صفحة 2 من 5 الأولىالأولى 1234 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 16 إلى 30 من 66

الموضوع: حوار بين مسلم ولاديني-ابن عبد البر والربوبي

  1. #16
    تاريخ التسجيل
    Oct 2011
    المشاركات
    1,524
    المذهب أو العقيدة
    مسلم
    مقالات المدونة
    2

    افتراضي

    الزميل الربوبي، مرحبا .

    لا يخفى عليك أن مشاركتي هي تلخيص للمفصل، مع حذف مكثف لعدد من الإلزامات والتفريعات والإيضحات والأدلة، لهذا فالوصول لتلخيص جامع لكل الأدلة على إرسال الرسل ونظيره هو من باب الممتنع، لأني لم أضمنه كل الأدلة من جهة، ولأن المشاركة في حد ذاتها موجزة ملخصة لاحترام شرط عدم التطويل من جهة أخرى، فتلخيص التلخيص قائم على الحذف .

    وخوفي أن تنصرف لتلخيص الملخص بعدما تَحذف كل إلزاماته، فيكون ردك على فكرة مجردة دونما براهين تعضدها فلا يتحقق غرض المداخلة الأم. وتلخيص الملخص هو تسهيلٌ عليكَ وليس تسهيلا عليَّ .

    أما تلخيصك المُقترح فقد أتى بالفكرة دونما ذكر سندها المنطقي، فحين الرد ستتغافل عن سندها وستنقد الفكرة المجردة، فالأسلم أن تُلخص أهم النقط عندك في كناش وتضع المداخلة مباشرة دونما الحاجة إلى وضع مشاركة تلخيصية. التي بدورها أتت ناقصة فقد أغفَلت :

    1- مسألة القول على الله بغير بينة ولا دليل.

    2- حذف السؤال الجوهري عن أدلة اللادينية في باب الحياد .

    3- ان انعدام الأدلة عند المخالف هو دليل في حد ذاته .

    4- أن الجائز العقلي لا ينفى من أجل ممتنع .

    5- السؤال حول المانع العقلي لإرسال الرسل.

    6- صفات النقص التي يُلحقها معتقدك بالإله في حال الحياد .

    ثم تأتي السبع نقط التالية التي ذكرتَها ، هذا في باب الحياد الإلهي فقط، أما باب مصادر اللادينية فغير تلك .إضافة إلى ان لكل نقطة براهينها المنطقية وإلزاماتها العقلية التي وجب عليك تفنيدها أو الإقرار بها .

    وعموما فلن أعلق حتى تنتهي من رص المداخلتين، وخذ وقتك في ذلك مع استحضار الشروط .

    تحياتي ..
    التعديل الأخير تم 03-01-2012 الساعة 12:44 AM

  2. #17
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    1,421
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    في الحقيقة راجعت الحوار عدة مرات ، وبالنظر لما قدمه الأخ ابن عبد البر من اعتراضات على خرم بعض القواعد المقررة والتي أتفق عليها المتحاوران نجد أن الأخ ابن عبد البر قال :
    وأذكرك بأنك خالفتَ الشرط الخامس والسادس والسابع في الاتفاق، كما أنك أغفلتَ سهوا او عمدا للمرة الثانية ذكر مصادر معتقدك مما يجعلك مخالفا للشرط العاشر،
    فهو ذكر أن الشرط الخامس والسادس والسابع قد خرم بعض الشئ مع الشرط العاشر ، وبالعودة إلى كلام الزميل الربوبي وبتمحيص كلامه نجده فقط قد خرم هذا الشرط :-
    5- عدم إغفال نقطة من النقط أثناء الرد، فهناك من يحب الانتقاء في المداخلة، فيرد على نقط ويغفل أخرى، أو يقتبس اقتباسا يتضمن سبع نقط على سبيل المثال فلا يرد إلا على ثلاث.
    أما بقية الشروط فنعتذر للأخ ابن عبد البر عن الزميل الربوبي بأن الحوار ما زال في البداية والوقوع في بعض الأخطاء مدعاة لعدم الوقوع فيها مرة أخرى طالما حصل التنبيه ...
    وعليه فالشرط الوحيد الذي تم تجاهله من طرف الزميل المحترم الربوبي هو الشرط الخامس فقط ، وقد رأيت أن الزميل قد أغفله فعلاً حتى قبل مداخلة الأخ ابن عبد البر وقبل أن يراه بأسبوع ..
    ولتوضيح هذا الشرط نقول أن الزميل الربوبي كان قد ترك الإسلام ليتجه إلى اللادينية ، وعليه فهناك بعض الأصول العامة والمصادر التي اطلع عليها ووثق بها ، أما أن يكون التوجه إلى بعض النحل يفتقر إلى مصادر وأدلة وأقوال فهذا مما يجعل الحوار صعباً إذ أنه سيكون من قبيل الهوى المجرد أو مثل ما ذكر عن أحد الأئمة عندنا أنه جاءه أحد المبتدعة فناقشه في مسألة معينة فقال له الإمام لو كان الحق معك اتبعتك فماذا لو جاءنا آخر معه الحق فقال له المبتدع : نتبعه ونترك ما نحن عليه ، فقال له الإمام ولو جاءنا آخر معه الحق فقال المبتدع : نتبعه ونترك القول السابق ، فقال الإمام : سبحان الله دين محمد واحد والحق واحد !!
    وعليه فوجود مصادر اطلع عليها الزميل المحترم الربوبي مما يجعل محاوره يستند إلى أقوال معينة يرجع إليها وإلا فإن الزميل الربوبي سيضطر في كل مرة إلى تبني الكثير من الأقوال بحجة اللادينيية وهذا مرفوض ونرجو أن يتفهمه الزميل جيداً حتى يكون الحوار مثمراً ونحن نثق به على الأقل أن ينصفنا وأن يراجع قوله مرة أخرى وأن يحترم هذا الشرط ...
    ملاحظة : حيادية الإشراف لا تمنعنا من قول كلمة الحق حتى ولو كان المحاور ممن ينتسب إلينا ...
    واللهِ لَوْ عَلِمُوا قَبِيحَ سَرِيرَتِي....لأَبَى السَّلاَمَ عَلَيَّ مَنْ يَلْقَانِي
    وَلأَعْرضُوا عَنِّي وَمَلُّوا صُحْبَتِي....وَلَبُؤْتُ بَعْدَ كَرَامَةٍ بِهَوَانِ
    لَكِنْ سَتَرْتَ مَعَايِبِي وَمَثَالِبِي....وَحَلِمْتَ عَنْ سَقَطِي وَعَنْ طُغْيَاني
    فَلَكَ الَمحَامِدُ وَالمَدَائِحُ كُلُّهَا....بِخَوَاطِرِي وَجَوَارِحِي وَلِسَانِي
    وَلَقَدْ مَنَنْتَ عَلَيَّ رَبِّ بِأَنْعُمٍ....مَا لِي بِشُكرِ أَقَلِّهِنَّ يَدَانِ

  3. #18
    تاريخ التسجيل
    Oct 2011
    المشاركات
    1,524
    المذهب أو العقيدة
    مسلم
    مقالات المدونة
    2

    افتراضي

    شكر الله لك أيها المشرف الفاضل، وحتى يعلم الزميل أن الإدارة في هذا المنتدى من شيمها إنصاف المُخالف ولو على حساب المحاور المسلم .

    وهي فرصة لكي أحيي الأدب العالي في العضو الربوبي، فهو شخص محترم جدا هداه الله إلى الحق وإياي.

  4. #19
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    124
    المذهب أو العقيدة
    لادينى

    افتراضي

    الزميل إبن عبد البر

    تحية طيبة ، وبعد .....

    شاءت الظروف أن ينقطع المنتدى خلال نفس اللحظة التي كنت اكتب فيها هذه المداخلة وذلك قبل إسبوع ، ولكن لحسن الحظ كان لدي نسخة محفوظة منها مسجلة في ملف وورد .. وها أنا ذا أعيد سطرها


    الزميل المحترم .... سأوضح لك فيما يلي وجهة نظري فيما طلبته من دلائل ومصادر أستدل بها على صحة عقيدتي الربوبية


    أنا ربوبي .... وذلك يعني أنني :

    * أؤمن بالله

    * لا أؤمن بالأديان

    * أؤمن (من واقع مشاهداتي وبتحكيم عقلي ومنطقي) بأن الله لا يتدخل في شئون البشر ، وأن القوانين والسنن الكونية هي الحاكمة وهي التي يجري كل شئ في هذا الكون وفقاً لها ، وبدون أي إستثناءات .


    هذه هي عقيدتي وهذا هو إيماني ... واضح جداً وبسيط جداً .. ولنأتي الآن لما تريدني إثباته لتأكيد صحة عقيدتي ...

    * هل تريدني أن أثبت لك بأن الله موجود ، ويمكن إدراك وجوده عقلاً ....... لا أظنك منكراً لذلك حتى أثبته لك

    * هل تريدني أن أثبت لك بأن الأديان غير صحيحة ... هذا شئ يمكننا أن نناقشه بإستفاضة (وسيكون محور نقاشنا في الجزء الثاني من هذه المناظرة)

    * هل تريدني أن أثبت لك بأن الله لا يتدخل في شئون البشر ...... حسنناً ... كما أوضحت لك في مداخلة سابقة بأن التدخل الإلهي يمكن أن يأخذ أحد خمسة أشكال :

    - قد يكون في شكل إجابة الدعاء ... ولكني لم أرى في حياتي شخصاً يدعو فيستجيب الله له خارج نطاق السنن الكونية (كأن يدعو تلميذ فاشل الله لأن يصبح الأول في صفه ، فيستجيب الله له) ، ولكن على النقيض من ذلك رأيت الملايين من المسلمين والمسيحيين يدعون الله ليلاً ونهاراً لتحقيق مآرب معينة ، ولا أرى دليلا على حدوث الإجابة ، رغم إلحاحهم في الدعاء .... المسلمون يؤمنون بأن إجابة الدعاء قد تكون في شكل دفع بلاء أو تؤجل إجابة الدعاء ليوم القيامة ... أما أنا فأؤمن بأن تلك القناعة ما هي إلا تبريراً لعدم حدوث الإستجابة .

    - قد يكون التدخل الإلهي في شكل إلهام أو رؤية صالحة أو خرق محدود لسنن كونية تتحقق لأحد أولياء الله الصالحين ... ولكن حدوث مثل تلك الأشياء هو أيضاً شئ غير مثبت علمياً ، وأنا شخصياً لم أرى حدوث ذلك ، ولم أسمع بحدوثه إلا في حالات محدودة بدا فيها جلياً وجود نوع من الإيحاء النفسي أو خداع الحواس الذي يدفع البعض لتصديق حدوث تلك الخوارق لبعض من يدعوا بأنهم من أولياء الله الصالحين .

    - قد يأخذ التدخل الإلهي في شئون الكون شكل خرق إلهي لسنن الكون ، كإحداث زلزلال أو بركان لإهلاك قوم مفسدين ، أو جلب أمطار لقوم مجدبين رحمة بهم ، أو غير ذلك من مظاهر ما يسمى بالعناية الإلهية أو الغضب الإلهي ... وهذه أيضاً يستحيل إثباتها ، كما يستحيل التأكد من أن وقوع تلك الزلال أو البركان أو الأمطار لم يكن إلا حدثاً طبيعياً عادياً .


    - وقد يكون التدخل عبر معجزة يجريها الله لأحد أنبياءه ، كشق البحر لنبي الله موسى ، وهذا النوع من المعجزات هو بالطبع حجة فقط على من رأاه ممن عاصروا هذا النبي ، ولا يقوم دليلاً على حدوث التدخل الإلهي بالنسبة لنا .

    - أخيراً ، قد يتدخل الله عبر إرسال الرسل وإنزال الشرائع للبشر ... وهذا هو النوع الوحيد من التدخل الإلهي الذي يمكن الإحتجاج به لنفي صحة العقيدة الربوبية .


    إذا العقيدة الربوبية صحيحة ما لم يتم إثبات صحة أحد الرسالات السماوية ونسبتها لرب العالمين (وجهة النظر الدينية) ، أو يتم إثبات عدم وجود إله (وجهة النظر الإلحادية) ، وبخلاف ذلك فإن الشئ الوحيد الذي يمكن تحدي العقيدة الربوبية به هو في القول بأن حكمة الله وعدله ورحمته (وغيرها من صفات كماله) تستوجب قيامه بالتدخل في شئون البشر عبر إرسال الرسل .


    ولكن مهلاً .... من هو ذا الذي يدعي معرفته بحدود ومقتضيات الحكمة الإلهية ؟ ... من ذا الذي يستطيع الجزم بأن تعامل الله مع المعطيات هو مطابق لطريقة تعامل البشر معها ؟ ... وما يدرينا ما هي غاية الله من الخلق حتى نفترض بأن الله يجب أن يتدخل فيرسل لنا الرسل والرسالات ؟

    الإجابة الإسلامية لسؤال لماذا خلقنا الله هي أن الله قد خلقنا لكي نعبده ... بالمعنى الواسع للعبادة ... أي لكي نسير على الدرب الذي رسمه لنا ونلتزم بالنهج الذي خطه لنا (هذا بالطبع بجانب تبجيله وتقديسه وذكره وشكره على نعمه) ... ولكن لو نظرنا لتلك الإجابة بتمعن سنجد بأنها لا تعطينا أي معلومة مفيدة .... فكون الله قد خلقنا لنعبده ونلتزم بالنهج الذي رسمه لنا ونقدسه ..الخ ، كل ذلك لا يمكن أن يكون هدفاً أو غاية في حد ذاته ، ولكنه يصلح فقط كوسيلة لتحقيق غايات أخرى ... على سبيل المثال عندما قام الإنسان بصنع الساعة ، فهل يجوز لنا القول بأن الإنسان قد صنع الساعة لكي تدور عقاربها !! ... هل يجوز القول بأن الإنسان قد صنع السيارة من أجل أن تسير وصنع الطائرة من أجل أن تحلق في السماء !! هذا هو نفس منطق من يقول بأن الله قد خلق الإنسان من أجل عبادته والإلتزام بالنهج الذي رسمه له ، فهذا القول ليس بجواب شافي لسؤال "لماذا خلقنا الله" ... وسيبقى السؤال مطروحاً ولكن بصيغة اخرى ، حيث سيصبح السؤال ... "لماذا يريدنا الله أن نلتزم بالنهج الذي رسمه لنا أو نقدسه أو نصلي له ... وهو غني عن كل ذلك ؟"


    طالما أن الله غني عن عبادتنا له ، ولن تضيف له تلك العبادة شيئاً ، فلا مناص من القول إذاً بأن الله قد أمرنا بعبادته لتحقيق مصلحة خاصة بنا (أي لتحقيق مصلحة البشر) ... ولكن حتى هذا الإفتراض لن يحل المعضلة ... إذ كيف يصح القول بأن الله قد خلقنا لتحقيق هدف ما ، في حين أن تحقيق هذا الهدف لن يكون مطلوباً لو لم يخلقنا الله من الأساس ، فلو لم يخلقنا الله لما كان هناك داعي لكي يأمرنا بعبادته لكي تتحقق مصلحتنا !!


    وعليه ... لا توجد إجابة شافية لسؤال (لماذا خلقنا الله) سوى بالإعتراف بأن الله قد خلقنا لغاية أو حكمة يعلمها الله وحده ولم يفصح لنا عنها .... فإذا كنا لا نعرف الغاية التي خلقنا الله من أجلها ، فكيف نجرؤ على الإدعاء بأن إبراز كمال الصفات الإلهية يقتضي إتصال الله بنا وإعطاءنا تعليمات محددة عبر رسله لكي نتبعها !!

    في الواقع فإن إفتراض تدخل الله لحل مشاكل البشر وضبط أمورهم لا يعدو أن يكون نوعاً من التفكير القائم على التمنيات (Wishfull thinking) ... وهذا دائماً هو حال الإنسان عندما يشعر بالضعف أو فقد السيطرة ، فسرعان ما يهرع لأحلامه ورغباته فيخلطها بالواقع فيقول محدثاً نفسه ... (أنا أستحق ذلك ، إذا يجب أن يحدث ذلك) !!! ... فنحن نتصور بأن الخالق العظيم سوف يتدخل في حياة البشر عبر إرسال الرسل ، ولكن هذا التصور قد يكون مجرد نتيجة لقصر مدراكنا ولعدم إحاطتنا بالحكمة الإلهية والغايات الإلهية .


    ----------------------------------------------------------



    وهناك خطأ منهجي آخر وقع في الإنسان القديم (وكرسه الفكر الديني) ... وهو الحرص الزائد على ملأ كوب المعرفة عندما يكون فارغاً أو نصف ممتلئ ... فالإنسان بطبعه يحب أن يكون محيطاً بكل شئ ولا يقبل الغموض في بناءه المعرفي ، وهذا ما دفعه للوقوع في خطأ "ملأ الفراغ المعرفي بالأساطير" .... فقديماً – على سبيل المثال - لم يعرف الإنسان سر نزول المطر فإفترض بأن هناك إلهاً مسئولاً عن ذلك ، تقدم له القرابين فيستجيب منزلاً الغيث !!!



    وعلى النقيض من ذلك فالعقيدة الربوبية تقبل وبصدر رحب وجود بعض الفراغات المعرفية ... عملاً بمبدأ (الإقرار بالجهل فضيلة) ، ولعل هذا هو سر بساطتها ، وسر إستعصاء نقدها على الكثيرين ....


    صحيح أن هناك بعض من الأسئلة التي يرغب الإنسان (وكنت أرغب شخصياً) في أن يوضحها لنا خالق الكون ، (وتحديداً السؤال المتعلق بمصيرنا بعد الموت وشكل الثواب والعقاب المترتب على أعمالنا الدنيوية) ... ولكن للأسف لم يقدم الخالق العظيم لنا إجابات لتلك الأسئلة (وذلك من وجهة نظري الربوبية) .


    * فهل ألوم الله أو إفترض فيه عدم الكمال والحكمة لأنه لم يفعل ذلك .... بالطبع لا ، فليس من حقي أن ألوم الله ، ولكن يجب أن ألوم قصر مداركي وعجزي عن إدراك الغايات الإلهية وأبعاد الحكمة الإلهية ... ولا أستبعد أن يكون في عدم إجابة هذه السؤال بواسطة الخالق خيراً أعظم للإنسانية .


    * هل أسلم بصحة الإديان لمجرد أنها قدمت إجابات لتلك الأسئلة .... كان ذلك ممكناً لو كانت إجابات الأديان لتلك الأسئلة منطقية ، ولو لم تحتوي الأديان على كثير من جوانب التناقض واللامنطقية واللاعملية التي دفعتني لرفضها جملة وتفصيلاً (وهذا بالطبع من وجهة نظري ) .


    كل ما تقدم هو لكي أثبت لك بأن إفتراض التدخل الإلهي عبر إرسال الرسل ليس واضحاً وليس بديهياً وليس واجب عقلاً (كما تفضلت أنت بالقول سابقاً) ... بل أني أرى أن في مثل هذا القول نوع من التجني على الذات الإلهية .





    وأختم هذا الجزء من المداخلة بالرد على قولك التالي :



    لأن الجائز العقلي لا يُنفى من أجل مستحيل عقلي، فإن كان هذا في الجائز، فالواجب العقلي أحق بهذه القاعدة من الجائز، خاصة وأن فطرة العقل دالة عليه ببراهين أخرى .

    فأنت تقول بأن إرسال الرسل هو واجب عقلي ... ولكن كيف يكون ذلك ؟؟؟ الواجب العقلي هو شئ لا يجب الإختلاف حوله وهو مالا يتصور العقل عدمه او إنتفاءه ... فهل قصر عقل إينشتين أو إسحاق نيوتن أو غيرهم من العلماء والمفكرين عن إدراك هذا الواجب العقلي ... 95% من العلماء الحاصلين على جائزة نوفل هم من اللادينين ، فهل تعني هذه الإحصائية شيئاً بالنسبة لك ... ولا أسوق هذه الأحصائية للتدليل على صحة اللادينية ولكن للتدليل على عدم بديهية فكرة إرسال الرسل أو كونها واجب عقلي .



    ----------------------------------------------------------

    لعل فيما ذكرته سابقاً توضيح لبعض الأسس التي تقوم عليها العقيدة الربوبية والرد على بعض مطالبك بتوضيح مصادرها وطبيعتها ، وتطرقت في تلك المداخلة أيضاً لفكرة التدخل الإلهي بشكل عام لإثبات عدم بداهتها وعدم حتميتها .


    في المداخلة القادمة (والتي ستكون في الغد) ، سوف أسرد لك بالتفصيل الأدلة التي أشتق منها صحة عقيدتي الربوبية وأجاوب على ما طرحته أنت من أدلة تستدعي إرسال الرسل وما أشرت له من وظائف الدين التي قلت عنها بأنها وظائف اساسية يجب أن تضطلع بها أي عقيدة حتى تكون جديرة لأن نؤمن بصحتها .
    التعديل الأخير تم 03-09-2012 الساعة 06:53 PM

  5. #20
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    1,421
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    نرجو ان تكون مداخلة الزميل الربوبي بعد مداخلة الاخ ابن عبد البر منعا للاثقال المتعب من جراء الردود المتتابعة بدون فاصل
    واللهِ لَوْ عَلِمُوا قَبِيحَ سَرِيرَتِي....لأَبَى السَّلاَمَ عَلَيَّ مَنْ يَلْقَانِي
    وَلأَعْرضُوا عَنِّي وَمَلُّوا صُحْبَتِي....وَلَبُؤْتُ بَعْدَ كَرَامَةٍ بِهَوَانِ
    لَكِنْ سَتَرْتَ مَعَايِبِي وَمَثَالِبِي....وَحَلِمْتَ عَنْ سَقَطِي وَعَنْ طُغْيَاني
    فَلَكَ الَمحَامِدُ وَالمَدَائِحُ كُلُّهَا....بِخَوَاطِرِي وَجَوَارِحِي وَلِسَانِي
    وَلَقَدْ مَنَنْتَ عَلَيَّ رَبِّ بِأَنْعُمٍ....مَا لِي بِشُكرِ أَقَلِّهِنَّ يَدَانِ

  6. #21
    تاريخ التسجيل
    Oct 2011
    المشاركات
    1,524
    المذهب أو العقيدة
    مسلم
    مقالات المدونة
    2

    افتراضي

    لا بأس أخي المشرف حفظك الله، فهذا الأسبوع عندي فيه سعة، خاصة وأن المشاركة الأخيرة للزميل هداه الله لم ترد على أغلب النقط وليس بها استشكالات عويصة تتطلب تطويلا، لهذا سأعلق بعدما يضع مشاركته الثانية، حتى نرى مدى موافقته للشروط وإحاطته بكل الإلزامات.

  7. #22
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    124
    المذهب أو العقيدة
    لادينى

    افتراضي

    الزميل الفاضل إبن عبد البر

    شكراً لك على السماح لي بإكمال مداخلتي ، ومثل هذا التصرف النبيل يليق بك وكنت أتوقعه ،

    وسوف أتناول في هذه المداخلة جزئين هما :

    1) ذكر أدلتي على الحياد الإلهي أو على عدم إرسال الرسل

    2) الرد على مداخلتك الأخيرة ، وما ذكرته من دواعي تستدعي إرسال الرسل وإنزال الشرائع

    ------------------------------------------------------------------
    الجزء الأول : الأدلة على الحياد الإلهي وعلى عدم إرسال الرسل



    الدليل الأول : عدم منطقية الأديان (التي تقول بأن الله قد أرسل رسلاً) يثبت عدم صحة قيام الخالق بإرسال الرسل

    وهناك نقطة هامة أرجو لفت الإنتباه لها لفهم هذا الدليل ... وهي أني لا أقول بأن الرب الخالق "لن ينزل ديناً" في المستقبل ، فهذا شئ لا يمكن الجزم به ، وإنما قلت بأن "الرب الخالق لم ينزل ديناً" في الماضي ... وهناك فرق بين "لم" و "لن" ... وعندما أقول بأن عقيدتي هي بأن الإله لا يتدخل بشكل مباشر في سير الكون فإن ذلك هو مجرد قراءة تاريخية للماضي وليس صياغة لقانون يحكم المستقبل .

    أما بخصوص عدم تدخل الله في الماضي (عبر إرسال الرسل) فهو جلي بالنسبة لي (وبالنسبة والكثيرين غيري ممن شهد لهم القاصي والداني من علماء ومفكرين وفلاسفة عظام ، ولا داعي لذكرهم وهم بالآلاف) ، فلما فحصت الأديان الحالية ورأيت أوجة تناقضها وعدم منطقيتها ومخالفتها للعلم وصلت لقناعة ببشريتها وعدم لياقتها لأن تكون صادرة من الخالق العظيم وتيقنت بأن الرب الخالق لم ينزل ديناً ... وطالما أنه لا يوجد دين صحيح (من وجهة نظري) ، فإن ذلك يعني بأن الخالق العظيم قد إرتضى للبشرية اللادينية ...وكل ما يقال عن ضرورة قيام الله بإرسال الرسل يصبح لا قيمة له إن لم يثبت وجود رسالات على درجة من الكمال والسمو والصحة تليق بأن تكون منزلة من الله رب العالمين

    بإختصار دليلي الأول هو نفس دليلك لإثبات خطأ الربوبية... حين قلت :

    أن انعدام الدليل عند المخالف، دليل ... فإن انعدمت هذه الحجج والبراهين (على صحة قضية ما) فيكون نقيضها أولى بالتسليم وأحق بالتصديق، لأن مانع القضية السالبة يسلم جدلاً بنقيضها"
    وبما أن الحجج والبراهين قد إنعدمت على صحة الأديان فإن نقيضها (اللادينية) يكون أولى بالتصديق .

    وكل ما سبق هو بالطبع من وجهة نظري ... كما أننا لن نخوض في تفاصيل هذا الدليل لأن ذلك مؤجل للقسم الثاني من مناظرتنا والمتعلق بإثبات صحة الإسلام .


    الدليل الثاني : محدودية النتائج المترتبة على التدخل الإلهي المفترض تؤكد عدم حدوثه

    فالأديان لم تستقطب إلا نسبة بسيطة من البشر ، ومن هذه النسبة التي آمنت بتعاليم السماء وبالرسل هناك نسبة أقل عملت بمقتضى تلك التعاليم ... والنتيجة هي أن تلك التعاليم والتوجيهات السماوية لم تكن مؤثرة فعلاً في مسيرة البشرية ، وبشكل يتناسب مع كونها صادرة من الخالق العظيم .

    ولو كانت البشرية فعلاً بحاجة لذلك التدخل الإلهي ولا يستقيم حال البشر إلا بذلك التدخل ، فإن من المفترض أن نرى نتائج ملموسة لذلك التدخل الإلهي وفي شكل تغير جذري في حياة البشرية ، ولكن لا يوجد أي أدلة تؤكد حدوث ذلك التغير الجذري في مسيرة البشرية والذي يمكن نسبته لتدخل إلهي أو إرسال رسل .

    إذاً عاش الإنسان طوال عمرة على ظهر كوكب الأرض وكأن لم يكن هناك رسل أو رسالات ، صحيح أن البشر عانوا خلال مسيرتهم تلك من بعض المشاكل والصعاب ، ولكنهم تعايشوا مع تلك المشاكل والصعاب وسعوا للتغلب عليها ، ويبدو لي أن البشرية قد حققت تقدماً ملموساً في هذا الجانب ... مرة أخرى بدون عون من السماء أو بتوجيه من الرسالات والشرائع المنزلة ... بإختصار لو أسقطنا الرسل والرسالات فلن نلمس أن تغيراً في حال البشرية .


    الدليل الثالث : إفتراض حدوث ذلك التدخل الإلهي يوقعنا في فخ إتهام الخالق العظيم بالتقصير

    فإفتراض عدم إستقامة حال البشر بدون إرسال الرسل يعني أحد شيئين (أو كلاهما) ... فقد يعني بأن الله قد خلق البشر وفيهم ضعف ذاتي أو خلل مركب ، مما يجعلهم بحاجة دوماً لتدخل خارجي من الخالق لإصلاح ذلك الخلل (عبر إرسال الرسل) ، وهذا الخلل المركب قد يشير إلى عيب في التصميم أو الصنعة (تعالى الله عن ذلك) ... وقد يعني إحتياجنا للتدخل السماوي وعدم إستقامة حالنا بدونه بأن الله قد رضى (أو ربما شاء) بأن يكون حال البشر غير مستقيماً ومختلاً ، وأن لا يتم إصلاح الخلل الذي هو كائن فيهم ومزروع فيهم بالفطرة ... فكما هو معلوم فإن أغلب الناس لا يؤمنون بالرسل والرسالات وإن آمنوا بها فلا يعملوا بمقتضاها (كما تم التوضيح في النقطة السابقة) ، والمحصلة هي أن حال البشر لن يستقيم وسيظل مختلاً رغم إرسال الرسل .


    الدليل الرابع : إثبات حاجة البشرية لذلك التدخل الإلهي وللرسل والرسالات السماوية يقوم على أن إفتراض غير مثبت وهو أن المؤمنين برسالة السماء والمتبعين لها هم أفضل حالاً من غير المؤمنين بها أو المتبعين لها

    فبدون إثبات أفضلية المؤمنين على غير المؤمنين يستحيل إثبات حاجتنا لذلك التدخل السماوي ... أي يجب أن يتم أولاً إثبات أن الرسل والرسالات قد أثرت فعلاً في حال متبعيها فجعلت حالهم أفضل من غيرهم ... ولكن هذا الشئ هو غير ثابت ... صحيح أن حال المؤمنين قد يكون أفضل من حال غير المؤمنين في بعض الجوانب (مثل الأخلاق الجنسية أو غيرها) ولكن هذا لا يكفي للحكم بأفضلية المؤمنين على غير المؤمنين .

    في الواقع حتى تثبت الحاجة للتدخل السماوي فيجب أن يكون حال المؤمنين هو أفضل في كل الجوانب وليس فقط في بعضها ، وأن يكونوا أفضل من جميع الغير مؤمنين (وليس فقط أفضل من بعضهم) ، وأن يكون تمايز المؤمنين على غير المؤمنين واضحاً وجلياً فيتفوقوا بمراحل حال الغير مؤمنين (بما يليق بعظمة المصدر الإلهي الذي أعطاهم هذه الافضلية) ... وكل ذلك هو بالطبع غير مثبت .

    أما ذلك المجتمع المثالي الذي تبشر به الأديان أتباعها إن هم إتبعوا تعاليم السماء ، فهذا المجمتع لم يقم على أرض الواقع (في إعتقادي) ، وليس له وجود سوى في كتب التاريخ الإسلامي (التي تدعي أن ذلك المجمتع المثالي قد وجد فعلاً خلال فترة النبوة وخلال فترة الخلفاء الراشدين) .


    الدليل الخامس : الإعتراض الموجه لوسيلة ذلك التدخل الإلهي المفترض (أي عبر إرسال الرسل)

    فإسلوب ذلك التواصل المفترض بين الله والبشر ... أي عبر الأنبياء والرسل ... هو إسلوب تثار العديد من التساؤلات حول مدى منطقيته ... فلا يعقل (بالنسبة لي) أن يلجأ الله لأشخاص يصطفيهم ليبلغوا رسالته للناس ؟ وأتساءل ... لماذا لا يقوم الله بإيصال تلك الرسالة بنفسه وهو قادر على ذلك ؟ ... إذا كان لديك رسالة (هامة جدا) تريد أن توصلها لشخص ما او مجموعة أشخاص ، هل ستوصلها لهم بنفسك أم سترسلها عن طريق وسيط او رسول ؟ ... بالتأكيد إذا كانت الرسالة هامة جدا وكنت قادرا على إيصالها بنفسك فلن تلجأ إلي الوسيط ... فإذا كان الخالق العظيم قد خلق الناس خصيصاً ليعبدوه فلماذا شاء أن يتم إيصال تلك الرسالة بواسطة أشخاص قد تحوم حول صدقهم الشبهات ، وقد يتهمون بالكذب في إدعاء النبوة ... وهذا ما حدث بالفعل ، فقد كُذِّبَ معظم الأنبياء .

    قد يقول البعض بأن الله قد شاء أن يرسل الرسالة بواسطة أشخاص من نفس جنس المرسل إليهم أو بأن الحكمة من قيام الله بإرسال الرسل وعدم تبليغنا تلك الرسالة بنفسه أو عبر ملائكة مثلا هي ضرورة تجسيد تلك الرسالة في الواقع من خلال سلوك وممارسات الرسل الذين يرسلهم الله للناس لإعطاء مثال حي على كيفية الإلتزام ... وأحسب أن هذا الرأي ليس ناتجاً إلا عن قصور في تصور حدود القدرة الإلهية وما يمكن أن يفعله الله لو أراد تبليغنا رسالته بدون وسطاء .

    فهل هذا الإسلوب يليق بالخالق العظيم لإيصال رسالته لعموم البشر ... أليس من كمال الله وعظمته أن يلجأ لإسلوب آخر أكثر نجاعة في إيصال رسالتة للناس بدلاً من الإعتماد على رسل يكونوا دائماً محل شك وإتهام بإدعاء النبوة سعياً لتحقيق مآرب خاصة أو أجندات معينة بغض النظر عن مدى أخلاقية وسمو تلك الاجندات .



    الدليل السادس : عدم إنتظام ذلك التدخل السماوي المفترض وعشوائية نطاق تغطيته الزمانية والمكانية يؤكدان عدم إلوهيته ... ولو كان هذا التدخل ضروري فعلاً وكان صادراً من الخالق العظيم لشمل كل البشر في كل زمان ومكان .

    يتهم اللادينيون الأديان السماوية عموماً والإسلام على وجه الخصوص بأنها ظاهرة شرق أوسطية ، ويرد المسلمون على هذا الإتهام عادة بالقول بآية (وإن من أمة إلا خلا فيها نذير) ... ولكنهم يعجزون عن ذكر أي نبي مرسل لأي أمة خارج نطاق الشرق الأوسط أو التدليل على صحة وجوده ، حتى في أساطير الشعوب القديمة ... فلا يعرف من هؤلاء المرسلين الذين أرسلهم الله سوى ال 24 نبياً المذكورين في التوارة بالإضافة إلى نبي الله صالح الذي إنفرد القرآن بذكره وبعض الأنبياء الذين إنفرد التوراة أو الإنجيل بذكرهم بذكرهم

    وحتى نكون أكثر دقة فلا بد من الإشارة إلى أن ظاهرة الرسل والرسالات ليست فقط ظاهرة شرق أوسطية ، بل هي في الواقع ظاهرة تنحصر فقط في 6 ديانات شرق أوسطية (هي الزرادشتية والديانة المانوية وديانة الصابئة واليهودية و المسيحية والإسلام)... ولم تدَّعِي أي من الديانات القديمة بخلاف تلك الديانات الستة بأن الله قد أرسل أنبياء لتبليغ الناس بأوامر أو تعليمات محددة ... صحيح أن في الكثير من الحضارات وفي الكثير من الأديان هناك بعض الأشخاص ممن إدعوا قدرتهم على الإتصال بقوى خارقة أو قوى من خارج الكون ، إلا أن أياً من هؤلاء المدعين لم يدعي بأن الله قد أرسله لإبلاغ الناس بأوامر وتعلميات محددة أو بأن كتاباً سماوياً قد نزل عليه من الله .. حدث هذا فقط في الديانات الستة المشار إليها ... والمفارقة الأخرى هي أن تلك الديانات الستة المشار لها هي ديانات متداخلة ورثت بعضها بعضاً ، فالإسلام والمسيحية تأثرتا باليهودية ، وديانة الصابئة والمانوية تأثرتا بالمسيحية والزرادشتية ... وهكذا يمكننا تتبع منشأ ظاهرة الرسل والرسالات إلى الديانة اليهودية أو الزرادشتية ومن أحد هاتين الديانتين إنتقلت الظاهرة للديانات الأخرى (حسب إعتقادي) .

    أما العشوائية الزمانية لظاهرة إرسال الرسل فتظهر بوضوح من خلال ما يعرف بأهل الفترة ... فإذا كان الله يخلق بعض البشر ثم يتركهم بدون رسل أو رسالات ، فهذا يثبت بأن حاجة البشر للرسالات ليست حاجة ماسة .


    هذه 6 أدلة تشكك بوضوح في صحة ذلك التدخل الإلهي المفترض عبر إرسال الرسل ، وتعطيني الحق لرفضه عقلاً .... وبعد سقوط فكرة التدخل الإلهي عبر إرسال الرسل ، يكون قد تم دحض كل أشكال التدخل الإلهي الممكن في حياة البشر أو في سير الكون .... وبدحض فكرة التدخل الإلهي في حياة البشر يكون قد تم إثبات مبدأ الحياد الإلهي ... وبإثبات الحياد الإلهي مع إثبات عدم صحة الأديان (الذي سيتم نقاشه لاحقاً) ، وإثبات وجود خالق للكون يكون قد ثبت صحة العقيدة الربوبية .


    -----------------------------------------------------------------


    الجزء الثاني : الرد على مداخلتك الأخيرة ، وما ذكرته من دواعي تستدعي إرسال الرسل وإنزال الشرائع


    ذكرت في مداخلتك السابقة الأسباب التي تستدعي ضرورة إرسال الرسل وإنزال الشرائع للبشر ... فذكرت الوظائف التي يقوم بها الدين للبشر وذكرت في موقع آخر الأدلة على إرسال الرسل وإنزال الشرائع وأخيراً أشرت إلى أن عدم إرسال الرسل يتضمن إتهاماً للذات الإلهية وإستطردت في شرح أسباب ذلك ....

    وسأوضح فيما يلي بعض الأسس الهامة الجامعة التي تنفي كل تلك الأسباب والذرائع التي ذكرتها أنت كدلالئل على ضرورة إرسال الرسل ، وسأبدأ بالوظائف أو الأدوار التي أشرت لها وقلت بأنها وظائف لازمة يجب أن يلعبها الدين .


    أولاُ : بالنسبة للوظيفة التفسيرية للدين

    وقد وصفت طبيعة تلك الوظيفة فقلت عنها :

    تفسير ظواهر الكون مثل حكمة الخلق والتعريف بالخالق ودور الإنسان في الحياة وما بعد الموت ، ودفع العدمية
    ومن خلال النقاط التالية سأبين وجهة نظري حول عدم تبرير تلك الوظيفة لقيام الله بإرسال الرسل


    • إذا أردت إثبات حاجاتنا للدين لتفسير ظواهر الكون التي أشرت لها ، فعليك اولاً إثبات أن التفاسير التي قدمتها الأديان لتلك الأشياء الغامضة هي تفسيرات صحيحة ... (وبالطبع هذا شئ يستحيل إثبات صحته مثل ما يحدث للناس بعد الموت) ... فكما ذكرت لك سلفاً فإن البشر كان لديهم دائماً ميل لإيجاد إجابات للأشياء الغامضة المتعلقة بحياتهم ... ومجرد قيام الأديان بتقديم إجابات أو تفاسير لبعض النواحي الغامضة في حياة البشرية لا يثبت صحتها .

    وعليك أيضاً إثبات أن التفسيرات أو المعارف التي قدمها لنا الدين (عبر قيامه بتلك الوظيفة) لا تعدو أن تكون ترفاً معرفياً لا يترتب عليه شئ وليس للبشرية حاجة حرجة له ، مثل معرفتنا بالملائكة وعرش الله وقصة الخلق وكثير من قصص الأنبياء .

    وبالنسبة للغاية من الخلق (لماذا خلقنا الله ) ، (وهي أحد الظواهر الكونية الغامضة التي قدمت لها الأديان تفسيراً) ، فعليك إثبات منطقية التفاسير الدينية (والتي هي أن الله قد خلقنا لعبادته) ، رغم أن الله غني عن عبادتنا ، وكان الأولى به عدم خلقنا لو كان الغرض من تلك العبادة هي تحقيق مصالح خاصة بنا نحن بنو البشر .



    ثالثاً : بالنسبة للوظائف التأديبية والتلقينية

    والتي عرفتها أنت فقلت :
    الوظيفة التلقينية : وهو تلقين الناس لفسلفة الدين في الحياة والمجتمع وغيره
    الوظيفة التأديبية : وهو ما يتعلق بالأخلاق والعبادات والمعاملات .
    وهاتان الوظيفتان سأتناولها معاً ، فكلاهما يدور حول أهمية الدين لتعريف الإنسان بأنماط السلوك والإعتقاد الصحيح التي يجب أن ينظم الفرد والمجتمعات حياتها وفقاً لها ... أي بإختصار التعليمات التي يريدنا الله أن نلتزم به ... وسأبين فيما يلي الإعتراض على قولك بحاجتنا الدين لأداء هاتين الوظيفتين :

    • إذا كانت تلك التعليمات السماوية طقوساً عبادية كالصلاة والصوم الخ ، فرغم ما ينسب لتلك الطقوس من فوائد صحية وإجتماعية أو نفسية ، إلا أن تلك الفوائد تبقى غير مثبتة ومحل جدال وقد يطول فيها النقاش ويتفرع ، هذا بخلاف أنها فوائد فرعية أو هامشية ولا تبرر الحاجة للرسل والرسالات ... إذاً يبقى إذا الدور الأهم للطقوس الإسلامية وهي إستيفاء حاجة الإنسان الفطرية للعبادة والخضوع .

    وبالنسبة لما يسمى بحاجة الإنسان للعبادة والخضوع ... فهذا إدعاء لا أرى صحته ، فلا يوجد ما يسمى بحاجة الإنسان للعبادة والخضوع ، ولكن يوجد لدى الإنسان خوف من المجهول ورغبة في السيطرة على الطبيعية وفهم وتفسير الظواهر الغامضة ... أما عن قيام الحضارات القديمة بإتخاذ الأديان وعبادة مظاهر الطبيعة (وهو ما يستدل به البعض على حاجة الإنسان الطبيعية للعبادة) ، فهذا لا يقوم دليلاً على حاجة الإنسان للعبادة ... فإختراع الدين لم يأت نتيجة حاجة البشر للعبادة والخضوع أو بسبب حاجة الإنسان للتواصل مع الله ، ولكن ظهر الدين بسبب ضعف الإنسان القديم أمام الطبيعية االتي كانت تحمل أحياناً تهديداً لوجوده وتتحكم في قدرته على تحصيل إحتياجاته ، ودليل ذلك أن الأديان البدائية لم يكن فيها مكاناً لله وإنما كانت عبارة عن طقوس وقرابين لإرضاء الطبيعة ... وقد درس علماء الإنثربولوجيا ظاهرة الأديان بشكل وافي ووصلوا لنظريات شبه مؤكدة تشرح كيفية نشأة وتطور الأديان .

    وإذا كانت تلك التعليمات السماوية هي أحكاماً تهذيبة ، (مثل التشريعات الأخلاقية للأديان وما تضمنته الأديان من دعوة لإلتزام الأخلاق الحميدة أو بعض قواعد السلوك الراقي) ... فمن المؤكد أن مجرد دعوة الدين للإلتزام ببعض القواعد والتشريعات الأخلاقية والحضارية لا يقوم دليلاً على صحتة أو على ضرورة إنزال الشرائع السماوية ، وذلك للأسباب التالية :

    * لا يمكن إثبات أن نزول الدين كان سابقاً لتطور هذه القيم الأخلاقية في الضمير الإنساني وإقرار الإنسانية برفعة وسمو هذه القيم الأخلاقية وضرورة إلتزامها ... فهل الأخلاق سبقت الدين أم أن الدين هو الذي عرفنا بالأخلاق ... هذا هو السؤال المحوري الذي لا يمكن إثبات حاجتنا للدين في هذا الخصوص ما لم يتم إثبات أسبقية الدين على الأخلاق ... أما مجرد دعوة الدين للإلتزام الاخلاق فلا يقوم دليلاً على الحاجة له ، فالكثير من الحركات الإجتماعية التي لا علاقة لها بالأديان قد دعت أيضاً للإلتزام الأخلاقي .

    * هناك بعض الإختلاف بين القيم الأخلاقية التي أقرتها الأديان والقيم الأخلاقية الإنسانية ، ولكن لا يمكن الجزم أيهما أفضل وأرقى .. وأرى أن الأخلاق الدينية قد تتفوق في بعض النواحي إلا أن الأخلاق الإنسانية تتفوق في نواحي أخرى .. كما أن هناك الكثير من القيم الأخلاقية الإنسانية التي لم تشر لها الأديان بوضوح .


    رابعاً : وظيفة الدين التشريعية

    وبخصوص تلك الوظيفة ، فقد ذكرت في مداخلتك الأخيرة ما يلي :

    الوظيفة التشريعية : سن القوانين الكفيلة بحماية حقوق الفرد والجماعة، ومعرفة الحلال والحرام
    بالنسبة للتشريعات التي اقرتها الأديان ... سواء تلك المتعلقة بنظام المجتمع والقوانين التي تحكمه (مثل الحدود ومنع الربا ونظام الحكم وغيرها) أو تلك التي تحكم أفراده (مثل تحريم بعض أنواع اللحوم والختان وما شابه ذلك) ، ، فهذه التشريعات أيضاً من الصعب الجزم بتفوق الأديان في طرحها (حتى نستطيع القول بأن البشرية كانت بحاجة للأديان لتعريفها بما هو أنسب لها من تشريعات) ... ومرة أخرى قد تتفوق التشريعات السماوية في بعض الجوانب إلا ان التشريعات الوضعية لها أيضاً جوانب تفوقها (مثل منع العبودية والمساواة بين الرجل والمرأة ومنع العنصرية وإحترام حقوق أسرى الحروب وميثاق حقوق الإنسان ، غيرها) ، هذا عدا عن التحفظات على بعض التشريعات السماوية التي لا تبدو مناسبة للإنسانية (مثل حدود الرجم وبتر يد السارق والولاء والبراء وغيرها ، الخ) .


    خامساً : الوظيفة التطمينية للدين

    وبخصوص تلك الوظيفة ، فقد اشرت لما يلي :
    الوظيفة التطمينية : أي تطمين الأتباع على مصيرهم ما بعد الموت، ومعرفة المُنجي من المُهلك، وتحذير المخالفين.
    وهذه الوظيفة هي أحد الوظائف الحقيقة والهامة التي أرى الدين يقوم بها ، وقد يظن البعض بأن تلك الوظيفة وحدها تبرر ضرورة إنزال الشرائع وإرسال الرسل .... ولكن قبل الجزم بذلك لا بد من تذكر أن :

    هناك مئات الملايين من البشر ممن هم غير مؤمنين بأديان سماوية (مثل أتباع الكنفوشيوسية والبوذية الذين لا تؤمنون حتى بوجود إله ، ومثل مئات الملايين من غير المؤمنين في أوربا وأمريكا ) ، ورغم عدم وجود رادع يمنع هؤلاء من التصرف بأخلاقية وإنسانية إلا أنهم لم يتحولوا لوحوش كاسرة ولا يعانون من الإكتئاب ، بل لعلهم أفضل من كثير من المتدينين في الكثير من الجوانب الأخلاقية والنفسية .

    بالنسبة للدور الردعي للدين ، فهناك وسائل كثيرة تقوم بشكل جيد محل الأديان في توفير الردع أو الحافز ودفع الناس لعمل الخير وإجتناب الشر ... وأهم دوافع الإلتزام الأخلاقي هي الضمير الإنساني وحب الإنسان الفطري لعمل الخير ، وإحساس الإنسان بأن أعماله الحسنة أو السيئة سوف تنعكس عليه ... اخيراً يقوم البشر بوضع الكثير من التشريعات والقوانين وبوضع نظم العقاب والثواب التي تنجح لحد كبير في تحقيق الإلتزام بالسلوك الحسن وإجتناب السلوك السئ بما يغني عن الروادع الدينية ... مثل بسيط أسوقه لك هو إحترام قواعد المرور ... ففي الدول الغربية نجد أن الناس تحترم قواعد المرور لمعرفتها بأن ذلك سيعود بالنفع على الجميع ولحرصهم على تجنب المساءلة القانونية ، وها هو النظام يعمل بكفاءة ، في المقابل نجد لدينا في الشرق المسلم فوضى مرورية وعدم إنضباط .

    وفي مقابل ذلك نجد أن الأديان وما تقدمه من روادع أخلاقية لم تنجح في إحداث تغير جذري في أخلاق وسلوك الناس ، وهو شئ على الأقل لا يمكن إثباته ، ولا يمكن القول بأن أتباع الأديان عموماً هم أكثر أخلاقية من غيرهم ... ومن ثم لا مجال للإدعاء بأن العالم هو مكان أفضل بفضل الأديان أو القول بأن البشر يصبحوا أقل أخلاقية بدون الأديان .

    المنظومة الأخلاقية والسلوكية التي تدعو لها الأديان هي منظومة مشوهة (من وجهة نظري ومن وجهة نظر الكثيرين) ، مقارنة مع القيم الإنسانية المتعارف عليها في عصرنا الحديث ، كما أن هناك كثير من الاشياء التي تدعو لها الأديان هي غير متوافقة مع الأخلاق الإنسانية والفطرة السليمة المحبة للخير والحق ، مثل الحث على عدم حب المخالفين والدعوة للبراءة منهم ، وفشل الدين في القضاء على العبودية ... أو هي على أقل تقدير منظومة جامدة لا تتكيف للتغيرات التي تطرأ على المجتمعات وما يصاحب ذلك من تغيرات في بعض القيم والمعايير السلوكية .

    بالنسبة لدور الدين في تعريف الناس بوجود نظام عدالة سماوي يضمن تعويض المحرومين والمظلومين في الدينا وتحقيق العدالة التي تبدو غائبة عن عالمنا ، وتعريف الناس بأن الدنيا إنما هي مجرد معبر وأن الدار الأخرة هي دار القرار ، وكذلك زرع القناعة والطمأنينة في قلوب البشر عبر إعلامهم بأن أرزاقهم ومصائرهم وأقدارهم هي مسجلة بيد الله ولا مجال لتغيريها ... فلا بد من رفع القبعة للدين لقيامه بتلك الوظيفة ... ولكن مجرد قيام الدين بأداء هذه الوظيفة لا يقوم دليلاً على صحته ، حيث أن قيام الدين بهذه الوظيفة جاء كمنتج فرعي أو هامشي Byproduct لوظائف الدين الأخرى مثل تعريف الناس بالخالق وإنزال الشرائع وحث الناس على عبادة الله ... الخ

    ومن ناحية أخرى كما أن للدين إنعكاس إيجابي على التوازن النفسي لأتباعه ، فكذلك للأديان إنعكاسات سلبية ، تتمثل لدى الكثيرين في حالة اللامبالاة بالدنيا وإستحقارها أو الزهد الزائئد عن الحد ، وبسبب حالة الخوف الدائم من الله وعذابه التي يعيشها المؤمن ، وبسبب تعقيدات الحياة التي يعيشها المؤمن فيحرم نفسه بالكثير من الأشياء الطبيعية التي حرمها الدين أو يلزم نفسه بأشياء لا ضرورة لها بسبب الدين ، هذا بخلاف حالة عدم الرضا الداخلي التي يعيشها المؤمن عندما يجد نفسه مضطراً لإحتقار الآخر .


    سادساً : الوظيفة النفسإجمتاعية للدين

    والتي قلت أنت بخصوصها :

    الوظيفة النفسانواجتماعية : تحقيق الاستقرار للفرد والجماعة وضمان الوحدة التناغم الثقافي بين أفراد الدولة
    بالنسبة لدور الدين في تحقيق التناغم الثفافي وضمان وحدة الجماعة وما إلى ذلك ، فهذه الوظيفة يمكن تحقيقها عبر وسائل متنوعة بخلاف الدين مما ينفي الحاجة للدين لمجرد تحقيق هذه الوظيفة ... فيكفي الإنسان أن ينتمي لأي منظمة تنجح في ربط أفرادها بوشائج قوية وجمعهم على هدف سامي حتى تتحقق هذه الوظيفة .

    وبالنسبة لدور الدين في تحقيق التوازن النفسي لأتباعه (في بعض الجوانب) ... عبر خلق الإحساس بالقناعة والزهد في الدنيا وعبر الطمأنينة إلى تحقق العدالة وتعويض المحرومين والمظلومين ... فكل ذلك سبقت الإشارة له في إطار الحديث عن وظيفة الدين التطمينية .


    وبهذا يكون قد تم تناول الوظائف الستة التي ذكرتها أنت كدليل على حاجة البشرية للدين ، وبخلاف الوظيفة التطمينية ، فإن الوظائف الأخرى وكما تم التوضيح هي إما وظائف لا يقوم الدين بها فعلاً أو أنها ليست وظائف ضرورية ولازمة للبشرية أو أنه ليس من الثابت بأن الدين يقوم بتلك الوظائف بشكل أفضل مما يمكن مما هو متاح بواسطة المناهج الوضعية .


    ------------------------------------------------------

    ونأتي الآن للأدلة التي سقتها في مداخلتك للتدليل على حاجة البشرية للتدخل الإلهي حيث ذكرت الآتي :



    الدليل الأول على حاجة البشرية للرسل وإنزال الشرائع

    الله متصف بالحكمة والقدرة والكلام، وانه قادر على إرسال الرسل وإنزال الشرائع وتدبير الكون وأحوال المخلوقات وعنايته بهم، وجب عليك بداهة الإيمان بدين أنزله ليعرف الناس به، فالإنسان له مدارك ناقصة، والغيبي لا يتوصل إليه بالتأمل إنما بالخبر عن رب العزة، فقد أتوصل إلى وجود الله وعلى طرف من صفاته عقلا، لكني لا أستطيع معرفة ما يريده منا تفصيلا. فالقدرة تنفي الممتنع.
    وخلاصة كلامك السابق هو أن الدين يلعب دوراً هاماً في التعريف بالخالق وهو شئ ضروري لابد أن تتنزل الرسالات من أجل تحقيقه .... وأرى أن معرفة البشر لخالقهم يتطلب تواصل الله مع البشر عبر إرسال الرسل فقط في ثلاث حالات هي :

    1. إذا كان الخالق يطلب منا إلتزامات محددة يتوجب علينا طاعته فيها ... وعندها نكون قد قد دخلنا في نطاق وظائف الدين وهي التلقينية أو التشريعية ووهي وظائف تم تناولها فيما سبق ، وتم بيان عدم حجيتها كدليل على ضرورة بعث الرسل وإنزال الرسالات .

    2. أو يكون لمعرفة الخالق تبعات نفسية وتطيمينة ... والكلام عن هاتين الوظيفتين سبق تناوله بإسهاب فيما سبق

    3. وأما يكون الله قد أرسل الرسل لغرض معرفة صفاته ومن أجل تنزيهه ... وهذا شئ لا يثبت إلا بعد إثبات أن الخالق يأبه بأن يحط البشر من قدره أو ينفوا وجوده (وهو شئ لا يمكن إثباته بل لا يستقيم منطقاً) ... فهل يأبه الخالق العظيم بأن يحط بعض البشر من قدره أو لا يأبهوا بوجوده ... أحسب بأن الله لو شاء أن يعرف البشر بنفسه وبطريقة التواصل الصحيحة معه وعبادته لما إتبع معظم البشر وعلى مر العصور أدياناً غير صحيحة ... حتى في عصرنا الحالي ، فإن 20% من البشرية فقط تؤمن بالدين الصحيح وتعبد الله بشكل صحيح (لو فرضنا جدلاً بأن الإسلام هو الدين الصحيح) ... فما معنى قيام الله بالتدخل لتعريف الناس بالدين الصحيح وحمايتهم من عبادة الآلهة المزيفة إذا كان ذلك التدخل سيفشل ولن يحول دون قيام معظم البشر بإتباع الأديان الخاطئة وعبادة الله بشكل خاطئ !! ... من يقول بذلك فهو كأنما يقول بأن الخالق قد أراد بإرسال الرسل فقط القيام بإخلاء مسؤوليته عن فشل الناس في إتباع الديانة الصحيحة (تعالى الله عن ذلك) .. ولو كان الله يريد فعلاً أن يعرفه الناس ويعبدونه بطريقة صحيحة لفعل ذلك عبر تأييد رسله بأدلة أقوى أو عبر التجلى بنفسه للبشر أو إلقاء الهداية في قلوبهم وهو قادر على ذلك ، أو على أقل تقدير عبر منع الشيطان من أن يضللهم وهو أيضاً قادر على ذلك ... وما تقدم ينفي فكرة قيام الله بإرسال الرسل لمجرد تعريف الناس بنفسه وبصفاته وبعظمته ... فالخالق العظيم أكبر من يأبه بذلك حسب وجهة نظري الربوبية ... وإن كان لك دليل على أن الخالق العظيم يأبه بأن يعبده الناس ويقدسوه فالرجاء أن تقدمه لنا .


    الدليل الثاني على حاجة البشرية للرسل وإنزال الشرائع

    وخلاصة هذا الدليل كما أوردته أنت هو أن :

    كمال حكمة الله تقتضي بأن لا يخلق عباده ويتركهم هملا، لا يعرفهم بنفسه، ولا أمر لهم جامع، ولا نهي لهم مانع . فتكون اللادينية قد نفت الحكمة عن الخالق بإقرارها مبدأ الحياد.
    وهذه النقطة قد تم الرد عليها عند الحديث عن نقد وظائف الدين التأديبية والتشريعية والتلقينية ، وكذلك عند الحديث المتعلق بنقد دور الدين في التعريف بالخالق وصفاته (النقطة السابقة مباشرة) حيث تم بيان عدم أهمية تعريف الخالق للناس بنفسه وعدم منطقية ان يهتم أو يأبه الخالق العظيم بتنزه الناس له وعدم الشرك به .


    الدليل الثالث على حاجة البشرية للرسل وإنزال الشرائع

    وكمال ألوهيته أن يكون مطاعا، ومعرفة ذلك لا يكون إلا بالرسل .
    وهذا أراه إفتراضاً غير مثبت ، فلا يوجد ما يثبت بأن عدم طاعتنا لله هو شئ يضيره أو أن الله يأبه بطاعتنا أو عدم طاعتنا له ، ولا يوجد ما يثبت بأن الله قد أمرنا بشئ محدد حتى نطيعه فيه بالأساس ... وقبل ذلك لا يوجد ما يثبت بوجود أي دائرة تقاطع بيننا وبين الخالق العظيم حتى يكون هناك مجالاً بأن نطيعه أو نعصيه .



    الدليل الرابع على حاجة البشرية للرسل وإنزال الشرائع

    وكمال ربوبيته أن يقيم الحجة على الخلق لأن الجزاء لا يكون إلا بعد الإنذار، ومعتقدك بالبعث والجزاء ينسب الظلم له - وحاشاه- فكيف يعذب شخصا لا يعلم أوامره ونواهيه وما يريد منه ؟ فكان مقتضى ذلك إرسال الرسل
    هذه النقطة تدخل في إطار الوظيفة التطمينة وكلامك في هذا الصدد هو تكرار لما ذكرته في إطار وظيفة الدين التطمينية ، وقد سبق تناول تلك الوظيفة بالتفصيل .


    الدليل الخامس على حاجة البشرية للرسل وإنزال الشرائع

    وكمال ملكه وسلطانه، بتدبير شؤون الكون وإنزال الشريعة .
    وقد تم توضيح هذه النقطة عند الحديث عن وظيفة الدين التشريعية وفيها تم بيان عدم ثبوت تفوق أو شمول التشريعات المنسوبة لله والتي نزلت بها الرسل مقارنة بالتشريعات الوضعية ، وبناءاً عليه لا يمكن الإستدلال بهذه النقطة لإثبات ضرورة بعث الرسل وإنزال الرسالات .

    -----------------------------------------------------------

    ونأتي الآن للجزء الثالث من مداخلتك والذي تناولت فيه الادلة على ضرورة التدخل الإلهي بإرسال الرسل ... وفي هذا الجزء ذكرت بأن عدم إرسال الرسل لا يليق بالخالق حيث يتضمن عدة أوصاف أو صفات لا تليق برب العالمين ... وفيما يلي سأتناول ما ذكرته أنت في هذا الصدد (النص المقتبس) ، وردي عليه .

    إهمال الله لعباده وعدم إنزاله لدين يخرجهم من الظلمات إلى النور، وقد عُلم أن الباطل كثير ذو وجوه عديدة، فهذا يهوي ساجدا لحيوان، وذاك يعبد بشرا، وآخر يدعوا صنما، والرابع ملحد، والخامس يعبد شيطانا، والسادس يعبد كوكبا إلى آخره ..فكان الأولى إذ خلقهم أن لا يدعهم هملا دون استدلال، وقد علم أنهم ليسوا على قدر واحد في العلم والفهم، فلم يُنزل دينا كي يعرفنا بنفسه، وترك البشرية تتخبط وحدها تبحث عن الخالق.
    وقد بينت لك فيما سبق بأنه للإستدلال بذلك على ضرورة إرسال الرسل والرسالات ، يلزم اولاً إثبات أن الله يأبه بما إذا آمنا به أو لم نؤمن ، أو إنه يأبه ما إذا كان البشر ينزهونه عما لا يليق به من صفات أم لا ويعطونه حقه من العبادة والتبجيل أم لا ... وهو شئ غير مثبت

    قد عُلم أن البشرية تشقى في إطار القوانين الوضعية، التي سببت التعاسة للناس حيث طغت العدمية والمادية على حياة البشر، فكثرت نسب الجريمة، من قتل واغتصاب غيرها، وطغت الآفات النفسية وهذا باعتراف علماء الاجتماع والنفس، فكان أن الله حسب معتقدك، ترك الناس تموج هذا الموج، فلا هو جبر الناس على عقل واحد يُهتدى به لمنهج واحد يحقق للناس آمالهم، ولا تدخل بإنزال دين يحقق السعادة والرخاء للبشرية باحتكامهم إليه.
    وقد تناولت تلك النقطة عند الحديث عن نقد وظائف الدين حيث بينت بأن الإستدلال بحاجة البشر للشرائع السماوية كدليل على ضرورة إرسال الرسل يستلزم أولاً إثبات تفوق التشريعات السماوية على التشريعات الوضعية ، وبدون إثبات ذلك فلا يسعنا إلا التيقن بأن الله قد أوكل للبشر مهمة التشريع لأنفسهم وإدارة حياتهم وفق ما يناسبهم .

    أنه أودع في النفس محبة الدين بمعتقداته وروحانياته كمحبة العبادات والطقوس الدينية، فكان أن معتقدك نسب له الخطأ في ذلك، فلم ينزل دينا ذو عبادات حتى يرضي هذه النفوس التواقة.
    وهذه النقطة قد تم إيضاحها ايضاً عند الحديث عن ما يسمى بحاجة البشر للعبادة والخضوع ، وقد تم إثبات عدم وجود هذه الحاجة ، وذلك عند الحديث عن التشريعات المتعلقة بعلاقة الفرد بربه وبالعقيدة .

    أن الإنسان تواق للمعرفة، يشرئب عنقه لكل حديث عن ما بعد الموت، يحب أن يَعلم مصيره بعده، وهل هو على الحق أم على الباطل مستحق لما سيأتي بعده أم غير مستحق، فإن لم يعلم ذلك قضت مضاجعه الأفكار من كل جانب، فحل عليه الضنك من حيث لا يدري، فتركه الخالق بمعتقدك يعيش هذا.
    وهذه النقطة أيضاً تم بيانها بجلاء عند الحديث عن وظيفة الدين التفسيرية ، وقد تم بيان أن تلك المعارف إما أنه لا يترتب عليها شي فتكون ترفاً معرفياً لا يحتاج الله لإرسال الرسل لإبلاغ الناس بتلك المعارف أو أنها معارف يترتب عليها حدوث الطمأنينة للناس ومعرفة عواقب أعمالهم ... وعندها فإن ذلك يصنف في إطار الوظيفة التطمينية أو التحذيرية والتي تم تناولها وشرح عدم دلالاها على ضرورة إرسال الرسل .

    أنه أودع في الإنسان مسألة التمحيص والاختيار، لأنه كائن متدين رامز، فترى الناس تُقبل على المباحثات العقدية والدينية أياًّ كانت مهنهم، يتحاورون بينهم سواء في الجزئيات أو الكليات أو حتى في أديان وملل أخرى، فإن كان الإنسان ميالا للاختيار بين الأديان والأفكار فلماذا جعل الله فيه هذه الصفة إن لم ينزل دينا ؟ .
    هذه النقطة لا اراها سبباً وجيهاً لإرسال الرسل ، فميل الإنسان للإختيار والتمحيص يمكن أيضاً أن يكون فطرة أودعها الله في البشر حتى يستطيعوا إكتشاف الأدعياء الذين يدعون إتصالهم بالذات الإلهية .... وقدرة الإنسان على التمحيص والإختيار هي ليست شئ مستقل وإنما هي جزء من منظومة العقل وإتخاذ القرار ، ولا أظن بأن الله قد أعطى الإنسان العقل لمجرد التعرف على الايان والمفاضلة بينها ، فهذا قول ليس عليه دليل .

    أما ميل الناس لنقاش الأديان فذلك راجع فقط لأن الأديان هي جزء أساسي من هوية الإنسان ، والناس تحب أن تعرف وتناقش كل ما يخص هوية الآخرين (كما أنهم يحبون إبراز هوياتهم) ودافع ذلك هو عبور الجسور للإلتقاء بالآخر عبر التعرف على هويته لإيجاد إهتماماما مشتركة أو فتح مجالات للحديث وتوطيد العلاقات .

    قصور العقل عن معرفة أجوبة الأسئلة الوجودية التي تعتري الإنسان، وقد اتفق علماء الاجتماع على أن الإنسان كائن رامز يستحيل أن يعيش دون ترميز الظواهر حوله، فالعقل قاصر عن معرفة ما يريده الله منا تفصيلا، وذلك كمعرفة غاية الخلق، وما بعد الموت ولماذا الموت، ومن هو هذا الخالق، هل هناك بعث ؟ هل هناك جزاء وغيره .
    وهذه النقطة لا تختلف عما طرحته أنت في وظيفة الدين التفسيرية أو في توق الإنسان للمعرفة كدليل على ضرورة حدوث التدخل الإلهي عبر إرسال الرسل ، وقد تم نقد هذه النقطة .

    أن معتقدك ينسب الظلم، فقد قلتَ بأن الله سيحاسب البشرية وهو لم ينزل دينا ولا إنذارا يعرف الناس به وبما يريده منهم تفصيلا ليجتنب العاقل عقوبته وتقوم الحجة على المسيء المشاكس .
    وهذه النقطة ايضاً تدخل ضمن وظيفة الدين التطمينية أو التحذيرية ، والتي سبق نقاشها

    ----------------------------------------------------------

    وبذلك اكون قد قمت بالرد على الأسباب التي أوردتها لتأكيد حاجة البشر للتدخل الإلهي وللرسل ، فأرجو ان لا أكون قد أغفلت شيئاً أو قصرت في تناول نقطة ما ، وإنت كنت قد فعلت فأرجو المعذرة ، والفرصة ما زالت متاحة لنقاش ما تم إغفالة .


    ولك تحياتي
    التعديل الأخير تم 03-11-2012 الساعة 11:46 PM

  8. #23
    تاريخ التسجيل
    Oct 2011
    المشاركات
    1,524
    المذهب أو العقيدة
    مسلم
    مقالات المدونة
    2

    افتراضي

    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد .

    الزميل الربوبي، حفظك الله وأنار بصيرتك، لثالث مرة لم تجب عن مسألة المصادر في اللادينية، ما هو مصدرك في عقيدتك ؟ فلا يُعقل أن يكون مذهب فكري يهدف إلى استبدال الأديان والحلول مكانها ولا يوجد مصدر ضامن جامع لأتباعه .. وهو ما أشرتُ إليه في مداخلتي السابقة تحت فصل "الحكمة من سؤالي عن مصادرك".

    ورغم حرصك على الرد على كل جزئيات مداخلتي، فإنك أغفلتَ مشتهراتها بله جزئياتها، ولم تجب عن أسئلة جوهرية :

    أخرج لي مصدرك الجامع الدال على عقيدك ؟ وهل ترى ان المذهب اللاديني قادر على تغطية الوظائف الدينية ؟ وإلا { أَتَسْتَبْدِلُونَ ٱلَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ بِٱلَّذِي هُوَ خَيْرٌ } .

    كيف عَلمتَ أن الرب الخالق لم ينزل دينا ؟؟؟ فهل كلمّك أو حدثك وأخبرك بأن العقل يُغني عن الدين ؟

    وحاصل سؤالي للتبسيط أكثر : ما دليلك على أن الله عز وجل ارتضى للبشرية اللادينية ؟ وأنّك على الملة الصحيحة ؟

    وعموما قفزتَ على عدد من الأشياء بالرغم من أني أعدتُ عليك نقطها في مداخلة سابقة لتسهيل الأمر ونزولا عند طلبك في ذلك . كما أسجل خلطك لمسألة وظائف الدين، فجعلتَها تحت باب إثبات إرسال الرسل، بينما جعلتُها تحت باب عجز اللادينية، وسوف نرى طرفا من ذلك خلال مداخلتي التابعة لهذه.

    ولنرجع الآن إلى مداخلتك ما قبل الأخيرة حتى نمحصها ونرد على آفاتها :

    1- وجود القوانين الكونية لا تنفي الرعاية الإلهية

    أول مغالطة لادينية في مداخلتك، حيث نستشف منها أنك تقيم فاصلا بينهما، وهذا يؤكد مسألة أن اللادينية تنسب النقائص لله عز وجل، ولا تقدره حق قدره، فيكون مأزقا جديدا وقعتَ فيه حيث أن لسان حال اللادينية يقول :

    * أن الله تعالى خلق هذا الكون بقوانينه واكتفى الآن بمشاهدة الخليقة . فيكون السؤال المفروض عقلا : ما هي الوظائف الإلهية في هذا الكون ؟؟ .. فيكون معتقدك ناسبا العطالة لله عز وجل - تعالى سبحانه عن ذلك علوا كبيرا - فأبصر !! . وهو أمر شنيع آخر في المعتقد اللاديني.

    لكني ألمس منك عدم تحرير لعبارة " القوانين الكونية" فماذا تقصد بها ؟ هل تعني بها القوانين الفيزيائية والفلكية وأضرابها ؟ أم سنن الله في خلقه بمفهومها الجامع الكلي ؟.

    وقد عُلّمنا من أهل الخبرة أن التأملات العقلية إن لم يكن لها شاهد من الواقع تبقى نظريات ظنية، أما إن وافقها فهي يقينية، وإن عارضها فهي لا تخرج عن دائرة السفسطات الذهنية . بمعنى أن ما هو آت عندك كله ينتظر شهادة الواقع عليه، وسوف نبين أن ما جاء في مداخلتك كله يرتطم بصخرة الواقع الصلدة :

    قد يكون في شكل إجابة الدعاء ... ولكني لم أرى في حياتي شخصاً يدعو فيستجيب الله له خارج نطاق السنن الكونية (كأن يدعو تلميذ فاشل الله لأن يصبح الأول في صفه ، فيستجيب الله له) ، ولكن على النقيض من ذلك رأيت الملايين من المسلمين والمسيحيين يدعون الله ليلاً ونهاراً لتحقيق مآرب معينة ، ولا أرى دليلا على حدوث الإجابة ، رغم إلحاحهم في الدعاء .... المسلمون يؤمنون بأن إجابة الدعاء قد تكون في شكل دفع بلاء أو تؤجل إجابة الدعاء ليوم القيامة ... أما أنا فأؤمن بأن تلك القناعة ما هي إلا تبريراً لعدم حدوث الإستجابة .
    وجواب هذا من وجوه :

    أولا : ألفت نظر القارئ الكريم إلى عبارتك : " رأيت الملايين من المسلمين والمسيحيين "، ولا أدري كيف استطعتَ في حياتك مقابلة الملايين من المسلمين والنصارى، وتعرف دعواتهم وتتابع محل الإجابة من عدمه ؟ بل لا يستطيع أن يدعي ذلك أعتى عالم اجتماع، وهو علم معروف بالمقابلات والملاحظات، فلا تخرج عينته عن المئات فقط أثناء سنوات من البحث، اما حضرتك فقد قابلتَ الملايين، فسبحان الله. فأرجوك احترم عقولنا أيها الزميل، فجملتك هذه لا علاقة لها بمنهج مناظرتنا، وليست بذات مصداقية إمبريقية .

    ثانيا : من السهل علينا دفع اعتراضك بمقابلتك بالمثل، وادعاء أنا رأينا ملايين الناس تستجاب دعواتهم لكنا لن ندعي ذلك، إنما خير جواب عليك هو أن تراسل أي عضو هنا، وتسأله هل استجاب الله له لدعوة خلال مسيرته أم لا ؟ وترى ، وأدعوا السادة الأعضاء إخبارنا بذلك في رابط التعليقات على هذه المناظرة.

    ثالثا: هذه المسائل مبنية على خبرات شخصية اولا، واستقراء للواقع المعيش، ورأينا استجابة الله لدعاء كثير من الناس، ورأينا المجتهد يرسب في الامتحان، والمتوسط يتبوأ وظيفة اعلى من نظيره الذي يفوقه، والكسول أصبح أغنى ممن هو أذكى منه ، واستجابة دعوات قد تكون مستحيلة الوقوع علميا .

    رابعا : عدم الاستجابة لا يعني نفي الاستجابة بالجملة، فقد يقع للعبد ألا تستجاب دعوته لعدد من الأشياء مبسوطة في كتب إسلامية، قد تكون لمسائل قدرية، أو دفعا لشر، أو رحمة بعبد، وعدم تحقيق للأسباب، أو لتواكل دون توكل وغيره .. بل قد يكون الإنسان قد بلغ اعلى درجات الإيمان ولا تستجاب له دعوات، ونبينا صلى الله عليه وسلم على جلالة قدره الكبير، ومكانته العظيمة عند الله تعالى، لم تستجب له دعوة معينة، كحديث الدعوات الثلاثة المشهور، فأجابه سبحانه في اثنتين ومنع عنه واحدة .
    فكل ذلك من كمال حكمة المولى عز وجل والتي لا يمكن أن نتدخل فيها.

    وعليه فما تزعمه انه دليل لا يصمد كدليل من أبواب عدة :

    - عدم وجود مانع عقلي لها .

    - عدم الاستجابة في حالات لا يعني نفيها جملة وتفصيلا .

    - انها خلاف الواقع المشاهد .

    قد يكون التدخل الإلهي في شكل إلهام أو رؤية صالحة أو خرق محدود لسنن كونية تتحقق لأحد أولياء الله الصالحين ... ولكن حدوث مثل تلك الأشياء هو أيضاً شئ غير مثبت علمياً ، وأنا شخصياً لم أرى حدوث ذلك ، ولم أسمع بحدوثه إلا في حالات محدودة بدا فيها جلياً وجود نوع من الإيحاء النفسي أو خداع الحواس الذي يدفع البعض لتصديق حدوث تلك الخوارق لبعض من يدعوا بأنهم من أولياء الله الصالحين .
    وهذا لا يستدل به أيضا على نقض الدعوى، لأن الأولياء الصالحين لا يذيعون كراماتهم ويصدعون بها مخافة الرياء والعجب، والكتمان من صفاتهم الحميدة.

    قد يأخذ التدخل الإلهي في شئون الكون شكل خرق إلهي لسنن الكون ، كإحداث زلزلال أو بركان لإهلاك قوم مفسدين ، أو جلب أمطار لقوم مجدبين رحمة بهم ، أو غير ذلك من مظاهر ما يسمى بالعناية الإلهية أو الغضب الإلهي ... وهذه أيضاً يستحيل إثباتها ، كما يستحيل التأكد من أن وقوع تلك الزلال أو البركان أو الأمطار لم يكن إلا حدثاً طبيعياً عادياً .
    وهو قول مجرد منك، ويلزمك، فلو لم يكن ربنا عز وجل يقدر لعباده لرأينا مقادير متساوية في الأرزاق، لكنا نرى بلدا جدبا وبلدا كثير الأمطار، وزلزالا يضرب منطقة فيدمرها عن بكرة أبيها وهي ليست منطقة نشطة، وحتى التفسير العلمي لذلك فليس معناه أن يقدم لك جواب لماذا، لأن العلم متخصص بالكيف، كيف حصل الزلزال لأن ذلك له علاقة مع تكتونية الصفائح إلى آخره .. لكن ما الحكمة منه ولماذا ؟ فهو سؤال خارج نطاق العلم .

    وقد يكون التدخل عبر معجزة يجريها الله لأحد أنبياءه ، كشق البحر لنبي الله موسى ، وهذا النوع من المعجزات هو بالطبع حجة فقط على من رأاه ممن عاصروا هذا النبي ، ولا يقوم دليلاً على حدوث التدخل الإلهي بالنسبة لنا .

    - أخيراً ، قد يتدخل الله عبر إرسال الرسل وإنزال الشرائع للبشر ... وهذا هو النوع الوحيد من التدخل الإلهي الذي يمكن الإحتجاج به لنفي صحة العقيدة الربوبية .
    وكل ما تفضلت بذكره لا يعتبر أدلة نافية للمسألة المثارة، إنما هو من قبيل الكلام المرسل المفتقر للشواهد والإلزامات، وحصرك للتدخل في هذه النقط يعتبر من تحجير الواسع وإلا فنحن نوسع من هذه الدائرة، وصولا إلى دقائق ما يهم الفرد والمجتمع والدولة. وكل هذا سنراه في وقته .

    إذا العقيدة الربوبية صحيحة ما لم يتم إثبات صحة أحد الرسالات السماوية ونسبتها لرب العالمين (وجهة النظر الدينية) ، أو يتم إثبات عدم وجود إله (وجهة النظر الإلحادية) ، وبخلاف ذلك فإن الشئ الوحيد الذي يمكن تحدي العقيدة الربوبية به هو في القول بأن حكمة الله وعدله ورحمته (وغيرها من صفات كماله) تستوجب قيامه بالتدخل في شئون البشر عبر إرسال الرسل .
    وذلك ما فعلناه في مداخلتنا الأم، وأثبتنا لك مقدار الشنائع في حال عدم إقرارك بهذا المبدأ المعروف المشاهد .

    ولكن مهلاً .... من هو ذا الذي يدعي معرفته بحدود ومقتضيات الحكمة الإلهية ؟ ... من ذا الذي يستطيع الجزم بأن تعامل الله مع المعطيات هو مطابق لطريقة تعامل البشر معها ؟ ... وما يدرينا ما هي غاية الله من الخلق حتى نفترض بأن الله يجب أن يتدخل فيرسل لنا الرسل والرسالات ؟
    وهذا يرجعنا إلى السؤال الاول الذي ذكرناه : كيف عَلمتَ أن الرب الخالق لم ينزل دينا ؟؟؟ فهل كلمّك أو حدثك وأخبرك بأن العقل يُغني عن الدين ؟.فهو سؤال يلزمك أنت وعقيدتك، ونحن نقول بأن الله عز وجل هو الذي عرفنا بنفسه وبغايات خلقه لنا، وطرفا من حكمه ... فتأمل .


    الإجابة الإسلامية لسؤال لماذا خلقنا الله هي أن الله قد خلقنا لكي نعبده ... بالمعنى الواسع للعبادة ... أي لكي نسير على الدرب الذي رسمه لنا ونلتزم بالنهج الذي خطه لنا (هذا بالطبع بجانب تبجيله وتقديسه وذكره وشكره على نعمه) ... ولكن لو نظرنا لتلك الإجابة بتمعن سنجد بأنها لا تعطينا أي معلومة مفيدة .... فكون الله قد خلقنا لنعبده ونلتزم بالنهج الذي رسمه لنا ونقدسه ..الخ ، كل ذلك لا يمكن أن يكون هدفاً أو غاية في حد ذاته ، ولكنه يصلح فقط كوسيلة لتحقيق غايات أخرى ... على سبيل المثال عندما قام الإنسان بصنع الساعة ، فهل يجوز لنا القول بأن الإنسان قد صنع الساعة لكي تدور عقاربها !! ... هل يجوز القول بأن الإنسان قد صنع السيارة من أجل أن تسير وصنع الطائرة من أجل أن تحلق في السماء !! هذا هو نفس منطق من يقول بأن الله قد خلق الإنسان من أجل عبادته والإلتزام بالنهج الذي رسمه له ، فهذا القول ليس بجواب شافي لسؤال "لماذا خلقنا الله" ... وسيبقى السؤال مطروحاً ولكن بصيغة اخرى ، حيث سيصبح السؤال ... "لماذا يريدنا الله أن نلتزم بالنهج الذي رسمه لنا أو نقدسه أو نصلي له ... وهو غني عن كل ذلك ؟"
    طالما أن الله غني عن عبادتنا له ، ولن تضيف له تلك العبادة شيئاً ، فلا مناص من القول إذاً بأن الله قد أمرنا بعبادته لتحقيق مصلحة خاصة بنا (أي لتحقيق مصلحة البشر) ... ولكن حتى هذا الإفتراض لن يحل المعضلة ... إذ كيف يصح القول بأن الله قد خلقنا لتحقيق هدف ما ، في حين أن تحقيق هذا الهدف لن يكون مطلوباً لو لم يخلقنا الله من الأساس ، فلو لم يخلقنا الله لما كان هناك داعي لكي يأمرنا بعبادته لكي تتحقق مصلحتنا !!
    وعليه ... لا توجد إجابة شافية لسؤال (لماذا خلقنا الله) سوى بالإعتراف بأن الله قد خلقنا لغاية أو حكمة يعلمها الله وحده ولم يفصح لنا عنها .... فإذا كنا لا نعرف الغاية التي خلقنا الله من أجلها ، فكيف نجرؤ على الإدعاء بأن إبراز كمال الصفات الإلهية يقتضي إتصال الله بنا وإعطاءنا تعليمات محددة عبر رسله لكي نتبعها !!
    وجواب ذلك من وجوه :

    1- أن الأسئلة مرة اخرى تلزم معتقدك من باب أولى، فإن كنا نشنع على النصارى قولهم بأن الثالوث من حكم الله الغير مدركة، فلماذا تقولون بها وأنتم تدعون المنطق والعقل والعلمية ؟؟ .

    2- أن مسألة حكمة الله الغير مدركة، حق يراد به باطل عند المذاهب الفكرية الربوبية والأديان المكذوبة، فأصبحت شماعة يعلقون عليها عجزهم عن الرد العقلي، وطبعا قد استعملتَها للتهرب من الإلزام .

    3- أن الغاية من الخلق لا تستطيع اللادينية الجواب عنها، وتعاتب الدين في هذه المسألة، فلا هي أعطتنا جوابا، ولا تركت الناس تأخذ الجواب، وهو ضعف منهجي دقيق في هذا الفكر، وهو ما اصطلحنا عليه في مشاركتنا الأم بالآتي :

    "أن العقلاء اتفقوا في باب الاختيار، أن المختار لا يغير معتقده إلا إذا ترجح عنده فساد القديم وصلاح الجديد، بمعنى أن المختار ما غير قناعاته إلا عند رجحان مذهبه الجديد وتفوقه على الأول. ولا يخفى أن المذاهب الفكرية المعاصرة يُراد لها ان تحل محل الأديان والشرائع، فلزم من ذلك تغطية الأولى لكل أدوار الثانية، دورا دورا ووظيفة وظيفة"

    فإن كانت اللادينية لا تستطيع الجواب عن أوائل الأسئلة الوجودية، فهي عاجزة عن القيام بوظائف الدين، تدفع الناس نحو عدمية مادية مهلكة، ليكون توصيفها الدقيق مرة أخرى : نحلة فكرية مهلهلة مهلكة لا ضابط لها ولا وحدة.

    4- أن المقصود بالعبادة مفهومها الشمولي وليعبدوا الله وحده وحده ولا يشركوا به أحدا غيره في العبادة، فهو رد للإِشراك، وأيضا في إقامة الشعائر الإسلامية، بل أوسع من ذلك وهي تحقيق الخلافة في الأرض وعمارتها، وقد استنبط صاحب الظلال استنباطات هائلة يدور تلخيصه حول أنه حينما يتحقق معنى العبادة، يصبح العمل كالشعائر، والشعائر كعمارة الأرض، وعمارة الأرض كالجهاد في سبيل الله، والجهاد في سبيل الله كالصبر على الشدائد والرضى بقدر الله.. كلها عبادة وكلها تحقيق للوظيفة الأولى التي خلق الله الجن والإنس لها وكلها خضوع للناموس العام الذي يتمثل في عبودية كل شيء لله دون سواه.
    عندئذ يعيش الإنسان في هذه الأرض شاعراً أنه هنا للقيام بوظيفة من قبل الله تعالى، جاء لينهض بها فترة، طاعة لله وعبادة له لا أرب له هو فيها، ولا غاية له من ورائها، إلا الطاعة، وجزاؤها الذي يجده في نفسه من طمأنينة ورضى عن وضعه وعمله، ومن أنس برضى الله عنه، ورعايته له. ثم يجده في الآخرة تكريماً ونعيماً وفضلاً عظيماً.وعندئذ يكون قد فر إلى الله حقاً. يكون قد فر من أوهاق هذه الأرض وجواذبها المعوقة ومغرياتها الملفتة. ويكون قد تحرر بهذا الفرار. تحرر حقيقة من الأوهاق والأثقال. وخلص لله، واستقر في الوضع الكوني الأصيل: عبداً لله. خلقه الله لعبادته. وقام بما خلق له. وحقق غاية وجوده. فمن مقتضيات استقرار معنى العبادة أن يقوم بالخلافة في الأرض، وينهض بتكاليفها، ويحقق أقصى ثمراتها؛ وهو في الوقت ذاته نافض يديه منها؛ خالص القلب من جواذبها ومغرياتها. ذلك أنه لم ينهض بالخلافة ويحقق ثمراتها لذاته هو ولا لذاتها. ولكن لتحقيق معنى العبادة فيها، ثم الفرار إلى الله منها.ومن مقتضياته كذلك أن تصبح قيمة الأعمال في النفس مستمدة من بواعثها لا من نتائجها. فلتكن النتائج ما تكون. فالإنسان غير معلق بهذه النتائج. إنما هو معلق بأداء العبادة في القيام بهذه الأعمال؛ ولأن جزاءه ليس في نتائجها، إنما جزاؤه في العبادة التي أداها...ومن ثم يتغير موقف الإنسان تغيراً كاملاً تجاه الواجبات والتكاليف والأعمال. فينظر فيها كلها إلى معنى العبادة الكامن فيها. ومتى حقق هذا المعنى انتهت مهمته وتحققت غايته. ولتكن النتائج ما تكون بعد ذلك. فهذه النتائج ليست داخلة في واجبه ولا في حسابه، وليست من شأنه. إنما هو قدر الله ومشيئته. وهو وجهده ونيته وعمله جانب من قدر الله ومشيئته ،ومتى نفض الإنسان قلبه من نتائج العمل والجهد، وشعر أنه أخذ نصيبه، وضمن جزاءه، بمجرد تحقق معنى العبادة في الباعث على العمل والجهد، فلن تبقى في قلبه حينئذ بقية من الأطماع التي تدعوا إلى التكالب والخصام على أعراض هذه الحياة. فهو من جانب يبذل أقصى ما يملك من الجهد والطاقة في الخلافة والنهوض بالتكاليف. ومن جانب ينفض يده وقلبه من التعلق بأعراض هذه الأرض، وثمرات هذا النشاط. فقد حقق هذه الثمرات ليحقق معنى العبادة فيها لا ليحصل عليها ويحتجزها لذاته. وحين يرتفع الإنسان إلى هذا الأفق. أفق العبادة. أو أفق العبودية. ويستقر عليه، فإن نفسه تأنف حتماً من اتخاذ وسيلة خسيسة لتحقيق غاية كريمة. ولو كانت هذه الغاية هي نصر دعوة الله وجعل كلمته هي العليا. فالوسيلة الخسيسة من جهة تحطم معنى العبادة النظيف الكريم. ومن جهة أخرى فهو لا يعني نفسه ببلوغ الغايات، إنما يعني نفسه بأداء الواجبات، تحقيقاً لمعنى العبادة في الأداء. أما الغايات فموكولة لله، يأتي بها وفق قدره الذي يريده. ولا داعي لاعتساف الوسائل والطرق للوصول إلى غاية أمرها إلى الله، وليست داخلة في حساب المؤمن العابد لله.ثم يستمتع العبد العابد براحة الضمير، وطمأنينة النفس، وصلاح البال، في جميع الأحوال. سواء رأى ثمرة عمله أم لم يرها. تحققت كما قدرها أم على عكس ما قدرها. فهو قد أنهى عمله، وضمن جزاءه، عند تحقق معنى العبادة. واستراح. وما يقع بعد ذلك خارج عن حدود وظيفته.. وقد علم هو أنه عبد، فلم يعد يتجاوز بمشاعره ولا بمطالبه حدود العبد. وعلم أن الله رب، فلم يعد يقتحم فيما هو من شؤون الرب. واستقرت مشاعره عند هذا الحد، ورضي الله عنه، ورضي هو عن الله.

    5- لا تنظر إلى مسألة العبادة من زاوية ضيقة تقول بأن يكون الله عز وجل منتفعا بها أو محتاجا إليها، لأن ذاك ممتنع، ومدفوع بنص الآية { وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ * مَآ أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَآ أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ }، بل أنظر إليها أنها تحقيق لإرادة الله، وطاعة أمره واجتناب نواهيه.

    6- أن الحياة الدنيا امتحان واختبار، من نجح فيه ضمن الجنة ومن فشل ذهب إلى النار، بسيطة جدا، رزقك الله عز وجل عقلا وفطرة وقلبا، وانزل عليك الدين الحق، فابحث عنه، بدون فلسفات إلحادية، ولك الحرية في قبول الدين أو رفضه وتحمل مسؤوليتك في النهاية .

    7- انك ناقضت قولك الاول في ان رؤية الإنسان لصنعه ليست هي مراد الخالق من خلقه، فنحن نتكلم عن إله كامل غير ناقص، وانت تعطي أمثلة عن إنسان ناقص محتاج غير كامل، وعليه فقد سقطت أمثلتك كلها .


    أما مسألة الفراغات اللادينية وأدلتك في المداخلة الأخرى فسأتطرق إليها في مداخلتي المقبلة فصبرا جميلا .

  9. #24
    تاريخ التسجيل
    Sep 2011
    المشاركات
    728
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    الإخوة الكرام ,,,
    يمنع كتابة التعليقات هنا لعدم التشتيت ,,
    ومَن له نصيحة أو تعليق أو توجيه لأحد المتحاورين فليرسله له على الخاص أو يكتبه في شريط التعليقات على هذا الحوار هنا :
    http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=35378
    وشكرا ,,,

  10. #25
    تاريخ التسجيل
    Oct 2011
    المشاركات
    1,524
    المذهب أو العقيدة
    مسلم
    مقالات المدونة
    2

    افتراضي

    1- الكلام في مسألة الفراغات في المعتقد اللاديني وعجزها عن منافسة الدين

    أسعدني اعترافك بإفلاس المذهب اللاديني، وتضمنه لفراغات مهولة جدا، وهذا يعيدنا إلى مسألة استبدال الدين على جلالة قدره وشموله بمجموعة أفكار تخلق البلبلة في فكر الإنسان، وليس هو من باب الإقرار بالجهل فضيلة، بل لو جاء طبيب وأخرج لنا كتابا عن كيفية علاج السرطان، وأبان هذا الكتاب عن فاعليته، فاعترض عليه آخر ونهى الناس عنه، وحينما طُلب منه البديل قال أن الإقرار بالجهل فضيلة ! فهذا تخبيل أيها الزميل . وقس على ذلك المبدأ اللاديني.

    وطبعا حينما نتكلم عن الواقع، فلن نتكلم من باب التأمل، بل سوف نرجع إلى أهل الصنعة والخبرة في هذا المجال، وهم علماء الاجتماع:

    - عالم الاجتماع إيميل دوركايهم : الدين سلاح فعال ضد ظاهرة الانتحار.

    فإن أخذتَ كتاب دوركايهم حول ظاهرة الانتحار، ولا شك انك تعرف بأنه جبل في علم الاجتماع وهو أول من وضع قواعده، يقرر في كتابه أن الدين وازع يستطيع محاربة هذه الظاهرة، حيث اكتشف في عينته أن من يعتنق أفكارا ومذاهب فكرية ويعيشون فراغات دينية هم أقرب الناس إلى الانتحار، وهناك إحصائيات في هذا الصدد تجدها في منتدانا هذا تقرر هذه الفكرة .
    والمعتقد اللاديني لا يستطيع محاربته، بل بما أنه نحلة مهلهلة فقد يبرره .

    - عالم العمران ابن خلدون : الدين مُذهبٌ للغلظة والأنفة ووازع عن التحاسد والتنافس.

    وابن خلدون باتفاق الغرب والشرق هو أول من تكلم في علم الاجتماع كعلم مستقل، وهو من أخرجه وصك له شهادة الميلاد تحت إسم "علم العمران"، وقد أثبت في كتابه " المقدمة" أهمية الدين في حياة البشرية.

    - المدرسة الاجتماعية الفرنسية : الأخلاق تستمد من الدين، بل الحياة الخلقية هي نفسها الحياة الدينية .

    وحسب هذه المدرسة فإن الدين هدفه توطيد أواصر الحياة الاجتماعية بين الأفراد، ويجعلهم وحدة متماسكة غايتها الذود عن التراث الذي ورثته عن الجماعة. الشيء الذي لا نجده في المعتقد اللاديني المهلهل.

    - عالم الاجتماع والأنتروبولوجي فرايزر : الدين أساس استقرار الجماعة .

    وفي كتابه الذي درس فيه الدين والسحر يقول بان الاعتقادات الدينية ساعدت على احترام السلطة المدنية، وثبتت قواعدها . وسعت إلى توطيد دعائم الملكية الفردية وأمنت للأفراد أثمار أتعابهم .
    كما أن الاعتقادات الدينية قوت في النفوس احترام الزواج وحملت الأفراد على التقيد بقوانين الأخلاق الجنسية قبل الزواج وبعده، وعملت على حفظ حياة الفرد وسلامته ومهدت للأفراد سبل حياة قريرة .

    واللادينية مجرد بضعة أفكار لا مصدر جامع لها.

    - ثلاثة علماء اجتماع Elwood و Ross و Summur يقررون: أن موت الديانة معناه موت كل حضارة راقية .

    وهم يشيدون بفضل الدين على المجتمع والأخلاق، وعندهم ان التعاليم الدينية أعظم مراقب داخلي لأعمال الناس وخير رادع لهم عن أن يتيهوا في دياجير الضلال، وهي التي توحي إلى المجتمع بقداسة قواه وتسبغ على كل نظام حلة من الحرمان تجعله عزيز المنال على الأفراد .

    وأسأل ما هو فضل اللادينية على المجتمع أيها الزميل ؟

    - عالم الاجتماع كيد : الإنسان كائن متسيب بطبعه ولا بد له من الديانة لترقى به.

    فالإنسان عنده أناني في جبلته يرغب فقط في الترفيه عن نفسه غير سائل عن مستقبل أولاده وأسرته، فردعته الديانة عن هذه الغلظة وعلمته كيف يضحي بنفسه ويأخذ بيد قريبه ويعطي الفقير من ماله ولولاها لما ارتقت المعارف وما كانت الطرق الإنسانية إلا مخضبة لدماء عظماء الناس. - يرجع إلى كتاب نحو نظرية جديدة في علم الاجتماع الديني-.

    - عالم الاجتماع يوسف شلحت : الديانة خير رادع للمرء عن المنكرات .

    وقد قرر الفكرة كتابه حول علم الاجتماع الديني حيث قال : لا نسلم مع غويو بأن الديانات صائرة إلى الاضمحلال وأن الإلحاد سيكون ديانة المستقبل، فالعبادة كما رأينا من الأمور التي لا تنبو عنها نفس الإنسان وطبائعه، فهي تمده بالقوة الروحية، وتمنع اليأس عن التسرب إلى قلبه، والديانة خير رادع للمرء عن المنكرات، وفيها من التعاليم والأقوال الجميلة ما هو جدير بأن يحفظه كل إنسان ويعمل به. زد على ذلك أن الديانة لا تذهب من مجتمع إلا لتحل مكانها خرافة تكون أشد منها سيطرة على حرية الأفراد وشعورهم الذاتي كما في تأليه الدولة مثلا.

    - عالم الاجتماع رايمون آرون : الدين مجموعة متماسكة من العقائد والفروض ترمي إلى إصلاح هذا الكون الفاسد .. وخلق أنظمة جديدة تبعث الرجاء في قلب الإنسان اليائس.

    وقد قرر في كتابه حول مستقبل الديانات الآتي : ..على أن هذه الديانات الجديدة المبنية على الإلحاد لا تستطيع أن تملأ النفس غبطة كما هي الحالة في الديانات القانونية .

    وهو اعتراف عن عجز كل تلك المذاهب الفكرية عن القيام بأدوار الدين . وحسبنا ما نقلنا من هذه الأقوال المشهورة عند المتخصصين بعلم الاجتماع.

    ولنأت الآن على مداخلتك حول دور الدين، مع التنبيه أنك خلطتَ بين محورين مما صعب عليَّ فرزهما، فجنحت للإجمال، ومن عادتي التدقيق في المحاور، فأجملت الأدوار الدينية وأقحمتها مع مسألة إرسال الرسل، لهذا فأتمنى في المرة المقبلة أن تلتزم بمحاور مداخلتي ولا تبعثرها .

    إذا أردت إثبات حاجاتنا للدين لتفسير ظواهر الكون التي أشرت لها ، فعليك اولاً إثبات أن التفاسير التي قدمتها الأديان لتلك الأشياء الغامضة هي تفسيرات صحيحة ... (وبالطبع هذا شئ يستحيل إثبات صحته مثل ما يحدث للناس بعد الموت) ... فكما ذكرت لك سلفاً فإن البشر كان لديهم دائماً ميل لإيجاد إجابات للأشياء الغامضة المتعلقة بحياتهم ... ومجرد قيام الأديان بتقديم إجابات أو تفاسير لبعض النواحي الغامضة في حياة البشرية لا يثبت صحتها .
    وهنا قد ربطتَ قولي بين وظيفة الدين التفسيرية وبين دلائلي على وجوب إرسال الرسل، ولم تفطن إلى المسألة بدقها، والجواب عليك من وجوه :

    - أن عجز اللادينية متمثل في عدم إعطاء التفسيرات الضرورية الكفيلة بضمان الصحة النفسية للإنسان وإرضاء حاجاته المعرفية، لهذا فعليها ان تغطي هذا الدور الذي لعبه الدين، وهي لا تستطيع ذلك لأنها مجرد قول على الله بغير بينة ولا برهان.

    - أننا أثبتنا من خلال أقوال علماء الاجتماع أعلاه أن الإنسان بحاجة إلى الدين، وعليه فانت من تُنكر الواقع البديهي وليس نحن، وقد سبق للفيلسوف شليماخر أن قرر بأن هناك وعيا بالقدسي مغروسا في النفس الإنسانية، وقد توسع الفيلسوف الألماني ردولف أوتو وقال بأن الدين جزء لا يتجزء من الطبيعة الإنسانية وموجود معها منذ الطبيعة. وإن غصت في كتب علم الاجتماع فسآتيك بمئات الباحثين في هذه المسألة . لهذا فنحن لا نكتفي بتوصيف الواقع لك بل نزيد على ذلك بذكر العلماء المتخصصين في هذا المجال .

    - أن حاجة الإنسان لإشباع معرفته الوجودية تظهر منذ الصغر، فالطفل منذ نعومة أظافره وهو يسأل والديه عن أمور شتى، حتى يصل ذلك إلى الكون ومن خلقنا وكيف هو وغيره ؟ وذلك دليل على ان هذه التساؤلات من لوازم الفطرة التي اودعها الله تعالى في عباده . وأظنك أيها الزميل مررت بهذه المرحلة فلماذا الإنكار ؟ .

    - أما مسألة الشوق إلى المعرفة في الإنسان فشيء يتفق كل الفلاسفة عليه، وقولك بأن بعض المعلومات من الترف الفكري، حكم قيمة لا وزن له عند العقلاء، لأن غيرك يريد أن يعرف أكثر من مسألة العرش والملائكة وكيف هم وغيرهم، لهذا فعدم إدراكك للمعنى السامي لا ينفيه، لأن الدين من خصائصه أنه يتحدث إلى كل البشر، على اختلاف مداركهم واتساع آفاقهم.

    - أما تحقيق التفسيرات المقدمة فلا ينفي حاجة الإنسان لها، وعليه أن يبحث عن التفسير الصحيح من بين كل الأديان الموجودة.

    وهاتان الوظيفتان سأتناولها معاً ، فكلاهما يدور حول أهمية الدين لتعريف الإنسان بأنماط السلوك والإعتقاد الصحيح التي يجب أن ينظم الفرد والمجتمعات حياتها وفقاً لها ... أي بإختصار التعليمات التي يريدنا الله أن نلتزم به ... وسأبين فيما يلي الإعتراض على قولك بحاجتنا الدين لأداء هاتين الوظيفتين :

    • إذا كانت تلك التعليمات السماوية طقوساً عبادية كالصلاة والصوم الخ ، فرغم ما ينسب لتلك الطقوس من فوائد صحية وإجتماعية أو نفسية ، إلا أن تلك الفوائد تبقى غير مثبتة ومحل جدال وقد يطول فيها النقاش ويتفرع ، هذا بخلاف أنها فوائد فرعية أو هامشية ولا تبرر الحاجة للرسل والرسالات ... إذاً يبقى إذا الدور الأهم للطقوس الإسلامية وهي إستيفاء حاجة الإنسان الفطرية للعبادة والخضوع .
    وبالنسبة لما يسمى بحاجة الإنسان للعبادة والخضوع ... فهذا إدعاء لا أرى صحته ، فلا يوجد ما يسمى بحاجة الإنسان للعبادة والخضوع ، ولكن يوجد لدى الإنسان خوف من المجهول ورغبة في السيطرة على الطبيعية وفهم وتفسير الظواهر الغامضة ... أما عن قيام الحضارات القديمة بإتخاذ الأديان وعبادة مظاهر الطبيعة (وهو ما يستدل به البعض على حاجة الإنسان الطبيعية للعبادة) ، فهذا لا يقوم دليلاً على حاجة الإنسان للعبادة ... فإختراع الدين لم يأت نتيجة حاجة البشر للعبادة والخضوع أو بسبب حاجة الإنسان للتواصل مع الله ، ولكن ظهر الدين بسبب ضعف الإنسان القديم أمام الطبيعية االتي كانت تحمل أحياناً تهديداً لوجوده وتتحكم في قدرته على تحصيل إحتياجاته ، ودليل ذلك أن الأديان البدائية لم يكن فيها مكاناً لله وإنما كانت عبارة عن طقوس وقرابين لإرضاء الطبيعة ... وقد درس علماء الإنثربولوجيا ظاهرة الأديان بشكل وافي ووصلوا لنظريات شبه مؤكدة تشرح كيفية نشأة وتطور الأديان .
    ولا أدري من هو المجادل في أهمية العبادات ؟ لو تأملنا كل كتب علم الاجتماع الديني، وفلسفة الدين، وعلم النفس، لرأينا أهمية العبادات أو ما يصطلح عليها عندهم "بالطقوس"، وذلك مبسوط حتى في الكتب العلمية والطبية في هذا الصدد، ونحن نحدثك عن علم أيها الزميل، فإن كان عندك شيء مثبت من عند أهل الخبرة فأخرجه لنا، أما أن تنفي أشياء بديهية بجرة قلم، فالكل يحسنه، حتى العامي الذي لم يزر مدرسة قط. وأي معتقد يقوم بصياغة الصورة الذهنية للعالم القدسي، فهو في حاجة إلى نظام طقسي يضع الإنسان في علاقته مع العوالم القدسية، فإذا كان المعتقد حالة ذهنية فإن العبادة حالة فعلية من شأنها إحداث رابطة، فإن كان المعتقد مجموعة من الأفكار المتعلقة بعالم المقدسات فالعبادات هي مجموعة من الأفعال المتعلقة بأسلوب التعامل مع ذلك العالم، فهو بتعبير فلسفي : اقتحام للمقدس وفتح قنوات اتصال دائمة معه .

    وأقول ان كل فكرة ذهنية أو معتقد ذهني هو عرضة للتلاشي والاندثار والزوال ما لم يخرج من عالم الفكر إلى عالم الفعل، وأعطيك مثالا بسيطا عن ذلك، مثال المواطنة والانتماء إلى الوطن، ألا ترى في الثكنات العسكرية الإجراءات المتعلقة بتحية العلم الصباحية والمسائية حيث يرفع صباحا بحضور العسكر وينزل مساءا على صوت بوق ؟ فلماذا السياسة العسكرية تركز على هذه المسألة ؟ لأنه بكل بساطة طقس يرفع من الانتماء الوطني للعساكر، فالوطن مجرد مفهوم في عقول المواطنين، لا ترسخه الأفكار بقدر ما ترسخه الطقوس، تحية العلم، الفوز في الرياضات بين الأمم، الاحتفال بالأعياد الوطنية والقومية، استحضار الأمجاد والإنجازات، كل ذلك وأكثر هو طقوس ترسخ فكرة الوطنية والمواطنة في نفوس الشعب. وبقدر ممارستها بقدر ارتفاع عقيدة المؤمنين بها، وأنتَ ترى الفرق مثلا بين المتدينين وغيرهم من المؤمنين الغير متدينين، فتجد الممارس للعبادات له مزايا عديدة من الناحية الإيمانية والسلوكية عن غير المتدين من نفس الدين .

    مسألة تطور الأديان وأيهما الأسبق التوحيد أو الوثنية، وما هو المعتقد الأول للبشرية، فاسمح لي بالقول بأن الخلاف شديد انتروبولوجياً بين الباحثين، و علم الاجتماع بمختلف تفريعاته أحد تخصصاتي وحاصل فيه على شواهد أكاديمية، وإن أحببتَ أن أخرج لك ذلك من الكتب أخرجته لك بكل يسر، وإن كان الراجح عندي وعند عدد من الباحثين في المجال أن البشرية الأولى كانت موحدة، وذلك منتشر في منتدانا هذا، ولو أحببتَ أن نتوسع في الموضوع توسعنا .

    فإختراع الدين لم يأت نتيجة حاجة البشر للعبادة والخضوع أو بسبب حاجة الإنسان للتواصل مع الله ، ولكن ظهر الدين بسبب ضعف الإنسان القديم أمام الطبيعية االتي كانت تحمل أحياناً تهديداً لوجوده وتتحكم في قدرته على تحصيل إحتياجاته
    وهو معتقد لا دليل عليه، فلا يوجد دليل يؤكد أن الإنسان القديم تديَّن لخوفه من الطبيعة فقط، وهي دعوى منقوضة بشهادة الواقع، فالدين في القرن الواحد والعشرين حاضر بقوة في كل الكرة الأرضية، وأظن أن البشرية اليوم لا يصطلح عليها بمصطلح الإنسان القديم ؟ فقد تخطينا تلك المرحلة كثيرا .

    والثانية أننا نجد في أصفى المناطق غالبية متدينة، وهي مدن ومناطق آمنة من الناحية الطبيعية وليس بها نشاطات كارثية كثيفة .

    لا يمكن إثبات أن نزول الدين كان سابقاً لتطور هذه القيم الأخلاقية في الضمير الإنساني وإقرار الإنسانية برفعة وسمو هذه القيم الأخلاقية وضرورة إلتزامها ... فهل الأخلاق سبقت الدين أم أن الدين هو الذي عرفنا بالأخلاق ... هذا هو السؤال المحوري الذي لا يمكن إثبات حاجتنا للدين في هذا الخصوص ما لم يتم إثبات أسبقية الدين على الأخلاق ... أما مجرد دعوة الدين للإلتزام الاخلاق فلا يقوم دليلاً على الحاجة له ، فالكثير من الحركات الإجتماعية التي لا علاقة لها بالأديان قد دعت أيضاً للإلتزام الأخلاقي .

    * هناك بعض الإختلاف بين القيم الأخلاقية التي أقرتها الأديان والقيم الأخلاقية الإنسانية ، ولكن لا يمكن الجزم أيهما أفضل وأرقى .. وأرى أن الأخلاق الدينية قد تتفوق في بعض النواحي إلا أن الأخلاق الإنسانية تتفوق في نواحي أخرى .. كما أن هناك الكثير من القيم الأخلاقية الإنسانية التي لم تشر لها الأديان بوضوح .
    وهذا منتقض بكلام الباحثين .. وغاية الأمر أنك انحرفت عن مسألة ضمان اللادينية لهذه الأمور إلى مسألة مناقشتها كدليل على إرسال الرسل وهنا كان انحرافك المنهجي، ولا يمكننا إغفال مسألة التنشئة الإجتماعية في تكوين الفرد، حتى ولو كان ملحدا أو لادينيا وأسس حركات اجتماعية .. وعموما كل هذا سنتطرق إليه في المداخلة التالية لهذه.

    هناك مئات الملايين من البشر ممن هم غير مؤمنين بأديان سماوية (مثل أتباع الكنفوشيوسية والبوذية الذين لا تؤمنون حتى بوجود إله ، ومثل مئات الملايين من غير المؤمنين في أوربا وأمريكا ) ، ورغم عدم وجود رادع يمنع هؤلاء من التصرف بأخلاقية وإنسانية إلا أنهم لم يتحولوا لوحوش كاسرة ولا يعانون من الإكتئاب ، بل لعلهم أفضل من كثير من المتدينين في الكثير من الجوانب الأخلاقية والنفسية .
    وأظنك تؤمن بخرافة عدم ألوهية بوذا، وهي انتشرت عند بعض الباحثين الغربيين انتشار النار في الهشيم، وهو شيء مندفع عند المتخصصين في علم مقارنة الأديان، فالآن هم يتفقون على مسألة ألوهية بوذا وتجسيده عبر الأصنام، والتقرب إليه بمجموعة من العبادات والبوذية والكنفوشيوسية وغيرها من نحل اليابان والهند والصين وتعتبر ديانات قائمة بذاتها لها كتبها وعقائدها وعباداتها، وحينما اتحدث عن الدين فأعني به كل الأديان وضعية أو محرفة أو صحيحة، المهم أن يكون عندها معتقد ومصدر جامع، وعبادات .

    وعليه فالدليل عليك لا لك، ويبقى ما تقوله مجرد كلام مرسل لا دليل عليه، إضافة إلى أني نبهت سابقا إلى مسألة التنشئة الاجتماعية .

    وأقترح أن نفصل بين المحورين، فنتحدث عن مسألة الأدوار الدينية مفصولة عن المحور الآخر حتى إن أنهيناها انتقلنا إلى الثانية . لكن بعدما أستكمل الرد على كل مداخلتك الطويلة تلك .

    يتبع .
    التعديل الأخير تم 03-15-2012 الساعة 10:19 PM

  11. #26
    تاريخ التسجيل
    Oct 2011
    المشاركات
    1,524
    المذهب أو العقيدة
    مسلم
    مقالات المدونة
    2

    افتراضي

    أولا ينبغي أن أنبه إلى أن مداخلاتك تضمنت نقطا كثيرة تحتاج إلى تفصيل، ووإثارتك لموضوعات تصلح أن تكون مبحثا خاصا مركزا هي دليل عن عدم تحريرك لمحل النزاع، وأرجوا في مداخلاتك الآتية الاستدلال على قدر الاستشكال حتى لا نُستغرق في موضوعات كثيرة، مما سيضطرني إلى الزهد عن إجابة عدد من النقط على وجه التفصيل تجنبا للتطويل والتفريع المتفق على حظره بيننا.

    بالنسبة للدور الردعي للدين ، فهناك وسائل كثيرة تقوم بشكل جيد محل الأديان في توفير الردع أو الحافز ودفع الناس لعمل الخير وإجتناب الشر ... وأهم دوافع الإلتزام الأخلاقي هي الضمير الإنساني وحب الإنسان الفطري لعمل الخير ، وإحساس الإنسان بأن أعماله الحسنة أو السيئة سوف تنعكس عليه ... اخيراً يقوم البشر بوضع الكثير من التشريعات والقوانين وبوضع نظم العقاب والثواب التي تنجح لحد كبير في تحقيق الإلتزام بالسلوك الحسن وإجتناب السلوك السئ بما يغني عن الروادع الدينية ... مثل بسيط أسوقه لك هو إحترام قواعد المرور ... ففي الدول الغربية نجد أن الناس تحترم قواعد المرور لمعرفتها بأن ذلك سيعود بالنفع على الجميع ولحرصهم على تجنب المساءلة القانونية ، وها هو النظام يعمل بكفاءة ، في المقابل نجد لدينا في الشرق المسلم فوضى مرورية وعدم إنضباط .
    وذلك منتقض واقعا، وبأقوال أهل الخبرة من علماء الاجتماع وغيرهم، وذلك من وجوه :

    - أن شقاء البشرية في ظل القوانين الوضعية أمر مشاهد، وتحت يدي إحصائيات موثقة في مختلف المجالات، وقد استدل بها عالم الاجتماع أنتوني غدنز في كتابه "علم الاجتماع"، حتى يبين الحالة الصعبة التي تعيشها المجتمعات الغربية في ظل تكاثر الأمراض النفسية، والظواهر الانحرافية من سرقات وإجرام وغيرها .

    - أننا نشاهد قاعدة ذهبية في هذا المجال وهي : أي مجتمع قل تدينه كثرت انحرافاته، ودرجة الكثرة مرتبطة بدرجة القلة، فالوازع الديني أثبت نجاعته مقابل أي وازع آخر، وحسبك أن المتدين الذي يخاف الله، يعيش بعقيدة { إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } .

    - أن ذلك مندفع أيضا بأقوال علماء الاجتماع اعلاه .

    - أن عقدك لمقارنة بين الشرق والغرب لا تسلم، لأن عامة الدول الإسلامية لا تحكم بالشريعة الإسلامية بل بقوانين علمانية مستنسخة من قوانين غربية، وتعاني موجات من التغريب والاستعمار الفكري والثقافي، لهذا فشيء طبيعي أن تكون الانحرافات بادية .

    - أن ضربك لمثال أن الغرب عالم فاضل مثالي، لا ينهض بحجة، وكمثال فالدولة الفرنسية مثلا في حوادث السير سجلت سنة 2011 وفاة 3970 شخصا وجرح 80945 آخرين، وعزت 90 بالمائة من هذه الحوادث إلى عوامل وأخطاء إنسانية، وهي أحصائية مؤقتة رسمية ومرشحة للارتفاع . وهنا تجد موقع الإحصاء

    لهذا أيها الزميل كفاك كلاما مرسلا تأملاتيا .

    وفي مقابل ذلك نجد أن الأديان وما تقدمه من روادع أخلاقية لم تنجح في إحداث تغير جذري في أخلاق وسلوك الناس ، وهو شئ على الأقل لا يمكن إثباته ، ولا يمكن القول بأن أتباع الأديان عموماً هم أكثر أخلاقية من غيرهم ... ومن ثم لا مجال للإدعاء بأن العالم هو مكان أفضل بفضل الأديان أو القول بأن البشر يصبحوا أقل أخلاقية بدون الأديان .

    • المنظومة الأخلاقية والسلوكية التي تدعو لها الأديان هي منظومة مشوهة (من وجهة نظري ومن وجهة نظر الكثيرين) ، مقارنة مع القيم الإنسانية المتعارف عليها في عصرنا الحديث ، كما أن هناك كثير من الاشياء التي تدعو لها الأديان هي غير متوافقة مع الأخلاق الإنسانية والفطرة السليمة المحبة للخير والحق ، مثل الحث على عدم حب المخالفين والدعوة للبراءة منهم ، وفشل الدين في القضاء على العبودية ... أو هي على أقل تقدير منظومة جامدة لا تتكيف للتغيرات التي تطرأ على المجتمعات وما يصاحب ذلك من تغيرات في بعض القيم والمعايير السلوكية .
    وهنا هوامش ستدخلنا في تفاصيل وفرعيات كثيرة، والأحرى أن تُناقش في رابط التعليقات على المناظرة . وتجد طرفا من الجواب أعلاه .

    بالنسبة لدور الدين في تعريف الناس بوجود نظام عدالة سماوي يضمن تعويض المحرومين والمظلومين في الدينا وتحقيق العدالة التي تبدو غائبة عن عالمنا ، وتعريف الناس بأن الدنيا إنما هي مجرد معبر وأن الدار الأخرة هي دار القرار ، وكذلك زرع القناعة والطمأنينة في قلوب البشر عبر إعلامهم بأن أرزاقهم ومصائرهم وأقدارهم هي مسجلة بيد الله ولا مجال لتغيريها ... فلا بد من رفع القبعة للدين لقيامه بتلك الوظيفة ... ولكن مجرد قيام الدين بأداء هذه الوظيفة لا يقوم دليلاً على صحته ، حيث أن قيام الدين بهذه الوظيفة جاء كمنتج فرعي أو هامشي Byproduct لوظائف الدين الأخرى مثل تعريف الناس بالخالق وإنزال الشرائع وحث الناس على عبادة الله ... الخ

    ومن ناحية أخرى كما أن للدين إنعكاس إيجابي على التوازن النفسي لأتباعه ، فكذلك للأديان إنعكاسات سلبية ، تتمثل لدى الكثيرين في حالة اللامبالاة بالدنيا وإستحقارها أو الزهد الزائئد عن الحد ، وبسبب حالة الخوف الدائم من الله وعذابه التي يعيشها المؤمن ، وبسبب تعقيدات الحياة التي يعيشها المؤمن فيحرم نفسه بالكثير من الأشياء الطبيعية التي حرمها الدين أو يلزم نفسه بأشياء لا ضرورة لها بسبب الدين ، هذا بخلاف حالة عدم الرضا الداخلي التي يعيشها المؤمن عندما يجد نفسه مضطراً لإحتقار الآخر .
    وهذا كلام لا وزن له لانعدام الأدلة عليه، إن هي إلا دعوىومردود عليه أعلاه .

    رد أدلتك المزعومة على "الحياد الإلهي" :

    وههنا لفتة منهجية، هي أن تلك الأدلة بمجموعها التي قدَّمتها لا تنهض ولا تصلح لأن تكون دليلا واحدا، فضلا عن أن ينهض كل منها دليلا لوحده، ورُحتَ تقدِّم لأدلتك تحت مبرر عدم منطقية الأديان ومخالفتها للعلم، وهذا كله زعم بغير دليل، وكون أن بعض الأديان تتضمن تناقضات ومخالفات فلا يعني ذلك سحبُ ذلك على كل دين، لأننا نقول بصحة دين واحد من بين كل أديان البشرية، وهو الإسلام، وهذا سنصل إليه لاحقا في المناظرة فلا تتعجل.

    بإختصار دليلي الأول هو نفس دليلك لإثبات خطأ الربوبية... حين قلت :


    اقتباس:
    أن انعدام الدليل عند المخالف، دليل ... فإن انعدمت هذه الحجج والبراهين (على صحة قضية ما) فيكون نقيضها أولى بالتسليم وأحق بالتصديق، لأن مانع القضية السالبة يسلم جدلاً بنقيضها"

    وبما أن الحجج والبراهين قد إنعدمت على صحة الأديان فإن نقيضها (اللادينية) يكون أولى بالتصديق .

    وكل ما سبق هو بالطبع من وجهة نظري ... كما أننا لن نخوض في تفاصيل هذا الدليل لأن ذلك مؤجل للقسم الثاني من مناظرتنا والمتعلق بإثبات صحة الإسلام .
    وتأمل أيها الزميل كيف اقتطعتَ جزءا من مداخلتي وسحبتَ منها إلزاماتها وقواطعها، وجعلتَها كلمة واحدة سهُل عليك انتحالها، فتأمل معي الكلام مرة أخرى واحسب عدد الإلزامات التي قفزتَ عليها :

    انعدام الدليل عند المخالف، دليل، بمعنى أناَّ نقول بأن صدق الدعوى من عدمه يكون مرتهنا بحجم أدلتها، مفروضا بقوة حججها، فإن انعدمت هذه الحجج والبراهين جملة وتفصيلا، كانت الدعوى مجرد سفسطة مرسلة لا شيء يعضدها، فيكون نقيضها أولى بالتسليم وأحق بالتصديق، لأن مانع القضية السالبة يسلم جدلاً بنقيضها ولا دفع لمنعه. و مانع القضية العقلية يسلم جدلا بالمقدَّم، وعلى المدعي دفع المنع بإثبات النقيض.

    تماما مثل الملحد الذي يُريد ان يدلس على المؤمن أو اللاديني، فيطالبه بالدليل على وجود الله تعالى، فنواجهه بالقول أنه هو المطالب بإثبات النقيض ولسنا نحن { أَفِي ٱللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ }.
    لأن الجائز العقلي لا يُنفى من أجل مستحيل عقلي، فإن كان هذا في الجائز، فالواجب العقلي أحق بهذه القاعدة من الجائز، خاصة وأن فطرة العقل دالة عليه ببراهين أخرى .وقس على هذا قولك، لأن الأصل ليس في عدم إنزال الشرائع والحياد، بل الأصل هو إرسال الرسل وتدبير الكون وغيره، فتكون مطالبا بالدليل لأنك ادعيتَ النقيض .

    ثم نسأل المخالف، هل إرسال الرسل وإنزال الكتب وتدبير الكون هو واقع عندكم في باب الإمكان العقلي أم الممتنع ؟ فإن قلتَ من باب الإمكان فقد وافقت فطرة العقل، وإن قلتَ بالاستحالة فقد خالفتَ المقتضى، فنسألك حينها عن المانع العقلي لذلك ؟


    فالأديان لم تستقطب إلا نسبة بسيطة من البشر ، ومن هذه النسبة التي آمنت بتعاليم السماء وبالرسل هناك نسبة أقل عملت بمقتضى تلك التعاليم ... والنتيجة هي أن تلك التعاليم والتوجيهات السماوية لم تكن مؤثرة فعلاً في مسيرة البشرية ، وبشكل يتناسب مع كونها صادرة من الخالق العظيم .

    ولو كانت البشرية فعلاً بحاجة لذلك التدخل الإلهي ولا يستقيم حال البشر إلا بذلك التدخل ، فإن من المفترض أن نرى نتائج ملموسة لذلك التدخل الإلهي وفي شكل تغير جذري في حياة البشرية ، ولكن لا يوجد أي أدلة تؤكد حدوث ذلك التغير الجذري في مسيرة البشرية والذي يمكن نسبته لتدخل إلهي أو إرسال رسل .
    مرة أخرى ترجع إلى الكلام المُرسل الذي لا دليل عليه ولا منطق يعضده ولا تاريخ يشهد له، رالف ستيهلي أستاذ تاريخ الأديان بجامعة ستراسبورج، قدَّم إحصائية تقول بأن عدد المسلمين 1,3 مليار شخص، وعدد النصارى 2 مليار شخص، الهندوسية 840 مليون ، البوذية 380 مليون شخص، واليهودية 14,5 مليون شخص .. ليكون المجموع ما يزيد عن 4 مليارات وخمسمائة وأربع وثلاثين مليون شخص ينتسب للدين، من أصل 6 مليارات، أي يبقى أقل من ملياري شخص متفرقون على الأديان الباقية والنحل السحرية، والمذاهب الفكرية . فتأمل ؟؟؟؟ وهذه إحصائية كانت سنة 2003، وقد ارتفعت مؤشرات اعتناق الأديان بعدها حتى أصبح الدين الإسلامي أكثر الاديان انتشارا حسب عدد من الإحصائيات .
    فأرجوك أيها الزميل لا تطلق الكلام جزافا على عواهنه، فعن أي نسبة بسيطة من البشر تتحدث ؟

    والنتائج الملموسة التي تتحدث عنها هي الحضارات العظيمة المختلفة التي قامت ترفع شعار الدين .

    الدليل الثالث : إفتراض حدوث ذلك التدخل الإلهي يوقعنا في فخ إتهام الخالق العظيم بالتقصير

    فإفتراض عدم إستقامة حال البشر بدون إرسال الرسل يعني أحد شيئين (أو كلاهما) ... فقد يعني بأن الله قد خلق البشر وفيهم ضعف ذاتي أو خلل مركب ، مما يجعلهم بحاجة دوماً لتدخل خارجي من الخالق لإصلاح ذلك الخلل (عبر إرسال الرسل) ، وهذا الخلل المركب قد يشير إلى عيب في التصميم أو الصنعة (تعالى الله عن ذلك) ... وقد يعني إحتياجنا للتدخل السماوي وعدم إستقامة حالنا بدونه بأن الله قد رضى (أو ربما شاء) بأن يكون حال البشر غير مستقيماً ومختلاً ، وأن لا يتم إصلاح الخلل الذي هو كائن فيهم ومزروع فيهم بالفطرة ... فكما هو معلوم فإن أغلب الناس لا يؤمنون بالرسل والرسالات وإن آمنوا بها فلا يعملوا بمقتضاها (كما تم التوضيح في النقطة السابقة) ، والمحصلة هي أن حال البشر لن يستقيم وسيظل مختلاً رغم إرسال الرسل
    وهذا مجرد عكس لدليلي القائل بان اللادينية تنسب صفات النقص بقولها بالحياد الإلهي ، فالله عز وجل عندنا أنزل للبشرية الهداية وبصرهم بالمنهج المرتضى، فما عليهم إلا اتباع المنهج لضمان السعادتين .

    ونقول بان الإنسان ناقص غير كامل، يحتاج للرعاية ولا يستطيع العيش بدون دين، وهو شيء مشاهد في كل البشر، هكذا خلقه الله وشاءت حكمته ذلك، إنما العيب كل العيب في معتقدك الذي يشاهد الضعف ويتعامى عنه ويريد جر البشرية إلى شقاء مُهلك . والأدهى أنه ينسب لله العطالة والظلم حيث يشاهد مخلوقاته متضاربة متماوجة دون تدخل منه . تعالى الله عن ذلك.

    الدليل الرابع : إثبات حاجة البشرية لذلك التدخل الإلهي وللرسل والرسالات السماوية يقوم على أن إفتراض غير مثبت وهو أن المؤمنين برسالة السماء والمتبعين لها هم أفضل حالاً من غير المؤمنين بها أو المتبعين لها
    نفسيا هم أفضل حالا وأقوى جلدا على مصاعب الحياة، وأكثر تناغما في المجتمع وغيره، وذلك مثبت في إحصائيات اجتماعية ونفسية عديدة، وقد سبق أن رأينا طرفا من ذلك أعلاه .

    وهذا سيُدخلنا في تصنيف الدول الغربية المؤمنة بالدين والدول الغربية التي تحسب ملحدة ولادينية، وهذا باب لا أحبذ طرقه حفاظا على المناظرة من مختلف التفريعات، كما أن الدولة الإسلامية تاريخيا حققت ما لم تحققه حضارة أخرى في باب الدولة الرعاية والعدالة الاجتماعية . وارجع إلى التاريخ المقارن بين الحضارات .

    فإسلوب ذلك التواصل المفترض بين الله والبشر ... أي عبر الأنبياء والرسل ... هو إسلوب تثار العديد من التساؤلات حول مدى منطقيته ... فلا يعقل (بالنسبة لي) أن يلجأ الله لأشخاص يصطفيهم ليبلغوا رسالته للناس ؟ وأتساءل ... لماذا لا يقوم الله بإيصال تلك الرسالة بنفسه وهو قادر على ذلك ؟ ... إذا كان لديك رسالة (هامة جدا) تريد أن توصلها لشخص ما او مجموعة أشخاص ، هل ستوصلها لهم بنفسك أم سترسلها عن طريق وسيط او رسول ؟ ... بالتأكيد إذا كانت الرسالة هامة جدا وكنت قادرا على إيصالها بنفسك فلن تلجأ إلي الوسيط ... فإذا كان الخالق العظيم قد خلق الناس خصيصاً ليعبدوه فلماذا شاء أن يتم إيصال تلك الرسالة بواسطة أشخاص قد تحوم حول صدقهم الشبهات ، وقد يتهمون بالكذب في إدعاء النبوة ... وهذا ما حدث بالفعل ، فقد كُذِّبَ معظم الأنبياء .

    قد يقول البعض بأن الله قد شاء أن يرسل الرسالة بواسطة أشخاص من نفس جنس المرسل إليهم أو بأن الحكمة من قيام الله بإرسال الرسل وعدم تبليغنا تلك الرسالة بنفسه أو عبر ملائكة مثلا هي ضرورة تجسيد تلك الرسالة في الواقع من خلال سلوك وممارسات الرسل الذين يرسلهم الله للناس لإعطاء مثال حي على كيفية الإلتزام ... وأحسب أن هذا الرأي ليس ناتجاً إلا عن قصور في تصور حدود القدرة الإلهية وما يمكن أن يفعله الله لو أراد تبليغنا رسالته بدون وسطاء .
    وفقرتك الثانية قاصمة للأولى ، وتعليلك به تلبيس :

    فمفهوم القدرة مرتبط بالمشيئة والإرادة، والمشيئة مرتبطة بالحكمة، بمعنى أن الله عز وجل قادر على كل شيء، وأنه سبحانه لا يفعل شيئا إلا لحكمة، وأنه عز وجل لا يفعل إلا إذا شاء، وإن لم يشأ لم يفعل . فيستطيع إهلاك البشرية جمعاء في هذه الساعة لكنه سبحانه لم يرد ذلك، فعدم إرادته إهلاك البشرية لا يعني عدم قدرته على ذلك، وعدم مشيئته إهلاكنا راجعة لحكمته سبحانه .

    أما الحكمة من إرسال الرسل من البشر دون غيرهم، فمنتشرة روابطه على منتدانا، وببحث صغير يغنيك عن كثرة تعليق . ويصلج لأن يكون مرحلة متأخرة عن المرحلة التي نحن فيها، فحينما تقر بجواز إرسال الرسل بل بوجوبه حينها نتناقش حول الحكم من هذا النوع من الاتصال دون غيره .

    الدليل السادس
    وهو ليس دليلا ولا يقوم .

    يتهم اللادينيون الأديان السماوية عموماً والإسلام على وجه الخصوص بأنها ظاهرة شرق أوسطية ، ويرد المسلمون على هذا الإتهام عادة بالقول بآية (وإن من أمة إلا خلا فيها نذير) ... ولكنهم يعجزون عن ذكر أي نبي مرسل لأي أمة خارج نطاق الشرق الأوسط أو التدليل على صحة وجوده ، حتى في أساطير الشعوب القديمة ... فلا يعرف من هؤلاء المرسلين الذين أرسلهم الله سوى ال 24 نبياً المذكورين في التوارة بالإضافة إلى نبي الله صالح الذي إنفرد القرآن بذكره وبعض الأنبياء الذين إنفرد التوراة أو الإنجيل بذكرهم بذكرهم
    انظر كيف أنك تنفي نقطة " أ " عبر إثارة نقطة أخرى "ب" وكلاهما لا يصلح أن تنفي الأولى الثانية، وذلك من وجوه :

    1- أن معتقدنا هو الآتي : { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ } .. { رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا } .. { وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلَا فِيهَا نَذِيرٌ } .

    2- كوننا لا نعرفهم ولم يخبرنا الله عز وجل بقصصهم كلهم من حكمته، { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ } ، وكيف بالله عليك تريد قرآنا يعطينا قصص كل الرسل في كل الأمم وهم بالآلاف، فهل تريد أسفارا كبيرة وحمل بعير ؟ .

    3- أن القرآن الكريم تفرد بذكر بعض الرسل في بعض الامم، لكن كان الغالب تصحيح الديانات المحرفة الشهيرة التي نسبت النقائص للأنبياء ودلست عليهم.

    4- أن القصص تتكرر بين آلاف الأنبياء، وما ذكره القرآن فيه كفاية حتى نستخلص العبر، { وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ }

    5- كوننا لم نُخبر بهم لا ينفي وجودهم، وهي مسألة طبيعة لا تحتاج إلى نقاش إنما تعترض من أجل الاعتراض والسلام .

    وهذا ينسحب على مسألة الشرق الاوسط، أما مسألة الفترة فأمسك عنها قليلا حتى لا نتفرع أكثر، وسنتطرق إلى ذلك في رابط التعليقات .

    وهنا نرى أن الست نقط لا تنهض لكي تكون أدلة ولا ترتفع لذات المقام .

    وأرى أن نحصر حوارنا حول نقطة واحدة محددة، فاختر ما شئتَ :

    1- التكلم في مسألة عجز اللادينية مقارنة بالدين .

    2- مسألة إرسال الرسل وإنزال الشرائع وأدلتها . وحينها نجيب عن اعتراضاتك بتفصيل أكبر.
    التعديل الأخير تم 03-21-2012 الساعة 03:17 AM

  12. #27
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    1,421
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    نرجو فقط أن تكون المداخلات وفق نقطة واحدة يلحقها التفصيل وليس وفق نقاط كثيرة يلحقها تفاصيل طويلة كحال قوم يأجوج ومأجوج لا يعرف أولهم آخرهم ..
    ولتوضيح ذلك نقول : يشرفنا في المنتدى وجود هذا الحوار طالما كان بغية طلب الحق من الفريقين ، وعليه فلا مانع من أن يستمر سنوات طوال طالما كان الحق رائد الفريقين ولكي نجعل هذا الحوار مثمراً نرجو من الزميل الربوبي اعتماد المداخلات والتي تستثير نقطة واحدة وبالتالي سوف يكون تركيز محاوره على الرد مفصلاً ومستوفياً ، وإذا كان الزميل الربوبي لديه الكثير من النقاط فلا يستعجل فلكل مقام مقال ولكل حادث حديث ولن يُعدمْ من عدد الصفحات اللانهائي عندنا ...
    ولكي تكون بداية ممتازة بعد هذه المداخلات ندعو الزميل الربوبي أن يقومَ باستثارة نقطة واحدة كالتكلم مثلاً عن جواز إرسال الرسل من الناحية العقلية بخصوص المستحيل أو الممكن ..
    ننتظر من الزميل الربوبي الموافقة على شرط الإشراف حتى نخبره بقانون المناظرة القادم بخصوص المداخلات الطويلة
    واللهِ لَوْ عَلِمُوا قَبِيحَ سَرِيرَتِي....لأَبَى السَّلاَمَ عَلَيَّ مَنْ يَلْقَانِي
    وَلأَعْرضُوا عَنِّي وَمَلُّوا صُحْبَتِي....وَلَبُؤْتُ بَعْدَ كَرَامَةٍ بِهَوَانِ
    لَكِنْ سَتَرْتَ مَعَايِبِي وَمَثَالِبِي....وَحَلِمْتَ عَنْ سَقَطِي وَعَنْ طُغْيَاني
    فَلَكَ الَمحَامِدُ وَالمَدَائِحُ كُلُّهَا....بِخَوَاطِرِي وَجَوَارِحِي وَلِسَانِي
    وَلَقَدْ مَنَنْتَ عَلَيَّ رَبِّ بِأَنْعُمٍ....مَا لِي بِشُكرِ أَقَلِّهِنَّ يَدَانِ

  13. #28
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    124
    المذهب أو العقيدة
    لادينى

    افتراضي

    المشرف الفاضل

    ليس لي إعتراض على تجزئة الحوار ، وهذا ينسجم مع خطتي في الحوار ، ولكن لعل من المفيد أن يأتي كل طرف بملخص شامل لما يحمل في جعبته من أدلة ومنطق لإثبات وجهة نظره (وهذا ما قد حدث فعلاً) ، ثم بعد ذلك نبدأ بتناول النقاط بشكل تفصيلي أو مجزأ .

    بالتأكيد المداخلات الطويلة تسبب إرهاقاً لي ولمحاوري ولمتابعي الحوار ، ولكني أرى المسبب الأول لذلك هو رفض محاوري تقديم تلخيص واضح ومباشر وغير متداخل ولا يحتوي تكراراً لطرحه الذي يحاول من خلاله إثبات ضرورة إرسال الرسل ... وإصراره على عدم الفصل بين وظائف الدين وبين الأدلة الدالة على إرسال الرسل ، وهو فصل إرجو من محاوري بيان الحكمة منه فهي خافية علي .

    ومن خلال المداخلة القادمة سأقدم تصوري لكيفية توجيه الحوار وضبطه ، وتحديد لنقاط النقاش التي يمكن أن نبدأ بها

  14. #29
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    124
    المذهب أو العقيدة
    لادينى

    افتراضي

    مرحباً بمحاوري الكريم وبالسادة متابعي الحوار ....

    جميل أن نحاول تنظيم الحوار وتوجيه نحو نقاط تفصيلية محددة ، فالموضوع شائك .. ولكن ... قبل الإتفاق على هيكلية جديدة للحوار هناك نقطتين لا أرى أن لهذا لحوار مجالاً للتقدم دون حسمهما : وهما

    1) إصرار محاوري على قيامي بذكر مصادري ، وإنكاره أن يكون هناك أدلة تدعم صحة عقيدتي ، والمؤسف أن يأتي ذلك بعد أن بينت له الأدلة التي أعتمد عليها لإثبات صحة عقيدتي ... لذا أرى أن الموقف الأسلم من جانبه هو إنتقاد أدلتي وتفنيدها وليس نفي وجودها وهي ماثلة أمام ناظريه في مداخلاتي السابقة

    2) النقطة الثانية هي أن أهمية حصر النقاش في هذا الجزء من المناظرة فقط حول مسألة إثبات ضرورة التدخل الإلهي عبر إرسال الرسل ، دون غيره من أشكال التدخل الإلهي في حياة البشر أو سير الكون ، ودون التطرق لأجزاء العقيدة الربوبية الأخرى ، وذلك للأسباب التي سوف أوضحها أدناه ...


    وإصرار محاوري على ذكر المصادر هو مطلب غامض بالنسبة لي ... فماذا يقصد بمصادري ؟؟؟؟ مع العلم بأنه ليس للربوبيين أنبياء أو كتب منزلة أو مراجع أساسية في بناءهم العقيدى ... حتى كتاب "توماس باين" الشهير The Age of Reason ، رغم إعتباره بواسطة البعض أهم كتاب للعقيدة الربوبية فهو لا يعد مصدراً لها ، وإنما هو مجموعة من الأفكار طرحها الكاتب وتلقى قبولاً في أوساط الربوبيين .

    واللادينية عموماً (ومن ضمنها العقيدة الربوبية) هي مجرد مجموعة من الأفكار .... ولكن هذا ليس شي يعيبها ، فهي مجموعة من الأفكار ولكن لها أساس منطقي راسخ ... والافكار والآراء لا يستدل على صحتها من المصادر وإنما تسمتد شرعيتها من مدى توافقها مع المنطق والعقل ووجود براهين تدعمها .

    فهل هناك براهين وأدلة منطقية تدلل على صحة العقيدة الربوبية ....

    كما سبقت الإشارة ، فالربوبية هي "كل" يتكون من "أجزاء" ... وبالتالي إذا صحت الأجزاء فيكون "الكل" صحيحاً بالضرورة .... وأجزاء الربوبية كما سبق لي إيضاحها هي ثلاثة :

    1) هناك خالق
    2) الأديان ليست صحيحة
    3) الله لا يتدخل في حياتنا ولا يتواصل مع البشر ولا يرسل الرسل ، والكون تحكمه فقط مجموعة من السنن والقوانين يتم كل شئ في إطارها

    والجزء الأول أرى أن محاوري يتفق معي حوله ، والجزء الثاني نقاشه مؤجل ... إذا يجب أن ينحصر خلافنا حالياً فقط في الجزء الثالث من عقيدتي ، أي في مسألة الحياد الإلهي ..

    وكما سبقت إشارتي أيضاً ، فإن التدخل الإلهي في حياة البشر قد يكون

    • في شكل إجابة الدعاء أو إعطاء الكرامات للأولياء وكسر السنن الكونية لأحلال غضب إلهي أو عناية إلهية بشخص أو قوم من الأقوام ، ويكون أيضاً في شكل المعجزات التي يمد بها أنبياءه .

    • وقد يكون التدخل الإلهي في شكل إرسال الأنبياء

    وبالنسبة للشكل الأول من التدخل الإلهي (عبر إجابة الدعاء وكرامات الأولياء ومعجزات الأنبياء وغيرها) ، فقد أوضحت لك فيما سبق إستحالة الإعتماد علي ذلك لإثبات التدخل الإلهي في حياة البشر ، فمن المستحيل عملياً إثبات حدوث تلك الأشياء ، حتى لو كان حدوثها ممكناً ...

    وأراك قد وقعت في خلط كبير في ردك المتعلق بهذه النقطة ، حيث أنك إجتهدت لإثبات إمكانية حدوث تلك الأشكال من التدخل الإلهي دون الإنتباه إلى أن ما قصدته أنا هو إمكانية الإستدلال بها لإثبات أن الخالق يتدخل في حياة البشر ... فقد يدعو شخص بدعاء معين ثم يتحقق الشئ الذي طلبه ، ولكن هل يمكن إثبات تدخل إلهي لتحقيق طلبه ... وإذا كانت كرامات أولياء الله الصالحين مستترة ولا يعرفها أحد (كما قلت أنت) ، ألا يؤكد ذلك قولي بأنه يستحيل الإستدلال بتلك الكرامات "المستترة" لإثبات عدم الحياد الإلهي ... وقس على ذلك بقية النقاط المتعلقة بتلك الاشكال من التدخل الإلهي .

    أنا رأيت دعاءاً يتحقق (ولا اقول يستجاب له) ، ورأيت زلال وبراكين وأمطار تصيب أقواماً (ولا أقول عناية إلهية أو غضب إلهي) ، ولكن لم أرى ما يثبت أو يشير إلى حدوث خرق للسنن الكونية أو القوانين التي تحكم الكون مثل قانون الجاذبية وغيره من القوانين الطبيعية أو قوانين المنطق ... ولكي يصح إثبات حدوث تدخل إلهي فيجب أن يكون هذا التدخل الإلهي مخالفاً لسنن الكون وقوانينه الطبيعية ، وهذا شئ لم يسبق لي مشاهدته أو التأكد من حدوثه من مصدر موثوق ... لذا دعني أقول لك بان مصدري وشاهدي الأساسي على عدم حدوث مثل تلك الأنواع من التدخل الإلهي هو حواسي ومشاهداتي الفعلية ... فلم أشاهد أي مظهر يثبت حدوث خرق للسنن الكونية أو يثبت حدوث تدخل إلهي في حياة البشر ... فهل شاهدت أنت ذلك ، (إذا كنت أنت أو غيرك قد شاهد مثل تلك الخروقات للسنن الكونية ، فهذا يقوم حجة ودليلاً على التدخل الإلهي فقط لمن شاهد مثل تلك الخروقات) .

    إذا يبقى التدخل عبر إرسال الرسل هو الشئ الوحيد الذي يمكن أن نتناقش حوله لإثبات أو نفي الحياد الإلهي ، وهو الشئ الوحيد الذي يحق لك أن تناقشني فيه في هذه المرحلة من المناظرة .... فهل إرسال الرسل هو ضرورة عقلية وشئ يفرضه المنطق والكمال الإلهي .. هذه هي النقطة التي أرجو أن يدور حولها نقاشنا ونترك ما سواها ، فيقدم كل طرف أدلته لإثبات وجهة نظره ثم نمحص تلك الأدلة عبر النقاش .


    كما أنني قد قدمت لك أدلتي على عدم منطقية إثبات الرسل ، وسأقدم لك مزيد من الأدلة خلال حوارنا ، لذا لا يصح لك الإدعاء بأن عقيدتي لا تملك سنداً وأنها عقيدة بلا دليل او مصدر ....

    فهل يمكننا تجاوز تلك النقطة للإنتقال لما بعدها .........

    --------------------------------------------------------------------

    وبالنسبة للكيفية التي سيتم بها تفصيل الحوار وتجزءته ، فاراك إقترحت أن نبدأ بنقاش عجز اللادينية أو مسألة إرسال الرسل وإنزال الشرائع

    وأرى أن نحصر حوارنا حول نقطة واحدة محددة، فاختر ما شئتَ :
    1- التكلم في مسألة عجز اللادينية مقارنة بالدين .
    2- مسألة إرسال الرسل وإنزال الشرائع وأدلتها . وحينها نجيب عن اعتراضاتك بتفصيل أكبر.
    وفي الحقيقة أنا لا أفهم ما تعنيه أنت بمسألة عجز اللادينية !! أما مسألة إرسال الرسل وإنزال الشرائع فلا أرى في ذلك تفصيلاً أو تجزءة وإنما هي مسألة شاملة تتضمن كل جوانب حوارنا

    ولكن في المقابل أرى أن هناك ثلاث نقاط جوهرية تشكل أساس إختلافنا وهي نقاط أجدر بالنقاش ، فكامل فكرة تدخل الخالق عبر إرسال الرسل تستند عليها ... وهذه النقاط هي :

    1) هل يصح لنا إدعاء الإحاطة بالحكمة الإلهية ومقتضياتها ، أو إدعاء معرفة الطريقة التي يتعامل الله بها مع المعطيات المختلفة ، ومن ثم إفتراض قيام الله بأفعال معينة كإرسال الرسل أو غير ذلك من أشكال التدخل الإلهي في حياة البشر أو سير سنن الكون؟

    2) هل يصح لنا إدعاء معرفتنا بغاية الله من الخلق ، حتى نفترض بأن الله يجب أن يتدخل فيرسل لنا الرسل والرسالات ؟ هل يمكن إستنتاج الحكمة من الخلق ، دون اللجوء للنصوص الدينية التي تقول بأن الله قد خلقنا من أجل عبادته (كما في الإسلام) أو خلقنا من أجل أن يحبنا ونحبه ولكي يهب لنا عطاياه وأفضاله (كما في المسيحية) .

    3) مسألة الفراغات المعرفية ... بالنسبة لبعض أسئلة البشرية الحائرة مثل من اين جئنا ولماذا خلقنا الله وأين سنذهب بعد الموت وغيرها من الأسئلة المشابهة ... فهل يمكن قبول وجود فراغ معرفي بخصوص تلك الأسئلة أو عدم وجود إجابات محددة لها ... أم أن هذه الأسئلة يجب أن تتم إجابتها بأي شكل ... وهل وجود نسق معرفي أو تصورات معينة (بخصوص إجابات تلك الأسئلة) بغض النظر عن صحة أو خطأ تلك التصورات هو شئ أفضل من الإقرار بجهلنا بإجابات تلك الأسئلة .


    هذه ثلاث نقاط أقترح أن نبدأ بنقاشها ، ولربما أغنانا نقاشها عن نقاش ما سواها فهذه النقاط الثلاثة تشكل لب الإختلاف بيننا ...

    وبخلاف تلك النقاط الثلاثة يمكننا نقاش وظائف الدين كما ذكرتها أنت (على أن نتناول في كل مداخلة وظيفتين فقط مثلاً) ، أو نقاش الأدلة التي تفضلت بسياقتها لإثبات التدخل الإلهي وإرسال الرسل ، كما يمكننا نقاش الأدلة الستة التي ذكرتها أنا لإثبات عدم حدوث أو ضرورة حدوث إرسال الرسل ... وتحديد ذلك متروك لك .

    مع وافر التحية
    التعديل الأخير تم 03-21-2012 الساعة 07:03 PM

  15. #30
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    1,421
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    الزميل الربوبي تحية :
    حتى لا يطول بنا المقام مع المطالبة بذكر المصادر ننوه بالتالي :
    أولاً مصادر اللادينية متنوعة ومتعددة ومحاورك طالبك بذكر ما تعتمد عليه ولم نر منك تلك الإجابة التي تجعل محاورك يأخذ تصوراً عاماً عن منهجك الذي تركت الإسلام من أجله وهناك عدة أسباب نعذرك فيها نحن أهل الإشراف ومن أهم الأسباب التي وقفنا عليها : هو جهلك بأصول هذه المصادر مع تصورك لبعض فروعها وهذا راجع أولاً لقلة اطلاعك عليها أو لم يسعفك الوقت للمرور عليها حتى تعرفها حق المعرفة ، وكما تعلم أن لدينا مصادر وأصول إسلامية يسهل عليك الرجوع إليها والإنتقاء منها بدون أن يعارضك أحد إلا في طريقة فهمك ليس إلا ، وبناء على ذلك سوف يقوم محاورك ابن عبد البر بالعودة إلى الأصول الرئيسية للادينية ويقتبس منها ما يدعم حجته أو يناقض كلامك أو ينقضه ..
    وطالما عرفت أن لنا مصادر وأصول إسلامية وكذلك على وفق منهج السلف ليخرج من هذا المنهج من ليس منه من الفرق الأخرى فمن حق محاورك أن يعرف مصادرك الرئيسية ويعرف موقفك منها وإلا فسوف يضطر محاورك بالرجوع إلى المصادر العامة ..
    وبخصوص شرط الإشراف فنرجو التقيد به وهو جعل المداخلات تستثير نقطة واحدة فقط
    واللهِ لَوْ عَلِمُوا قَبِيحَ سَرِيرَتِي....لأَبَى السَّلاَمَ عَلَيَّ مَنْ يَلْقَانِي
    وَلأَعْرضُوا عَنِّي وَمَلُّوا صُحْبَتِي....وَلَبُؤْتُ بَعْدَ كَرَامَةٍ بِهَوَانِ
    لَكِنْ سَتَرْتَ مَعَايِبِي وَمَثَالِبِي....وَحَلِمْتَ عَنْ سَقَطِي وَعَنْ طُغْيَاني
    فَلَكَ الَمحَامِدُ وَالمَدَائِحُ كُلُّهَا....بِخَوَاطِرِي وَجَوَارِحِي وَلِسَانِي
    وَلَقَدْ مَنَنْتَ عَلَيَّ رَبِّ بِأَنْعُمٍ....مَا لِي بِشُكرِ أَقَلِّهِنَّ يَدَانِ

صفحة 2 من 5 الأولىالأولى 1234 ... الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. رسالة بالصور لكل ملحد ولاديني وغير مسلم
    بواسطة إدريسي في المنتدى قسم الحوار عن الإسلام
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 09-20-2013, 02:49 PM
  2. تعليقات: مناظرة بين مسلم ولاديني-ابن عبد البر والربوبي
    بواسطة محب أهل الحديث في المنتدى قسم الحوار عن الإسلام
    مشاركات: 100
    آخر مشاركة: 10-05-2012, 11:29 AM
  3. مناظرة: حوار بين مسلم ولاديني-ابن عبد البر والربوبي
    بواسطة محب أهل الحديث في المنتدى قسم الحوار عن المذاهب الفكرية
    مشاركات: 60
    آخر مشاركة: 08-08-2012, 04:34 AM

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء