عليكم السلام ورحمة الله وبركاته..حقيقة أختي من يقول هذا لا يفرق بين أمرين :
-بين فسق الحاكم في نفسه , وتطبيق الشريعة في الرعية ..
كما أنه لم يفرق بين العصيان وسن قوانين مضادة للدين , أو لم يفرق بين تحقيق المناط في واقعة , وبين تبديل حكم الله تعالى..من يعصي الله تعالى في شيء كأن يعاقر الخمر , مقارف للحرام , لكن من يسن للناس قانونا يبيح بيعها أو تعاطيها فيكون ذلك محميا بالقانون المسنون, فهو مواقع للكفر الأكبر, قال الله تعالى "يا صاحبي السجن أأربابٌ متفرقون خيرٌ أم الله الواحد القهار*ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم",وهذا نظير قوله تعالى "اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيحَ بن مريم " وقد أطبق المفسرون على أن المراد بها طاعة العلماء أو الأمراء في محادة أمر الله ويذكرون في هذا حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه ,ومعناه صحيح قطعاً لأن النصارى لايعبدون الأحبار بالمعنى الضيق للعبادة أي بأن يصلّوا لهم مثلاً بل واقع حالهم قديما وحديثاً =طاعتهم في مراسيم التحريم والتحليل التي يصدرونها وإن ورد الشرع بخلاف مضامينها والحاصل أن المرة الأولى في تاريخ الإسلام , التي صُنع فيها ما نراه اليوم من تحكيم القوانين الجاهلية , كانت على يد جنكيز خان المغولي
حين جاء لهم بكتاب الياسا او الياسق وجعله دستورا محكّما فيهم, فكانت سابقة خطيرة انتبه إليها العلماء ونوهوا بها وكفر أهلها ,يقول الحافظ ابن كثير في تفسير قول الله تعالى "أفحكم الجاهلية يبغون" : (ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله المشتمل على كل خير الناهي عن كل شر وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله ، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم ، وكما يحكم بها التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جنكز خان الذي وضع لهم الياسق ، وهوعبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها عن شرائع شتى من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية وغيرها ، وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه ، فصارت في بنيه شرعا متبعا يقدمونها على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - فمن فعل ذلك فهو كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله فلا يحكم سواه في قليل ولا كثير )
خير ما يجلّيها التمثيل:-
-هذا حاكمٌ سرق أحد أقاربه وتحققت فيه شروط إقامة الحد, فتحيز له وأمر الجهة التنفيذية بتخلية سبيله تعاطفا معه ,وعدم قطع يده المعمول به أصلا في نظام الدولة(تأمل), فهذا يصدق فيه أن يكون مرتكباً لكبيرة من أعظم الكبائر وأشنعها وهي سبب لهلاك الأمم والدول ,وفي مثل هذا الضرب يقال :كفر دون كفر , على ألا يتحول إلى قانون , وإنما نزعة هوى نفس , قد تقع أحيانا
فقد أخرج البخاري في صحيحه من حديث عائشة رضي الله عنها: أن قريشا أهمهم شأن المخزومية التي سرقت، فقالوا: من يكلم فيها رسول الله ؟ فقالوا: ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حب رسول الله فكلمه أسامة فقال:أتشفع في حد من حدود الله؟!
ثم قام فخطب، ثم قال: إنما هلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ,
-وهذا بخلاف مالو قام هذا الحاكم بإصدر مرسوم أو قرار أو سمه ما شئت فحواه :من سرق يسجن سنة مثلاً مستبدلا بشرع الله هذا القانونَ الجديد سواء كان من بنيات فكره أو استورده من الخارج, فهذا الذي لاشك فيه, إذ قد نازع الله في أحد أجل خصائص ربوبيته سبحانه وتعالى وفعل الكفر البواح ..يقول الإمام إسحاق بن راهويه : (أجمع المسلمون على أن من سب الله، أو سب رسوله صلى الله عليه وسلم ،أو دفع شيئاً مما أنزل الله عز وجل،أو قتل نبياً من أنبياء الله عز وجل،أنه كافر بذلك،وإن كان مقراً بكل ما أنزل الله) وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: (والإنسان متى حلّل الحرام المجمع عليه أو حرّم الحلال المجمع عليه أو بدّل الشرع المجمع عليه كان كافراً باتّفاق الفقهاء) وقال أيضا : (ومعلوم بالاضطرار من دين المسلمين وباتفاق جميع المسلمين أن من سوغ اتباع غير دين الإسلام ، أو اتباع شريعة غير شريعة محمد صلى الله عليه وسلم فهو كافر وهو ككفر من آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض الكتاب ، كما قال تعالى " إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوابين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلاأولئك هم الكافرون حقا وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا" ) ونقل العلامة ابن حزم في مراتب الإجماع الإجماع على كفر من تحاكم إلى الإنجيل ونحوه , من الشرائع المنسوخة , ولم يتعقبه ابن تيمية في نقده على المراتب ,فكيف بمن تحاكم إلى الطاغوت البشري؟ ومما يدلك أن كبار أهل العلم فرقوا بين النوعين قول الإمام ابن تيمية حيث قال"وإذا حكم بلا عدل ولا علم كان أولى أن يكون من أهل النار وأما إذا حكم حكما عاما في دين المسلمين فجعل الحق باطلا والباطل حقا ..فهذا لون آخر" وقال أيضا "وحكام المسلمين يحكمون في الأمور المعينة ولا يحكمون في الأمور الكلية " ,يعني فلا يتصور أصلا أن يكون حاكم اسمه مسلم وهو يحكم قوانين مغايرة للشريعة, فهذا لا يكون حاكما لمسلمين لأه خلع ربقة الدين من عنقه,وتأمل كلام العلامة الشنقيطي لتقف على جلاء الأمر : (وبهذه النصوص السماوية التي ذكرنا يظهر غاية الظهور أن الذين يتبعون القوانين الوضعية التي شرعها الشيطان على ألسنة أوليائه مخالفة لما شرعه الله جل وعلا على ألسنة رسله صلى الله عليه وسلم ،أنه لا يشك في كفرهم وشركهم إلا من طمس الله بصيرته وأعماه عن نور الوحي مثلهم) وليس المقصود هنا استقصاء أقوال أهل العلم ,..وإنما المقصود يا أختي الفاضلة واسطة العقد أن المقولة التي ذكرتِها , الحق في عكسها , أي ان عصور الانحطاط كانت قرينة ابتعاد الأمة عن طاعة الله ورسوله وكان دركات الانحطاط بقدر ما يكون من بعد عن منهج الله تعالى , على أن أسوأ معالم هذا الانحطاط حين استبدل بشرع الله غيره من قوانين ..كما سلف بيانه ,وكما في العصر الحديث بعد سقوط الخلافة ودراسة أسباب السقوط تنبيك عنها ..تاريخ الإسلام بيننا وبين أصحاب هذه الدعوى شاهد وحكم عدل , فمن استشهده فيما ندعي سيرى هذه القاعدة مطردة جلية كالشمس لا خفاء فيها ولا شوب ولا غبش..والله المستعان
Bookmarks