(ويسألونك عن ذي القرنين ) الرجل الطواف في الأرض (قل سأتلوا عليكم منه ذكرا 83، إنا مكناه في الأرض ) أي جعلنا له مكنة وقدرة على التصرّف في الأرض ولهذا ملك الأرض من مشرقها الى مغربها ولهذا ذكر بعضهم أنه سمّي ذا القرنين لأنه بلغ قرني الشمس أي مشرقها ومغربها ( وآتيناه من كل شيء سببا 84، فاتّبع سببا 85، حتى إذا بلغ مغرب الشمس) وقت الغروب (وجدها) أدركها (تغرب في عين حمئة) أي أدركها عندما بلغ وقت الغروب، فكان حينها عند عين مملوءةً طينا , أي رأي الشمس في منظره تغرب في البحر المحيط ، وهذا شأن كل من انتهى إلى ساحله ، يراها كأنها تغرب فيه , (ووجد عندها قوما ) عند العين (قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا 86، ) أي ليكن شأنك معهم إما التعذيب وإما الإحسان ، فالأول لمن بقي على حاله ، والثاني لمن تاب (قال أما من ظلم ) نفسه ولم يقبل دعوة التوحيد والمنهج الرباني واستمر على شركة وكفره وعناده (فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا 87، وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنا وسنقول له من أمرنا يسرا 88، ثم اتّبع سببا 89،) ثم تابع دربه من مغرب الشمس إلى مشرقها وكان في طريقه يدعو الأمم إلى الله ويقمع الكافرين ، ويحسن للمؤمنين (حتى إذا بلغ مطلع الشمس) أي مطلعها من الأفق الشرقي في عين الرائي وقت الشروق (وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا 90، ) أي بلغ وقت الشروق أناسا يسكنون العراء , إشارة تدلنا على أن ذا القرنين قد وصل إلى القطب الذي تكون فيه الشمس ستة شهور لا تغيب ، وطوال هذه الشهور لا يوجد ظلام يستر الشمس في هذه الأماكن .وهذا إعجاز من القرآن الكريم فالشمس ساطعة ، لا يسترها عن القوم ساتر. (كذلك وقد أحطنا بما لديه خبرا 91، ثم اتبع سببا) ثم تجاوزهم ومضى لدربه طريقا ثالثا بين المشرق والمغرب ، آخذا من مطلع الشمس الى الشمال (حتى إذا بلغ بين السدين ) أي الجبلين(وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا 91) أي أمة من الناس لا يفقهون أقوال أتباع ذي القرنين لقلة فطنتهم وبعدهم عن لغات غيرهم .
وبتلخيص القصة، نرى أن الله أرسل ذا القرنين محرراً وهادياً لشعوب ثلاثة: شعب في مغرب الشمس يأكل قويه ضعيفه ويظلم غنيه فقيره، فكانت مهمة ذي القرنين أن يقيم العدل، ويحقق القسط، وينصف الضعفاء من الأقوياء، ويرد حق الفقراء من جيوب الأغنياء.
وشعب في مشرق الشمس عضه الفقر، وعمته الحاجة، فصار لا يجد سترا يؤويه، فكانت مهمة ذي القرنين رعاية القوم في حاجاتهم الدينية والدنيوية.
وشعب ثالث تغلبت عليه أمة باغية ظالمة بسبب جهله فصار قدَره في يد عدوه، فكانت مهمة ذي القرنين تخليصهم من الاستعباد والاضطهاد بالعلم والعمل، وبناء السد العظيم الذي يحول بينهم وبين بأس عدوهم.
وذو القرنين هنا يمثل دور الفاتح المسلم ومساهمته في تحرير الشعوب وتخليصها من قوى الظلم والعدوان والاستعباد ومساعدتهم في الظروف الصعبة وحين الحاجة .
وخلاصة القول ان قليل الفهم والفطنة هو الذي لن يفقه هذا الشرح , رغم توضيحه لكل هذه الايات وجوانبها ..
Bookmarks