السلام عليكم أيها الزملاء .... أولا هناك نقطة صغيرة لابد أن أوضحها قبل أن أبدأ كلامى و أظن أنكم تتفقون معى فيها ألا و هى أن الفهم الصحيح للقران و السنة هو فهم سلف الأمة و أنه إذا استشكل علينا فهم اية أو حديث فما علينا إلا الرجوع لأمهات الكتب و التفاسير المعتمدة من سلف الأمة لكى نعرف التفسير الصحيح فهم (أى السلف) أدرى مننا بالقران و السنة فمنهم من عاصر النبى و عاصر نزول القران و منهم من لم يعاصر النيى و لكنه عاصر الصحابة و منهم من عاصر التابعين كما أنهم (أقصد السلف) كانوا حجة زمانهم فى علوم اللغة و النحو و الصرف و البلاغة لذلك قدرتهم على فهم القران و الحديث أفضل منا بكثير .
أما بعد فأحب أن أبين لك أيها الزميل الفاضل أن تفسيرك لماء المرأة الوارد فى الأحاديث على أنه بويضة المرأة مخالف لكافة أقوال السلف الذين أتفقوا بغير خلاف على أن ماء المرأة هو ذلك السائل الأصفر الرقيق الذى يخرج من فرج المرأة عند الستثارة و رائحته كرائحة طلع النخل أو كرائحة العجين و تفتر شهوتها عقب نزوله و لونه أصفر و قد يبيض لفضل قوتها .
أولا شرح النووى على صحيح مسلم :-
لاحظ الجزء الملون باللون الأحمر هنا الإمام النووى يشرح ما هو ماء المرأة المقصود فى الحديث و يحدده بعدة صفات يعرف بها إحداهما : أن رائحته كرائحة مني الرجل . والثانية التلذذ بخروجه وفتور شهوتها عقب خروجه .مسألة: التحليل الموضوعي
311 حدثنا عباس بن الوليد حدثنا يزيد بن زريع حدثنا سعيد عن قتادة أن أنس بن مالك حدثهم أن أم سليم حدثت أنها سألت نبي الله صلى الله عليه وسلم عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأت ذلك المرأة فلتغتسل فقالت أم سليم واستحييت من ذلك قالت وهل يكون هذا فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم نعم فمن أين يكون الشبه إن ماء الرجل غليظ أبيض وماء المرأة رقيق أصفر فمن أيهما علا أو سبق يكون منه الشبه
الحاشية رقم: 1
قوله : ( حدثنا عباس بن الوليد . حدثنا يزيد بن زريع ) هو عباس بالباء الموحدة والسين المهملة ، وصحفه بعض الرواة لكتاب مسلم فقال : ( عياش ) - بالياء المثناة والشين المعجمة - وهو غلط صريح فإن ( عياشا ) - بالمعجمة - هو عياش بن الوليد الرقام البصري ، ولم يرو عنه مسلم شيئا ، وروى عنه البخاري . وأما ( عباس ) - بالمهملة - فهو ابن الوليد البصري الترسي وروى عنه البخاري ومسلم جميعا ، وهذا مما لا خلاف فيه ، وكان غلط هذا القائل وقع له من حيث إنهما مشتركان في الأب والنسب والعصر . والله أعلم .
قوله : ( فقالت أم سليم واستحييت من ذلك ) هكذا هو في الأصول ، وذكر الحافظ أبو علي الغساني أنه هكذا في أكثر النسخ ، وأنه غير في بعض النسخ فجعل ( فقالت أم سلمة ) ، والمحفوظ من طرق شتى أم سلمة ، قال القاضي عياض : وهذا هو الصواب ، لأن السائلة هي ( أم سليم ) ، والرادة عليها ( أم سلمة ) في هذا الحديث ، وعائشة في الحديث المتقدم ، ويحتمل أن عائشة وأم سلمة جميعا أنكرتا عليها ، وإن كان أهل الحديث يقولون : الصحيح هنا أم سلمة لا عائشة . والله أعلم .
قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( فمن أين يكون الشبه ) معناه : أن الولد متولد من ماء الرجل وماء المرأة ، فأيهما غلب كان الشبه له ، وإذا كان للمرأة مني فإنزاله وخروجه منها ممكن ، ويقال : شبه وشبه لغتان مشهورتان إحداهما بكسر الشين وإسكان الباء ، والثانية : بفتحهما . والله أعلم .
قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( إن ماء الرجل غليظ أبيض وماء المرأة رقيق أصفر ) هذا أصل عظيم في : بيان صفة [ ص: 550 ] المني ، وهذه صفته في حال السلامة وفي الغالب ، قال العلماء : مني الرجل في حال الصحة أبيض ثخين ، يتدفق في خروجه دفقة بعد دفقة ، ويخرج بشهوة وبتلذذ بخروجه ، وإذا خرج استعقب خروجه فتورا ورائحة كرائحة طلع النخل ، ورائحة الطلع قريبة من رائحة العجين ، وقيل : تشبه رائحته رائحة الفصيل ، وقيل : إذا يبس كانت رائحته كرائحة البول ، فهذه صفاته ، وقد يفارقه بعضها مع بقاء ما يستقل بكونه منيا ، وذلك بأن يمرض فيصير منيه رقيقا أصفر ، أو يسترخي وعاء المني ، فيسيل من غير التذاذ وشهوة ، أو يستكثر من الجماع ; فيحمر ويصير كماء اللحم ، وربما خرج دما عبيطا ، وإذا خرج المني أحمر فهو طاهر موجب للغسل ، كما لو كان أبيض ، ثم إن خواص المني التي عليها الاعتماد في كونه منيا ثلاث : أحدها : الخروج بشهوة مع الفتور عقبه . والثانية : الرائحة التي شبه رائحة الطلع كما سبق ، الثالث : الخروج بزريق ودفق ودفعات . وكل واحدة من هذه الثلاث كافية في إثبات كونه منيا ، ولا يشترط اجتماعها فيه ، وإذا لم يوجد شيء منها لم يحكم بكونه منيا ، وغلب على الظن كونه ليس منيا ، هذا كله في مني الرجل . وأما مني المرأة فهو أصفر رقيق ، وقد يبيض لفضل قوتها ، وله خاصيتان يعرف بواحدة منهما : إحداهما : أن رائحته كرائحة مني الرجل . والثانية التلذذ بخروجه وفتور شهوتها عقب خروجه . قالوا : ويجب الغسل بخروج المني بأي صفة وحال كان . والله أعلم .
قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( فمن أيهما علا أو سبق يكون منه الشبه ) ، وفي الرواية الأخرى : ( إذا علا ماؤها ماء الرجل وإذا علا ماء الرجل ماءها ) قال العلماء : يجوز أن يكون المراد بالعلو هنا السبق ، ويجوز أن يكون المراد الكثرة والقوة ، بحسب كثرة الشهوة ، وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( فمن أيهما علا ) هكذا هو في الأصول . فمن أيهما بكسر الميم . وبعدها نون ساكنة ، وهي الحرف المعروف ، وإنما ضبطته لئلا يصحف بمني ، والله أعلم .
لاحظ أن الإمام النووى لم يذكر أن فى الحديث أكثر من ماء انما هو ماء واحد فقط
ثانيا فتح البارى شرح صحيح البخارى :-
لاحظ أن الحافظ بن حجر لا يكتفى بأن ماء المرأة هو ذلك السائل الذى يخرج عند الإستثار و مواصفاته كما سبق ذكرها بل أكد أن السبق هو سبق الإنزال و العلو هو كثرة كمية المنى بحيث يصير الاخر مغمورا فيهمسألة: التحليل الموضوعي
3723 باب حدثني حامد بن عمر عن بشر بن المفضل حدثنا حميد حدثنا أنس أن عبد الله بن سلام بلغه مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فأتاه يسأله عن أشياء فقال إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي ما أول أشراط الساعة وما أول طعام يأكله أهل الجنة وما بال الولد ينزع إلى أبيه أو إلى أمه قال أخبرني به جبريل آنفا قال ابن سلام ذاك عدو اليهود من الملائكة قال أما أول أشراط الساعة فنار تحشرهم من المشرق إلى المغرب وأما أول طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد الحوت وأما الولد فإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل نزعت الولد قال أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله قال يا رسول الله إن اليهود قوم بهت فاسألهم عني قبل أن يعلموا بإسلامي فجاءت اليهود فقال النبي صلى الله عليه وسلم أي رجل عبد الله بن سلام فيكم قالوا خيرنا وابن خيرنا وأفضلنا وابن أفضلنا فقال النبي صلى الله عليه وسلم أرأيتم إن أسلم عبد الله بن سلام قالوا أعاذه الله من ذلك فأعاد عليهم فقالوا مثل ذلك فخرج إليهم عبد الله فقال أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله قالوا شرنا وابن شرنا وتنقصوه قال هذا كنت أخاف يا رسول الله
الحاشية رقم: 1
قوله : ( باب ) كذا لهم بغير ترجمة ، وهو كالفصل من الباب الذي بعده ، ولعله كان بعده
قوله : ( عن أنس ) صرح به الإسماعيلي فقال في رواية له عن حميد : " حدثنا أنس " أخرجها عن ابن خزيمة عن محمد بن عبد الأعلى عن بشر بن المفضل .
قوله : ( أن عبد الله بن سلام بلغه ) تقدم بيان ذلك في " باب مقدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة " من وجه آخر .
قوله : ( ذاك عدو اليهود من الملائكة ) سيأتي شرح هذا في تفسير سورة البقرة .
قوله : ( أما أول أشراط الساعة فنار تحشرهم من المشرق إلى المغرب ) في رواية عبد الله بن بكر عن حميد في التفسير " تحشر الناس " وسيأتي الكلام على ذلك مستوفى في أواخر كتاب الرقاق .
[ ص: 320 ] قوله : ( وأما أول طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد الحوت ) الزيادة هي القطعة المنفردة المعلقة في الكبد ، وهي في المطعم في غاية اللذة ، ويقال : إنها أهنأ طعام وأمرؤه . ووقع في حديث ثوبان أن تحفتهم حين يدخلون الجنة زيادة كبد النون ، والنون هو الحوت ويقال : هو الحوت الذي عليه الأرض والإشارة بذلك إلى نفاد الدنيا ، في حديث ثوبان زيادة وهي " أنه ينحر لهم عقب ذلك نون الجنة الذي كان يأكل من أطرافها وشرابهم عليه من عين تسمى سلسبيلا " وذكر الطبري من طريق الضحاك عن ابن عباس قال : " ينطح الثور الحوت بقرنه فتأكل منه أهل الجنة ثم يحيا فينحر الثور بذنبه فيأكلونه ثم يحيا فيستمران كذلك " وهذا منقطع ضعيف .
قوله : ( وأما الولد ) في رواية الفزاري عن حميد في ترجمة آدم " وأما شبه الولد " .
قوله : ( فإذا سبق ماء الرجل ) وفي رواية الفزاري " فإن الرجل إذا غشي المرأة فسبقها ماؤه " .
قوله : ( نزع الولد ) بالنصب على المفعولية أي جذبه إليه ، وفي رواية الفزاري " كان الشبه له " ووقع عند مسلم من حديث عائشة إذا علا ماء الرجل ماء المرأة أشبه أعمامه ، وإذا علا ماء المرأة ماء الرجل أشبه أخواله ونحوه للبزار عن ابن مسعود وفيه " ماء الرجل أبيض غليظ ، وماء المرأة أصفر رقيق فأيهما أعلى كان الشبه له " والمراد بالعلو هنا السبق ؛ لأن كل من سبق فقد علا شأنه فهو علو معنوي ، وأما ما وقع عند مسلم من حديث ثوبان رفعه ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر فإذا اجتمعا فعلا مني الرجل مني المرأة أذكرا بإذن الله ، وإذا علا مني المرأة مني الرجل أنثا بإذن الله فهو مشكل من جهة أنه يلزم منه اقتران الشبه للأعمام إذا علا ماء الرجل ويكون ذكرا لا أنثى وعكسه ، والمشاهد خلاف ذلك ؛ لأنه قد يكون ذكرا ويشبه أخواله لا أعمامه وعكسه ، قال القرطبي : يتعين تأويل حديث ثوبان بأن المراد بالعلو السبق . قلت : والذي يظهر ما قدمته وهو تأويل العلو في حديث عائشة وأما حديث ثوبان فيبقى العلو فيه على ظاهره فيكون السبق علامة التذكير والتأنيث والعلو علامة الشبه فيرتفع الإشكال ، وكأن المراد بالعلو الذي يكون سبب الشبه بحسب الكثرة بحيث يصير الآخر مغمورا فيه فبذلك يحصل الشبه ، وينقسم ذلك ستة أقسام : الأول أن يسبق ماء الرجل ويكون أكثر فيحصل له الذكورة والشبه ، والثاني عكسه ، والثالث أن يسبق ماء الرجل ويكون ماء المرأة أكثر فتحصل الذكورة والشبه للمرأة ، والرابع عكسه ، والخامس أن يسبق ماء الرجل ويستويان فيذكر ولا يختص بشبه ، والسادس عكسه .
قوله : ( قوم بهت ) بضم الموحدة والهاء ويجوز إسكانها جمع بهيت كقضيب وقضب وقليب وقلب ، وهو الذي يبهت السامع بما يفتريه عليه من الكذب ، ونقل الكرماني أن مفرده بهوت بفتح أوله .
قوله : ( فاسألهم ) في رواية الفزاري عن حميد عند النسائي " إن علموا بإسلامي قبل أن تسألهم عني بهتوني عندك " .
قوله : ( فجاءت اليهود ) زاد في رواية الفزاري " ودخل عبد الله داخل البيت " وفي رواية عبد الله بن بكر عن حميد " فأرسل إلى اليهود فجاءوا " الحديث ، ظاهره التعميم والذي يقتضيه السياق تخصيص من كان له بعبد الله بن سلام تعلق وأقرب ذلك عشيرته من بني قينقاع ، فقد ذكر ابن إسحاق فيهم فقال في أوائل الهجرة من [ ص: 321 ] كتاب المغازي : في ذكر من كان من اليهود ومن بني قينقاع زيد بن اللصيب وسعد بن حيية ومحمود بن سبيحان وعزيز بن أبي عزيز وعبد الله بن الصيف وسعيد بن الحارث ورفاعة بن قيس وفنحاص وأشيع ونعمان بن أصبا ويحري بن عمرو وشأس بن قيس وشأس بن عدي وزيد بن الحارث ونعمان بن عمر وسكين بن أبي سكين وعدي بن زيد ونعمان بن أبي أوفى ومحمود بن دحية ومالك بن الصيف وكعب بن راشد وعازب بن رافع بن أبي رافع وخالد وأزار ابني أبي أزار ورافع بن حارثة ورافع بن حرملة ورافع بن خارجة ومالك بن عوف ورفاعة بن التابوت وعبد الله بن سلام بن الحارث وكان حبرهم وأعلمهم ، وكان اسمه الحصين فسماه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما أسلم عبد الله ، فهؤلاء بنو قينقاع .
ثالثا تفسير القرطبى:-
و هنا يؤكد نفس المعنى السابق ذكره فهل أنت أو غيرك تفهم الحديث أكثر من هؤلاء الذين كان كل منهم حجة عصره ؟مسألة: الجزء السادس عشر التحليل الموضوعي
قوله تعالى : لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما إنه عليم قدير .
قوله تعالى : لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء . فيه أربع مسائل : الأولى : قوله تعالى : لله ملك السماوات والأرض ابتداء وخبر . يخلق ما يشاء من الخلق . يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور قال أبو عبيدة وأبو مالك ومجاهد والحسن والضحاك : يهب لمن يشاء إناثا لا ذكور معهن ، ويهب لمن يشاء ذكورا لا إناث [ ص: 46 ] معهم ، وأدخل الألف واللام على الذكور دون الإناث لأنهم أشرف فميزهم بسمة التعريف . وقال واثلة بن الأسقع : إن من يمن المرأة تبكيرها بالأنثى قبل الذكر ، وذلك أن الله تعالى قال : يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور فبدأ بالإناث . أو يزوجهم ذكرانا وإناثا قال مجاهد : هو أن تلد المرأة غلاما ثم تلد جارية ثم تلد غلاما ثم تلد جارية . وقال محمد بن الحنفية : هو أن تلد توأما ، غلاما وجارية ، أو يزوجهم ذكرانا وإناثا . قال القتبي : التزويج هاهنا هو الجمع بين البنين والبنات ، تقول العرب : زوجت إبلي إذا جمعت بين الكبار والصغار .
ويجعل من يشاء عقيما إنه عليم قدير أي لا يولد له ، يقال : رجل عقيم ، وامرأة عقيم . وعقمت المرأة تعقم عقما ، مثل حمد يحمد . وعقمت تعقم ، مثل عظم يعظم . وأصله القطع ، ومنه الملك العقيم ، أي : تقطع فيه الأرحام بالقتل والعقوق خوفا على الملك . وريح عقيم ، أي : لا تلقح سحابا ولا شجرا . ويوم القيامة يوم عقيم ; لأنه لا يوم بعده . ويقال : نساء عقم وعقم ، قال الشاعر [ هو أبو هبل ] :
عقم النساء فما يلدن شبيهه إن النساء بمثله عقم
وحكى النقاش أن هذه الآية نزلت في الأنبياء خصوصا وإن عم حكمها . وهب للوط الإناث ليس معهن ذكر ، ووهب لإبراهيم الذكور ليس معهم أنثى ، ووهب لإسماعيل وإسحاق الذكور والإناث ، وجعل عيسى ويحيى عقيمين ، ونحوه عن ابن عباس وإسحاق بن بشر . قال إسحاق : نزلت في الأنبياء ، ثم عمت . يهب لمن يشاء إناثا يعني لوطا - عليه السلام - ، لم يولد له ذكر وإنما ولد له ابنتان . ويهب لمن يشاء الذكور يعني إبراهيم - عليه السلام - لم يولد له أنثى بل ولد له ثمانية ذكور . أو يزوجهم ذكرانا وإناثا يعني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولد له أربعة بنين وأربع بنات . ويجعل من يشاء عقيما يعني يحيى بن زكريا عليهما السلام ، لم يذكر عيسى . ابن العربي : قال علماؤنا يهب لمن يشاء إناثا يعني لوطا كان له بنات ولم يكن له ابن . ويهب لمن يشاء الذكور يعني إبراهيم ، كان له بنون ولم يكن له بنت . وقوله : أو يزوجهم ذكرانا وإناثا يعني آدم ، كانت حواء تلد له في كل بطن توأمين ذكرا وأنثى . ويزوج الذكر من هذا البطن من الأنثى من البطن الآخر ، حتى أحكم الله التحريم في شرع نوح صلى الله عليه وسلم . وكذلك محمد - صلى الله عليه وسلم - كان له ذكور وإناث ؛ من الأولاد : القاسم والطيب والطاهر وعبد الله وزينب [ ص: 47 ] وأم كلثوم ورقية وفاطمة ، وكلهم من خديجة رضي الله عنها ، وإبراهيم وهو من مارية القبطية . وكذلك قسم الله الخلق من لدن آدم إلى زماننا هذا ، إلى أن تقوم الساعة ، على هذا التقدير المحدود بحكمته البالغة ومشيئته النافذة ، ليبقى النسل ، ويتمادى الخلق ، وينفذ الوعد ، ويحق الأمر ، وتعمر الدنيا ، وتأخذ الجنة وجهنم كل واحدة ما يملؤها ويبقى . ففي الحديث : إن النار لن تمتلئ حتى يضع الجبار فيها قدمه ، فتقول قط قط . وأما الجنة فيبقى منها فينشئ الله لها خلقا آخر .
الثانية : قال ابن العربي : إن الله تعالى لعموم قدرته وشديد قوته يخلق الخلق ابتداء من غير شيء ، وبعظيم لطفه وبالغ حكمته يخلق شيئا من شيء لا عن حاجة ، فإنه قدوس عن الحاجات سلام عن الآفات ، كما قال القدوس السلام ، فخلق آدم من الأرض وخلق حواء من آدم وخلق النشأة من بينهما منهما مرتبا على الوطء كائنا عن الحمل موجودا في الجنين بالوضع ، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : إذا سبق ماء الرجل ماء المرأة ، أذكرا وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل آنثا . وكذلك في الصحيح أيضا : إذا علا ماء الرجل ماء المرأة أشبه الولد أعمامه وإذا علا ماء المرأة ماء الرجل أشبه الولد أخواله .
قلت : وهذا معنى حديث عائشة لا لفظه خرجه مسلم من حديث عروة بن الزبير عنها أن [ ص: 48 ] امرأة قالت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : هل تغتسل المرأة إذا احتلمت وأبصرت الماء ؟ فقال : ( نعم ) فقالت لها عائشة : تربت يداك وألت ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : دعيها وهل يكون الشبه إلا من قبل ذلك . إذا علا ماؤها ماء الرجل أشبه الولد أخواله وإذا علا ماء الرجل ماءها أشبه أعمامه . قال علماؤنا : فعلى مقتضى هذا الحديث أن العلو يقتضي الشبه ، وقد جاء في حديث ثوبان خرجه مسلم أيضا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لليهودي : ماء الرجل أبيض ، وماء المرأة أصفر ، فإذا اجتمعا فعلا مني الرجل مني المرأة أذكرا بإذن الله وإذا علا مني المرأة مني الرجل آنثا بإذن الله . . . الحديث . فجعل في هذا الحديث أيضا العلو يقتضي الذكورة والأنوثة ، فعلى مقتضى الحديثين يلزم اقتران الشبه للأعمام والذكورة إن علا مني الرجل ، وكذلك يلزم إن علا مني المرأة اقتران الشبه للأخوال والأنوثة ، لأنهما معلولا علة واحدة ، وليس الأمر كذلك بل الوجود بخلاف ذلك ، لأنا نجد الشبه للأخوال والذكورة والشبه للأعمام والأنوثة فتعين تأويل أحد الحديثين . والذي يتعين تأويله الذي في حديث ثوبان فيقال : إن ذلك العلو معناه سبق الماء إلى الرحم ، ووجه أن العلو لما كان معناه الغلبة من قولهم سابقني فلان فسبقته أي : غلبته ، ومنه قوله تعالى : وما نحن بمسبوقين أي : بمغلوبين ، قيل عليه علا . ويؤيد هذا التأويل قوله في الحديث : إذا سبق ماء الرجل ماء المرأة أذكرا وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل آنثا .
وقد بنى القاضي أبو بكر بن العربي على هذه الأحاديث بناء فقال : إن للماءين أربعة أحوال : الأول : أن يخرج ماء الرجل أولا ، الثاني : أن يخرج ماء المرأة أولا ، الثالث : أن يخرج ماء الرجل أولا ويكون أكثر ، الرابع : أن يخرج ماء المرأة أولا ويكون أكثر . ويتم التقسيم بأن يخرج ماء الرجل أولا ثم يخرج ماء المرأة بعده ويكون أكثر أو بالعكس ، فإذا خرج ماء الرجل أولا وكان أكثر جاء الولد ذكرا بحكم السبق وأشبه الولد أعمامه بحكم الكثرة . وإن خرج ماء المرأة أولا وكان أكثر جاء الولد أنثى بحكم السبق وأشبه أخواله بحكم الغلبة . وإن خرج ماء الرجل أولا لكن لما خرج ماء المرأة بعده كان أكثر كان الولد ذكرا بحكم السبق وأشبه أخواله بحكم غلبة ماء المرأة ، وإن سبق ماء المرأة لكن لما خرج ماء الرجل كان أعلى من ماء المرأة ، كان الولد أنثى بحكم سبق ماء المرأة وأشبه أعمامه بحكم غلبة ماء الرجل . قال : وبانتظام هذه الأقسام يستتب الكلام ويرتفع التعارض عن الأحاديث ، فسبحان الخالق العليم .
Bookmarks