بمرورك العطر

    أخوك

  10. افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أحمد إدريس الطعان
    بارك الله فيك وجزاك خيراً
    لا تحرمنا منك ..
    فنحن نقرأ ما تكتبه بشغف ..
    الأخ العزيز
    حياك الله وبارك فيك المولى

    أخوك

  11. افتراضي

    الأخت المسلمة.. بارك الله فيك

    الذى أراه فطرياً فى العداء هو بواعث الإستثارة ، وأوتوماتيكية إنبعاث رد الفعل النفسى ، وليس بالضرورة أن يُبنى العداء على إحساس غامض لا يد للإنسان فيه ، وهذا وإنا كان حادثاً فى مواقف كثيرة ، إلا أنه ليس الأصل.. وقد بينت هذا الأمر فى موضع آخر من مقالى.. فقلت أن الإحساس بالكراهية أو بإستثارة بواعث العداء قد يقف عند حد أولى ، فلا يتطلب إعلان العداوة على من نكره.. إما لمصلحة متوقعة أو لموازنة عاقلة.. أو لأسباب أخرى ، وقد يستمر الإحساس ويجد له ما يبرره ، إما لشعور غامض بالتوقع لما سيحدث.. أو لقرائن منطقية.. أو فى أحوال أخرى لحوادث أخرى مشابهة ، ويصل الأمر إلى حد إعلان العداوة إما ظاهراً أو باطناً !

    الشئ الفطرى فى هذا التسلسل هو إنبعاث الشعور بالعداء.. فهذا يتبع فطرة بشرية جبلية لا يمكننا التحكم فيها ، سواء أفضى هذا الشعور إلا إعلان العداء أم لا ، لكن إستثارته ليست إلا رد فعل خلقى فُطر الناس عليه. ولذلك أرى أن المنطق المسيحى المعاصر ، والذى يطالب أتباعه بإعطاء الخد الأيسر لمن ضربه على خده الايمن بلا اسباب ، لابد وان يكون محرفاً لا يقول به عاقل.. فمجرد المطالبة بأن يكون أتباع الدين المسيحى إلى هذه الدرجة من مخالفة الفطرة السوية لا يمكننا أن نصدقه.. فهناك فرق بين التسامح كمرحلة تأتى لاحقاً وبين الشعور الأولى اللحظى الذى يدفعنى عكس فطرتى الطبيعية ، فى نفس ذات المقام ، أن أدير خدى الأيمن لمن صفعنى قبل ثوان على الأيسر ، والنتيجة أن كل افعالهم واقوالهم تسير فى عكس ما تقول به تعاليمهم.. فتراهم أكثر الناس وحشية ودموية. تماماً كما يفعل الرهبان بمحاولة إقصاء أو إلغاء فطرة التناسل الطبيعية التى تتأجج بها صدورهم فى حال الرهبانية التى ابتدعوها.. فلأن المطلوب منهم مخالف للفطرة.. فنجد أن الذى حدث كان عكس ما أرادوه إبتداءً ، فهذه الغريزة لم تمت بمجرد طلب أحمق لا يصدر إلا عن مخلوق غبى لا يفهم أحوال الخلق.. كانت النتيجة أن إنتشرت الرذيلة فى عقر كنائسهم وصوامعهم !!

    والعداوة الحتمية ليست إلا جزء من هذا المشهد.. فهى حتمية لأنه خلقت هكذا.. لا مجال فيها لمهادنة او طريق خلفى ، وليس معنى أن ينكر بعض الحمقى وجودها أنها ليست موجودة.. فكثير من أدعياء الثقافة يتحدثون عن إمكانية تلاشى صراع الحضارات ويدعون الناس لدين جديد اسمه دين الإنسانية ، فهل يعنى هذا أن حتمية هذه العداوة قد ألغيت !!.. إن لم يحملها هؤلاء فقد وكل الله بها قوماً ليسوا بها بجاحدين ، وهذا مشاهد مفهوم.. وأنت تتحدثين هنا عن أفراد ولكنى أتكلم عن منهج كونى يحمله الأفراد عن قناعة به.. سواء كان المعتنق لهذا العداء فى معسكر الخير أم الشر.. فلا يوجد على مر التاريخ البشرى من قال عن نفسه انه فى معسكر الشر لأنه شرير.. بل إدعى أنه فى معسكر الشر لأنه الخير من وجهة نظره .. ولكن الآخرين هم الذين لا يعقلون !!

    لا أدرى كيف حكمت أن الخير فقط هو مكون الفطرة أختى الكريمة !؟
    فكل إنسان جبلت نفسه على الأمرين.. كما قال الله عز وجل " ونـَفـسٍ وما سَواها * فـألهَـمها فُجورها وتقـواها" .. فالخير والشر عنصران أساسيان فى فطرة الإنسان وبنيته البشرية ، وهناك فرق بين نفى وجود الشئ من الأساس وبين نفى إمكانية حدوثه مع وجوده الأصلى !.. وهذا من عدل الله وحكمته فى خلقه.. ولو كان الشر مكتسباً ولا اصل له فى النفس البشرية لإختلف الأمر كثيراً للذين يكتبون تاريخ البشرية.. ربما كانت عدد صفحات التاريخ أقل بكثير !!

    شكراً لك أختى الكريمة
    أخوك

  12. #12

    افتراضي

    أنا اطالب الإدارة الكريمة بتعليق هذا الموضوع من قدميه في أعلى القسم لاطول فترة ممكنة ولا تأخذكم به رأفة ولا شفقة حتى يكون عبرة لغيره من المواضيع.
    وعلى المتضرر اللجوء إلى القضاء
    الذي أعمى الله بصره كالذي أعمى الله بصيرته، فكما أن أعمى البصر لو وقف أمام الشمس التي تكسر نور البصر لم يرها، فكذلك من أعمى الله بصيرته لو وقف أمام أنوار الحق ما رآها

  13. #13
    تاريخ التسجيل
    Sep 2004
    المشاركات
    4,556
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    حقيقة مقالاتك يا فارس تتسم بالعمق والموضوعية وتحتاج لمزيد من العمق والموضوعية فى فهمها .
    نرجو لك التوفيق وفى انتظار المزيد من مقالااتك ومشاركاتك .
    قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ

  14. افتراضي

    تابع...

    الوجه الثانى من العداوة.. وهو العداء الإختيارى.. والذى ينبنى على عداوة قد تعلن أو تلغى بحسب المصلحة وتغير الأحوال ، وقد يأتى زمان تتبدل فيه المصالح والعداوات.. إما بتغير أطراف العداء ومواقفهم ، أو لتفوق المصلحة فى كفة إلغاء العداوة وعدم إعلانها. وهذا النوع لا يُتصور وجوده إلا لفترات محدودة.. ولا إلزام فيه.. وهو المنهج الذى تعتمده كثير من الدول (خاصة الغربية) فى علاقاتها مع دول أخرى غير محورية .. أو تلك التى لا تمسها دائرة المصالح بشكل مباشر.. أو لا تحمل أى علاقة إستراتيجية من أى نوع. الإشكالية لا تقع فى حدود هذا النوع من العداء.. إذ أنه بديهى.. ولا يقوم إلا على مصالح متغيرة غير ثابتة . أما نوع العداوة الحتمية.. فهى محل الخلاف.. ومصدر الآفات ، وهى النوع الذى لم يعد لنا أى حق فى ممارسته فى أرض الواقع !!

    ومن العجيب أن تسمع فى هذه الأيام الدعوات تصب على رؤوس العرب والمسلمين من كل صوب ، تطالبهم بعدم تصنيف الآخرين.. وإظهار القبول لهم بلا توقف.. و بتفهم ثقافتهم.. و الرضا بوجودهم فى هذا العالم ، ولعمرك إنهم قد أبعدوا النجعة فى ما طالبونا به بشكل لا يدل على أمل فى التعقل أو إتاحة الفرصة لعلاقة متزنة صحيحة مع هؤلاء "الآخرين".

    أين هذا الكوكب الذى لا يصنف فيه الناس آخرينـ (هم) !؟
    تصنيف الآخرين وإيداعهم فى خانات مرقمة معلومة ليس إلا ممارسة بشرية طبيعية ، تمارسها كل الموجودات فى هذا الكون الفسيح بلا إستثناء.. حتى الجمادات تمارس سياسة التصنيف بشكل أو بآخر. فما الذى جعل تلك الممارسة أمراً مستغرباً فى حق المسلمين ؟.. وربما يزول العجب إذا فهمنا أن "التصنيف" فى حد ذاته ليس محل اللوم أو الإستنكار ، بل مرجعية هذا التصنيف هى التى تسبب كل هذا الجدل المجنون ، فمرجعية الدين (وخصوصاً الإسلام) فى هذا التصنيف هى التى لم تعد مقبولة ، وحين يقتل المتجبرون مئات الملايين من البشر بناء على تصنيف غير معلن ، وفى الغالب مرجعيته عقدية دينية ، فهذا من "الأخطاء" التى قد يغفرونها ذات مصلحة دنيوية تتبدل بإستمرار وتتغير عناوينها على مدار الساعة ، أما مرجعية الإسلام فهى من الثوابت التى لا تتغير.. ولا تهادن بمصلحة أو تقبل تزويرَ عنوانها مقابل الأهواء ، فحين يغفل أهل الإسلام عن هذه الحقيقة وفى ذات الوقت ينتبه إليها أعداؤهم التقليديون يكون ذلك -بلا أدنى شك- سبباً لجلب المصائب على البلاد والعباد.

    "التعايش السلمى مع ثقافة الآخرين".. مصطلح مشبوه غريب.. لم يطلق إلا من قاع الهزيمة ومنحدرات النفوس الكسيحة ، فلم نزل أبواقاً صماء ، تردد بغباء لا مثيل له ، ما يراه الآخرون مناسباً لتحقيق مصالحهم وتثبيت عداوتهم بالشكل اللائق.. فالقاتل يطلب من المقتول أن يتعايش معه فى سلام.. والعدو المتمكن الظالم هو الذى يطلب من المستكين الواهن أن يقبل ثقافته ويكف عن مصادرته !!.. أى هرف قد لحق بنفوسنا ، فزال معه أى أثر لمنطق فى أفعالنا وأقوالنا ، أى سفهٍ قد أعطى للصٍ حقير حقاً فى محاكمة صاحب الدار على صراخه ألماً ، بلادنا تعج بثقافات الآخرين على وجه غير مسبوق.. ولأننا صرنا أذلة عند أعتابهم ظهرت أجيال من الشباب.. غاية أمله ان يصير خادماً لعدوه.. أو مقلداً لجلاديه متمنياً رضاهم عنه بغير حدود ، وهؤلاء "الآخرون" لم يقبلوا ثقافتنا وتنوعنا وإختلافنا ولو لساعة واحدة من الزمان.. بل صاروا يجيدون فن إبادتنا ومصادرة حرياتنا بشتى الطرق العدائية المفضوحة.. وعلى الرغم من ذلك.. مازلنا نحن المطالبون بالقبول.. والتعايش السلمى.. وباقى قائمة الإذلال المهين !!

    وفى واقع الأمر.. المطلوب ليس التعايش السلمى مع ثقافة الأعداء.. بل التعايش السلمى مع الثقافة الوحيدة التى يجب لها أن تسود !!.. فالترجمة العملية لما يطالبوننا به أن نقوم -طواعية وعن قناعة- بنفى وإبادة ثقافتنا وما نؤمن به ، ونمحو عن طيب خاطر أى أثر لهويتنا ، لنقبل بعد هذا الخواء المريع ثقافتهم بلا تردد او مراجعة !.. فليست القضية فى تنوع الثقافات.. وليس من بين أوجه الخلاف كما يقول المنافقون أننا نرفض إختلاف الآخرين ، بل الحقيقة أن الآخرين يرفضون إختلافنا عنهم .. ويتهموننا بالتحيز لعقيدتنا وما تمليه علينا ثقافتنا.. وهم يفعلون ذلك ليل نهار مع إختلاف كبير.. أنهم لا يشعرون بأدنى حرج من هويتهم.. ولا يرون فى إعوجاجها إلا الإستقامة .. فى الوقت الذى صرنا نشعر بالأسف لإنتمائنا لهوية الإسلام.. لا لشئ إلا لأنها على النقيض من عقائد المجرمين .. فالمطلوب أن تفرض ثقافة الغير على عقولنا قسراً بعد ذوبان الهوية التى تشكل مجتمعاتنا ككل.

    تمييع القضايا.. والتغاضى عن عداوة كان من المفترض أن تجد لها مكاناً مرموقاً فى قلوبنا ، سبب رئيسى فى ما آلت إليه أحوالنا ، فمقابلة العداوة بمثلها ليس تهوراً أو إرهاباً.. وليس نفياً للقتلة والمجرمين.. وإنما رد فعل طبيعى لا ينفيه إلا المجانين.. وهو نفس الفعل الذى تسير به مخططات أعدائنا على غير راحة وبلا كلل ، ولو كان أسلوب "الردع الوقائى" مفهوماً ثابتاً لدينا لما وصلت أحوالنا لهذا الدرك الأسفل من العالمين.

    محاولة وصف علة هذا العار الذى نحياه بأن مرده للضعف والإستكانة باتت ممجوجة مهينة فى مجرد ذكرها وتكرارها على المسامع.. فقد اصبحت تلك اللافتة الباهتة عنواناً لفقدان كرامتنا وسبباً دعائياً لحالنا المزرى.. لم تعد موازين القوى تتحدث عن حجم الدبابة ومقاس الصاروخ.. بل صارت تتحدث الآن عن جدية القضية.. ومدى إيمان أهلها بها ، وهى لم تكن يوماً غير ذلك ، فقد سادت ثقافتنا وحضارتنا ربوع الأرض حين آمنا بهذا المفهوم ، وكم رأينا الضعفاء .. قليلى الحيلة.. يغلبوا آلافاً من البشر بسبب عقيدتهم وقوة حجتهم ، وكم رأينا جيوشاً تنهزم لمجرد انها لا تملك يقيناً بعدالة حربها.. ولحرصها على حياة وما أهونها !!

    المطلوب من أمة تاهت قضاياها وتبعثرت بفوضوية ، أن تُحيىَ مبدأ العدواة لمن يستحق.. وتراجع مواقفها وعلاقاتها مع باقى الدول.. ملتزمة فى ذلك بمرجعية الدين الذى لا تتبدل أولوياته ولا تتغير أهدافه.. فمن العبث أن نتحدث عن سلام ونحن المستهدفون.. أو أن نسعى لمصالحة ونحن المقتولون.. أو أن نعلن براءتنا من المقاومة لمجرد أن أعداءنا لا يرضون بها ، فلن ينقذ آخر الأمة إلا ما أنقذ أولها .. وحماهم بعد أن كانوا أذلة يخافون أن يتخطفهم الناس ، والموقف لن يتغير كثيراً لو اننا أظهرنا عداوتنا بالقدر الكافى.. ورفضنا الهيمنة بإسم التحضر.. والمصادرة بإسم الحرية ، فأعداؤنا قد توسعوا فى عداوتهم.. ونالوا من اراضينا وأعراضنا وأنفسنا كل منال.. ولم يبق إلا القليل .. ولو تغاضينا نحن فهم لن يتغاضوا.. ولو رضينا بالمهانة فهم لن يرضوا إلا بكل شئ !

    فما قيمة الحياة إذن إن خلت من الكرامة..؟!

    إنتهى
    التعديل الأخير تم 11-18-2005 الساعة 09:31 PM

  15. افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الفارس مفروس

    فما قيمة الحياة إذن إن خلت من الكرامة..؟!

    إنتهى
    فأِمَّا حَيَاةً تَسُرُّ الصّديقَ *** واْمّا مَمَاتً يُغِيظُ العِدَى

    وَنَفْسُ الشَّريفِ لها غايَتَان *** وُرودَ المنايا ونَيْلُ المنُنَى

    وما العيشُ! لا عِشْتُ انْ لم أكُنْ *** مَخُوفُ الجِناب حَرامَ الحِمَى


    كلنا مفروسون يا أخي ولكن تنقصنا فروسيات كثيرة منها فروسية قلمك فهنيئاً لك

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. المرأة في بلاد العجائب...
    بواسطة أحمد عبدالله. في المنتدى قسم المرأة المسلمة
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 10-13-2013, 10:36 PM
  2. الصدفة تصنع العجائب
    بواسطة أدناكم عِلما في المنتدى قسم الحوار عن المذاهب الفكرية
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 12-02-2009, 10:48 AM
  3. العداوة.. ضرورة لم نمارسها بالقدر الكافى !
    بواسطة الفارس مفروس في المنتدى الفارس مفروس
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 11-18-2005, 09:29 PM

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء