الزميل "الربوبي"..أسعدني ردك لما فيه من قبول للرأي المخالف..
ما دفعني للتعقيب على المثال هو أني رأيتك تلغي احتمالات قائمة ولم تكن غايتي ان اقنعك بإحداها ولكن فقط أن افتح امامك باب التساؤلات وقد حصل والحمد لله لاني لا أخفيك سرا "فانا ومن وجهة نظري على الأقل أختلف معك في أساس القضية أي في من هو المتهم ومن هو القاضي"..
على العموم نبقى في المثال من وجهة نظرك..تقول :
"خلاصة مداخلتك هي أن القاضي الذي إعتمد على عقله ثم أخطأ في الحكم هو مقصر"
هنا ايضا أراك الغيتَ احتمالا هاما وهو ان يكون هذا القاضي يتوهم انه يستخدم عقله فلربما كان حكم هذا القاضي مبني على "عاطفة أو ميل القلبي"..ولكن في الإتجاه السلبي كأن تكون مثلا براءة المتهم تسبب له مشاكل او ما شابه ومن مصلحة القاضي ان يُعدم المتهم..فلربما لو تجرد هذا القاضي من العاطفة والميل القلبي لكان الحكم غير الحكم..احتمال ايضا لا يجب إلغاءه..
تقول:
"وبداية لا بد من التوضيح بأن ما رميت له من هذا المثال هو ضرورة إستخدام العقل عموماً في إصدار الحكم كبديل لإستخدام العاطفة أو الحدس أو الميل القلبي أو ما شابه ذلك ، وليس الكيفية التي يستخدم بها العقل أو مدى الإجتهاد في البحث والتقصي ."
اتفق معك تماما ولكن أن يُطبق هذا المنهج في الإتجاهين..ولكن كما قلتُ فالسبب الذي دفعني للتعقيب هو قولك "وأحسب أنني لو وقفت يوماً بين يدي الله العادل ، وقد أوصلني استخدام العقل لقناعة بعدم صحة الإسلام ، أحسب بأنني سأحصل على عفوه حتى لو كان الإسلام صحيحاً . "..فهذه التي فيها نظر..
تقول :
"أولاً : بالنسبة لأحكام القضاة الآخرين ، والتي كان لا بد للقاضي في المثال أن يستأنس بها ، الا تعتقد معي بأن هؤلاء "القضاة الآخرين" لم يحكم جميعهم بحكم مناقض لحكم ذلك القاضي ، بل أن الكثيرين منهم قد حكموا بحكم مطابق لحكمه (بغض النظر عن صحة أو خطأ ذلك الحكم) ."
قصدي بالقاضي هو كل قاضي حكم بنفس ذلك الحكم وقصدي بالقضاة الآخرين كل القضاة الذين خالفوا الصنف الاول في الحكم..بمعنى انك لو قمتَ بعمل إحصاء ستجد ان نسبة الطرفين تماما كواحد مقابل مجموعة بغض النظر ايضا عن صحة أو خطا ذلك الحكم..
وبناء على هذا استنتجتَ :
"ولعل ذلك يقودنا لإستنتاج بأن مجرد وجود آراء أو أحكام من القاضي الفلاني أو القاضي العلاني لا يعد مبرراً كافياً يحمل القاضي (الذي نحن بصدد الحديث عنه) على إصدار حكم معين"
يكفي أن يشك في حكمه..وان لا ينام مرتاح الضمير ويظن انه فعل ما يجب عليه فعله..ويجب حينها ان يضع امامه احتمال ان يكون ظالم وأن يقر أن المظلوم من حقه ان يقتص منه يوما ما..إذ ليس بالظرورة ان يقتص المظلوم من الظالم إلا إذا شعر الظالم أنه ظالم..إذ يكفي هنا وقوع الظلم مع العلم انه كان بالإمكان تفاديه..
تقول :
"فقاضينا إذاً سيكون مقصراً لو لم يحرص على الإطلاع على كافة وجهات النظر وآراء القضاة الآخرين وأحكامهم (سواء المتفقين أو المختلفين معه) ، وسيكون مقصراً لو أستأنس بأحكام الآخرين وتبناها بدون فحص وتمحيص ونظر في الأسس التي قامت عليها تلك الأحكام ، وسيكون مقصراً لو كان إنتقائياً في إختيار وجهات النظر أو الأحكام الآخرى التي يطلع عليها ويستأنس بها ، فيهمل الأحكام التي تناقض حكمه ولا ينظر فيها ، وسيكون مقصراً أيضاً لو أنه نظر للأدلة التي تؤيد حكمه فقط من وجهة نظر المعارضين لذلك الحكم ، أو نظر للأدلة التي تناقض حكمه فقط من وجهة نظر المؤيدين لذلك الحكم .... ينطبق ذلك على قاضينا (أو أي قاضي آخر) سواء حكم على المتهم (في المثال المذكور) بالبراءة أو من حكم عليه بالإدانة ."
كلام جميل..فقط اختلف معك في نقطتين :
اولا الفحص والتمحيص سيكون ظروري لو كانت القضية شائكة لدرجة إمكانية عدم التمييز بين الادلة..ألا تر معي ان القاضي سيكون اشد تقصيرا بل وظالما حينها لو يكون الدليل لا يحتاج أصلا إلى فحص وتمحيص وان القضية لا تحتاج لأكثر من جلسة..
ثانيا تصور ان قاض أصدر حكما مستندا لادلة الإتهام وقاضِِ آخر أصدر حكما مستندا لأدلة النفي..ألا تر معي ان القاضي الذي نظر في ادلة النفي هو بالظرورة قد نظر في ادلة الإتهام إذََا فهو لم يقصر لأن أدلة النفي تشمل ما وقع نفيه بخلاف الاول فهو مقصر بل وظالم..
تقول :
"ونأتي الآن ل ثانياً ... وهي القضية الأكثر تعقيداً ..... فهل مجرد خطأ القاضي في الحكم سيكون دليلاً على تقصيره ...
لو إلتزمنا بالمثال (دون النظر لما وراءه) فالإجابة التي يدل عليها الواقع هي لا ... القضاة لديهم قدرات عقلية محدودة ولديهم طاقات محدودة على البحث والتقصي ... ومطلوب منهم أن يصدروا أحكامهم في ضوء تلك القدرات والطاقات المحدودة ، وإن أخطأوا فلا يلاموا على ذلك طالما بذلوا غاية جهدهم .... والواقع هو أن القضاة في شتى أنحاء العالم وفي كل يوم يجتهدون فيحكمون فيخطئون ."
اراك تجزم بقول "لا"..وقد اغفلتَ احتمالا هاما..وهو ماذا لو كانت تلك القدرات العقلية المحدودة كفيلة بأن تحكم ببراءة المتهم..إن اردتَ الإنصاف كان عليك ان تقول انه لو كانت أدلة نفي الإتهامات تتجاوز قدرات القاضي العقلية فحينها "لا"..وماذا لو كانت المسالة لا تستحق اصلا اجتهاد ماذا لو كانت المسالة لا تحتاج إلا لاستخدام تلك القدرات العقلية المحدودة والإبتعاد عن العاطفة والميل القلبي او لنقل الميل النفسي..ماذا لو ؟..احتمال يبقى قائم..
تقول :
حتى أن الرسول نفسه قال في حديث صحيح رواه البخاري ... (إنما أنا بشر ، وإنكم تختصمون إلي ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض ، وأقضي له على نحو مما أسمع ، فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذ ، فإنما أقطع له قطعة من النار) ...
انظر نهاية الحديث..فالقاضي لا يبيح حراما ومن تسبب في هذا الظلم سيجزى عنه..هذا في حالة نقص في الادلة واحتاج القاضي لما ليس في استطاعته ليصدر حكمه..فهذا لا إثم عليه ولكن ماذا لو كان الدليل امام عينيه وتغاضى عنه ولم يتدبره والقى به وراء ظهره..حينها الا تتفق معي انه سيكون هو المتهم لا القاضي ؟
Bookmarks