بسم الله الرحمن الرحيم
" لتعارفوا "
لا يوجد دين على وجه الأرض يقاوم الطائفية ويتصدى لها ويحذر منها كالإسلام، نجد ذلك في قوله تعالى : " ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكرٍ وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم " . فهو سبحانه وتعالى يخاطب الناس جميعا بغض النظر عن أديانهم أو طوائفهم .
فالبشر جميعاً ينتمون إلى أصلٍ واحد : ذكرٌ وأنثى، والانتماء إلى القبيلة والشعب يهدف إلى تمتين التواصل الإيجابي والتنافس الفاعل بين الناس، والوصول إلى الغاية الأساسية بين البشر وهي التعارف .
التعارف يعني أن يعترف كل طرف بالآخر ويحترم خصوصيته الدينية والقومية والوطنية والقبلية والفكرية والاجتماعية، ويعني أن يتبادل الناس جميعاً معارفهم ويتداولوها دون احتكار، فالمعرفة حق لكل الناس يجب نشرها على كل المستويات. والتعارف يعني أن يتعاون البشر بينهم فيما هم متفقون فيه ويعذر بعضهم بعضاً فيما هم مختلفون فيه .
والتفاوت بين الناس والتفاضل في الإسلام ليس له علاقة بالعنصر أو الدم أو القبيلة، وإنما علاقته بالتقوى " إن أكرمكم عند الله أتقاكم " والتقوى تشمل كل أعمال الخير والمعروف والصلاح، ومنها ما يتعلق بالمعرفة النظرية الإيمانية، ومنها ما يتعلق بالمعرفة العملية السلوكية، " وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون ".
ولا شك أن التكريم للإنسان على درجات فليس من العدالة أن يتساوى العامل مع العاطل، فهو مكرم كإنسان ينتمي إلى آدم عليه السلام " ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً " . فهو مكرم ، ومفضل على كثير من الكائنات، إلا أن الإنسان قد يسقط بنفسه عن هذا التكريم ويرمي بنفسه في وهدة الخسران الدنيوي والأخروي إذا ما تكبر على ربه عز وجل، وتغطرس على عباد الله وتفرعن عليهم وبطر الحق ، وغمط الناس حقوقهم، وفي هذه الحالة ينحط عن التكريم الذي شرفه الله عز وجل به إلى مرتبة الأنعام " أولئك كالأنعام بل هم أضل " .
إذن خلق الله عز وجل الإنسان ونفخ فيه من روحه وأسجد له ملائكته وكرمه وفضله، وزوده بالعقل الذي يفصله عن العحماوات فكم يكون هذا الإنسان جاحداً لنعمة ربه عز وجل حين يتنكر لمنزلته السامية، ويتنكب سلم العلياء، ويصر إلا أن ينحدر بنفسه إلى حظيرة الأنعام .