مشكور على الرد، لكن هذا الي ذكرته أسميه قياسا غير صحيح، لأنه قياس مع فارق، والفارق ههنا معروف، ولو تدبرت آخر ملحوظة ذكرتها في الموضع لعرفت ما هو الفارق، فلا يجوز هذا القياس مطلقا لأنه لا يسمن ولا يغني من جوع القضية شيئا ، فهذا يعني أنك تقيس المخلوق على المريض وهذا لا بأس به، أما أن تقيس الطبيب على الخالق فهذا ممتنع في الموضوع الذي نحن فيه من وجوه عدة
1- أن الطبيب لا يغير الدواء والغذاء إلا لما يبدو له (البداء) من أعراض الداء ، ولو صادفه داء وعرَض غير الذي يتوقعه لكان علاجه أيضا بحسبه
2-وماذا لو علم الطبيب مسبقا بأعراض الداء بعد بداية العلاج وأحواله تماما بشكل يقيني، ألن يُعلم مريضه مسبقا أيضا لما يَعلَم من احتمال تضرره إن واصل على الدواء الأول، ولهذا تجد الطبيب الحاذق من في كلامه يقول: إذا حدث فافعل كذا وإذا كذا فكذا، بل الأحذق منه من يقول سيحدث لك كذا بالتأكيد فإذا حدث فيجب أن تفعل كذا
3- أن الطبيب لا يختلف أصلا مع المريض في امكان حصول العلم لكليهما بالحكمة من تغيير الدواء، بل الأعجب من هذا أن الطبيب يجوز عليه المرض أصلا، فتأمل
والخلاصة أن مثل هذه الأقيسة لا يعول عليها أبدا، لأن الكلام على الخلق من جهة النقص والكلام عن الخالق هو من جهة الكمال، أليست الآية تقول: (ولا تضربوا لله الأمثال)، مع أني أجدهُ أسلوبا للكثير من مشايخ الإسلام كابن القيم فهو كثيرا ما يقيس الخالق على الملِك في حُججه.
القياس في هذه الحالة صحيح لأن موطن القياس هو تغير الحكم بتغير الأحوال ومناسبة الحكم لأحوال المكلفين ..
ولا يشترط أن يكون تغير الأحوال راجعًا إلى البداء كما ذكرت لك ..
ولا لزوم لما ذكرته من كون الطبيب يعلم مراحل المرض بالبداء ، فهذا تحكم لا داعي له ولا دليل عليه ..
ولا لزوم أيضًا أن يخبر الطبيب المريض بنظام كل مرحلة ، فهذا أيضًا تحكم لا لزوم له ولا دليل عليه من الواقع المشاهد ..
واعتراضك الثالث خارج محل النزاع أصلاً ..
فالخلاصة أن معرفة الطبيب بالمرض وأعراضه ومراحله هي من صميم عمله ومهنته ومهاراته ..
وتغييره العلاج حسب هذه المراحل لا يكون بسبب البداء ..
واعتراضاتك تدل على عدم تصور لسير العملية العلاجية أصلاً وكيفية علاج الأطباء لمرضاهم ..
ولو تأملت لأدركت أن كل ما استدللت به لا يدل على مرادك ..
لأن مناسبة الحكم لأحوال المكلفين لا يلزم عقلاً أن يكون نتيجة لتجدد العلم الحادث ..
وإلا فأخبرني عن المانع عقلاً من كون صاحب الحكم يعلم مسبقًا أنه سينسخ حكمه ..؟
والجواب المباشر أنه لا مانع ..
لأن تغير الحكم في حد ذاته لا يلزم أن يكون لتغير العلم ؛ بل هو لأجل مجرد تغير أحوال المكلف ، بصرف النظر عن وقوع تغير في علم صاحب الحكم من عدمه ..
وهذا واقع في النظم العلاجية والغذائية والتدريبية والحربية وغيرها ..
وأما قولك (فأما آية المصابرة ، فهناك فترة زمنية كبيرة بين الحكمين خاض فيها المسلمون تسع غزوات ذكرها الشيخ فوزي السعيد في كتابه (شبهات حول قضية النسخ) ، وهو متاح في موقع صيد الفوائد ..)
فقد اطلعت على كلامه وليس معناه أبدا ما ترمي إليه، لم يقل أنه بين الحكم تسع غزوات، بل ذكر المواقع التي نصر فيها المسلمون بالمصابرة فقط مع الضعف، يعني أنه كان يستشهد للآية الأولى أو الحكم الأول، فتحقق من معلوماتك، ولا تتسرع في أقوال قد تحسب عليك
طيب جميل ، ليس عندي اعتراض ..
طالما أنك اطلعت على كلام الشيخ فوزي في الكتاب ، فهذا يدل على أن الرد قد بلغك ..
وأرى أن جواب الشيخ يأتي على هذه الشبهة تمامًا ، ونصه :
(( أمَرَ اللهُ نَبيَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَثِّ المؤمنين وتحريضهم على القتال ومصابرة العَدُو ، أي يُكون صبرُهم أكثر من صبر العدو حتى لو كان عدد عدِّوهم عشرة أضعاف عددهم . لا يسوغ ولا يجوز لهم الفرار أمام العدو ، فواجب على المؤمن أن يصبر ويثبت لمقاتلة العشرة ، والمائةَ لمقاتلة الألف وهكذا ، وجاءت البشارة بغلبة المؤمنين بتأييد الله لهم طالما التزموا شرط المصابرة المأمور به كما تقدم ، فهنا أمران : الأول: البشارة بالنصر ، والثاني : الأمر بثبات المؤمنين لعشرة أمثالهم ( لأنه خَبَر بمعنى الأمر) ، وذلك يتطلب إيمانًا عاليًا ، وقلبًا قويًا ، وشجاعة إيمانية ، وإعْدادًا للعدة وتدرُّبا على المصابرة ، وتخلصًا من آثار الذنوب والسيئات ، وغير ذلك مما كان عليه الصدر الأول من الصحابة ، فتحققت البشارة لهم ولمن تبعهم ، ولا تزال تتحقق متى تحققت الأوصاف والشروط السابقة . غير أن الأمر قد شق على بعضهم ، وعَلِمَ علام الغيوب بما سيكون إلى يوم القيامة من ضعف الإيمان وضعف الصبر وضعف الشجاعة والقلوب ، فخفف عن المسلمين برحمته ، ونسخ الحكم الأول ( مصابرة الواحد لعشرة ) بالحكم الناسخ وهو مصابرة الواحد للإثنين ، والمائة للمائتين ، وهكذا ، ودليل النسخ قوله تعالى ( الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ )) ، ولكنه تعالى ثبَّت البشارة لمن أراد أن يغتنمها فحقَّق أسبابها أو لمن اضطر إليها ، ولقد أثْبَت التاريخُ ذلك كثيرًا .
هذا عن العدد ، أما عن العتاد الحربي ووسائله المتطورة فهذا له شأن خر .
* فإذا قال قائل : إذا كان الحكم الواجب الذي يعلم الله أنه سيسْتَقِرِّ إلى يوم الدين هو مصابرة الواحد للاثنين ، فلماذا لم يجعله الله حكمًا واحدًا منذ البداية ، ولا داعي للنسخ الذي يستغله خصوم الإسلام !!
فالجواب : هذه بشارة لم تُنْسَخ ، وامتنان من الله عظيم على المؤمنين إلى يوم الدين ( غلبة الواحد لعشرة كفار ) إذا فَرَضَت الظروف قتالاً بين المؤمنين وعشرة أمثالهم من الكافرين أو أكثر من ذلك بكثير ، فَصَابروا فالنصر حليفهم بهذه البشارة . وإنما الذي نُسِخ هو الحكم للتخفيف كما تبين ، حيث لو وَجَد المؤمنون عَدُوًّا أكثر من مِثْلَيهم ، فلهم أن يتحوزوا عن القتال ، ولهم أن يفرُّوا ، لا يُلْزمهم الله بمصابرة الواحد لعشرة ، لكن إن فعلوا واضطروا إلى القتال بمصابرتهم ذكر من مثليهم فالبشارة حاضرة ، والواقع التاريخي يؤيد ذلك تمامًا ، فالذي أنزل القرآن هو علام الغيوب ، وهو الذي يُقَلِّب الليل والنهار ، وهو الذي يُقَدِّر الأحداث كما يشاء ، وسأذكر بعد قليل أمثلة على ذلك ليعلم القارئ أنَّ قضية النسخ في القرآن تمثل وَجهًا من وجوه الإعجاز فيه الدالة على أنه كلام العليم الحكيم .
وأيضًا فالأصحاب الذين عاصروا الحكم الأول قبل النسخ ، قد صابروا لذلك وأثبتوا صدقهم ، وأن قوة المؤمن أساسًا في قلبه ، وأنه بهذا القلب القوي يستطيع المصابرة لعشرة وبالتالي غلبتهم ، وضربوا بذلك المثل والقدوة والأسوة لجميع الأمة ونالوا بذلك أعلى الأجر وأرفع الدرجات .
وأيضًا : فإن حق الله كبير ، ومن حقّه أيضًا أن يصابر المؤمن لعشرة ، وأن يعد العُدَّة لذلك ، وأن يتحمل في الله أقصي ما يستطيع ، والله تعالي عَفوّ ، يحب العفو ، ويسقط كثيرا من حقه لدي عباده ، ومن ذلك هذا الحق الذي نسخه بمصابرة الواحد للاثنين تخفيفا عنهم ، وفي ذلك بيان عفوه عن عباده بهذا النسخ كما مضي ، والله يحب لعباده الإقرار بنعمه وشكرها .
وكلما قرأ المسلم هذه الآيات تذكر هذه المعاني وأكثر . ))
ا.هـ.
وقولك (وأما آية غير أولي الضرر ، فهي تكريمٌ لابن أم مكتوم ، خاصة أن الحكم الشرعي معروفٌ مسبقًا بأنه ليس على الأعمى ولا على الاعرج ولا على المريض حرج ..)
هذا إثبات منك للحكمة من نسخ الآية، وحي حكمة زهيدة بالمقارنة مع الحكم الذي فيها والذي يترتب عليه حياة أقوام وموتهم، ثم إن الله قد كرمه سابقا في سورة عبس، فما شأنه الآن هنا أيضا، كما أن الروايات الأخرى تدور حول علة النسخ وهي الضرر وليست حول الشخص الذي قال العلة وهو ابن أم مكتوم وهاكها
عن ابن عباس أنه قال : { لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر } – عن بدر – والخارجون إلى بدر – ، لما نزلت غزوة بدر قال عبد الله بن جحش ، وابن أم مكتوم : إنا أعميان يا رسول الله فهل لنا رخصة فنزلت { لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما } فهؤلاء القاعدون غير أولي الضرر وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما درجات منه على القاعدين من المؤمنين غير أولي الضرر.
فعلة النسخ كانت من أجل العمى لا من أجل التكريم.
أولاً: أنا أثبت أن هناك حكمة في وقوع النسخ وفي جميع أفعال الله تعالى ..
وما ذكرته أنت من عدم إدراكك للحكمة أو عدم تقديرك لها أو تقليلك من شأنها لا يعني أن الحكمة غير موجودة ..
ثانيًا: قولك عن ابن أم مكتوم إن الله كرمه في موضع آخر ، فما شأنه في هذا الموضع = كلام عجيب ..
فضل الله يؤتيه من يشاء ، فهل أنت تحجر على رحمة ربك ..؟
ثالثًا: اعتراضاتك تدل على عدم تمييزك للفرق بين علة النسخ والحكمة الإلهية من وراءه ، والفرق بين الاثنين والحكمة من ذكر هذا أو ذاك في النص الإلهي المنزل ..
فالحكمة الإلهية من الحكم الشرعي شيء ، والحكمة من ذكر النص شيء آخر ؛ لأن هذا فعل وهذا فعل آخر ..
والاثنان - فوق هذا - مختلفان عن علة الحكم الشرعي ومراده ..
فافهم وتدبر ..
والآية التي ذكرتها لا دليل فيها أبدا وهذا تمامها "لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (61)"
فهي في آداب الاستئذان للطعام، وشتان بين اللسان والسنان. وقوله: "ولا على أنفسكم" دالة على أنها للضرير وغير الضرير، مع أن مسألة الأكل لا دخل للعمى فيها، فلا يمكن لأحد أن يخطئ فاه باللقمة ولو كان مفقوء العينين.
أضحك الله سنك ..
لا أقصد هذه الآية بالطبع ، بل أقصد قوله تعالى في سورة الفتح :
( ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار ومن يتول يعذبه عذابا أليما )
قال البغوي : ( ليس على الأعمى حرج ) يعني في التخلف عن الجهاد ..
وقال القرطبي : أي: لا إثم عليهم في التخلف عن الجهاد لعماهم وزمانتهم وضعفهم ..
وقال ابن كثير : ثم ذكر الأعذار في ترك الجهاد ، فمنها لازم كالعمى والعرج المستمر ، وعارض كالمرض الذي يطرأ أياما ثم يزول ، فهو في حال مرضه ملحق بذوي الأعذار اللازمة حتى يبرأ ..
فأنا أتحدث عن الأعذار في ترك الجهاد وليس عن آداب الطعام ..
وردك على الآيات الدالات على البداء من جهة العلم زهيد أيضا فقولك (المقصود بها أن يعلم علمًا يحاسبهم به ويجازيهم عليه ، فالله لا يحاسب العباد بعلمه الأزلي) سواء علمهم علم حساب أو جزاء ، فهو علم مع بداء
أمّا أن الله لا يحاسب بعلمه الأزلي فمن قال هذا؟ ألم يقل أنه قد أخرج بعث الجنة والنار من ذرية آدم لما سبق في علمه من مآل كل واحد منهم
الله يعلم أهل الجنة وأهل النار قبل خلقهم ، لكنه لا يحاسب العباد بمقتضى هذا العلم ..
بل هو يحاسبهم بمقتضى أفعالهم في الدنيا ، وهذا هو ما ذكرته الآيات من أنه يبتليهم ليعلم الصابرين والمتخلفين ..
وهذا العلم الحادث ليس هو العلم الإلهي الأزلي ..
لأنه لو حاسبهم بمقتضى العلم الأزلي لما خلقهم في الدنيا أصلاً ، بل لأدخلهم الجنة والنار ابتداء دون امتحان وابتلاء ..
بل الله يبتلي الخلق فيعمل كل امريء بحسبه ، وعلى هذا يكون الجزاء بالثواب أو العقاب ..
وبالنسبة للفيديو فقد شاهدته وجوابي عنه بمثل جوابي عن قياس الطبيب فلا حاجة لإعاتده ولا حاجة لكم أيضا لإعادة مثل تلك الأقيسة عند النقاش
لأنه من عجيب المفارقات أن المسلمين عند مناقشتهم في مسألة وجود الله بقولنا هو محتاج لأن يخلق قالوا لا تقيسوا صفات الخالق على صفات المخلوق، وعند تعارض أحكامه مع الحكمة، قاسوا أفعال البشر على أفعاله مع أن الأفعال هي آثار عن الصفات.
أم هو الكيل بمكيالين؟
قياس الشاهد على الغائب لا يجوز فيما افترق فيه الشاهد عن الغائب ..
لكنه يجوز في الأقيسة العقلية المحضة التي لا تشبيه فيها ولا تمثيل ..
يعني أنا أضرب لك أمثلة على وقوع النسخ في أفعال البشر دون أن يكون فيها بداء لأدلل لك على أن البداء والنسخ غير متلازمين في أفعال البشر ، وأنهما في الأصل غير متلازمين عقلاً ، فكيف تجعلهما كذلك في أفعال الله تعالى ..؟
وعمومًا ، طالما أنك ترفض ضرب الأمثلة لموضوع النسخ وعلاقته بالبداء ، فعندي لك جواب قصير :
إذا كان النسخ يقتضي البداء في أفعال البشر ، فهو لا يقتضي هذا في أفعال الله تعالى لأن أفعال الخالق لا تقاس على أفعال المخلوقين ..
هل يرضيك هذا الجواب إذن ..؟
أما مسألة قولكم إن الله محتاج لأن يخلق ، فالرد عليها موجود ..
ولو أردت مناقشتها معي ، فافتح شريطًا آخر وأنا أجيبك فيه بإذن الله تعالى ..
والله الموفق .
Bookmarks