لماذا فشل الإسلاميون في الجزائر ؟؟
سؤال صعب إجابته الساذجة التي يروج لها من لا يعلم هي ضعف الإسلاميين الشامل في كل نواحي الإعداد و بعضهم يضيف لها ذكاء العدو و خبرته الكبيرة في إدارة الحروب و الأزمات ..
لكن الحقيقة هي غير ذلك تماما و حتى نفهم الأسباب جيدا يجب أن نرجع قليلا إلى الوراء و قبل أن أدخل في صلب الموضوع أقدم الخلاصة مسبقا فسبب هزيمة الإسلاميين ثلاثة هم الإخوان و العلماء و السلفية الجهادية ؟؟؟
قد يستغرب الكثيرون من هذا الحكم لكنه الحقيقة المطلقة فعدوك لن يستطيع التغلب عليك إلا إذا كنت ضعيفا أو غبيا فمابالك لو إجتمعت الصفتان في كثيرين من إخواننا ؟؟؟
ففي الجزائر لما قامت ثورة أكتوبر 1988 م كان أحد وقودها الشيخ علي بن حاج الذي قرر لوحده أخذ المبادرة في المشاركة في الثورة رغم إعتراض كل العلماء و الدعاة العاملين في الساحة عليه و قالوا أنها من صنع النظام لأهداف يريدها هو لكن الأيام اثبتت أن هذه الثورة غيرت الجزائر تماما و أن موقف الشيخ علي كان مصيبا صحيح ذهب ضحية الثورة المئات من الناس لكن تلك ضريبة يجب ان تدفع و لا يتصور عاقل أن تخرج العفريت من قمقه و يبقى مسالما في التعامل معك ؟؟؟
و بعد أن ظهرت نتائج الثورة بحرية العمل السياسي للجميع قام الشيخ علي مرة أخرى بالمبادرة و دعى جميع الإسلاميين إلى أخذ الزمام و إنشاء حزب سياسي لكن كالعادة كان فكر الشيوخ و العلماء و الدعاة محشورا في ثقافة المؤامرة فما قاله زعيم الإخوان في الجزائر الشيخ محفوظ نحناح رحمه الله للشيخ علي قال له أنكم أطفال لا تفقهون في السياسة شيئا و نحن أقدم منكم و أعلم بمكر النظام فهذا النظام لم يسمح للإسلاميين بإنشاء حزب سياسي إلا ليكشف كل العاملين في الساحة و لن نعطيه هذه الفرصة أبدا ؟؟؟؟ و ذهب الشيخ علي إلى المداخلة فرفضوا و كانت وقتها هذه القضية جديدة فالمداخلة لم يبدعوا الشيخ علي بل وقفوا يتابعون و يشاهدون و يراسلون العلماء هنا و هناك و لم يكن هناك وقتها عندهم قول فصل في المسألة فالمهم أنهم رفضوا العمل السياسي أيضا ثم توجه الشيخ علي أيضا إلى المؤسسة الإسلامية الرسمية جمعية العلماء المسلمين الجزائريين فرفضوا أيضا فقرر الشيخ علي بعدها مع مجموعة من الشيوخ و الدعاة المعروفين بفكر المغالبة إنشاء الجبهة الإسلامية للإنقاذ و أعلن عنها في المسجد و تم تعيين الشيخ عباسي مدني رئيسا لها مع أنه لم يكن سلفيا لكنه كان شخصية إسلامية كبيرة و مجاهد كبير ضد الإستعمار الفرنسي و فوق ذلك صاحب فكر ثوري و دكتور تربوي خريج جامعة اكسفورد و كان الغرض من تسميتها جبهة هي ضم جميع أطياف التيار الإسلامي فكانت سلفية إخوانية قطبية جهادية صوفية لكن مجلسها الشوري كانت الغلبة فيه للسلفية حيث كانت كل قراراتها ملتزمة بالكتاب و السنة ولا تصدر قرارا إلا بدليل من الكتاب و السنة و حدث كلام كثير عن جواز المظاهرات و المسيرات و الإضرابات و بل وحتى عن جواز التصوير فكانت الجريدة الرسمية للجبهة الإسلامية للإنقاذ خالية تماما من الصور ..
و بعد أن قعدت جميع فصائل التيار الإسلامي عن العمل السياسي إستطاعت الجبهة إكتساح الساحة الشعبية تماما و لم يعد هناك خرم إبرة غير تابع لها فتحولت الجزائر إلا مجتمع إسلامي في كل شيء من إنتشار للمظهر الإسلامي للرجال و النساء و من غلق معظم الخمارات و بيوت الفسق و من إمتلاء المساجد و من الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر فلم يعد هناك أي مظهر للسرقة أو اللأمن فكانت الطرقات آمنة تماما بشكل عجيب ..
لكن كما يقال دوام الحال من المحال فهذا الظهور الطاغي أرعب كل معاد للإسلام فحتى أمريكا نفسها زعمت وقتها أن الجزائر تسعى لإمتلاك القنبلة النووية و بدأت التهم تكال عن التطرف و الأفغنة لكن هذا متوقع أما الغير متوقع فهو نزول باقي الفصائل الإسلامية إلى ساحة العمل السياسي بعدما رفضوه لما عرض عليهم و رفضوا حتى قيادته بل و كانوا يتباهون بأنهم خبراء في السياسة و في خطط العسكر لكن لما رأوا الشعبية التي حققتها الجبهة حسدوها و أرادوا المزاحمة و إقتسام الغنائم فشكلوا أحزابا سياسية ثم طالبوا بعدها بضرورة التحالف و ضرورة النزول بقائمة موحدة حتى لا يتفرق الصف و يتمكن العلمانيون هذا مع أن شعبية الجبهة كانت طاغية جدا لكن الجبهة رفضت التحالف و كانت النتيجة ساحقة للجميع و على رأسهم الإخوان الذين نزلوا في كل الدوائر و لم يحصلوا و لو على مقعد واحد مع أنهم الأقدم في الساحة الجزائرية دعويا ؟؟؟
بعد هذه المقدمة الضرورية نأتي على الأحداث المهمة التي أريد أن أقف عندها فأيام الرخاء غير أيام الشدة و الضراء غير السراء و المعادن لا تظهر إلا في المحن و كانت بداية الأزمة في الجزائر بمحاولة النظام العسكري تزوير الإنتخابات بطريقة قانونية و ليس بطريقة مباشرة فإن ذلك غير ممكن بل مستحيل فسنوا قانونا إنتخابيا جائرا تقسم فيه الدوائر الإنتخابية بطريقة لا يقبلها العقل السليم و ذلك بأن تقسم الدوائر حسب شعبية الجبهة ففي الأماكن التي يعرفون أنها ذات توجه إسلامي يقللون عدد المقاعد البرلمانية فيها إلى أقصى عدد و لو كان عدد السكان مليونين أو ثلاثة و في المناطق النائية التي لا يعرف سكانها معنى للسياسة و لا للإنتخاب يضاعفون عدد المقاعد و لو كان السكان عشرة ألاف أو أقل بحيث يجعلون شعبية الجبهة لا تحقق لهم الأغلبية مع أنهم أغلبية فكانت خريطة المقاعدة في غاية الجنون ؟؟؟ لكن الجبهة رفضت هذا القانون و كانت لوحدها إذ إصطف الجميع في صف النظام بما فيها الإخوان و العلمانيين و الإشتراكيين و الأمازيغيين لكنها وقفت لوحدها و أعلنت العصيان المدني حيث الإعتصامات في الميدان و الإضراب عن العمل في كل المؤسسات و المدارس و الجامعات فتعرض إقتصاد البلد إلى هزة عنيفة جدا فقرر النظام إستعمال القوة فإقتحم الميادين بجشيه و قتل العشرات و إعتقل قادة الجبهة الإسلامية الشيخ عباسي و الشيخ علي و غيرهم و حكم عليهم بـ 12 سنة سجنا قضى منها الشيخ عباسي 6 و قضاها الشيخ علي كلها في سجن إنفرادي ..
لكن الأحداث لم تتوقف فقد كان في النظام عقلاء فكانوا يعلمون أن هذه الإعتقالات لم تزد النار إلا إشتعالا فقرروا قبل اللجوء إلى الحل الأخير إنتهاج سياسة التشويه فشنوا حملة اعلامية شرسة و أجلوا الإنتخابات الرئاسية 6 أشهر كاملة حتى يعطوا لأنفسهم الوقت الكافي للتشويه و كانت القيادة الجديدة للجبهة هذه المرة قيادة إخوانية و إن كانت كإخوانية الشيخ حازم فقائد الجبهة و هو الشيخ عبد القادر حشاني رحمه الله كان من أصحاب المواقف الحاسمة الذي لا يعرف المداهنة و لا التخاذل ساعة الجد فقام بإعادة تشكيل مجلس الشورى بعد اعتقال الكثير من أعضاءه و أدخل فيهم قادة بارزين من جماعة الجزأرة ( و إسم هذه الجماعة الحقيقي هو جماعة البناء الحضاري لكن زعيم الإخوان في الجزائر سماهم الجزأرة لكونهم يرون العمل وفق الظروف الجزائرية ولا يعولمون القضية مثلما كان يفعل الإخوان وقتها مع أن الجماعة ذات فكر اخواني ) و هذه الجماعة هي جماعة نخبوية لا تدخل في صفها إلا الكوادر العالية ذوي التخصصات العلمية الكبيرة و هي تتميز بالتغلغل داخل الكيانات السياسية الإسلامية بغرض توجيهها وفق رؤيتها الخاصة للعمل فهي لما رأت الفوضى في الجبهة بعد أحداث العصيان قررت الدخول فيها لتغيير دفة المسار الذي كان متوجها نحو الصدام فإستطاعت التحكم في دفة القيادة و أقصت كثيرين من قادة الجبهة ممن كانت ترى أنهم غوغائيين أو صداميين و جمدت عضوية كثيرين آخرين و كان لهذا العمل أثره الكبير لما سيحدث فيما بعد في الجبال و استطاعت إعادة بريق الجبهة كما كان و أحسن و قادتها إلى نصر تاريخي حاسم ..
يتبع...
Bookmarks