كنت قد كتبت موضوعا هنا:
http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=35283
حول كيفية تقديم دعم لاخواننا واخواتنا في سوريا. وقلت فيها ما معناه: بأنه بجانب الدعاء – فمن اهم الأمور ان تجعل نصرتهم محور اهتمامك وتجعلهم في تفكيرك – وبعدها ستبدأ الافكار الكثيرة التي تشعرك بالحاجة الى شراء الوقت حتى لتنفيذها!!
لماذا اكتب- ارجوا ان لا يضيع من اجري بمشاركتي وانما اكتب كي يرى غيري مثالا لاخ لكم ليس له شيء في العير ولا في النفير استطاع بفضل الله ان يقدم شيئا ولو بسيطا لنصرة اخوانه في سوريا – عسى ان يكون حافزا لنا جميعا --- فاليكم قصتي – على أنني لست اديبا فأسرد ما يجول في خاطري باسلوب بسيط وعلى ما يخطر في البال:
بدأت القصة منذ ثلاثة اشهر عندما فعلا بدأت افكر مليا بما يمكنني فعله. وخطرت ببالي فكرة اقامة حفلة لجمع التبرعات يكون الاكبر على مستوى أمريكا في الذكرى السنوية لبداية الثورة السورية في 15 مارس. كان هذا في شهر يناير. اجتمعت ببعض الاخوة واخبرتهم بما افكر به فقال البعض: انها فكرة ممتازة. وقال الاخرون: نعم كنا نفكر بتنظيم مظاهرة في ذلك اليوم. جمعت حوالي 6 اشخاص. بدأنا بالعصف الذهني سوية ثم بفضل الله اتفقت المجموعة الصغيرة على اقامة مظاهرة وحفل لجمع التبرعات. وبدأ العمل...قمنا بعدة اجتماعات وبالتأكيد اختلفنا على بعض النقاط. وزادت الخلافات كلما ازداد حجم المجموعة والاعضاء التي تشارك فيها. معظم اعضاء هذه المجموعة قد اختير بعناية لنشاطهم ولأن بعضهم يمثل قيادات لبعض المنظمات السورية في أمريكا. اخترنا ممثلين لكل منظمة في المجموعة وبدأنا العمل على ان يكون عنوان ذلك اليوم هو: "نتحد جميعا لنصرة سورية الحرة"
“united we stand for a free Syria”
نعم هذا تماما ما نحتاجه: محاولة توحيد المعارضة وتوحيد الجهود على الصعيد السوري الأمريكي على أقل تقدير. انه مشكلة معضلة في الحقيقة لأن السوريين الأمريكيين يصعب التعامل معهم بسبب ان كثيرا منهم اطباء واصحاب اموال ومناصب وتجتاحهم "الأنا" بشكل مفرط في بعض الاحيان. لم نقتصر على الاسلاميين – فوجودهم ضعيف – أو قل – مخفي لا يصرح به بسهولة في مثل هذا البلد للأسف. كان من الاعضاء ما هو نصراني ودرزي بل وعلوي! وكان بيننا ملحد اضمرت ان ادعوه الى المنتدى بعد انهائنا من اعمالنا.
لكن اتدرون: الحقيقة ان المسلم هو افضل الناس عملا ونصرة لاخوانه في سوريا – لانه يمتاز على غيره باخلاص عمله لله - لمن اخلص منهم – فهو لا يطمح في منصب او مصلحة شخصية كما تشعر من باقي الفئات – رزقنا الله الاخلاص. ولا اكذب ان قلت لكم بأنني شعرت بأن حمل ذلك اليوم كله كان على ظهري – رغم ان الكثير قام ببعض المهام – لكن الحمل الاكبر كان على ظهري – وانا شخص واحد – أو هكذا شعرت.
قمنا بارسال الدعوات للضيوف. ومن بين من دعوته شخصيا السفير الليبي وقد حضر. وحضر السفير الجنوب افريقي وقد اعجبني. كذلك قمت بدعوة الفاضل بسام الاسطواني. لمن لا يعرفه – هو اول من قرأ القرآن في افتتاح جلسة في البيت الابيض. كذلك دعونا بعض اعضاء المجلس الوطني السوري بالتأكيد وكان برهان غليون قد اخبرنا بأنه سيأتي لكنه تراجع في اخرة لحظة. دعونا شخصيات من الحكومة الامريكية لكنهم لم يجيبونا.
اخبركم بأنه من الطريف – وبعد كل هذه التجهيزات التي قمنا بها لمدة 3 اشهر – اجتمعنا يوم الجمعة الماضي (16 -3-2012) وهو يوم قبل يوم المظاهرة الكبرى والحفلة (اللتي كانت يوم السبت الماضي) لكي نناقش التفصيلات الاخيرة. دخلت الى قاعة الاجتماعات في ذلك الفندق الفخم الذي يتباهى بطلته على العاصمة واشنطن وعلى البينتاجون. دخلت القاعة منتظرا ان أحضر اجتماعا يقوده احد الاخوة الذي كلف ان يكون الرئيس أو القائد لذلك الحفل. لكن سرعان ما توجهت الانظار الي وكأنني كلفت انا به؟! لا اخفي بأنني لم اهتم بتلك المسميات على الحقيقة – لأنني عرفت بأنني كنت العنصر الرئيسي والفعال في قيادة هذا العمل بفضل الله. فكنت قد جهزت جميع الاوراق المطلوبة وطبعت برنامج الحفل وطبعت عدة اوراق متعلقة به. اخرجت الاوراق ووزعتها على الجميع ثم طرحت البرنامج الذي اعددنا له. الطريف ايضا بأننا عندما اعددنا للبرنامج وجهزنا له من قبل كنا نقول في الاجتماع: "يمكن ان نضع فيديوا مؤثر في هذا المكان او نضع مثلا صورة مؤثرة" ثم ينتهي الاجتماع ولا يعرف احد من هو الذي "سيضع" ذلك المقطع او تلك الصورة؟ كانت هذه النقطة بالذات تحرقني وكنت اكرر كثيرا في الاجتماع التي ننسق فيها (وكان عدد الاجتماعات الكلي حوالي 35 اجتماع في فترة الثلاثة اشهر). نعم كنت اكرر عبارتي: ومن المسؤول عن هذه المهمة؟ واجاب دائما بالصمت. ما اسهل الكلام – لكن ما اصعب الفعل.
نعم كان هناك سوء تنظيم للأسف. انتهى الاجتماع – اخر اجتماع قبل الحفل - واستعددنا لليوم الأخير. اتصل بي اخ قال: اريدك الآن ان تترك كل شيء وتحضر المنشد يحيى حوى من المطار حيث وصل الآن!! يزعجني عدم التنظيم هذا – تركت كل شيء وذهبت واحضرته واوصلته الى الفندق.
في يوم المظاهرة "الكبرى" والحفل – وصلت مبكرا كي اجهز وكنت متفاجئا بأنه كان كثير من المنظمين غائبين. وضعت اخي الاصغر على الاستقبال وبعض طلاب الحلقة عندي قد ساعدني كثيرا في ادارة بعض الامور.
وتمت المظاهرة وحضر الاخ يحيى حوى وكانت الاعداد لا تقل عن ثلاثة الاف شخص امام البيت الابيض. هذا مقطع منها:
[COLOR="Blue"]اتجه الجميع من البيت الابيض الى الفندق حيث سيرتاحون قليلا قبل ان يقام الحفل. كنت احد مقدمي الحفل الذي شمل اكثر من الف شخص. ماذا سيعرض في الحفل؟ على حاسب من ستكون جميع هذه المعلومات؟ لا احد يدري طبعا – غيري! وضعت كل ما اريد على حاسبي الشخصي ورفعته على المنصة وقد جهزت البرنامج بنفسي. بدأت الحفل بالترحيب وبعض الكلمات. ثم حان وقت "المفاجآت". كنت دائما اتمنى ان انظم حفل تبرعي بنفسي لأنني اعتبر معظم الحفلات التي حضرتها قبله ضعيفة في تحريك مشاعر الناس. فكانت المفاجأة الأولى – وضعت فيديوا هذا الفيديوا على الشاشة الكبيرة ومكبرات الصوت كانت تصدر اصواتا رهيبة: - (تنبيه: الفيديوا فيه موسيقى) – لكن المقطع الذي كنت اريده هو من الدقيقة 2:44 – الى 2:55 – وهو عندما يتكلم الشاب داني عبد الدايم وهو في حمص يناشد البشر ان يقدموا المساعدة لسوريا – وعندها تسقط قذيفة قريبة من بيته.
عندما شاهد الحضور صورة ذلك الشاب الشجاع الذي زارنا هنا في امريكا قبل ان يرجع الى سوريا ليكمل مشواره: هتف الحضور: "داني داني داني". عندها بعد انهاء الفيديوا قلت: "والآن اخوتي واخواتي – اقدم لكم داني عبد الدايم معنا على الهواء مباشرة على السكايب – ووضع الفيدوا وكنا قد جهزنا لذلك. فرح الجمهور وبدأ داني بالكلام- تحدث بحدث مؤثر وطلب الدعم والمساندة.
لكن
هذه ليست المفاجأة الكبرى. الحقيقة ان المفاجأة الثانية كانت هي الاعظم – هي التي بالفعل حركت مشاعر الجميع حتى لم تسقط عيني على شخص الى ورأيت الدمع ينسكب على خديه – كما انسكب على خدي.
كانت عندما قلت للجمهور: والآن اخوتي واخواتي اقدم لكم قصة رجل شجاع. انه البطل الشهيد ان شاء الله "حكم السباعي" – لكن هذه المرة لا أريدكم ان تشاهدوا فيديوا جديد مثل أي فيديوا آخر! أريدكم ان تشاهدوا هذا الفيديوا وانتم تعلمون أن مفاجأة الحفل هو ضيوف الشرف الذين اخفيناهما عنكم والآن نعلنها: ضيوف الشرف معنا في هذه الحفلة هما: والدي البطل الشهيد ان شاء الله "حكم السباعي" !!!
كان حكم يعمل في الهلال الاحمر وقد قتل برصاص الغدر اثناء اسعافه لبعض المصابين
وبدأ الفيديوا بصور للشهيد ان شاء الله مع نشيد مؤثر جدا - والجمهور يعرف ان ابويه معنا!!
هنا: (فيه بعض الموسيقى):
تقول كلماته على لسان حكم الذي يخاطب اباه:
"حلم الشهادة يابا – حلم من سنين – بدمانا نرضي يابا – رب العالمين –
وطننا بينزف يابا ترابه حزين – والطفل بينداه يابا – مين لبا مين؟ حلم الشهادة يابا – حلم من سنين – بدمانا نرضي يابا رب العالمين
ثوب المذلة يابا مالنا لابسين – ثوب الكرامة والعزة ثوب الصالحين – حلم الشهادة يابا حلم من سنين – بدمانا نرضي يابا رب العالمين
كلنا بزوال يابا – كلنا ميتين – ويعيش الحر يابا أهل اليمين – حلم الشهادة يابا حلم من سنين – بدمانا نرضي يابا رب العالمين
على الشهداء يابا تدمع العين – ما احلا الشهادة يابا – بدربها ماشيين – حلم الشهادة يابا حلم من سنين – بدمانا نرضي يابا رب العالمين
يا رب يا ربي المجيد – فرح كل ام زفة شهيد – الله الله – حلم الشهادة يابا حلم من سنين – بدمانا نرضي يابا نرضي يابا رب العالمين
ثم ختم الفيلم بمشهد دفن الشهيد ان شاء الله. "
انتهى الفيديوا وقد تأثر الناس ايما تأثر. عندها قلت: فليتفضل والدي الشهيد ان شاء الله.
قام الوالدان وتقدما نحو المنصة - في وسط بكاء الجمهور. كان الأب رابطا جأشه لكنني كنت ادرك مدى الحرقة في قلبه. أما الأم المسكينة التي انسكبت دموعها غزيرة وهي تشهق بالبكاء بعد ان تذكرت فقيدها الصغير – لم تكد تستطع الصعود الى المنصة. تأثر الناس بهذا المشهد حتى وصلت الي وقالت لي بصوت يرجف بالبكاء: اعذرني فانا لا استطيع الوقوف واريد ان ارجع الى مقعدي.
قلت لها: نعم يا أمه: ارجعي!
تعالت الهتافات في الخلف تقول بصوت عال:" ابو الشهيد – ارفع راسك – ام الشهيد – ارفعي راسك!!!!"
ثم امسكت المايك وقلت: "ام الشهيد – كلنا اولادك – ام الشهيد كلنا اولادك"
لا ادري ان كانت الأم قد وجدت في نفسها عزاءا بهذا الكلام – ولا أظنها كانت في عالمنا كي تسمعه – فقلبها مشغوف بابنها التي فقدته!
شعرت بالألم والحزن وبعض الذنب للحظة لأنني السبب في هذه المشاعر الصادقة الحزينة – لكنني والله لم اقم بذلك الا نصرة وتشجيعا وتجييشا للمشاعر.
ومما زاد على نفسي أن والدتي الكريمة كانت تجلس على طاولة من الطاولات المحجوزة امامي على الجانب الايمن قليلا - وقد رأيت الدموع تنهمر من عينيها وهو تنظر الي وتقارن ذلك الشاب بي - وكأنها تضع نفسها موضع تلك الأم المسكينة وتتألم تألمها!!
الاب امسك المايك وقال بصوت يخفي الحزن ويظهر القوة المتصنعة: "ايها الناس: هذا ابني!!! ابني!! وقد قدمته أنا فداءا لاخواننا وبلدنا وثورتنا. أيها الناس لقد قدمت اعز ما أملك
وصرخ باعلى صوته: فماذا انتم تقدمون؟؟؟؟!!!
التهبت المشاعر وبلغت ذروتها بين الناس – وكانت تلك اللحظة.
قام رجل من بين الناس يلبس القميص البرتقالي ويبدوا عليه البساطة فهو لا يلبس بدلة مثل معظم الحضور وصرخ باعلى صوته من بين الجمهور في وسط القاعة الكبيرة – وقد رفع يده اليمنى قائلا:
"اشهدكم انني اتبرع اليوم بملغ مئة ألف دولار!!!!
تفاجأ الناس – تقدم هو نحو المنصة – كان هناك شخص متخصص بجمع التبرعات امسك المايك وقال: تفضل. حتى وصل الى المنصة. امسك المايك ذلك الرجل الذي عمره 34 سنة فقط وهو يرتجف بجانبي. ثم قال: أعذروني فانا لم اقف امام جمهور كهذا في حياتتي لكنني اريد ان اقول لكم شيئا واحدا: من رأى مثل ما رأينا اليوم – ولم تبك عينه ولم يتقطع قلبه – فهو ليس بانسان. نعم ليس بانسان. اننا نعتمد اولا على الله ثم على جهودنا في انقاذ اهلنا في سوريا. واوجه رسالة الى بشار: نقسم بالله اننا لن نتركك حتى تسقط شئت ام ابيت.
عندي هذا المقطع في الفيديوا عندما كان الرجل على المنصلة - لعلي ارفعه لاحقا ان شاء الله.
نزل وسلمت عليه وشكرته وقلت له: عوضك الله بخير منه.
رفع رجل آخر وسط الجمهور يده وقال: وأنا اتبرع بملغ مئة الف دولار كذلك!!!!!!
ورفع ثالث: وانا اتبرع بملغ خمسين ألف دولار!!!
كنا قد جمعنا هذه الشيكات ونحضرها الى المنصة حيث اجلس واخبر اخي الذي قد جلس بجانبي بالارقام التي تصلنا حتى يتم الجمع على برنامج الاكسل الذي جهزته على حاسوبي الشخصي كذلك ووضعنا صورة البار جراف على الشاشة كي يشاهد الناس المجموع في النهاية.
شجعنا الناس لمدة اكثر من حوالي عشرين دقيقة ونحن نحثهم على التبرع والشيكات تصل الينا الى المنصة وانا اعطي اخي الارقام كي يجمعها على الحاسب ويضع المجموع على الشاشة. حتى امسك اح الاخوة المايك وقال بعد ان فصلنا الشاشة عن الجمهور للحظات.
اخواني: هل تدرون ما المجموع؟ قال بصوت مرتفع ومؤثر جدا: أنه اكبر جمع تبرعات في امريكا لصالح الشعب السوري: لقد جمعنا:
ووضع الرقم على الشاشة:
مليون دولار ومئة وثلاثة وستين ألفا!!!!
$1163000
كنت محتارا بين الذهول والفرحة التي شعرت بها في تلك اللحظة. وحصلت على فيديوا لمن صورني في تلك اللحظة (وهو عندي لعلي ارفعه كذلك) عندما قمت وأمسكت المايك مرة اخرى وقلت: "ابو حكم - ام حكم – كونوا فخورين فكلنا معكم!!! نسأل الله ان يتقبل حكم في الفردوس!! - أمن الناس.
اه كان يوما رائعا بالنسبة لي. قمنا بتسليم الشيكات والاموال للجهة المسؤولة واختتمنا الحفل مع العشاء.
عدت الى غرفة الفندق وقد دخلت الساعة الواحدة ليلا. لكنني لم استطع النوم وانا اعيد شريط ما حصل منذ ساعات في ذهني حتى الساعة الثالثة والنصف. ثم غلبني النوم وانا لم اشعر بأني جسدي متعب جدا – وانني لم آكل شيئا طوال اليوم – فقد نسيت ان آكل!!!
لم اشعر ابدا باي تعب – لكنني عندما استيقظت في الصباح لأداء الفجر شعرت بألم شديد في رأسي – ثم في فخذي الأيمن. كشفت عن فخذي فاذا انا بجرح نزف بعض الدم القليل – لكن طوله حوالي عشرة سنتمترات وانا لم اشعر به اطلاقا الا في اليوم التالي – ولا ادري ما مصدره حتى الآن!
اقسم بأنها كانت فكرة عابرة بدأت في رأسي – ولا انكر بأن غيري كان يحمل تلك الفكرة كذلك لأنه من الطبيعي ان تفكر في القيام بعمل مهم في ذكرى الثورة السنوية. اشعر بالفرحة الآن وانا اكتب – وبدأت افكر في الخطوة التالية لنصرة اخواننا في سوريا!!
هذا من فضل ربي!
فهل ستهتمون وتفكرون؟!
Bookmarks