يقول أحد الملاحدة في هذا المنتدى أن الصدفة المحضة هي التي أوجدت هذا العالم أو وُجد من خلالها العالم، وأثناء الحوار احتج بالزمن لتفسير فاعلية الصدفة بأن زعم أن المسألة مسألة "وقت" فقط لكي تعمل الصدفة عملها أو بعبارته هو: أن الزمن كفيل بأن يتيح للصدفة فرصة إيجاد هذا العالم الذي نشاهده الآن. اعتقد أن هذا الموضوع جاء في وقته وهو من الأشياء الطريفة بالفعل لأنه يتيح لنا أيضاً الحديث عن تناقضات عميقة في صلب الخطاب الإلحادي وتنبيء كذلك عن عادة رمي الكلام دون تدبر عواقبه بأدنى تدبر...لعل هذا الموضوع يكسر من شهوة الكلام الفارغ عند بعضهم، وذلك عبر سلسلة من الإشكالات القاطعة لدابر مزاعم عريضة تحمل هلاكها في رحمها، ومنها:
(1) إذا كانت الصدفة بحاجة للزمن، فهذا يعني أن الزمن عامل مستقل عن الصدفة، أي أن الصدفة غير الزمن وإلا قلنا أن الصدفة بحاجة إلى صدفة، مما يفضي إلى التسلسل، والتسلسل هو "لعنة على العلم الطبيعي" كما يقول أحد الملاحدة، لأنه يقضي على أي أمل في تفسير العالم الذي نحن فيه من خلال المادة فقط.
(2) الملاحدة يؤمنون أن كل هذا العالم "مادة"، والعملية التي حولت هذه المادة إلى عالم مفهوم يتيح نفسه للملاحظة والتفسير هي "الصدفة"، هذا يعني أن "المادة" سابقة على "الصدفة" ، ولكن كيف تكون المادة سابقة على الصدفة، والجميع مادة؟
(3) يقول أحدهم "الزمن" ليس من المادة، قلنا: هذا تفسير بما وراء المادة، فتراجع وقال: لا، هو من المادة ولكنه في حقيقته عملية إدراكية نفسية داخل الإنسان، قلنا: ولكنك تقول أن "الصدفة" تفتقر إلى الزمن باعترافك لتعمل عملها في توليد هذا العالم من أساسه، فأين كان الزمن قبل أن يظهر الإنسان إذا كان ليس إلا انعكاس لعملية نفسية ، وكيف تمكنت "الصدفة" من العمل "والزمن" مفقود وأنت قد قلت أن الزمن هو الكفيل بتدبير أمر الصدفة؟ تردد كثيراً قبل أن يجيب، ثم قال: لا، الزمن ليس من المادة المحضة وليس حالة نفسية محضة وإنما هو مجموع التفاعل بينهما، قلنا: الإشكال السابق بقي كما هو مادام الإنسان طرفاً في معادلة الزمن وظهر إشكال جديد وهو: ألم تقولوا أن "الإدراك" في حقيقته عملية مادية، مما يعني أنه لا معنى لفصل الإدراك البشري عن المادة في معادلة العملية التفاعلية بين الإدراك والمادة، أي يلزمكم على أصلكم أن "الزمن" في حقيقته "مادة"، فكيف ستعمل "الصدفة" إذا كان "الزمن" مادة وأنتم تقولون أن "الزمن" وحده هو الكفيل بتمكين "الصدفة" من إيجاد "المادة"؟ بل كيف عملت "الصدفة" وأين كانت "الصدفة" قبل ظهور الإنسان إذا كان لا عمل للصدفة إلا من خلال الزمن ولا معنى للزمن إلا من خلال "الإدراك الإنساني" بتفاعله مع مكونات العالم المادي ؟
يتبع إن شاء الله.
Bookmarks