المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبد الواحد
قبل مناقشة صدفة ظهور العقل وتطوره نتيجة "الانتقاء الطبيعي" لا بد من التمييز:
1- بين تطور القدرات العقلية بالتفكير والتدبر والبحث والدراسة والتي يسبقها قصد وغاية.
2- وبين التطور الطبيعي-كما يعرّفه الملاحدة- نتيجة انتخاب تلقائي ليس له غاية مسبقة.
أي نتيجة: (خطـأ في نسخ الشفرة المتعلقة بتصميم الدماغ) + (انتقاء الطبيعة للتصميم الأصلح بيولوجيا).
والشخص الذي يفسر ظهور القدرات العقلية بالعودة الى "الانتخاب الطبيعي" في (2)
عليه أن يلتزم بكل أركان هذا الانتخاب الذي يقول بضمور الخواص الغير ضرورية بيولوجيا.
المشكلة أن الكثير من القدرات العقلية تبحث عن حقائق نظرية وأجوبة لمسائل وجودية ليست من معايير البقاء.. ولا تخدم من قريب أو بعيد الحاجة البيولوجية للكائن الحي، ولا حتى تخدم الحاجة الفيزيائية للمادة الصماء التي لا يهمها مثلا معرفة القواعد الحاكمة لفضاء رياضي مختلف عن كوننا أو تلك التي تحكم المجموعات اللا نهائية إلخ.. وبالتالي حتى لو ظهرت طفرة خرافية نتيجة خطأ في النسخ على مستوى الدنا تحوّل تصميم الدماغ الى حاسوب يتمتع بقدرات عقلية لا يحتاجها نظامه البيولوجي .. فإن تلك القدرات يُفترض أن تضمر
وذلك تطبيقا لنفس مبدأ الانتخاب الطبيعي الذي يقول بضمور الخواص التي لا يحتاجها الكائن للبقاء في محيطه
فإن قيل "أن الطبيعة تنتقي النُظم العصبية التي تخدم بقاء الكائن الحي، وبتآلف تلك النظم يمكن أن تظهر إمكانات عقلية تتجاوز حاجاته البيولوجية". الرد: هذا أمر وارد لكن ليس في جميع الحالات.. فالذكاء في أغلبه لا يمكن تمثيله بمتغيرات تقبل الجمع والطرح.. مثلا: مهما ألفت بين نُظم عصبية منتخَبة -تتبع خطوات محدودة العدد- فلن تحصل على نظام يعالج عدد لا نهائي من الأرقام ليجزم بصحة مبرهنة Abel's Impossibility Theorem أو يجزم بصحة fermat's last theorem ..
هذه القاعدة ذكرها الرياضي فيرما قبل أكثر من 340 سنة.. والجميع كان يعلم أنها صحيحة لكن لم يكن أحد يمتلك البرهنة! وعندما ظهرت الحواسب في القرن الماضي حاولوا التيقن من صحتها بتجربة عدد كبير من الأرقام، ولو استمر الحاسوب في العمل بليون سنة سيبقى العدد الذي أُخضع للتجربة محدودا.. وبالتالي لا يمكن الجزم بصحة القاعدة السابقة حتى لو تركت الحاسوب يعمل الى ما لا نهاية. الذي قدم البرهة العقلية هو andrew wiles في أواخر الـثمانينيات من القرن الماضي بالإعتماد على قواعد نظرية.
الشاهد هنا أن الذي يدعي أن كل القدرات العقلية يمكنها ان تتطور بالطفرات التي تغير تصميم الشبكات العصبية.. فهو بالتأكيد يدرك الخطوط العريضة و"يفهم" المنطق العام لكيفية تآلف تلك الشبكات التي تخدم الحاجات البيولوجية.. لتشكل في مجملها نظاما يثبتب "مبرهنة فيرما"! فلماذا لم نرى تطبيقا لهذا "الفهم التطوري" على شبكة إلكترونية تنجح في إثبات تلك المبرهنة؟ لأنه كما سبق ذكره: مهما ألفت بين نُظم تتبع خطوات محدودة العدد.. فلن تحصل على نظام يعالج عدد لا نهائي من الأرقام في وقت محدود.
مثل آخر: العقل يدرك قواعد تحكم فضاءات رياضية تختلف عن فضائنا. لكن مهما تعقدت النُظم العصبية "المُنتخبَة" التي تخضع لما يخضع له الدماغ من ثوابت فيزيائية.. فلن تحصل أبدا على نظام قادر على تغيير تلك الثواب.. وهذه ليست فقط مقولة نظرية بل يصدقها الواقع (ما دام النظام الفيزيائي الحالي قائما) فإن تراكم الأحداث وتعقدها لن يغير من ثابت بلانك أو ثابت الجاذبية أو ثابت فاراداي إلخ! والسؤال الآن: كيف أدرك عقلك فضاءً رياضيا يخضع لثوابت مختلفة؟
• فان قيل أن في كلامك مغالطة لأن (1: أحداث الدماغ) لا تغيّر الثواب الفيزيائية لكنها "
ترمز" فقط الى (2: فضاءات رياضية لا تحترم الثواب الفيزيائية)
الرد: كلمة "ترمز" ليس لها أي معنى في قاموس "الواقعية المادية".. عليك أن تبحث عن آلية (أ) تربط بين (1) و (2)
لكن وجود الآية (أ) لا يحل المشكلة! لأن الحدث (1) + (أ) في مجمله لن يخالف الثوابت الفيزيائية.
وهكذا نعود الى المربع الأول: كيف تثبت أن الحدث (1) + (أ) "
يرمز" الى ما يدركه العقل في (2)؟
لو بحثت عن وسيط آخر ستسقط في نفس المشكلة.. ولا يمكن الاستمرار الى ما لا نهائية في البحث عن وسيط لوسيط لوسيط...
ولذلك تجد الفيزيائي Leonard Mlodinow
يقر أنه لم يجد أي تعريف للوعي يمكن للعلماء التعامل معه!
• فإن قيل "أن ما يدركه العقل في (2) هي مجرد أمور نظرية لا علاقة لها بالوقع" !
الرد: هذا سبب إضافي لضمور القدرات العقلية التي يدرك بها الإنسان ما لا علاقة له بالواقع.
إذاً المشكلة ليست فقط في التفسير الفيزيائي لنشاط دماغي "يرمز" الى حقائق تسري على حالة نظرية.
بل المشكلة هي في إنتخاب الطبيعة لتصميم له نشاط "يرمز" الى أمر نظري لا يخدم بقاء الكائن الحي.
وتطبيقا لمبادئ الانتخاب الطبيعي .. المفترض أن تبدأ تلك القدارت العقلية رحلة ضمورها فور ظهورها.
وهذا مخلاف للواقع.
Bookmarks