صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 15 من 18

الموضوع: القره داغي -دلالة السنة على الأحكام-

  1. افتراضي القره داغي -دلالة السنة على الأحكام-

    بسم الله الرحمن الرحيم


    الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه إلى يوم الدين . وبعد :

    تمهيد :

    فلو ألقينا نظرة سريعة على الأحكام الشرعية ، والتكاليف التي كلفنا بها لوجدنا أن أكثرها قد أخذت واستنبطت من السنة النبوية المشرفة ، إذ أن القرآن الكريم اكتفى في أكثر الأمور برسم المبادئ العامة والقواعد الكلية ليترك الباقي للسنة النبوية لتقوم بدورها في البيان والتفصيل ، والتوضيح من خلال الأقوال والأفعال ، والتقرير ...

    ثم إن دلالة هذه الأنواع الثلاثة للسنة على الأحكام ليست على سنن واحد ، لذلك لا بد أن يفرد كل نوع بمبحث خاص حتى لا يقع لبس ، أو خلط ، أو غموض ، هذا من جانب ، ومن جانب آخر فإننا نجد أن هناك أنواعاً أخرى للسنة ــ مثل الترك ، والهم بالشيء ، والإشارة والكتابة ــ أدخلها بعض الأصوليين في الفعل [1] ، ولكنها لدى التحقيق ظهر لنا أن دلالة كل نوع على الحكم الشرعي ، وأنواعه تختلف عن الآخر ، وأن بينها فروقاً جوهرية في هذا المضمار ، فعلى سبيل المثال أن الفعل دليل على مطلق الإذن في حين أن الترك ــ كما قال الشاطبي ــ دليل على غير ذلك [2] لذلك نرى أن تستقل كل هذه الأنواع في مباحث مستقلة ، وذلك لأن السنة القولية لها أحكامها الخاصة ، ودلالتها المتميزة التي لا توجد في غيرها من بقية أنواع السنة ، فالخاص ، والعام ، والإطلاق والتقييد والحقيقة ، والمجاز ، وغير ذلك من المباحث اللفظية لا تنسحب على الفعل ، والتقرير ، والهم ، والترك ونحوها .

    وبالإضافة إلى ذلك فإن السنة القولية تستوعب الأحكام التكليفية ، والوضعية من إيجاب ، وندب ، وتحريم ، وكراهة ، وإباحة ، ومن فرض ، وكراهة تحريم ، ومن سبب وشرط ، وركن ، ومانع ، وصحة وبطلان وفساد ، وتستنبط كل هذه الأحكام منها في حين أن أفعال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لا توصف بالحرمة ، ولا بفاسد أو باطل ، أو نحو ذلك .

    ثم إن الذهن يتبادر من إطلاق " أفعاله " إلى الفعل الصريح الواضح دون الترك ، والإشارة والكتابة ونحوها ، كما أن الفعل الصريح الواضح يستفاد منه الوجوب والندب والإباحة ــ سواء كان ذلك بسبب قرينة ، أو بدونها حسب الخلاف الآتي ــ لكن الترك والهم بالشيء ونحوهما لا يستفاد منه هذه الأحكام ، ولا يدل على جميعها فكل ذلك يستدعي أن يخصص لكل واحد منها مبحث مستقل .
    واللهِ لَوْ عَلِمُوا قَبِيحَ سَرِيرَتِي....لأَبَى السَّلاَمَ عَلَيَّ مَنْ يَلْقَانِي
    وَلأَعْرضُوا عَنِّي وَمَلُّوا صُحْبَتِي....وَلَبُؤْتُ بَعْدَ كَرَامَةٍ بِهَوَانِ
    لَكِنْ سَتَرْتَ مَعَايِبِي وَمَثَالِبِي....وَحَلِمْتَ عَنْ سَقَطِي وَعَنْ طُغْيَاني
    فَلَكَ الَمحَامِدُ وَالمَدَائِحُ كُلُّهَا....بِخَوَاطِرِي وَجَوَارِحِي وَلِسَانِي
    وَلَقَدْ مَنَنْتَ عَلَيَّ رَبِّ بِأَنْعُمٍ....مَا لِي بِشُكرِ أَقَلِّهِنَّ يَدَانِ

  2. افتراضي

    لا يخفى أن هذا النوع من السنة مثل القرآن الكريم في الدلالة على الأحكام ، وشمولها لجميع أنواع الدلالة التي ذكرها علماء الأصول من دلالة النص ، وعبارته ، ودلالات الاقتضاء ، والإشارة ، ولحن الخطاب ، وفحواه ، ومن دلالات الأمر ، والنهي ، ونحو ذلك مما يساعد المجتهد على أن يستفيد من النص بعدة اعتبارات ، وأن يستثمره في عدة حقول .

    وكذلك تشترك السنة القولية مع القرآن الكريم في جميع المباحث اللفظية الأخرى التي تزخر بها كتب الأصول ، والتي أنتجتها قرائح علمائنا الأصوليين ، ووضعوا لها قواعد دقيقة : من عموم ، وخصوص ، وإرادة الخاص ، ومن إطلاق وتقييد ، وإجمال وبيان لفظي ، وإشكال وتفسير وتأويل ، وخفاء وجلاء ، وحقيقة ومجاز ومشترك ، وصريح وكناية وتعريض ، وما أثير حول مفاهيم الموافقة ، والمخالفة ... ونحو ذلك .

    كل هذه المباحث اللغوية الخاصة التي ذكروها لألفاظ القرآن الكريم تنطبق على ألفاظ السنة النبوية الشريفة ، لا حاجة إلى ذكرها هنا ، كما أن طبيعة البحث أيضاً لا تسمح حتى بسرد مثال لكل واحد منها ، إذ أننا نريد هنا أن نذكر ما تختص به السنة المشرفة من كيفية دلالتها على الأحكام ، ولذلك لا نتطرق حتى إلى ما تختلف فيه السنة عن القرآن من حيث الإعجاز ، ومن حيث إنه يتعبد بتلاوته ، وأنه لا يمسه إلا المطهرون إلى غير ذلك من الأحكام الفقهية [1] وذلك لأن هذه الأمور لا تتعلق بكيفية الاستنباط من السنة أو القرآن ، ولا بكيفية دلالتهما على الأحكام .

    لكن الذي جدير بالبحث هنا هو أن السنة النبوية تختلف عن القرآن الكريم من حيث الوصول إلينا والثبوت ، فالقرآن كله متواتر وصل إلينا عن طريق التواتر ، إذن فهو كله قطعي الثبوت والوصول إلينا ، وإن كانت دلالته على الحكم قد تكون قطعية إذا لم يحتمل اللفظ غيره ، وقد تكون ظنية إذا احتمل غيره ، وأما السنة فليس كلها قطعي الوصول إلينا حيث إن بعضها قطعي الوصول إلينا ، وهو الأحاديث المتواترة [2] وبعضها الآخر ظني الوصول ــ من حيث هي ــ لكن دلالتها في الحالتين كدلالة اللفظ القرآني على الحكم سواء ، بالإضافة إلى المنزلة العظمى للنص القرآني من حيث كونه ــ لفظاً ومعنى ــ من عند الله تعالى للإعجاز ، في حين أن ألفاظ السنة ليست من عند الله ، وإنما معانيها ، وبالتالي عدم تساويهما في المنزلة والمرتبة ، وإن كان الكل من عند الله تعالى من حيث النتيجة .




    وقد ترتبت على ذلك عدة أمور تختلف فيها السنة المطهرة عن القرآن الكريم ، نذكرها بإيجاز ، وهي :

    الأمر الأول : اختلافهم في السنة الآحادية مع عدم اختلافهم في القرآن الكريم لأن جميعه ثابت بالتواتر .

    وخبر الواحد في الاصطلاح الأصولي هو غير المتواتر سواء كان راويه شخصاً واحداً أو أكثر ، وسواء كان ذكراً أو أنثى ما دام لم يصل إلى حد يستحيل العقل توافقهم على الكذب ، والمراد بخبر الواحد هنا هو خبر الواحد العدل المقبول الذي تتوفر فيه الشروط المطلوبة من قبل علماء الحديث .

    وقد اختلف في دلالته وقبوله ، ومدى وجوب العمل به على عدة آراء حيث ذهب جماعة إلى أنه يفيد العلم اليقيني مع وجود القرائن ، في حين ذهب بعضهم إلى أنه العلم اليقيني حتى بدون قرينة ، وهؤلاء اختلفوا على أنفسهم حيث عمم بعضهم هذا القول في جميع أخبار العدول كبعض أهل الظاهر ، وإحدى الروايتين عن أحمد ، في حين ذهب بعضهم الآخر إلى أن ذلك في بعض أخبار الآحاد لا في الكل ، وهذا مذهب بعض أصحاب الحديث .

    ولكن جماعة آخرين ذهبوا إلى رأي ثالث وهو أن خبر الواحد لا يفيد العلم مطلقاً ، في حين ذهب رأي رابع إلى أن خبر الواحد إنما يكون حجة إذا رواه أكثر من واحد قدره بعضهم بأن يرويه اثنان عن اثنين ، وبعضهم بالثلاثة ، وبعضهم بالأربعة ، وبعضهم بالخمسة ، وبعضهم بالسبعة ... في حين ذهبت طوائف من الروافض إلى أنه لا يجب العمل به مطلقاً [3] .

    ونحن هنا لسنا بصدد هذه الأقوال ولكن الذي يدعمه الدليل هو أن خبر الواحد العدل ــ بشروطه ــ يفيد الظن من حيث هو ، أما إذا احتفت به القرائن المطلوبة فإنه يفيد العلم ، ولكنه في الحالتين ــ أي مع وجود القرائن وعدمها ــ أوجب الشرع العمل به إذا توفرت شروطه المطلوبة وسلم من المعارضة على ضوء ما ذكره علماء الحديث والأصول [4] .

    ويشهد لذلك عدة أدلة من أوضحها إجماع الصحابة على قبول خبر الواحد العدل والعمل به ، قال الآمدي :" والأقرب في هذه المسألة إنما هو التمسك بإجماع الصحابة ، ويدل على ذلك ما نقل عن الصحابة من الوقائع المختلفة الخارجة عن العد والحصر ، المتفقة على العمل بخبر الواحد ، ووجوب العمل به " ثم سرد عشرات الآثار عنهم [5] .

    وقد أفاض الإمام الشافعي في الأدلة الدالة على وجوب العمل بخبر الواحد العدل بشروطه حيث ذكر الأدلة على ذلك من الكتاب والسنة ، والإجماع ، فقال :" وفي كتاب الله تبارك وتعالى دليل على ما وصفت قال الله تعالى : (( إنا أرسلنا نوحاً إلى قومه )) [6] . وقال لنبيه محمد ( صلى الله عليه وسلم ) : (( إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح )) [7] . فأقام جل ثناؤه حجته على خلقه في أنبيائه في الإعلام التي باينوا بها خلقه سواهم ، وكانت الحجة بها ثابتة على من شاهد أمور الأنبياء ، ودلائلهم التي باينوا بها غيرهم ومن بعدهم ، وكان الواحد وأكثر منه سواء ً تقوم الحجة بالواحد منهم قيامها بالأكثر ... " [8] . فهذا دليل على أن خبر الواحد إذا صاحبته قرائن توجب العلم كالمعجزات التي صاحبتهم ، كما ذكر من السنة الكثير منها قول النبي ( صلى الله عليه وسلم ) :" نضَّر الله عبداً سمع مقالتي فحفظها ووعاها ، وأداها ، فرب حامل فقه غير فقيه ، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه " [9] ، قال الشافعي :" فلما ندب رسول الله إلى استماع مقالته وحفظها وأدائها امرأ ً يؤديها ، والأمرئ واحد ، دلّ على أنه لا يأمر أن يُودَّى عنه إلا ما تقوم به الحجة على من أدى إليه ، لأنه إنما يُودَّى عنه الحلال ، وحرام يجتنب ، وحد يقام ، ومال يؤخذ ويعطى ، ونصيحة في دين ودنيا " ، ثم أورد عشرات الآثار على أن الصحابة الكرام قبلوا خبر الواحد العدل ذكراً وأنثى واحتجوا به دون تردد مادامت الشروط المطلوبة متوفرة فيه ، وانتهوا القول بأن المسلمين أجمعوا قديماً وحديثاً على تثبيت خبر الواحد والانتهاء إليه [10] .

    كما أورد البخاري كتاباً خاصاً في صحيحه سماه كتاب : أخبار الآحاد ، أورد فيه جملة من الآيات والأحاديث الدالة على حجيتها [11] . ذكر الحافظ ابن حجر أن الأئمة احتجوا بهذه الآيات التي ذكرها البخاري وبغيرها ، وبالأحاديث التي يصل بمجموعها إلى إفادة القطع ، كما أنه قد شاع فاشياً عمل الصحابة والتابعين بخبر الواحد من غير نكير ، فاقتضى الاتفاق منهم على القبول " [12] .

    هذا وقد أطال العلماء أنفاسهم في ذكر الأدلة ، وفي طرق الرد على المنكرين لا تسمح طبيعة البحث بسردها ، نكتفي بما لخصه إمام الحرمين قائلا ً :" والمختار عندنا مسلكان أحدهما يستند على أمر متواتر لا يتمارى فيه إلا جاحد ، ولا يدرؤه إلا معاند ، وذلك أنا نعلم باضطرار من عقولنا أن الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) كان يرسل الرسل ويحملهم تبليغ الأحكام وتفاصيل الحلال والحرام ... وكان نقلهم أوامر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) على سبيل الآحاد ، ولم تكن العصمة لازمة لهم فكان خبرهم في مظنة الظنون ، وجرى هذا مقطوعاً به متواتراً لا اندفاع له إلا بدفع التواتر ، ولا يدفع المتواتر إلا مباهت ... والمسلك الثاني : مستند إلى إجماع الصحابة وإجماعهم على العمل بأخبار الآحاد منقول متواتراً ... " [13] .




    الأمر الثاني : هو جواز نسخ القرآن بالقرآن عند جماعة وعدم إجازتهم نسخ القرآن بالسنة .

    وهذه المسألة أيضاً مما ثار فيها جدل كبير ، وخلاف عريض ، لا تسمح طبيعة البحث بالخوض فيها ، ولكن الذي نحب أن ننوه به هو أنه وقع خلط كبير فيها نتيجة إطلاق النسخ عند السلف الصالح على التخصيص والبيان ، وتحديده عند الاصطلاح الأصولي على رفع الحكم الشرعي بدليل لاحق حيث أرجع بعضهم توسع السلف في معناه الشامل للمخصص والمبين والمقيد على النسخ بمعناه الاصطلاحي الخاص ، هذا من جانب ، ومن جانب آخر أن الذي تشهد عليه الأدلة المعتبرة الواضحة أن السنة تأتي بأحكام جديدة وزائدة على ما في القرآن ولكنها لا تعارض القرآن ولا تنسخه لأنها ــ كما سبق ــ [14] أما أن تكون للتأكيد ، أو للتفصيل ، والبيان ــ ويدخل فيهما التخصيص والتقييد ــ وإما أن تكون موجبة لحكم سكت عن إيجابه ، أو محرمة لما سكت عن تحريمه [15] يقول الشافعي :" وأبان الله لهم أنه إنما نسخ ما نسخ من الكتاب بالكتاب ، وأن السنة لا ناسخة للكتاب ، وإنما هي تبع للكتاب بمثل ما نزل نصاً ، ومفسِّرة معنى ما أنزل الله منه جملا ً " [16] . ثم استدل بعدة آيات منها قوله تعالى : (( وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا إن أتبع إلا ما يوحى إليَّ إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم )) [17] . فأخبر الله أنه فرض على نبيه اتباع ما يوحى إليه ولم يجعل له تبديله من تلقاء نفسه ... وفي كتاب الله دلالة عليه قال الله : (( ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ... )) [18] . فأخبر الله أن نسـخ القـرآن وتأخير إنزاله لا يكـون إلا بقرآن مثـله [19] . ويقـول ابن القيم :" فلا تعارض ــ أي السنة ــ القرآن بوجه ما فما كان منها زائداً على القرآن فهو تشريع مبتدأ من النبي ( صلى الله عليه وسلم ) تجب طاعته فيه ، ولا تحل معصيته ، وليس هذا تقديماً لها على كتاب الله ، بل امتثال لما أمر الله به من طاعة رسوله ، ولو كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لا يطاع في هذا القسم لم يكن لطاعته معنى ، وسقطت طاعته المختصة به ... وقد قال تعالى : (( من يطع الرسول فقد أطاع الله )) [20] .

    ثم إن هذه الأحاديث التي تأتي بأحكام جديدة لا تعتبر نسخاً ــ أي النسخ الاصطلاحي ــ لأن النسخ هو رفع حكم شرعي بدليل شرعي وليس في مثل هذه الأحاديث نسخ لحكم ثابت بالقرآن الكريم ، وإنما هي بيان لحكم الله تعالى ، على عكس ما ذهب إليه جمهور الحنفية حيث اعتبروا التخصيص نسخاً ، والزيادة على القرآن نسخاً [21] ، ومن هنا لا تجوز إلا إذا كانت السنة متواترة .

    وقد انبرى للرد على ذلك كثير من العلماء وأطالوا النفس في الأدلة ، وفي طرق الرد نختار منها ما ذكره ابن القيم بإيجاز سديد ،حيث رد عليهم باثنين وخمسين وجهاً قال فيها :" إنكم أول من نقض هذا الأصل الذي أصلتموه ، فإنكم قبلتم خبر الوضوء بنبيذ التمر ، وهو زائد على ما في كتاب الله مغير لحكمه ، فإن الله سبحانه جعل حكم عادم الماء التيمم ، والخبر يقتضي أن يكون حكمه الوضوء بالنبيذ ، فهذه الزيادة بهذا الخبر ــ الذي لا يثبت ــ رافعة لحكم شرعي غير مقارنة له ، ولا مقاومة بوجه ، وقبلتم خبر الأمر بالوتر مع رفعه لحكم شرعي ، وهو اعتقاد كون الصلوات الخمس هي جميع الواجب ، ورفع التأثيم بالاقتصار عليها ، وإجراء الإتيان في التعبد بفريضة الصلاة ، والذي قال هذه الزيادة هو الذي قال سائر الأحاديث الزائدة على ما في القرآن ... والذي فرض علينا طاعة رسوله ، وقبول قوله في تلك الزيادة هو الذي فرض علينا طاعته ، وقبول قوله في هذه ، والذي قال لنا : (( وما آتاكم الرسول فخذوه )) [22] هو الذي شرع لنا هذه الزيادة على لسانه ، والله سبحانه وتعالى ولاه منصب التشريع عنه ابتداء ً كما ولاه عنه منصب البيان لما أراده بكلامه ، بل كلامه كله بيان عن الله ، والزيادة بجميع وجوهها لا تخرج عن البيان بوجه من الوجوه " .

    هذا . ومن وجه آخر أنه لا بد في النسخ من تنافي الناسخ والمنسوخ ، وتعارضهما بحيث لا يمكن جمعهما ، مع أن الجمع بين المزيد عليه ، والزيادة ممكن ، كما أن النسخ يقتضي ورود الناسخ والمنسوخ على محل واحد يقتضي المنسوخ ثبوته ، والناسخ رفعه ، ومثل هذا غير متحقق في الأحاديث الآتية بأحكام جديدة زائدة على القرآن [23] .




    الأمر الثالث : أن دلالة السنة الآحادية لا ترتقي إلى أن يثبت بها الفرض ، والتحريم ، وإنما الإيجاب ، وكراهة التحريم حتى وإن كانت دلالتها على طلب الفعل أو الترك قطعية ، وذلك لأن الفرض ، والتحريم إنما يثبتان بالدليل الذي يتوفر فيه قطعية الدلالة ، وقطعية الثبوت على عكس القرآن الكريم الذي هو قطعي الثبوت فإذا توفرت قطعية الدلالة على طلب الفعل فيكون فرضاً ، أو على طلب الترك فيكون تحريماً .

    هذا عند الحنفية ولم يرتض بذلك جمهور العلماء [24] وهذا الخلاف ــ لدى المحققين ــ خلاف في التسمية والاصطلاح ، كما أنه خلاف باعتبار وصول الخبر إلينا ، فمثلا ً اعتبروا " قراءة الفاتحة " في الصلاة واجبة ، لأن تعيينها ثابت بالسنة الآحادية في نظرهم ، وهي قول النبي ( صلى الله عليه وسلم ) :" لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب " [25] في حين أن مطلق قراءة القرآن فيها فرض لقوله تعالى : (( فاقرؤا ما تيسر من القرآن )) [26] وعلى ضوء ذلك يمكننا أن نقول ــ على ضوء قواعد الحنفية هذه ــ إن الصحابي الجليل الذي استمع من الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) هذا القول يكون حكم الفاتحة بالنسبة له فرضاً ، وبالنسبة لغيره يكون إيجاباً ، ولا يشهد على ذلك دليل يلزم غيرهم .




    الأمر الرابع : تقسيم الفقهاء أقوال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إلى ما قاله إفتاء ً ، أو باعتباره حاكماً إذا كان هذا صحيحاً بالنسبة للسنة القولية [27] ، فلا يمكن إجراؤه على القرآن الكريم ، لأن أحكامه عامة لا تُخصص إلا بدليل أو تكون هي خاصة .

    ولتوضيح ذلك نقول : لا شك أن الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) كان المربي والمعلم ، والإمام ، والحاكم والمفتي للرعيل الأول ، فكان جامعاً بين المناصب الدينية والمناصب الدنيوية ، فكان يبين الأحكام والفتاوى ، كما كان يبعث الجيوش ، ويحكم بين الناس ويقضي بما أراه الله ومن هنا كانت بعض تصرفاته نابعة من كونه إمام المسلمين مثل إرساله الجيوش لقتال الكفار والمعتدين ، وصرف أموال بيت المال في مصارفها ، وتولية القضاة والولاة العامة ، وتقسيم الغنائم ، وعقد العهود والصلح بين دولة الإسلام وغيرها ، فمثل هذه التصرفات اتفق الفقهاء على أنها كانت بوصفه القائد والإمام الأعظم للمسلمين ، ولذلك لا يجوز لعامة المسلمين أن يقوموا بها إلا إذا أذن لهم الإمام ، اقتداء ً به عليه السلام ، ولأن سبب تصرفه فيه بوصف الإمامة دون التبليغ يقتضي ذلك ، وكذلك أقضيته وفصله في دعاوى الأموال والجنايات ونحوها بالبينات ، أو الأيمان ، والنكولات ونحوها ... فنعلم أنه ( صلى الله عليه وسلم ) إنما تصرف في ذلك عن طريق كونه قاضياً ، فيكون مثل ذلك خاصاً بمن نصب قاضياً ، أو حكماً ، وليس عاماً .

    وكذلك لا خلاف بين المسلمين في أن ما قاله الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) على سبيل التبليغ كان ذلك حكماً عاماً على جميع الناس إلى يوم القيامة ، ولا يحتاج إلى أمر الحاكم أو إذنه ، أو حكم القاضي به ، فكل ما قاله أو فعله في بيان العبادات والشعائر ، وكذلك فتاواه العامة في المعاملات ونحوها من هذا الباب حيث يجوز أن يُقَّدِم َ عليه كل أحد بنفسه دون الحاجة إلى إذن من الإمام أو القاضي ، وكذلك المباحات ، وإن كان منهياً عنه اجتنبه كل واحد بنفسه دون الحاجة إلى نهي آخر [28] .

    ولكن الفقهاء اختلفوا في عدة أحاديث نبوية هل قالها الرسول( صلى الله عليه وسلم ) بوصفه مبلغاً ورسولا ً ، أم بوصفه حاكماً وإماماً للمسلمين وقاضياً بينهم ؟

    نذكر منها مثالين ، أحدهما لما ذكر بوصفه إماماً أعظم ، والثاني بوصفه قاضياً .


    المثال الأول : قوله ( صلى الله عليه وسلم ) :" من أحيا أرضاً ميتة فهي له " [29] حيث اختلف العلماء في هذا الحديث هل كان هذا القول صادراً منه ( صلى الله عليه وسلم ) باعتباره فتوى فحينئذ يجوز لكل واحد أن يحيي الموات سواء أذن الإمام في ذلك أم لا وهذا رأي مالك ، والشافعي ، وأحمد ، وأبي يوسف ، ومحمد [30] . أم هو تصرف منه بوصفه الإمام ؟ أي أنه قد أذن إذناً عاماً ، وبالتالي يحق للناس الإحياء ، وعلى هذا أن إذا لم يأذن لا يجوز ، وهذا مذهب الحنفية [31] .

    والذي يظهر لنا رجحانه هو أن هذا الحديث عام جار مجرى الفتوى والتبليغ ، إذ ليس هناك دليل يدل على هذا التخصيص ، كما أن الأصل في كلام الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) هو التبليغ ، وذلك لأنه مهمته الأساسية ، يقول العلامة القرافي :" لأن وصف الرسالة غالب عليه " [32] .

    المثال الثاني : قولـــــه ( صلى الله عليه وسلم ) لهند بنت عتبـــة امرأة أبي سفيان : " خــــذي أنت وبنوك بالمعروف " قال لها هذا حينما جاءت إليه وقالت لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) :" إن أبا سفيان رجل شحيح ، فهل عليَّ جناح أن آخذ من ماله سراً " [33] .

    فقد اختلف الفقهاء في هذه المسألة حيث ذهب جماعة منهم إلى أنه يجوز لكل زوجة لا يؤدي لها زوجها نفقتها بالكامل أن تأخذ حقها سراً بناء ً على أن قول النبي ( صلى الله عليه وسلم ) السابق فتوى عامة ، بل أجازوا لكل من هو صاحب حق وظفر بحقه أو بجنسه أن يأخذه بغير علم خصمه وهذا مذهب مالك في رواية ، وابن سيرين ، والليث [34] ، في حين ذهب آخرون [35] إلى أن الحديث الســــابق كان تصرفاً من النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بالقضاء ، ولذلك أورده النسائي في كتاب آداب القضاة ، باب القضاء على الغائب [36] وهذا يعني أن الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) كان قد قضى لهند بالحكم السابق ، وليس فتوى عامة ، فعلى ضوء هذا لا يجوز لأحد أن يأخذ حقه ، أو جنس حقه إذا تعذر أخذه من الغريم إلا بقضاء قاض .

    والذي يظهر أن هذا التصرف منه ( صلى الله عليه وسلم ) كان فتوى عامة ، وذلك لأنه لو كان قضاء ً لكان الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) طلب إجراءات القضاء من إثبات الدعوى وإحضار أبي سفيان الذي كان موجوداً داخل مكة آنذاك ، ولذلك ترجم له البخاري : باب قصاص المظلوم إذا وجد مال ظالمه ، ثم استدل بما قاله ابن سيرين : يقاصُّه ، وقرأ : (( وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به )) [37] قال ابن حجر :" وقد جنح المصنف إلى اختياره ــ أي اختيار أن يأخذ المظلوم بقدر الذي له ، ولو بغير حكم حاكم ــ ولهذا أورد أثر ابن سيرين على عادته في الترجيح بالآثار ... وهذا الأثر وصله عبد بن حميد في تفسيره من طريق خالد الحذاء عنه بلفظ :" إن أخذ أحد منك شيئاً فخذ مثله " . وقد احتج البخاري بحديثين : أحدهما : حديث عائشة رضي الله عنها في قصة هند . والثاني حديث عقبة بن عامر قال : قلنا للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) : إنك تبعثنا فننزل بقوم لا يقروننا فما ترى فيه ؟ فقال لنا :" إن نزلتم بقوم فأمر لكم بما ينبغي للضيف فاقبلوا ، فإن لم يفعلوا فخذوا منهم حق الضيف " [38] وظاهر هذا الحديث أن قرى الضيف واجب ، وأن المنزول عليه لو امتنع من الضيافة أخذت منه قهراً ، وقال به الليث مطلقاً ، وخصه أحمد بأهل البوادي دون القرى [39] . قال ابن بطال :" حديث هند دال على جواز أخذ صاحب الحق من مال من لم يوفه ، أو جحده قدر حقه " [40] . وقد أورد البخاري لحديث هند باباً آخر ترجم له : باب إذا لم ينفق الرجل ، فللمرأة أن تأخذ بغير علمه ما يكفيها وولدها بالمعروف ، قال الحافظ ابن حجر : " أخذ المصنف هذه الترجمة من حديث الباب بطريق الأولى لأنه دل على جواز الأخذ لتكملة النفقة ، فكذا يدل على جواز أخذ جميع النفقة عند الامتناع [41] . وقد حاول بعض الفقهاء أن يجعل هذه القصة من باب القضاء على الغائب ، فرد عليهم الإمام النووي بقوله :" ولا يصح الاستدلال ، لأن هذه القصة كانت بمكة ، وكان أبو سفيان حاضراً بها ، وشروط القضاء على الغائب أن يكون غائباً عن البلد ، أو مستتراً لا يقدر عليه ، أو متعززاً ، ولم يكن هذا الشرط في أبي سفيان موجوداً فلا يكون قضاء ً على الغائب ، بل هو إفتاء ، وقد وقع كلام الرافعي في عدة مواضع أنه كان إفتاء . وقال ابن حجر :" نعم قول النووي : إن أبا سفيان كان حاضراً بمكة حق ، وقد سبقه إلى الجزم بذلك السهيلي ، بل أورد أخصَّ من ذلك وهو أن أبا سفيان كان جالساً معها في المجلس ، لكن لم يسق إسناده ، وقد ظفرت به في طبقات ابن سعد أخرجه بسند رجاله رجال الصحيح إلا أنه مرسل عن الشعبي [42] .
    واللهِ لَوْ عَلِمُوا قَبِيحَ سَرِيرَتِي....لأَبَى السَّلاَمَ عَلَيَّ مَنْ يَلْقَانِي
    وَلأَعْرضُوا عَنِّي وَمَلُّوا صُحْبَتِي....وَلَبُؤْتُ بَعْدَ كَرَامَةٍ بِهَوَانِ
    لَكِنْ سَتَرْتَ مَعَايِبِي وَمَثَالِبِي....وَحَلِمْتَ عَنْ سَقَطِي وَعَنْ طُغْيَاني
    فَلَكَ الَمحَامِدُ وَالمَدَائِحُ كُلُّهَا....بِخَوَاطِرِي وَجَوَارِحِي وَلِسَانِي
    وَلَقَدْ مَنَنْتَ عَلَيَّ رَبِّ بِأَنْعُمٍ....مَا لِي بِشُكرِ أَقَلِّهِنَّ يَدَانِ

  3. افتراضي

    قبل أن نخوض في غمار دلالة الفعل على الأحكام لا بد من التعريف بالفعل لغة واصطلاحاً ، لأن الحكم على الشيء فرع من تصوره .

    معنى الفعل لغة واصطلاحاً :

    فالفعل ــ بكسر الفاء ــ لغة اسم مصدر من فعل يفعل فعلا ً بفتح الفاء ، قال الفيروزابادي :" هو حركة الإنسان ، أو كناية عن عمل مُتَعدِّ " [1] وقال ابن منظور :" الفعل : كناية عن كل عمل متعد أو غير متعد " [2] .

    وقد تكرر كثيراً في القرآن الكريم من قوله تعالى : (( فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف ... )) [3] . قال ابن عطية : وقوله عز وجل : (( فيما فعلن )) يريد به التزوج فما دونه من التزين وإطراح الإحداد " [4] . وقوله تعالى : (( ألم تر كيف فعل ربك بعاد )) [5] ، وقوله تعالى : (( أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم )) [6] وغير ذلك مما استعمل فيه الفعل بمعنى الفعل المادي ، ولكنه استعمل أيضاً في الفعل القلبي من ظن وعقيدة ، وعلم ، منه قوله تعالى : (( وما يتبع أكثرهم إلا ظناً إن الظن لا يغني من الحق شيئاً إن الله عليم بما يفعلون )) [7] . قال ابن عباس :" أي وما يعبد أكثرهم آلهة إلا بالظن ، إن عبادتهم بالظن لا تغني من عذاب الله شيئاً ، إن الله عليم بما يفعلون في الشرك من عبادة الأوثان ... " [8] . وقوله تعالى : (( ولا تدع من دون الله ما لاينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذاً من الظالمين )) [9] ، قال ابن عباس :" لا تعبد ... فإن فعلت ، أي عبدت " [10] .

    ولا يختلف الأمر كذلك في السنة حيث استعمل " الفعل " بمعانيه اللغوية ، وقد عقد البخاري باب : أن المعرفة فعل القلب لقول الله تعالى : (( ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم )) [11] قال الكرماني :" والاعتقاد فعل القلب " ، قال الحافظ ابن حجر :" والآية وإن وردت في الأيمان ــ بالفتح ــ فالاستدلال بها في الإيمان ــ بالكسر ــ واضح للاشتراك في المعنى ، إذ مدار الحقيقة فيهما على عمل القلب " [12] .

    وقد سمّى النحويون ما يدل على العلم ، والظن ، والشك ، ونحوها بأفعال القلوب ، أي الأفعال الصادرة من القلب [13] .

    ومن هنا فالمراد بفعل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) هو كل حدث صادر عنه سواء كان من الجوارح ، أو القلب ، أو حتى اللسان ، غير أن ما يصدر عن اللسان وإن كان حدثاً لكن اصطلح على تسميته بالقول ، أو الكلام ، واستقر العرف على ذلك ، ولكنه يدخل فيه الإشارة ، والهم بالشيء ونحوهما ، غير أنه لدى التحقيق نجد فروقاً جوهرية بين الإشارة ، والهم ــ مثلا ً ــ وبين الفعل المجرد الصريح في الدلالة على الأحكام لذلك نفرد لكل نوع مبحثاً خاصاً مستقلا ً ، كما أنه من الجدير بالتنبيه عليه أن ما يسمى في علم الصرف فعلا ً مثل " مات " لا يدخل في الفعل المصطلح عليه عند الأصوليين ، فقول الصحابي " مات النبي صلى الله عليه وسلم " لا يدخل في فعله ، لأنه في الواقع من فعل الله تعالى وإحداثه له ، ومن هنا فنحن هنا نريد بفعله صلى الله عليه وسلم فعله الصريح الصادر منه بعد البعثة والنبوة [14] .




    معنى الدلالة وتطبيقاتها على أفعال النبي صلى الله عليه وسلم :

    الدلالة ــ بفتح الدال ــ لغة مصدر : دلَّ يدُلُّه ودَلالة ، وبكسر الدال اسم مصدر . وهي تعني الهداية والإرشاد ، ومنها الدليل وهو المرشد [15] .

    وفي الاصطلاح هي : أن يكون الشيء بحاله يلزم من العلم به العلم بشيء آخر ، فالشيء الأول يسمى دالا ً ، والثاني يسمى مدلولا ً .

    والدلالة قد تكون لفظية ، وغير لفظية ، وكل واحدة منها إما عقلية كدلالة الأثر على المؤثر ، والنار على الحرارة ، أو بالعكس ، وإما طبيعية ــ أي طبع الإنسان ــ كدلالة السعال على المرض ، وإما وضعية أي تكون العلاقة وضع الناس وتعاهدهم على شيء سواء كان بوضع اللغة ، أو الاصطلاح [16] ، كدلالة الألفاظ على معانيها اللغوية عند أهل اللغة ، أو على معانيها الشرعية عند علماء الشرع وهكذا ، وكدلالة الإشارات الضوئية على معانيها المعهودة في عصرنا .

    هذا وقد ذكر العلماء أنواع الدلالة الوضعية الثلاثة وهي : المطابقة بأن يدل اللفظ على معناه الموضوع له بالكامل مثل دلالة " العشر " على العدد المراد ، والتضمن ــ أي على جزء معناه ــ مثل دلالة " العشرة " على الخمسة والالتزام ــ أي على جزء معناه ــ مثل دلالة " العشر " على الزوجية [17] .




    وقد ذكر الأصوليون عدة دلالات تدخل في الدلالة الالتزامية وهي :
    1.
    دلالــة الاقتضــاء ، وهي ما يقتضيه صدق الكلام مثل قوله تعالى(( واسأل القرية )) [18] أي أهلها ، أو صحته مثل قوله صلى الله عليه وسلم :" إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " [19] أي رفع عنهم الإثم ، أو الاعتداد بما يصدر عند هذه الحالات على خلاف بين الفقهاء .

    2.
    دلالة الإيماء وهي دلالة اللفظ على سبب الحكم كقوله تعالى (( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهم مائة جلدة )) [20] حيث يدل على أن الجلد بسبب الزنا ، ولا سيما إذا صيغ الحكم في صورة المشتق فيدل على أن السبب هو مأخذ الاشتقاق .

    3.
    دلالة الإشارة وهي أن يدل اللفظ على معنى لا يدل عليه اللفظ أصالة ً ، ولا تبعاً ولكنه لازم للمعنى الذي سيق الكلام من أجله بحيث يفهم منه مثل قوله صلى الله عليه وسلم :" أغنوهم عن الطواف في هذا اليوم " [21] فالحكم الثابت به وجوب أداء صدقة الفطر في يوم العيد إلى الفقير ، لكنه يفهم منه بدلالة الإشارة جواز دفع النقود لأنه اعتبر الإغناء وهذا يحصل بمطلق المال الشامل للطعام والنقود وغيرهما [22] .

    4.
    ودلالة مفهوم الموافقة بقسميه : فحوى الخطاب ، وهو أن يكون المسكوت عنه أولى بالحكم من المنطوق مثل قوله تعالى : (( ولا تقل لهما أف )) حيث يفهم منه حرمة ضربهما ، ولحن الخطاب بأن يكون مساوياً مثل قوله تعالى : (( ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل )) [23] حيث يفهم منه حرمة إحراقها أو إغراقها .

    5.
    دلالة مفهوم المخالفة بأن يكون حكم المسكوت عنه مخالفاً لحكم المنطوق مثل قول النبي ( صلى الله عليه وسلم ) :" في كل إبل سائمة من كل أربعين ابنة لبون " [24] وقوله :" وفي سائمة الغنم إذا كانت أربعين ففيها شاة " [25] . حيث يدلان بمفهومهما على أنه لا تجب الصدقة في الإبل والغنم غير السائمة .


    والذي يعنينا هنا هو مدى انطباق هذه الدلالات على دلالة فعل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) على الأحكام ، فهل هي من الدلالات العقلية أم الطبيعية أم الوضعية ؟

    لا شك أنه لا يدل عليها بالعقل المجرد ، ولا بالطبع ، وإنما بوضع الله تعالى وأمره بالاقتداء به ، إذن فتكون دلالة فعله عليها من باب الدلالة الوضعية ، فقد بين الشرع بأنه صلى الله عليه وسلم قدوتنا وأنه يجب طاعته فقال : (( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة )) [26] وأمر الله بطاعته فقال ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول )) [27] ثم قال الرسول صلى الله عليه وسلم :" صلوا كما رأيتموني أصلي " [28] فيتبين من ذلك ــ ومن الأدلة الكثيرة ــ أن فعله حجة علينا في الجملة .




    ثم إذا كانت دلالة فعله على الأحكام وضعية فهل تشتمل على جميع أنواعها ؟

    للجواب عن ذلك يمكن أن تكون دلالة فعله مطابقة على الحكم الشرعي حينما يكون فعله بياناً لحكم شرعي أمر به ، ففعله للصلاة بعد ما أمر بأن نصلي مثل صلاته يكون بياناً مطابقاً لقوله [29] وكذلك الأمر حينما يبين حكماً بالإشارة مثل إشارته بالأصابع إلى أن الشهر الواجب صومه قد يكون ثلاثين ، أو تسعاً وعشرين [30] .

    وأما دلالة التضمن فلا تتأدى بالفعل [31] وأما دلالة الالتزام فلها تطبيقات كثيرة على أفعال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) حيث يلزم من صدور أي فعل منه عدم كونه مخالفاً لما أمر الله تعالى به أو نهى عنه ، وذلك لأنه معصوم من المعاصي ، وكذلك إذا عاقب أحداً يلزم منه أنه ارتكب جريمة يعاقب عليها فنعلم من ذلك كون الفعل الصادر من المعاقب معصية وحراماً يعاقب عليه [32] ، وكذلك ما رواه البخاري بسنده عن أنس رضي الله عنه أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) دعا بإناء من ماء فأتى بقدح رحراح فيه شيء من ماء فوضع أصابعه فيها " [33] ، كما روي عن عبد الله بن زيد أنه أدخل يده في التَوْر ــ أي الطست ــ فاغترف بها فغسل وجهه ثلاث مرات " [34] حيث يلزم من فعله هذا أن وضع اليد في الماء القليل والاغتراف منه لا يفقد الماء طهوريته ، ولا يصبح به الماء مستعملا ً .

    وأما دلالة الإيماء في فعله فكدلالة سجوده عند تلاوة آية فيها ذكر السجود لله تعالى على أن تلاوتها سبب للسجود [35] والأمثلة في ذلك كثيرة .

    ودلالة الإشارة في فعله ( صلى الله عليه وسلم ) كثيرة منها ما رواه البخاري عن سهل بن سعد الساعدي .. فقال :" ثم رأيت رسول الله صلّى عليها ــ أي على المنبر ــ وكبر وهو عليها ، ثم ركع وهو عليها ، ثم نزل القهقرى فسجد في أصل المنبر ، ثم عاد ، فلما فرغ أقبل على الناس ، فقال :" أيها الناس ، إنما صنعت هذا لتأتموا ، ولتعلموا صلاتي " [36] . ففعل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) هذا أراد به بيان هيئات الصلاة وتعليمهم الصلاة ، ولكنه فهم منه بدلالة الإشارة جواز عمل حركات غير كثيرة في الصلاة ، وجواز ارتفاع الإمام عن المأموم ، يقول الحافظ ابن حجر :" وفي الحديث دليل على جواز العمل اليسير في الصلاة ، وكذا الكثير إن تفرق .. وكذا جواز ارتفاع الإمام " [37] .

    ومن الجدير بالتنبيه عليه أن دلالة الاقتضــاء لا تتأتى في الأفعال فهي خاصة بالألفاظ [38] .

    وأما مفهوم المخالفة من فعله فمثل ما استدل به أحمد على عدم جواز صلاة الجنازة بعد أكثر من شهر من الموت بأن الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) صلى على قبر أم سعد بعد شهر " [39] ، فقد استدل أحمد وإسحاق [40] بهذا الحديث وغيره في عدم جوازها بعد شهر ، ولا يتم استدلالهم إلا عن طريق مفهوم المخالفة .

    وأما دلالة الفحوى من مفهوم الموافقة في الفعل فكمثل دلالة جمع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بين صلاتين بالمدينة من غير خوف ولا سفر [41] ، على جـــواز الجمع

    للخوف والسفر والمطر [42] بطريق أولى .

    ودلالة اللحن منه مثل دلالة اتخاذ النبي ( صلى الله عليه وسلم ) مكان الصدع سلسلة من فضة لقدحه حينما انكسر [43] على جواز استعمال الفضة لإصلاح تصدع الأواني ونحوها [44] .

    اعلى الصفحة


    العصمة وعلاقاتها بدلالة فعله صلى الله عليه وسلم على الأحكام :

    جرت عادة الأصوليين على أنهم يذكرون قبل الكـلام عن أفعاله ( صلى الله عليه وسلم ) موضوع عصمة الأنبياء ، للارتباط الوثيق بين المسألتين ، وذلك لأنه إذا لم تثبت العصمة فلا تكون أفعاله دالة على أحكام الشرع ، ولا يتصور التأسي ، ولا وجوب الاقتداء به ، وكذلك إذا ثبتت العصمة فلا يمكن صدور فعل المحرم عنه ، ولذلك نوجز القول في هذه المسألة إذ أن الخلاف فيها عريض ، والتفصيلات التي أثاروها جد كبير ، بل أفردها بالتأليف بعضهم منهم الإمام فخر الدين الرازي ( ت 606 ) [45] ، والذي نحب أن نثبته هنا هو أنهم اختلفوا في صدور الذنوب عن الأنبياء قبل النبوة وبعدها ، لكنهم أجمعوا على أنهم لا يقرون عليها مطلقاً ، حيث يبين لهم الله الحق ، أم يتذكرون فيتوبون إليه ، كما أنهم أجمعوا على عصمتهم في باب العقيدة ، وفي التبليغ حتى عن السهو والنسيان ، والغلط ، ومن الذنوب الكبائر ، ومن هنا فلا يقع خطأ في تبليغ الآيات وبيان الأحكام ، وإذا وقع خطأ في اجتهاداته ــ على القول باجتهاده ــ فإنه لا يقر عليه ، فقال تعالى : (( ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين )) [46].

    قال الزركشي :" ولا خلاف بين الأمة في وجوب عصمتهم ــ أي الأنبياء ــ عما يناقض مدلول المعجزة وهو الجهل بالله تعالى ، والكفر به ، وقد اتفقوا على استحالة الكذب والخطأ فيه ــ أي في التبليغ ــ وعلى عصمتهم في بيان الأحكام ولو في حال الغضب ، وعصمتهم في الكبائر ، ورذائل الأخلاق " ثم ذكر الخلاف في مدى ورود الخطأ والنسيان منهم ، وانتهى إلى أن " الشرط بالاتفاق أن لا يقر أحدهم عليه فيما طريقة البلاغ " [47] .

    ويقول إمام الحرمين :" لا شك أن المعجزة تدل على صدق النبي ( صلى الله عليه

    وسلم ) فيما يبلغه عن الله تعالى فتجب عصمته عن الخُلف في مدلول المعجزة ، ولو

    لم يكن كذلك لما كانت المعجزة دالة ، فأما الفواحش والموبقات والأفعال المعدودة من الكبائر فالذي ذهب إليه طبقات الخلق استحالة وقوعها عقلا ً من الأنبياء " ثم ذكر بأن الصغائر التي يتضمن صدورها فسق من صدر عنه وانسلاله عن نعت العدالة فهي أيضاً ممتنعة في حقه ( صلى الله عليه وسلم ) وأما النسيان فلا امتناع في تجويز وقوعه فيما لا يتعلق بالتكاليف [48] .




    البيان بأفعاله صلى الله عليه وسلم :

    فكما يقع بيان شرع الله تعالى بالأقوال فكذلك يقع بيانه بالفعل يقول علاء الدين السمرقندي :" فعل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ينقسم إلى قسمين في الأصل : الأول : ما خرج بياناً لمجمل كتاب الله تعالى ، وحكمه حكم الكتاب من حيث الوجوب والندب ، والحرمة ، والكراهة ، ونحوها ، لأن البيان متى ألحق بالمجمل صار كأنه ورد مفسراً من الأصل . والثاني : ما ليس ببيان للكتاب ، أي يأتي بحكم جديد .

    والبيان بالفعل يقع به جميع أنواع البيان يقول الشيرازي :" ويقع بالفعل جميع أنواع البيان من بيان المجمل ، وتخصيص العموم ، وتأويل الظاهر ، والنسخ " [49] ، فمثال تخصيص العموم بالفعل ، صلاته بعد العصر مع وجود النهي عن الصلاة بعدها ، فيخصص بما عدا الصلاة ذات السبب من قضاء ونحوه ، ومثال تأويل الظاهر أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) نهى عن القود في الطرف قبل اندمال الجرح ، ثم استقاد لواحد قبل برء جرحه ، فيكــون هذا الفعل بياناً لهـذا النهي فيحمله على الكراهة مع أن الظاهر في النهي الحرمة ، ذلك عند بعض الفقهاء ، وجمهورهم على خلافه " [50] ، وضرب الشيرازي مثال النسخ برجمه صلى الله عليه وسلم ماعزاً دون جلده حيث اعتبر هذا الفعل نسخاً لحكم جلد الثيب بقول النبي ( صلى الله عليه وسلم ) " الثيب بالثيب جلد مائة والرجم " [51] . وفي النسخ بالفعل نزاع كبير ، ولذلك ذهب البعض هنا إلى أن الناسخ هو قول النبي( صلى الله عليه وسلم ) في ماعز " اذهبوا فارجموا " حيث سكت عن الجلد في وقت الحاجة ، فيكون منسوخاً [52] . ونرى أن القول بالنسخ هنا فيه نظر .

    فالبيان بالفعل جائز ووارد خلافاً لما ذهب إليه ابن فورك حيث اشترط في البيان بالفعل أن لا يكون هناك قول صالح [53] قال أبو بكر الجصاص :" ما يستدل به حكم فعله عليه السلام : أن يرد فعله مورد بيان جملة تقتضي الإيجاب ، أو الندب أو الإباحة ، فيكون حكم فعله تابعاً لحكم الجملة فإن اقتضت الجملة الإيجاب كان فعله واجباً ، وإن اقتضت الندب كان فعله ندباً ، وكذلك إن اقتضت الإباحة كان فعله ذلك مباحاً [54] .

    فمثال ما يكون الفعل بياناً للواجب : فعله لأعداد ركعات الصلاة المفروضة ، فهو بيان لقوله تعالى : (( أقيموا الصلاة )) [55] . وكذلك فعله لأفعال الحج ، وكذلك قيامـــه ( صلى الله عليه وسلم ) بأخذ حق من رجل لغيره ومن عقوبة رجل على فعل كان منه فهذا بيان للآيات الآمرة بأداء الحقوق ، فهذا على الوجوب أيضاً ، لأن ذلك لا يجوز فعله على وجه الإباحة ، ولا الندب ، لأن الدماء والأموال والأعراض محرمة إلا بحق ، أو عن طريق التراضي في التجارة قال تعالى : (( لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم )) [56] .

    ومثال ما يكون فعله بياناً للندب قيامه بصلاة الليل والتهجد ــ عند من قال [57] بأنها نافلة عليه أيضاً ــ فهو بيان لقوله تعالى : (( ومن الليل فتهجد به نافلة لك )) [58] وكذلك قيامه بصدقة التطوع ، أو صلاة التطوع ونحوهما بياناً لقوله تعالى : (( وافعلوا الخير )) [59]

    ونحوه .

    ومثـال ما يكون فعله بياناً للمباح أكله وشربه فهو بيان لقوله تعالى : (( وكلوا واشربوا )) [60] .

    ومن الجدير بالتنبيه عليه أن فعله قد يكون بياناً للقرآن مثل ما ذكرنا ، وقد يكون بياناً للسنة القولية مثل قوله ( صلى الله عليه وسلم ) " صلوا كما رأيتموني أصلي " [61] ثم بينه الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) بأفعاله هيئة الصلاة وكيفيتها .

    وأما كــون فعله بيانـــاً لمحرم فكإقامة النبي الحد ، أو العقــوبة على شخـص ارتكب منكراً حيث يدل على أن فعلـه محرم ولذلك عاقـبه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ففعـل النبي ( صلى الله عليه وســلم ) لا يمكن أن يكـــــون محــرماً ، للعصمة ــ لكنه يمكـن أن يكـــون بيانــاً ودليــلا ً على تحــريم فعــل آخــر قــال ابـن السمعــاني :" يحصل بالفعــل جميـع أنـــواع البيـــان " ثم ذكـــر مثــالا ً لفعــله الــدال على أن قولــه الســابق للكــراهة ، ولــيس للتحــريم فقـــال :" كنهيــــه عن القــود في الطــرف قبـــل الاندمــال ، ثــم روى أنــه أقـــاد قــبل الاندمــال ، فيعــــلم أنــه أراد بالنهي الكراهة " [62] .

    وأما بيانه للإباحة فبفعله أحياناً ، وتركه أحياناً أخرى ــ وهذا بلا شك في الأمور العادية وليست الشعائرية ـــ مثل انصرافه عن شماله ، مع أنه بيّن بأن الحق على المسلم ألا ينصرف إلا عن يمينه [63] .




    تعقيب :

    ذكر الأصوليون القاعدة السابقة القاضية بأن ما خرج بياناً لمجمل كتاب الله فحكمه حكم الكتاب من حيث الوجوب ... [64] فالذي يلاحظ عليها أنها ليست على إطلاقها ، فالأمر في " أقيموا الصلاة " للوجوب بالإجماع ، ولكن جميع أفعاله ( صلى الله عليه وسلم ) التي بينت الصلاة من التكبير إلى السلام بما فيها دعاء الاستفتاح ونحوه فليس جميعها واجباً ، بل فيها الواجب والمندوب ؟ للجواب عن ذلك نقول : إن الذي يظهر لنا رجحانه هو أن القاعدة على عمومها وإطلاقها ، ولكن الذي عرف منها أنه مندوب فهو بدليل خاص دل عليه .

    ثم إن هيئة الفعل تدخل في مطلق البيان المقصود ، وأما الزمان والمكان ففي دخولهما في البيان محل خلاف ، فقال بعضهم إنما يدخلان حيث يتعلق بهما ، كما في الوقوف بعرفة ، والصلوات في أوقاتها ، وقال بعض آخر إن تكرر فعله في زمان واحد ، أو مكان واحد فيدل على اعتباره ، وإلا فلا ، وذهب الحنفية إلى أنهما لا يدخلان فيه مطلقاً ، فالبيان يحصل بفعله فقط دون ملاحظة الزمان والمكان ، إلا أن يكون هناك أمر مجمل في حق الزمان محتاجاً إلى البيان ، أو في حق المكان [65] كما في باب الصلاة فإنها مفروضة موقوتة لقوله تعالى : (( إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً )) [66] . ومن هنا فعله ( صلى الله عليه وسلم ) في أوقاتها يدخل فيه اعتبار الوقت ، ويكون بمجموعه ــ بما فيه الزمان ــ بياناً لذلك الإجمال ، وأما فعله في باب الحج فبيان لقوله تعالى : (( ولله على الناس حج البيت )) [67] وذلك حاصل بالفعل لا بالوقت ، لأنه ليس فيه أمر مجمل لاختصاص عقد الإحرام بالحج ببعض الأوقات دون البعض ، وما كان ذلك إلا نظير مباشرة الطهارة بالماء في الوقت ، فإن ذلك كان بياناً منه لأصل الطهارة المأمور بها في الكتاب ، ولم يكن بياناً في التخصيص في الوقت حتى تجوز الطهارة بالماء قبل دخول الوقت بلا خلاف ، قال السرخسي :" وعلى هذا قلنا : إحرام النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بالحج في أشهر الحج لا يكون بياناً في أن الإحرام تختص صحته بالوجود في أشهر الحج حتى يجوز الإحرام بالحج قبل أشهر الحج ، وكذلك فعله ركعتي الطواف في مقام إبراهيم لا يكون بياناً أن ركعتي الطواف تختص بالأداء في ذلك المكان " [68] .




    هل الأصل في فعله بيان أم ابتداء ؟

    اختلف في ذلك الأصوليون ، فذهب جماعة منهم الحنفية إلى أن فعل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) متى ورد موافقاً لما هو في القرآن يكون بياناً له ، وذهب آخرون إلى أنه يجعل بيان حكم مبتدأ حتى يقوم الدليل على خلافه ، وترتب على ذلك عدة آثار منها : بيان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) للتيمم في حق الجنب هل هو بيان لما في القرآن ؟ وبه يتبين أن المراد من قوله تعالى : (( أو لامستم النساء )) [69] الجماع دون المس باليد ، أما الشافعية فحملوه على حكم مبتدأ ، فعلى هذا يبقى معنى الآية في المس باليد فقط [70] .

    اعلى الصفحة


    هل البيان بالفعل أقوى من القول ؟

    لقد أثار الأصوليون هذه المسألة واختلفوا فيها على ثلاثة آراء :

    الرأي الأول : أن الفعل أدل في البيان من القول ، وذلك لأنه يتبين بالفعل من البيان والتفصيلات ما يصعب بيانه بالقول ، ولا سيما تلك الهيئات التي لم يوضع لها مصطلح خاص ، كما أن القول يدخله احتمال المجاز والنقل ، دون الفعل ، إضافة إلى أن الفعل أوقع في النفس من القول ، ويدل على ذلك ما رواه البخاري في صحيحه أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال لأصحابه بعد توقيع الصلح بينه وبين قريش بالحديبية وهم محرمون :" قوموا فانحروا ، ثم احلقوا " قال ــ أي الراوي ــ فوالله ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات ، فلما لم يقم منهم أحد دخل على أم سلمة فذكر لها ما لقي من الناس ، فقالت أم سلمة : يا نبي الله أتحب ذلك ؟ أخرج ، ثم لا تكلمْ أحداً منهم كلمة تنحر بُدْنك ، وتدعو حالقك فيحلقك ، فخرج فلم يكلم أحداً منهم حتى فعل ذلك ، نحر بدنه ، ودعا حالقه فحلقه ، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا ، وجعل بعضهم يحلق بعضاً ، حتى كاد بعضهم يقتل بعضهم غماً " [71] . فهذا الحديث يدل على أن الفعل كان أقوى بياناً ، وأبلغ تأثيراً ، وقد تكرر مثل ذلك في غزوة الفتح حيث أمرهم بالفطر في رمضان فلما استمروا على الامتناع تناول القدح فشرب ، فلما رأوه شرب شربوا " [72] .

    ويؤكد أهمية الفعل أيضاً أن الله تعالى أرسل جبريل ليبين أوقات الصلاة بالفعل لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حيث أمَّه مرتين ، مرة في أول الوقت ، ومرة في آخره [73] .




    الرأي الثاني : أن القول أبلغ وأقوى من الفعل ، لأن القول يمكن التعبير به عن كل ما في النفس بأساليب مختلفة ودلالات كثيرة ، فمثلا ً لا يفهم الوجوب عن الفعل دون قرينة ، ولم توضع نوعية من الأفعال للدلالة على الوجوب ، أو التحريم على عكس الأقوال ، حيث يدل مطلق الأمر ــ عند الراجح ــ على الوجوب ، والنهي على التحريم مثلا ً ، وكذلك الفعل لا يكون بياناً للمجمل بمجرده بل مع وجود القرائن من قول أو نحوه ، ناهيك عن أن الفعل لا يمكن التعبير به إلا للدلالة على المحسوس خاصة ، وأما القول فيمكن التعبير به للدلالة على الموجود والمعدوم ، والمعقول والمحسوس ، كما أن الفعل لا يمكن التعبير عن العموم على عكس القول ، كما أنه يصاحب الفعل عدة احتمالات لا يمكن إزالتها إلا بتكرار الفعل ، أو عن طريق القول فمثلا ً نحر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في مكان متعين ، ووقف بمكان معين بعرفة ، ومزدلفة ، فحتى لا يظن بأن هذا المكان متعين قال :" نحرت ههنا ومنى كلها منحر " ، ووقف بعرفة فقال :" قد وقفت ههنا وعرفة كلها موقف " ووقف بالمزدلفة وقال :" قد وقفت ههنا ومزدلفة كلها موقف " [74] .




    الرأي الثالث : التفصيل وهو ما ارتآه الشاطبي حيث قال :" وإذا ثبت هذا لم يصح إطلاق القــول بالترجيــح بين البيانين ، فلا يقال : أيهما أبلغ في البيان ؟ القول أم الفعل ؟ إذ لا يصدقان على محل واحد إلا في الفعل البسيط المعتاد مثله إن اتفق ، فيقوم أحدهما مقام الآخر ، وهنالك يقال : أيهما أبلغ ؟ أو أيهما أولى ؟ كمسألة الغسل من التقاء الختانين ، فإنه بين من جهة الفعل ، ومن جهة القول عند من جعل هذه المسألة من ذلك ، والذي وضع إنما هو فعله ، ثم غسله ، فهو الذي يقوم كل واحد من القول والفعل مقام صاحبه ، أما حكم الغسل من وجوب ، أو ندب وتأسي الأمة به فيه فيختص بالقول " [75] ، ثن أوضح الشاطبي وجهة نظره وبين بأن الفعل قد يكون أبلغ من القول في بعض الأحوال ، كما أن القول يكون أبلغ منه في بعضها الآخر ، فقال :" فإن حصل البيان بأحدهما فهو بيان أيضاً ، إلا أن كل واحد منهما على انفراده قاصر عن غاية البيان من وجه ، بالغ أقصى الغاية من وجه آخر ، فالفعل بالغ من جهة بيان الكيفيات المعينة المخصوصة التي لا يبلغها البيان القولي، ولذلك بيّن عليه الصلاة والسلام الصلاة بفعله لأمته ، كما فعل به جبريل حين صلى به ، وكما بين الحج كذلك والطهارة كذلك ، وإن جاء فيها بيان بالقول ، فإنه إذا عرض نص الطهارة في القرآن على عين ما تلقى بالفعل من الرسول عليه الصلاة والسلام كان المدرك بالحس من الفعل فوق المدرك بالعقل من النص لا محالة " .

    ثم بين بأن القول إذا كانت له هذه المزية فإنه يقصر عن القول من جهة أخرى فمثلا ً أن القول بيان للعموم والخصوص في الأحوال والأزمان والأشخاص ، أما الفعل فإنه مقصور على فاعله ، وعلى زمانه ، وعلى حالته ، وليس له تعدٍّ عن محله البتة ، فلو تركنا والفعل الذي فعله النبي ( صلى الله عليه وسلم ) مثلا ً لم يحصل لنا منه غير العلم بأنه فعل في هذا الوقت المعين ، وعلى هذه الحالة المعينة ، فيبقى علينا النظر : هل ينسحب طلب هذا الفعل منه في كل حالة أو في هذه الحالة المعينة ، أو يختص بهذا الزمان أو هو عام في جميع الأزمنة ، أو يختص به وحده ، أو يكون حكم أمته حكمه ، ثم بعد النظر في كل هذا نحتاج إلى نظر آخر في حكم هذا الفعل الذي فعله : من أي نوع هو من الأحكام الشرعية ؟ وجميع ذلك وغيره لا يتبين من نفس الفعل ، فهو من هذا الوجه قاصر عن غاية البيان ، فلم يصح إقامة الفعل مقام القول من كل وجه ، وهذا بيِّن بأدنى تأمل " [76] .

    وهذا الذي قاله الإمام الشاطبي هو الذي يظهر لنا رجحانه ، ولا سيما أن أدلة الرأيين الأوليين لا تدل على الدعوى بإطلاقها ، وإنما تدل على أولوية أحدهما على الآخر في بعض الحالات ، بالإضافة إلى أن رأيه يؤدي إلى الجمع بين الأدلة وهو أولى من إلغاء أحدهما ، فمثلا ً أن الأدلة التي ذكرها الفريق الأول ولا سيما الأحاديث الخاصة بأن الصحابة قبلوا الفعل واستجابوا له دون القول في الحالتين المذكورتين لا تدل على أن الفعل أقوى في البيان من القول ، وذلك لعدة أسباب أولها أن هذين المثالين ــ أي في الحديبية وفي الفتح ــ ليسا في محل الدعوى ، إذ أن فيهما البيان بالقول والفعل وليس بالفعل المجرد ، لأن الرسول( صلى الله عليه وسلم ) أمرهم بالتحلل ، والإفطار ، ثم طبق ذلك بالفعل ، كما أنه لا يبعد أن الصحـــابة فهموا أن يكون النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أمرهم بالتحلل أخذاً بالرخصة في حقهم ، لكنه هو يستمر على الإحرام أخذاً بالعزيمة في حق نفسه ، ولذلك أشارت عليه أم سلمة أن يتحلل أمام أعينهم لينفي عنهم هذا الاحتمال ، فلما رأى الصحابة ذلك بادروا إلى فعل ما أمرهم به إذ لم يبق بعد ذلك غاية تنتظر ، أو أنهم ألهتهم صورة الحال فاستغرقوا في الفكر ، لما لحقهم من الذل ــ في نظرهم ــ حيث منعوا عن أداء عمرتهم وقبلوا بشروط تعسفية في حقهم من قبل قريش " [77] .

    إذن فقمة البيان حينما يجتمع القول والفعل ، وأما القول المجرد ، أو الفعل المجرد فلكل واحد منهما أماكنه التي يبلغ فيها الغاية ، يقول القرافي :" إذا حصل البيان بالقول والفعل المطابق للقول فهو الغاية في البيان " [78] .




    أنواع فعله ودلالة كل نوع :

    إن الأفعال الصادرة من الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ليست على سنن واحد فمنها ما هو جبلي ، ومنها ما هو غير ذلك ، ومن هنا قسم الأصوليون أفعاله إلى عدة أقسام أوصلها الزركشي إلى ثمانية ، وتبعه الشوكاني لكنه ذكر سبعة أقسام [79] نذكرها مع مدى دلالتها على الأحكام وهي :

    القسم الأول : ما كان من هواجس النفس ، وظواهر النفس والجسد ، مثل شعوره بالألم من جرح يصيبه ، وتذوقه ، وما يدور في نفسه من حب وكراهة لأشياء ، أي مما هو من الحب والكره الجبليين وليسا الشرعيين ــ ككراهيته لأكل لحم الضب ، وكذلك مثل استنـارة وجهـه إذا سرَّ ، ويمكن أن يستأنس في هذا المجــال بقــول النبي( صلى الله عليه وسلم ) :" اللهم هذا قسمي فيما أملك ، فلا تلمني فيما أملك ولا أملك " [80] فهذا القسم لا يتعلق به التأسي ، ولكنه يفيد أن مثل ذلك مباح .




    القسم الثاني : الأفعال الاختيارية الجبلية التي لا يخلو ذو الروح عن جميعها ، ولا يظهر فيها قصد القربة والعبادة ، كالحركة والسكون ، والقيام والقعود ، ومطلق الأكل والشرب ، وما ضاهاها فليس فيه تأس ، ولا به اقتداء ، لكنه يدل على الإباحة عند الجمهور ، ونقل القاضي أبو بكر الباقلاني عن قوم أنه مندوب [81] ، ونقله الغزالي عن بعض المحدثين [82] ، وقد كان ابن عمر رضي الله عنهما يتتبع مثل هذا ويقتدي به كما هو معروف عنه ومنقول في كتب السنة المطهرة ، فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عبيد بن جريج أنه قال لعبد الله بن عمر : يا أبا عبد الرحمن ، رأيتك تصنع أربعاً لم أر أحداً من أصحابك يصنعها ، قال : وما هي يا ابن جريج ؟ قال : رأيتك لا تمس من الأركان إلا اليمانيين ، ورأيتك تلبس النعال السِّبتية ، ورأيتك تصبغُ بالصُّفرة ، ورأيتك إذا كنت بمكة أهلَّ الناس إذا رأوا الهلال ، ولم تهل أنت حتى كان يوم التروية ، قال عبد الله : أما الأركان فإني لم أر رسول الله يمسُّ إلا اليمانيين ، وأما النعال السبتية ، فإني رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يلبس النعال التي ليس فيها شعر ويتوضأ فيها ، فأنا أحب أن ألبسها ، وأما الصفرة فإني رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يصبغ بها ، فأنا أحب أن أصبغ بها ، وأما الإهلال فإني لم أر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يهل حتى تنبعث به راحلته [83] .

    ويدخل في هذا القسم الفعل العادي للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) وهو ما فعله جرياً على عادة قومه في الملبس والمأكل والمشرب وبعض العادات الاجتماعية ، وذلك مثل لبس كساء مصنوع من صوف ، أو نحوه ، والمخطط ، والجبة ، والعمامة ، والقباء ، أو استعمال القرب الجلدية في تخزين الماء وتبريده ، واستعمال أنواع متوفرة من الطيب ، وكذلك الإتيان بالعروس إلى بيته ، لا في بيت أبيها [84] ، فهذه الأمور كلها من الأمور العادية التي جرى فيها الرسول على عادة قومه ما دامت لا تخالف منهج الإسلام ، وليست من باب التأسي إلا إذا دل دليل خاص على كونها مطلوبة شرعاً ، ولكنها مع ذلك لو نوى أحد بها التأسي والاقتداء لأثيب على ذلك كما أنه لو تركه إعراضاً عما فعله النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ونوى ذلك فإنه يكون آثماً بنية الإعراض المتعمد [85] .

    والذي يظهر لنا أن هذين القسمين يندرجان في قسم واحد وهو ما صدر منه عن الجبلة والطبيعة المعتادة ، فهو باعتباره ( صلى الله عليه وسلم ) بشراً له مثل ما لهم من الحاجات البشرية البدنية والنفسية ، ويصدر منه أفعال بمقتضى بشريته وليس بمقتضى رسوليته ، فمثل هذه الأفعال من الحركات العادية من قيام وقعود وحركة الأعضاء ، ومطلق الأكل والشرب إذا كانت مجردة عن أية قرينة فهي تفيد الإباحة فقط ، أما إذا صاحبته قرائن خاصة كالأكل باليمين مثلا ً والتكرار منه ، أو أمره بذلك فيفيد الحكم الذي تقتضيه القرينة اللفظية أو الحالية كما سيأتي في القسم التالي .




    القسم الثالث : وهو ما إذا اقترن بالفعل الجبلي شيء جعله يحتمل أن يخرج من الجبلة إلى التشريع ، وذلك بمواظبته عليه وعلى وجه معروف ، ووجه مخصوص كالأكل بيمينه والشرب ثلاثاً واللبس من اليمين والنوم على جنبه الأيمن وفي هذا القسم قولان للشافعي والراجح أنه للندب ، قال الزركشي :" والظاهر أنه شرعي لكونه منصوباً لبيان الشرعيات ، وقد جاء عن الشافعي أنه قال : لبعض أصحابه اسقني قائماً فإن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) شرب قائماً [86] ، وقد صرح الأستاذ أبو إسحاق بحكاية الخلاف ... فيه وجهان للأصحاب أحدهما القول بدلالته على التشريع والثاني القول بالوقف ، وعلل الوقف بأن الفعل لا يدل على جواز الإيقاع ، والمصالح مختلفة باختلاف أحوال المكلفين ، قال إلكيا : وفي هذا نظر للأصوليين متجه ، إلا أن الذي عليه الأكثرون أنه مباح [87] .

    وقد ذكر إمام الحرمين في هذا القسم الذي ليس للبيان ولكنه يظهر فيه قصد الرســول ( صلى الله عليه وسلم ) قربة الآراء التي ذكرها الزركشي للفعل المجرد ، ما عدا الإباحة حيث ذكر أن المعتزلة وابن سريج وابن أبي هريرة ذهبوا إلى أنه محمول على الوجوب ، وأن آخرين ذهبوا إلى أنه محمول على الاستحباب ، والواقفية إلى الوقف [88] ، وسنذكرها عند كلامنا عن الفعل المجرد بالتفصيل ، ولكن الذي يظهر رجحانه هو أنه للاستحباب إلا إذا دل دليل خاص على إيجابه ، أو إباحته ــ كما سيأتي ــ .




    وقد استنبط الفقهاء من هذا النوع من أفعاله ثلاثة أنواع من الأحكام الشرعية التكليفية وهي :
    1.
    الإيجاب مثل ما أخذ الشافعي من مواظبة النبي على الجلوس بين الخطبتين ، لأنه ( صلى الله عليه وسلم ) كان يجلس بين الخطبتين [89] .

    2.
    الندب كاستحباب الشافعية الاضطجاع على الجانب الأيمن بين ركعتي الفجر ، وصلاة الصبح سواء كان المرء تهجد أم لا لقول عائشة رضي الله عنها " كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إذا سكت المؤذن بالأولى من صلاة الفجر قام فركع ركعتين خفيفتين قبل صلاة الفجر بعد أن يستبين الفجر ، ثم اضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن للإقامة " [90] .

    3.
    الإباحة عند بعض الفقهاء ، قال الزركشي : ثالثها : ما يجيء فيه خلاف كدخوله مكة من ثنية كداء وخروجه من كدا ، وحجه راكباً ، وذهابه إلى العيد في طريق ورجوعه في أخرى [91] ، وقد اختلف أصحابنا في هذا هل يحمل على الجبلي فلا يستحب ، أو على الشرعي فيستحب ؟ على وجهين ، وقال أبو إسحاق المروزي إذا فعل النبي( صلى الله عليه وسلم ) فعلا ً لمعنى ، ولم يكن مختصاً به فعلناه ، ومن طريق أولى إذا عرفنا أنه فعله لمعنى يشاركه فيه غيره ، وقال أبو علي بن أبي هريرة : نفعله اتباعاً له سواء عرفنا أنه لمعنى يختص به أم لا ، وقال الرافعي : " الذي مال إليه الأكثرون هو استحبابه " [92] .





    وقد أثار الفقهاء الكلام حول دلالة الأفعال التي كانت في البداية مأمورة لكن العلة التي وراءها زالت ، أو لم يعلم السبب ، فالأول مثل ما أثير حول قضية الرَّمَل ــ أي سرعة المشي ــ في الأشواط الثلاثة الأولى حيث ذهب بعض الفقهاء إلى أن الرمل لم يعد سنة ، لأن العلة هي إظهار قوة المسلمين أمام المشركين في عمرة القضاء ، وقد زالت هذه العلة حيث لم يبق مشركون في مكة ، ودخلوا جميعاً في الإسلام ، ولذلك ذهب ابن عباس إلى هذا الرأي وقال : ليس هو بسنة ، من شاء رمل ، ومن شاء لم يرمل [93] ، كما أثار هذه القضية أمير المؤمنين عمر فقال :" ما لنا وللرمل ؟ إنما كنا راءينا به المشركين ، وقد أهلكهم الله " لكن عمر مع ذلك لم يحب أن يترك شيئاً فعله الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) [94] .

    وذهب آخرون إلى أنه يظل سنة ، يقول الزركشي موضحاً وجهة نظر الفريقين :" قال أبو إسحاق إذا عقلنا معنى ما فعله ، وكان باقياً ، أو لم نعقل معناه فإنا نقتدي به فيه ، فأما إذا عقلنا معنى ما فعله ، ولم يكن الغرض به باقياً لم نفعله لزوال معناه ، وقال ابن أبي هريرة : نقتدي به وإن زال معناه ، لقوله تعالى : (( فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون )) [95] ، لأنه كان يفعل الرمل [96] ، والاضطجاع [97] لإظهــار القوة من المسلمين ، ثم صار سنة وإن زال معناه [98] .

    والذي يظهر رجحانه هو بقاؤه سنة ، لأن بقاء العلة ، أو عدمها إنما يؤثرا في الفرغ وعند القياس ، أما في الأصل نفسه فلا ينبغي أن يؤثر ، ولذلك قال عمر قولته المشهورة للركن :" أما والله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ، ولولا أني رأيت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) استلمك ما استلمتك .. ثم قال : ما لنا وللرمل ؟ إنما كنا راءينا به المشركين ، وقد أهلكهم الله ، ثم قال : شيء صنعه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فلا نحب أن نتركه " [99] . قال الحافظ ابن حجر : ومحصله أن عمر كان همَّ بترك الرمل في الطواف ، لأنه عرف سببه وقد انقضى ، فهمَّ أن يتركه لفقد سببه ، ثم رجع عن ذلك ، لاحتمال أن تكون له حكمة ما اطلع عليها فرأى أن الاتباع أولى من طريق المعنى [100] .

    وأما إذا لم يعلم له سبب قال النووي : يستحب التأسي قطعاً [101] .




    القسم الرابع : ما علم اختصاصه به صلى الله عليه وسلم كالوصال ، والزيادة على أربع فهذا لا يشاركه فيه غيره عند جماهير العلماء غير أن إمام الحرمين قد توقف في أنه هل يمتنع التأسي به ، وقال :" فليس عندنا نقل لفظي ، ولا معنوي في أنهم ــ أي الصحابة ــ كانوا يقتدون به في هذا النوع ، ولم يتحقق عندنا نقيض ذلك ، فهذا محل الوقف [102] وقد تابعه في ذلك ابن القشيري ، والمازري [103] .

    وذهب بعض الفقهاء إلى نوع من التفصيل حسب نوعية خصائص النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وذلك لأنها إما أن تكون واجبات ، أو محرمات ، أو مباحات ، فالأولى مثل صلاة الضحى ، والوتر ، وسنة الفجر ، لقوله ( صلى الله عليه وسلم ) " ثلاث هن عليَّّّ فرائض ولكم تطوع : الفجر ، والوتر ، وركعتا الضحى " [104] ، وأما المحرمات عليه فكالزكاة ، والصدقة [105] ، وأما المباحات فكالوصال [106] ، والزيادة على أربع [107] ، فقالوا : ما هو من الخصائص المباحة لا يجوز لأحد التشبه به فيه كالزيادة على أربع نساء ، وأما ما هو واجب عليه فيستحب التأسي به ، وأما ما هو محرم عليه فيستحب التنزه عنه ، قال الشيخ الحافظ أبو شامة :" وهذا تفصيل حسن لمن فهم الفقه وقواعده " [108] ، وذكر الزركشي أن الماوردي ، والروياني قسما هذا النوع إلى ما أبيح له وحظر علينا كالمناكح ، وإلى ما أبيح له وكره منا كالوصال ، وإلى ما وجب عليه ، وندب منا كالسواك والوتر والضحى " [109] .

    ومن الجدير بالتنبيه عليه أن خصائص الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) الثابتة ليست كثيرة ، ولا تشكل قاعدة عامة ، وإنما القاعدة العامة هي أن الأصل في أقواله ، وأفعاله العموم والتأسي ، لأن وظيفته الدعوى والتبليغ ، ولذلك لا تثبت الخصوصية إلا بدليل خاص ، هذا من جانب ، ومن جانب آخر أن هذه الخصائص تعود إلى طبيعة الرسالة ، ومنزلة الرسول عند الله تعالى ، والحاجة إلى المزيد من التبليغ ، ولذلك ــ كما قال الحافظ العلائي ــ لم يختص في باب القربات والتعظيم بالترخص في شيء ، فما كان واجباً على أمته كان واجباً عليه [110] .

    ثم إن الخصائص ليست بمثابة امتيازات ، وإنما هي في عمومها مزيد من التكاليف التي تشق على أمته فرخص لها في حين تحملها الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) لقربه من الله تعالى ، ومنزلته العظيمة عنده ، فمثلا ً كان قيام الليل إلا قليلا ً منه واجباً عليه فقال تعالى : (( يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا ً نصفه أو أنقص منه قليلا ً أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا ً )) [111] ولم يكن واجباً على أمته ، بل هو سنة ، وكذلك الوصال ــ وهو صوم يومين متواصلين فصاعداً من غير أكل وشرب بينهما ــ حيث كان من خصائصه هذا النوع من الصوم الشاق ، لكنه نهى أمته عنه ، فقد روى البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن عمر : أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) نهى عن الوصال . قالوا : إنك تواصل . قال : " إني لست كهيئتكم " وفي رواية " إنكم لستم في ذلك مثلي . إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني فاكلفوا من الأعمال ما تطيقون " [112] ، وكذلك ما حرم عليه من زكاة وصدقة مع أنهما مباحان للأمة ، فهذا أيضاً زيادة تكليف يقتضيه مقام النبوة وكونه الأسوة ، وزهده عن الصدقات ، بل بلغ هذا التحريم إلى آله فحرمها عليهم ، حتى يكونوا جميعاً أسوة ، وينأوا عن الشبهة ، مع حاجتهم الماسة ، وفقرهم ، فقــد قــال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) :" إنا لا تحــل لنا الصدقة " [113] وفي رواية لمسلم :" إني لأنقلب إلى أهلي فأجد التمرة على فراشي ، ثم أرفعها لأكلها ، ثم أخشى أن تكون صدقة فألقيها " [114] وهكذا .

    ويلحق بهذا القسم ــ عند الكثيرين ــ أفعاله الخارقة ( أي معجزاته الفعلية ) حيث هي خاصة به فلا تأسي فيها ، مثل وضع يده في قدح ونبع الماء من بين أصابعه ، فقد روى البخاري ومسلم وغيرهما عن أنس قال :" رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وحانت صلاة العصر ، فالتمس الناس الوضوء ، فلم يجدوه ، فأتى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بوَضوء ــ أي المـــاء الذي يتوضأ به ــ فوضع رســـول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في ذلك الإناء يده ، وأمر الناس أن يتوضئوا منه ، قال : فرأيت الماء ينبع من تحت أصابعه ، فتوضأ الناس " وفي رواية صحيحة أخرى :" قال أنس : فحزرت من توضأ ما بين السبعين إلى الثمانين " [115] .

    وقد عقد كثير من أصحاب كتب الحديث باباً خاصاً بهذه المعجزات ، فعقد مسلم باباً لمعجزات النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ذكر فيها المعجزة السابقة ، وغيرها ، منها ما رواه عن معاذ بن جبل ، وفيه أن رسول الله( صلى الله عليه وسلم ) غسل يديه ووجهه في عين تبوك ــ وكان ماؤها قليلا ً ــ ثم أعاده فيها ، فجرت العين بماء منهمر حتى استقى الناس ، ثم قال :" يوشك يا معاذ ! إن طالت بك حياة أن ترى ما ههنا قد ملئ جناناً " [116] .

    ومن الجدير بالتنبيه عليه أن المعجزة نفسها ليست فعل الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) وإنما يأخذ النبي بأسبابها ، ثم يخلق الله تعالى على يديه الفعل الخارق ، فهو بالنسبة له اضطراري لا يقدر عليه إلا الله تعالى ، يقول الشاطبي :" إن الخوارق لا قدرة للإنسان على كسبها ، ولا على دفعها ، إذ هي مواهب من الله يختص بها من يشاء من عباده ، فإذا وردت على صاحبها فلا حكم فيها للشرع " [117] ، ولكن الذي يثار حوله الخلاف هو : هل يجوز التأسي برسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في الأخذ بمثل هذه الأسباب بقصد حدوث فعل خارق على يديه ؟ فذهب جماعة من العلماء إلى أن كرامة الولي لا تقع بقصد منه ، بل تقع له دون قصد ، في حين ذهب بعضهم منهم القشيري ، والشاطبي إلى جواز ذلك ولكن بشرط أن يطلبها لغرض شرعي لا لحظ نفسه [118] ، ومهما يكن من أمر فإن المعجزة ، أو الكرامة لا تعود إلى اختيار الإنسان ، وإنما إلى الله تعالى وحده .




    القسم الخامس : ما فعله النبي ( صلى الله عليه وسلم ) مطلقاً مبهماً غير معين انتظاراً للوحي كابتداء إحرامه بالحج مطلقاً [119] دون تعيين نوعه من إفراد ، أو قران ، أو تمتع ، قال الحافظ ابن حجر :" وقد بسط الشافعي القول فيه في : " اختلاف الحديث " وغيره ، ورجح أنه ( صلى الله عليه وسلم ) أحرم إحراماً مطلقاً ينتظر ما يؤمر به فنزل عليه الحكم بذلك ــ أي الإفراد ــ وهو على الصفاء " [120] .

    وبناء ً على ثبوت ذلك ذهب بعض الفقهاء إلى أن إطلاق الإحرام أفضل من تعيينه ، تأسياً ، قال الزركشي :" والصحيح خلافه ، قال الإمام في النهاية : وهذا عندي هفوة ظاهرة ، فإن إبهام رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) محمول على انتظار الوحي قطعاً فلا مساغ للاقتداء به في هذه الجهة " [121] .

    وكل ذلك مبني على أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قد أطلق الإحرام ولم يعينه ، ولكن الثابت في أحاديث صحيحة أنه ( صلى الله عليه وسلم ) كان قد عيَّن نوعية حجه ، غير أنها اختلف في تحديد أي نوع منه ، فبعض الروايات الصحيحة تدل على أنه كان مفرداً ، وبعضها على أنه كان قارناً ، وبعضها على أنه أحرم متمتعاً ، فاحتاج الفقهاء أمام هذه الروايات إلى الجمع ، أو الترجيح ، وذلك لأن القصة واحدة ، فذهب بعضهم إلى ترجيح روايات الإفراد ، وبعضهم لروايات القران ، وبعضهم الثالث لروايات التمتع ، وأما الذين جمعوا بينها فقالوا : إن من روى التمتع فمعناه أنه( صلى الله عليه وسلم ) أمر به ، وأما من روى القران فهو إخبار عن آخر أحواله أي أحرم بالحج أولا ً ثم أدخل عليه العمرة فصار قارناً ، وكذلك الذي روى التمتع يقصد به أنه أمر به ، وذلك لأن الراوي لما سمع أن الرسول( صلى الله عليه وسلم ) أمر بالتمتع ، أو القران ، أو الإفراد ظن أنه نفسه أيضاً متمتع ، أو مفرد ، أو قارن ، وقد رجح كثير من محققي الفقه والحديث ــ كالنووي ، وعياض وابن حجر ــ أن النبي( صلى الله عليه وسلم ) قد أحرم بالحج ــ أي الإفراد ــ ثم أدخل عليه العمرة فصار قارناً [122] .




    القسم السادس : ما يفعله مع غيره عقوبة له ، قال الزركشي :" قال ابن قطان : اختلفوا : هل غيره ممن يشاركه في العين قياساً عليه أم على الظاهر ، وقال الأستاذ أبو إسحاق : ما يفعله مع غيره إن تعلق به أحد طرفيه كالبيوع والأنكحة فظاهر المذهب ــ وعليه جمهور الفقهاء ــ أنه محمول على الجواز في غير مستدل على إباحته " [123] وقد ذكر الشوكاني في هذه المسألة ثلاثة أقوال وهي القول بجواز الاقتداء به في إجراء العقوبة نفسها على شخص ارتكب مثل جريمته ، والقول بعدم جواز ذلك ، والثالث هو القول بأنه موقوف على معرفة السبب " [124] .

    والراجح أن مثل هذه الحالات تعتبر من وقائع الحال ، ولذلك لا ينسحب حكمها على آخر إلا إذا توفرت في فعله جميع أسبابه ، وظروفه وملابساته التي أحاطت بالقضية فقد يكون الفعل واحداً مثل القتل ، مع أنه يختلف باختلاف أسبابه ، فإن كان عمداً يختلف عن كونه خطأ ، أو شبه عمد ، وكذلك يختلف حكمه إذا كان دفاعاً عن النفس أو المال ، أو العرض ، وهكذا ، وكذلك الزنا وغيره من الجنايات ونحوها ، بالإضافة إلى أن بعض العقوبات ــ كالحدود ــ تسقط بالشبهات . قال الشوكاني :" قيل : هو بالإجماع موقوف على معرفة السبب ، وهذا هو الحق ، فإن وضح لنا السبب الذي فعله لأجله كان لنا أن نفعل مثل فعله عند وجود مثل ذلك السبب ، وإن لم يظهر السبب لم يجز " [125] .

    وهذا الذي ذكرناه إذا لم يكن عقابه له ناتجاً عن دعوى بين متداعيين يقدم كل واحد منهما ما عنده ثم يحكم على أحدهما بالعقاب ، وأما هذا فالحكم فيه أنه جار مجرى القضاء ، فيتعين علينا القضاء بما قضى به مع ملاحظة أسبابه والظروف التي أحاطت به ، كما أن إصدار مثل هذا الحكم بالعقاب يكون من أعمال القاضي أو من ينوب عنه " [126] .

    اعلى الصفحة


    القسم السابع : ما يفعله مع غيره إعطاء ً ، قال الزركشي :" وقد حكى الرافعي وجهين في أن الرضخ للعبيد والنساء والصبيان مستحب ، أو واجب ، قال : والمشهور وجوبه " [127] ، واستدل بأن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لم يترك قط الرضخ ــ أي العطاء من الغنيمة للنساء والعبيد " [128] .

    وإذا دققنا النظر في هذا القسم لوجدناه يدخل في الفعل المجرد الذي نذكره في القسم الآتي ، ولذلك نرى الشوكاني حذف هذا القسم مع أنه قد تبع ــ يكاد يكون حرفياً ــ الزركشي في ذكر هذه الأقسام [129] .




    القسم الثامن : الفعل المجرد عما سبق .

    وهذا القسم يتفرع منه ثلاثة أنواع وهي : الفعل البياني ، والفعل التنفيذي ( الامتثال ) والفعل المبتدأ . يقول الغزالي :" إذا نقل إلينا فعله فما الذي يجب على المجتهد أن يبحث عنه ، وما الذي يستحب ؟ قلنا : لا يجب إلا أمر واحد ، وهو البحث عنه . هل ورد بياناً لخطاب عام ، أو تنفيذاً لحكم لازم عام فيجب علينا اتباعه ، أو ليس كذلك فيكون قاصراً عليه " [130] .

    النوع الأول : الفعل البياني : وهو ما يفعله الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) بياناً لخطاب ــ من كتاب ، أو سنة قولية ــ يحتاج إلى تفصيل وتوضيح ، أو كما قال الغزالي : بيان ما يتطرق إليه احتمال كالمجمل والمجاز ، والمنقول عن وضعه ، والمنقول بتصرف الشرع ، والعام المحتمل للخصوص ، والظاهر المحتمل للتأويل ، ونحو ذلك [131] ، وذلك مثل أفعاله في الصلاة التي هي بيان لكيفية الصلاة الواجبة حيث قال :" صلوا كما رأيتموني أصلي " ، وكبيانه بالفعل عند الحاجة إليه كقطع يد السارق من الكوع [132] ، وإدخال غسل المرفقين ، والكعبين في الوضوء [133] ، قال الزركشي :" فإن ورد بيان لمجمل فحكمه حكم ذلك المجمل إن كان واجباً فواجب ، وإن كان مندوباً فمندوب كأفعال الحج ، والعمرة وصلاة الفرض ، والكسوف " [134] ، بل قد يكون بياناً لمباح فيكون مباحاً هذه هي القاعدة العامة ، ولذلك إذا وجدنا في أفعال الصلاة التي فعلها الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ما هو مندوب فإنه يكون لدليل خاص كما سبق .

    ثم أن هذا الحكم معتبر بالنسبة لنا فما حكم البيان بالنسبة له ( صلى الله عليه وسلم ) ؟ يقول الغزالي :" فإن قيل : بين لنا بفعله ندباً فهل يكون فعله واجباً ؟ قلنا : نعم ، هو من حيث إنه بيان واجب ، لأنه تبليغ الشرع ، ومن حيث إنه فعل ندب ، وذهب بعض القدرية إلى أن بيان الواجب واجب ، وبيان الندب ندب ، وبيان المباح مباح " فرد عليهم الغزالي بالنقض فقال : " ويلزم على ذلك أن يكون بيان المحظور محظوراً ، فإذا كان بيان المحظور واجباً فلم لا يكون بيان الندب واجباً ، وكذلك بيان المباح ، وهي أحكام الله تعالى على عباده ، والرسول مأمور بالتبليغ وبيانه بالقول ، أو الفعل وأمثلة الفعل البياني كثيرة شاملة لكل أفعاله التي جاءت بياناً لحكم ثابت بالقرآن ، أو بسنة قولية سابقة عليها ، فهي تشمل بيانه الفعلي للطهارات والعبادات المحضة ، والمعاملات ، والعقوبات وأحكام الأسرة ، والجهاد ونحوها .

    ثم إنه لا يشترط في الفعل البياني أنه يكون لمجرد البيان المحض بل إنه في الغالب بيان من جهة ، وامتثال وتنفيذ من جهة أخرى ، فهو يؤدي واجب الصلاة لله تعالى وفي الوقت نفسه يأتي فعله بياناً ، يقول العلامة البناني :" يحصل بكل منهما ــ أي الفعل البياني ، والفعل الامتثالي ــ الآخر " [135] .




    ومن هنا فهل يمكن الفصل بينهما ؟

    للجواب عن ذلك نقول : إنه يمكن أن يكون الفعل للامتثال فقط وذلك فعله في خلواته " لأن ما أريد به البيان يلزم بيانه " [136] ، لكن الذي يثور حوله الشك هو أنه هل يمكن أن يفعله ( صلى الله عليه وسلم ) لمجرد البيان ؟ وذلك بأن يراد أداء الصورة فقط ، مثل ما يفعله المعلمون أحياناً من أداء فعل ما للتعليم والبيان فقط ، وعلى سبيل التمثيل دون قصد حقيقة الفعل [137] .

    يظهر من خلال بعض الأمثلة التي ذكرها الفقهاء صدور مثل ذلك ، منها الحديث الذي رواه ابن ماجه عن أبيّ بن كعب أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) دعا بماء فتوضأ مرة ً مرة ً ، فقال :" هذا وظيفة الوضوء " أو قال :" وضوءُ من لم يتوضأه لم يقبل الله له صلاة " ثم توضأ مرتين مرتين ، ثم قال :" هذا وضوء من توضأه أعطاه الله كفلين من الأجر " ثم توضأ ثلاثاً ثلاثاً ، فقال :" هذا وضوئي ووضوءُ المرسلين من قبلي " [138] ورواه أبو يعلى بن السكن في صحيحه من حديث أنس ، ولفظه :" دعا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بوَضوء ــ أي الماء الذي يتوضأ به ــ فغسل وجهه ويديه مرة ، ورجليه مرة ، وقال :" هذا وضُوءُ من لا يقبل الله منه غيره ، ثم مكث ساعة ، ودعا بوضوء ، فغسل وجهه ويديه مرتين مرتين ، ثم قال : هذا وضوء من يضاعف الله له أجره " ، ثم مكث ساعة ودعا بوضوء ، فغسل وجهه ثلاثاً ، ويديه ثلاثاً ، ثم قال :" هذا وضوء نبيكم ، ووضوء النبيين قبلي " وللدار قطني نحو هذا السياق . وهذا الحديث وإن كان فيه مقال ، ولكن كثرة طرقه وشواهده تجعله مقبولا ً [139] . كما أن البخاري قد ترجم : باب الوضوء مرة مرة ، وباب الوضوء مرتين مرتين ، وباب الوضوء ثلاثاً ثلاثاً .

    والحديث السابق بالسياق الذي أورده ابن ماجه ، وابن السكن وغيرهما واضح في أن الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) كرر الوضوء بثلاث صور في مجلس واحد ، وحينئذٍ يكون القصد منه العملية التعليمية فقط حتى لو وجد امتثال فهو يكون في صورة واحدة ، يقول الحافظ ابن حجر :" وهو يدل على أن ذلك كان في مجلس واحد وقد حكى فيه القاضي حسين خلافاً عن الأصحاب ، ورجح الروياني أنه كان في مجلس ، قال النووي : الظاهر أن الخلاف لم ينشأ عن رواية ، بل قالوه بالاجتهاد ، وظاهر رواية ابن ماجه وغيره أنه كان في مجلس . قال : وهذا كالمتعين ، لأن التعليم لا يكاد يحصل إلا في مجلس واحد " [140] .

    وكذلك ما فعله الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) في تعليم عمار التيمم ، فقد روى البخاري ومسلم وغيرهما أن عماراً قال :" بعثني رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في حاجة فأجنبت ، فلم أجد الماء فتمرَّغْتُ في الصعيد كما تمَرَّغ الدابة . فذكرت ذلك للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال :" إنما كان يكفيك أن تصنع هكذا : فضرب بكفه ضربة على الأرض ، ثم نفضها ، ثم مسح بهما ظهر كفه بشماله ، أو ظهر شماله بكفه ، ثم مسح بهما وجهه " ، والحــديث ظاهر في أن الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) أراد عملية التيمم أمام عمار حتى يعلمه فقط دون الامتثال ، إذ الظاهر من الحديث أن النبي( صلى الله عليه وسلم ) كان في المدينة ، أو في حضر كان الماء متوافراً فيه ، بالإضافة إلى احتمال كونه متوضئاً ، لكنه تيمم أمامه للتعليم .

    نكتفي بهذا القدر ، ولنا عودة إلى الطرق التي يعرف من خلالها كون الفعل بياناً بإذن الله تعالى
    واللهِ لَوْ عَلِمُوا قَبِيحَ سَرِيرَتِي....لأَبَى السَّلاَمَ عَلَيَّ مَنْ يَلْقَانِي
    وَلأَعْرضُوا عَنِّي وَمَلُّوا صُحْبَتِي....وَلَبُؤْتُ بَعْدَ كَرَامَةٍ بِهَوَانِ
    لَكِنْ سَتَرْتَ مَعَايِبِي وَمَثَالِبِي....وَحَلِمْتَ عَنْ سَقَطِي وَعَنْ طُغْيَاني
    فَلَكَ الَمحَامِدُ وَالمَدَائِحُ كُلُّهَا....بِخَوَاطِرِي وَجَوَارِحِي وَلِسَانِي
    وَلَقَدْ مَنَنْتَ عَلَيَّ رَبِّ بِأَنْعُمٍ....مَا لِي بِشُكرِ أَقَلِّهِنَّ يَدَانِ

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Oct 2011
    المشاركات
    1,524
    المذهب أو العقيدة
    مسلم
    مقالات المدونة
    2

    افتراضي

    ما شاء الله .

    هذا كلام علامة عارف، بارك الله لنا في فخر العراق.

    وجزى الله الناقل على حسن اختياره وإفادته .

    واصل فإن هذا القسم أحوج إلى مثل هذه المقالات

  5. افتراضي

    بارك الله فيك أستاذنا الحبيب ..
    واللهِ لَوْ عَلِمُوا قَبِيحَ سَرِيرَتِي....لأَبَى السَّلاَمَ عَلَيَّ مَنْ يَلْقَانِي
    وَلأَعْرضُوا عَنِّي وَمَلُّوا صُحْبَتِي....وَلَبُؤْتُ بَعْدَ كَرَامَةٍ بِهَوَانِ
    لَكِنْ سَتَرْتَ مَعَايِبِي وَمَثَالِبِي....وَحَلِمْتَ عَنْ سَقَطِي وَعَنْ طُغْيَاني
    فَلَكَ الَمحَامِدُ وَالمَدَائِحُ كُلُّهَا....بِخَوَاطِرِي وَجَوَارِحِي وَلِسَانِي
    وَلَقَدْ مَنَنْتَ عَلَيَّ رَبِّ بِأَنْعُمٍ....مَا لِي بِشُكرِ أَقَلِّهِنَّ يَدَانِ

  6. افتراضي

    لا يخفى أن هذا النوع من السنة مثل القرآن الكريم في الدلالة على الأحكام ، وشمولها لجميع أنواع الدلالة التي ذكرها علماء الأصول من دلالة النص ، وعبارته ، ودلالات الاقتضاء ، والإشارة ، ولحن الخطاب ، وفحواه ، ومن دلالات الأمر ، والنهي ، ونحو ذلك مما يساعد المجتهد على أن يستفيد من النص بعدة اعتبارات ، وأن يستثمره في عدة حقول
    ليست مثل كتاب الله اتقي الله يارجل
    هل السنة فيها تبيان لكل شئ مثل كتاب الله
    هل السنة لم تغادر لا صغيرة ولا كبيرة

  7. افتراضي

    ليست مثل كتاب الله اتقي الله يارجل
    هل السنة فيها تبيان لكل شئ مثل كتاب الله
    هل السنة لم تغادر لا صغيرة ولا كبيرة
    السنة وحي من الله لرسوله ..
    هل تقر معي أن النبي عليه السلام لم يكن ليستقل في تقرير الأحكام بدون وحي منزل ما خلا الاجتهادات والتي قد يُقر عليها أو لا ...
    ثم أنا أوافقك أن السنة ليست مثل كتاب الله ولكن في ماذا ؟؟
    واللهِ لَوْ عَلِمُوا قَبِيحَ سَرِيرَتِي....لأَبَى السَّلاَمَ عَلَيَّ مَنْ يَلْقَانِي
    وَلأَعْرضُوا عَنِّي وَمَلُّوا صُحْبَتِي....وَلَبُؤْتُ بَعْدَ كَرَامَةٍ بِهَوَانِ
    لَكِنْ سَتَرْتَ مَعَايِبِي وَمَثَالِبِي....وَحَلِمْتَ عَنْ سَقَطِي وَعَنْ طُغْيَاني
    فَلَكَ الَمحَامِدُ وَالمَدَائِحُ كُلُّهَا....بِخَوَاطِرِي وَجَوَارِحِي وَلِسَانِي
    وَلَقَدْ مَنَنْتَ عَلَيَّ رَبِّ بِأَنْعُمٍ....مَا لِي بِشُكرِ أَقَلِّهِنَّ يَدَانِ

  8. افتراضي

    السنة وحي من الله لرسوله
    هات دليل من كتاب الله انة يوجد وحي ثاني غير وحي القران الكريم

    هل تقر معي أن النبي عليه السلام لم يكن ليستقل في تقرير الأحكام بدون وحي منزل ما خلا الاجتهادات والتي قد يُقر عليها أو لا
    النبي صلى الله علية وسلم لا يستطع ان يشرع خارج النص القرأني ابدا بوحي ثاني غير وحي القرأن ابدا
    النبي صلى الله علية وسلم مفسر وشارح لكليات القرأن الكريم
    وكتاب الله ينطق بهذا

  9. افتراضي

    هات دليل من كتاب الله انة يوجد وحي ثاني غير وحي القران الكريم
    طبعاً أنت الأدلة من الكتاب لن تقبلها ولو جئناك بألف دليل !
    ولكن تكفيك هذه المحاكمة والتي تذهب اللحم والشحم والعظم فما تبقي وما تذر
    *إستحالة إجتماع الأمة على ضلالة وهو عمل المسلمون يتناقلونه جيلاً بعد جيل وزمناً بعد زمن وأهل العلم قديماً والذين أضنوا الأجسام والأنفس في نقل هذه السنة قدموا تراثاً جباراً وعملاً عظيماً لم يأت قبل مثله ولن يأتي بعد مثله ...
    *المثبت مقدم على النافي والأصل السنة والعمل بها والطارئ البدعة والقول بها !
    النبي صلى الله علية وسلم لا يستطع ان يشرع خارج النص القرأني ابدا بوحي ثاني غير وحي القرأن ابدا
    النبي صلى الله علية وسلم مفسر وشارح لكليات القرأن الكريم
    وكتاب الله ينطق بهذا
    وكيف نقلت هذه الشروحات وهل قول النبي عليه السلام في تفسير آية من القرآن نُقل إلينا بسند صحيح يختلف عن قوله الموحى إليه من الله خارج القرآن بسند صحيح!
    التعديل الأخير تم 01-03-2012 الساعة 02:07 AM
    واللهِ لَوْ عَلِمُوا قَبِيحَ سَرِيرَتِي....لأَبَى السَّلاَمَ عَلَيَّ مَنْ يَلْقَانِي
    وَلأَعْرضُوا عَنِّي وَمَلُّوا صُحْبَتِي....وَلَبُؤْتُ بَعْدَ كَرَامَةٍ بِهَوَانِ
    لَكِنْ سَتَرْتَ مَعَايِبِي وَمَثَالِبِي....وَحَلِمْتَ عَنْ سَقَطِي وَعَنْ طُغْيَاني
    فَلَكَ الَمحَامِدُ وَالمَدَائِحُ كُلُّهَا....بِخَوَاطِرِي وَجَوَارِحِي وَلِسَانِي
    وَلَقَدْ مَنَنْتَ عَلَيَّ رَبِّ بِأَنْعُمٍ....مَا لِي بِشُكرِ أَقَلِّهِنَّ يَدَانِ

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Oct 2011
    المشاركات
    1,524
    المذهب أو العقيدة
    مسلم
    مقالات المدونة
    2

    افتراضي

    الوحي قسمان : كتاب معجز متعبد بتلاوته ، وما ليس بكتاب وهو ينقسم إلى حديث قدسي وحديث نبوي .

    والأدلة على وجود قسمين من الوحي في كتاب الله عديدة منها :


    فيجب التمسك بما يدل عليه قوله تعالى : { وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} فكلمة "ينطق" في لسان العرب تشمل كل ما يخرج من الشفتين من قول أو لفظ ، أى ما يخرج نطقه عن رأيه، إنما هو بوحي من الله تعالى ، ولقد جاءت الآيتان بأسلوب القصر عن طريق النفى والاستثناء، وهذا واضح فى إثبات أن كلامه محصوراً فى كونه وحياً لا يتكلم إلا به، وليس بغيره ، فيثبت بذلك حجية قوله فى حق القرآن : "هذا كلام الله "، وقوله فى الأحاديث القدسية : "قال رب العزة كذا"، أو نحو هذه العبارة، وقوله : "ألا إنى أوتيت القرآن ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان، متكئ على أريكته يقول : عليكم بهذا القرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرِّموه ألا لا يحل لكم الحمار الأهلى، ولا كل ذى ناب من السباع، ولا كل ذى مخلب من الطير، ولا لقطة معاهد، إلا أن يستغنى عنها صاحبها، ومن نزل بقوم فعليهم أن يقروه، فإن لم يقروه فله أن يعقبهم بمثل قراه"
    فهذه كلها أخبار، معصوم عن الكذب : فتكون حججاً دالة على أن الوحي قسمان :
    القسم الأول : الكتاب المعجز المتعبد بتلاوته ، والقسم الثاني ما ليس بكتاب
    أما ما نزل معناه، وعبر عنه النبى ، بلفظ من عنده ، فقد أشكل عليك هذا القسم لعدم معرفتك أن هذا الأخير تمت الإشارة إليه و لقبه رب العزة بالحكمة في آيات كثيرة، منها قوله تعالى : {… وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}

    وقوله تعالى : {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ ءَايَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}
    ومما هو جدير بالذكر أن رب العزة قد بين فى كتابه العزيز أن نوعي الوحي المعبر عنهما بالكتاب والسنة ليسا من المسائل الخاصة بالنبى وإنما هى سنة عامة فى الأنبياء جميعاً قال تعالى : {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا ءَاتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ ءَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ} ويقول رب العزة في حق آل إبراهيم : {فَقَدْ ءَاتَيْنَا ءَالَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَءَاتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا} ويقول عز وجل فى حق عيسى عليه السلام : {إِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} وهذا فيه رد على ماتفوهت به في مداخلتك الأخيرة
    ومن الأدلة على أن السنة النبوية وحي منزل من عند الله تعالى قوله : {وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا} فهذه الآية-من سورة النساء-تدل على أن الحكمة نزلت من عند الله تعالى مثل القرآن الكريم، وفي سورة الإسراء يقول رب العزة: {ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ } والآية واضحة في أن الحكمة وحى من الله تعالى مثل القرآن الكريم ، ومن دقة الأداء القرآني في التعبير عن هذين النوعين من الوحي (الكتاب والسنة)؛ أنه فصل بينهما بواو العطف إذا اجتمعا، ليبين أن هذين النوعين مختلفين لضرورة التغاير بين المعطوف والمعطوف عليه، فالمنطق يقتضي أن الشيء لا يعطف على نفسه وصاحب العقل الفصيح يلمح الإشارة فى قوله تعالى : {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} حيث فرق رب العزة، بين الكتاب والحكمة بحرف العطف ليدل على تغايرهما، وأفرد الضمير العائد عليهما، ليدل على وحدة مصدرهما وأن المشكاة واحدة ، وأنت تستطيع أن تتأمل في أية الأحزاب، كما تأملها الإمام الشافعي من قبل، يتضح لك أنها أوضح مما ذكر فى الدلالة على أن المراد بالحكمة السنة المطهرة، قال تعالى : {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ ءَايَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} فالتلاوة هنا المرة بعد المرة، والمتلو هنا شيئان، أولهما : آيات الله فى كتابه، وثانيهما : الحكمة وهي صنف آخر من الوحى المتلو، ولا يكون ذلك إلا السنة النبوية المطهرة.
    ولو شغبت على تفسير "الحكمة" بالسنة المطهرة، واعترضت على ذلك قلنا لك : ماذا تقول في آيات تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة ؟؟ قال تعالى : {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} فهذه الآيات الكريمات تدلنا على أن التوجه إلى بيت المقدس كان مشروعاً من قبل، وكان ذلك التوجه حقاً وصواباً واجباً عليهم قبل التحول إلى الكعبة، فأين ذلك كله فى القرآن الكريم؟
    ألا يدل ذلك على أن النبي وأصحابه كانوا عاملين بحكم لم ينزل به القرآن، وأن عملهم هذا كان حقاً وواجباً عليهم؟!!
    القرآن الكريم به تفصيل وبيان كل شيء من أحكام هذا الدين كقواعد كلية مجملة، أما تفاصيل تلك القواعد وما أشكل منها؛ فالبيان فيها راجع إلى السنة النبوية قال تعالى :[وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ] فقاعدة وجوب اتباع الرسول والتحاكم إلى سنته المطهرة من القواعد الكلية المجملة لهذا الدين، وفصلها ربنا في كتابه العزيز كما فى الآية السابقة وقوله تعالى : [وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ] يقول ابن كثير فى تفسير قوله تعالى[ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ]عن ابن مسعود قال : قد بين لنا في هذا القرآن كل علم وكل شيء وقال مجاهد : كل حلال وحرام، وقول ابن مسعود أعم وأشمل؛ فإن القرآن اشتمل على كل علم نافع من خبر ما سبق، وعلم ما سيأتي، وكل حلال وحرام، وما الناس إليه محتاجون فى أمر دنياهم ودينهم ومعاشهم ومعادهم - وقال الأوزاعى : "تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ" أي بالسنة

    ولا تعارض بين القولين - ابن مسعود والأوزاعي - فابن مسعود يقصد العلم الإجمالي الشامل، والأوزاعي يقصد تفصيل وبيان السنة لهذا العلم الإجمالي

    ومن هنا؛ فالقول بأن القرآن الكريم تبيانٌ لكل شيء قول صحيح فى ذاته بالمعنى الإجمالى السابق ولكن الفساد فيما بنيته عليه من الاستغناء عن السنة والاكتفاء بالقرآن لتأولوه حسب أهوائكم وإلا فرب العزة هو القائل فى نفس سورة النحل وقبل هذه الآية قال تعالى : [وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ(38)لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ]

    وقال تعالى : [وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ] وقال تعالى :[أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ] فتلك ثلاث آيات كريمات فى نفس سورة النحل وسابقة لآية[وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ] والثلاث آيات تسند صراحة مهمة البيان والتفصيل إلى النبي صاحب السنة المطهرة، فهل يعقل بعد ذلك أن يسلب الله عز وجل هذه المهمة - البيان، التى هي من مهام الرسل جميعاً كما قال [أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ] وقال : [وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ] ويوقع التناقض بآية [الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ] إنك و كل الرافضين لحجية السنة، لابد أن تلتزموا بهذه النتيجة التي تعود بالنقض على الإيمان بالكتاب، وبمن أنزل الكتاب جل جلاله، سواء أقررتم بلسانكم بهذا النقض أم لا، وتنبهتم إلى ذلك أم لا؟!!

    ويجدر بنا أن نشير إلى نصوص لبعض العلماء تؤكد الذى قلناه فى معنى البيان الوارد فى بعض الآيات يقول الإمام الشاطبي: "تعريف القرآن بالأحكام الشرعية أكثره كلي لا جزئي، وحيث جاء جزئياً فمأخذه على الكلية، إما بالاعتبار أو بمعنى الأصل، إلا ما خصه الدليل مثل خصائص النبي ويدل على هذا المعنى - بعد الاستقراء المعتبر - أنه محتاج إلى كثير من البيان، فإن السنة على كثرتها وكثرة مسائلها إنما هي بيان للكتاب كما سيأتى شرحه إن شاء الله تعالى
    وقد قال الله تعالى :[وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ] وإذا كان الأمر كذلك فالقرآن على اختصاره جامع، ولا يكون جامعاً إلا والمجموع فيه أمور كليات لأن الشريعة تمت بتمام نزوله؛ لقوله تعالى :[الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا] وأنت تعلم أن الصلاة والزكاة والجهاد وأشباه ذلك لم يتبين جميع أحكامها فى القرآن، إنما بينتها السنة، وكذا تفاصيل الشريعة من الأنكحة والعقود والقصاص والحدود، وغير ذلك" اهـ

    فعلى هذا لا ينبغي في الاستنباط من القرآن الاقتصار عليه دون النظر فى شرحه وبيانه وهو السنة؛ لأنه إذا كان كلياً وفيه أمور كلية كما في شأن الصلاة والزكاة والحج والصوم ونحوها فلا محيص عن النظر فى بيانه، وبعد ذلك ينظر فى تفسير السلف الصالح له إن أعوزته السنة، فإنهم أعرف به من غيرهم، وإلا فمطلق الفهم العربي لمن حصله يكفي فيما أعوز من ذلك،فبيان الرسول بيان صحيح لا إشكال فى صحته؛لأنه لذلك بعث،قال تعالى: [وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ]ولا خلاف فى هذا البيان النبوي

    ويقول الدكتور إبراهيم محمد الخولى : "التبيين" هنا غير "التبليغ" الذى هو الوظيفة الأولى للنبى قال تعالى :[يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ]، و"التبيين" و "التبليغ" وظيفتان موضوعهما واحد هو "القرآن العظيم" عبر عنه فى آية "التبليغ" بهذا اللفظ : "ما أنزل إليك" وعبر عنه فى آية التبيين بلفظ مختلف : "ما نزل إليهم" وبينهما فروق لها دلالتها، مردها إلى الفروق بين الوظيفتين "فالتبليغ" تأدية النص؛ تأدية "ما أنزل" كما "أنزل" دون تغيير ما على الإطلاق، لا زيادة ولا نقصان، ولا تقديم ولا تأخير …
    و "التبيين" إيضاح، وتفسير، وكشف لمراد الله من خطابه لعباده، كى يتسنى لهم إدراكه، وتطبيقه، والعمل به على وجه صحيح
    و "التبليغ" مسئولية "المبلغ" وهو المؤتمن عليها، وهذا سر التعبير : "وأنزلنا إليك" حيث عدى الفعل "أنزل" بـ "إلى" إلى ضمير النبي ، المخاطب

    و "التبيين" : مهمة، فرضتها حاجة الناس لفهم ما خوطبوا به، وبُلَّغوه، وإدراك دلالته الصحيحة، ليطبقوه تطبيقاً صحيحاً

    ومن هنا كانت المخالفة فى العبارة … "ونزل إليهم" … حيث عدي الفعل "نزل" بـ (إلى) مضافاً إلى الضمير "هم" … أي الناس، وعُدِّي الفعل "لتبين" إلى الناس بـ "اللام" أن كانت حاجتهم إلى "التبيين" هى السبب والحكمة من ورائه، وهى توحي بقوة أن رسول الله ، ليس بحاجة إلى ما احتاج إليه الناس من هذا التبيين، ولعمري إنه لكذلك…، فقد أوحى إليه بيانه وألهمه، فالتقى فى نفسه "البيان" و "المبين" معاً، وأصبح مؤهلاً لأن يقوم بالوظيفتين : وظيفة البلاغ، ووظيفة التبيين على سواء …، واختلاف الناس فى فهم القرآن ما بين مصيب ومخطئ واختلافهم فى فهم درجات الإصابة، ودركات الخطأ … برهان بين على حاجتهم إلى "تبيين" لكتاب ربهم، ينهض به إمام الموقعين عن رب العالمين"

    ويقول الإمام الشافعي : "والبيان اسم جامع لمعان مجتمعة الأصول متشعبة الفروع : فجماع ما أبان الله لخلقه فى كتابه، مما تعبدهم به، لما مضى من حكمه جل ثناؤه من وجوه :
    1- منها ما أبانه لخلقه نصاً مثل إجمال فرائضه فى أن عليهم صلاة، وزكاة، وحجاً، وصوماً، وأنه حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ونص على الزنا، والخمر، وأكل الميتة، والدم، ولحم الخنزير، وبين لهم كيف فرض الوضوء،مع غير ذلك مما بين نصاً "إجمالياً"
    2- ومنها ما أحكم فرضه بكتابه، وبين كيف هو على لسان نبيه مثل عدد الصلاة، والزكاة ووقتها، إلى غير ذلك من فرائضه التى أنزلها فى كتابه عز وجل
    3- ومنها ما سن رسول الله مما ليس لله فيه نص محكم، وقد فرض الله فى كتابه طاعة رسوله ، والانتهاء إلى حكمه فمن قبل عن رسول الله فبفرض الله قبل."

    مما سبق من قول الإمامين الشاطبي والشافعي يتأكد ما ذكرناه فى أن المراد من معنى البيان والتفصيل الوارد في الآيات التي استشهد بها أعداء السنة المطهرة؛ بيان وتفصيل القرآن لكل شيء من أحكام هذا الدين كقواعد كلية مجملة، ومن بين تلك القواعد التى فصلها وبينها ربنا عز وجل؛ وجوب اتباع نبيه، والتحاكم إلى سنته المطهرة، ففي تلك السنة المطهرة إيضاح هذه القواعد وتفصيلها، فجاءت السنة موافقة ومؤكدة للقرآن، ومخصصة لعامه، ومقيدة لمطلقه، ومفصله لمجمله، وموضحة لمشكله، ومستقلة بتشريع أحكام دون سابق ذكر لها فى كتاب الله -وليس ههنا المقام لذكر هذا الأخير-
    أبدأ بمقولة الأستاذ الدكتور مروان شاهين الذي لخص انواع الآيات المثبتة لحجية السنة في خمسة أسطر : "لقد اشتدت عناية القرآن الكريم بتلك المسألة فوَّجه إليها آيات كثيرة تنوعت بين آيات تأمر فى وضوح بوجوب الإيمان به ، وبين آيات أخرى تأمر بوجوب طاعته، طاعة مطلقة، فيما يأمر به، وينهى عنه، وبين آيات أخرى تنهى عن مخالفته وتحذِّر من ذلك وتبين جزاء المنافقين المرجفين في دين الله العاملين على هدم كيان السنة النبوية، والذين حصروا معنى الآيات الواردة فى طاعة الرسول ، في طاعته فى القرآن الكريم فقط"

    1- من هذه الآيات قوله تعالى : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا ءَامِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْل }
    2- وقوله تعالى : { فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} فمقتضى ذلك أن نؤمن بالله وبرسوله، والإيمان معناه هنا التصديق والإذعان برسالته وبجميع ما جاء به من عند الله من كتاب وسنة، بمقتضى عصمته التى توجب التصديق بكل ما يخبر به عن رب العزة كقوله فى حق القرآن:"هذا كلام الله ، وقوله فى الأحاديث القدسية:"قال رب العزة كذا"أو نحو هذه العبارة وقوله عليه الصلاة والسلام:"ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه" فالإيمان بالرسول جزء من الإيمان بالله تعالى، والشك والارتياب فى ذلك الإيمان، شك وارتياب فى الإيمان بالله ورسوله معاً، وحينئذ لا يكون هناك إيمان أبداً ...
    يقول الإمام الشافعي في رسالته : "فجعل كمال ابتداء الإيمان، الذى ما سواه تبع له الإيمان بالله ثم برسوله، فلو آمن عبد به، ولم يؤمن برسوله : لم يقع عليه اسم كمال الإيمان أبداً، حتى يؤمن برسوله معه، ومن هنا وجبت طاعة الرسول - بمقتضى هذا الإيمان - فى كل ما يبلِّغه عن ربه، سواء ورد ذكره فى القرآن أم لا.
    يقول الإمام الشافعي أيضا : "وما سنَّ رسول الله فيما ليس لله فيه حكم : فبحكم الله سنَّه، وكذلك أخبرنا الله في قوله تعالى : {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}، وقد سن رسول الله مع كتاب الله، وسن فيما ليس فيه بعينه نص كتاب وكل ما سن فقد ألزمنا الله اتباعه، وجعل فى اتباعه طاعته، وفى العدول عن اتباعها معصيته التى لم يعذر بها خلقاً، ولم يجعل له من اتباع سنن رسول الله مخرجاً"

    3- ومن أهم الآيات دلالة على حجية السنة، ووجوب التمسك بها قوله تعالى : {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} فهنا أقسم سبحانه بنفسه، وأكده بالنفي قبله على نفي الإيمان عن العباد، حتى يحكِّموا رسوله فى كل ما شجر بينهم، من الدقيق والجليل، ولم يكتف فى إيمانهم بهذا التحكيم بمجرده، حتى ينتفى عن صدورهم الحرج والضيق عن قضائه وحكمه، ولم يكتف منهم أيضاً بذلك حتى يسلموا تسليما، وينقادوا انقيادا.

    ويقول صاحب مختصر الصواعق المرسلة : "فقد أقسم الله سبحانه بنفسه على نفى الإيمان عن هؤلاء الذين يقدمون العقل على ما جاء به الرسول ، وقد شهدوا هم على أنفسهم بأنهم غير مؤمنين بمعناه، وإن آمنوا بلفظه"

    ويقول فى موضع آخر : "وفرض تحكيمه، لم يسقط بموته، بل ثابت بعد موته، كما كان ثابتاً فى حياته، وليس تحكيمه مختصاً بالعمليات دون العلميات كما يقوله أهل الزيغ والإلحاد.

    - ويقول رب العزة : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} ودلالة الآية على حجية السنة من عدة وجوه :
    أولاً : النداء بوصف الإيمان فى مستهل الآية : "يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا " ومعنى ذلك أن المؤمنين لا يستحقون أن ينادوا بصفة الإيمان إلا إذا نفذوا ما بعد النداء وهو طاعة الله تعالى، وطاعة رسول الله ، وأولي الأمر.
    ثانياً : تكرار الفعل "أَطِيعُوا " مع الله عز وجل، ومع رسوله ، وتكرار ذلك فى آيات كثيرة {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا } وقوله تعالى:{وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَءَاتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}
    يقول الإمام الشاطبى : "تكراره الفعل "وَأَطِيعُوا" يدل على عموم الطاعة بما أتى به مما فى الكتاب، ومما ليس فيه مما هو من سنته"

    وقال العلامة الألوسي: "… وأعاد الفعل : "وَأَطِيعُوا" وإن كان طاعة الرسول مقرونة بطاعة الله عز وجل، اعتناءً بشأنه وقطعاً لتوهم أنه لا يجب امتثال ما ليس فى القرآن، وإيذاناً بأن له استقلالاً بالطاعة لم يثبت لغيره، ومن ثم لم يعد فى قوله : "وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ " إيذاناً بأنهم لا استقلال لهم فيها استقلال الرسول ، بل طاعتنا لهم مرتبطة بطاعتهم هم لله ورسوله، فإن هم أطاعوا الله ورسوله فلهم علينا حق السمع والطاعة وإلا فلا، لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق "

    ومما هو جدير بالذكر هنا أن فرض الله طاعة رسوله ليست له وحده بل هى حق الأنبياء جميعاً قال تعالى : {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ} فرب العزة جل جلاله يقرر هنا قاعدة:"أن كل رسول جاء من عنده جل جلاله يجب أن يطاع"

    ولماذا لا يطاع هذا الرسول الذي جاء بالمنهج الحق الذى يصلح الخلل فى تلك البيئة التى أرسل إليها؟ إن عدم الطاعة حينئذ – هو نوع من العناد والجحود والتكبر كما أن فى عدم الطاعة اتهاماً للرسالة بالقصور، واتهاماً للرسول فى عصمته من الكذب فى كل ما يبلغ به عن ربه من كتاب أخبرنا عنه بقوله "هذا كتاب الله"، ومن سنة مطهرة أخبرنا عنها بقوله : "أوتيت القرآن ومثله معه" وقوله : "وإن ما حرم رسول الله كما حرم الله".

    3-وثالث الوجوه دلالةً على حجية السنة من آية النساء قوله تعالى : { فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ}؛ فالرد إلى الله عز وجل هو الرد إلى كتابه، والرد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم هو الرد إليه نفسه فى حياته، وإلى سنته بعد وفاته وعلى هذا المعنى إجماع الناس كما قال ابن قيم الجوزية.
    وتعليق الرد إلى الكتاب والسنة على الإيمان كما فى قوله تعالى : {إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} يعني أن الذين يردون التـنازع فى مسائل دينهم وحياتهم، دقها وجلها، جليها وخفيها – إلى كتاب الله، وإلى سنة رسول الله ، هم فقط المؤمنون حقاً كما وصفتهم بذلك الآية الكريمة، أما غيرهم فلا ينطبق هذا الوصف عليهم. ( وافهم يا لبيب )

    ثم يحدثنا الله تعالى بعد هذه الآية مباشرة، عن أناس يزعمون أنهم يؤمنون بالله ورسوله ومقتضى هذا الإيمان أن يحكموا كتاب الله وسنة رسوله فى كل شؤون حياتهم - ولكنهم - لا يفعلون ذلك وإنما يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت مع أنهم قد أمروا أن يكفرو به قال تعالى : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا} ففى نهاية الأمر حكم الله تعالى على من يعرض عن حكم الله تعالى ورسوله ويتحاكم إلى الطواغيت بأنهم منافقون، وصدق رب العزة : {وَيَقُولُونَ ءَامَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ*وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ*وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ*أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمَ الظَّالِمُونَ*إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ*وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ }

    ويتأكد هذا المعنى جلياً فى قول الله تعالى : {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا}فأخبر سبحانه أنه ليس لمؤمن أن يختار يعد قضائه جل جلاله وقضاء ورسوله عليه السلام، ومن تخير بعد ذلك فقد ضل ضلالاً مبيناً

    أما الآيات الدالة على وجوب طاعة الرسول عليه السلام طاعة مطلقة فيما يأمر به، وينهى عنه، بقوله تعالى : {وَمَا ءَاتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} وهناك آيات كثيرة لم نتعرض لذكرها خشية الإطالة فإذا انتقلنا بعد ذلك إلى الآيات التى تحذر من معصية الرسول صلى الله عليه وسلم وتنهى عن مخالفته نجدها كثيرة ونشير أيضاً إلى بعضها قال تعالى : {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ}وقال تعالى : {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا*يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا}

    وفى سورة التوبة قال تعالى { أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ} وفي سورة النور قال تعالى : {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}
    أين أمر رسول الله عليه السلام فى القرآن، لمن زعموا أن آيات طاعة الرسول فى القرآن مراد بها طاعته فى القرآن فقط؟

    وفى سورة الأحزاب : {إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا*خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا*يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَالَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا}

    وفى سورة محمد قال تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ}

    وفى سورة المجادلة قال تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنْزَلْنَا ءَايَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ} وفى سورة المجادلة أيضاً قال تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ}
    فالآيات السابقة تصرح بأن مخالفة منهج الله ورسوله، يدخل النار، ويورث الذل، والخزي، والفتنة، والكبت، ويحبط العمل ... فما قولك يا منكر السنة في هذا المختصر الوجيز ؟؟؟
    مصدر الاقتباسات

    وهذه االاقتباسات تُسقط مذهبك جملة وتفصيلا.

  11. افتراضي

    بارك الله فيك أستاذنا الحبيب أبا عبد البر ، ولُيعلمْ رحمك الله أني قد عدلت عن نقل هذه الادلة من القرآن نظراً لمعرفتي جواب السائل عنها إبتدءً تجربةً بما دار قبل أعوام مع منكر تائب حيث قام بلي أعناق الآيات عفا الله عنه بما يتناسب وذاك المذهب الباطل ، ولهذا أعتقد أن الحجج العقلية هي من أقوى ما يجابه بها منكرة السنة لعلمنا أن الطرق النقلية لن تجدي نفعاً معهم في بعض الأحيان !!
    بإمكان الزميل فهد الثقفي الإطلاع على عضوية الأخ التائب خال مازن فقد كان عفا الله عنه أشد منك إنكاراً وأكثر جدلا....
    واللهِ لَوْ عَلِمُوا قَبِيحَ سَرِيرَتِي....لأَبَى السَّلاَمَ عَلَيَّ مَنْ يَلْقَانِي
    وَلأَعْرضُوا عَنِّي وَمَلُّوا صُحْبَتِي....وَلَبُؤْتُ بَعْدَ كَرَامَةٍ بِهَوَانِ
    لَكِنْ سَتَرْتَ مَعَايِبِي وَمَثَالِبِي....وَحَلِمْتَ عَنْ سَقَطِي وَعَنْ طُغْيَاني
    فَلَكَ الَمحَامِدُ وَالمَدَائِحُ كُلُّهَا....بِخَوَاطِرِي وَجَوَارِحِي وَلِسَانِي
    وَلَقَدْ مَنَنْتَ عَلَيَّ رَبِّ بِأَنْعُمٍ....مَا لِي بِشُكرِ أَقَلِّهِنَّ يَدَانِ

  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Oct 2011
    المشاركات
    1,524
    المذهب أو العقيدة
    مسلم
    مقالات المدونة
    2

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة البرازيلي مشاهدة المشاركة
    بارك الله فيك أستاذنا الحبيب أبا عبد البر ، ولُيعلمْ رحمك الله أني قد عدلت عن نقل هذه الادلة من القرآن نظراً لمعرفتي جواب السائل عنها إبتدءً تجربةً بما دار قبل أعوام مع منكر تائب حيث قام بلي أعناق الآيات عفا الله عنه بما يتناسب وذاك المذهب الباطل ، ولهذا أعتقد أن الحجج العقلية هي من أقوى ما يجابه بها منكرة السنة لعلمنا أن الطرق النقلية لن تجدي نفعاً معهم في بعض الأحيان !!
    بإمكان الزميل فهد الثقفي الإطلاع على عضوية الأخ التائب خال مازن فقد كان عفا الله عنه أشد منك إنكاراً وأكثر جدلا....
    هو سيشغب حتى يُغلق الموضوع . لهذا فتوكل على الله وأتمم نقلك .

    أما مناقشة منكر السنة في تفسير الآيات فأراه متيسرا لمن ضبط أصول التفسير، فعند مطالبة منكر السنة بتعليل فهمه وتوضيح منهجيته في تأويل الآيات سيُلزَم بما لا طاقة له به .

    ولستُ أستاذا أيها الكريم - ابتسامة-.

    يسّر الله لك سبيل الرشاد.

  13. افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابن عبد البر مشاهدة المشاركة
    هو سيشغب حتى يُغلق الموضوع . لهذا فتوكل على الله وأتمم نقلك .
    .
    سامحك الله ابن عبد البر
    أما مناقشة منكر السنة في تفسير الآيات فأراه متيسرا لمن ضبط أصول التفسير، فعند مطالبة منكر السنة بتعليل فهمه وتوضيح منهجيته في تأويل الآيات سيُلزَم بما لا طاقة له به .
    عند ورود هذه الجملة بعد السابقة فهذا يفهم منه ضمناً أن محاوريك في موضوعك المغلق ... منكرين للسنة .. وهذا غير صحيح
    أنتم ترون أن حديث رسول الله تعالى ينسخ القرآن ونحن نرى العكس أي أن القرآن ناسخ للأحاديث المتعارضة معه
    فهل نسميكم منكرين للقرآن؟؟!!
    هذه العبارة
    يقول ابن كثير فى تفسير قوله تعالى[ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ]عن ابن مسعود قال : قد بين لنا في هذا القرآن كل علم وكل شيء وقال مجاهد : كل حلال وحرام، وقول ابن مسعود أعم وأشمل؛ فإن القرآن اشتمل على كل علم نافع من خبر ما سبق، وعلم ما سيأتي، وكل حلال وحرام، وما الناس إليه محتاجون فى أمر دنياهم ودينهم ومعاشهم ومعادهم - وقال الأوزاعى : "تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ" أي بالسنة

    ولا تعارض بين القولين - ابن مسعود والأوزاعي - فابن مسعود يقصد العلم الإجمالي الشامل، والأوزاعي يقصد تفصيل وبيان السنة لهذا العلم الإجمالي
    لأن التعارض واضح وجلي
    الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ
    بعد الإنقطاع الذي طال للمهندس عدنان بدون تقديم مبرر
    لا يسعني سوى الإفصاح عما حدث وهو
    كل الذين تحدثوا في الإعجاز العددي للقرآن الكريم احتسبوا الهمزة كحرف مرسوم والمهندس عدنان أقل من احتسبها
    والهمزة ليست حرفاً مرسوماً بل أضيفت كعلامة تشكيل على يد الخليل بن أحمد الفراهيدي
    وهذا ينسف علم الإعجاز العددي القديم كله
    لذا يرجى ممن يقرأ مواضيعي الإنتباه لذلك

  14. #14
    تاريخ التسجيل
    Oct 2011
    المشاركات
    1,524
    المذهب أو العقيدة
    مسلم
    مقالات المدونة
    2

    افتراضي

    حضرتك متذبذب أنت وصديقك الثقفي في موقفكما من السنة، وخاصة الصحيح المتفق عليه، وقد سألتك سؤالا محددا في قبولك للأحاديث الصحيحة من عدمه فما رأيتُ منكما جوابا يشفي الغليل .

    أما مسألة نسخ الأحاديث للقرآن، فهي قليلة ومدار خلاف بين الأصوليين، والجمهور يقول به غير أنهم متفقون على الأخذ بالسنة النبوية وأحاديث الموطأ والصحيحين وغيرها مما استوفى شروط الصحة في المتن والسند.

    فلو كان إنكارك أنه لا وجود لحالة نسخ السنة للقرآن لكان الخطب هين، وقلنا أنك تتابع بعض الشافعية في ذلك، لكن إنكارك للأحاديث الصحيحة مخالفا بذلك علماء أهل السنة والجماعة، هنا مثار الانحراف والزيغ .

    ولا يخفى أنك لم ترد على الاقتباسات أعلاه، ولم تعلق إلا على فقرة يتيمة لا إشكال فيها فلا أحد ينكر ان القرآن أتى بالعلم على سبيل الإجمال وفصلته السنة النبوية الشريفة.

  15. #15
    تاريخ التسجيل
    Sep 2011
    الدولة
    مِنْ أَرْضِ الرِّمَـال !
    المشاركات
    1,300
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    وقد سألتك سؤالا محددا في قبولك للأحاديث الصحيحة من عدمه فما رأيتُ منكما جوابا يشفي الغليل
    ولن تجد !
    منهجهم معروف , واذا رد عليك الآن ستجده يعلق على قضايا النسخ ويستناسا القضية الاساسية !
    {وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا}
    في إنتظار "ملحد حقيقي" ليعطي تفسيرات لهذه الكُبرَيات بالمنظور الإلحادي
    " الإنسانُ ليسَ مُفصّلاً على طرازِ دارون , كما أنّ الكونَ ليسَ مفصّلاً على طرازِ نيوتن " بيجوفتش

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. الرد على داعي الشعوبية
    بواسطة كميل في المنتدى قسم الحوار عن المذاهب الفكرية
    مشاركات: 17
    آخر مشاركة: 12-30-2012, 04:28 AM
  2. السؤال الثامن عشر لمنكري السنة وجاحدي دلالة القرآن عليها
    بواسطة أبو القـاسم في المنتدى قسم السنة وعلومها
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 01-17-2012, 07:37 PM
  3. الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم كتاب الكتروني رائع
    بواسطة Adel Mohamed في المنتدى المكتبة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 01-02-2010, 09:25 PM

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء