أخي الكريم الأمور الغيبية تنقسم بشكل عام الى قسمين
1) ما نعرفه عن طريق قانون التلازم
2) ما نعرفه عن طريق الخبر
المثال على 1 هو مثلا عندما تؤمن بقانون عدم التناقض, هذا القانون غيبي لا يخضع لإدراك الحسي, بل هو تصور تدركه عن طريق وظيفة العقل, و وظيفة العقل هو استنباط القواعد العامة من التجارب الخاصة, مثلا أنت إذا ادعيت أنك "مُحدث" فحينها لا يمكن أن تدعي أنك "مُحدث و غير مُحدث" (هذا من الناحية المنطقية يعني الحدوث في الإثبات مساوية للحدوث في النفي .. أما خارج المنطق فممكن تكون مُحدث و غير محدث في آن واحد .. ) و هنا أنت تستخدم شيء غيبي, تؤمن به, بل لا مفر لك من إستخدامه .. نفس الشيء مع السببية فأنت لا ترى في الحقيقة إلا ترابط بين حدثين الاول يسبق الآخر, أما السببية فلا تراها و غير خاضعة للحس بتاتا, لكن القانون بشكل عام تستخدمه و تؤمن به و لا مجال آخر للتملص منه .. مثال آخر هو ردك أنت, فأنا أعرف شيء مثلا وجودك و بعض صفاتك بالأثر الذي تتركه في الرد ..
المثال على 2 هو الايمان بكروية الارض, بوجود الحمض النووي, الحرب العالمية الأولى .. الخ.
قد تأتي في الأخبار أشياء تستحيلها التجربة, لكن لا يستحيلها العقل, فمثلا قانون عدم التناقض شيء مستحيل تقبله تجريبيا, لكن تقبله عقلا, و قد يأتي الخبر بأشياء محالة في العقول لكنها ليست مستحيلة فهي محالة لأن عقولنا مثل باقي حواسنا محدودة و هناك أمور كانت محالة في العقول ثم أصبحت بفضل تقدم المعرفة ممكنة.
الحل هو أن تركز على الكليات الكبرى, فإذا آمنت بها و صدقت بها, آمنت و صدقت بما يتبعها.
أعطيك مثال, لنرجع قليلا في التاريخ إلى الوراء في زمان لا يعرف أجهزة حواسيب بأنظمة للتحكم في أنظمة أخرى عن بعد .. أنا أعمل مدير حواسيب شركة, هذه الشركة أؤمن بوجودها فأنا أشتغل عندهم يوميا, و في أحد الأيام أرسلوا لي رسالة فيها خبر و هذا الخبر يقول: بدءا من الأسبوع المقبل أبدأ العمل من المنزل, يعني أقوم بإدارة حواسيب الشركة بدون الخروج من البيت إلى العمل !!! هذا خبر لا يقبله عقلي و لا يمكن أن أصدقه .. كيف أقعد في منزلي و أدير حواسيب الشركة عن هذا البعد من الأميال؟؟؟؟!!! هل أبدأ أشك في وجود الشركة, الرسالة و كاتب الرسالة و صفات كاتبها (يجيد اللغة التي كتب بها, لديه علم فهو يعرفني و يعرف عنواني و وظيفتي و و ..)؟؟؟؟ قد أشك في الخبر مثلا, لكن أشك في شيء أعرفه بالتجربة المباشرة أو بقانون التلازم؟ لا, العقل الصحيح لا يشك في هذا .. و حتى الخبر هذا لا يمكن أن أشك فيه عندما أقتنع بمعرفة منها أن صاحب الرسالة مصدر ثقة و أن الرسالة هذه وصلتني عن طريق بريد ثقة .. الخ.
الفلسفة الإنسانية أو علمنة الفلسفة و العلم وراء الكارثة الحديثة التي تسبب اللاوعي و الإحباط كنتيجة للصراع بين المتناقضات, فعلى سبيل المثال لا الحصر, تصور الحياة على أنها عبثية -أو نتيجة عملية عبثية- من جهة, و من جهة ثانية إبعاد صفة العبث عن هذا التصور و عن أي محاولة فلسفية فكرية متتالية في إثبات هذا التصور!!
Bookmarks